رواية الماسة المكسورة الفصل الرابع والستون 64 ج2 بقلم ليله عادل

رواية الماسة المكسورة

الفصل الرابع والستون 64 ج2

بقلم ليله عادل


جناح ماسة وسليم 

تدخل ماسة، تتجه مباشرة للحمام. تأخذ حمامًا دافئًا، تسترخي لبعض الوقت، ثم تخرج وترتدي فستانها المفضل، تضع بعض العطر، وتبدأ بتحضير نفسها في انتظار سليم.تمسك هاتفها وتتصل بسحر.


ماسة: سحر، لو الأكل خلص، هاتيه فوق.


سحر: حاضر، يا ست هانم.


تصعد سحر بالطعام، تضعه على الطاولة، وتغادر، تاركة ماسة وحدها في انتظار سليم.


بعد وقت، يدخل سليم إلى الجناح. ما إن يرى ماسة حتى يتوقف في مكانه، مدهوشًا.


سليم متعجباً: لا لا... في إيه؟


ماسة بدلال تقترب: إنت اللي في إيه؟


سليم بدهشة وضحك خفيف نظر من حوله على الشمع والورد فماسة قامت بعمل جو شاعري بسيط في الغرفة: والله ماصدق... رجعتي! ماستي الحلوة... قطعة السكر! تاني 


ماسة بدلع لفت يدها حول رقبته: يعني ماحبيتش أفضل ماستك المتمردة؟


سليم بابتسامة عريضة: يا رب تفضلي كده على طول! شوفي بقى اللي بيصحى بدري بيبقى قمر إزاي؟ وعسل.


اقترب وطبع قبلة على خدها


ماسة: طب روح غير هدومك يا كراميل، أنا محضّرة لك الحمام.


سليم وضع قبلة على أنفها: مش هتأخر عليكِ.


دخل الحمام، والمياه الدافئة تنساب على جسده، تزيل عنه تعب اليوم، بينما عقله لا يتوقف عن التفكير فيها. ابتسم وهو يتذكر نظرتها المليئة بالشوق، والطريقة التي كانت تراقبه بها وهو يدخل الحمام، وكأنها تعد الثواني حتى يعود.


وبعد دقائق، خرج ليجدها في انتظاره، عطرها يملأ المكان، وعيناها تلمعان تحت ضوء الأباجورة الخافت. تبتسم له، فيشعر أن قلبه ارتجف للحظة، وكأنه يراها لأول مرة.


جلسا معًا، يتناولان العشاء في أجواء رومانسية، نظراتهما تتلاقى، وضحكاتهما تتسلل بين الكلمات. مد يده يزيل خصلة شعر سقطت على وجهها، فشعرت بقشعريرة خفيفة تمر على جلدها.


بعد لحظات من الأحاديث والضحك، نهضت ماسة بخفة، مدت يدها له، وعيناها تحملان بريقًا خاصًا.


ماسة بصوت ناعم: ترقص معايا؟


ابتسم سليم وأمسك يدها، نهض ليحتضنها بحنان. تحركا معًا على أنغام الموسيقى، خطواتهما تتناغم وكأنهما خلقا لهذا اللحظة. شعر سليم بأن قلبه ينبض أسرع، بينما رأسها يستند على صدره، تتبع دقات قلبه كأنها موسيقاها الخاصة وكأن كل المشاجرات التي كانت تحدث بينهما في الفترات الأخيرة انتهت وعادت ماسة مرة أخرى له.


بعد الرقصة، جلست ماسة على الأرض، مدت يدها نحو طاولة صغيرة وسحب علبة الكوتشينة


ماسة بابتسامة ماكرة: إيه رأيك في جولة تحدي؟ لو كسبت، ليّ عندك طلب.


سليم وهو يجلس أمامها، عاقدًا ذراعيه بتحدٍ: وأنا لو كسبت؟


ماسة تضحك: ليك عندي طلب... بس خليك طيب معايا.


يبدآن اللعب، يتبادلان النظرات والمراوغات، كل منهما يحاول الفوز، بينما الضحكات تتعالى بينهما مع كل حركة ذكية أو غلطة مفاجئة. بعد عدة جولات، يهتف


سليم بانتصار: شوفي بقى، اللي بيصحى بدري بيفوز!


ماسة بضحك: ماشي، طلبك إيه؟


سليم اقترب منها، يهمس بشيء في أذنها، فتبتسم بخجل وتضربه على كتفه: مش ناوي تبطل حركاتك دي؟


سليم يضحك، ثم يسحب رقعة شطرنج كانت موضوعة على رف قريب.


سليم: طيب، جولة شطرنج، وخلينا نشوف مين الأذكى.


ماسة تتصنع التفكير العميق: هممم، بس متأكد إنك مستعد للهزيمة؟


يبدآن اللعب، ماسة تحاول مجاراته لكنها تتفاجأ بمهارته. تحاول التركيز، لكنه يشتتها بكلامه وضحكاته المتعمدة، حتى ينتهي الأمر بهزيمتها.


ماسة بتذمر مصطنع: لا لا، أكيد بتلعب معايا بحركات سحرية!


سليم بمزاح وكبرياء: لا يا حبيبتي، جوزك عبقري، دي المشكلة؟


ضحكا معًا، ثم عادا للجلوس على الأريكة، استكملا حديثهما وسط أجواء مليئة بالدفء تمر الساعات، تصبح الساعة الثامنة مساءً فهي لم تنام من ليلة أمس.


ماسة، بين أحضان سليم، تشعر بالنعاس.


ماسة بهمس: سليم... أنا مش قادرة، عايزة أنام.


سليم برجاء: خليكي شوية، نامي على ١١ او ١٢ كده.


ماسة بإرهاق: مش قادرة بجد... شايفاك اتنين دلوقتي.


سليم بضحكة خفيفة: طيب، روحي نامي، وأنا هقعد شوية.


ماسة: بس إنت ما نمتش من امبارح.


سليم: لا، هقعد شوية. وبقولك إيه، أوعي تجيبي سيرة لهبة!


ماسة: ماتقلقش. تصبح على خير.


طبعت قبلة على خده، ثم تمددت على الفراش، لتغط في النوم فورًا.


جلس سليم في الجناح لبعض الوقت، يقرأ بعض الكتب، يجري بعض المكالمات المهمه. بعد مدة، نزل للأسفل، حيث وجد مكي جالسًا، فانضم إليه.

💞_______________بقلمي_ليلةعادل(⁠•⁠‿⁠•⁠)


حديقة القصر الحادية عشر مساءً 


كان مكي يجلس في الحديقة، مسترخيًا على إحدى الأرائك الخارجية، يدخن سيجارته ببطء، بينما الهواء البارد يلامس وجهه. الجو هادئ، لا يُسمع سوى صوت أوراق الأشجار وهي تتراقص مع النسيم.


سليم اقترب منه بابتسامة، وضع يديه على ظهره وهو ينظر حوله: في شاي؟ ولا أخلي سحر تعمله لنا؟


رفع مكي رأسه نحوه وهو يربت على المقعد المجاور: تعال اقعد الأول... في شاي، بس لو عاوز واحد جديد، قول.


جلس سليم بجواره، أسند ظهره للخلف وأخذ نفسًا عميقًا، قبل ما يرفع عينه لمكي: إيه الأخبار؟


مكي وهو يأخذ رشفة من الشاي: كله تمام..سيبت ماسة ليه؟ مش هي دلوقتي بتبقى صاحية؟ او صحيت


سليم ابتسم بخفة وهو يميل برأسه للخلف: رجعت لقيتها صاحية، قعدنا نتكلم مع بعض، عملت لي أكل بإيديها، وقضينا وقت حلو اوي مع بعض، بقى لنا فترة كبيرة جداً ماقضيناش وقت حلو كده مع بعض، وبعدين نامت. بصراحة ماقدرتش أضغط عليها أكتر، حسيت إن أنا هبقى رخم أوي. هي شوية بشوية وبترجع تاني، مع إن امبارح كنا متخانقين بسبب قعودها مع عماد ورشدي.


مكي وهو ينظر له بتركيز: زعقت لها يعني؟


امسك الكوب وصب شاي لسليم.


سليم هز رأسه بإيجاب: طبعًا، زعقت لها عشان ماتقعدش معاهم تاني، وخدت قرار إني مش هخليها تنزل تحت الفترة اللي أنا نايم فيها.


مكي هز رأسه بتفهم وهو يعطي له الكوب: خف عليها شوية، هي غصب عنها بتمر بحاجات كتير. فاكر، إنت كمان مريت بنفس المرحلة دي، طول النهار نوم وطول الليل من  نايت لنايت، غير الشرب ولورجينا؟


سليم يبتسم بسخرية: هم كانوا أسبوعين في حياتي، كنت متضايق فيهم عشان كنت ضعيف وقتها بسبب موت عفت، لكن بعد كده رجعت. صدقني أنا مش بخنقها، أنا خايف عليها.


صمت للحظة ثم غير الموضوع: المهم، أنت عامل إيه؟ هتتجوز إمتى؟ وصلت لإيه في فرش الفيلا؟


مكي بابتسامة واسعة: هتجوز في الإجازة، كم شهر كده. سلوى مصممة تتجوز في الإجازة.


سليم وهو ينظر له بشك: مش ناقصك حاجة؟


هز مكي رأسه بثقة: لا، مش ناقصني حاجة. وبعدين، ما أنت لسه محوّل لي مبلغ للبنك.


سليم وهو يضحك:أنا مش محوّلهولك أنت، أنا محوّله عشان تظبط الفيلا عشان سلوى.


مكي بضحكة مستفزة: على فكرة، أنا معايا أجيب فيلتين، مش فيلا واحدة.


سليم ضحك ثم نظر له: المهم... بكرة هنقابل سوت، عايزك تظبط الدنيا.


مكي بجدية: ماتقلقش، هنحل الموضوع على طول


سليم بضيق وهو يجز على أسنانه: مع إن أنا كنت عايز أفرمه عشان اللي عمله مع ياسين، بس أنا دلوقتي مش عايز أعمل مشاكل مع حد.


