رواية الماسة المكسورة
الفصل التاسع والخمسون 59 ج2
بقلم ليله عادل
غرفة رشدي
نرى رشدي جالسًا في غرفته بملل، ممسكًا بهاتفه يتصفح invention للسباق الذي تحدثت عنه نيللي. مرر أصابعه على الشاشة، عيناه تتحركان بين التفاصيل، بينما أصابعه تداعب ذقنه بتفكير.
زفر ببطء، مسح وجهه بكفه وكأنه يحاول طرد تردده. هل يذهب أم يبقى؟
مرر يده على رقبته، أغمض عينيه للحظة ثم هز رأسه بإيجاب كمن حسم أمره. نهض متوجهًا إلى الدريسنج روم، اختار ملابس مناسبة وبدّل ثيابه بسرعة، ثم التقط مفاتيحه وغادر متجهًا نحو السباق.
في ساحة السباقات
ركن رشدي عربيته في أحد الأماكن الواسعة المخصصة للسباق، ثم ترجل منها وألقى نظرة سريعة على السيارات والمشاركين قبل أن يتجه إلى الداخل.
بمجرد دخوله، بدأ في إلقاء التحية على الأشخاص الذين يعرفهم، يتبادل معهم بعض المجاملات السريعة، حتى سأله أحدهم:
ياسين فين؟ مش متعودين عليه يغيب عن سباق زي ده!
ابتسم رشدي وهو يضع يديه في جيب بنطاله قائلاً بنبرة عادية: مراته تعبانة، وخلف ومشغول معاها.
أومأ الشخص بتفهم، بينما أكمل رشدي طريقه حتى لمح نيللي. كانت تقف عند إحدى الطاولات، تراقبه بابتسامة جانبية، وعندما اقترب، رفعت حاجبيها قائلة: يعني جيت؟
ضحك رشدي بخفة، أخرج هاتفه وفتح إشعاراته، ثم مد يده ليعرض لها إشعارات أخرى أرسلها له بعض أصدقائه عن السباق..
قال: جيت، لأن في ناس صحابي برضه دعوني.
نظرت نيللي إلى الهاتف ثم أعادته إليه قائلة بابتسامة: المهم إنك جيت.
في هذه اللحظة، اقترب فيصل صديقه وربت على كتفه رشدي قائلاً بحماس: إيه، مستعد؟ هتشارك؟
رد رشدي بثقة: هشارك. إيه ماشفتش عربيتي وهي منوّرة تحت؟
ألقى فيصل نظرة سريعة نحو موقف السيارات، ثم عاد ببسمة جانبية: شفناها... نقدر نقول كده، مبروك.
نيللي نظرت إلى فيصل ثم إلى رشدي، قبل أن تقول بنبرة مزيج من الدهشة والاستفزاز: للدرجة دي واثقين إنه هيكسب؟
ضحك فيصل ورد عليها وكأنه أمر بديهي: آه طبعاً، أي سباق فيه رشدي الراوي بيكتسحه!
استعداد السباق
قالت رشدي: أنا هروح أجهّز نفسي.
وبالفعل، بدّل رشدي ملابسه استعدادًا للسباق، ثم هبط إلى الساحة حيث اصطفت السيارات عند نقطة البداية. صعد إلى سيارته، شدّ قبضته على المقود، ثم نظر عبر النافذة للسائقين على جانبيه، ابتسم لهم وأشار بإصبعه بحركة واثقة قبل أن يركز نظره للأمام.
تقدمت إحدى الفتيات إلى مقدمة الحلبة، رفعت علم البداية، وبدأت العد التنازلي، ثم صرخت : !!go
بدأ السباق
انطلقت السيارات بسرعة جنونية، محركاتها تزأر وسط أصوات الإطارات التي تحتك بالطريق. كان رشدي في المقدمة، ولكن أحد السائقين كان يقترب منه بقوة، يتحداه في السرعة. تلاعب رشدي بالمقود بمهارة، يتجاوز المنعطفات بسلاسة، مستغلًا كل فرصة للتقدم. استمر السباق بحماس، حتى تجاوز رشدي خط النهاية أولًا، وسط هتافات الجماهير.
في ساحة السباق
هبط من سيارته، وبدأ الجميع في تهنئته. اقتربت منه نيللي بابتسامة:
اقتربت نيللي من رشدي بخطوات ثابتة، ابتسامة جانبية تعلو وجهها وهي تقول: مبروك.
نظر إليها رشدي ببرود ورد باقتضاب: الله يبارك فيك.
توقفت أمام سيارته، بينما كان هو يمسح عينيه عليها بتقييم سريع قبل أن يرفع بصره نحوها قائلاً بنبرة ساخرة: قولي لي، بُرده عايزة إيه؟
وضعت يديها على خصرها وهي تميل برأسها قليلاً:
إنت ليه مش مصدق إنك عاجبني؟ وإن أنا عايزة أبقى مِن حريم الراوي... ولا أنت حصري لزيزي وبس؟
ضحك رشدي بسخرية خفيفة، هز رأسه قبل أن يرد:
مركزة انتي مع زيزي قوي.
نيللي بتوضيح: عشان دي أكتر واحدة بتظهر معاها.
..طب، إيه؟ مش هنخرج؟
رفع رشدي كتفه بلا مبالاة: لا، مش فاضي.
نيللي: طب تعالَ نشرب حاجة سوا.
قبل أن يرد، أمسكت بيده وسحبته معها، لم يقاوم كثيرًا، فقط زفر أنفاسه وتركها تقوده نحو المطعم القريب.
في المطعم
جلسا أمام بعضهما، أخرج رشدي سيجارته وأشعلها بهدوء، أخذ نفسًا عميقًا قبل أن ينفث الدخان بعيدًا، ثم قال: قولي لي بقى يا نيللي، إنتِ مين؟ مالحقناش نتعرف المرة اللي فاتت خالص.
ابتسمت بثقة وردت: عادي، اسمي نيللي سالم، 25 سنة، طولي 170، عيوني عسلية، شعري أصفر.
