رواية الماسة المكسورة
الفصل الثالث والستون 63 ج1
بقلم ليله عادل
{~"في حبك أضعت نفسي، سعيت للحفاظ عليك حتى فقدتك دون أن أشعر. كنت أظن أن التضحية سبيل الحب، لكني أدركت أن الحب الذي يُفقدك ذاتك ليس حبًا، بل هلاك بصمت."~
[بعنوان: سجن إسمه الحب]
في تلك اللحظة، نهض طه بغضب شديد، وبدون تردد، صفعها بقوة. نظرت له منى بصدمه كبيرة، وكأن عينيها على وشك أن تخرج من مكانها.
منى بصراخ: إنت بتمد إيدك عليا يا طه؟! إنت اتجننت؟! طلقني يا طه، بقولك طلقني!
نظر طه في ملامحها قال بشدة وحسم: مش هطلقك، قلتلك مش هطلقك! ولو لسانك ده طول عليا تاني، هتندمي.
ثم تركها وغادر الغرفة.
أثناء مغادرته، صاحت منى: إنت فاكر إني ممكن أعيش معاك دقيقة واحدة بعد اللي عملته؟! أنا هسيب لك القصر وامشي!
لكن طه لم يهتم بكلامها، أكمل طريقه دون أن يهتز.
جلست منى على الفراش، غاضبة بشدة، تشعر بالإهانة والضيق، فـ طه لأول مرة يمد يده عليها ويعاملها بهذا الشكل.
نهضت وقررت أن تحضر حقيبة ملابسها لكنها توقفت. كان ذهنها مليئًا بالأفكار المتضاربة.
اخذت تقول لنفسها: همشي، مستحيل أعيش معاه دقيقة تانية. نسي نفسه...
ثم ردت بصوت آخر، مليء بالطمع:
هتمشي وتسيبي كل حاجة. بعد كل السنين دي، هو بس زعلان على سليم شوية، وتهديد رشدي معصبه...،لازم تستغلي الموقف لصالحك، طه طيب حتى لو اتغير، هيسامح بسهولة لو اعتذرتي، بس برضو لازم امشي، وهشوف هيعمل ايه... ولو فضل زي ماهو كده، هعمل خطة تانية. مش ممكن أخسر كل ده بعد ما قربت أوصل.
وفي تلك اللحظة، دخل طه الغرفة أخرى وجلس على الفراش في الظلام. بدا عليه الحزن والضيق، وهو يفكر هل ما يفعله صواب أم خطأ. رغم أنه مازال في قلبه حب كبير لمنى، إلا أنه يشعر أن ما يفعله هو الشيء الصحيح، وأنه كان لابد أن يفعله منذ سنوات.
جناح ماسة وسليم
نشاهد ماسة وهي ترتدي فستانًا أنيقًا ومحتشمًا، تقف أمام التسريحة، تضع مستحضرات التجميل بخفة، تاركة شعرها ينسدل بسلاسة خلف ظهرها. زينت عنقها ويديها بإكسسوارات بسيطة، لكنها أضافت لمسة فاتنة جعلتها تبدو في غاية الجمال والجاذبية. كان واضحًا أنها تسعى لمصالحة سليم بعد حديث سابق بينهما.
بعد انتهائها من وضع اللمسات الأخيرة، غادرت غرفتها وهبطت إلى الطابق السفلي حيث مكتب سليم.
**********************
مكتب سليم
كان يجلس خلف مكتبه، منشغلاً على اللابتوب، غارقًا في عمله بتركيز شديد. ما أن اقتربت منه حتى شعر بوجودها، وكأن عطرها الذي يميزها سبق خطواتها. رفع رأسه عن الشاشة عندما سمع صوت كعب حذائها يتردد في المكان، رآها تقترب بخطوات متمايلة بإبتسامة مشرقة على شفتيها.
ماسة بلطف: لسه ماخلصتش؟
نظر إليها سليم بصمت، وملامحه أظهرت أثر غضبه المكتوم، وبدا واضحًا أنه ما زال يحمل في قلبه شيئًا مما حدث.
لم تتردد ماسة، بل اقتربت بخطوات واثقة حتى وقفت أمامه مباشرة. جلست على طرف المكتب وأمسكت بيديه، مركزة نظراتها في عينيه.
ماسة: هتفضل زعلان؟
سحب سليم يديه بجمود: أنا مش زعلان...
ابتسمت ماسة بإصرار وأعادت الإمساك بيديه مجددًا:
لا، أنت زعلان، أنا حقيقي آسفة، صدقني ماكنتش أقصد. الموضوع كله إنت فهمت غلط. أنا مستحيل أسمح لحد يتدخل بينا، ومش هستنى حد يقنعني أصالحك، أنا كان ممكن أعمل زي الستات التانيين، أقلب الترابيزة وزعل أكتر وأقولك إنت بتتهمني اتهمات كذب... بس أنا ماعملتش كده، لأني بحبك وبقدر مشاعرك. أول مرة أشوفك قاسي عليا كده.
سليم بوجع: أنا مش قاسي، أنا حسيت بوجع في قلبي وإنك خذلتيني. ماكنتش أتخيل إنك تستني حد يقولك تصالحي جوزك، تصالحي سليم اللي بتحبيه.
ماسة بتوضيح: والله العظيم مش ده اللي حصل، صدقني. أنا بس كنت متعصبة لما منعتني أدخل الجامعة والخروج اتعصبت أوي. وماما لما جت كنت بفضفض لها عادي، وبعد ما مشيت حسيت فعلاً إني غلطت في حقك. ماينفعش أخلي حاجة عبيطة زي دي تزعلنا من بعض وتبعدنا عن بعض، لأن اللي بينا أكبر بكثير من الحاجات دي، إيه يعني مخرجش؟ إيه يعني مروحش في حتة؟ كفاية هبقى معاك. وجنبك، حقك عليا، (وضعت قبله على أنفه بدلال)خلاص بقى يا كراملتي..ابتسمت بحب.
سليم نظر في عينيها وقال بعشق: قلتلك، وهفضل أقولها، اللي بعمله حب وخوف عليكي أنا بحميكي.
تبسمت ماسة وهي تهز رأسها، عارفة ...
بقولك إيه... بلاش نتكلم في الموضوع ده. أنا فاهمة إنك خايف عليا وبتحبني، لكن لازم تفهم إن أي بني آدم بيجي عليه لحظات ضعف ورفض وده اللي حصل معايا اسفة.
نظر سليم إليها، وقد خفت حدة الغضب في عينيه، لكنه لم ينطق بشيء. ظلت ماسة ممسكة بيديه، تنتظر كلماته، بينما هو يحاول استيعاب مشاعرها وكلماتها الصادقة.
تنهدت ماسة وقاطعت الصمت وهى تنظر من حولها: بتعمل إيه كدة؟
سليم: مشروع جديد دخلت فيه، بس كبير شوية وهياخد مني وقت كبير في الفترة الجاية.
ماسة بلطف: طب حلو ده، ربنا معاك.
سليم: هنفتح أكتر من فرع للشركة بتاعتنا في أمريكا واليابان وإنجلترا، وممكن في قطر.
ماسة بحماس: واو، ده هيبقى مشروع ضخم جدًا! مصانع إيه بقى؟
سليم: لإنتاج الحديد والأسمنت بجانب تنقيب على البترول غير مشروع خاص بيا للتنقيب عن الذهب.
ماسة هزت راسها بإيجاب: طب والله كويس أوي، إنت كده هتوفر فلوس الشحن في التصدير، وفلوس الاستيراد المواد اللي بتستخدمها، كمان الشركات العالمية بيبقى لهم فروع في كل حتة، ربنا معاك يا حبيبي ..طب ايه؟ إنت هتكمل شغل ولا هتيجي نقعد مع بعض شوية؟
ابتسم سليم بحب: لا،هاجي نقعد مع بعض بس مش شوية باقي اليوم.
تبسم في وجهها ووضع قبلة على جبينها، ثم نظر إليها بنظرات مليئة بالحب، وضمها بعشق كبير. هبطت ماسة من على المكتب، وأمسكت يديه، وتوجها حيث غرفتهما.
♥️________بقلمي_ليلةعادل ________♥️
صباح اليوم التالي
السفرة السابعة صباحاً
يجلس جميع أفراد عائلة الراوي حول طاولة السفرة. الأجواء تبدو هادئة. غابت منى عن المشهد بعد أن رحلت، وكانت ماسة لا تزال نائمة في غرفتها.
عزت وهو يمرر نظراته بين الحضور بتعجب: غريبة فين منى؟ لسه نايمة؟
فايزة بإيجاز: راحت عند باباها.
عقد عزت حاجبيه بقلق واضح: في حاجة؟
طه مسرعاً: لا، مافيش. حبت تروح تقعد يومين كده.
عزت متجهاً بسؤاله لسليم: هتسافر يا سليم والا مش هتقدر؟
سليم بحسم: لا، أنا مش هينفع أسافر.. خلي رشدي يسافر مكاني.
نظرت فايزة لطه بنبرة جادة: طه، خلينا نروح مع بعض النهارده المجموعة، حبه ادردش معاك شوية.
طه هز رأسه موافقًا دون أن ينطق بكلمة.
كملوا فطورهم وهما يتبادلون الاحاديث العائليه البسيطه ثم توجهوا الى اعمالهم.
سيارة فايزة الثامنة صباحاً
فايزة وطه يجلسان في المقعد الخلفي لسيارة العائلة، يدور بينهما حديث جاد.
فايزة متسائلة بحدة: خير؟ مراتك مشيت بالشنطة الكبيرة ليه؟
طه بهدوء: مافيش، مشكلة بسيطة.
فايزة متعجبة: مشكلة بسيطة فتاخد شنطه هدومها الكبيره؟ دي أول مرة أشوف حاجة زي دي من يوم ماتجوزتوا! .. طريقتكم إنت ومنى الفترة اللي فاتت مكنتش طبيعية ومش مريحاني. في إيه يا طه؟ اخواتك بيدبروا حاجة لسليم؟ ومنى معاهم؟وانت رافض.
طه بسرعة: لا لا، مافيش حاجة. أنا بس متضايق منها من وقت ماعرفت إنها كانت معاكم في حادثة سليم. وكمان من وقت ماعرفت إن كل أخواتي بقى ليهم مشاريع، وهي مش عايزة تسكت ولا تبطل كلام مستفز.
فايزة بتأييد: طب ما هي عندها حق. المفروض يبقى ليك مشروع كبير زيهم. هما مش أحسن منك؟
طه مبررًا: طب ما أنا خليت الشركة تدخل في موضوع الشحن الجوي!
فايزة باستنكار: ده تجديد دم أو زيادة حجم الاستثمار، مش مشروع خاص ليك. لازم تفكر في حاجة تخصك. والباشا هيقف معاك، إنت طه الراوي!
