رواية لا تخافي عزيزتي الفصل التاسع والعشرون 29 ج1 بقلم مريم الشهاوي


رواية لا تخافي عزيزتي

الفصل التاسع والعشرون 29 ج1

بقلم مريم الشهاوي 


صلوا على الحبيب

طيب عشان البارتات الجاية هتكون طويلة حبتين فهتنزل على جزئين وانزلهم كل يوم لاني بنزل يوم اه ويوم لا وهي هتبقى متقسمة جزئين فالرواية من النهاردة هتنزل كل يوم لحد ما تخلص بس توعدوني بتفاعل كويس لحد ما نخلصها على خير اسيبكم مع البارت


صرخت رحاب بصوت يتخلله الرعب والغضب: "إيه دا؟ إزاي تدخل كده؟!"


واجهها يزن بعينين محمرتين من الغضب المتفجر، كلماته كانت قذائف حارقة وهو يقول: "فين أسيل؟"


ردت رحاب ببرود، وكأنها تواجه سؤالًا لا يعنيها: "أسيل مش هنا..."


اقترب يزن منها بخطوات ثقيلة، عروقه منتفخة وتبرز تحت جلده من شدة الانفعال المكبوت. صوته كان منخفضًا ولكن نبرته تحمل تهديدًا جليًا: "أنا بقول فين أسيل، وإلا والله لطربقها فوق دماغكم كلكم... لحد دلوقتي أنا ماسك نفسي... انطقي، فين أسيل؟"


نظر إليه شريف بنظرة تحمل كل معاني الاستهزاء والاحتقار، وقال: "الله على التربية! ولما أكلم أبوك وأقول له إنك اقتحمت بيتي وبتتهددني، تتخيل رد فعله هيبقى إيه؟"


تطاير الشرر من عيني يزن، وابتسم بسخرية داكنة قائلاً: "أقولك أنا رد فعل أبويا هيبقى إيه... هيجيب لكم الشرطة. إنت متعرفش إن عنفك ده له ضريبة في القانون... يلا، اتصل بيه! أنا أبويا بيتعامل بالقانون، لكن أنا لا... أنا هجيب حقها بإيديا دول. أنا لسه مموتش... ودلوقتي، انطقوا، فين أسيل؟"


في تلك اللحظة، خرجت يارا من غرفتها وقد تبعها مصطفى الذي حدق بالمشهد غير قادر على فهم ما يحدث، أو سبب هذه المواجهة المحتدمة. أما يارا، فقد كانت على دراية كاملة بكل شيء، وأدركت أن أفضل خيار هو الصمت، تاركة الأمر ليزن، واثقة أنه لن يغادر دون العثور على أسيل.


انعكست سعادة هدير بقدوم يزن في عينيها، كانت تتمنى لو استطاعت الصراخ لتخبره بأن أسيل في المستودع، لكنها كانت خائفة من مواجهة رحاب أو شريف فهي مهمًا كانت خادمة بمنزلهم! 


استدار يزن نحوهم بنظرات صارمة، عيناه تعكسان نارًا موقدة من الغضب: "برضو مش هتتكلموا؟... تمام."


صعد يزن السلالم بخطوات أشبه بالركض، متوجهًا نحو غرفة أسيل. دفع الباب بقوة ولكنه وجد الغرفة فارغة. سار في الممر، ينادي باسمها بصوت مشبع بالقلق واليأس، عاد أدراجه بنبرة تهديد: "وربي... وربي لو ما قولتوا هي فين، مش هيحصل طيب... أسيل فين؟ انطقوا!"


نظرت رحاب إلى شريف بارتباك، وقالت بصوت مهتز: "قولتلك مش موجودة... اتفضل امشي من هنا، وإلا أنا اللي هطلب الشرطة... إنت مش طبيعي."


تصاعد الغضب في عيني يزن، وصاح بصوت ملتهب: "أنا اللي مش طبيعي؟! أنا؟! دا إنتوا اللي مجانين... إنتِ مريضة ومحتاجة تتعالجي... إنتِ السبب في كل حاجة وحشة حصلت لها في حياتها... منك لله. بس اتفرجي، اتفرجي وشوفي هيحصل فيكِ إيه! دلوقتي، هقولها للمرة الأخيرة، لو ما قولتوش فين أسيل، ه‍..."


