
الفصل الخامس 5
بقلم زينب سمير
وقف سند من مكانه، قرب منه أربع أشخاص، بنتين وشابين، نطقت بنت منهم وهي بتبص حواليها بإعجاب- واو الفيو هنا تحفة
غمضت عيونها تستمتع بنسمة الهوا و- الجو تحفة بجد، حقك تقعد هنا ولا تسأل فينا
بص لشاب فيهم و- أية اللي جابكم؟ كنت بتسأل عن العنوان علشان كدا!
هز كتفه بقلة حيلة وهو بيبص للبنت التانية اللي واقفة وهي ساكتة، بمعنى هي اللي أصرت، بصلها وأتنهد وهو بيبص الناحية التانية لثوانٍ قبل ما يرجع يبصلهم و- رامي زي ما جبتهم هتروحهم
أخيرًا نطقت البنت ببرود- مش هروح، هقعد معاك ونمشي سـوا
بصلها وهو بيعض على شفايفه ويبصلهم كلهم بغيظ و- عمومًا براحتك، بس مش هتحبوا القعدة هنا ياجانا على فكرة
بصت لتاليا و- لية لا؟ باين على تاليا إنها مستمتعة جدًا
- تاليا مش أنتِ
أنتبه أخيرًا لخالد اللي واقف ساكت، ابتسمه بصفاء هو غيرهم كلهم، دايمًا بيفكر أن خالد وجوده معاهم غلط، مش نافع، هو أحسن من إنه يكون معاهم، لكن لأنه معاهم من سنين، من لما كانوا أطفال متمسك بيهم رغم أختلافه عنهم
خالد شبه الناس اللي هنا، طيب زيهم، هيحب الناس اللي هنا
أما تاليا مجرد هتحب الجو والفيو، كام صورة وهتمل وتقول نروح
رامي.. مش مهتم! هيعتبرها مغامرة جديدة
الكارثة هي جانا، لية كل ما يهرب تقرب؟ وهـي أخر وحدة ممكن تحب مكان زي دا، أو ناس زي اللي فيه
حرك راسه بتحية لخالد و- تعالوا هوديكم البيت أكيد عايزين تريحوا..
بعد شوية، دخل لقى الكل مستنيه، اكيد محسن عرفهم
شاور لأصحابه اللي واقفين وراه، شكلهم غريب ولبسهم، شبهه لما جـه في الأول و- دول أصحابي.. خالد.. رامي.. تاليا.. جانا
حيتهم تاليا بحماس- هاي
وأبتسم خالد بلطف، لكن رامي وجانا كانوا بيبصوا حواليهم بتفحص..
- دي دادة زوزو.. وطنط سعاد، ضحى، فدوى،
قربت رؤى تجري عليه فمسد على راسها وهو بيبتسم و- ودي رؤى.. أعتقد رامي قالكم فكرة البيت هنا أية
مـدت زوزو إيدها بحماس لجانا اللي قريبة منها علشان تسحبها تحضنها و- تعالي ياحبيبتي في حضني دا أنتوا نورتونا
بعدت جانا بجسمها عنها و- أكيد أكيد ممكن بس..
سكتت لما سحبتها إيد بعنف من حضن زوزو، ورمتها لورا، خبطت في حضن سند، كانت فدوى اللي بصتلها بعيون نارية و- من غير أحضان يازوزو شكل الأنسة عندها حساسية من البشر
هزت زوزو راسها وسكتت وهي بتبص للأرض بحرج، بص سند بغيظ لجانا وهو بيبعدها عنه
بص لأهل البيت بنظرات معتذرة و- بعد إذنكم هطلع أوريهم اوضهم
أخدهم لأخر دور، أول ما وصلوا رمـى دراع جانا اللي لازقه فيه بعيد عنه و- كنت عارف إنك هتتصرفي كدا علشان كدا مكنتش عايز أجيبكم، ازاي تحرجيها غلطتها يعني إنها عايزة ترحب بيكِ
بصتله برفعة حاحب و- كل دا علشان السـت زوزو.. ولا علشان الهانم التانية اللي مش عايزها تشوفونا سـوا
سأل بتعجب- مين الهانم دي؟ وبعدين أحنا مش سـوا، مكناش ولا هنكون
لسة هترد، وقف رامي يفصل ما بينهم و- هـش ممكن كفاية خناق، أحنا جايين نفصل أوك؟ جانا..