طه بتردد: طب أعمل إيه يعني؟
فايزة بحسم: أي حاجة، حتى لو حاجة صغيرة. وبعدين أنا مبسوطة إنك كنت حاسم مع منى، سيبها. هترجع لوحدها، أنا متأكدة. منى أذكى من إنها تسيب كل ده، بس بصراحة، لو عايز رأيي... طلقها! وأنا هجوزك واحدة تليق بيك.
طه بنبرة حزينة: لا، أنا بحبها. وعندي أمل إنها تعقل. يمكن لما تحس إني اتغيرت وإنها ممكن تخسرني ترجع تاني زي الأول.
ضحكت فايزة ضحكه صغيرة بسخرية: منى ترجع زي الأول؟ هي طول عمرها زي ما هي، إنت اللي كنت معمي بحبها، ولسه.
طه بتنهيدة: يمكن. بس عموماً أنا اتغيرت، وهبقى صاحي ليها... صمت لوهله ثم تسال بحزن: تفتكري هترجع؟
فايزة وهي تهز راسها: يعني يومين أو تلاتة اسبوع بكتير؟
طه بحزن: برغم اللي حصل، لكن انا مش مبسوط، وجودها معايا في نفس المكان كان بيهديني. ولما مشيت... حسيت إني متضايق، حسيت بفراغ، بس ده مش معناه ان انا هرجع في قراراتي، حبي ليها واخلاصي اذانا اكثر من أنه أسعادنا.
هزّت فايزة رأسها بضيق، ثم قالت بقسوة: الحب ده لعنة. وتيجي تقولي: أنا ليه عملية؟! وليه قلبي جامد؟ عشان اللي أنا شايفاه دلوقتي فيك وفي سليم، الحب بيضعّف، بيموت، سعادتك وهدوءك بيصبحوا بيدوروا حوالين شخص، مرهونين بوجودة، لو الشخص ده اختفى تبقى انتهيت، عشان كده أنا بحاول أبعدكم عنهم، يمكن ترجعوا لعقلكم. بس فشلت، إنت وسليم ضعتوا.. بس على الأقل، سليم بيحب واحدة بتحبه، هي كمان عندها استعداد تضيع عشانه، إنما منى!! تؤ. حتى صافيناز، معميه بحب عماد، الطماع، كل همه يوصّل للعرش ويتخلص منك ومن إخواتك، أنا عارفاكم كلكم كويس اوي.
طه متعجباً: غريبة إنك عارفانا كويس كده وبتساعدي صافيناز وعماد ورشدي عشان يتخلصوا من ماسة، برغم انك عارفه ده ممكن يدمر سليم... حاولي تحبيها. أنا مش شايف إنها مشكلة عظمه يعني إنها بنت فقيرة، هي اتغيرت كتير، مابقتش البنت اللي شفناها عند منصور، حتى أهلها... حاولي تحبيها، أو بلاش، سيبيها. سليم مبسوط معاها. إنتي عايزة سليم يبقى مكان عزت؟ خلاص، سيبيها، لأن ماسة لو بُعدت عنه، سليم هيضيع فعلاً. إنتي لسه قايلة حبكم ضيعكم!
زمّت فايزة شفتيها بنكران: لا، سليم مش هيضيع. أنا هقدر أخليه يكرهها. هي اللي هتكرهه فيها بنفسها، بعدين. ماتدخلش في الموضوع ده.
ضيق طه عينه ونظر لها بريبه: الموضوع معاكي بقى أكبر من أنها لا تليق بعائلة، إنتي كرهها عشان هي خرجت سليمة من الخادثة، وسليم خرج منها... هو اللي ماذي...
ماما ده قدر ربنا يمكن ربنا عمل كده عشان تفوقي وتوقفي اي حاجه عايزه تعمليها.
نظرت إليه فايزة بنظرة تحذيرية: طه مدخلش نفسك في الموضوع ده. ركّز مع إخواتك. ولما منى ترجع، لو اكتشفت حاجة، بلغني.
طه أكد بثقة: أكيد، بس معتقدش إنهم هيتكلموا قدامي. هم عارفين إني مستحيل أقبل حاجة زي دي تحصل تاني.
فايزة بفحيح فاعي: معلش، خد بالك بس... وحاول ميصدرش منك أي ازعاج او غضب إنك رافض إنهم ممكن يؤذوا سليم، يعني حاول تجاريهم شوية. إنت هتبقى عيني وسطهم... بس أوعى تغلط يا طه، دول أفاعي.
ابتسم طه ابتسامةثقة: ماتقلقيش يا هانم، اللي يعاشرهم... بيبقى زيهم.
ثم هزّت رأسها بإيجاب، قبل أن تنظر امامها ، تحمل على عاتقها حملاً ثقيلاً اسمه سليم.
مجموعة الراوي العاشرة صباحاً.
مكتب عزت
يجلس عزت خلف مكتبه، منشغلًا في عمله. بعد دقائق دخلت نانا.
نانا بعملية: عزت باشا، أنا بعت الإيميل خلاص، أول مايجيلي الرد هبلّغك.
تفحص عزت بعض العقود: قول لي مواعيدي إيه النهارده؟
نانا بعملية: مفيش غير إن حضرتك هتلف على مصنع الحديد و ورش الذهب.
عزت مازال عينه على الأوراق: طيب، أخرجي إنتي.
توقفت للحظة، أمعّنت النظر فيه، تبحث على أي حركة... لكن دون جدوى. تحركت وأغلقت الباب، وعادت له.
نانا بتأثر: عزت... هتفضل مخصمني كده كتير؟
عزت متعجبًا: أنا مش مخاصمك.
نانا متأثرة: أمال مالك؟ بقالك أكتر من أربع شهور مطنّشني!
عزت بقوة: مزاجي كده.
نانا: موحشتكش؟
رفع عزت عينه ثال ببرود: اسمعي يا نانا، أنا مش على مزاجك...، إنتِ مزاجي أنا. وانتي دلوقتي مش مزاجي. يلا، روحي شوفي شغلك.
اقتربت منه نحاول استعطافة
نانا بعتاب: أول مرة تكون معايا، قاسي كده. حمدي ده مجرد عريس...
قاطعها عزت بحدة: مسألتكيش
نانا بتمني: بس كان نفسي تغيّر...
عزت باستنكار: أغيّر؟! إنتي هبلة؟
نانا: لأ، بس تعبت...نفسي أحس إنك ملكي.
أمسّكت يده بلطف ونظرت لعينيه: عزت أنا هستناك النهارده. إنت محتاجلي زي ما أنا محتجالك. أكيد وحشتك... ووعد، مش هضايقك تاني.
نظر لها عزت طويلًا
عزت بتحذير: آخر فرصة. بعد كده، هرميكي بره.
هزت نانا راسها بإيجاب بسعادة: وحشتني... ممكن أمشي دلوقتي علشان أجهز نفسي وأعملك حاجة بإيدي؟ بليز؟
عزت: روحي.
خرجت نانا وهي تشعر بالفرحة... بانتصار كاذب.
فيلا عائلة ماسة، السادسة مساءً.
الحديقة.
نرى سلوى ومكي يجلسان في الحديقة على طاولة، وأمامهما أكواب شاي.
سلوى بغضب: قول بقى إني غلطانة.
مكي بهدوء: لا، إنتِ مش غلطانة، بس أنا بحاول أوضحلك. سليم في وضع صعب.
سلوى بضيق: هتفضل تجمّل موقفه لحد إمتى؟!
مكي بتوضيح وعقلانية: مش تجميل مواقف، بس شوفي، والدك ووالدتك بيتكلموا من منظور تربيتهم وثقافتهم، وتربيتهم ليكم، هما شايفين انتم معظم عمركم وأساس تربيتكم مافيش خروج
بالنسبة لهم، البنت لازم تلتزم بالقواعد، والست لازم تسمع كلام جوزها طول الوقت. مدام بيصرف عليها كويس، ولا بيضربها ولا بيغلط فيها، شايفين إن ده كفاية، حتى لو ده مش عدل، هما فاهمين كده وبيبرروه معتقداتهم بشكل ده، عشان كده أمك وأبوكي كانوا شايفين إنك إنتِ وماسة غلطانين، ولازم تلتزموا. أمك شدّت معاكِم بطريقتها، وأبوك حاول يكون حكيم، لكن هما نفسهم متعودين على القواعد دي، بس لو ركزنا هم بردو مش غلط.
نظرت له بعين تقدح شررا أجابها مكي على تلك النظرة: افهمي انتم فعلاً متعودين على عدم الخروج وقاعدة البيت.
سلوى تنظر له بغضب: وإنت شايف إني لازم أقتنع بده؟ افهمني يامكي، إحنا مش كنا محبوسين كده كنا بنروح السوق، بنزور قرايبنا، بنخرج للغيط، مش قاعدين طول الوقت جوه السرايا. هو في ايه؟ عايزين تقولوا إن أنا وماسة مجانين؟ مكي اللي سليم فيه ده غلط، يا سيدي خلاص والله مش عايزها تخرج ولا تروح الجامعة، بس على الاقل هو يخرجها يسبها تيجي عندنا. حتى لو نفسيتُه تعبانة، مش مبرر إنه يحبسها بالشكل ده مكي ده لما بتتعب بيجيب لها الدكتور البيت.
مكي بعقلانية ونبرة حادة قليلاً:
فاهمك، ومش بقول إنه صح بنسبة كاملة، بس كمان مش غلط. سلوى، الحادثة بتاعتهم ماكانتش طبيعية، والفاعل لحد دلوقتي مجهول، إنتي بتتكلمي في إيه؟! ده مش حد فرقع جنبها بومبة وهرب، أركان الحادثة كانت مدروسة بشكل منتظم، خطة محكمة، شغل مافيا، أوعي تستهيني باللي عملها، إحنا مانعرفوش، ومانعرفش ممكن يعمل إيه، ولا مستني إيه! بس الأكيد إنه مش مستني سليم، كان قدامه فرص كتير يتخلص منه من زمان. فالمنطق والعقل بيقولوا إنه ممكن تكون ماسة هي الهدف، أو إنه بيلعب على أعصابه وخوفه، فإحنا كمان لازم نكون حذرين. وكمات مانقدرش نقول على تصرفه غلط مليون في المية. معاكي يخف الحبل شوية، يحط قواعد،يحط شروط بحراسة معينة وبشكل منظم، بس سليم ماينفعش يشيل الحمل لوحده، هي كمان عليها جزء من الغلط.
يتنهد بهدوء، ثم يقول برجاء:
كل اللي بطلبه منك دلوقتي...إني عايزك تتكلمي معاها،خليها تستحمله شوية.نفسيته فعلاً تعبانة،
وأنا متأكد إنه مش هيفضل كده على طول.
متأكد إنه هيسيبها تخرج قريب،بس خليها تعدي معاه المرحلة دي، سليم بيحبها وحميته ليها بشكل ده نبعه من محبه وخوف.