في تلك اللحظة، لمعت عيناه على قطرات دم صغيرة تقود نحو المستودع. تذكر فجأة ذلك المكان الذي كانوا يحتجزون فيه أسيل دائمًا. اندفع نحو المستودع، صارخًا بقلق متزايد: "أسيل... سامعاني؟!"


أمسك المقبض بيديه محاولًا فتحه ولكنه كان مغلقًا بإحكام. استدار نحوهم، وجهه يعكس تهديدًا لا لبس فيه: "هاتوا مفاتيح القبو... بقولكم هاتوا المفاتيح... وإلا هكسر الباب."


صاح شريف، وقد تملكه التوتر: "سعدية، هاتي مفاتيح القبو، اديهاله!"


تقدمت سعدية ببطء، وجهها يعكس خوفها العميق من يزن ونظراته الوحشية. مدت يدها بالمفتاح، فتناوله بسرعة وأدخله في الباب. عند فتحه، رأى أسيل ممدة على الأرض، تتنفس بصعوبة، وجهها ملطخ بالدماء وجسدها يعاني من كدمات وجروح متعددة.


تملكته صدمة أخرست كل كلمات الغضب، شعر وكأن روحه تسحب منه. هرع إليها، جاثيًا على ركبتيه بجانبها، واحتضن وجهها بيديه، ودموعه تتلألأ في عينيه. همس بصوت مشوب بالألم والخوف: "أسيل... أسيل يا عمري، فوقي... أنا هنا، متخافيش، مش هيحصلك حاجة طول ما أنا موجود... متخافيش، يا عمري، أنا جيتلك، ومش هسيبك أبدًا."


فتحت أسيل عينيها بصعوبة، نظرت إليه وابتسامة باهتة تشق طريقها إلى شفتيها، تمتمت بصوت خافت بداخلها تبرز شعورها عند سماعها لتلم الكلمات :


"لا تخافي، دائمًا ما يقولها لي،

كلمات كأنها أنغام هادئة، تعزفها النجوم في الليل الساكن. 

تحاكيني بحنان يعتلي قلبي، 

تشعل فيَّ الأمل، وتغرس فيني ثقةً لا تلين.

في طيات هذه الجملة أجد عنواني،

وفي صداها يتجلى الأمان، كلحن ندي،

يأخذني بعيدًا عن تعب الدروب،

ويعيد لروحي السكينة والهدوء، في كل صباحٍ جديد."


أغمضت عينيها بطمأنينة، وسلمت له أوجاعها، ووجدت سلامها في حضنه. لا داعي للخوف بعد الآن، فحبيبها يزن قد جاء.


حملها يزن برفق، خرج بها من المستودع، وكل العيون تتبعهما بدهشة ممزوجة بالخوف. نظر إلى شريف بعيون مشبعة بالغضب، وقال بتهديد: "والله، لأندمكم على كل نقطة دم نزلت منها وكنتم أنتم السبب فيها."


خرج من البيت بسرعة، يركض نحو سيارته وهو يحمل أسيل، لكن حركته السريعة جعلتها تتأوه من الألم. فتوقف على الفور، صوت الاعتذار يرتجف من شفتيه: "أنا آسف... آسف... همشي براحة."


تفحص يزن وجهها المتورم، الملطخ بالكدمات والدماء، وكأن الزمن قد تجمد في تلك اللحظة. عينيه تجسد الحزن واليأس، نظر إلى عينيها المغلقة نصف إغلاق بضعف شديد. فتحت أسيل عينيها ببطء، نظرتها كانت شاحبة ومليئة بالأسى، ومع ذلك كانت عينيها تتوهج ببصيص من الراحة لوجوده بجانبها. رفعت يدها المرتجفة بصعوبة، لتلامس خده بحنان، ومسحت دمعة تساقطت من عينه بحركة واهنة. 


لم يستطع يزن تحمل هذا المشهد، فقد كانت دموعه تنهمر كالأمطار في ليلة عاصفة، أغلق عينيه محاولاً كتمان ألمه الذي كان يتدفق من قلبه المجروح. لكن محاولاته باءت بالفشل؛ إذ كانت دموعه تتسلل من بين جفونه المغلقة، تنهمر ببطء على وجنتيه. 


