
رواية شبح حياتي
الفصل الحادي عشر 11 والثاني عشر 12
بقلم نورهان محسن
الفصل الحادي عشر
قد تعني فكرة أنك تخشى فقدان شخص ما أنه قد استولى بالفعل على روحك.
قالت حياة بابتسامة متعجرفة ، وهي تضع يديها في الجيوب الخلفية من سروالها الجينز : انا فكرت وعرفت هعمل ايه
نظر إليها بنظرة مغتاظة ، بينما كان لا يزال جالسًا على الأريكة ، مع رفع حاجب واحد تساءل بإمتعاض : واشمعنا هتاخدي ست مروة هانم بقي؟
ساد الصمت لحظات قبل أن ترد عليه بتنهيدة : عشان انا ماعنديش خبرة في الموضة والحاجات دي ماهتمتش بيها جامد قبل كدا وكمان الاماكن هنا معرفهاش اوي يعني
استقام في جلسته بدر ، ووضع إحدى رجليه فوق الأخرى ، وسأل بهدوء ، مليئًا بالفضول : وليه يعني بدأتي تهتمي بالموضة دلوقتي علي غفلة كدا!!؟
ابتلعت حياة ريقها بخفة وهي تفكر في صياغة إجابة لسؤاله ، لم يكن من الممكن لها أن تخبره أنها لأول مرة أرادت أن تعتني بمظهرها بعد رؤية زوجته التي جعلتها تشعر بجانبها كأنها فتاة مراهقة تقف أمام امرأة ناضجة و جميلة جدًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
عندما وصل تفكيرها إلى هذه النقطة ، شعرت ببعض الغيرة المحمودة تحرقها ، هي لا تمانع في السماح لنفسها بالتفكير بهذه الطريقة في ذهنها ، ربما حان الوقت لتغيير بسيط لنفسها أولاً قبل كل شيء ، لكنها تستطيع ببساطة أن تنكر الإفصاح عن ذلك ، حتى لا يفهم أن ذلك يمثل نقصًا في الثقة بنفسها ، قائلة بسخرية لاذعة : بدر انا اوقات بشك في نسبة ذكائك و ماعرفش ازاي انت محامي!! لسه قايلة من شوية عشان اقنع الراجل باللي هتهبب اقوله ليه
ابتسم بدر ابتسامة جانبية ، عندما تراها على فمه يزداد الغيظ منه والانجذاب إليه بداخلها ، لتسمعه يقول ببرود : لا والله ومالك فجأة اتنرفزتي كدا ليه!! عادي محدش منعك تهتمي بنفسك زي اي بنت بس حاسس الموضوع دا وراه سبب تاني غير دا؟
رمقته حياة بحدة ، تضم شفتيها بخط مستقيم ، ثم قالت من بين أسنانها في استياء : خليك في حالك لو سمحت وسيبني اروح البس .. الولية زمانها جاية في السكة
أنهت كلماتها وهي تسير نحو غرفة النوم ، لكنها فجأة نظرت خلفها برأسها فقط ، ووجدته من العدم خلفها تمامًا بعد أن كان جالسًا على الأريكة ، صاحت بخوف و إستهزاء بعد أن التفتت إليه بكل جسدها : انت ماشي ورايا ليه زي ضلي كدا!! هتيجي معايا وانا بلبس ولا ايه يا عم انت!!
أدرك بمجرد أن أنهت كلامها أنه في الواقع كان سوف يلاحقها بدون وعى منه ، فحمحم بحرج وهو يفرك مؤخرة رقبته ، ثم هتف بسخط : لسانك اهلك دا مابيعرفش يعدي اي حاجة بعملها لازم يحط تاتش اللماضة بتاعته و يعلم عليا
قامت حياة بلف شفتيها للخارج بتعبير اشمئزاز جلياً على محياها ، وسألته بإندهاش : مالك يا بدر بقيت بيئة ليه كدا؟
ابتسم بدر حتى ظهر صف أسنانه اللؤلؤية ، يلعب بحاجبيه ، ثم يتمتم باستفزاز : من عاشر القوم
اتسعت جفونها ، وشهقت بصدمة مزيفة ، ثم وجهت إصبعها إلى نفسها ، وزأرت بصوت عالٍ : يانهارك فوحلقي انت بتلمح عليا انا مش كدا!! ماشي لما ارجع هوريك .. حاليا مفيش فيا حيل للخناق معاك و مستعجلة
أنهت كلماتها واستدارت للجهة الأخرى لتراه أصبح أمامها فى لمح البصر ، لتتراجع خطوتين للخلف محدقة فيه بذعر.
نفي بدر برأسه وعلى مبسمه ابتسامة ساحرة غير مبالى بنظراتها المستنكرة ، وقال بعدم اكتراث : مفيش خروج الا بشرط
هتفت حياة بإمتعاض ، وهي تضع يديها على خصرها : نعم يا دالعادي!! مش واخد بالك اني هعمل دا كلو عشان حضرتك كمان هتتشرط عليا؟
حرك بدر كتفيه مقلدا نفس حركتها بسخرية ، وقال باستخفاف : ان كان عجبك
رمقته حياة بمقت قبل أن تصيح على عجل حتى لا يضيع عليها وقت أكثر في هذه المجادلة السخيفة : ايه هو!! ياريت تنجز
حدق بها بدر بنظرة تحذيرية مليئة بالتحدي ، وهو يشير بأصابعه نحو شعرها قائلا بجدية تعجبت حياة منها جدا : اوعي تتجنني في مخك تاني و تغيري لون شعرك كفاية بهدلة فيه
رفعت يديها وهي تضرب كف على كف ، وظهرت علامات الاستنكار على وجهها مجددا قائلة بحنق : عوض عليا عوض الصابرين يارب
خنق بدر ضحكته وهو ينظر إليها بتسلية ، ثم قال مسرعا من ورائها بعد أن تجاوزته ، وتوجهت إلى الغرفة دون أن يلاحظ الابتسامة الشقية التي ظهرت على شفتيها الرقيقة : امين يا حجة
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
سرعان ما ذهبت شمس النهار ، و حلَّ ظلام الليل ينيره نجوم السماء اللامعة مثل عيون البدر.