تنهدت سلوى بتعب: حاضر.
مكي: أنا هكلم طنط سعدية، وهخليها تسيبك تخرجي وتروحي لماسة والكورسات.
سلوى: لا، استنى يومين كده. الموضوع لسه سخن. بلاش دلوقتي. وبعدين اسمها خالتي، مش طنط.
مكي يبتسم: حاضر يا ستّي، ماما كمان. طب اضحكي بقى.
ابتسمت سلوى بضيق و بصمت
مكي بحب: وحشتيني.
سلوى بدلال: وإنتِ كمان
نظر لها مكي بابتسامة خفيفة: وانت كمان إيه؟
سلوى بابتسامة خفيفة: وإنت كمان وحشتني. بس ابعد شوية لو عمار شافك كده هيعمل مشكلة.
مكي ضاحكًا: هيعمل مشكلة؟ طيب ماشي. على فكرة، بعد يومين عندي ماتش ملاكمة... تيجي تتفرجي عليا.
سلوى: ماشي
مكي هو يحتسى الشاي: بكرة أنا رايح أدفع أول دفعة للفيلا.
سلوى بابتسامة: عارف، أجمل حاجة إنها قريبة من ماسة.
مكي بعقد حاجبيه: بعيدة عن القصر.
سلوى: قصدي قريبة من فيلا ماسة، مش بعيدة عنها.
مكي: أممم... بكرة هروح أخلص، وبعدين نبدأ نختار الديكورات.
سلوى: لسه بدري، قدامك سنة. أنا مش هتجوز غير في إجازة سنة اولى وبعدين أحمد ربنا إني أصلاً وافقت أتجوز بدري كده.
مكي تبسم: حقيقي شكرًا... والله ما عارف أقولك إيه. ماتحرمش منك ههههههه ..بس عشان الحاجات دي بتطول خلينا نبدأ شوية بشوية.
سلوى: ماشي.
ابتسم مكي، وردت هي بابتسامة خفيفة.
منزل سارة العاشرة مساءً
نشاهد عماد مستلقٍ على بطنه، وسارة تقوم بعمل له مساج. بدا عليه الاسترخاء الشديد.
عماد بتعب: آه يا ياسو... تعبان اوي.
سارة بدلال وهي تستمر في عمل المساج: سلامتك يا روحي، مالك؟
عماد بملل: الشغل تعبني جدًا.
سارة متعجبة: أمال سليم فين؟ مش كنت بتقول إنه راجع مركز وراجع أصعب مكان قبل مايتجوز ماسة؟
تنهد عماد باختناق: موجود، بس مركز في المشروع الجديد بتاعه، مشروع ضخم وعايز تركيز. أخده تحدي مع الباشا، لأن فيه مستثمرين ومساهمين داخلين معانا، غير مشروع التنقيب عن الذهب الخاص، وشركة السياحة بتاعته بقت من أهم شركات السياحة في مصر. أنا مش عارف بيجيب دماغ لكل ده إزاي، رامي حمل المجموعة علينا.
سارة بخبث: طب ما ده جميل. يا رب دايمًا يفضل كده مركز في حاجات تانية، أنتم بقى اثبتوا نفسكم وساعد صافيناز تثبت نفسها عشان تنافس وفي الآخر تقش إنت.
رفع عماد عينه مستنكرًا: هو رامي الحمل، بس الأستاذ كل أسبوع بيجتمع بينا. الاجتماع ممكن يبقى ست ساعات عادي، ولو حد فينا غلط أو عمل حاجة غلط، مش قادرة أقول لك بيعمل فيه إيه.
سارة باستغراب: استوحش يعني؟
عدل عماد من جلسته ونظر إليها بجدية: مش استوحش، بس من ساعة موضوع رجليه والحادثة وهو عايز يثبت إنه لسه سليم، بل أقوى كمان. بس دي حاجة ممكن نستغلها. عموماً إحنا دلوقتي مش بنعمل حاجة غير جمع الأوراق. لما الوقت المناسب ييجي، هنضرب ضربتنا. مش عايزين نستعجل زي زمان، بس أنا حاسس الموضوع قرب.
سارة بتمنى: ياريت يا عماد، بجد أنا تعبت. على فكرة مازن بدأ يسألني ليه باباه على طول مسافر ومش معانا. خصوصًا لما بيشوفك ظاهر في برنامج أو مجلة. مش عارفة أقول له إيه. بيقعد يقول لي مين اللي متصورة مع بابي دي.
عماد بشدة: ما أنا قلت لك تفضلي بره، ماسمعتيش الكلام.
سارة بقوة: أفضَل بره عشان تيجي لي كل شهر مرة؟
عماد بانزعاج: بقول لك إيه يا سارة، أنا كنت معاكي واضح. وإنتي اللي دخلتيني اللعبة دي. آه، اللعبة عجبتني عشان الملايين اللي بناخدها من صافيناز تخلي الواحد يحب جداً الوضع ده. واللي لسه هناخده. ماتنسيش خالص إن عربيتك الجديدة، المجوهرات، والفلوس، كل ده من صافيناز.
سارة: أنا بكلمك على الولاد دلوقتي. هنعمل إيه؟
عماد: الحل الوحيد إنك تفضلي مختفية زي ما أنتِ، ومفهمة صافي إنك مسافرة. مش هينفع تظهري تاني. الولد كبر، وممكن يقابل صافي ويقول لها أي حاجة. ومن رأيي، زي ماقلت لك، لازم تسافري أو تروحي محافظة تانية، زي إسكندرية مثلاً. وأنا هاجي لك كل أسبوع.
سارة بفرض سيطرة: لا، إنت كل يوم هتجيلي وتقعد معايا ساعتين أو تلاتة. تقول لها بقى إنك نزلت جيم، أو هتحضر كورسات، أو كنت بتسهر. أنا مليش دعوة، كل يوم تبقى عندي ساعتين تلاتة وتمشي. وبالنسبة للمبيت، كل خميس وجمعة ممكن أتنازل، يعني مش دايمًا. مش كل أسبوع تبات. اتفق مع الهانم مامتك، وهي هتعرف تسكت صافيناز ولو مش عشاني فكر في ولادك في كارمن ومازن هم دول مش زين ومريم
عماد بلطف: حاضر، وعشانك انتي كمان يا سارة انتي عارفة إني بحبك واني بعمل كل ده عشانك، صدقيني خلاص قلت لك قربنا، أنا خليت صافي تعملي توكيل بحق الادارة من غير ما حد يعرف.
سارة باستخفاف: قربنا إيه؟ ده فات أكتر من ٩ سنين بعدين الإدارة دي مش للمشروع بتاعها بتاع مستحضرات التجميل مش المجموعة.
نهض عماد: صدقيني قربنا، أنا هروح آخد شاور عشان أمشي.
♥️________بقلمي_ليلةعادل ________♥️
فيلا ياسين وهبة الصالون السابعة مساءً
نشاهد هبة تحمل طفلتها نالا وتلعب معها، نالا التي أصبحت في عمر العام. تنظر هبة إلى ابنتها بحب وحنان، وبينما تتبادل الضحك مع نالا وتظهر السعادة على وجهها.
أثناء ذلك دخل ياسين من الباب بعد أن فتحت له الخادمة.
ياسين بشوق، بابتسامة دافئة ترتسم على وجهه:
حبيباتي الحلوين، وحشتوني!
ووضع قبلة على خد هبة وقبلة على وجه نالا.
جلس بجانبهم قائلاً، وفي عينيه بريق من الحنين:
عاملين إيه؟ وحشتوني.
هبة، بابتسامة خفيفة على وجهها: تمام الحمد لله.
أضافت بدلال: نالا بتقول لك يا بابا هتفضل تتأخر كده كتير؟
ياسين، متنهداً: والله مضغوط في الشغل.
هبة بنبرة حزينة: بس أنا بزهق لوحدي.
ياسين، محاولاً تهدئتها: ما أنا قلت لك، روحي أقعدي مع ماسة في القصر، حتى تسليها بدل ما هي قاعدة بتكلم الحيطان.
هبة بنبرة غاضبة وعيونها تتسع: مش هينفع، عشان أنا مستفزة منها. مش عاجبني اللي هي بتعمله.
ياسين، متعجباً: وأنتِ عايزاها تعمل إيه؟ يعني تعاند سليم وتسيبه؟
هبة بتوضيح: مش تعانده، بس ترفض اللي هو بيعمله وتسيب له البيت وتمشي.
ياسين، محاولاً إقناعها بنبرة هادئة: ماينفعش يكون حل الأمور بالشكل ده. اللي بينهم حب كبير، واللي مروا بيه صعب.
هبة،بضجر: إيه الحل برأيك؟! تبقى خاضعة وتقول حاضر ونعم وأمرك يا سي السيد؟ إنت شايف إن اللي هو بيعمله ده طبيعي؟ عارف هي تستاهل لأنها قبلت على نفسها كده؟ أنا مش عايزة الصراحة أشوفها، لأن لو شفتها، هتضايق، وهتكلم معاها وهنتخانق مع بعض، لأنها رافضة أصلاً حد يتناقش معاها، بعد المشكلة اللي حصلت مع مامتها .. (بحزن) بس بجد بتكلم نفسها؟!
ياسين، تبسم موضحا: أنا مش قصدت إنها بتكلم نفسها بالمعنى الحرفي، ده التعبير مجازي. وبعدين، بالراحة عليها شوية هتعمل إيه؟ هي بتحبه، لازم تتحمل، الحب تضحية. لازم تضحي هو ضحى عشانها كتير .. بعدين. بلاش نتناقش في الموضوع ده. عموماً، انتِ كده كده لازم تروحي القصر أو تروحي عند والدتك، لأن أنا مسافر بكرة عندنا نقل ذهب.
رفعت حاحبها بغضب: مهرب؟؟
رد ياسين: ماتبصليش كده، أنا بطلت أشتغل في حوار الآثار عشان خاطرك، أكتر من كده مش هعمل، مش هينفع، ده شغل المجموعة.
هبة، بعينين مليئتين بالقلق والحب: ياسين، أنا مش موافقة على الشغل ده.
ياسين بقوة: وأنا ماطلبتش موافقتك يا هبة، ده شغلي وأنا مكذبتش عليكي من الأول. قلتلك إننا بنشتغل في الذهب المهرب، وأنتِ بنفسك قلتِ إنك عارفة إن الذهب اللي بيجي بالكميات دي لازم يكون فيه نسبة تهريب. ولعلمك، حتى لو مش مهرب، وحتى لو بعلم الحكومة، هتبقى في نفس الخطورة. أنتِ فاكرة عشان ننقلهم من مكان لمكان ده حاجة عادية؟ لا طبعاً، المشكلة مش في الحدود، الحدود دي أسهل ما يمكن، لكن الخطورة وإحنا على الطريق، ممكن حد من منافسيننا أو أعدائنا يحاول يعمل كمين.