قبّل يديها بلطف، وكأن شفتيه تبحثان عن مداواة جراحها، لامس باطن يدها الدافئ بشفتيه المرتجفتين، محاولاً نقل بعض من دفء قلبه إلى جسدها المتألم. كل لمسة، كل قبلة، كانت تنبض بالحب والوجع، وكأنها كلمات صامتة تقول: "أنا هنا، لن أتركك أبداً، سأحميك حتى آخر نفس فيَّ."


تحرك يزن ببطء نحو سيارته، لكنه سمع صوت سيارة الإسعاف تقترب، ورأى يارا تقف خلفه، تقول: "أنا اللي طلبتها... خليهم هما ياخدوها للمستشفى... أحسن يكون عندها كسر أو نزيف داخلي."


وصلت سيارة الإسعاف، أضواؤها الوامضة تخترق الظلام مثل شظايا أمل. قام المسعفون بنقل أسيل بعناية إلى النقالة، حركاتهم سريعة ولكنها دقيقة، كأنهم يعرفون أن كل لحظة ثمينة. عينا يزن لم تفارقا وجهها، يديه كانت ترتجفان مشاعر القلق والخوف تكاد تخنقه.


صعد يزن إلى داخل السيارة، جلس بجانبها، ممسكًا بيدها الباردة، يحاول أن ينقل إليها بعضًا من دفء قلبه الذي يشتعل بألم وحب لا ينضب. نظر إلى وجهها الشاحب المتورم، عيناه تملؤهما الدموع، ولكنه كان يحاول بث الثبات في صوته عندما همس: "هتبقي كويسة، أسيل... أنا هنا جنبك...مش هسمحلك تسيبيني....انا بموت منغيرك....هتصحي إن شاء الله ."


كانت أنفاس أسيل تتردد ببطء، وكأنها تواجه معركة للبقاء، وفقدت وعيها بالكامل لم تعد تشعر بأي صوت حولها واحتل السواد أنظارها.


قلبه كان يخفق بشدة، وكأن كل نبضة تصرخ برجاء وأمل. مع كل ثانية تمر، كان يزن يمسك بيدها بقوة، كأنه يخشى أن تفلت منه وتغرق في ظلام لا نهائي. يده الأخرى تمسح على جبينها، عينيه لا تفارقان ملامحها، كأن النظر إليها يمنحه شجاعة لم يكن يعلم بوجودها.


في تلك اللحظات الحاسمة، كانت سيارة الإسعاف تنطلق بسرعة، أصوات الأجهزة الطبية تضيف إيقاعًا متسارعًا إلى لحن القلق الذي يملأ قلبه. كانت يارا ومصطفى يتبعان سيارة الإسعاف في سيارتهما، عيونهما مشدودة إلى الأمام، والقلق ينغرس في قلوبهم مثل سكاكين باردة.


في داخل سيارة الإسعاف، كان يزن يكافح بين يأسه وأمله، كلما نظر إلى وجه أسيل المنهك، كان يحاول أن يتخيلها وهي تفتح عينيها مرة أخرى، تبتسم، تعود للحياة. كل لحظة كانت تبدو كأبدية، وكأن الزمن قد توقف ليعذب روحه في تلك الدقائق الحارقة من القلق والانتظار.


____________________


في لحظة متفجرة، صرخ عمر بانفعال عارم: "إنت بتقول إيه؟ لا، أكيد بتهزر... رد عليّ، إنت بتهزر صح؟"


قبض بيديه على ياقة قميص علي، يهزه بعنف شديد وهو يصيح: "إنت عملت كده؟ عملت كده بجد؟ رد عليا!"


رد عليّ بصوت مكسور، يحمل في طياته الندم والعجز: "أيوة، عملت كده... كنت بتعا طى، ومكنتش في وعيي... وللأسف كررتها كتير. كانت بتبقى غايبة عن الوعي قدامي، والشيطان لعب في دماغي... لكن هصلح غلطتي، والله."


اندفع عمر بقبضة مملوءة بالغضب، وجهه لكمة عنيفة أسقطت عليّ على الأرض. جلس فوقه يضربه بلا هوادة، يصرخ بمرارة تتخلل صوته:


"يارا... أختك تعمل فيها كده؟ ترضى كده لعلا أختك؟ تقول كنت بتعا طى وعملت كده بدون وعي؟ هو اللي بدون وعي بيكررها مرة واتنين وعشرة لحد ما باقت حامل منك يا ****... إنت مش أخويا اللي أعرفه، معاك حق، إنت اتغيرت... أنا متبري منك!"