رفع رشدي حاجبًا ساخرًا وهو يقول: أممم... أنا عايز أعرف المعلومات اللي غير أنك 170 وبيضه وشعرك أصفر... الحاجات التانية اللي أنا ماعرفتهاش.
أخذت رشفة من مشروبها قبل أن ترد: مفيش حاجة تانية ممكن تعرفها، عايشة لوحدي، أهلي مسافرين بره... بس، وبعدين، إنت ممكن تعمل عليَّا تحريات وتعرف.
ضحك رشدي بخفة وقال بنبرة باردة: أعمل عليكِ تحريات؟ تحرياتي مابتتعملش غير للناس اللي شغلاني، لكن إنتِ مجرد واحدة أنا قعدت معاها وقت وخلاص.. زيك زي أي واحدة تانية.
انعقد حاجباها بانزعاج: هو إنت ليه بتكلمني كده؟
رشدي متعجباً وهو يخرج دخان سيجارته: المفروض أكلمِك إزاي؟
نيللي: تكلمني عادي، إحنا بنتعرف... قلت لك، إنت شخص عاجبني.
رشدي سحب نفسًا طويلاً من سيجارته، نفث الدخان ببطء وهو يراقب نيللي بنظرة متكاسلة. ارتسمت على شفتيه ابتسامة جانبية قبل أن يقول بنبرة مسترخية: ماشي يا سِتِّي، أدِّينا هنتعرف.
نيللي ضحكت وهي تميل نحوه قليلًا، عيناها تلمعان بمكر، ثم قالت بنغمة لعوب: طب تعال نروح عندي… نحتفل بطريقتنا.
في شقه نيللي الثامنة مساءً…
الأضواء خافتة، والموسيقى الصاخبة تهز الجدران بإيقاعها المجنون. الغرفة تمتلئ بدخان السجائر، ورائحة الكحول تمتزج مع العطر النفّاذ الذي يحيط بها.
نيللي تحررت من حذائها العالي فور دخولها، ألقت حقيبتها على الطاولة، ثم رفعت صوت الموسيقى أكثر حتى اهتزت الأرضية تحت أقدامها. تحركت بجنون وسط الغرفة، خصرها يتمايل بانسيابية، رأسها يهتز مع النغمات، ويدها تحمل كأسها الذي لم يكن يفارقها. ضحكتها العالية تملأ المكان، وكأنها تهرب من شيء ما، أو ربما تطارده.
رشدي جلس على الأريكة، يراقبها بعينين نصف مغلقتين، الكحول يسري في عروقه ببطء، يمنحه إحساسًا بالخفة. رفع كأسه ورشف منه جرعة طويلة، قبل أن يسحب نفسًا عميقًا من سيجارته. كانت الأجواء أقوى من أي تفكير، أقوى من أي مقاومة، دفعه شيء ماللنهوض، للحاق بها وسط الغرفة، للانجراف مع التيار.
ضحكاتهما كانت تتعالى مع الموسيقى، خطواتهما متعثرة، الكحول جعل كل شيء أسهل، جعل الحدود غير واضحة.
نيللي اقتربت أكثر، التصقت به، أنفاسها الساخنة تلامس بشرته، عطرها يغلفه. رفعت يدها إلى عنقه، أصابعها انزلقت ببطء على بشرته، ثم اقتربت أكثر حتى تلامست شفتيها مع شفتيه في قبلة ناعمة، خفيفة في البداية… قبل أن تتحول إلى شيء أعمق، أكثر جرأة.
رشدي لم يتراجع، ترك نفسه للاندفاع، يديه امتدتا إليها، يلامس خصرها، يسحبها نحوه أكثر، والقبلة تزداد حرارة مع كل ثانية تمر.
لحظات ضبابية… نظرات متشابكة… موسيقى لا تُسمع لكنها تخترق الأجواء.
خطوات متعثرة نحو الأريكة هما علك تلك الحاله الجنونيه… ثم نحو الفراش ليزداد جنونهم أكثر وأكثر…
بعد وقت، جلست على طرف الفراش، بوجه شاحب يحمل اثر تلك المعركه الحميمه، التقطت ورقة من فئة المائة دولار وبدأت تشكل بها خطًا أبيض ناعمًا على سطح الطاولة. نظرت إليه من تحت رموشها وهي تمسك بطاقة الائتمان، ثم استنشقت المادة بسرعة، أغمضت عينيها للحظة قبل أن تسترخي برأسها للخلف، متنهدة بمتعة.
على الجانب الآخر، كان رشدي مستلقيًا، يراقبها بصمت وهو يسحب نفسًا من سيجارته المحشوة. رفع حاجبه وسأل بنبرة ساخرة: إنتِ على طول كده؟
ابتسمت نيللي بخبث، مالت نحوه قليلًا وقالت بصوت منخفض: لما تجرّب، هتعرف إن ليّا حق… ده اللي بيخلي الدنيا فوق فوق… ينسيك كل حاجة، ويخلّي كل حاجة أحلى وأحلى مش ناوي تجرب؟
هزّ رأسه بلا مبالاة، ثم قال بهدوء: قلت لكِ… ماليَّش فيه.
ضحكت نيللي، عضّت شفتها وهي تمرر أصابعها على صدره، ثم اقتربت منه ببطء وهمست: بعد تلات مرات… بتدمن.
نظر إليها بعينين نصف مغلقتين دون أن يرد. لم تنتظر ردّه، فقط مررت القليل من المادة على شفتيها واقتربت أكثر، أصابعها تلامس بشرته برفق، عيناها تشتعلان إغراءً وهي تهمس: جرِّب… مرة واحدة بس.
ثم وضعت شفتيها على شفتيه، قبل أن تتعمق القبلة بينهما.
عندما تراجعت قليلًا، نظر إليها رشدي بابتسامة جانبية وقال بصوت هادئ: إنتِ عنيدة.