هبة بتوضيح وهى تضع يديها على كفه تحاول اقناعه: حبيبي، أنا عايزاك تبعد عن الشغل ده كله زي سليم. إحنا مش محتاجين الشغل ده. خايفة عليك، خايفة يحصل لك زي ماجرى لسليم.
ياسين، محاولاً التخفيف عنها: قلت لك، أنا غير سليم، هو كان عامل مشاكل كبيرة مع ناس كبار. اتسبب في قتل واحد منهم، ده غير الناس اللي كان عنده مشاكل معاهم هنا. يمكن كل المصائب دي حصلت له بسبب المجموعة، لكن سليم من زمان وهو كده مجنون، ماتغيرش غير بعد جوازه. لكن أنا ماليش علاقة بالحاجات دي.
هبة، بنبرة يملأها القلق، عيونها مليئة بالأسئلة: بس أنت قلت لي إنك دورت وراهم كلهم، وماطلعوش هما.
ياسين، وعينيه تغطيها غيمة من الغموض: لا، هيطلع حد منهم، بس المشكلة إنه مافيش أدلة عليهم. لكن ماينفعش أقول لسليم كده، رغم إني متأكد إن سليم فكر نفس الفكرة دي،بس مش قادر ياخد خطوة، لأنه ما معهوش أدلة.
هبة، بضجر: والله حاسة إنك بتتكلم عن عصابات مافيا زي اللي بنشوفها في الأفلام.
ياسين، بلهجة جادة وعينين مليئة بالقلق: بصي يا هبة، إحنا شغالين مع منظمات كبيرة جداً، مافيا بمعنى أصح. وأنا بعدت عن شغل الآثار، عايزة أكتر من كده إيه؟
هبة، بنبرة حزينة: طب لو قلت لك يا أنا يا شغل ده.
ياسين، بوجه متجهم بنبرة قويه: هبة، لو سمحتي، أنا مش عايز مشاكل ولا عايز وجع دماغ. بتعملي إيه؟ بتقارني نفسك بإيه؟ وبعدين، أنتِ عارفة كويس إني م بحبش الطريقة دي، والطريقة دي بتيجي معايا بنتائج عكسية.... يلا اطلعي حضري لي الشنطة، خليهم يحضروا لنا العشاء. أنا تعبان، وجعان، وعايز أنام.
هبة، بصوت مختنق بالحزن: أنت عارف، أنت مش هترتاح غير لما يحصل لي أنا وبنتك حاجة
ياسين بثقة: أنا بقول لك مش هيجي اليوم ده.
هبة، بعينين مليئتين بالحزن والتساؤل: ليه متأكد اوي كده؟ أنت مش قلت حتى اللي مش مهرب عليه خطورة.
ياسين: عشان إحنا طول عمرنا عايشين في الموضوع ده وماحصلش حاجة.
هبه متعجبة: منين في خطورة؟ ومنين ماحصلش؟ أنتِ بتكذب على نفسك ولا بتكذب عليا؟ أنت اللي حابب تشتغل وتكمل في الشغل ده.
ياسين، بغيظ محاولا تغيير الموضوع: هاتي نالا، ألعب معاها شوية.
نهضت هبة، وعيناها مليئة بالحزن: عموماً، أنا مش هتكلم معاك تاني وهسيبك براحتك. بس فكر في بنتك.
تحركت وتركته، بينما هو نظر لها بصمت، ولا مبالاة، ثم أخذ يلعب مع ابنته.
((خلال أسبوع))
لم يتصل طه بمنى ولو مرة واحدة، مما جعلها تشعر بالغضب والضيق. كان هذا بالنسبة لمنى إعلانًا واضحًا بأن طه قد تغير بشكل كبير. تلك الحادثة التي اتفقا عليها للتخلص من سليم كانت القشة التي قصمت ظهر البعير. لكن إلى متى ستستمر هذه العلاقة في التوتر؟ رغم أن طه يحب منى، إلا أن شخصيته الضعيفة تظل عائقًا أمام استقرار علاقتهما.
أما عن ماسة وسليم فعلاقتهما التي كانت قد شابها بعض التوتر عادت إلى طبيعتها واستقرت.
وبالنسبة لياسين، فقد سافر وأشرف على عملية نقل الذهب، وعاد بسلام دون أن يحدث له أي مكروه.
((بعد اسبوع))
♥️________بقلمي_ليلةعادل ________♥️
في أحد المطاعم الكبرى،الرابعة مساءً.
كان طه جالسًا على إحدى الطاولات وهو يحتسي الخمر، وكان أمامه طبق طعام. بعد قليل، اقتربت منه منى، سحبت الكرسي وجلست أمامه.
منى، بتأثر وتمثيل الشوق والحزن: إزيك يا طه؟
طه رفع عينيه نحوها قائلاً: الحمد لله، بخير. في حاجة عايزاني في حاجة مهمة؟
منى، متعجبة: أنا مش مصدقة إنك قدرت تبعد عني لمدة عشرة أيام بحالها! لا وكمان اتحايلت عليك علشان تقابلني! للدرجة دي يا طه؟
مررت عينيها عليه وقالت: ما شاء الله عليك، يعني بتاكل وبتشرب وكأنك نسيت منى حبيبتك؟
طه، بجمود وهو يتناول الطعام: منى، بلاش الأسلوب ده. مابقاش يجيب معايا أي نتائج.
منى، وهي تشير على نفسها تدعي انها ضحيه: أنت بتتهمني؟ تقصد تقول إني بمثل؟ أنا مش جاية أتخانق معاك، أنا جاية أصالحك وأعتذر لك، لأنك وحشتني تعمل كدة.
وضعت يديها على يديه وقالت بعين ترقرق بدموع: أنا آسفة يا طه. أنا عارفة إن الفترة الأخيرة كانت غريبة بسبب هوسي بالكرسي، لكن اعمل إيه؟ أنا نفسي تبقى الملك الجديد، أنت مش عارف ايه اللي ممكن يعملوه أخواتك فينا، لكن لما فكرت كويس لقيت إنك صح، سليم هيحافظ على حياتنا، أما أخواتك لأ. طه، أنت وحشتني .. أوعدك إني مش هتدخل في أي حاجة بعد كده، وهبعد عن كل المؤامرات وعن رشدي وصافيناز... هو أنا ماوحشتكش؟ أنت مش بتتكلم ليه؟
كان طه ينظر إليها، ولا يعرف ماذا يقول، فهو اشتاق لها، لكنه كان يحاول أن يبدو متجمّدًا لكي لا يضعف أمامها وتستغل ذلك. كانت أفكاره متضاربة بين المسامحة أو أن يظل كما هو لكي يعاقبها ويعقلها.
منى: طب، أنا ماشيّة مش هزعجكك
توقفت لكي ترحل، لكن طه أوقفها مسرعًا: استني.
هنا ارتسمت على وجه منى ابتسامة خبيثة، فقد نجحت في خطتها الثانية التي قالت عنها. التفتت له وقالت: عايز إيه؟ انت حتى مش عايز ترد عليا!
طه: الولاد بيسألوا عليكي لازم ترجعي.
منى بتحدي: أولاد! أنا بسأل عليهم وأطمن عليهم، لكن مش هرجع القصر طول ما أنت مش عايزني. بتعاملني كده، بتنام في أوضة لوحدك، دي قصتنا كانت بيتحكى بيها. دي كانت أحسن كمان من ماسة وسليم وهبة وياسين.
طه، بتجهم: قولي لنفسك، من ساعة ماسليم اتجوز ماسة، وانتِ اتجننتِ.
منى بغضب: بصراحة،ماكنتش عايز البنت الخدامة دي تنتصر علينا، ولا تنتصر عليّا. وإنها هتبقى الملكة،
وبعدين انت وعدتني وعشمتني لما كان سليم مسافر طول السنه دي اللي الباشا طرده فيها انك هتبقى الملك وهتحارب، وانا حلمت، احلامي كلها اتهدت فجاة، عشان كده ما قابلتش الهزيمه بسرعه.
هزت رأسها بلا وأضافت: خلاص، مش عايز أتكلم في الموضوع ده. المهم إنك تسامحني ونرجع مع بعض زي زمان.
طه: توعديني إنك مش هتفتح معايا الموضوع ده تاني؟
منى: أكيد مش هفتح معاك الموضوع ده تاني.
صب طه لها كأسًا: طب اشربي.
منى بابتسامة مكر: في صحة المصالحة وحبنا اللي دايمًا بينتصر يا توتي.
في قصر الراوي.
الحديقة الخلفية الثالثة مساء
كانت الحديقة الخلفية تنبض بالهدوء، والنسيم العليل يهمس بين الأشجار. جلست ماسة وسلوى سويًا، ومكي بجوارهما، يتبادلون الاحاديث بتودد.
ماسة بابتسامة خفيفة: طب والله كويس انكم اتصالحتوا.
سلوى، بابتسامة هادئة: كويس ان ماما وافقت إني أخرج، ده لولا مكي مكنتش هعرف أخرج.
ماسة بمزاح: كويس حماتك طلعت بتحبك أهو.
مكي، بمزاح هو انت فاكراها وافقت بالساهل؟ دى سعدية طلعت عنيدة وصعبة ما شاء الله انتم الاتنين نسخه منها.
ماسة، بابتسامة هادئة: بس وافقت في الأخر الحمد لله، ده معناه إنك غالي عندها.
سلوى، بتساؤل عميق: طب انتي كده خلاص يا ماسة، يعني اقتنعتي؟ انتي بجد مقتنعة ولا إيه؟
ماسة، وهي تنظر للأرض قليلًا قبل أن ترفع رأسها: "أيوه، أنا مقتنعة. هو إحنا من إمتى كنا بنخرج ونروح ونجي؟ احنا لما كان عندنا 15سنة مانعرفش كفر الشيخ دي عاملة ازاي. كفر الشيخ إيه؟ مانعرفش الكفر نفسه اللي احنا كنا فيه عامل ازاي؟! آخرنا سور المزرعة والسوق وأرض منصور، بعدين مش عايزة أتكلم في الموضوع ده. المهم انتوا رسيتوا على الفيلا اللي احنا شفناها؟
مكي، بإجابة هادئة: أه ودفعت اول قسط، وهنبدأ نجهزها.
ماسة، بحماس: طب كويس والله، أنا مستنياكوا عشان أختار معاكم من الكتالوج.
مكي، بحذر: أنا هحاول مع سليم وقتها يعني، يمكن.
قاطعته ماسة: طلعوني بره الحوارات دي، أنا ماليش دعوة زهقت مشاكل.
سلوى، بابتسامة مريحة: طيب ماشي، أنا هقوم عشان هخرج مع هبة والبنات ماصدقت أمك فكت عليا الحصار.
ماسة، بنبرة متوسلة: خليكي شوية.