أمسك عمر رأس عليّ النازفة، كاد أن يكسر أسنانه وهو يقول بغضب يتفجر من عينيه، وأسنانه تكاد تنكسر من شدة الجز عليها: "أنا هرميك في السجن... هرميك مع اللي شبهك يا ***... طب إنت ما فكرتش في يارا... مجاش في بالك إنها متطمنة ليك وواثقة فيك... تعمل فيها كده... تعمل فيها كده يا ****... علا طيب، افترض اتضحك عليها وحصلها كده من واحد... وربنا يردلك اللي عملته في أختك، إيه، ما فكرتش إن ربك عادل ومش بيسيب حق حد؟"


كانت مشاعر عمر تحترق كاللهيب، غضبه الشديد يجتاح كل خلية في جسده. لم يكن يراه كأخيه، بل هو وحش يجب أن ينتقم منه، الغضب يغلي الدم في عروقه، يجعله يفقد السيطرة على كل ما فيه.


ضربه بلا هوادة، ليس لأنه يشعر بالقوة، بل لأنه كان يعبر عن الجرح العميق الذي تسبب به الآخرون. كانت دموع الغضب تتساقط من عينيه، لا دموع الحزن بل دموع الغضب المكبوت، تحاول الهروب من سجن العاطفة التي أخذت تجتاحه.


ربما كانت الكلمات قد فشلت في التعبير عن هذا الغضب، لأنه لم يكن مجرد كلمات، بل كانت صرخة بائسة من داخل نفسه، صرخة لم يستطع أحد فهمها أو تخفيف مأساتها.


"عمر... إنت بتعمل إيه... بتضرب أخوك كده ليه."


كانت صرخات دعاء تعلو المنزل بمجرد دخولها، برفقة قمر وعلا، ولم تكن تتوقع ما ستراه: عمر جالساً فوق علي، وينهال عليه بضربات عنيفة تصدر أصواتاً مؤلمة.


هرعت دعاء بقلق نحوهم، حيث أبعدت عمر بعنف من على علي، وجلست بجانبه. أخذت علي بحضنٍ محب ومليء بالأسف، وألقت نظرةً حادة نحو عمر، قائلة بتهديد:


"


إنت أكيد اتجننت... إزاي تضرب أخوك بالطريقة دي... يارا مش كده... يارا السبب مش كده... أنا قلت بنت رحاب مش هتجيبها البر وهتفرق بين عيالي... منها لله."


شعر علي بتنميلٍ يملأ كل وجهه من شدة الضربات، أغمض عينيه بألم شديد ووجد الراحة في حضن أمه. بينما أخذ عمر أنفاسه بصعوبة ولا يقدر على التنفس جيدًا، يشعر بأن قدماه لا تحملانه من قوة الخبر عليه... جلس على الأريكة يضع رأسه بين يديه فشعر بيد أخته تربت على كتفه وهي تبكي، فنظر إليها بشك قائلا:"إنت كنتِ عارفة؟"


أمالت علا رأسها بإيجاب فصرخ عمر بها: "كنتِ عارفة ومقلتيش لي؟"


"مكنتش مديني فرصة حاولت كتير معاك... فلقيت أن أنسب حل إنه هو اللي يقولك... لأنه لازم هو اللي يعترف بغلطته."


ذهبت دعاء لتحضر الإسعافات الأولية التي بكل منزل وتداوي جروح وجه ابنها وكانت تبكي بشدة وهي ترى كثرة جروح وجهه.


حيث هتف عمر وهو ينظر لأخيه بازدراء: "متعيطيش يا ماما... هو يستاهل اكتر..."


ثم نهض عمر بجهد، وأمسك علي من سترته ليرفعه بصعوبة ليقف أمامه على قدميه، وجره بقوة نحو باب الخروج. لكن صراخًا مفزعًا من دعاء أوقفه في مكانه، وهي تقف أمامه بنظرة حادة قائلة:


"استنى يا عمر! واخد أخوك ورايح على فين؟"، صاحت دعاء بصوت ينبعث منه القلق والغضب.