ثم أضاف، وهو يمرر أصابعه على وجنتها: وأنا بحب البنات العنيدة.
نيللي مالت عليه أكتر، عيناها تتفحصان ملامحه بإعجاب واضح، ثم قالت بصوت ناعم وهي تمرر أصابعها على يده: على فكرة… أنا قريت عن مشروعك الجديد.
رشدي رفع حاجبه قليلًا، نفث الدخان بكسل وسألها: مشروع إيه؟
ضحكت بخفة وهي تهز رأسها وكأنها لا تصدق:
بلاش تتواضع معايا يا رشدي… مشروعك اللي داخل فيه الفترة دي… ده شغل ناس تقيلة، وناس دماغها كبيرة. بصراحة، منبهرة بيك!
ابتسم رشدي ابتسامة صغيرة، لكنه لم يعلّق، فقط استمر في تأملها بصمت.
نيللي لم تتوقف، اقتربت منه أكثر وهمست:
إنت فعلًا راجل ذكي… مش أي حد يقدر يدخل في حاجة بالحجم ده ويعرف يتحرك فيها بثقة زيّك. إنت مش زي أي حد، وده أكتر حاجة بحبها فيك.
مررت أصابعها برفق على عنقه، قبل أن تتابع بصوت منخفض: عارفة إن الناس مستنيين يشوفوا هتعمل إيه… بس أنا متأكدة إنك هتبهر الكل.
رشدي أخد نفسًا عميقًا من سيجارته، قبل ما يبتسم أخيرًا وهو يقول بهدوء: شكلك عارفة حاجات أكتر من اللازم.
نيللي ابتسمت بمكر، ثم مررت إصبعها ببطء على شفتيه قبل أن تهمس: أنا بس بعرف أقدّر الرجالة اللي يستاهلوا.
رشدي اكتفى بالنظر إليها بصمت، عيناه تتابعان حركتها دون أن ينطق بكلمة.
في قصر الراوي التاسعة مساءً
جناح سليم وماسة.
نرى سليم يرتدي ملابسه في غرفة الملابس. كانت ماسة جالسة على الأريكة، تحمل نالا بين أحضانها، تربت عليها وتغني لها بنبرة هادئة ولطيفة:
ماسة (تغني):
نامي يا حلوة نامي
وأذبح لك جوزين حمامي
نامي يا حلوة نامي
يا وردة في البستاني
ريحتك أحلى من الياسمين والريحاني.
يا غنوة في كل صباح، يا أحلى من التفاح.
اقترب سليم منها وهو يرتدي بدلته.
رفعت ماسة عينيها: انت نازل:
سليم: عشان معاد الدكتور.
ماسة: آه، صح! معلش نسيت خالص. استنى، هكلم سحر تيجي تقعد معاها وهجي معاك.
سليم: لا مش هينفع يا ماسة إحنا اتفقنا خروج تاني مش هيحصل أنا هاخد مكي.
ماسة برجاء اقتربت منه وهي تحمل نالا: ليه بس ياسليم انا عايزه ابقى جنبك اللحظه دي وحياتي.
سليم: فضلك يا ماسة مش هنفضل نتكلم في نفس الموضوع بعدين عشان تاخدي بالك كمان منها نالا
ماسة برجاء: أنا عايزة أكون معاك.
سليم: لا، خليكي مكي معايا.
وضع قبلة على جبينها وكاد أن يتحرك.
ماسة بدلع وهي تهز نالا: إيه يا عمو، مش هتديني أنا كمان بوسة؟
نظر لها سليم بصمت، فتبادلت معه ماسة النظرة بابتسامة. وضع سليم قبلة سريعة على رأس الطفلة، ثم أخذ العكاز وتحرك مسرعًا..
بعد أن خرج سليم إلى الخارج، كانت ماسة تنظر إلى أثره بحزن. نظرت إلى نالا وقالت بحنان:
معلش يا نونا، عمو طيب أوي وحنين خالص، بس هو غصب عنه بيعمل كدة، بس أنا متأكدة إنه بيحبك.
تبسمت إبتسامة مشرقة: تحبي نعمل إيه دلوقتي؟ نجيب السرير بتاع نالا ونحطه هنا؟عشان تنامي جنبنا، أنا مبسوطة إنك هتنامي معانا النهاردة. استني، هكلمهم.
(تلتقط الهاتف.)
ماسة: ألو، مين معايا؟
عفاف: عفاف.
ماسة: طب عفاف،لو سمحتي كلمي أي حد من الحراس، واطلعي معاهم، وخليهم يدخلوا يجيبوا سرير نالا من أوضة ياسين بيه ويجيبوه هنا. تمام؟
عيادة الطبيب الجراحي العاشرة مساءً
نشاهد سليم يجلس أمام مكتب الطبيب، وبجانبه مكي، جلس طبيب الجراحة على كرسي مكتبه، وطبيب العلاج الطبيعي يقف إلى جواره.
طبيب الجراحة بابتسامة: ماشاء الله، حالتك في تحسُّن هايل.
سليم: الحمد لله.
طبيب العلاج الطبيعي: الحقيقة، سليم بيه كان عنده إصرار كبير الفترة اللي فاتت، وده ساهم بشكل كبير في تحسن حالته. وخبر إن حضرتك بدأت تستغنى عن العكاز، حتى لو لدقائق، ده إنجاز رائع. إن شاء الله من بُكره هنبدأ نشتغل على تمارين جديدة لتقوية العضلات، وفي خلال أسبوعين هنستغنى بشكل كامل عن العكاز.
سليم بتردد: كنت عايز أسأل سؤال... دلوقتي موضوع الإنجاب... والرصاصة اللي في ظهري... والعلاقة الزوجية... الوضع إيه؟
طبيب الجراحة: أولًا، بالنسبة للعلاقة الزوجية، مافيش أي مشكلة من الناحية الطبية. حضرتك تقدر تعيش حياتك الزوجية بشكل طبيعي، إحنا بس كنا بنأجلها بسبب آلام رجلك، لكن دلوقتي ممكن ترجع لها بشكل تدريجي. أما بالنسبة لموضوع الإنجاب، دكتور أمراض الذكورة هو الأنسب للإجابة على الجزئية دي. حضرتك لازم تبدأ تتابع معاه عشان يوصف لك الأدوية المناسبة.