سلوى، مبتسمة: دول مستنييني
مكي نهض،: هوصلها وأرجع.
ماسة، بحزم: ماشي براحتك..
قبلتها سلوى وضمتها ثم تركتها، لتغادر بهدوء. جلست ماسة لفترة، تنظر إلى آثارهم بصمت، ثم نهضت وأخذت تتحرك بين أشجار الحديقة بصمت لا تعرف ماذا تفعل. دخلت صالة المعزوفات، حيث ألقت أناملها على البيانو، وبدأت تعزف أحد الألحان بهدوء، وكأنها تُعبّر عن مشاعرها بطريقة موسيقية في هذه اللحظة الخاصة.
((بعد وقت))
مازالت ماسة تجلس أمام البيانو تعزف أحد الألحان، مشاعرها تتنقل بين الأوتار، وكأنها تخاطب روحها من خلال كل نغمة، وبعد قليل جاء سليم.
سليم بعشق: Aşkım
انتبهت له ماسة، ونظرت إليه بابتسامة خفيفة، قلبها يرقص مع الكلمات. وضع قبلة على خدها، شعرها يرفرف بخفة كالعصفور بين يديه.
ماسة: كراميل جيت بدري أوي.
سليم: أمم، خلصت شغلي. الصراحة، من بكرة هتأخر شوية عشان المشروع الجديد فقولت آجي بدري أقضي اليوم معاكي، بتعزفي إيه؟
تبسمت ماسة وعزفت اللحن بنعومة وقالت: أغنية بلالم أغنيه تركية.
سليم: جميلة، بس حزينة.
ماسة: اممم بس موسيقتها رائعة تعال، اعزف لي شوية.
ابتعدت قليلاً وجلس بجانبها، بدأ بالعزف لحن رومانسي، وكأن الألحان تروي لهما قصة حب. بعد الانتهاء، صفقت ماسة بيدها، وعينيها تلمعان بتقدير.
ماسة بحماس: جميل أوي.
سليم: ها، عملتي إيه؟
ماسة: ولا حاجة، جيم وسلوى جت قعدت حبة وبعدين جيت قعدت هنا.
سليم: طب، تعالي نروح أوضتنا نقضي يوم فيها.
ماسة بحماس: يلا.
بالفعل صعدا إلى الجناح، وبقيا فيه طوال الليل يتبادلان الأحاديث والضحكات، يشاهدان الأفلام، ويلعبان معًا. وختموا ذلك بلقاء عاشقين بحب وشوق.
نرى ماسة تضع رأسها على صدر سليم، وهو يحيط بها بذراعيه حول ظهرها، عاري الصدر، أنفاسه مرتفعة قليلاً أثر ملحمة العشق التي جعلت الوقت يتوقف حولهم.
تساءلت ماسة: هتيجي بكرة على كام؟
سليم: ممكن ٩ او ١٠.
ماسة: كتير.
سليم بأسف: معلش ياقلبي، شغل مهم.
ماسة: ماشي.
سليم بتعب: أنا هنام، مش قادر.
ماسة: طب أنا هأخد شاور وأتفرج على التلفزيون.
سليم متعجبًا: تلفزيون إيه؟ الساعة ١.
ماسة: مش عايزة أنام. نام إنت بس خد شاور الأول.
سليم: مش قادر. هصحى قبل الفجر وأخد شاور.
ماسة: ماشي يا حبيبي.
وضعت قبلة على خده، وكأنها تخطف لحظة صغيرة من السكون، نام سليم بينما أخذت ماسة حمامًا، ثم جلست تشاهد التلفاز بملل، وكأنها لا تجد شيئًا يشغلها، تتنقل بين القنوات بلا هدف، في حين كانت تشعر بعدم الرغبة في النوم، إذ لم يكن هناك ما يثير اهتمامها ..
وخلال تلك الأيام . بدأت ماسة تستسلم للواقع. كانت تخطط لاستئناف حياتها كما كانت، فتستيقظ مبكرًا، وتمارس الرياضة، وتركب الخيل، وتستمر في تعلم البيانو وعزف الجيتار. كانت تنتظر عودة سليم من عمله ليشتركا في الأنشطة اليومية التي تعطي حياتهما سعادة.
أما باقي العائلة، فكان كل فرد مشغولًا بحياته الخاصة. سلوى ركزت على تطوير نفسها وقلّت لقاءاتها مع ماسة، بينما كان سليم مشغولًا في عمله ويحاول العودة في وقت مبكر ليكون مع ماسة.
كانت حياة ماسة مملة، وبدأت تتوقف عن التحدث مع سليم عن خروجها حتى مع نفسها. وكأنها قبلت الواقع بحالة من الاستسلام التام، واكتفت بالصمت، متعايشة مع الوضع رغم قسوته، حيث كانت المشاعر المكبوتة تخفي وراءها هدوءًا مرعبًا.
أما منى وطه، فقد عادا إلى القصر وكانت الأمور هادئة بشكل غريب، وكأنها تريد أن تثبت لطه أنها قد تغيرت.
قصر الراوي، الثانية مساءً
جناح سليم وماسة.
كانت ماسة تجلس مع سعدية على الأريكة تشربان الشاي وتتناولان الكيك.
سعدية بحنان: طب كويس يا حبيبتي، ربنا يهدي سرك ويهديكي يا ماسة. اوعي تزعلي مني يا بنتي، بس أنا لازم أنورك. اللي إنتِ فيه ده ماكانش ينفع. سليم بيحبك ويستاهل إنك تتحملي عشانه أي حاجة.
تبسمت ماسة بلطف: لا أنا مقدرش أزعل منك، إنتي كان عندك حق يا ماما. أنا إللي مش عايزاكي تزعلي مني، صدقيني ماكانش قصدي أي حاجة. أنا بس كان نفسي أجي لك، أشوف عمي وخالاتي يعني حسيت ان الوضع كل مادا بيسوء.
سعدية: هما هييجوا لك، وإحنا كمان هنجي لك يا حبيبتي على طول إن شاء الله.
ماسة: أمال سلوى فين؟ ماجبتهاش معاكي؟"
سعدية: نزلت تجيب لبس، عشان الجامعة الأسبوع الجاي.
ماسة مدت وجهها بإيجاب: أيوة صح، ربنا معاها.
سعدية: محدش فيهم عمل لك حاجة؟
ماسة: لا أصلًا مابشوفهمش غير بالصدفة.
سعدية بحكمة: ربنا يبعد عنك شرهم، (بنصح) بس أنا عايزاك يا بت تبقى مصحصحة لهم. خلاص سليم، فاق وبقى كويس، لو حد هوّب ناحيتك، قولي له على طول. بس أنا عارفة،انهم مايقدروش، جبنا، عارفين إنه لو حد مسك بريشة هيحطهم تحت رجليه.
تنهدت ماسة وتكلمت بهدوء: أنا أصلاً بعيدة، مش عايزة أتحط في أي موقف معاهم. مش جبن مني، بس بصراحة كده أحسن.
سعدية بتبتسم بحنية وتحط إيدها على كتف ماسة: عندك حق، انتِ بس خدي بالك من نفسك ومن جوزك يا حبيبتي. الدنيا ماتستاهلش نزود همومنا ومشكلنا مع ناس زي دول.
ماسة تحاول تغيّير الموضوع وبتضحك بخفة: هخليهم يطلعوا لنا الغداء، إيه رأيك؟"
ضحكت سعدية بخجل وعدلت طرحتها: ماشي يا حبيبتي، بس أنا هاكل لقمتين معاكي وأمشي على طول. ماعملتلهمش أكل في البيت، وأبوك انتِ عارفة ما بيحبش ياكل إلا من إيدي.
ماسة تبسمت بمحبة: ماشي، ربنا يديمكوا لبعض.
في أحد المولات الثانية مساءً
نرى مكي وسلوى يشتريان الملابس المتنوعة والأحذية والحقائب وهكذا. كان يبدو على سلوى الحماس بشدة لأنها سوف تذهب إلى الجامعة، الحلم الكبير الذي طالما كانت بانتظاره. كان مكي يساعدها في اختيار ملابسها. كانت تختار ملابس محتشمة فضفاضة، فمكي كان يرفض أن ترتدي ملابس ضيقة.
تبادلا الأحاديث والابتسامات وهم يختاران الملابس، خاصة عندما لا يعجب مكي شيء، كانا يمزحان مع بعضهما. وبعد الانتهاء، جلسا على إحدى الطاولات يتناولان وجبة الطعام في أحد المطاعم الشهيرة للوجبات السريعة.
سلوى وهي تتناول الطعام: أنا مش هاخدك معايا بعد كده وأنا بجيب لبس.
مكي: ما تاخدنيش، ماشي مفيش مشكلة، بس برده مش هتلبسي الحاجات اللي إنتِ بتختاريها.
سلوى بضجر: هو إنت ليه محسسني إني كنت بختار بدل رقص؟ لبس عادي على فكرة.
مكي باستنكار: عادي إيه؟ ده ضيق.
سلوى باعتراض: مش ضيق، إنت اللي أوفر، وأنا مش تخينة، أنا رفيعة، ده أنا أرفع من ماسة.
مكي بغيرة: بالنسبة ليا ضيق.
سلوى باستفزاز مازح: على فكرة، إنت أصلاً مالكش حكم عليا غير لما أبقى مراتك.
مكي بمزاح: طب ماتخلينيش أروح أكلم ماما سعدية وبابا مجاهد، إنتِ عارفة إنهم بيحبوني، بالذات أمك، بتموت فيا، هروح وأقولها تخلينا نكتب الكتاب عشان نعرف نخرج مع بعض براحتنا، بدال ما فضل بالساعتين أتذل لعم مجاهد عشان يوافق نخرج سوا.
وأعرف أشكمك كمان.
سلوى: اعملها عشان يومك يبقى مش فايت يا مكي.
نظر لها مكي بمزاح وهو يضحك: إنتِ كلك على بعضك قد كده، بس لسانك عشرة متر. بطلِّي لماضة إنتي هتعملي ايه يعني.
ضيقت عينيها: كتير لا إنت متعرفنيش إنت مخموم عشان أنا قصيرة وصغيرة في نفسيي لكن أنا قوية ومفترية.
ضحك الاثنان معا بسعادة
سلوى بسعادة: بس إنت عارف أنا متحمسة اوي وفرحانة إني رايحة الجامعة. مش عارفة أول يوم هيبقى عامل إزاي. يعني هابقى لوحدي، مافيش حد معايا، أصلاً أنا عمري مادخلت مدرسة، أدخل مرة واحدة الجامعة ولوحدى،. أنا مش عارفة الكليات بتبقى عاملة إزاي، بتبقى زي اللي بيطلعوا في التلفزيون كده؟
مكي بتأييد: آه، بتبقى زي مابيطلعوا في التلفزيون، تقعدي في البنج المدرج يعنى، وتسمعي الدكتور وهو بيشرح، ممكن تكتبي وراه الملاحظات. المهمة، موضوع التعارف بتاع أصحابك ده، هتلاقي نفسك واحدة واحدة بتتعرفي عليهم. إنتِ أصلاً شخص اجتماعي يعني، مش هتاخدي وقت الموضوع بسيط خالص ماتوتريش نفسك زي الكورسات بالظبط يا سلوى مابيختلفش عن الكورس حاجة، بس الفرق إن هي أكبر، ليها سياسات مختلفة لكن نفس الموضوع.