مكي وهو يهز رأسه بتفكير: ده صح، ماتفتحش جبهات مع حد دلوقتي، بس أنت بجد شايف إنك هقدر تمنع العيلة من الشغل في الآثار والذهب المهرب؟

ينظر إليه بتمعن: إنت شايف إن ده ممكن؟


سليم بتصميم: هحاول. لو هما عايزين يكملوا، يبقى بعيد عني وعن ياسين وفريدة. بس بقولك إيه... الباشا أصلًا مايقدرش يشتغل الشغل ده بعيد عني وعن ياسين طه مش هيعرف يتعامل ورشدي متهور.


تابع وهو يرتشف الشاى: لو كان يقدر، كان خلّى رشدي يمسك كل حاجة، وهو مع الضغط هيبعد. إحنا خلاص مش محتاجينه، من زمان وإحنا مش محتاجينه، ماعملش غير إنه جاب لنا مشاكل وخلاص.


مكي ابتسم وهو يشعل سيجارته: بالظبط... بس خليها بالعقل.


سليم يبتسم وهو يأخذ نفسًا من سيجارته: أكيد.

اخذا يتبادلان الأحاديث،


بعد وقت


شعر سليم بالإرهاق فتمطى قائلاً: أنا هطلع أنام، خلاص مش قادر.


مكي بابتسامة: روح ارتاح، شكل النوم غلبك.


نهض من مكانه، صافح مكي ثم اتجه نحو جناحه. فتح الباب بهدوء، متوقعًا أن يجد ماسة غارقة في النوم، لكنه تفاجأ بها جالسة على الأريكة، عيناها نصف مفتوحة وكأنها بدأت تستعيد وعيها من النوم.


سليم وهو يقترب منها بتعجب: إيه ده؟ إنتِ صحيتي؟ الساعة بقت 1!


ماسة وهي تفرك عينيها بتعب: أيوه...إنت هتنام؟


سليم وهو يجلس بجوارها: أنا مش قادر، عايز أنام مانمتش من امبارح.


ماسة وهي تمدد ذراعيها بتكاسل: خلاص، نام أنا هقوم.


سليم وهو ينظر لها بحسم: طيب خلاص، ماشي... بس هتسهري هنا، مش هتنزلي تحت.


ماسة بتذمر: بطل رخامة! والله لو شفتهم هطلع.


سليم وهو يرمقها بشدة: مش عايز كلام كتير.


تنفخت بضيق وهي تعلم أنه لن يتراجع، استلقت على الأريكة، بينما سليم تمدد ع الفراش نهضت ماسة وجلست على الأريكة وفتحت التلفاز حاولت التركيز على الفيلم المعروض، لكنها لم تشعر بالحماس الكافي، فاكتفت بالاستلقاء دون اهتمام. استمرت هي في مشاهدة التلفزيون، تقلب بين القنوات دون اهتمام حقيقي، تلعب في هاتفها قليلًا، ثم تتجه إلى الكمبيوتر لبعض الوقت، تتنقل بين الألعاب والمواقع حتى يمر الوقت.


((الصباح التالي))


عندما استيقظ سليم، خرج من غرفته وهو يفرك عينيه، ليتفاجأ بماسة لا تزال جالسة في نفس المكان، عيناها تتابع التلفزيون بشرود، وكأن الليل لم يمر عليها.


ماسة وهي تبتسم برقة: صباح الخير ياحبيبي. 


سليم وهو ينظر لها بدهشة: ده إنتِ لسه صاحية؟ معقول مانمتِش لحد دلوقتي؟


ماسة وهي تهز كتفيها بلا مبالاة: آه، مانمتش، مش عايزة أنام بعدين لسه بدري الساعة ٦


نظر لها سليم مطولًا قبل أن يجلس بجوارها، ثم مد يده وأمسك بيدها بحنان: طب يلا نفطر.


هزت رأسها موافقة، بدلا ملابسهما ثم هبطا للأسفل حيث تناولا الإفطار معًا في أجواء هادئة. كان سليم يراقبها من وقت لآخر، قلقًا عليها، بينما هي تتصرف وكأن الأمر عادي تمامًا رشدي لم يحضر الفطور بينما كان الجميع يجلسون دون تبادل الحديث بينهم. 


وقت الظهيرة


قضت ماسة وقتها في مشاهدة التلفزيون، ثم جلست على الكمبيوتر لبعض الوقت، تلعب وتتصفح الإنترنت، لكن مع مرور الساعات، بدأت تشعر بالإرهاق أخيرًا.


مع اقتراب الساعة من 12 ظهرًا، بدأت عيناها تثقل، ورأسها يميل للجانب ببطء حتى غلبها النوم، لتستلقي أخيرًا وتغرق في سبات عميق، بعد ليلة طويلة من السهر.


يخت سليم على النيل، الخامسة مساءً.


يظهر اليخت الفاخر يطفو على مياه النيل الهادئة، محاطًا برجال سليم المسلحين الذين يراقبون المكان بتركيز. سليم يقف بثبات على سطح اليخت، عيناه تراقبان الرجل الجالس أمامه. إنه مستر سوت، رجل في الستينيات، ذو شعر أبيض وعينين حادتين.


سليم بصوت بارد: لأول مرة أتشرف بمعرفتك، مستر سوت... لكنك ارتكبت خطأً فادحًا عندما هاجمت شحنتنا.


سوت بهدوء متماسك: الشحنة لم تكن لك... كانت لنيكولاس، وأنا هاجمت نيكولاس، لا أنت.


قاطعه سليم بحدة: لا تحاول اللعب بالكلمات. الشحنة كانت ملكنا، ونحن من بعناها له، رجالنا وأخي كانوا هناك وقت التسليم... هذا يعني أنك كنت تعلم جيدًا أنك تهاجمنا مباشرة.


نظر سوت حوله للحرس ثم عاد لسليم: سليم...أنا لا أريد أي عداوه مع عائلتك، ولهذا قبلت دعوتك لهذا اللقاء.


انحنى سليم قليلًا للأمام بنظرة مهددة: كان يجب أن تفكر في هذا قبل أن تضع خطتك. هل كنت تجهل أن هذه البضائع لنا؟


سوت بجدية: لم أكن أعلم أن ياسين سيحضر.


سليم بابتسامة باردة: أتريد صلحًا؟


سوت: بالتأكيد، مثلك تمامًا.


سليم بهدوء: إذًا، ستعيد البضاعة لنيكولاس...وتدفع لنا ضعف ثمنها كتعويض عن الإهانة.


اتسعت عينا سوت بدهشة: نصف مليار دولار؟!


ابتسم سليم وجلس أمامه: ليس مبلغًا كبيرًا... لديك ثلاثة مليارات، سنأخذ نصف مليار، ومبروك عليك الباقي.


ثم نظر له نظرة قاتلة قبل أن يضيف بصوت أخفض وأشد تهديدًا: دم ياسين أغلى من هذا الرقم، فاشكر ربك أنني لم آخذ روحك وروح جميع أفراد عائلتك.


لحظة صمت متوترة...نظر سوت لرجال سليم المنتشرين حوله، ثم ابتسم بفتور.


سوت مستسلمًا: لديك صفقة.


سليم مبتسمًا بخبث: بالطبع.


(مر فترة)،


عادت حياة ماسة إلى ما كانت عليه، تنام طوال النهار وتستيقظ طوال الليل، وكأنها تعيش في عالم آخر. كان سليم لا يعرف كيف يتعامل معها، ولم يعد قادرًا على التحدث إليها. كان يظن أنهما بعد اللحظات الجميلة التي عاشاها معًا، ستعود الأمور كما كانت، لكن تبين له العكس. كان يشعر في بعض الأحيان أنها تصبح لطيفة معه في علاقتهما الخاصة كما كانت في الأيام السابقة، وفي لحظات أخرى كان يحس أنها تتعامل معه وكأنها تؤدي واجبًا، دون أن يكون هناك حب حقيقي. فبدأ يغير تصرفاته ويجعلها هي التي تطلب منه، وهي التي تبادر، بدلاً من أن يكون هو من يبدأ، لأنه لم يكن يريد أن يعيش معها تلك العلاقة دون حب حقيقي.


أما علاقة سلوى ومكي، فكانت قوية وجميلة، مليئة بالتفاهم والدعم المتبادل. كان معظم الوقت هو من يقوم بتوصيلها إلى الكلية ويجلبها منها، وكانا يختاران معًا أثاث الفيلا. كانت تحاول أن تزور ماسة في الأوقات التي تكون فيها مستيقظة.


أما ياسين فقد عاد بعد عشرة أيام، وبدأت الأمور تهدأ.


فيما يخص قضية سوت، فقد انتهت المشكلة بعدما قرر سليم أخذ الأموال مقابل ما حدث، وأعاد الأمور إلى طبيعتها.


أما عن العائلة، لم يكن هناك أي شيء جديد، خاصة بعد أن أخبرت ماسة الجميع بأنها على علم بكل شيء، وأنها تعرف أنهم لا يحبونها. كان الهدوء غير عادي، خصوصًا من رشدي الذي بدا وكأنه صامت بشكل غير طبيعي.

💕_______________بقلمي_ليلةعادل 


قصر الراوي


السفرة، الرابعة مساءً


يجلس جميع أفراد عائلة ماسة حول الطاولة يتناولون الغداء في جو دافئ.


مجاهد متسائلًا: مش كنا استنينا سليم؟


ماسة: سليم يوم السبت بيتأخر، بس قالي هيحاول يجي عشان يقعد معاكم.


مجاهد: ربنا يصلح له الأحوال ويشفيه.


سعدية، وهي ترفع ملعقتها متعجبة: غريبة! صاحيه بدري؟ ربنا يهديكي.


عمار مازحًا: أنا تصدمت لما لاقيتها بتتصل وبتقولي تعالوا، على الغداء!


مجاهد بحنان: أيوه كده يا بنتي، بلاش سهر، غلط.


ماسة بلامبالاة: على فكرة، أنا صاحية من امبارح.


سعدية مصدومة: إزاي؟


ماسة: والله العظيم صحيت امبارح على ٨ بالليل، منمتش. قولت أكلمكم تيجوا نتغدى سوا. بعد كده تعالوا أقعدوا معايا الصبح، أ٠انا بنام ١٢ أو ١ الظهر ولصحى ٩ أو ٨ بالليل.


سعدية متذمرة: والله اللي إنتِ فيه ده مينفعش، حرام عليكي نفسك! مش عارفة جوزك سايبك كده ليه؟ لو كلمته هيقولي بدلعها، رجال آخر زمن! 