"رايح أسجنه... رايح أرميه مع اللي شبهه وسعي يا امي."


تفاجأت قمر بتصرف عمر، وهي تتحدث بصوتٍ مليء بالاستغراب: "ليه كده يا ابني؟ هو عملك إيه عشان تعمل معاه كده؟"


"اهو خالتك قمر بتسألك... إيه اللي يخليك تضربه بالشكل دا وسجن إيه اللي بتتكلم عنه. "


أجاب عمر بشحنة غضب مكبوتة بداخله: "علي بيتعاطى مخد رات يا أمي... ومش كده وبس دا كمان أذى يارا" 


كانت الجملة صعبة عليه نطقها ولكن تفوه بها ليفهم الجميع واكمل: 

"أغت صبها وهي حاليًا حامل منه." 


صدمت دعاء من الاتهامات الموجهه لإبنها البريء ، ونظرت إلى ابنها بنظرة تعكس الاستغراب مما يتفوه به عمر، وتفاجأت به متوتر مما يسمعه وهذا ما أكد لها بأن عمر يقول الحقيقة. 


فأمسكته من ذراعه غير مصدقة وقالت: "كلام أخوك دا صح؟؟؟؟" 


ظل علي ينظر بالأرض من شدة خجله من هذا الموقف وبعد ثواني تفاجأ الجميع بصوت صفعة قوية تأتي من دعاء على وجه علي وتنظر إليه نظرات مليئة بالانكسار. 


قال علي بصوت ضعيف:


"إنتِ السبب يا أمي... إنتِ اللي حليتها في عيني... إنت اللي خليتني أشوفها بنظرة تانية ."


عبّر عمر عن صدمته تجاه كل ما حدث، ونظر إلى أخيه بعيون ممتلئة بالاستفهام، فأجاب بصوتٍ متألم:


"ماما هي السبب... صدقني، هي السبب الأساسي في تغيير نظرتي ليارا، وفيما أدى للي إحنا فيه دلوقتي."


رن هاتف قمر وهي التي أجابت. وفجأة سمعوا صراخ قمر تتفوه ببضع كلمات: 


"أسيل في المستشفى؟!"


انتابت دعاء القلق والخوف بعد سماعها هذه الكلمات، وركضت نحو قمر لتهدئتها وتطمئنها:


"اهدي يا قمر... هنروح لها... تعالي نروحلها."


بعد ذلك، تقدمت دعاء نحو عمر بنبرة حاسمة:


"تعال وصلنا للمستشفى إللي فيها أسيل.... وسيبك من الحوار دا دلوقتي، بعدين نبقى نتكلم فيه. علي تعال معانا عشان تعالج الكدمات ديبرضو وانت يا علا مش هسيبك لوحدك."


نزل الجميع وراء والدتهم في صمت تعكس الأحزان والتوتر، بينما كانت قمر تبكي بحرقة على ابنتها الصغيرة التي كانت الآن في المستشفى، غير مدركة لحالتها الصحية. ركب الجميع السيارة بصمت يُظهر الأسى والانكسار، وكان عمر مشغولًا بالتفكير في دور أمه في كل ما حدث... هل ستكون هناك مفاجآت أخرى تنتظره؟

___________________


داخل المستشفى"


قال الطبيب: "عندها نزيف داخلي. هندخلها غرفة العمليات فوراً، وشاكين في كسر في ضلع. تفضل امضي هنا عشان نجهز للعمليات."


وقع كلمات الطبيب على مسامع يزن كان كوقع صاعقة مزقت قلبه، تلاشت الدنيا من حوله، وأصوات الأجهزة الطبية تزايدت في رأسه. 


بيده المرتجفة، وقع يزن باسمه، ثم دفع تكاليف العملية دون تردد. كان كرسي المستشفى البارد ملاذه الوحيد بعدما فقد توازنه، ساقاه خائرتان، كأن وزنًا هائلًا ضغط على قلبه. في تلك اللحظة، كان الألم الذي تعانيه أسيل وكأنه ينساب في عروقه، شعوره بالضعف والعجز يعمقه حبٌ لا يمكنه وصفه. الضلع المكسور في جسدها كان كأنه كسر في داخله، والنزيف بدا وكأنه جرح مفتوح في قلبه.