سلوى بتاييد: صح عندك حق، بس عارف، أنا خايفة أو مش خايفة، مش عارفة، في إحساس كده جوايا مخوفني، لأن أول مرة.
مكي بحتواء: تحب أروح معاكي؟
ضحكت سلوى: مش للدرجة دي، بس ممكن توصلني عادي.
مكي بحب: أكيد يا حبيبتي هوصلك وهجي آخدك كمان، انتي بس خدي بالك لو في واحد قاعد جنبك، ماتتخضيش. ده الطبيعي. بس طبعاً الأفضل إنك تقعدي جنب بنات، عشان لو قعدتي جنب ولاد، أنا هعرف وساعتها هقطع زمارة رقبتك
سلوى:.انا أصلاً أتكسف أقعد جنبهم، كان نفسي ماسة تبقي معايا.
مكي: بلاش، الكلام في الموضوع ده. إنت كده خلاص مش هتشتري حاجة تاني؟
سلوى: لا، هشتري بس كشكول وقلم وخلاص كدة.
مكي: تمام. كملي أكلك بقى عشان أسلمك لعم مجاهد لأنه ماسك لي الساعة.ضحك الاثنان
قصر الراوي
الحديقة السابعة مساءً
نرى فايزة ومنى تقفان في الحديقة أمام المسبح تمسكان كاسات من العصير،، كان يبدو على ملامح فايزة الضجر.
فايزة بقوة: اسمعيني كويس يا منى أنا مش هسمح اللي حصل ده يحصل تاني، أوعي تفكري تزعلي طه منك تاني.
منى بتوضيح: أنا مازعلتش طه مني! ابنك متعصب ومتضايق اوي عشان كنت معاكم في موضوع الحادثة.
اتسعت عين فايزة قالت بنبرة ونظرة حادة: وطي صوتك انتي اتجننتي عزت وفريدة جوه.
منى بابتسامة مكر: أصل حضرتك داخلة تهاجميني، فأنا حبيت أوصل لك إن طه هو اللي محتاج تركيزك. لأنه شكله مش لامم لسانه خالص، وضميره كل شوية يأنبه. محتاج حاجة تهديه بدل مايضيعنا كلنا، وأولنا حضرتك. بعد إذنك.
تحركت منى لتغادر، لكن أوقفتها فايزة بحدة.
فايزة بتهديد: أوعي تكوني فاكرة إني هخاف منك. إنتي مصيرك ممكن يبقى نفس مصير اللي قبلك، خدي بالك من نفسك، لو حطيتك في دماغي، صدقيني هتندمي.
نظرت منى بثبات لكن بداخلها تشعر بالتوتر :حضرتك بتهديدني؟
تقدمت فايزة خطوة وتوقفت أمامها بقوة وجبروت: أوعي تخليني أتضايق منك، أنا كده كده مابحبكيش. ومحدش في القصر ده بيحبك غير طه، وطه نفسه بدأ يتضايق منك، فاللي كنتي ساندة عليه بدأتي تخسريه، ولو فكرتي تهدديني تاني أنا هخليكي تتمني الموت وما تلاقيهوش.
منى بتلعثم محاولة الرد: العفو يا هانم أنا مش بهددك، كل الحكاية...
فايزة قاطعتها بحدة: مش عايزة أسمع منك أي كلمة، أنا المهم عندي ماتزعليش طه تاني، تقولي له حاضر ونعم.ولو حسيت إنه زعلان، أنتي عارفة كويس أنا ممكن أعمل إيه!! أنا اللي مصبرني عليك ولادك بس.
تركتها فايزة وتحركت لداخل المبنى، أخذت تنظر منى لها بصمت وهي تقول في نفسها: هصبر وهستنى لحد مايجي اليوم وهدوس عليكم كلكم وهتشوفوا منى هتعمل فيكم ايه؟
جناح سليم وماسة العاشرة مساء
نرى ماسة تجلس أمام جهاز الكمبيوتر، تشغل الأغاني بصوت عالٍ جدًا وتلعب إحدى الألعاب. بعد قليل، دخل سليم إلى الجناح وهو يحمل علبة كبيرة من الشوكولاتة.
سليم: عشقي!
نظرت له ماسة بابتسامة: سليم! جيت أخيرًا.
سليم بابتسامة جذابة: إيه ياقلبي، عاملة إيه؟طبع قبلة خفيفة على خدها.
نهضت ماسة بحماس:الحمد لله. إيه اللي في إيدك ده؟
سليم: شوكولاتة.
فتحت ماسة العلبة بحماس، وبدأت تأخذ قطعة منها: طعمها حلو اوي!
سليم: بعت وجبتهالك من سويسرا مخصوص.
ماسة بابتسامة: ميرسي يا حبيبي، اتغديت؟ قصدي تعشيت؟
سليم رفع كتفه بنفي: تؤ وجعان جدًا.
ماسة: أنا كمان. هطلب منهم يحضروا لنا العشاء. أنا برضه ما أكلتش..صحيت النهاردة متأخر الساعة 1:30 كده؟ ماما جات وأكلنا مع بعض بعدين مشيت وفضلت بقى قاعدة على الكمبيوتر من وقتها.
سليم باهتمام: حاولي تريحي عينك شوية عشان ماتتعبيش
ماسة بملل: ياسليم بزهق، هو الحاجة الوحيدة اللي بتسليني المهم، أنت هتتأخر كده كل يوم؟ لازم تيجي لي الساعة 9 أو 10 كده.
سليم وهو يربت على كتفها بحنان واعتذار: أسف يا ماسة، الفترة دي بس.
ماسة تبسمت بلطف: طيب، أنا هقول لهم يحضروا لنا العشاء، عقبال ماتغير هدومك؟
بالفعل، بدأ سليم في تبديل ملابسه بمساعدة ماسة بعد أن طلبت العشاء، ثم جلسا معًا وتناولا العشاء. تبادلا الأحاديث وهم يشاهدان الأفلام في جو مليء بالهدوء والسعادة
مرت الساعات بسرعة، وكان الجو في الغرفة هادئًا ودافئًا. مع اقتراب الساعة 12منتصف الليل، بدأ التعب يظهر على سليم.
سليم بتعب: مش قادر أستحمل أكثر، لازم أنام.
نهض سليم وذهب إلى الفراش، بينما ماسة جلست في مكانها قليلاً، تتأمل في الهدوء الذي يعم المكان تشاهد التلفاز.
في اليوم التالي، استعد سليم للذهاب إلى عمله.
وهكذا أصبحت الأيام بالنسبة لها، روتين ممل كل يوم يمر كأنه نسخة مكررة من اليوم الذي سبقه. تستيقظ ما بين الساعة العاشرة صباحًا أو الثانية عشرة ظهرًا، تبدأ يومها بشيء من الرياضة، محاولة لإعادة بعض النشاط لجسدها المرهق. ثم تجلس للعزف مع معلم الموسيقى، تحاول أن تجد في الألحان مهربًا من رتابة حياتها.
أحيانًا، تأتي سلوى أو والدتها لزيارتها، تجلب معها بعض الدفء العائلي المفقود. أما سليم، فحياته مليئة بالعمل، لا يأتي إلا في المساء، يجلس معها لساعتين أو ربما أكثر، لكن الساعات تمر بسرعة، يطغى عليها الصمت أكثر من الحديث.
ثم يعود كل شيء إلى ما كان عليه، تستيقظ لتبدأ يومًا جديدًا يشبه ما مضى، وكأن الحياة توقفت في دائرة لا خروج منها.
♥️________بقلمي_ليلةعادل ________♥️
ـ الجامعة الأمريكية، الثامنة صباحاً
ـ أمام إحدى الجامعات الخاصة، توقفت سيارة مكي عند بوابة الجامعة. وبعد لحظات، فتح مكي الباب ونزلت سلوى. وقفا قليلاً أمام بعضهما البعض.
مكي: جاهزة؟
سلوى بحماس: جاهزة.
وأثناء ذلك اقترب أحد الحراس مد يده وأعطى ورقة لمكي
قرأ مكي ما في الورقة وهو ينظر لسلوى قال: ده الجدول بتاعك النهاردة. عندك ثلاث محاضرات، كمان 10 دقائق. اول المحاضرة بتبدأ دلوقتي. هتدخلى أول مبنى يقابلك وتطلعي الدور الثالث. هتلاقي المدرج والا أوصلك؟
سلوى باعتراض طفولي: هو أنا صغيرة ،هاعرف أدخل لوحدي؟
مكي ابتسم: لما تخلصي هتلاقيني مستنيكي الساعة 4 بالظبط.
سلوى: خلاص، ماشي. يلا، سلام.
دخلت سلوى إلى الكلية وبدأت تسير في الممرات حتى وصلت إلى المبنى. صعدت السلم حتى بلغت المدرج وجلست على أحد المقاعد. نظرت للفتاة التي بجانبها.
تساءلت بلطف: أنتي تعرفي الدكتور اللي هيدينا المحاضرة دي؟
الفتاة: لا، معرفش أي دكاترة. أنا ريهام.
سلوى: أنا سلوى، بيقولولي سوسكا.
وبعد وقت قليل، دخل الدكتور وبدأ بشرح المحاضرة.
استمرت سلوى في الاستماع إلى المحاضرة بتركيز، وكانت تكتب ملاحظات خلف الدكتور وتحاول التفاعل مع الزملاء من حولها. مر اليوم بسرعة، وكانت سلوى غير متخيلة أنه سيكون هكذا، كما قال لها مكي. كان كل شيء مشابهًا للمحاضرات في الكورسات التي كانت تحضرها من قبل.
وفي النهاية، خرجت سلوى من المحاضرة وكان مكي في انتظارها عند البوابة، وأخذها إلى القصر.
قصر الراوي السادسة مساءً
الصالون
نرى ماسة وسلوى تجلسان جنبًا إلى جنب. وكان واضحًا على ملامح سلوى الحماس وهي تروي.
سلوى بحماس: وتعرفت على سهيلة ونادرة وريهام. اليوم كان لطيف جدًا، بجد انبسطت فيه قوي!