نظرت لعمار ويوسف بحدة:

ولا إنت وهو، أوعوا تعملوا كده مع مراتتكم، والله لأبهدلكم!


عمار ضاحكًا: ماتقلقيش علينا، إحنا عارفين إحنا بنعمل إيه.


سلوى ساخرة: هو إنتي كمان عايزاه يمنعها من السهر؟ إيه رأيك يصحيها بمعاد، وتنام بمعاد، تأكل وتشرب بمعاد، ويحطها في زنزانة؟


سعدية: بس يا أم لسان، أما نشوف مكي هيطلع إيه! شكله هيطلع خايب زي سليم.


مجاهد بحزم: سليم مش خايب، بيحبها، ومش بيحب يزعلها، المهم هي وجوزها كويسين مع بعض.


ماسة بهدوء: إحنا تمام يا بابا،. قولي المطعم تمام؟ مش محتاج حاجة؟


مجاهد: الحمد لله، كل شيء تمام.


نظرت ماسة لعمار: وإنتَ يا عمار، الشغل تمام؟


عمار: آه، ويوسف جه يشتغل معايا.


ماسة بسعادة: كويس، يلا كملوا أكل!


أكملوا طعامهم، ثم انتقلوا إلى الصالون وجلسوا سويًا في جو عائلي دافئ.


سلوى بتوجس: ماسة، هو مابنفعش تخرجي معايا؟ عايزة أشتري لبس للجامعة.


زمت ماسة شفتيها: إنتِ عارفة الوضع...


سلوى: هخلي مكي يقوله.


ماسة بابتسامة ساخرة: جربي بس! بس ما تقلقيش، أمك في الحاجات دي اختيارها جامد، اسأليني أنا!


سعدية ممازحة: بتقولي زوقك وحش وقليل الأدب!


ضحكت ماسة بصوت خافت، ثم نظرت إلى سلوى وقالت بهمس: إنتِ محتاجة تجيلي لوحدك، مش هعرف أتكلم قدام إخواتي!


وأثناء جلوسهم، اقتربت إحدى الخادمات من ماسة وانحنت قليلًا باحترام.


الخادمة: ماسة هانم فايزة هانم بتقولك تروحي تقعدي في مكان تاني عشان عندها ضيوف.


توقفت ماسة عن الحديث، رفعت حاجبها بدهشة، ثم نظرت للخادمة ببرود: هو من قلة الأماكن يعني؟ روحي قولي لها "ماسة هانم بتقولك مش هتتنقل من مكانها، ولو مش عاجبها، تتصل تشتكي لابنها.


مجاهد بحزم: يا بنتي، بلاش مشاكل، خلينا نقعد في أي مكان تاني.


ماسة بإصرار: لا، والله ما هيحصل، بابا. متخلينيش أتصرف وأكلم سليم، وساعتها يبهدلهم! 


ثم نظرت إلى الخادمة اطلعي بلّغيها الكلام ده.


أومأت الخادمة برأسها، ثم غادرت على الفور. وبمجرد أن وصلت إلى فايزة، بدا واضحًا أن الأخيرة شعرت بالضيق الشديد من رد فعل ماسة.


نزلت فايزة بسرعة وخطواتها تصطدم بالأرض بغضب، وقفت أمام ماسة وذراعاها معقودتان، ونظراتها مليئة بالتحدي.


فايزة بصوت حادة: أنتي ازاي تعصي أمري؟


رفعت ماسة عينيها إليها بهدوء؛ اعصي أمرك؟ يمكن انتي اللي متلخبطة شوية، أنا مش باخد أوامر من حد، أنا في بيتي، أقعد في المكان اللي يعجبني وبالطريقة اللي أحبها، واللي مش عاجبه يشتكي لسليم... لو يقدر.


تقدمت فايزة خطوة وهي تهمس بتحذير واضح؛ بلاش تتحديني يا ماسة اسمعني مني الجراءه الزيادة معايا غلط.


ماسة بابتسامة باردة: أنا مش بتحداكي يا طنط، بس خلاص زهقت. مش هفضل ساكتة أكتر من 7سنين من وقت مادخلت هنا، وأنا ساكته كفاية كده. وتفضلي بقى، عشان قاعدة مع أهلي كمان، تلحقي تجهزي مكان لضيوفك.


تركتها ماسة وجلست مع عائلتها مجددًا، بينما ظل وجه فايزة متشنجًا بالغضب ثم تحركت كانت جميع عائلة ماسة يشاهده الموقف بصدمه

.

نظر إليها مجاهد متعجبا: في إيه يا بنتي؟


ماسة هزت كتفيها بلا مبالاة: مفيش، بس زهقت منهم خلاص. 


عمار، وهو يراقبها بتركيز: ماسة، مالك؟ إنتي مش على بعضك إزاي كلمتها كدة  ومن امتى؟


تنهدت ماسة وهي تنظر إليهم بجدية: زمان كنت بحاول اكسبهم، وكان نفسي يتقبلوني، لكن للاسف محصلش نفس الكره، وبالعكس زاد بعد الحادثه، فخلاص، مش هحاول أرضيهم أكتر من كده. قلت لهم إني عارفة إنكم عمركم ماحبتوني، وإنكم أصلاً كنتوا بتمثلوا عليا الحب. من فترة وقفت قصادي وقالت لي: أنا هخليه يطلقك.


سعدية: الولية دي مش عايزة تتهد، ربنا يهدها أنا ياما قولتك قولي لجوزك متسكتيش بس كنت هبله طلع لخالتك.


وضعت ماسة يديها في جيبها، قبل أن يسألها مجاهد بقلق: مالك يا بنتي؟


ماسة، وهي تضع يدها على رأسها: عندي شوية صداع بس يا بابا.


مجاهد، معاتبًا: ما هو كل اللي إنتِ فيه ده بسبب إهمالك في صحتك!


سعدية، متدخلة بحدة: أنا مش هتكلم، عشان كلمتي بتقف تزورها!


نظرت ماسة لهم بصمت، ثم نادت: سحر!


جاءت سحر سريعًا: نعم، يا ست هانم؟


ماسة: هاتي لي فنجان قهوة وبرشام الصداع بتاعي.


سحر، مستاءة: يا ست هانم، إنتِ كل يوم بتاخدي لك حبايتين كده، ماينفعش! ده تالت مرة تشربي قهوة النهارده، غير النسكافيه!


ماسة، بنبرة صارمة: سحر، مش عايزة كلام كتير!


سحر، مستسلمة: حاضر، يا هانم، أمرك!


نظر لها مجاهد بحزن، ثم قال: بقولك إيه، يا ماسة؟ علاقتك مع أهل جوزك مش حلوة... تيجي تعيشي معانا إنتِ وسليم؟ وتبقي وسطنا


نظرت له ماسة بصمت، بينما قال عمار: وهو سليم هيوافق يعيش معانا؟


ماسة، بتنهيدة: ماعرفش... عمري ماتكلمت معاه في الموضوع ده.


سلوى، بتفكير: هو مشكلته إنه مش عايزك تخرجي، طيب يسيبك تيجي تعيشي معانا بنفس التأمين اللي هو عايزه! افتحي معاه الموضوع، ولو مارضاش، أنا هخلي مكي يكلمه.


سعدية، موافقة: صح كده، يا ماسة!


ماسة، باستسلام: خلاص والله، هكلمه... بس محدش فيكوا يتدخل غير لما أنا أتكلم معاه الأول!


واخذو يتبادلون الحديث وسط أجواء من الألفة، وبعد وقت، دخل سليم بابتسامة دافئة تضيء وجهه، ثم قال بنبرة بترحيب:


سليم: إيه النور ده؟


تقدم لمصافحتهم بحرارة، ثم سأل باهتمام: إيه الأخبار؟ عاملين إيه؟


مجاهد، بنبرة ودودة: الحمد لله، وإنت عامل إيه يا ابني؟


جلس سليم على مقعد، بابتسامة هادئة: كويس، بس مابتجوش ليه؟ يعني لازم ماسة تكون صاحيّة عشان تيجوا؟ تعالوا شوفوني أنا كمان، وحشتوني!


سعدية، بلهجة حانية: هنجيلك يا حبيبي إن شاء الله.


ماسة بلطف: سليم، أحضّر لك حاجة تاكلها؟


سليم، وهو ينظر إليها بحب: لا يا عشقي، أنا أكلت.


ماسة، بهدوء: تمام.


نظرت سعدية لسليم للحظة، وكأنها تفكر كيف تصيغ حديثها، ثم قالت بحزم: بقولك إيه يا سليم يا حبيبي، إيه رأيك تيجوا إنت وماسة تعيشوا معانا؟


رفعت ماسة عينيها نحو والدتها بضيق من حديثها في هذا الموضوع، قبل أن تناقشه هي مع سليم. لكنها لم تُظهر اعتراضها واستمرت سعدية في حديثها:

يعني إنت مش عايزها تخرج وتفضل هنا خلاص،  تعالوا بقى عيشوا معانا! على الأقل تبقى معايا، ونونسها، بدل ما كل شوية تقول لك: عايزة أشوف ماما، وعايزة أروح لماما ولا إنت شايف إيه؟ ولا إحنا مش قد المقام؟


سليم نظر إليها بهدوء، بتفكير. ألقى نظرة خاطفة على ماسة، التي كانت  تنظر له بترقب، ثم قال بنبرة جادة:

أوعي تقولي كده تاني! إنتِ عارفة مقامكم عندي كويس.، أنا ماعنديش مشكلة نعيش عندكم، بس مش هينفع دلوقتي


تعجبت ماسة أنه وافق بتلك السهولة تساءلت: بجد، طب مادام ماعندكش مشكلة، خلاص نروح!


سليم، وهو ينظر لها مطولًا: مش دلوقتي، كمان شهرين كده ولا حاجة في حاجة بس عايز أعملها الأول.


سعدية، بلهجة مطمئنة: طب خلاص، مادام شهرين مش كتير.


سليم التفت إلى ماسة، ركز النظر بها، ملامحها مرهقة وعيناها شاحبتين، كأن النوم هجرها منذ أيام، ثم قال بصوت خافت لكنه يحمل بعض العتاب:

شكلك لسه مانمتيش من امبارح!


ماسة، بهمس: آه.