توقفت سيارة سوداء اللون أمام مدخل المبنى ، وسرعان ما انفتح الباب الخلفي وترجلت منه حياة ، ثم نزلت مروة من الباب الأمامي ، ومرت عدة لحظات قبل أن ينزل مازن بخطوات هادئة ، حيث كان جالسا خلف مقود سيارته ، يراقب بهدوء ابتسامة حياة السعيدة التي لم تتوقف عن الحديث مع مروة في طريق عودتهم.
تساءلت مروة بإستغراب بعد أن تطلعت فيها ، وهي تساعدها في أخذ عدة حقائب من داخل السيارة قبل أن تغلق الباب ، وتسلمها لمازن : مش عارفة ايه سر لبسك للطقية دي تاني يا حياة!؟
ردت عليها حياة بضحكة لطيفة ، وهي ترفع أطراف أصابعها بتلقائية ، وكأنها تتأكد من أن القبعة مازالت فوق رأسها : عادي بقي لسه مش متعودة علي شكلي الجديد من غيرها
إحتلت تعبيرات الفضول وجه مازن ، ثم تحدث بنبرة ضاحكة : ياريتك شيلتيها كان نفسي اشوف النيولوك الجديد
تطلعت مروة إلى حياة بابتسامة عريضة قبل أن تنظر إلى مازن ، قائلة بإندفاع متحمس : اسألني انا يا مازن دا تحفة عليها بجد خلها تنور اكتر
ارتسمت ابتسامة خجولة على ثغر حياة ، وقالت بغرابة : خلاص بقي بكرا هتشوفوه مستعجلين علي ايه!!
أضافت بامتنان ، بينما وزعت نظراتها بينهما : بجد ميرسي اوي تعبتكو جامد معايا انهاردة
حدقت مروة في حياة بعدم رضا مزيف ، قبل أن تقف بمحاذاتها ، وهي تلف أحد ذراعيها حول ظهر حياة ، تقول بمرح : يا بنتي بطلي الحساسيات دي بجد انا انبسطت انهاردة جدا معاكي رغم مقاوحتك الكتير .. تخيل يا مازن ساعتين بنقنعها تجرب الكعب العالي
ضحكت حياة بخفة ثم هتفت مبررة ، وهي تحدق بعفوية في مازن الذي يستمتع بالحديث ولم يتجاوز دوره فيه جملتين ، لكنه كان مسرورًا رغم كل شيء : طلع متعب اوي وانا مش متعودة البسو كنت حاسة كأني ماشية علي الميه بيه
اقترحت عليها مروة بنبرة هادئة : الاحسن بقي عشان تتعوديه عليه تلبسيه وانتي قاعدة مع نفسك فوق تروحي وتيجي بيه علي مهلك لحد ماتاخديه عليه
أومأت حياة برأسها داعمة ، وقالت بتنهيدة خافتة : ما انا هعمل كدا
قطع مازن تأمله لها عندما خطا خطوة ، و على فمه بابتسامة جذابة قائلا بلباقة يتخللها المرح : هاتي الشنط دي عنك و خلينا نطلع انا جعان جدا
حركت مروة رأسها بالإيجاب ، وقالت مساندة لأخيها : وانا كمان التصبيرة اللي اكلناها في المطعم دي جوعتني بزيادة .. يلا يا يويو خلينا نطلع نتعشي كلنا سوا
اسرعت حياة ترفض على عجل ، وبطريقة لطيفة فهي متعبة جدا قائلة بإبتسامة محرجة : لا معلش مش هقدر انا شبعانه .. ويدوب اطلع انام عندي مدرسة بدري
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
في الطابق الخامس من المبنى
لوحت لهم حياة بابتسامة ووداعتهم بعد أن فتحت باب الشقة ، وأدخلت جميع الحقائب التي اشترتها ، ثم أغلقت الباب بهدوء خلفها ، ولم تستطع الرؤية بسهولة بسبب الإضاءة الخافتة للمكان.
فتحت مفتاح الضوء ، ثم تجولت عيناها بلهفة في أرجاء المنزل بحثًا عنه ، لكنها لم تجد أثرًا له في الصالة الفسيحة.
رفعت حاجبيها بتساؤل ، بينما هناك هاجس بداخلها أوهمها أنه اختفى كما قال سابقاً ، وأنها لن تراه مرة أخرى ، لكنها نفضت تلك الأفكار من عقلها ، وصاحت بقلق مليء بالأمل : بدر .. بدر .. انت فين!!
شعرت أن قلبها توقف عن الخفقان لبضع ثوان عندما لم تسمع سوى صدى صوتها يهتز في المكان ، ثم سرعان ما بدأ يطرق بجنون عندما قفزت إلى عقلها فكرة أنه ليس موجودًا حقًا ، مما جعلها تريد أن تبكي.
....: هنا معاكي
التفتت إلى الجانب الآخر بسرعة عندما سمعت صوته الهادئ فجأة ، و رأته يحدق بها بنظرة لم تستطع تفسيرها ولم تهتم كثيرًا ، فقد غمرتها سعادة غير مفهومة عند رؤيته و ذلك يكفي.
استندت على الحائط خلفها بشكل عفوي ، بيدها تمسك قلبها الذي ينبض ألف نبضة في الثانية ، ولا تعرف سبب اندفاعاته الجنونية ، هل بسبب ظهوره المفاجئ كالمعتاد منه ، أم لأنها ظنت أنها خسرته ، ولكن هذا ليس شعور بالخوف منه ، بل هو خوف من نوع آخر.
إحساس للمرة الأولى تشعر فيه بتلك القوة منذ أن قابلته ، أو ربما تكون هذه هي المرة الأولى التي تطلق عنان شعورها رغما عنها بأن يسيطر عليها.