سليم بقلق: والرصاصة؟
طبيب الجراحة: بالنسبة للرصاصة، ممكن نفكر في إجراء عملية لإزالتها بعد سنة، لكن العملية فيها مخاطرة.
مكي: تقصد نفس المخاطرة اللي حضرتك قلت عليها قبل كده؟ وقت حادثة سليم.
طبيب الجراحة: طبعًا. العملية ممكن تنجح بدون أي مضاعفات، لكن المخاطر مازالت قائمة، حضرتك ممكن لا قدر الله تفقد حياتك أو تتعرض للشلل.
سليم بهدوء: يعني النسبة ماتغيرتش بعد مابقيت كويس وحالتي اتحسنت.
طبيب الجراحة وهو يزم شفتيه: للأسف النسبة نفسها ماتغيرتش, الرصاصة موجودة في مكان حساس جدًا، وعشان كده أجَّلنا العملية حفاظًا على حياتك وللتأكد إنك صحيًا مستعد لإجراء عملية بالدقة دي, لانك وقتها للأسف الشديد كنت ضعيف جداً وحالتك خطيرة مش حمل أي عمليات تانية.
هز سليم رأسه بإيجاب دون تعليق وهو يزم وجهه بأسف
أكمل الطبيب الجراحة بتأكيد: زي ماقلت لحضرتك، العلاقة الزوجية ممكن تكون طبيعية جدًا، بس مع الحفاظ على الوضعيات اللي اتفقنا عليها قبل كده لتجنب الضغط على رجلك. لو حسيت بأي ألم، لازم توقف فورًا.
سليم: شكراً يادكتور.
أنهى سليم الحديث مع الطبيب الجراح وتوجه بالكلام لطبيب العلاج الطبيعي.
نظر لطبيب العلاج الطبيعي مستنيك بُكرة يادكتور. يلا يامكي.
نهض الاثنان من مقعديهما، كاد سليم أن يتحرك، لكنه توقف فجأة والتفت نحو الطبيب الجراح.
سليم: طب قولي.. لسه في خطورة علي حياتي؟ يعني ممكن أموت في أي وقت بسبب الرصاصة دي؟
نظر الطبيب إليه بنظرة أسف، وعيناه تحملان مزيجًا من الحزن والواقعية. ثم هز رأسه بالإيجاب دون كلام.
مكي بقلق واضح: طب يادكتور، مافيش أي حاجة ممكن نعملها؟ يعني... مايعملش أي مجهود أي حاجة عشان نقلل الخطورة؟
الطبيب الجراح: للأسف الشديد، الموضوع مش مرتبط بالمجهود. الخطورة قائمة إلا لو الرصاصة تحركت من مكانها. لو حصل ده، حياتك ياسليم هتكون في خطر كبير.
مكي بلهجة مليئة بالأمل: بس يادكتور، الطب بيتقدم كل يوم. يمكن بعد فترة يبقى فيه حل... صح؟
الطبيب الجراح يبتسم بخفة: إن شاء الله.
هز سليم رأسه، وظهر على وجهه ملامح من التفكير والقلق. وضع يده على كتف مكي وأشار له بالخروج.
💕_______________بقلمي_ليلةعادل
سيارة سليم الحادية عشر مساًء
نرى سليم يجلس في المقعد الخلفي بينما كان مكي يجلس بجانب السائق. كان سليم شاردًا، ينظر من النافذة بحزن يغم على وجهه، بينما كان مكي يراقبه جيدًا.
بعد فترة، طلب مكي التوقف بالسيارة بجانب الطريق. نزل من السيارة وفتح الباب.
نظر له سليم بتعجب، فأجابه مكي:تعال نتكلم شوية مع بعض.
هز سليم رأسه بالإيجاب ونزل من السيارة، وبدأآ معًا بالسير على كورنيش النيل في أجواء صيفية لطيفة.
وكانت الحراس خلفهم وسياره اخرى تمشي بالقرب منهم.
مكي بعقلانية: أنا عايزك ماتضيقش من كلام الدكتور. كل فترة الطب بيتقدم، وإن شاء الله هنلاقي حل للمشكلة اللي عندك.، ممكن نسافر بره، وأنت بتتحسن، رعشة إيدك مابقتش موجودة، بقيت بتتكلم كويس جدًا، بتقدر تتحرك دلوقتي، هتستغنى عن العكاز، دي كلها تقدمات كبيرة وأمل.
نظر له سليم بيأس: أمل كذاب! حلينا مشكلة، ولسه في كتير. موضوع الإنجاب، الرصاصة اللي في ظهري، العصابة لسه ماوصلنلهاش. في حاجات أهم من العكاز.
توقف مكي أمامه، مبتسمًا ومد وجهه بتعجب وقال: الإنسان ده غريب أوي ..من فترة، أول مافقت من الغيبوبة، كانت مشكلتك ثلاث حاجات: إنك إزاي تبقى تتكلم بطريقة مفيهاش ثقل، وإيدك تترعش، وازاي سليم هيقعد على كرسي بعجل، وبعدها عكاز. دلوقتي الحمد لله حلينا مشاكلك دي، بس دلوقتي بقى عندك حاجات تانية مشاكل تانية وكأن اللي كنت بتتمناه ما حصلش
ركز النظر في ملامحه أضاف بعقلانية:
سليم، اهدأ وريح عقلك، هنفضل لحد إمتى نقول لك اهدأ وريح عقلك؟ سيبها تتحل لوحدها زي ما قالك الظابط حسني، وكلنا قلنا لك سيبها. مهما مرّت السنين، هتتحل.