سليم، بنبرة حادة بضيق: والله!! لا، إنتِ كده وضعك ما ينفعش.


لم ترد ماسة، بل اكتفت بخفض نظرها إلى الطاولة أمامها.


عمار:

ايه يا سليم، مش هتيجي تعدي علينا بقى؟ في أخبار مهمة عن الشركة، جالنا عروض حلوة من الجامعات عايزين يشتركوا معانا.


سليم: خلاص، بكرة هاجي على الساعة 2، نقعد مع بعض. أنا عايزك تركز كويس وتدير الشغل بحرفية، لأن بعد كده إنت هتبقى مسؤول عن كل حاجة. مؤيد معاك الفترة دي عشان يفهمك تفاصيل الشغل، لكن بعد كده، القرار هيبقى في إيدك.


عمار، بحماس: ماتقلقش، جبت لك عروض ممتازه وأفكار لتنظيم رحلات هتعجبك. حتى يوسف بيفكر نعمل رحلات يومية للمدارس.


يوسف، بابتسامة: ومش بس المدارس الإنترناشونال! فكرنا كمان نعمل صفحات على فيسبوك لتنظيم الرحلات، بحيث تبقى يومية، ويكون فيها مشرفين، ونغطي محافظة مصر، أو المزارات المهمة، كل جمعة مثلاً، بأسعار مناسبة.


سليم، بابتسامة راضية: خلاص، بكرة نقعد ونناقش الموضوع كويس.


سعدية، بفخر وهي تنظر لأولادها: ما شاء الله عليكم! شفت بقى يا سليم؟ قلت لك ولادي هيشرفوك!


تبسم سليم، وهو ينظر لهم بإعجاب: وأنا متأكد من ده المهم بس يركزوا بردو في دراستهم ..

ثم التفت إلى مجاهد وسأله: كل حاجة تمام في المطعم يا عم مجاهد؟


مجاهد، وهو يستقيم في جلسته: الحمد لله يابني. 


سليم: مش عاوز تفتح فرع جديد؟


مجاهد، بابتسامة هادئة لكن حازمة: لا، هو كده حلو، يا ابني. أنا حاطت عيني في وسط راسي، الأكل لازم يبقى نضيف وكويس، والواحد يتقي ربنا.


سليم، مؤيدًا: مظبوط، شغل المطاعم مش سهل، وخصوصًا مع تركيزك الدائم على الخامات والجودة والنظافة، وده أهم حاجة عشان ربنا يبارك في الشغل،، ايه يا سلوى امتحاناتك امتى؟!


سلوى، وهي تعدل جلستها بحماس: امتحاناتي كمان أسبوعين."


سليم، بابتسامة مشجعة: ربنا معاكي.


بدأوا يتبادلون الحديث بود، وكان سليم يسأل عنهم باهتمام، يتعامل معهم كأنهم عائلته ويوليهم عناية كبيرة. كان يهتم بكل تفاصيل يومهم، حتى عند تناولهم العشاء معًا وتذوق الحلويات، ثم جلسوا في الحديقة. كانت ماسة تحاول قدر المستطاع السيطرة على شعورها بالنوم، فهي لم تنم منذ ليلة أمس، فبدأت تشرب المنبهات بكثرة، تحاول مقاومة النوم حتى يغادر أفراد عائلتها في الليل. وبعد رحيلهم، صعدت ماسة وسليم إلى جناحهما. فور دخولهما الجناح، ألقت ماسة بنفسها على الفراش. 


نظر إليها سليم وقال بنبرة جادة:  انا عايز أتكلم معاكي


ماسة: والله ماقادرة.


اقترب منها وجلس أمامها: معلش اقدري وقومي شوية. 


ماسة: والله لو تكلمت من هنا لبكرة، مفيش حاجة هتوصل لدماغي، مش هفهم حاجة فكك مني بقى.


سليم بضيق: هنفضل لحد إمتى كده؟ مش قادر أتكلم معاكي احنا هنرجع تاني لنفس الدايرة. 


ماسة بحدة: بقولك إيه، ماتزعقش، أنا عايزة أنام مش قادرة و لو عايز تتخانق أجلها لبكرة تصبح على خير. اقفل النور ده. 


سليم: طب مش هتغيري هدومك؟


ماسة: لا، هنام كده. 


ثم وضعت الوسادة فوق رأسها. تنهد سليم بمرارة وضيق.


أمام الجامعة، سلوى الرابعة مساءً.


تخرج من باب الكلية، وتجد مكي في انتظارها أمام السيارة اقتربت سلوى بابتسامة.


مكي بابتسامة: الحمد لله على السلامة.


سلوى بتفاؤل: الله يسلمك. بقولك إيه، عايزة أعدي على المكتبة هنا، هجيب المراجع.


أدخل يده فى السيارة وناولها أوراق: اتفضلي يا ستي، أنا اشتريت لك كل الملازم اللي أنتي محتاجاها.


سلوى مندهشة وسعيدة بجد؟ ميرسي.


مكي بابتسامة دافئة: وقدمت لك كمان على الكورسات اللي عايزاها عشان تاخديها بعد ماتخلصي الامتحانات.


أمسكت سلوى يده بخجل.


سلوى بامتنان: مش عارفة أقول لك إيه، بجد شكراً جداً على كل حاجة بتعملها معايا، واهتمامك وكده.


مد مكي يده ليضعها على خدها بلطف.


مكي بحنية: لو ما كنتش أنا اللي اهتم بيكي وأخد بالي منك، مين هيأخذ باله؟ وبعدين، انتِ كلها ست شهور وتبقي مراتي.


ابتسمت سلوى بخجل، ونظرت له بتردد. 

سلوى بتردد: على فكرة، أنا مش هروح الكلية تاني. أخدت النهاردة الحاجات المهمة، وهقعد بقى أذاكر الامتحانات.


مكي موافق،: تمام، إحنا هنعدي بقى على الفيلا عشان نشوف المهندس عمل إيه.


سلوى بابتسامة: تمام بس لازم امي تكون معانا او حد من اخوتي.


مكي اكيد طبعاً هنكلم خالتي سعدية من عربيه تجهز نفسها 


مجموعة الراوي 


في مكتب سليم،


نشاهد سليم يتوقف في منتصف المكتب وهو يقوم باستقبال مجاهد استقبالا حارا 


سليم مندهش: ايه المفاجأة دي.


ابتسم مجاهد بخجل: انا آسف جدًا يابني لو كنت جاي لك في الشركة، بس كان لازم أتكلم معاك.


سليم مبتهجا: حضرتك تيجي في أي وقت يا عمي. اتفضل، اتفضل.


جلسا متجاورين على الأريكة. طلب سليم من نور السكرتيرة أن تعد لهم شاي، وطلب منها ألا يدخل عليهما أحد.


سليم: أول ما قالولي إن حضرتك بره ماصدقتش أتمنى بس تكون الزيارة مافيش مشكلة


مجاهد بتواضع: خير إن شاءالله، آسف إني جاي لك كده من غير ميعاد، عارف إن مشاغلك كتير، كنت لازم أتكلم معاك شوية، من أب لابنه، أنا عارف إني مش قد المقام يعني.


سليم ارتسم على وجهه بتهذب: حضرتك ماتقولش كده يا عمي اتفضل أنا سمعك.


أخذ مجاهد نفسًا عميقًا:

بص يا سليم، أنا كنت عايز أتكلم معاك عن ماسة.

إحنا كنا معاك في كل حاجة لحد اللحظة دي، وأتكلمنا مع ماسة، وبيني وبينك، إنت كنت مزودها عليها شوية، بس احترمنا خوفك وفهمناه.

بس يا حبيبي، البنت بدأت تدبل… بقت عاملة زي الورد اللي ماحدش بيسقيه.

هي صابرة وساكتة عشان بتحبك، وماشتكتش، بس إنت شايف بعينك بقت عاملة إزاي؟

أنا عمري ما اتدخلت في حياتك ولا في حياة بنتي، ومستحيل أعمل كده، بس لما شفت ماسة امبارح بالمنظر اللي هي فيه، حسيت إن الأمور بدأت تكبر.

بص يا سليم، إنت مابتخرجهاش يا ابني، ما بتوديهاش في حتة، ولا حتى معاك.، مع إنها ملزمة منك إنك تخرجها، الحياة مش أكل وشرب وبس، لا يا ابني… مش عشان إنت بتأكلها وبتشربها يبقى خلاص!

ده الحيوان بيقولوا حرام يتحبس، ولما بتشوفه في قفص، بيصعب عليك، ويبقى نفسك تحرره وتقول: ده مكانه في الغابة.

الحيوان نفسه بييجي عليه وقت بيبقى عايز يخرج… طب تخيل ده بني آدمة! إنت حابسها بين أربع حيطان بقالها كتير.

أنا مش عايزك تخرجها، بس على الأقل سيبها تيجي عندنا تشم شوية هوا،

تقعد مع أمها واخواتها، تشوف الشارع والناس، كده حرام يا ابني…دي بقالها تقريبًا أكتر من سنة ونص من وقت الحادثة ما خرجتش!


سليم مغمض عينيه بتفكير عميق قال بأسى:

والله يا عمي، من غير ما تقول، أنا كنت ناوي أعمل كده. وعارف إني أذيت ماسة، وإني مقصر في حقها. بس والله، أنا خايف عليها.


مجاهد برجاء: سليم، هو أنا ممكن أسالك سؤال يا ابني؟


سليم بتهذب: طبعاً، يا عمي، اسأل.


نظر مجاهد لسليم بتمعن: هو فيه حد مهدّدك بالبنت؟ عشان كده قافل عليها؟ قول ماتخبيش عليا والله ماهقول لحد.


ضحك سليم بحسرة: يا ريت، يا ريت يكون في حد مهددني. لو كان في حد مهددني، ماكنتش وصلت للي أنا فيه ده. كنت هعرف مين اللي بيعمل فيا كده، أكمل بنظرة شرسة:

وأجيبه هو وأهله، وأقطع نسله كلهم، وأحرقهم من أكبرهم لأصغرهم.بس أنا بحارب شبح. هو عارف كل خطواتي، وأنا ماعرفش عنه حاجة. عارف حضرتك إن أنا لو عارفه، والله كنت سبتها تخرج. بس أنا معرفش. معرفش هو بيفكر إزاي، نقط ضعفه، نقط قوته. فعشان كده خايف عليها. بعدين، أنا مش قولت لحضرتك، اديني شهرين او اكتر شوية، وأنا هاجي عندكم.