ماسة بسعادة: طب والله كويس. حلو إنك اتعودتي على الوضع بسرعة كده. بس قولي لي، الجامعة كبيرة زي مابنشوفها في التلفزيون؟ ولا في حاجة متغيرة؟
سلوى بتوضيح: لا، مفيش حاجة متغيرة. هي بالظبط زي ماشفناها. بس الدكتور بيفضل يشرح كتير، ومش بلحق أكتب وراه وبيستخدم مصطلحات إنجليزي كتير، الحمد لله إني أخدت الكورسات اللي سليم قال لي عليها، والله العظيم ما كنت فهمت حاجة. الموضوع مش بس لغة، المصطلحات صعبة، البنت اللي جنبّي، نادرة دي، كنت لسه ماتعرفتش عليها. بقولها أنا مش لاحقة أكتب وراه، قالت لي بطلي عبط، إنتِ بتكتبي إيه؟ المفروض حاجات معينة بس اللي بنكتبها، وهو ممكن يعلق عليها.
ماسة بسعادة: طب والله حلو. هتروحي كل يوم؟
سلوى بتوضيح: آه، عندي كل يوم من الساعة8:00لحد الساعة 4:00وفي أيام عندي محاضرات لحد الساعة6:00. يوم الأربعاء بس اللي عندي لحد الساعة2:00.
ماسة نظرت بتعجب وحزن: إيه ده؟ يعني مش هشوفك إلا نادرًا؟
سلوى: ممكن أجيلك الأربع، ولو عرفت أجي بعد المحاضرات، هاجي لك. بس عارفة، هصحى بدري جدًا عشان ألحق ألبس وأروح أحضر المحاضرة وأقعد في الأول. أصل القعدة في المدرج مش زي ما بتتخيلي، مش كل واحد بيحجز مكانه على طول، اللي بيلحق يجي بدري هو اللي يقعد في الأول، أو ممكن يقعد ورا هو ومزاجه.
ماسةبتفهم: زي الكورسات بالظبط؟
سلوى وهى تضحك: آه، مفيش اختلاف. أمك هتفرح قوي عشان هرجع تاني أصحى من الساعة 5:00 الفجر.
ضحكت ماسة: قوليلي؟ إنتِ أكلتي؟
سلوى: لا، ما أكلتش، مش بألحق، وممنوع نأكل في المحاضرة.
ماسة بابتسامة: طب استني، هخليهم يحضروا لنا غدا سوا، أنا برده مكلتش.
تساءلت سلوى : مش هتستني سليم؟
ماسة بتوضيح: سليم بييجي على 10:00، وبيجي واكل بقاله أسبوع على الوضع ده.
سلوى بابتسامة: طب وانتِ بقى بتعملي إيه في يومك؟
ماسة بتتكلم بلهجة عفوية: مافيش، بصحى من النوم على الظهر، 12:00 تقريبًا. بلعب رياضة، بفطر، وأخذ دروس مزيكا، تعلمت جيتار وبيانو وبقيت شاطرة فيهم كمان. قويت نفسي قوي في الفرنش، إنتي عارف إني ما كنتش بعرف أقرأ قوي، دلوقتي بقيت بقرأ كويس جدًا، وباقي اليوم بين الكمبيوتر والتلفزيون، مقضيها مسلسلات تركي وكوري وهندي.
سلوى: بتتفرجي على كوشي وارناف؟!
ماسة تضحك: اها تحفه، وبشوف كمان العشق الممنوع بس تركي، أمك قعدت معايا مرة، قالت لي أنا مش فاهمة حاجة، دي خلتني أقعد أترجملها، زهقت قولتلها اتفرجي عليه مدبلج يا أختي، ماليش دعوة.
ضحكت الاثنتان معًا، ثم قالت ماسة: هروح أكلمهم عشان يحضروا لنا الغدا.
(بعد أيام)
جناح سليم وماسة
كانت غرفة سليم تغرق في صمت عميق، والهدوء يملأ المكان بينما كانت ماسة غارقة في نوم عميق، وجهها هادئ كأنها في عالم آخر بعيد عن كل شيء. بعد لحظات، دخل سليم الغرفة، وكان يبدو على وجهه مزيج من الاستغراب والدهشة. فتح النور بهدوء، ثم نظر إليها وقال بصوت منخفض، لكنه كان يحمل شيئًا من التعجب:
سليم متعجباً: إيه ده يا ماسة؟! لسه نايمة؟!
اقترب منها بحذر حتى جلس على حافة السرير، مد يديه بلطف، ومرر أصابعه على وجهها برقة ليوقظها، قائلاً: عشقي... يلا، الساعة بقت 4:00، كل ده نوم؟
بدأت ماسة تتحرك قليلاً، أغمضت عينيها ثم فتحتهما ببطء. نظرت إليه للحظات وكأنها تحتاج لدقائق لتدرك الواقع، ثم ابتسمت وقالت بصوت خافت
ماسة :صباح الخير...
ابتسم سليم وهو يميل بجسده قليلًا نحوها وقال بمرح: صباح الخير؟! قولي مساء الخير أحسن.
نظرت إليه ماسة بدهشة وسألت: إزاي؟ الساعة كام؟
سليم،: الساعة4:00.؟
ماسة بصدمة: إيه؟4:00؟ مش معقول!
سليم بلطف وهو يمسح على وجهها: نمتي الساعة كام؟!
ماسة:5:00.
سليم بصدمة، اتسعت عيناه: كنتِ بتعملي إيه لحد الساعة 5:00 الصبح؟
ضحكت ماسة، ثم أجابت بخفة: كنت بتفرج على فيلم أجنبي اسمه "كوكب القرود"، جزئين... بس كان تحفة بعدين قعدت ألعب لعبة زوما أقصر، خلصت كذا اللفل.
نهض سليم من جانبها بعد أن وضع قبلة على خدها وقال: طب قومي بقى، كفاية نوم!
نهضت ماسة ببطء، بينما توقف يراقبها وهي تحاول الاستيقاظ تمامًا، بدأ سليم في خلع بعض ملابسه، فقالت له ماسة: إنت جاي النهاردة بدري؟ غريب.
سليم بابتسامة موضحا: لا... أنا نازل الساعة 6:00 عندي اجتماع، لكن قلت أغير هدومي وأطمن عليك قبل ما أروح.
مدت ماسة وجهها بعينيها، تنهدت وقالت بحزن: هتسيبني لوحدي يعني؟
سليم ابتسم بخفة وأجاب: مش هتأخر عليكي، على الساعة 8:00 هتلاقيني موجود.
ماسة بضيق: وبعدين تقعد معايا ساعتين، تلاتة وتنام بحجة الشغل.
تبسم سليم واقترب منها، أمسك يدها بحب:
من الأسبوع الجاي هحاول أضبط مواعيد شغلي، معلش يا عشقي... وأوعدك أني هسهر معاك تمام.
ماسة تبسمت: تمام.
اقترب منها قبلها سليم من شفتيها قبلة خاطفة كمل تبديل ملابسة.
ظلت ماسة تنظر له وهو يرتدى ملابسه لدقائق، ثم تنهدت، وتوجهت نظرها إلى المرحاض وبدأت يومًا آخر بطعم الملل.
تناولت الغداء مع سليم، ثم رحل سليم إلى عمله. عاد في الساعة 8:00 وجلس معها كما وعدها.
في الحديقة الثامنة مساءً
نشاهد سليم وماسة يجلسان معًا على الأرجوحة، يمسكان بأكواب العصير. وضعت ماسة رأسها على كتف سليم، والشال يغطيهما في أجواء ليلية جميلة تزيد من رومانسيتهما.
ماسة ابتسمت بحب: طلعت قد وعدك.
سليم ابتسم بحب وهو يضع قبلة على يدها: أنا على طول قد وعدي...
ثم نظر إليها وقال بقلق: على فكرة يا عشقي طريقتك دي مش حلوة خالص. بديتي تصحي متأخر زيادة عن اللزوم.
ماسة بسعادة: بس أنا كده مبسوطة. يعني، ليه أصحى بدري هعمل ايه؟ مافيش حاجة مهمة أعملها الصبح. كمان لما بصحى بدري بحس إن اليوم بيبقى ممل، مفيش حاجة أعملها، الوقت ماييعديش. لكن لما أصحى متأخر، بحس إن اليوم بيعدي بسرعة غريبة.
سليم عدل من جلسته وقال بنظرة حب واهتمام وهو يمسح على خدها: بس ده غلط يا عشقي، مش صحي. كمان إنتِ بطلتِ تاخدي دروس البيانو والجيتار، ودروس اللغات.
ماسة بلا مبالاة: مش محتاجة أخد دروس دلوقتي. خلاص بقيت متمكنة في اللغة. وبالنسبة للجيتار، يعني مش لازم أكون عمر خورشيد، عادي. اتعلمت شوية وخلاص.
سليم متعجبًا: يعني الفرجة على التلفزيون والقعدة على الكمبيوتر طول الليل بالنسبة لك دي حاجة حلوة؟
ماسة ابتسمت بتأكيد: حاجة حلوة جدًا كمان.
سليم: عموماً، إن شاء الله من بكرة، هحاول أكون عندك هنا الساعة 4 أو 5 زي زمان.
ماسة: ركز في شغلك، ده الأهم.
سليم: مافيش عندي أهم منك.
ثم مرر أصابعه على خدها، ونظراته كانت مليئة بالحب:
تعرفي؟ نفسي نقضي مع بعض، يوم رومانسي زي زمان، شموع ونرقص، الجو شاعري.
ماسة بتمنى: ياريت.
سليم: خلاص، بكرة.
ماسة بدلع: لا، اعملها لي مفاجأة. متقولش على اليوم ياسليم.
ابتسم سليم بحب: ماشي يا قلب سليم،.
مجموعة الراوي
غرفة الاجتماع العاشرة صباحاً
نرى سليم جالسًا على المقعد الرئيسي، وبجانبه عزت، بالإضافة إلى باقي كبار العائلة ورؤساء الأقسام.
سليم يقرأ في إحدى الأوراق بغضب: يعني إيه لسه ماخلصتش؟! التسليم هيبقى الأسبوع الجاي؟ تعملها إزاي؟ معرفش!
رشدي بتوضيح: أنا كلمت المهندسين، قالوا مش ممكن أقل من شهر.
يضع سليم الأوراق على الطاولة يرد بقوة: والله لو مش قد المكان اللي إنت فيه، ممكن أديه لحد يستحقه. إنت قلت لي "ثق فيا"، صح؟ طيب، وريني الثقة دي! أسبوع يا رشدي... أسبوع واحد بس، ولو المشروع متسلمش في ميعاده، هيتسحب منك ويتسلمه حد تاني.
رشدي بتوتر: طب والمشروع بتاعي؟
سليم: المفروض مشروعك ده فاشل.
رشدي متعجباً: فتح سلسلة مطاعم؟ مشروع فاشل! .. ليه مشروع فاشل؟
سليم بتوضيح: لأنه صغير... إحنا كبار. لو حابب تفتح حاجة، افتح مشروع ضخم يناسب اسمك ومكانتك. مطاعم إيه دي؟ شغل رجال أعمال مبدئه، إحنا بنشغلهم عندنا ونرمي لهم الفتافيت!