سليم وهو يتنهد: والله يامكي، هو ده اللي أنا بقيت بفكر فيه، بس غصب عني. بحاول، بس مش قادر مش عارف، (بغيظ)ساعات ببقى نفسي أضرب دماغي في الحيطة. بس حتى لو ضربتها، إيه الحل مافيش؟
تبسم مكي ووضع يده على كتفه بدعم: هتتحل ياصاحبي هتتحل، وهنحتفل وانت بتنتصر على اللي حول حياتك لجحيم بس هدي أعصابك، وركز في شغلك، ركز مع ماسة حاول بقى تعوضها الفترة اللي فاتت دي، أنتم الاتنين محتاجين لبعض.
سليم: حاضر .. قولي إنت لسه بتراقب إخواتي؟
أجاب مكي: أيوه، طبعًا. بس صدقني، مفيش حاجة تخلينا نشك فيهم. عادي، هم بيحاولوا يكسبوا الباشا عشان ياخدوا مكانك، نفس الحرب بتاعتهم.
تنهد سليم: حاولت تكلم سلوى تاني؟
مكي مد وجهه: لا، ماحاولتش، بس لسه بأراقبها. بفكر أكلمها بعد يومين. يمكن.
سليم: حاول ماتيأسش، بعد ماقعدت معاها اتأكدت إنها لسه بتحبك بس الطريقة اللي إنت سبتها بيها مزعلاها والصراحة أنا معاها وقلتلك زمان بس يلا خلاص.
مكي: واديني أهو بحاول أصلح غلطتي، بس برافو عليك إنك أخدت بنت ياسين معاك.
سليم بوجع خنق نبرة صوته: والله، ماسة اللي عملت كده. أنا مكنتش عايز. أول ماشفتها، افتكرت بنتي. اللي ماشفتهاش، بنتي اللى فضلت أتمنى وجودها ٦سنين، ولما كان خلاص فاضل 10 أيام على وجودها، اتحرمت منها. مش أنانية ولا غيرة لرفضي لنالا، أقسم بالله أبدًا، بس اتوجعت هنا.
(وضع يده على قلبه،) كمان خايف، ماسة، تتعود على البنت.
مكي بعقلانية: حتى لو اتعودت، إنتم كلكم عايشين في قصر واحد مع بعض، مش هتبقى بعيد عنكم. هي لازم تبقى معاكم، الصراحة. يعني عمها وعمتها يكونوا موجودين وتقعد مع الدادا ماينفعش ومتقلقش مش هتتعود عليها.
سليم تبسم: طب خلينا نمشي. عشان ما تأخرش على ماسة.
قصر الراوي الثانية عشر صباحاً
جناح سليم وماسة
المرحاض
تظهر ماسة داخل المرحاض، منشغلة بتغيير حفاضات نالا الصغيرة التي تستلقي بين يديها. من الخارج، يُسمع صوت سليم ينادي بصوت عالٍ.
سليم: ماسة، ياقطعة السكر، إنتِ فين؟
ماسة، بصوت مرتفع: أنا هنا يا كراميل، بغير البامبرز لنالا.
يدخل سليم إلى المرحاض، وما أن يشم الرائحة حتى يضع يده على أنفه متراجعًا بخطوة.
سليم: إيه ده؟
ماسة، وهي تنظر إليه برفع حاجبها: بالراحة شوية على نفسك، أمال أنا أعمل إيه؟
سليم وهو يضع يده على انفه: ماتعمليش حاجة، أنا هستناكي بره.
ماسة رفعت حاجب: تستناني؟ تعالى ساعدني، كلهم نايمين تحت.
سليم، وهو يحاول التراجع: لا، بصي، أنا ممكن أعمل أي حاجة إلا دي. أنا مش قادر أستحمل، الريحة هتموتني! إنتِ ماكلها إيه؟
ماسة: بطل دلع، هات لي مناديل مبللة.
يأخذ سليم المناديل، ويلقيها من بعيد متجنبًا الاقتراب.
ماسة بتذمر: لا حول ولا قوة إلا بالله.
تابعت ماسة عملها بهدوء، نظفت نالا بعناية، وألبستها ملابس جديدة. بعد أن انتهت، حملت الصغيرة وخرجت من المرحاض لتجد سليم منتظرًا في الخارج.
ماسة: ها يا حبيبي، الدكتور قالك إيه؟
سليم، بابتسامة عريضة: قال لي خبر حلو. الحمد لله، هقدر بعد أسبوعين أمشي من غير عكاز.
ماسة، بابتسامة مشرقة: ده خبر حلو! شوفت بقى؟ وش نالا حلو عليك ازاي. طيب مافيش بوسة ليا انا ونالا؟
تبسم سليم وضع قبله على خدها ثم نظرت له ماسة وقالت: ونالا !!
تنهد سليم وضع قبله على جبينها سريعه.
نظر سليم الى الفراش تسأل: هو إنتِ جبتِ السرير هنا ليه؟
ماسة: عشان نالا تنام معانا.
سليم بابتسامة وهو يركز النظر في ملامحها: بس النهارده مش هينفع.
ماسة تعجبت: ليه بقى؟
سليم، بنظرة شوق: عشان الدكتور قال لي خلاص افراج، وأنا مش هعدّي الليلة دي بصراحة، مشتاق ليكِ جدًا وماصدقت.
رفعت ماسة حاجبيها بابتسامة خبيثة يبدو انها تفهمت مايريد: وأنا بقول بقى راجع مبتسم ومبسوط ليه؟ طيب ماشي، نكلم سحر تيجي تنام مع نالا في أوضتها.
سليم: بقول كدة.. غمزة لها.
ماسة: على أي حال، أنا رضّعتها وغيّرت لها، وهتنام دلوقتي. أروح أنيمها وأكلم سحر.
سليم: ماشي
خرجت ماسة خارج الغرفة بينما سليم يتجه إلى الحمام ليأخذ حمامًا سريعًا، ثم يقرر إعداد مفاجأة رومانسية لماسة. يخرج من الحمام مرتديًا ملابس مريحة، ويبدأ في البحث عن الشموع. يشعل بعضها ويوزعها حول الغرفة لتضفي جوًا دافئًا. ثم أخذ المزهرية الموضوعة على الطاولة ونثر أوراق الورد برفق على السرير بطريقة مرتبة.