مجاهد بنظرة حانية: طب في الشهرين دول، سيبها تيجي أو أنت جيبها وخدها.


سليم بأسف: مش هينفع يا عمي. تتحمل شهرين بس؟ هي صبرت كتير. 


مجاهد بهدوء، وحكمة: ماشي يا سليم. بس أنا عايزك تاخد بالك. الست بتصبر، بتصبر، بس بيجي عليها وقت لما بيفيض بيها، بتبقى صعبة. أنا مش عايزك توصل مع ماسة كده. ماسة بنتي من صغرها وهي حاملة أسيه. مهما يحصل فيها، بتسكت وبتصبر. عكس سلوى، سلوى بتتكلم كثير وبتزعق، مبتسيبش حقها. عشان كده في ناس كتير بيفتكروها قوية عن ماسة. مع إن سلوى دي، بتغضب ليومين، تلاتة، وبعد شوية تلاقيها ولا كأن حاجة حصلت. بس ماسة دي تسكت وتسكت، بس لما بتقفل خلاص، بتبقى صعبة.


نظر مجاهد إلى سليم بجدية، وصوته تحول إلى تحذير:

خاف يا ابني. من الساكت. أوعى تخاف من اللي عمال يزعق.


سليم بإحساس بالمسؤولية: أنا عارف يا عمي إن حضرتك خايف على علاقتي بماسة. هم شهرين، وأنا هجيبها، وتقعد عندكم. موضوع انها تخرج وتيجي عندكم، مش هينفع دلوقتي، عشان أنا ماشي ورا خيط كده.


مجاهد بتفهم: طيب.


إخلاء الفترة...


الوضع بين سليم وماسة أصبح صعبًا ومتغيرًا، واتخذ منحًى جديدًا لا يُبشّر بالخير.


ماسة لا تزال تنام طوال النهار وتستيقظ مع طيور الليل، لم يتغير شيء في عادات نومها، ولكنها تغيّرت في أمورٍ أخرى.


أصبحت لا تُنصت لسليم، لا تبالي بكلماته، ولا تمنحه فرصة للحديث

كان يرغب كثيرًا في التحدث إليها، في مناقشة ما يحدث... لكنها ترفض، تتهرّب، تصمّ أذنيها عن كل محاولة منه.

وكلما أراد الاقتراب، واجهته بجدار من الصمت أو التجاهل.

العلاقة بينهما لم تعد كما كانت، تغيّرت، وتشققت بصمتٍ مؤلم.


كما نشاهد سلوى وقد انشغلت تمامًا في إجراء امتحاناتها الخاصة. كانت حياتها مزدحمة بالدراسة والتحضير، حتى إنها لم تجد الوقت لزيارة ماسة خلال تلك الفترة، رغم علمها بما تمر به.


💞________________بقلمي_ليلةعادل。⁠◕⁠‿⁠◕⁠。


قصر الراوي، الثانية عشر صباحًا


الليفينج روم.


نشاهد ماسة جالسة على الأريكة، رافعة قدميها على الجهة الأخرى، تشاهد التلفاز بتركيز عميق، وضحكاتها تعلو بين الحين والآخر، تناولت بعض الفشار بيدها، بينما كان هناك سناكس وعصير على الطاولة أمامها، لكن وجهها كان يعكس الإجهاد الشديد، وأسفل عينيه دائرة سوداء بسبب قلة النوم والإرهاق الذي بدأ يظهر جليًا عليها،.


دخل سليم الغرفة وجلس بجانبها في زاويتها بضجر شديد.

فهو يريد التحدث معها منذ فترة ولا يعرف ، سأل بضيق: ها؟ النهاردة فاضية نتكلم مع بعض ولا زي كل يوم؟ مش قادرة، مش حابة، ولا ليكي مزاج؟ لسه مفوقتيش، أنا عايز أتكلّم معاكي.بقالي شهر كامل مش قادر أتكلم معاكي ولا حتى عارفين نقعد شوية مع بعض زي أي أزواج طبيعية!


ماسة وعينيها على شاشة وهي تتابع الفيلم بعدم اهتمام: بعدين يا سليم، عايزة أركز في الفيلم.


فجأة، جز سليم على أسنانه، فقد سئم من ذلك الأسلوب، أمسك بالريموت وأغلق التلفاز بعنف.نظرت له ماسة باستغراب واتسعت عيناها، ثم قالت بنبرة حادة، وكأنها تحمل عصبية غير معتادة: إيه الأسلوب ده؟ مش شايفني بتفرج؟


سليم بجديّة: قولتلك عايز أتكلم معاكي وبعدين واطي صوتك.


زفرت ماسة بحدة وعدلت من جلستها في زاويته: قلتلك بعد متفرج.


سليم بشدة: لا، هنتكلم دلوقتي. كل مرة بستناكي، وفجأة بنام غصب عني.


ماسة بتهكم: أعمل لك إيه؟ أنت اللي بتنام بدري.


سليم باعتراض: أنا مش بنام بدري، أنا بنام زي الناس الطبيعيين. لكن إنتي اللي بقيتي غريبة.


عقدت ماسة حاجبيها بتعجب: إيه الغريب في كده؟ أنا مبسوطة كده. حياتي ممتعة، أنت مش هتفهمني لأنك ماجربتهاش..


سليم برفض: إنتي بتكذبي على نفسك! شايفة نفسك؟ شايفة وشك؟ شايفة أسلوبك؟ إنتي بتتغيري، إحنا كمان بعدنا اوي مش معقول مش ملاحظة بعدين الحياة دى مش صحية خالص وبتجيب اكتئاب.


ماسة برفعة حاجب واستنكار: والله أنا مرتاحة كده. إنت مالك؟ أنا اشتكتلك.


زمجر سليم قال بصوت عالي معترضا: أنا مالي؟! لا أنا مالي ونص! أنا مش راضي عن اللي بتعمليه ده، إنتي خلاص بقيتي بعيدة عني، ومش بنشوف بعض إلا بالصدفة. ده مش طبيعي، ودي مش حياة. الطريق اللي انتي ماشية فيه ده غلط، اسمعي من النهاردة هترجعي تنامي بدري وتصحي بدري زي الناس الطبيعية. شغل الخفافيش ده لازم توقفيه، فاهمة؟


ابتسمت ماسة بسخرية: يا سلام! يعني مطلوب مني أقول لك: سمعًا وطاعة يا سليم بيه؟


نظر سليم داخل عينبها بقوة: أيوة، لازم تسمعي وتنفذي كلامي وتقولي لي حاضر يا جوزي يا حبيبي، يابنتي أنا خايف عليكي. انتي مش شايفة نفسك؟ اللي إنتي فيه ده مش صح.


ماسة بتهكم بنبرة فيها نوع من السخرية: طيب يا جوزي يا حبيبي، هقول لك سمعًا وطاعًة بس عندي شرط.


سليم عاقدا حاجبيه: شرط؟! وايه هو الشرط يا ماستي المتمردة؟


تبسمت ماسة وهي تشير بيدها: أولا إنك تسيبني أروح الجامعة مع أختي، وأنزل أشوف الناس، ثانياً أخرج مع هبة وأصحابي، وأرجع لحياتي الطبيعية. أروح عند ماما، وكل الكلام ده لازم يحصل، علشان أقدر أغير حياتي، وأنت كمان هتخرجني زي زمان ونسافر أوعى تقول لي هنروح نعيش مع مامتك قريب، عشان انا مش هعيش من سجن لسجن على الاقل هنا بلاقي ناس مكبرة دماغها كل واحد في حاله لكن هناك هلاقي اللي يدافع عنك بيديني بالجزمه عشان خاطر جنابك.


سليم: ولو مامنفذتش طلبك، هتفضلي زي ما إنتي.


تبسمت ماسة ببرود بحسم: بالضبط هفضل زي ما أنا. أنا لو صحيت، هنكد عليك حياتك صدقني، أنت كده بتريح دماغك، أنا مضايقاك في ايه؟ مش فاهمة، مش كل مرة بتطلبني،بتلاقيني!! هو في مرة جيت قولتلك لا ها !! ودي أهم حاجة عندكم كرجالة،خلاص بقى، فكك مني وسبني أتفرج على الفيلم، يلا روح نام. إنت النهاردة متأخر ساعة عن ميعادك.


نظر سليم بعصبية أمسك الكوب من على الطاولة، وألقى به بعنف،  توقف وقال بغضب شديد: ماتتكلميش معايا بالأسلوب ده! اتكلمي بأدب يا ماسة ماستفزّنيش احسن لك.


توقفت ماسة، وصاحت في وجهه، متأثرة بالغضب:

بقولك ايه! أنت منعتني من كل حاجة، وعيشتني في السجن ده عشان أفكارك المجنونة! وعايز دلوقتي كمان تتحكم في نومي وصحياني؟! قسمًا بالله، ماهيحصل! لو هتوقف على طلاقنا فاهم، إنت فاضل تتحكم في الهوا اللي أنا بتنفسه؟


سليم وهو يحاول لجم غضبه: ماسة مش قولك تاني اتكلمي معايا بأسلوب مهذب، ووطي صوتك، ما بحبش الصوت العالي انتي بتتكلمي معايا كده ليه؟ أنا خايف عليكي.


ماسة بعند: هو ده الأسلوب اللي عندي يا أستاذ سليم. لو مش عاجبك!! طلقني، او أعمل اللي عايزه، مش فارق لي. واتفضل أخرج وسيبني أتفرج على الفيلم بمزاجي.


عادت ماسة إلى الأريكة، وجلست في مكانها بتحدٍ ظاهر، وأمسكت بالريموت لتعيد تشغيل التلفاز. رفعت الصوت إلى أقصى حد، حتى لا تسمع صوت أنفاسه الغاضبة خلفها. بدأت تشاهد بتركيز متعمد، تطلق ضحكات مفتعلة، كأنها تتجاهل تمامًا وجود سليم الواقف خلفها يشتعل غضبًا.