ابتلعت حياة لعابها قبل أن تهمس بصوت حاولت أن يكون طبيعياً ، لكنه خرج مرتجف من اضطراب قلبها رغم محاولتها السيطرة على رجفة قلبها الأحمق : ايه دا!! كنت فين .. حضرتك؟
تصنع بدر البرودة مقنعا بها ملامحه رغم بريق عينيه اللتين تقولان عكس ذلك ، وصوته يقول بهدوء : كنت قاعد مستنيكي هنا .. ليه اتأخرتي اوي كدا!!
شعرت بالهدوء يعود إليها مرة أخرى ، فابتعدت عن الحائط وانحنت لحمل الحقائب التي ألقتها على الأرض عندما دخلت الشقة ، ثم اتجهت نحو الأريكة بخطوات ثقيلة وجلست عليها براحة وقالت في حماس طفولي : اصلي اشتريت حاجات كتير و عملت شعري
نظر إليها من رأسها حتى أخمص قدميها متسائلاً : عملتي فيه ايه؟ و ليه لابسه الطاقية دي تاني؟
ثم مازحها ساخرا : اوعي تكوني حلقتي شعرك علي الزيرو!!
التقطت القط الذي قفز إلى الأريكة بجانبها ووضعته في حجرها ، وربت على رأسه برفق ، ثم نظرت إليه بعبوس ، وقالت بتذمر مزيف : هاها ظريف اوي .. لا عملت شوية تغييرات كدا فيه
جلس بدر مقابلها على الطاولة أمام التلفزيون ، وفرج ساقيه عن بعضهما البعض ، وسند بمرفقيه على فخذيه ، قبل أن يشابك أصابعه معًا ويسألها بلهجة غامضة : قولتي انك رايحة مع مروة .. ليه راجعة مع مازن؟
كانت عيناه تنظر إليها بعمق عن قرب ، مما جعلها تشعر بالحرارة تزحف إلى وجهها وتغطي المكان من حولها ، رغم أن الجو كان جيدًا ، بينما هزت كتفيها بغير مبالاة وأجابت بنبرة صادقة : عادي الوقت اتأخر وماحبناش ناخد تاكسي لوحدنا .. قامت مروة كلمت اخوها وجه وصلنا .. ايه المشكلة في كدا!!؟
تنهد بدر بهدوء ، وتحدث مغيرا مجرى الحديث : مفيش .. يلا وريني اشتريتي ايه؟
إلتمعت عيناها من الحماس ، وأومأت برأسها قبل أن تقول بحمحمة : احم بص هنتفق اتفاق رجالة
رفع حاجبًا واحدًا بدهشة وتمتم : رجالة!!
ضحكت حياة بخفة ، وتكلمت بشقاوة : ايوه انت تقعد هنا .. وانا هدخل اجرب الهدوم الجديدة واخرج أوريك النيولوك الجديد وخد بالك انا محتاجة اراء تشجيعية بلاش تحبطني
لم تعط بدر فرصة للرد ، حيث نهضت برشاقة ونشاط ، فجأة عاد إلى جسدها ، بعد أن وضعت القط على الكنبة ، ثم ركضت نحو غرفة النوم.
نهض بدر وجلس على الأريكة في نفس المكان الذي كانت تجلس فيه ، واضعًا ساقه على الأخرى ، ورفع يديه وشبكهما خلف رأسه وهو ينظر إلى القط الصغير و تحدث معه وهو يغمغم : وبعدين بقي في حكاية مازن دا .. تفتكر تكون معجبة بيه!!
أعاد رأسه إلى الوراء وغمر أصابعه في شعره وهو يفكر بعمق ، لم يتركها منذ اللحظة التي نزلت فيها مع مروة كان وراءها في كل خطوة تخطوها دون أن يجعلها تشعر به حولها.
أغلق عينيه بهدوء ، وقفز إلى مخيلته على منظر شعرها الذي تألق وأشرق لونه كثيرا عندما قامت بتصفيفه ، فأصبح منسدلا بنعومة على كتفيها.
جعلت قلبه يشتعل بنار ملتهبة تضاهي بريق شعرها الناري ، وهو يشاهدها تختار الملابس مع مروة وتجربها بسرعة ، رغم أنها كانت ملابس أنيقة للغاية وجميلة لكنها ملفتة إلى حد ما ولهذا جن جنونه.
شعر بنيران تتأجج في نفسه من الغيرة ، وفي لحظة من التهور كان سيذهب إليها يعنفها ، ويصب غضبه الذي شعر به عليها ، لكنه كبح جماح نفسه بمعجزة عندما تذكر أن غضبه وجنونه ليس له ما يبرره حتى لنفسه ، وليس له الحق في أن يفقد عقله هكذا معها.
إنه لا يعرف حقيقة ما يشعر به تجاهها حتى الآن ، حتى لا يدري ما هو مصيره حرفياً ، وانفجار ذلك البركان المحموم بجنونه قد يؤدي إلى مرضها مجدداً ، ولكن على الرغم من ذلك ، ظلت ألسنة اللهب محتدمة داخل قلبه ، تحرقه بشدة ، عندما رأى جمالها ، تزايد أضعاف وسطع بشكل مذهل ، كما يسطع البرق في السماء.
حيث كانت في السابق ذات جمال طفولي أحبه قلبه ، لكنها الآن بدت جذابة وملفتة للنظر.
تدحرج بصره نحو جسده الرياضي ، الذي يدل على أنه كان يمارس الرياضة بانتظام ، ولكن الآن كيف يمكنه ممارسة الرياضة؟
كيف يمكنه التحكم في نوبات غضبه ؟ فهو بالتأكيد لا يستطيع ذلك ، وهذا أحد الأسباب التي تجعله يتصرف بعنف ضد إرادته عندما يقترب منها احد ، لذا عليه أن يبقي باردًا وهادئًا تمامًا ، لكن نظراته تكشفه بشكل لا إرادي.
تمنى في خلجه لو أنها لم تحاول تغيير مظهرها ، فهذا لم يكن سيئًا على الإطلاق ، بل كان عفويًا ، فهو يحبها كما هي.