جلس مصطفى بجانبه، وضع يده على كتفه محاولًا بث بعض الأمل، قائلاً: "متقلقش، هتطلع بالسلامة إن شاء الله."


رفع يزن عينيه المثقلتين إلى مصطفى ويارا، وقال بصوت ممزوج بالغضب والحزن: "كنتم في البيت وهي بتضرب كده؟"


أجابت يارا ببكاء، وهي تتذكر محاولاتها الفاشلة: "حاولت أمنعه، لكن مكنش في فايدة. ماما منعتني أقرب، والكل كان واقف خايف من رد فعله... كان وحشي وبيضر بها من غير ما يشوف."


قبض يزن يديه بعنف، مشدوهًا من شدة غضبه، وقال: "وربي، ما هرحمه في كل ضربة مدها على أسيل."


فجأة، جاء صوت عبد الله، والده، يناديه من بعيد. تقدم يزن نحو أبيه، قص عليه ما حدث، متوعدًا بالانتقام، قائلاً: "مش هسيبه، هخليه يدفع الثمن."


رد عبد الله بحزم: "ملكش الحق تتدخل. سيب الشرطة تتصرف، معانا شهود وطب شرعي. متركبش نفسك في الغلط."


اعترض يزن محاولاً تبرير غضبه: "بس يا بابا..."


قاطعه عبد الله: "متنساش إننا ناس محترمين، وانت ابن حد معروف. بلاش تسوء سمعت عيلتك عشان تهورك. حقها هيجي، بس مش مننا إحنا مش بنحاسب فيه قانون بيحاسب، وانت عاقل، وأنا مربيك على احترام الكبير."


أصر يزن: "احترم الكبير لو هو محترم، إنما لو..."


أكمل عبد الله بإصرار: "نحترم الكبير أيًا كان. خلي البنت اللي قالتلك تيجي، وهيسألوا كل الخدم، وهيتعمل تحقيق، وحق أسيل هيجي من غير شوشرة ولا أذية ليك."


هزت يارا رأسها مؤكدة: "ايوة يا يزن، عمو عنده حق. بابا شريف مش سهل. متدخلش نفسك في مناوشات معاه."


قبل أن يُكملوا حديثهم، جاء صوت صراخ قمر باسم "أسيل". هرع يزن نحوها، جاثيًا على ركبتيه ليواسيها، وهي جالسة على كرسي متحرك: "متقلقيش، أسيل بخير، صدقيني، اهدي، أسيل بخير."


توسلت قمر بدموع متدفقه: "عايزة بنتي يا يزن، بنتي مالها وليه في المستشفى؟"


قص عليها يزن ما حدث وبينما هو يكمل حديثه وسط ذهول الكل أصاب قمر ارتفاع حاد بالدورة الدموية مما جعلها تفقد الوعي بسرعة ونقلها الممرضين الى غرفة العناية. "


بمجرد أن وقعت عينا عمر على يارا، أشاح بنظره فورًا، وكأن لقاءها في هذا التوقيت تحديدًا كان أكثر مما يحتمل. أما هي، فاستدارت نحوه بوجه متحير، تتفحصه بعينيها القلقتين، قبل أن تسأله بصوت هادئ لكنه مثقل بالريبة:


"عمر، انت جاي معاها ليه؟ تعرفها؟ مين دي؟"


كأنه احتاج إلى ثوانٍ ليستجمع كلماته، فخرج صوته متحشرجًا وهو يجيبها:


"دي والدة أسيل... كانت في غيبوبة وصحيت منها."


شهقت يارا بخفة، وعلى وجهها انطلقت فرحة خالصة:


"يا قلبي، حمد لله على سلامتها! أسيل هتفرح أوي لما تشوفها، يارب تقوم بالسلامة، ربنا عوضها بيزن، واهو مامتها رجعتلها. يارب يكمل فرحتها على خير، ويبقى آخر أذى ليها. ياحرام، البنت دي عانت كتير أوي، بس ربنا مش بيهون عليه عباده أبدًا، وبيعوضهم عوض هما ميتخيلهوش... زيك كده في حياتي."


كلماتها الأخيرة جعلت أنفاسه تضطرب لثانية، لكنه أخفاها في نظرة خاطفة نحوها. أخرجت هاتفها، واقتربت منه بحماس، تمد يدها إليه وهي تقول بابتسامة:


"معرفتش أجيبهم معايا بس قلت أصورهم وأبعتهم لك، وبما إنك هنا، هوريهم لك دلوقتي... بص."