في هذه الأثناء، كانت ماسة في غرفة نالا، تتأكد من نوم الصغيرة بهدوء. تقبلها على جبينها وتغطيها بعناية،
ماسة بتنبيه: خدي بالك منها يا سحر لو حصل اي حاجه اتصلي بيا على طول.
سحر: ماتخافيش ياهانم.
همّت بالخروج بعد أن اطمئنت عليها.
جناح سليم وماسة
عادت ماسة إلى غرفة النوم لتتفاجأ عند دخولها الغرفة بالأجواء الرومانسية، نظرت إلى الشموع وأوراق الورد على الفراش، ثم ابتسمت بخجل.
ماسة: يا سلام! إيه ده كله؟ إنت ناوي على إيه؟
سليم، بابتسامة ماكرة: أنا ناوي أعوضك عن كل اللي فات.
ماسة، وهي تضع يديها على خصرها: آه، عشان كده ماكنتش عايز نالا تنام معانا؟
سليم: بالضبط. الليلة دي بتاعتي أنا وأنتي وبس.
ماسة بدلال: طب وأنا ماليش رأي؟
اقترب سليم منها وأمسك بيديها بلطف: ليكِ كل الرأي... بس أوعدك إنك هتستمتعي أكتر مما تتخيلي.
ابتسمت ماسة بخجل واضح، لكنها حاولت التظاهر بالجدية: طيب، لو الليلة مش على قد التوقعات، هخليك تغير البامبرز لنالا لمدة أسبوع كامل.
ضحك سليم يضحك بملء صوته: اتفقنا !
ماسة، وهي تتراجع للخلف وهي تتمايل بغواء، تضحك بخفة: هو أنت فاكر إنك هتاخدني بالسهولة دي؟ اتحايل عليا شويه، وريني بقى سليم اللي بيعرف ياخد اللي هو عايزه!
رفع سليم حاجبه بمكر، ثم تقدم نحوها بخطوات بطيئة، بينما هي تدور حول الغرفة، تحاول التملص منه وكأنها طفلة تلعب معه. مدّ يده ليقبض عليها، لكنها أفلتت وضحكت بخبث: لأ كده مش هينفع، لازم تثبت جدارتك الأول .
سليم، وهو يغمز لها بمكر: جدارة؟ طب تعالي هنا بقى وأنا أوريكي الجدارة على أصولها!
أخذت تركض وهو يتحرك خلفها، وضحكتهما تتعالى في الغرفة.
سليم، وهو يحاول الإمساك بها: هنفضل نلف ورا بعض كده؟ مش إنتِ اللي قلتي لو الليلة مش قد التوقعات هتخليني أغيّر لنالا أسبوع؟ تعالي بقى وخليني أثبتلك الجدارة، ولا إنتِ اللي شكلك مش عايزة تشوفيها؟
ماسة، وهي تنظر لأعلى وكأنها تفكر بجدية: مممم، مش عارفة الصراحة...ثم أخرجت لسانها له وضحكت.
سليم، وهو يضيّق عينيه بمكر: كده؟ طب تعالي بقى!
قفزت ماسة على الأريكة محاولة الابتعاد، لكنها فقدت توازنها للحظة، فانقض عليها سليم سريعًا وأمسك بمعصمها، شدها نحوه بقوة حتى وجدت نفسها محاصرة بين ذراعيه، وهو ينظر إليها بنظرات ممتلئة بالمكر والدفء في آن واحد.
سليم، بصوت منخفض وهو يقرب شفتيه من أذنها: قوليلي بقى، هتسلّمي نفسك ولا نفضل نلعب طول الليل؟
ضحكت ماسة وهي تحاول التملص، لكن بلا فائدة، فاستسلمت أخيرًا وهي تتنفس بصعوبة: طيب طيب، هدخل الحمام عشر دقايق بس، بليز!
سليم، وهو يبتعد عنها قليلًا ويعقد ذراعيه بتظاهر بالجدية: خمس دقايق؟ مش عشر؟
ماسة، بابتسامة لعوبة وهي تضع يديها على قلبها بتمثيل درامي: وعد، عشر دقايق بس! ، امسك الستوب واتش واتأكد، بليز وحياتي!
سليم، وهو يرفع حاجبه: طيب، لو زادت ثانية، يبقى عقابك ضعف المدة!
ماسة، وهي تضحك: اتفقنا... بس لو لقيتك واقف قدام الباب هعتبرها خيانة!
سليم، وهو يبتسم بمكر: خيانة!! طب ما هو أنا متأكد إنك هتحاولي تهربي، فلازم أفضل مربوط هنا!
ماسة، وهي تهز رأسها بيأس مصطنع: يا نهار أبيض، طيب على الأقل ما تبصليش بالمنظر ده، محسسني إني هربانة من سجن مش داخلة الحمام!
سليم، وهو يضحك: وأنا سجانك، وأهو شفتي، المسجون ما بيدخلش الحمام من غير ما أراقبه!
ماسة، وهي تضحك بخفة: طيب، طيب، خليني أدخل قبل ما تزوّد التهم عليا!
ابتسمت ماسة ووضعت قبلة سريعة على خده، ثم اتجهت نحو خزانة الملابس. فتحتها وأخرجت منها قميص نوم حريري باللون الأسود، ثم أخذت بعض الأغراض من التسريحة وسارعت بالدخول إلى الحمام.، بينما سليم يتظاهر بأنه سيلاحقها، فتصرخ ضاحكة وهي تغلق الباب بسرعة، ثم من الداخل تقول: أنا خلاص دخلت، بلاش أفاجأ بيك واقف مستنيني أول ما أفتح الباب!
سليم، بصوت هادئ يحمل نبرة تهديد مزاح: مش هكون مستني... أنا هكون مجهّز لك مفاجأة!