فتح عينيه بصدمة مما وصل إليه بتفكيره ، فهل قال الآن أنه يحبها ؟ فجأة انفتح عقله على حقيقة جديدة لم يكن يعرفها.
و الذي جعل أعصابه تثور حقًا عندما اشتبه في أنها تعتني بنفسها لذلك مازن ، وما جعل الفكرة تكبر في ذهنه أكثر عندما رآه جاء لتوصيلها بعد أن أصرت مروة على ذلك ، لكن ما هدأ أعصابه قليلاً هو أن حياة رفضت إظهار شعرها ولبست القبعة ، ولكن بداخله يشعر أنه يتمادى كثيراً بمشاعره التي لا يستطيع السيطرة عليها تجاهها ، فيكفيه ما يعانيه بالفعل ، وما يغضبه أكثر هو إنه عاقل ورصين ، كيف أصبح مراهقًا هكذا ، يسير وراءها في كل مكان.
نظر بدر إلى السقف ، مطلقاً نفسًا عميقًا لعل أفكاره المتضاربة تخرج معه.
قرر تجاهل هذه الأشياء عن عمد الآن ، وهو عازماً على أنه لن يجعلها تشعر بالمشاعر الحارقة التي تعتريه ، والتي لا يفهمها أو يستطيع أن يفسرها.
أدار رأسه نحو غرفته ، ناظرًا إليها بذهول من تأخر حياة بالداخل ، ثم نهض من مقعده وذهب ليراها.
اخترق الحائط برأسه مترددًا خوفًا من أنها ما زالت تغير ملابسها ، لكنه أكمل دخول جسده بسهولة تامة عندما رآها نائمة على السرير ، ولا تزال ترتدي نفس الملابس التي جاءت بها من الخارج ، ويظهر بوضوح الإرهاق على وجهها البريء ، فابتسم بخفة علي لطافتها.
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
في شقة مازن
خرجت مروة من غرفة والدتها ، وتوجهت إلى غرفة المعيشة حيث كان يجلس مازن يفكر فيها حتى استيقظ على صوت أخته التي قالت بابتسامة ملتوية : اللي واخد عقلك يتهني بيه!!
نظر إليها وهو يجعد حاجبيه ، ثم ابتسم ببرود دون أن يكلف نفسه عناء الرد عليها ، فردت بضحكة خافتة : براحة علي نفسك مش اوي كدا
وبخها مازن بملل : مش هتبطلي الرزالة بتاعتك دي
بسطت مروة يديها أمامها ، وقالت بدهشة : هو انا قولت حاجة يا بني!! انا جيت اقولك ان ماما خدت الدوا بتاعها ونامت لاقيتك سارح في ملكوت تاني
نفي مازن برأسه بضجر ، واضعاً إحدى قدميه فوق الأخرى ، ونظر إلى ساعة معصمه بعبوس قبل أن يقول لها نظرة حانقة : لا تاني ولا تالت .. جوزك جاي ياخدك امتي و يرحمنا من رغيك يا مروة؟
برزت مروة شفتيها بأسي قائلة بنبرة منذهلة : اما صحيح خيرا تعمل شرا تلقي .. دا جزائي بدل ماتشكرني اني خليتك تشوف ذات الشعر المشمشي .. تبقي عايز تكروشني كدا!!
نظر إليها مازن بعيون ضيقة ، وسألها بحذر : قصدك ايه؟
رفعت مروة حاجبيها بابتسامة مستفزة ، وأجابته بنبرة أنثوية ماكرة : انت فاهم كويس .. بلاش تعمل من بنها يا مازن عينك الخضر فضحاك يا بني
برم مازن شفتيه ، وهو يميل نحوها بعد أن أنزل إحدى قدميه عن الأخرى ، ورفع إصبعه قائلاً بتحذير هادئ : مروة .. الحوار دا مش هزار بلاش تعكي بالكلام دا قدامها
رفعت مروة حاجب في استنكار ، وقالت بنبرة تأنيب : ليه يعني هو انا عبيطة ولا عيلة صغيرة يا مازن..؟
رماها بنظرة جانبية بعد أن أشاح وجهه عنها قائلاً بغيظ : لا انتي سوسة يا مروة .. يدوب جيت حكيتلك اني شوفتها من هنا ومديتي معاها حبال الصداقة من هنا
ضحكت مروة بصوت عال ، وعادت لتسترخي جسدها على الأريكة ، وهي تنكر حديثه في اعتراض : لا يا حبيبي .. انا اللي حكيتلك الاول اني روحت زورتها قبل ما تعرف انها هنا في العمارة اصلا ووقتها قولتلي انك قابلتها
تحدث مازن وهو يجز على أسنانه ، ليُكتم غضبه : مروة انا جيت اقولك عشان انا حاسس اني معجب بيها .. بس انتي تفكيرك من يومها في شقتها ماتنكريش
تنهدت مروة بعمق ، وأجابت بجدية : مابنكرش يا مازن ولا حاجة ومش شايفة ان في مشكلة يعني في الاول كنا عايزين نشتري شقتها عشان لما تتجوز تكون جنب ماما وانا كلمت ميساء بس اختها ماوافقتش علي انها تبيع حتي بدر لما عرف عملت انت وهو مع بعض مشكلة معرفش كان لزومها ايه وزعلتو من بعض!!
نفث الهواء من صدره ، ورفع راحة يده أمامها ، وقطعها بإنفعال دون أن يرفع صوته : مش انا السبب .. هو اللي كانت عصبيته مالهاش تلاتين لازمة والله ندمت اني فتحت معاه الموضوع ولا كنت عارف اصلا انه قالب شقة حياة مخزن الا لما هي حكت بنفسها
أومأت مروة برأسها تفاهمًا لأخيها ، وهي تربت على فخذه ، وتقول بابتسامة حنونة جعلته يبتسم لها رغمًا عن إرادته عندما خففت كلماتها عن اضطراب قلبه : ماعلينا المهم انها موجودة هنا و علاقتنا بيها كويسة و انت معجب بيها .. اذا واخد الموضوع جد حاول تتقرب منها وان شاء الله ربنا يقدم اللي فيه الخير
#الفصل_١٢
الفصل الثاني عشر
أَقبلت هي وَالصبحُ المُنيرُ مَعاً
حتّى تحيَّر في ضوايهما النَظرُ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في صباح اليوم التالي
استيقظت حياة بكسل ، وهي تتثاءب وهناك ابتسامة سعيدة على شفتيها الوردية ، ثم رمشت جفنيها عدة مرات بملامح مسترخية محاولة استعادة تركيزها واسترجاع مشاهد لما حدث بالأمس ، ولكن عندما تدحرج بصرها عفوياً تجاه ما كانت ترتديه ، تأففت بضجر لأنها كانت نائمة في كامل ملابسها.