بصلها بتحذير و- أنتِ وعدتيني
بصله سند- حسابك معايا بعدين..
سابهم ومشى وهو بيقول- الأوض كتير أختاروا اللي يعجبكم
****
سابلهم الدور باللي فيه ونزل يقعد معاهم تحت، قعد على التريزة قدام زوزو اللي بتلف محشي يبصلها بذنب،
- في أية بتبصلي كدا لية؟ نفسك في المحشي؟ كنت بلفه لبكرة بس لو عايز أطيبلك إنهاردة
لسة هتقوم مسك إيدها قعدها و- أنا أسف
بصتله بعدم فهم، كمل- على اللي عملته جانا هي بس..
- متعتذرش على غلط معملتوش
- اللي حصل بسببي، هما هنا بسببي
- بس أنت مقولتش يعملوا كدا، وبعدين البنت مغلطتش أوي يعني، مش كل الناس بتحب الأحضان أنا اللي اتسرعت
- انتِ طيبة أوي يازوزو
- والله ما في أطيب منك بعيونك الحلوة دي
قعدت تغازل فيه وهو بيضحك، بيلف لقى خالد في وشـه فأتمحت ضحكته، بصت زوزو فلقيته، قالت بنبرة حنونة- تعالى ياحبيبي، محتاج حاجة؟
قرب وقعد بحرج جنبهم و- لا، هما بس ناموا وأنا مكنتش حابب أنام فنزلت..
بص للمحشي و- محتاحة مساعدة؟
- بتعرف تلف؟
هز راسه بحماس وهي بتقرب منه الحاجة- ساعدني بدل الخايب اللي مورهوش غير الكلام دا ومعطلني
بصلها سند بدهشـة، حالًا باعته
- أنا يازوزو؟
- على الأقل هيشكر في أكلي مش زيك
وطلعتله لسانها، لفت تبص لخالد وبدأت تتكلم معاه، حس نفسه دخيل بينهم فوقف من مكانه و- انا مليش غير جميلة..
وجميلة ملهاش غير سند، كانت قاعدة تفرك في حضن ضحى بغير إرتياح، مسكنتش غير لما حضنها سند.. نامت أخيرًا وحطها في سريرها، قرب يبوس جبينها وعيونه بتلمع، خلال أيام قليلة هو كمان أتعلق بيها، بيهم.. بحاجات كتير هنا
سابها ونزل للدور التاني، المرضى..
الدنيا بقيت أحسن، الألوان افتح وبقى فيه روح، قرب من أوضة البنت كانت نايمة وقف يبص ليها بهدوء، حس بفدوى معدية من جنبه نادى عليها وهو بيلاحقها- فدوى.. فدوى
همهمت بإيجاب وهي بتمشي- نعم
- منى عاملة أية دلوقتي؟ أحسن؟
بصتله وظهر عليها الأسف و- الدكتور قال مجرد أيام..
بصلها بزعل كملت- منى كانت أكتر وحدة عندها أمل إنها تخف رغم إستحالة الأمر، فضلت تقولنا كتير لما تطلع هتعمل أية، هي عرفت إنها عندها كانسر وكانت رايحة تغني، هي عاملة فرقة بسيطة هي وأصحابها كانوا بيغنوا سـوا في أماكن عامة وكدا، مراحتش يومها ومراحتش تاني طول فترة علاجها وحطته دافع قدامها إنها مش هتروح ولا هتتجمع معاهم غير وهي كويسة لكن..
لمعت عيونها بالدموع، بصوت مليان غصـة- شكلها مش هتغني تاني خلاص، حتى أمنية بسيطة زي دي مش هتقدر تحققها، صعبة..