توقف سليم لحظة ونظر للجميع بحدة: عموماً، أنا كده خلصت، بكرة يا عماد تجيب لي تقرير كامل عن الاعتمادات الجديدة. النهاردة هعديها، بس لو التقرير ما كانش على مكتبي بكرة الصبح... استقالتك تكون على مكتبي بدالها، واللي هيعترض هيبقى بره المجموعة معاك، وهيقعد في القصر وكل أول شهر هيوصل له مرتبه بنسبة محددة.
عماد مندهش: استقالتي؟
سليم بنبرة صارمة: ايوه؟ التقرير ده بقى له ثلاث أيام وماخلصش ليه؟ إنت شغال في مجموعة كبيرة في إمبراطورية الراوي. عارف يعني إيه إمبراطورية الراوي؟ يا حبيبي! لو مش قادر تشتغل كويس! يبقى أعين حد مكانك يستحقه. إحنا مش فاتحينها سبيل!!! والا إنت رأيك إيه يا باشا؟
عزت بقوة وتأكيد: طبعًا، إنت عندك حق.
سليم بشدة: اليوم الواحد اللي بنتأخر فيه يا أستاذ عماد ويا أستاذ رشدي، إحنا بنخسر فيه ملايين. أنا ماعنديش استعداد أخسر جنيه عشان ناس مش قادرين يشتغلوا ويكونوا قد المكانه اللي هما فيها، اللي كان بيحصل زمان ده انتهى، والكلام للجميع، الكل بلا استثناء. لو أي حد مش شايف شغله صح، هطلعه بره المجموعة، اتمنى يكون كلامي اتفهم. يلا على شغلكم، الاجتماع خلص.
بدأ الجميع في التحرك، لكن ظل ياسين جالسًا مع سليم ....
على اتجاه آخر
نشاهد رشدي وصافيناز يجلسان في غرفة مكتب عزت، يتحدثان معه وكانت معهم فايزة.
صافيناز بضيق: مامي، ايه اللي سليم بيعمله ده؟ يعني بيهين عماد قدام الموظفين محدش فيكم اتكلم.
عزت بتبرير: سليم عنده حق. التقرير ده بقى له ثلاث أيام، وفعلاً ممكن نخسر فلوس كتير لو ماتمش.
صافيناز: حضرتك عايز كل الاعتمادات دي تخلص في يومين؟ إزاي؟
عزت بقوة: صافيناز ماتدافعيش عن عماد. هو غلط، وسليم عمل الصح. مشروعك يا رشدي فعلاً مشروع بالنسبة لواحد في قيمتك صغير جداً.
رشدي متعجباً: صغير؟ لما نفتح سلسلة مطاعم باسم مستعار بس يبقى مملوك ليا في الأساس ده تقليل؟ والا سليم عايز يمشي اللي في مزاجه وخلاص؟
أكبر رجال الأعمال عندهم مطاعم كبيرة بأساميهم،أو بأسماء مستعارة مالهاش علاقة باسم العائلة. لكن لما بتدوري وراهم، بتكتشفي إنها مملوكة للشخص ده. بس سليم مش عايزني أكبر، مش عايز يبقى عندي حاجة بتاعتي.
عزت: أنت ما كتبتش الكلام ده في التقرير، كل اللي كتبته عايز أعمل باسمي سلسلة مطاعم للأطعمة السريعة. ظبط تقريرك والدراسات والتكليفات المبدئية، وبعدين قدم المشروع... أنا بنفسي، لو مشروعك اتعرض عليا بالطريقة اللي أنت معارضها دي، هرميه في وشك. سليم بيعلمك، هو آه شد عليك، لكن ده الصح!
صافيناز بضيق: هو انتم مش حاسين ان سليم متغير ومش عايز حد يناقشه ومايتقلوش غير حاضر ونعم.
عزت بجدية: انا لو شايف إن سليم غلطان أكيد هتدخل انا ماعنديش استعداد أخسر جنيه هو بس مش عاجبكم عشان انتم أخذتم على الدلع، شوفوا شغلكم صح وهو هيقول برافو للي بيشتغل صح، يلا روحوا شوفوا شغلكم اعمل دراستك يا رشدي صح وبعدين انا هعرضها على سليم لو عجبتني.
خرج الاثنان إلى الخارج يبدو عليهما الضيق والاختناق
أثناء تحركهما في الممر
صافيناز بضجر: ايه يا رشدي هنعمل ايه
رشدي: مش عارف بس سليم كل مادا بقى أسوأ لازم حل، خلينا بس نظبط شغلنا بس الأول.
قصر الراوي
الليفنج روم الرابعة مساءً
كانت ماسة جالسة في غرفة المعيشة، تشاهد التلفاز وتشعر بالملل. أمامها كان هناك الكثير من السناكس، لكن لم يكن هذا كافياً لإبعادها عن شعورها بالفراغ. أمسكت بهاتفها وأجرت مكالمة لشقيقتها سلوى.
ماسة: ألو، إيه يا حبيبتي؟ عاملة إيه؟
سلوى من الجهة الأخرى بصوت مفعم بالحيوية: إيه يا ميسو، عاملة إيه؟
ماسة: تمام، بقول لك إيه؟ ماتجيلي.
سلوى باعتذار: صعب والله يا ماسة، عندي محاضرات وباجي تعبانة.
أجابت ماسة بسرعة: تعالي بعده وباتي معايا.
سلوى: لا، هخرج مع أصحابي. ممكن أجي لك بكرة، صمتت للحظه قالت: لا استني، بكرة مش هينفع، مكي جاي خليها بعدو.
ماسة: مين أصحابك دول؟
سلوى: تعرفت عليهم في الجامعة.
ماسة ببساطة: طيب، ماشي. لما تفضي تعالي لي. باي.
أغلقت الهاتف وقالت لنفسها: هكلم هبة
أمسكت هاتفها مرة أخرى واتصلت بهبة قائلة:
هبوشا، عاملة إيه؟ وحشاني.
أتاها صوت هبة من الطرف الآخر: عاملة إيه يا ماسة؟
أجابت ماسة: تمام الحمد لله. بقولك إيه، مش هترجعي القصر بقى؟
هبة بتردد: مش عارفة يا ماسة بصراحة، مش حابة أرجع دلوقتي خالص.
ماسة وهي تحاول إقناعها: ماتيجي تقعدي معايا؟ قاعدة زهقانة.
هبة بنبرة هادئة: ماسة، أنا قلتلك قبل كده، انتِ اللي عاملة كده في نفسك. قلت لك الجدعنة مش معناها إنك تبقي زوجة مخلصة ومحترمة بالطريقة اللي بتخليكي تضغطي على نفسك. في طرق تانية انا عارفة انك مش متقبلة كلامي و..
قاطعتها ماسة بملل واضح: المهم هتيجي ولا مش هتيجي؟
أجابت هبة باعتذار: هآجي، بس مش دلوقتي. أنتِ عارفة الشغل والدراسة، والبنت بسيبها مع ماما.
ماسة بإحباط خفيف: طيب، ماشي. سلام.
أغلقت الهاتف، ونظرت حولها بملل، شعرت أن لا أحد متاح ليشاركها وقتها، مما زاد من إحساسها بالوحدة. تنهدت بتعب، وعادت لمتابعة ما كانت تشاهده على التلفاز، لكنها لم تستطع تجاهل شعورها بأنها في مكان لا تريده، بينما حياتها تمضي بعيدًا عن أحلامها. تنهدت مجددًا، ثم توجهت إلى الشرفة. توقفت هناك وهي تنظر إلى أسوار القصر البعيدة، والحراس الذين يشبهون السجناء، يحملون الأسلحة ويحيطون بالحديقة. رفعت رأسها كما لو كانت تحاول أن تأخذ نفسًا عميقًا، ثم وقعت عيناها على مجموعة عصافير على إحدى الأشجار، وهي تزقزق وتطير بحرية. ابتسمت ابتسامة صغيرة، لكنها كانت مؤلمة. نظرت بعيدًا بعينيها، وكأنها تذكرت شيئًا.
((فلاش باااك))
كان سليم وماسة يسيران في أحد الشوارع في إحدى الدول الأوروبية. كانت ماسة في بداية العشرينات، وملامح السعادة والحب ترتسم على وجهيهما. أثناء تجولهما، مرّا بجانب محل لبيع الحيوانات الأليفة. انتبهت ماسة للأسماك الملونة التي تسبح داخل الأحواض، فتحركت نحوها وتوقفت أمامها مبتسمة بابتسامة جميلة.
توقف سليم بجانبها، ووضع يده على ظهرها يمسح عليه برفق قائلاً:
سليم: aşkım، تحبي تدخلي تتفرجي؟
هزّت رأسها موافقة. تحركا معًا ودخلا المحل ليشاهدان الحيوانات الأليفة. بدأت ماسة تلعب مع الجِراء الصغيرة، والقطط، والأسماك، والعصافير بمرح، وابتسامة عريضة ترتسم على وجهها. بعد دقائق توقفت أمام أحد أقفاص العصافير، ملامح وجهها تغيّرت، وصار فيها شيء من الألم.
اقترب منها سليم وسأل بحب: عجبينك؟ تحبي أشتريلك عصافير منهم؟
هزّت رأسها نافية: لا، مبحبهمش.
سليم متعجبًا: مابتحبيش العصافير؟
ماسة بتوضيح: لا، بحبهم بس...
نظرت أمامها، ومرّرت أصابعها على القفص قبل أن تكمل بنبرة حزينة: مبحبهمش وهمّا جوه القفص كده، محبوسين. بحبهم وهما على الشجر، بيزقزقوا وبيطيروا بحرية، لكن وهمّا هنا... بحسهم كأنهم جوه سجن، مسلوبة منهم حريتهم. أصواتهم اللي بتسمعها مش زقزقة فرح، دي نداء استغاثة... كأنهم بيطلبوا الإنقاذ.
نظر لها سليم متعجبًا ثم قال بعقلانية: ليه شفتيها سجن؟ ليه مش شفتيهاش حماية؟ العصافير دي لو خرجت بره القفص، نهايتها ممكن تكون مأساوية جدًا.
ماسة متعجبة: إزاي؟
سليم بتفسير: طول ما همّا هنا، محميين من الأخطار، متوفر لهم أكل وشرب وراحة. لكن بره؟ لو طاروا، ممكن صياد يصطادهم أو طير أكبر منهم يقتلهم. مش هيلاقوا عش يعيشوا فيه، ولا أكل ولا شرب. حياتهم بره هتبقى مليانة معاناة ومخاطر.
ماسة معترضة: مش شرط يكون ده مصيرهم!
سليم بإصرار: أنا متأكد.
الفصل الثالث والستون ج2 من هنا
لقراءة جميع فصول الرواية من هنا