ألقى نظرة على شاشة الهاتف، فرأى صورة ملابس أطفال صغيرة باللون الأزرق. شيء ما خنقه في صدره، كيف سيواجهها بالحقيقة كيف !


نظر إلى وجه يارا، فوجد فيه ابتسامة أمل وفرح، بينما داخله كان يصرخ بوجع.


وفجأة، وكأن ما بداخله لم يعد يحتمل، جذبها من ذراعها، يعانقها بقوة. كان يريد أن يعتذر، لكن أي اعتذار يمكن أن يبرر كل شيء؟


كيف يمكنه أن يخبرها أن من فعل بها كل هذا ومن كان يتوعد له في كل لحظة، هو أخيه الصغير الذي تربى على يديه ! هل الاعتذار كافٍ على هذا الجرم على سيصلح ما بخاطرها إن اعتذر عما فعله أخيه ؟


يريد أن يعتذر لها ولكن، هل أخطأ بوضع القليل من السكر على الشاي تبعها ليصبح اعتذاره بإضافة القليل من السكر فقط؟! هل للاعتذار أن يكون حلا بهذا الموقف؟ 


دفن وجهه في شعرها، محاولًا أن يختبئ من أفكاره، من صوته الداخلي، من الحقيقة التي تتسلل إليه كخنجر بارد. شعر بها تضع يدها على ظهره، تربت بخفة، كأنها تحاول أن تفهم، كأنها تمنحه فرصة ليقول ما يعجز عن قوله.


لكنه لم يقل شيئًا. فقط شدّ ذراعيه حولها أكثر، كأنه يريد أن يثبت وجودها بين يديه للحظات أطول، قبل أن يضطر إلى مواجهة كل شيء.


لم تفهم، لكنها بادلت عناقه بسعادة، حتى شعرت بعد لحظات أن ما تشعر به ليس دفء الحب فقط، بل شيء آخر... شيء لا تفهمه.


ربتت على ظهره برفق وهمست:


"حبيبي، انت كويس؟"


رفع يده بسرعة، مسح دموعه قبل أن تفضحه، وابتعد عنها فجأة، ناظرًا بعيدًا وهو يدير لها ظهره، محاولًا استعادة ثباته:


"أه يا حبيبتي، كويس... أنا هروح أطمن على طنط قمر."


وقبل أن يبتعد، أمسكت يده، لتجبره على التوقف. تقدمت أمامه، ناظرة في عينيه مباشرة:


"مالك؟"


أشاح بوجهه قليلًا، ورد بسرعة وكأنه يهرب من شيء:


"مفيش يا يارا."


لكنها لم تصدقه، فرفعت يدها، تلامس خده برقة، هامسة بإصرار:


"عينيك مدمعة."


حاول عمر الابتسام بصعوبة ،أمسك بيدها التي على خده، وقبلها بحب، قبل أن يقول بصوت مشحون بالكتمان:


"مكنتش أعرف إني هضعف قصاد لبسه كده... أنا متشوق أشوفه، هيبقى عامل إزاي في الطقم اللي جبتيهوله."


ابتسمت يارا، وبعينيها سعادة لا توصف. أما هو، فعينيه كانتا تحملان ألمًا لا يُحتمل.


ولم يُتح لهما الوقت ليطول، فقد قاطع لحظتهما علي.


نظرت يارا إلى علي وابتسمت ترحب به ولكن اختفت ابتسامتها حين لمحت كدمات وجهه، ثم قالت باستفهام: "إيه الضرب اللي في وشك دا؟ حصل لك حاجة في الرحلة اللي كنت طالعها؟"


أجاب علي وهو يحاول السيطرة على نفسه: "يارا، ممكن نتكلم شوية على انفراد؟"


وافقته يارا بتردد وبينما كان عمر سيعترض،نادته والدته فهم إليها ليرى ماذا تريد بينما أخذ علي يارا على جنب ليتحدث معها براحة.


"يارا، انت عارفة إني بحبك؟...


     الفصل التاسع والعشرون ج2 من هنا 

     لقراءة جميع فصول الرواية من هنا

تعليقات