ماسة، وهي تضحك من الداخل: هو أنا كنت محتاجة سبب إضافي عشان أقلق؟!
جلس سليم على الفراش منتظرًا، ينظر حوله، يبدو متحمسًا وفي الوقت نفسه يحاول ضبط أعصابه.
بعد دقائق قليلة، خرجت ماسة من الحمام قبل انتهاء العشر دقائق.
كان قلبها يخفق بخفة، وكأنها تشعر لأول مرة بتلك الرهبة اللذيذة التي تسبق لقاء العاشقين. قميص النوم الأسود الطويل انسدل على جسدها بانسيابية، يعكس أنوثتها الهادئة، بينما تركت شعرها منسدلًا بلا تكلف. لم تكن بحاجة لأي زينة، فبريق عينيها، ونعومة ملامحها، كانا كافيين ليجعلها تبدو أجمل من أي وقت مضى.
ما إن رآها سليم حتى وقف في مكانه كأن الزمن توقف، عيناه ثبتتا عليها بذهول، وكأنها لحظة تُعاش للمرة الأولى. شعر وكأنه لم يرها هكذا منذ دهر، بل ربما لم يرها من قبل بهذه الصورة التي تكاد تسرق أنفاسه. ابتسم ابتسامة صغيرة لكنها كانت مشحونة بكل الأشواق التي حبسهَا داخله طيلة الأشهر الماضية.
اقترب منها ببطء، وكأن كل خطوة تقربه أكثر من شيء كان يشتاقه بجنون. توقف أمامها، ناظرًا إليها بعينين لا ترمشان، عينين تحملان رجفة العاشق الذي انتظر كثيرًا.
بينما كانت ماسة تبتسم برقة، امتدت يده وأمسك بيديها، كانت يداها دافئتين بشكل غريب، وكأنهما تحملان حرارة مشاعرها التي لم تخفت رغم كل شيء. رفع إحدى يديها برفق، وقبّل ظهرها قبلة طويلة، هادئة، لكنها كانت كفيلة بإشعال الحنين بينهما.
سليم، بصوت خافت كأنما يخشى أن يوقظ شيئًا بينهما: وحشتيني... أوي. وحشني أشوفك كده. وحشني أوي الإحساس ده. تعرفي إحنا بقالنا قد إيه ماقربناش من بعض؟
ماسة، بصوت بالكاد يخرج من شفتيها: كتير... تقريبًا سنة.
هز سليم رأسه، وكأن الرقم وحده كان موجعًا: فعلاً، سنة، يمكن أكتر.
ماسة، تهمس وكأنها تحاول استعادة الذكريات: من وقت الحادثة، مش كده؟
رفع سليم حاجبه برفض، اقترب أكثر وهمس لها بصوته العميق الذي يحمل دفء ألف ذكرى: لأ، من الشهر الثامن... إنتِ ناسية إن الدكتورة ادتني إفراج آخر 10 أيام؟
تبسمت ماسة بخجل، فأكمل سليم بصوت أقل ما يقال عنه إنه كان محمّلًا بالحنين: ولو هنحسبها بدقة... من وقت ماعرفنا إنك حامل.
عادت ماسة بذاكرتها للحظة التي اكتشفت فيها حملها، الذكرى لم تكن مجرد صورة في عقلها، بل إحساس اجتاح قلبها كأنه يحدث الآن.
أمسك سليم بيدها بلطف، رفعها حتى لامست صدره، حيث كان قلبه يخفق بجنون، لم تكن مجرد نبضات، بل اعتراف صامت بما يشعر به.
سليم، بصوت عميق مليء بالشوق: حاسّة قلبي بيدق إزاي؟ كأنها أول مرة نقرب من بعض، كأنها أول ليلة تجمعنا سوا.
ماسة، بابتسامة خجولة، لكنها تحمل في عمقها ذات الشعور: أنا كنت فاكرة إني لوحدي اللي حاسة كده.
رفع يده ليضعها على خدها، يتحسس ملامحها بلطف، ثم جذبها إليه وضمها بشدة، وكأنه يخشى أن تضيع منه. بعد دقائق من الصمت، حملها بين ذراعيه ببطء، كأنها شيء ثمين يخشى أن ينكسر بين يديه. اتجه بها نحو الفراش بخطوات واثقة، ثم وضعها عليه بلطف، وكأنها أغلى ما يملك.
جلس بجانبها، نظر إليها طويلًا، ثم أمسك يدها ووضع عليها قبلة طويلة، يملؤها بكل ما يعتريه من مشاعر مكبوتة وشوق لا يوصف، وعيناه مسلطة عليها.
أمسك يديها بحب وشوق وهو ينظر داخل عينيها، بينما رموشها ترف بخفة تحت وطأة مشاعرها. قال بصوت دافئ:
"أنا مش مصدق إن اللحظة دي رجعت لنا... وحشتيني بكل تفاصيلك... ضحكتك، نظراتك، حتى عصبيتك.
ماسة بصوت مرتعش يغمره الشوق: إنت كمان وحشتني أوي يا سليم...
سكتت لحظة، ابتلعت ريقها وهي تحاول أن تخفي دمعة خائنة تسللت من عينيها، لكنها فشلت، فاستسلمت لمشاعرها وهمست بصوت مبحوح:
كنت حاسة إني فقدت جزء مني... بس وجودك، حتى لو بعيد، كان بيعوضني. أنا بحبك أوي، أكتر ما تتخيل...
سليم بصوت عميق مليء بالإحساس، وكأن كلماته تخرج من أعماق روحه:
وأنا بموت فيكي... أنا كنت بتعذب، شايفك قصاد عيني، بين إيدي، بس مش قادر آخدك في حضني ونبقى جسد واحد وروح واحدة زي زمان...