نهضت متكئة على مرفقيها ، ناظرة إلى الغرفة التي كانت مليئة بأشعة الشمس الدافئة ، لكن لم يكن هناك أثر لبدر فيها.
قطبت بين حاجبيها بإستغراب ، فهذه كانت المرة الأولى التي تستيقظ فيها ولا تجده بجانبها.
قامت بسرعة من السرير ، ولبست نعالها الخفيف ، ثم هرولت في مشيتها حتى تخرج من الغرفة ، لكن عندما وصلت إلى الباب وقفت فجأة ، ثم مدت يدها إلى مقبض الباب بهدوء وفتحته ببطء دون أن تصدر أي صوت ، وطلت برأسها فقط تنظر خارج الغرفة.
تفحصت بعينيها أرجاء الصالة حتى رأته جالسًا في إحدى الزوايا على كرسي هزاز ، متكئًا بمرفقه على مقعد الكرسي ، قبضته أمام فمه ، نظراته إلى الأسفل بشرود.
ارتفعت حواجبها بغرابة من جلوسه هكذا ، وأصابها الفضول لمعرفة ما يفكر فيه ، لكنها تنفست براحة ولم تعير الأمر اهتماماً طويلاً ، ثم سارت بهدوء باتجاه الحمام من الجهة الأخرى لموقع بدر بعد أن أخذت ملابسها لتغييرها بعد الاستحمام.
بعد نص ساعة
وقفت حياة أمام المرآة تضع اللمسة الأخيرة من أحمر الشفاه باللون النيود الذي يلائم بشرتها شديدة البياض ، بعد أن قامت بوضع مكياج ناعم ، حيث اكتفت بظلال العيون باللون السموكي على جفنها ، وحددت الجفن العلوي بالآيلاينر بأسلوب بسيط ومميز جعل عينيها تبدوان أكثر جمالاً واتساعاً ، كما أنها استخدمت أحمر الخدود باللون النيود لإبراز التورد الطبيعي لوجنتيها.
تراجعت بضع خطوات للوراء ، وتفحصت بعناية مظهرها في تلك الملابس ، حيث كانت ترتدي بنطال من الجينز الأسود المناسب لساقيها النحيفة ، وبلوزة بيضاء بأكمام طويلة ، منخفضة في الكتفين ، وحزام متوسط العرض باللون الأسود في الخصر.
كانت سعيدة للغاية بشعرها الأملس الذي تجربه لأول مرة ، حيث قامت بتضفير شعرها بأسلوب فرنسي يناسبها كثيراً ، خاصة أنها تركت خصلات على جانبي وجهها المشع بالجمال مع تألق شعرها الأحمر الناري.
ابتسمت بسعادة وهي تغمز لنفسها ، وشعور غريب بالثقة بالنفس طغى على كيانها ، ولأول مرة كانت راضية بمظهرها جدا.
حملت حقيبتها البيضاء الصغيرة ، ثم غادرت الغرفة على عجل ، ووجدت بدر على نفس الحالة التي تركته بها منذ فترة وجيزة.
....: بدر
خرج من قوقعة أفكاره على صوتها الرقيق حين نادته بإسمه ، ثم رفع وجهه تجاهها ليتوسع بؤبؤ عينيه الداكنتين ، وشعر بجاذبية أقوى من المغناطيس يشده نحوها ، وفي لحظة نسي ما أوصى به نفسه طوال الليل.
لمحت في عينيه اللامعتين نظرة اعجاب ، لكنه لم يترجمها بلسانه بل تجول في عينيه المندهشة فقط.
بينما هو كان ولها بها ، وبسحرها الخلاب الذي يجعل الفولاذ يلين ، ويذوب من شدة توهج خصلاتها النارية.
سألها بدر بنبرة هادئة مدعي عدم الاكتراث : مش هتفطري!!
تنهدت حياة بإحباط حالما عادت نظراته لها في ثوانٍ غامضة ، لا تظهر أي رد فعل عما بداخله حتى ظنت أنها كانت تتوهم من فرط سعادتها ، وقالت بهدوء بعد أن تبخر حماسها : مش جعانه دلوقتي .. هبقي اكل اي حاجة سريعة في المدرسة
بدر بتمتمة : ماشي
رواية شبح حياتي للكاتبة نورهان محسن
موجودة بالواتباد فضلا متابعة للحساب واتفاعلو علي الفصول بتصويت وكومنت
تنحنحت حتي تجذب انتباهه عندما ظل ساكنا بجمود ، وليس لديها أدني فكرة عن الحرب الضارية في قلبه ، ثم تساءلت بصوت خافت ، وهي تقوم باللعب بأصابعها بتوتر : انت مش هتيجي معايا؟
أجابها بدر بجمود : لا مالوش داعي هستناكي هنا
إمتعضت ملامح حياة من إجابته الجافة ، وازدردت ريقها بعدما ثبت بصره عليها فهربت من النظر له ، وقالت ببرود : طيب براحتك .. لما اخلص هرجع عشان اغير هدومي ونتحرك
هز بدر رأسه ورفع يده ، ولمس أطراف أصابعه الإبهام والسبابة ، دليلا علي موافقته دون أن يقول أي شيء بعد ذلك.
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
في منتصف الظهيرة
حياة جالسة في المقعد الخلفي داخل سيارة الأجرة التي تقلهم إلى مكتب المحاماة الخاص في بدر الجالس بجانبها.