كان سليم ينظر إليها بصمت، وعجز واضح يملأ عينيه، ويداه ترتجفان من شدة الغضب. كانت ملامحه مشدودة، تقطيبة جبينه وحمرة عينيه تخفيان ملامحه المعتادة، كأن الغضب قد غطى وجهه بقناع قاسٍ. ظلت أنفاسه عالية، وبقي واقفًا للحظات، يبحث عن أي طريقة للتعامل مع عنادها، لكنه لم يجد سوى أن يدير ظهره. بخطوات ثقيلة، غادر الغرفة وصفق الباب خلفه بعنف، لعلها تشعر بغضبه.


بقيت ماسة في مكانها لحظات، وعيناها على الشاشة، تتظاهر بأنها لا تهتم. لكنها لم تستطع خداع نفسها. بمجرد أن هدأ الصوت من حولها، شعرت بثقل الوحدة يجتاح قلبها. فجأة، امتلأت عيناها بالدموع، وبدأت تنهمر دون توقف.


بغضب مكبوت، رفعت قدمها وضربت الطاولة أمامها بعنف، مما أدى إلى سقوط الأكواب والسناكس أرضًا. كان صوت التحطم أشبه بصدى روحها المتكسرة، كأن كل ما انهار على الأرض كان انعكاسًا لما بداخلها. أمسكت رأسها بيديها، ودموعها تغرق وجهها، وهي تجاهد لفهم ما آلت إليه حياتها.


((خلال الفترة الأخيرة))


بدأت الحياة بين سليم وماسة تأخذ منحنى خطير،، أصبحت مليئة بالكثير من الشجارات، وكأن كل كلمة تخرج من فم أحدهما تؤدي إلى خلاف جديد. كانت ماسة تشعر بحزن داخلي وضغط عاطفي، تجرأت في لحظات غضبها أن تقول لسليم: "إذا لم يعجبك ذلك طلقني." كان صوتها يحمل مزيجاً من القهر و اليأس كأنها تبحث عن حل لحالتها المأساوية، لكنها في نفس الوقت تدرك تماماً أن الأمر لن يكون بهذه البساطة.


جناح سليم وماسةالعاشرة مساءً 


كان سليم جالسًا على المقعد أمام ماسة، التي كانت جالسة على الأريكة، تتطلع إلى الفراغ بينما هو يتحدث بحماس عن مشروع جديد يخطط له. كان يشرح التفاصيل بثقة، منتظرًا أن تسمعه رأيها وتعلق عليه، كما كانت تفعل دائمًا. لكنه لاحظ أنها شاردة تمامًا، عينيها معلقتين في نقطة غير واضحة، وكأنها لم تسمع أي شيء مما قاله.


سليم بضيق وهو يغلق الملف أمامه: ماسة؟!


لم ترد.


سليم بنبرة عالية وهو يضرب بيده على الطاولة: ماسة! أنا بكلمك!


رفعت رأسها ببطء، وكأنها كانت في عالم آخر. ها؟


سليم بعصبية: بقول لك أنا بكلمك، مابترديش عليا ليه؟!


ماسة بارتباك وهي تفرك عينيها: معلش... ماكنتش واخدة بالي.


تلك الجملة كانت كفيلة بإشعال غضبه أكثر. شعر وكأنها لم تعد هنا، وكأنها لم تعد تهتم حتى بالاستماع إليه.


نهض سليم بعصبية: أنا زهقت! زهقت من طريقتك دي ومن الحياة دي! إيه اللي انتي فيه ده؟!


هزت ماسة كتفيها ببرود: اللي أنا فيه ده إنت السبب فيه! من أكتر من شهرين قلت إنك هتودّيني أعيش عند ماما، وماحصلش!


سليم بتحدي: قلت لك هودّيكِ! بس هو لازم شهرين بالضبط؟؟


ماسة بحدة وعيون مليئة بالغضب: لا شهرين ولا عشر شهور حتى هتنفذ كلامك، أنت بتقول كلام وبس! إنت عايز تحبسني في زنزانتك دي وبس!


اقترب سليم منها بصوت يزداد حدة: بقول لك إيه، أنا كده، وهي دي حياتي وهي دي عيشتي!


ماسة بهدوء قاتل، عيناها مغروسة في عينيه مباشرة، وكأنها تقتلع الكلمات من أعماقه: زي ما هي دي حياتك، أنا كمان هي دي حياتي.، لو مش عاجبك، طلقني .. صمتت لحظه ثم قالت:

أنا بقولك بجد، مطلقني يا سليم، وخلينا نخلص. أنا زهقت. طلقني يا سليم ، أنا عايزة أطلق، والمرة دي بجد مش متعصبه.


كان الصوت هادئًا، لكن وراءه كان يختبئ بركان. لم تكن هذه مجرد كلمات، بل كانت صرخة داخل قلبها المكسور، تحمل بين طياتها كل ما عجزت عن قوله طوال الفترة الماضية.


ساد الصمت فجأة. نظراتهما اشتبكت في تحدٍ خفي، لكن هذه المرة، شعر سليم بشيء مختلف. لم تكن ماسة تهدده أو تحاول استفزازه... بل كانت جادة. كان هذا جرس إنذار مدوي يخبره أن الأمور قد خرجت عن السيطرة، وأنه  على وشك خسارتها حقًا.


نظر سليم داخل عينيها، وقال وهى تك على كلامه: عايزة تطلقي يا ماسة، مش أول مرة تقوليها.


ماسة بقهر: إنت هديت أملي الوحيد، اني ممكن أروح أعيش عند ماما بعد ماوافقت، ماخدتنيش.


سليم: هو أنتي مش قلتي لي لو رحنا هناك هتلاقي حد يدافع عنك، وسعدية هتفضل تضايقك؟


نظرت له ماسة، نظرة ساخرة، ثم قالت بابتسامة جافة: والله أنت بتقول أي حاجة. عموماً أنا قلت اللي عندي. هي دي طريقة حياتي، وهي الطريقة اللي هعيش بيها. ما قداميش أي حاجة تانية أقدمها لك.هي كده يا ننهي كل حاجة يا سليم.


تبادلا النظرات لحظات بحزن شديد..

ثم تركته، ودخلت الحمام وأغلقت الباب وراءها وجلست على الأرض خلف الباب تبكي، بينما توقف سليم في المكان للحظة يحاول ان يستوعب ماحدث بقلب ينفطر، خرج خارج الغرفة هبط حتى الحديقة، أخذ يتحرك بين الزهور والأشجار، يفكر في كل شيء حدث بينهما خلال الفترة الأخيرة كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد؟ حتى أنها طلبت الطلاق منه. كان يشعر أن النهاية قد اقتربت، وأنه ربما فقدها للأبد. تذكر حديث والدها عندما قال له إن السيدات يصمتن كثيرًا، لكن عندما ينفجرن، يكون قد وقع المحظور. كما تذكر عندما قال له أن ماسة تصمت طويلًا، ولكن عندما تغضب، يصعب احتواؤها.


كان سليم في حالة من التشتت الشديد، يشعر بالحيرة والخوف هي لا تعلم مدى خوفه عليها يخشى عليها لو خرجت يحدث لها شيء.لا يستطيع المغامرة بحياتها، كان يتخيل أسوأ السيناريوهات التي قد تواجهها في الخارج. كل فكرة كانت تزيد من قلقه، وكل لحظة كان يحاول أن يجد حلاً، لكنه كان لا يستطيع اتخاذ قرار واضح.


اثناء ذلك، كان مكي في الحديقة يدخن سيجارة. بعد قليل، اقترب من سليم.


توقف سليم بجانبه،وبصوت منخفض وحزين: أنا عايز أتكلم معاك.


التفت مكي له بتساؤل وقلق: مالك يا سليم؟


مسح سليم وجهه بحزن: مافيش... متخانق مع ماسة لدرجة... إنها طلبت الطلاق.


مكي بضجر: هو ده اللي كنت خايف منه... قلت لك ماسة هتتحمل، بس هيجي عليها وقت... وتنهار.


أغمض سليم عينيه لحظات، وتنهد فتحها ونظر لها بمرارة: مش أول مرة تقولها، بس المرة دي... حسيت إنها مصممة. في الأول كانت بتقولها في وسط الكلام... كانت تقول لي لو مش عاجبك طلقني. لكن المرة دي... وقفت، حطت عينيها في عيني وقالت لي: طلقني يا سليم. ماسة خلاص بتروح مني.


فكر مكي لحظة، ثم سأله: وأنت قررت تعمل إيه؟


تنهّد سليم مرة أخرى بألم: قررت إني هخليها تخرج، بس مع شوية شروط.


مكي متعجبًا: وأيه هي الشروط؟


سليم يتكلم بصوت هادئ، لكنه حاسم: هقولك، بس المهم تبدأ تحضر نفسك عشان يوم السبت ماسة هتروح الجامعة وتحضر المحاضرات.


أشار مكي بيده مستغربًا: طب ليه معملتش كده من الأول؟ ليه وصلت نفسك للنقطة دي يا سليم؟


سليم بصوت واثق، ولكنه محمل بالندم: ما أنت عارف... أنا خفت عليها.


مكي باستهجان: كان ممكن تعمل نفس الشروط اللي بتقولها لي دي.


سليم بابتسامة مريرة: خلاص بقى... المهم تسمعني كويس عشان أقول لك الشروط... لأن في حاجات لازم أنت تعملها.


ضحك مكي: سامعك يا مجنون.


جناح سليم وماسة.


كانت ماسه تجلس على الاريكة تشاهد التلفاز بعد خناقتها مع سليم، فجأة دخل سليم الغرفة وجلس أمامها، مرر عينه عليها بصمت وهي تشاهد التلفاز فقط دون اكتراث له. 


سليم بهدوء: ماسة، أنا قررت أدخلك الجامعة عشان تخرجي شويه من الحالة اللي إنتي فيها دي وهسيبك كمان تخرجي براحتك مع أصحابك وتروحي لمامتك.


نظرت ماسة له بصدمة وتلعثم: إيه ايه؟ إانت بتقول ايه!


سليم: زى ماسمعتي.


ماسة باندهاش يبدو أنها مازالت لا تصدق عدلت من جلستها: و ده من ايه وليه؟!


سليم بحزن: علاقتنا بقت بتبوظ كل يوم أكتر من اليوم اللي قبله وانا مش عايز ده.


نظرت ماسة أمامها قالت بجمود: إنت السبب.