نظر لها بعينين يملؤهما الاحتياج، وكأنه تائه عاد أخيرًا إلى داره. لم يحتمل المسافة، لم يحتمل فكرة أنها بعيدة ولو لثانية، اقترب أكثر، احتضن وجهها بين يديه، أصابعه تلامس بشرتها كأنه يتأكد أنها حقيقية، أنها هنا، أنها له.
همس بصوت مبحوح، كأنه وعد: عُمرنا ما هنبعد عن بعض تاني كدة.
ولم ينتظر جذبها له وتلاقى شوقهما بقبلة مشتعلة، لم تكن مجرد لمسة، بل كانت استرجاعًا لكل لحظة من الحرمان، اعترافًا بكل كلمة لم تُقال، تأكيدًا أن الحب بينهما لا يزال متوهجًا، أقوى من أي وقت مضى كان شوقهما لبعضهما كبير.
تعمّقت القبلة، تلاشت الحدود، وأصبح جسد واحد، روح واحدة، امتزجا ببعضهما بطريقة لا يمكن فكّها، كأنهما ذابا في بعض، كأنهما عادا إلى أصلهما الحقيقي… معًا.
كان يشعر بها تتغلغل في كل جزء منه، يشعر بقلبها يدق داخل صدره، بشفتيها تُعيد إليه الحياة، بيديها التي تتشبث به كأنها لن تسمح له بالابتعاد مرة أخرى.
بعدما اكتملت لحظتهما الخاصة، خفتت أنفاسهما قليلًا، لكنه ظل محتضنًا إياها كأنهما لم يكتفيا بعد، وكأنهما لم يشبعا من دفء بعضهما البعض. استرخت ماسة بين ذراعيه، وضعت رأسها على صدره، بينما ضمّها إليه بحنان، يده تمسّد شعرها برفق، وكأنه لا يريد أن ينهي هذه اللحظة أبدًا.
سليم بصوت منخفض لكنه مليء بالشوق: لسه ماشبعتش منك... وحشتيني أوي أوي، وعارف إني مستحيل أشبع منك أبدًا.
ماسة، وهي تضغط عليه أكثر، كأنها تود أن تذوب بين ذراعيه: وأنا كمان... وحشتني بطريقة مش طبيعية، ومستحيل أشبع منك أبدًا.
رفعت رأسها قليلًا وحدّقت في وجهه، بدا متعبًا بطريقة غير معتادة. لمحت ظل الإرهاق في عينيه، ولم تستطع منع نفسها من القلق عليه.
ماسة بلهفة: مالك ياسليم؟
نظر إليها بعينين يغلب عليهما الإرهاق، ثم تمتم بصوت خافت: مش عارف... حاسس بتعب غريب، وكأني مجهد جدًا.
ماسة، بابتسامة خفيفة، وهي تحاول تخفيف الأجواء: طب ماهو طبيعي، كنت عامل مجهود كبير، وبعدين الليفل كان جديد المرة دي على فكرة أنا كنت حاسه اننا كنا في حرب.
ضحك سليم ضحكة خافتة، لكنه هزّ رأسه بحيرة، ثم قال بصوت يكسوه شيء من الإحباط: بس مش طبيعتي كده يا ماسة... أنا نفسي أقضي اللحظة دي تاني، بس مش قادر... حاسس إن جسمي مش متجاوب زي كل مرة.
ماسة، وهي تضع يدها على خده بحنان: يمكن عشان المسكنات اللي بتاخدها؟ الأدوية ممكن تخلي جسمك مسترخي شويه، تخليك مش بكامل طاقتك.
أخفضت عينيها قليلًا قبل أن تبتسم بمكر خفيف: وبعدين، الصراحة، أنا كمان مش قادرة... تعبتني خالص، برغم إني ماشبعتش منك ولسه واحشني، بس بجد تعبت، وعايزة أنام في حضنك كده وبس.
وضعت قبلة دافئة على خده، ثم همست: أجيب لك حاجة تاخدها؟ دواء أو أي حاجة تساعدك؟
سليم، وهو يضمها إليه بقوة كأنه لا يريدها أن تبتعد ولو للحظة: لا... بس قولي لي بجد، انبسطتي معايا؟
ماسة، بحمرة خفيفة في وجنتيها، نظرت له بعيون مليئة بالحب والراحة: أيوه، والله العظيم انبسطت أوي... وماحسيتش بالوقت حتى .. أنت محستش يعني وأنا في حضنك.
سليم، بابتسامة خبيثة، وهو يقبّل خدها بحب: حسيت؟ بس بحب أسمعها منك.
ضحكت ماسة بخجل، لكنه لم يترك لها فرصة للهروب من عينيه، شدّها إليه مجددًا، ضمّها بقوة، وتبادلا قبلة قوية، وكأنهما يعيشان داخل فقاعة خاصة بهما، لا مكان فيها لأي شيء سوى هما، وقلباهما النابضان عشقًا لا ينتهي
في منزل نيللي الوحده مساء
كانت نيللي مسترخية على الأريكة، عيناها مثبتة على التلفزيون، أصابعها تلعب بخصلات شعرها بشرود. الأضواء المنعكسة من الشاشة كانت تتراقص على ملامحها، بينما صوت الفيلم الدرامي يملأ المكان.
فجأة…
دقات خفيفة على الباب كسرت الهدوء.
لم تلتفت على الفور، وكأنها لم تتفاجأ. فقط أخذت نفسًا هادئًا، أغلقت التلفزيون بحركة بطيئة، ثم وقفت.
توجهت إلى الباب، قبضتها أمسكت بالمقبض، وابتسامة صغيرة ارتسمت على شفتيها قبل أن تفتحه.
لكن… في اللحظة التي التقت فيها عيناها بالشخص الواقف أمامها، تلاشت الابتسامة تدريجيًا.
عيناها اتسعت قليلًا، لمحة من الدهشة لمعت فيها، وكأنها رأت شيئا غير متوقع.
ثانية واحدة من الصمت المشحون… قبل ما تهمس بخفوت: "إنتِ…؟!"
تفتكروا مين على الباب اكتبوا توقعاتكم وايه اللي هيحصل...