زفرت حياة بخفة ، ونظرت إليه برهة ثم إلى أصابعها ، متعجبة من أمره ، إذ لم يبد أي رأي بعد في مظهرها الجديد.
لم يحاول طرق الموضوع بتاتا ، رغم أنها عادت من المدرسة وغيرت ملابسها إلى فستان منقوش بأناقة يتداخل مع عدة ألوان ، الأبيض ، الأسود والبني الفاتح ، بأكمام طويلة يصل لبعد الركبة بقليل ، وفوق الفستان جاكيت جلدي يصل الخصر بدون اكمام ، مع حذاء بوت طويل جلد باللون الاسود ، و تركت شعرها منسدل على كتفيها بنعومة فائقة ، حيث كانت إطلالتها وأناقتها غاية بالتناغم والروعة.
تساءلت في سرها عن سبب بروده في الحديث معها منذ عودتها البارحة؟
شكت أنه ربما يكون غاضبًا منها ، لأنها لم توافق على قدومه معها عندما اشترت الملابس الجديدة ، لكنها أرادت مفاجأته فقط.
وبخت نفسها بشدة ، وهي تحدق من النافذة ، وتتساءل بغرابة مخاطبة نفسها : في ايه يا حياة مهتمة برأيه اوي كدا ليه و زعلانه ليه يعني؟ انتي اجننتي ولا مالك اعقلي وبطلي تشطحي بخيالك لبعيد .. بس انا هعيط بجد ليه ماحاولش يقولي كلمة واحدة حلوة من امبارح!! يوووه انتي باين عليكي لسعتي .. هو انتي في ايه ولا في ايه اصلا!!؟
جاء في ذهنها الموقف الصباحي عندما قابلت مازن قبل ذهابها للمدرسة ، وأبدى إعجابه الشديد بمظهرها ، الذي راق له كثيرا.
تذكرت إطراءه بكلمات الرقيقة لها ، لكنها لم تكن سعيدة بها بقدر سعادتها لو كانت أتت من ذلك الجدار الصامت المجاور لها.
الشيء الذي لم تعرفه حياة أن ذلك اللقاء مع مازن في الصباح شهده بدر حيث كان يتابعها كالمعتاد بنظراته ، واحتقان وجهه بسخط شديد عندما رأى مازن هائماً في ملامحها وابتسامتها الخجولة ، لكنه أذعن الصمت على مضض ، وهذا ما كان يدور في ذهن بدر في هذه اللحظات.
★★★
داخل مصعد في مبنى فخم
وقف الاثنان بجانب بعضهما البعض في صمت ، بينما ضبطت حياة خصلة طائشة على جبهتها ، مستخدمة القلم بين أصابعها ، بعد أن أدخلت دفتر ملاحظاتها في حقيبتها الصغيرة ، بعد مراجعة الأشياء التي كتبتها حتى إذا نسيت شيئًا ما ، فستتذكره من خلال دفتر الملاحظات كما هي عادتها دائمًا ، مثل الذي يذهب إلى الامتحان وبداخله مضطرباً من ان يخفق فى الاجابات.
لاحظت أن بدر رفع عينيه ، ناظرا إلى أرقام الطوابق أعلاه ، لتستفيد من الفرصة حتى تكسر هذا الصمت المتوتر أعصابها ، قائلة بهدوء بعد أن ألقت نظرة خاطفة عليه : انا متابعة
خفض بصره إليها ، غمغم بغير بفهم : ايه!!
إحمر وجهها رغما عنها وردت بصوت هادئ ، تنظر إليه تارة ثم أمامها تارة أخرى : قصدي علي ارقام الادوار عيني عليهم يعني
هز بدر رأسه بإستيعاب ، وهو يرفع حاجبيه وينزلهما بسرعة دون أن ينبس ببنت شفة.
تنهدت حنقاً من أبو الهول المجاور لها ، بينما تفكر في طريقة تجعله يخرج من حالة الجمود المريبة التي تربكها رغما عنها حتى يتحدث أو يتشاجر معها فهي لن تمانع ابدا.
رفعت دون وعي قلم بدر الذي استعارته من المكتب في منزله ، لفرك جانب رقبتها به ، في محاولة لإبعاد التفكير السلبي من داخلها.
لفتت انتباهه بحركتها العفوية ، وعيناه تنخفضان على رقبتها في ارتباك ، ليفرك جانب فمه بإبهامه ويغمغم : ماتعمليش كدا
توقفت عن هز رأسها يمينًا ويسارًا بعد أن خرجت من شرودها على صوته ، والتفتت إليه بينما تنزل القلم عن رقبتها ليبقى معلقًا في الهواء تحت فكها ، وهتفت في عجب : نعم!!
رفع يده اليسرى مقلدا حركتها ، موضحا كلماته بعد ابتلاع ريقه بصعوبة : الحركة دي بلاش تعمليها قدامي
نظرت حياة إلى القلم بغرابة مشوبة بالبلاهة من نظرات بدر الغريبة عليه ، ثم رفعت جفنيها إليه ، مكررة في سؤال : اشمعنا!!
غمغم بدر بوتيرة بطيئة مسلطاً بصره على القلم : عايز ابقي مركز .. وكدا تفكيري .. بيتشتت
حدقت حياة به ، تقوس شفتيها للأسفل لتقول بارتياب : كل دا من القلم يا بدر
أومأ بدر إليها بإصرار : ايوه من القلم يا حياة ماتعمليهاش تاني
ظهرت ابتسامة صغيرة على شفتيها بسبب الإرتباك الواضح عليه ، وهي تنزل القلم وتضعه في حقيبتها دون أن تتجادل معه مرة أخرى.