سليم بعقلانية: مش مهم مين السبب دلوقت المهم الحل. يمكن دخولك الجامعة يغير حاجة، حتى لو حاجة بسيطة بس في شرط واحد.


نظرت له ماسة بعدم تصديق: انت بتتكلم جد يا سليم.


سليم بتأكيد: أيوه بس عندي شروط.


ماسة بسعادة: مش مهم أي شروط، أنا موافقة. المهم إني أدخل الجامعة وأخرج وأشوف الناس.


سليم بنبرة جادة: أول شرط، أنا اللي هوديك الكلية وهجيبك منها.


هزت ماسة رأسها بإيجاب: موافقة.


سليم: الحراس هيرافقوك في المحاضرات، ومكي هيبقى معاكي طول الوقت.


ماسة بعين ترقرقت بدموع الفرح: موافقة.


سليم: أما بالنسبة لخروجك مع سلوى ومامتك وأصحابك، هكون أنا معاكي.


ماسة بقلة حيلة: موافقة يا سليم، بس عندي من صحباتي متجوزين، مش شايف إنه ماينفعش تقعد معانا، إحنا بنات.


سليم بتوضيح: لا، مش هقعد معاكي على الترابيزة. هقعد مع الحراس بتوعي، كأني جارد ليكي.


ماسة: يا حبيبي، كفاية مكي.


سليم بجمود: ده كل اللي عندي، عايزة تخرجي،أنا هكون معاكي، هتكون رجلي على رجلك دي شروطي. 


هزت ماسة رأسها بإيجاب: موافقة على أي حاجه تقولها والله العظيم.


سليم: والأهم من ده كله، هتلبسي دي..أخرج لها إسوارة فضة.


ماسة: نظرت للإسوارة باستغراب: إيه دي؟


سليم: إسوارة فيها جهاز تتبع، ولما تحبي تخرجي، لازم تبلغيني قبلها بيومين عشان أجهز المكان.


ماسة: حاضر يا سليم، هعمل لك كل اللي عايزه، المهم أخرج وأشوف البشر.


سليم بجمود: كده اتفقنا،الترم الأول، هخليكي تنجحي فيه، ماتشيليش هم.


ماسة: ماشي.


سليم بحب: أنا بعمل كل ده عشان ماخسركيش يا ماسة. أتمنى تقدري ده.


ماسة بسعادة: مقدرة والله يا سليم شكراً.


أومأ سليم برأسه موافقًا، دون أن ينطق بكلمة، وتركها وتجه نحو الشرفة.


وخلال يومين كاملين، لم يجرِ بينهما أي حديث.

كانت ماسة في غاية السعادة لأنها ستعود إلى الجامعة أخيرًا، لكنها حرصت على تجنّب الحديث مع سليم، تخشى أن تتسبب أي كلمة منها في إثارة مشكلة تدفعه إلى التراجع عن قراره، حتى هو لم يحاول فتح أي نقاش معها كان يتلاشى التحدث معاها وكان يشعر بألم بسبب طلبها الطلاق وتلك الطريقه وانا ابتعادهم عن بعض بالنسبه لها شيء عادي.


حتى جاء اليوم الموعود.


جناح سليم وماسة الثانية عشر صباحاً 


نرى ماسة تتوقف في منتصف غرفة الـدريسنج، تتنقل بحماس بين الرفوف، تخرج الملابس واحدة تلو الأخرى، تقلبها بين يديها بعينين لامعتين. غداً ستذهب إلى الجامعة، وأخيراً ستحلق خارج أسوار سجنها الذهبي. كانت كالفراشة، خفة وسعادة، تنثر الحياة حيثما تحركت، وابتسامتها التي غابت طويلاً أشرقت من جديد.


على الأريكة، يجلس سليم يراقبها بصمت، عيناه تتابعان كل حركة لها، وابتسامة خفيفة تتسلل إلى ملامحه، لكنها لم تصل إلى عينيه. بدا متجمداً، كأن شيئًا يعتصره من الداخل. قلبه يضج بمشاعر متناقضة فرح برؤيتها سعيدة بعد فترة، لكن الغصة في صدره كانت أقوى. كيف لها أن تبتسم هكذا بعدما طلبت الطلاق؟ كيف تتحرك بخفة وكأنها تتحرر منه؟ لم يكن يريد أن يحبسها، لكنه أيضًا لم يكن مستعدًا لخسارتها.


تقدمت ماسة نحوه وهي تحمل فستانين، وعيناها تلمعان بالحماس: ده ولا ده؟


رفع سليم نظراته الباردة، تأمل الخيارين للحظة ثم قال دون تردد: الأزرق.


قطبت ماسة جبينها بحيرة: لا... هلبس بنطلون وقميص افضل.


سليم: امال كنت بتساليني ليه من الاول 


لم ترد عليه فقط استدارت عائدة إلى خزانتها، وأخذت تبحث مجدداً عن ملابس مناسبة، ثم خرجت تحمل خياراً آخر، ولوّحت به أمامه: هاه، اختار؟


ألقى عليها نظرة سريعة، ثم أشار إلى واحد منهما:

سليم: ده حلو ومريح.


ماسة بابتسامة: تمام!


اقتربت منه وهي تمسك الطقم، ثم رفعت رأسها نحوه، صوتها هذه المرة كان أهدأ، ممتلئ بالسعادة: أنا فرحانة أوي...


نظرت إليه، كأنها تنتظر رد فعل، لكنه ظل صامتاً، نظراته غامضة، وجهه متجهم احتضنته بحذر، تهمس بصوت خافت:

شكراً ليك... على اللي عملته عشان أروح الكلية... أنا عارفة إن ده مش سهل عليك.


جسده لم يتحرك، لم يبادلها العناق، لكنه أيضاً لم يبعدها. عينيه حملتا تعبيراً متعباً، نظرة مرهقة بداخلها عتاب وخذلان  لم ترها فيهما من قبل.


تراجعت ماسة قليلاً، وسحبت يدها بهدوء، نظرت إليه مطولاً كأنها تحاول فك شفرته، قبل أن تقول بصوت متردد:

أنا عارفة إنك زعلان مني... بس ده كان لازم يحصل. أنا مش قادرة أعيش كده، مش قادرة أكون محبوسة أكتر من كدة تعبت.


أطلق سليم تنهيدة ثقيلة، مرر يده على وجهه بتعب:

خلاص يا ماسة... بلاش نتكلم في الموضوع ده.


شعرت بالضيق من بروده، قالت بحدة خفيفة: إنت بقالك يومين مش بتتكلم معايا خالص، كأنك بتتلاشاني. في إيه بالضبط؟ مادام الموضوع مضايقك كده، خلاص، عادي! ماروحش الكلية، بس والنبي افرد لي وشك شوية. 


نظر إليها سليم بجمود، ثم زفر ببطء، رد بصوت منخفض لكن حاد: أنا هتلاشاكي ليه؟ بطلّي كلام مالوش لازمة، إنتِ تهميني، مش عايز أخسرك.


ارتبكت للحظة، لكنها لم ترد، حتى أكمل بجملة جعلتها تشعر بانقباض في صدرها: اللي مزعلني بس... كلمة (طلقني) وازاي قدرتي تنطقيها بحاول أتجاوزها، بس صدقيني صعب.


بلعت لعابها بخجل و توتر، شعرت بوخزة ندم لكنها لم تتراجع، بل قالت بصدق: أنا ماقصدتش أجرحك... بس كنت مضغوطة.


نهض من مكانه فجأة، كأنه يريد الهروب من هذه المحادثة، ثم نظر إليها نظرة سريعة وقال ببرود:

بقولك إيه سيبك مني، المهم بكره هتخرجي وتتحرري، زي ماكنتِ عايزة افرحي.


رفعت حاجبها بسخرية خفيفة، ثم استدارت لتكمل بحثها في الخزانة وهي تهمس بصوت بالكاد يُسمع:

صح... خليك إنت في نكدك ده!


تشنج فك سليم، جزّ على أسنانه بضيق، لكنه لم يعلّق... فقط نظر إليها نظرة طويلة، قبل أن يستدير بدوره ليغادر الغرفة.


في صباح اليوم التالي السابعة صباحاً 


كانت ماسة تقف أمام التسريحة، ترتدي ملابسها بعناية، وتضع مستحضرات التجميل بدقة. كان شعرها منسدلًا على كتفيها، وجمالها لا يوصف.

خرج سليم من المرحاض فجأة وظهر أمامها.


سليم معلقًا: لبست بسرعة كده ليه


أجابته ماسة: وملبستش بسرعة ليه؟


نظر سليم في ملامحها بدقة: خففي المكياج شويّة


ماسة، بينما تضع أحمر الشفاه: مش هينفع، وشّي باهت جدًا.


سليم بحسم: أنا قلت خففي مكياج، مش عايز كلام كثير.


نظرت له ماسة بحنق وقالت في نفسها: يخرب بيت تحكماته.


بدأت تخفف من مستحضرات التجميل، ثم نظرت له برخامه وقالت: حلو كده.


أدار سليم وجهه في اتجاه آخر، وهو يكمل ارتداء ملابسه دون أن ير

أخذت ماسة حقيبة يدها وقالت: هستناك تحت.


وبالفعل، هبطت بسرعة للأسفل، وتوقفت عند باب الفيلا، حيث شعرت بحماس شديد.


خرجت فريدة من الباب الجانبي، وشهها مليان دهشة: إيه ده؟ صاحيـة بدري؟ ولابسة؟ وشكلك خارجة؟ ولا أنا بتهيألي؟


ابتسمت ماسة: لأ مش بيتهيألك، أنا رايحة الجامعة… أخدت إفراج.


فريدة بدهشة: بتتكلمي جد؟


ماسة بحماس: آه والله، سليم وافق أروح الكلية النهاردة… أول يوم ليا.


فريدة فرحت: والله دي أخبار جميلة! مبروك يا حبيبتي. حاولي تنتظمي، وتنامي بدري. صحتك أهم حاجة.


ماسة بهدوء: اللي ماعندوش حاجة يعملها، طبيعي يحس إن حياته فاضية.


فريدة لمست كتفها بلطف: انسي اللي فات، وركزي في دلوقتي.


نزل سليم من اعلى، أنيق كالعادة.


فريدة: صباح الخير يا سليم


سليم: صباح النور يا فريده 


فريدة بابتسامة خفيفة: اللي إنت عملته صح.