بلع ريقه بصعوبة، التفاصيل اللي بيعيشها هنا تقيله، بتخليه يدرك النعم اللي مكنش حاسس بيها ولا شايفها ولا مقدرها، مخلية فاهم أن كل حاجة حواليه هي نعمة.. هي رغبة.. أمنية لحد يمكن مش قادر يحصل عليها أو يستمتع بيها
لكن.. فدوى.. البنت اللي قدامه هي حاجة تانية، أزاي كل حد هنا بتعتبره أهم حد هنا، زعلانة عليهم كلهم، حباهم كلهم، عرفاهم كلهم، خايفة عليهم كلهم
هو مشفش حد زي فدوى، حد مميز قوي زي ما كانت وهي بتدافع عن زوزو من شوية، وفي منتهى الضعف وهي حاسة إنها مش قادرة تحقق حتى رغبة بسيطة لحد من مرضاها
فدوى تركيبة عجيبة غريبة حاسس إنه قابلها قبل كدا، عارفها، قابل حد شبهها بيقدم من غير مقابل، بيمسح دموع ويطبطب، بس مش فاكر..
****
واقف سند في الحديقة، لمح جانا طالعة من البيت ومقربة منه، شال بيكو بسرعة وجرى بيه لبرا و- يلا بينا بسرعة قبل ما تشوفنا
خده ومشى بيه، فضل يمشي لحد ما طلع من المزرعة بكل أراضيها، مسك فونه اللي رن كان مصطفى رد وهو بيمشي ومش واخد باله رايح على فين- صاصا حبيبي..
قاطعه مصطفى- جدتك رفضت تبعت فلوس، قالت المزرعة ليها ميزانية مبتخرجش عنها واللي طالبه دا تفاهات
بضيق- تفاهات أزاي يعني، يعني هي بتعمل كل الخير دا ومش عايزه تكمله للأخر، مش عارفة هي الوضع النفسي مهم أزاي لقسم المرضى، والأطفال مش بس لازم نوفرلهم مكان واكل وشرب وحد معاهم لازم نهتم بتعليمهم.. لازم نشوف بيحبوا أية ونخليهم يعملوه، لازم ننمي مهاراتهم..
- دا على أساس إنك مكمل؟ يابني كلها شهر وكام يوم وهتخلص من الموضوع دا زي ما أنت عايز وهترجع، وبالنسبة لجدتك فأعتقد الأقتراحات اللي أنت فكرت فيها علشان تبين أهتمامك وأنك اتغيرت وصلتلها خلاص وحققت هدفك، اهدى بقى وكأن خلاص الرفض جـه من عندها ومبقاش في إيدك حيلة وخلص الأيام اللي بقيالك على خير وتعالى
خلص مصطفى كلامه وبص لدلال اللي بتسمع معاه المكالمة، رفعت إيدها بإعجاب إن اللي قاله عال العال
وصله صوت سند المتعصب- أنت فاكرني بهزر ولا بقولك الكلام دا علشان اكسب رضا تينتا، اللي بقوله دا هيحصل يعني هيحصل، الحاجات دي مهمة ليهم ولازم تحصل
- ياعم براحتك متشدش كدا بس هتعمل دا أزاي؟ دلال هانم رافضة تديك فلوس
- لما أرجع الشغل تاني هدفع تمن الحاجات دي على حسابي، مش هنفذ كل اللي عايزه في نفس الوقت بس مش مهم هعمل حاجة حاجة.. بس.. في حاجة ضروري اعملها دلوقتي ومينفعش تستنى، سلفني فلوس وأنا وعد هردهالك في أقرب وقت
بفضول قربت دلال ومصطفى من الفون و- حاجة أية؟
وصلهم طلبه، ففتحوا عيونهم على وسعها..
هو دا سند اللي هما عايزينه، وصل أخيرًا بسلام..
قفل مع مصطفى وبص حواليه بتوهان، هو فين!
سمع صوت نونوة وتآوهات قرب من حاجة شبة مسورة مكسرة فضل يعافر لحد ما طلع قطة صغيرة باين عليها مجروحة بصلها بشفقة وحزن
-بتعملي أية هنا وأية اللي عورك كدا تعالي معايا هعالجك هوديكي لفدوى، هاخدك المزرعة هتنبسطي هناك
شالها بعناية من ناحية ومن الناحية التانية بيكو
عمومًا المزرعة بقيت ملجأ لأي حاجة أو حد يشوفه، أول مكان بيجي في ذهنه..