أدارت رأسها إلى بدر بعد مدة من الصمت ، ورفرفت رموشها الطويلة في إرتباك واضح قائلة بصوت منخفض : انا خايفة يا بدر
تحدث بدر بثقة شديدة ، وبنبرة هادئة حاول الحفاظ عليها بعد أن إلتقت حدقتيه بعيونها واسعة ببراءة : انا معاكي .. زي ما فهمتك هتتكلمي مع جاسر بمنتهي الثقة من غير توتر .. ماتتهزيش انتي هتكلمي من خلالي انا
رواية شبح حياتي للكاتبة نورهان محسن
موجودة بالواتباد فضلا متابعة للحساب واتفاعلو علي الفصول بتصويت وكومنت
جعدت حياة حاجبيها ، وسألته بتذمر طفولي : ثقة ايه!! ازاي هو اللي بيشتغل معاك من سنين هيصدقني في كام دقيقة!!
ابتسم بدر ابتسامة جانبية ، قائلا بنفس النبرة الهادئة التي يتخللها الكثير من الغموض : دي عليا هخليه يصدقك .. يلا سمي الله وماتخافيش
حدقت فيه باستنكار فظيع قبل أن تنظر إلى الأمام مرة أخري ، وتهمس بتبرم : اول مرة اشوف عفريت يقول سمي الله
أنهي بدر الحديث بسرعة ليتجنب الجدال معها عندما وصل المصعد إلى الطابق المطلوب ، قائلا بسخرية : علي اساس انتي مقضية حياتك كلها معهم .. اتحركي يا لمضة و خلصينا
★★★
وقفت حياة وظهرها مستقيماً ، ناظرة إلى حروف اسمه منقوشة بخط جميل على لوحة كبيرة بجوار باب المكتب ، الذي أخذت عنوانه من حمزة.
أستنشقت نفساً عميقاً قبل أن يقرع صوت كعبها العالي داخل المكتب المزدحم بالعملاء.
توجهت مباشرة نحو مكتب السكرتيرة على اليمين ، والذي كان خلفه تجلس فتاة أنيقة وجميلة للغاية ، وقالت بهدوء : مساء الخير
رفعت الفتاة رأسها عن الأوراق التي كانت تفحصها بعناية ، وأجابت بجدية : مساء النور يا فندم
ابتلعت حياة لعابها ، وتحدثت بهدوء : لو سمحتي كنت عايزة اقابل استاذ جاسر
سألت الفتاة التي كانت لا تزال تتفحصها ، بحاجبين معقودين بغرابة ، حيث يطلب العملاء عادة مقابلة بدر أولاً ، وعندما يعلمون أنه غير موجود ، يذهبون إلى جاسر وليس العكس : طيب اسم حضرتك ايه؟
أجابت حياة بعد أن دفعت خصله من شعرها خلف أذنها : حياة مجدي
ابتسمت الفتاة بتكلف ، وقامت بجسدها الممتلئ بعض الشئ ، قائلة بلباقة : لحظة هديله خبر
★★★
أشار إليها شاب يبدو في منتصف العشرينات بيده على المقعد خلف مكتبه ، وقال لها بلطف : اتفضلي استريحي
همس بدر في أذن حياة من الخلف ، فأغمضت عينيها للحظة بإضطراب من كونه قريب جدًا منها : جاسر هو المسؤل عن كل حاجة تخص المكتب في غيابي
تحركت حياة بخطى متوازنة نوعًا ما مع ذلك الكعب الذي ترتديه ، وجلست على المقعد بهدوء ، تزامنًا مع جلوس بدر على الكرسي الآخر المقابل لها ، ثم قالت بابتسامة رقيقة : ميرسي
ابتسم جاسر بمجاملة ، وسأل : حضرتك تشربي ايه؟
حاولت حياة أن تكون هادئة بقدر المستطاع ، ورفضت بذوق : شكرا ولا حاجة انا مش هطول عليك
أومأ جاسر برأسه متفهما ، واستفسر بنبرة عملية : زي ما يريحك .. ممكن اعرف ايه تفاصيل القضية اللي عايزة ترفعيها!!
أطبقت حياة على شفتيها للداخل بحرج ، ثم أجابت عليه : لا انا مش جاية عشان قضية
جعد جاسر بين حواجبه بتساؤل ، ثم تمتم محاولًا فهمها أكثر : اومال؟
سألت حياة بترقب ، وهي تحاول التحكم في نبرة صوتها حتى لا ترتفع بسبب طبيعتها عندما تكون قلقة ومتوترة ، يعلو صوتها بشكل غير إراديًا : انا جاية اسألك عن بدر هو فين؟!!
تأهبت حواس جاسر بالكامل ، وانحنى إلى الأمام بجسده نحو طاولة المكتب بعد أن كان مسترخى بظهره علي كرسيه ، وسألها مرة أخرى ولكن بنبرة حذرة : حضرتك تقربي لأستاذ بدر!!؟
همست حياة بلسان ثقيل دون أن تنظر إليه : انا وهو مرتبطين وهنتخطب قريب
فغر جاسر فمه وهو يسمعها جيداً رغم صوتها الخافت ، وصاح مستنكراً : افندم!!
شجعها بدر بنبرة مطمئنة : خليكي واثقة من نفسك
لا تعرف لماذا نظراته إليها جعلتها تهدأ ، على الرغم من أنها تسير فى طريق شائك لا تعرف له نهاية ، ومن المحتمل أنها ستخرج من هنا على مستشفى الأمراض العقلية بسببه.
ساد الصمت بضع ثوان قبل أن تحدق بجاسر بنظرة واثقة ، ثم أجابته بثبات : انا اسمي حياة شقتي اللي قصاد شقته في العمارة بتاعته .. واحنا بينا علاقة حب بقالنا فترة وماكنتش عايزاه يعرف حد بيها .. لحد ما يجي الوقت المناسب..
قاطعها جاسر ، وسألها بنبرة هادئة : معلش سامحيني لو بقاطعك وانا ايه يخليني اصدقك!!
تغيرت نظرة بدر تجاه جاسر ، وهو ينظر إليه بتمعن ، ثم يتمتم لحياة : قوليلو انك تعرفي حاجات كتير بيني و بينه
تحدثت حياة بإبتسامة هادئة : هو حكالي عنك كتير
ابتسم جاسر ساخرًا بعد أن أرجع ظهره مرة أخرى إلى كرسيه ، وهو يضع يده تحت ذقنه ، ومن الواضح على ملامحه أنه لم يصدقها قط : والله قالك ايه عني!!