كمل كلام معاها هي وبيكو لما حس أن بيكو بيبصلها بهجوم- لا لا أنا مبحبش العنف أنتوا هتعيشوا سـوا لازم تتعودوا على بعض
لحد ما وصل لدار الأمان في خياله، مفتاح لكل المشاكل بالنسباله.. فدوى
وسلمها الأمانة
زائر جديد للمزرعة
****
بعد يومين، الباب مقفول من بره عليهم، فدوى بغيظ وهي بتلف حوالين نفسها- هو أية اللي هو بيعمله دا حد قاله إننا عيال وبيعاقبنا يعني أية من الصبح مانعنا نطلع ولا نبص من الشبابيك
زوزو بتهديه ليها- سيبيه براحته يافدوى يمكن في حاجة في دماغه
- لو طلع الحوار تافه زي عادته هـ..
قاطعتها جانا بضيق- في أية بقى من الصبح كلام ما كلنا ساكتين، وبعدين مهما سند يعمل مزرعته وحاجته وهو حر فيها أنتوا هنا كلكم علشان هو وجدته بيشفقوا عليكم فمتشفوش نفسكم يعني وتعتبروا البيت بيتكم
بصلها الكل بصدمة وظهر عليهم الحزن، عمر ما حد قالهم كدا الكل بيعاملهم على أن البيت بيتهم، حتى سند وهو في أشـد غلظته معاهم ملمحش لحاجة زي دي وأحترم من البداية وجودهم..
كله بص للأرض والحزن مالي ملامحه، لكن الباب أتفتح أخيرًا وظهر سند وعلى وشـه حماس الدنيا، قفل الباب وراه بسرعة و- جاهزين؟
كله بص لبعضه وبإتفاقية سرية بينهم خفوا ملامح الحزن وهما بيبتسموا، هو طيب.. ميستهلش
هزوا راسهم بـ اه، طلع لفوق و- خليكم هنا هجيب منى واللي فوق وأجـي
فدوى بقلق- بس حالتهم متسمحش و..
- معلش معلش إنهاردة بس، ضروري منى واللي هيقدر هخليه ينزل لكن مش هضغط عليهم
طلع وبعد شوية نزل وهو مسند منى ماشي بيها بمنتهى الحذر، أستلمتها منه ضحى فجرى ينزل حد تاني، فضل كدا لحد ما الكل أتجمع، حط منى في وش الباب وهو بيزق الكل من قدامها و- أوعوا كدا
جانا بتبص بغيظ للي بيحصل قربت منها تاليا تهمس- أعدلي ملامحك دي وسيبك من أفكارك المتخلفة، دي بنت مريضة وفي أخر أيامها وبيشفق عليها..
مردتش عليها..
الباب أتفتح، أضواء من برة كتيرة وزاهيـة، أجواء حفلات الروك، صوت موسيقى والآلات فجأة ظهر.. وصراخ ناس كتير
الكل بيبص بعدم فهم إلا منى وسعت عيونها بدهشـة، كانت هتقع من صدمتها لكن لحقها سند وسندها هو وولد وبنت قربوا منها بسرعة.. جروا عليها
فرقتها!
فرقتها و مجموعة من أكبر الفان ليها كانوا متابعين كل حفلاتها
زقها سند لقدام و- كل دول جايين يسمعولك.. يـلا غنيلنا
كله بصوت واحد- غني.. غني.. غني
و..
بصت حواليها بدموع، لحظات كانت هي حياتها بطلت تعيشها من زمان، أشتاقتلها، حاسة وكأن روحها رجعت ليها
التعب كأنه مش موجود قربت تقف وسط فرقتها يسندوها تغني وتسكت.. ويكملوا من حواليها، الأجواء كأنهم في حفلة الحديقة مجهزة.. في ترابيزات، في قعدات.. في مسرح.. في شعار فرقتهم
كأن منى زي زمان، بتحضر حفلة زمان.. بتعيش يوم من أيام حياتها، رغبتها البسيطة، أمنيتها الأخيرة
وسط كل الضجة دي وهو بيتحرك هنا وهناك بحماس رفع عيونه فوقعت على فدوى ولقيها بتبصه بإمتنان..
أبتسمها وهو بينفض تراب على كتفه واهـي بغرور..
وعمل علامة بمعنى مبقاش مكانك.. بقى مكاني
زمانك أنتهى.. بقى زماني
مزرعتك اللي مليانة أمان.. هخليها مليانة سعادة
يتبع...