تمتم بدر بهدوء شديد دون مقدمات : جاسر يبقي أخويا من الاب
رفعت عينيها لتنظر إليه بذهول لم يدم أكثر من لحظة ، ثم سيطرت على نفسها بصعوبة ، ونظرت إلى جاسر الذي كان ينتظر إجابتها بتحفز.
تحدثت حياة بسرعة ، محاولة الخروج من الصدمة التي تلقاتها للتو : حكالي عن صلة القرابة اللي بينكم
سألها جاسر بترقب : قالك ايه؟
أستطرد بدر قائلا بصوت هادئ ومتزن : ابويا اتجوز والدته في السر عشان كان بيحبها جدا .. بس كان بيحب نفسه اكتر خصوصا مركزه للي كان بيخاف اي حاجة تأثر عليه حتي لو كانت حبيبته ومارضيش يعترف بالولد .. عشان وقاره قدامنا انا و امي و العيلة كلها ما يتهزش .. اختار انه يظلم مراته التانية وابنه الصغير عشان يحافظ علي كبريائه ويتجنب فضايح الجرايد للي لو شمت خبر هتتهد الدنيا فوق دماغه .. لان امي كانت بنت راجل له نفوذ عشان كدا وقتها ام جاسر كتبت جاسر بإسم أبوها ورفضت تشوف ابويا من ظلمه ليها لحد لما ماتت امه من كتر حزنها وجاسر اتربي مع خاله .. ماعرفتش ان ليا أخ الا قبل ما ابويا يموت بأيام دورت عليه لحد ما وصلتله .. رفضني مرات كتير كل ما احاول اكلم معه بس بعد كدا فتح باب قلبه ليا ..كان هو في ثانوية عامة واصر يدخل حقوق عشان يساعدني و يكون معايا .. لكن فضل رافض انه يغير اسمه لكن وافق في الاخر عشان ماكنش ينفع يستلم ميراثه من بابا قبلها وكان شرطه عشان يشتغل معايا ان محدش يعرف بكل دا و يفضل يستخدم اسمه القديم
كانت حياة تسرد الكلمات التي قالها بدر دفعة واحدة ، تردد بصوتها الذي إزداد ثبات وثقة بعد أن رأت الصدمة والصمت من جاسر الذي كان ينصت لها باهتمام شديد ، ولم يرغب في مقاطعتها.
قاومت بشدة الصدمة التي سيطرت عليها أيضًا ، حيث ظهر احمرار شديد في عينيها نتيجة حبس دموعها ، وحالة جاسر لم تقل سوء عنها بسبب فتح جروحه من جديد لانها لم تلتئم تماماً ، وقد بدأ بالفعل بعد الكلمات الأولى يصدقها وإنتظرها حتى تنتهي من حديثها قائلا بذهول : مش مصدق ان بدر وثق فيكي لدرجة انه يحكيلك .. حتي مراته ماتعرفش اي حاجة!!
عضت حياة شفتيها بتردد ، وهي تنظر إلى بدر من زاوية عينها ، ثم قالت بترقب : استاذ جاسر ممكن اقولك علي حاجة تانية وتصدقني!!
أومأ لها جاسر بصمت حتى تواصل حديثها.
حدقت حياة به بهدوء ، بعد أن رفعت أنفها باعتزاز وثقة رنت في صوتها ، دون أن تمهد لما ستقوله : بدر طلق اميرة قبل ما يختفي
اتسعت عيناه بدهشة عارمة ، وسألها بعقل حائر : نعم .. ازاي طلقها!!؟
رفعت كتفيها كدليل على جهلها بالإجابة ، وقالت وهي تحدق في بدر الصامت منذ دقائق ، بعد أن أعطاها غمزة تدل علي أن زمام الأمور بيدها : ازاي انا معرفش تفاصيل بس انا متأكدة من المعلومة دي
عادت تسأل نفس السؤال مرة أخرى ، بإلحاح أكبر ، وهناك قبضة مثل الحجر تضغط على قلبها تمنعها من التنفس بانتظام : استاذ جاسر فين بدر؟؟
زفر جاسر منهكا ، وأجابها بنبرة صادقة يتخللها الضيق : صدقيني معرفش حاجة عنه بقالي عشر ايام بحاول اوصلو و مش عارف
مدت حياة يدها لتلتقط حقيبتها من الطاولة الصغيرة أمام المكتب ، وقالت برجاء عفوي وهي تستعد للمغادرة : ماشي يا استاذ جاسر .. اذا عرفت حاجة عنه لو سمحت طمني عليه انا قاعدة حاليا في شقته
رفع جاسر حاجبه مندهشا ، وتمتم بابتسامة أحرجتها بشدة : كمان!! ماشي ياريت تسيبيلي رقمك
تنهدت حياة بعمق بعد أن كتبت رقم هاتفها على قطعة صغيرة من الورق ، ثم مدته إلى جاسر ، قائلة برقة غير مقصودة : انا بس عايزة اطلب منك طلب .. ياريت محدش يعرف باللي قولنا
صافحها جاسر باحترام ، وقال لها بإيجاز : اكيد ولا يهمك
"جاسر عز الدين بدر"
"26 سنة"
"الشقيق الاصغر لبدر من الاب"
"محامي"
"شخص هادئ و مرح ، خاطب فتاة منذ عام
قوي الإرادة ، يتابع أهدافه بدقة تنظيمية ، طموح جدا ، دائما يبتسم ومتفائل ، لا يعرف اليأس ، وقلبه مليء بالحيوية والنوايا الحسنة.
يتميز بمظهره الجذاب ، فهو يتمتع بجسم قوي مصحوب بلطف في ملامح وجهه ، لديه شعر بني غامق ووجه بيضاوي بفم كبير ، له شفاه رفيعة شاحبة ، وفكه محاط بلحية خفيفة و عينان بنية داكنة ، و ذو طول قامة وسط..