هز سليم راسه بصمت ثم قالت: فريده هو انتم مش هتفطروا؟!


سليم:  فطارنا في اوضتنا ما تتاخروش عشان الاجتماع، ومد إيده لـ ماسة: بعد إذنك يا فريدة.


هزّت فريدة رأسها ثم تركتهما ينصرفان.


وفي الخلف، كانت إحدى الخادمات تراقب المشهد، وقد سمعت كل شيء.


أسرعت إلى صافيناز وأخبرتها بما جرى، ليتغيّر وجه الأخيرة على الفور ما إن سمعت الخبر.


في سيارة سليم.


جلست ماسة في المقعد الخلفي، إلى جوارها سليم . 

عيناها مشدودتان إلى نافذة السيارة، تستنشق هواء الشارع وكأنها تتنفس من جديد بعد عام ونصف، في القصر. قلبها يدق بسرعة، وكأنها خارجة لتوها من سجن طويل.


ماسة بفرحة تخرج من قلبها: أنا حاسة إني هتجنن... مش مصدقة إني شفت الشارع أخيرًا... حاسة إني بحلم، مش مصدقة... بقالي أكثر من سنة ماشفتش الشارع، سنة وخمس شهور... يا نهاري.


كان مكي يجلس بجانب السائق، مبتسمًا وهو فرحًا لأنها أخيرًا تحررت. أما سليم، فكان سعيدًا في قلبه، لكن وجهه كان متجمدًا، يحاول إخفاء مشاعره، فلايزال يشعر بالحزن بسبب طلبها الطلاق. كان يعرف أنه أخطأ في حقها، لكنه لم يقتنع أن تلك الأخطاء تجعلها تطلب الطلاق.


ماسة بحماس: لسه فاضل كتير على الكلية؟


مكي بابتسامة: لا، خلاص قربنا، دقيقتين.


نظر سليم إليها بجدية، لكن عينيه مليئتان بالحزم: ماتنسيش اللي أنا قلته ليكي، تخلصي المحاضرات، هتلاقيني مستنيكي وانت يا مكي، عينك عليها.


مكي بجدية: ماتقلقش ياسليم


ماسة بإبتسامة: أوعى تكون قلت لسلوى حاجة! والله هزعل منك.


مكي بابتسامة مطمئنة: والله ماقلت لها حاجة.


ماسة بفرحة: هتبقى مفاجأة حلوة اوي.


وبعد دقائق وصلوا إلى الجامعة، ونزلت ماسة مع سليم ومكي والحراس. كان الجو في الجامعة مختلفًا عن كل ماعاشت فيه، وكل شيء كان يبدو جديدًا ومثيرًا.


مكي: هكلم سلوى، عشان تستناني قدام الباب. كليتها بعيدة شوية عن كليتك.


ماسة: ماشي.


سليم ممسكًا بيدها بلطف وقلق: خدي بالك من نفسك، مفهوم؟ والمسدس في شنطتك، مايتشالش.


ماسة بإصرار وهي تضع يديها على حقيبتها: حاضر، والله في شنطتي.


سليم بجدية وتنبيه أشار بأصابعه: ماتتكلميش مع حد، ولا تشربي حاجة من حد. لو جعانة، خلي الحراس يجيبوا لك الأكل. ودوقيهم الأكل قبل ماتاكلي، وتستني نص ساعة وتركزي في ملامحهم لأن تأثير السم مابيبنش غير بعد وقت  فلازم ناخذ احتياطاتنا .. صمت للحظه ثم قال: ولا اقولك ماتطلبيش غير من مكي. 


ماسة بتأكيد: حاضر يا سليم، متخافش.


سليم وهو ينظر في عينيها: والأسورة... ماتتقلعش من إيدك مهما حصل، لأني هعرف.


ماسة بابتسامة هادئة: حاضر.


سليم يبدو قلقًا: هتخلصي الساعة 6، هتلاقيني قدامك.


ماسة بابتسامة: ماشي.


نظر سليم لمكي: مكي، عينك عليها.


مكي بتأكيد: متقلقش.


نظرة سليم كانت مطولة لماسة قبل أن يصعد السيارة ويغادر مع عشري، الذي صعد مكان مكي بينما الحراس يتبعونهم.


دخلت ماسة من باب الجامعة وكان بجانبها مكي وخلفها الحراس. نظرات الطلاب كانت ترتكز عليها، يتساءلون عن هذه الفتاة التي تحمل حراسًا في حرم الجامعة. كانت ماسة غير منتبهة، لأنها كانت مشغولة بالسعادة التي تملأ قلبها. أخيرًا، خرجت من القصر، وتحقق حلمها في أن تكمل تعليمها وتعيش الحياة الطبيعية التي كانت تتوق إليها.


كأنها تتحدث وتقول في داخلها: أنا حرة... مش مصدقة إني مش في القصر. 


في ساحة الجامعة، تلتقي ماسة بسلوى


سلوى تقترب ببطء، عيونها مليئة بالدهشة: مستحيل... مش مصدقة، أنا في حلم والا في علم؟


ماسة بابتسامة واسعة: في علم وفي حرية، الحمد لله... أخيرًا، أخيرًا يا سلوى! 


ضما بعضهما بشوق ابتعدت سلوى وهي تمسك يد ماسة وتمرر عينيها قالت: سليم حررك مش مصدقة


ماسة بسعادةمتأثرة: والله العظيم يا سلوى انا كمان مامصدقة.


نظرت سلوى خلفها على الحراس: طب، دول بيعملوا معاكِ إيه؟


ماسة بابتسامة ساخرة: هيحضروا معايا المحاضرة، ده الشرط الوحيد.


سلوى بتعجب: بتهزري؟! والله؟!


ماسة: أكيد مابهزرش.


نظرت سلوى لمكي: وانت ليه ماقلتليش؟ مش كنت عندي امبارح.


ابتسم مكي : ماسة حبت تعملها لك مفاجأة، الموضوع مافتش عليه يومين. 


سلوى وهى تسحب ماسة من كفها: طب تعالي الكافتيريا احكي لي عشان أنا مش فاهمة حاجة. 


ماسة: مكي ممكن يفهمك، أنا لازم أحضر المحاضرة، مش هقدر أضيعها. لازم أشوف بيبقى عامل إزاي متحمسة تعالي معايا ولا مينفعش..


سلوى ضاحكة: يا بنتي طول ما معاكي مكي تدخلي أي حتة. 


ابتسم مكي وعدل ياقة قميصه بمزاح


ثم تحركوا نحو كلية الآثار ودخلوا المدرجات. كانت أعين الطلاب عليهم بشكل غريب. ماسة وسلوى جلستا في أول بنج بمفردهما، وخلفهم جلس أحد الحراس.وبجانبهم يتوقف مكي، بينما هناك حراس يحرسون الباب. كانت تلك الصورة ملفتة لدرجة أن الطلاب كانوا يتساءلون إذا كانوا من أولاد الرؤساء أو الشخصيات المهمة من أجل الحماية الكبيرة.


كانت ماسة تستمع للمحاضرة بتركيز وسعادة، وبعد انتهائها، خرجت هي وسلوى وجلسوا على إحدى الطاولات مع مكي والحراس يتوقفون خلفهم.


سلوى متعجبة: احكي لي بقى، إزاي سليم فك أسرك بعد كل الفترة دي والجنون ده؟


ماسة تنهدت بابتسامة: مافيش، الفترة الأخيرة كان بيحصل بنا خناقة كبيرة، لدرجة إني طلبت الطلاق، خرج شوية في الجنينة، ورجع لي قال لي إنه قرر يوديني الكلية. الكلام ده من 3 أيام، يوم الأربعاء.


سلوى بتهكم: لا، بقولك إيه؟ فهميني بالراحة بتفاصيل 


ماسة: احنا في الفترة الأخيرة..


اخذت تشرح لها كلما حدث


سلوى وهي تزم شفتيها بضيق: يا نهار أبيض يا بنتي! انا قولتلهم إنك دخلتي في اكتئاب محدش صدق، وإنك تعبانة، مش عايزة تقولي... كويس إنه عمل كدة بس الشروط أوفر اوي؟!

نظرت لمكي باستهجان قالت: 

كلمه يا مكي مش صحبك ماحدش بيعرف يلم الراجل ده. 


مكي بعقلانية: أهم حاجة انه خرجها. الحاجات الثانية مش مهمة مع الوقت هنقدر نسيطر عليها احنا ماصدقنا بلاش طمع.


سلوى بستنكار: ماشي بس برده ازاي يحضر معانا الخروجات يعني واحنا بنات مع بعض.


مكي: هيقعد معايا على ترابيزه تانيه جنبكم كأنه حارس.


سلوى زمت شفتيها: بصراحة الموضوع صعب.


اربتسمت على شفتي ماسة ابتسامة حزينة لم تصل الى عينيها فهي مستعده أن تتنازل عن أي شيء في سبيل خروجها من ذلك السجن الذهبي: يا ستي، ده لو هيلبسني، قميص مضاد للرصاص. والله هوافق.


سلوى وهي تزم شفتيها بضيق: هو بصراحه عنده حق بس  حاسة ان الشروط كتير


تبسمت بسعادة وامسكت يد ماسة بحماس:

مش مهم، المهم إنك خرجتي وهنتقابل ونخرج سوا، وهنختار الحاجات بقى اللي ناقصاني عشان خلاص احنا بنفنش في الفيلا. 


ماسة بحماس: أكيد أول حاجة هنعملها.


سلوى وهي تنهض: طيب، أنا هروح دلوقتي عندي محاضرة، وعايزة أكون مستعدة بما إنك يعني ناوية تكملي المحاضرات النهارده مش هنقعد نرغي فانا كمان هاروح ونتقابل لما نخلص.


ماسة بحماس: ماشي نفسي اتعرف على على البنات يبقى لي اصحاب..


سلوى مبتسمة بلطف: هعرفك على أصحابي، وهتلاقي نفسك بتتعرفي. ماتقلقيش، أنتِ هتبقي حديث الكلية النهاردة بسبب الحراسات، أكيد البنات هيسألوني، وأنا هعرفك عليهم، بقول لك ايه انا هخلص الساعه٦ وانتي؟ 


مكي أجابها: هتخلص الساعة 5 ونص.


سلوى: خلاص، استنيني بقى نمشي.


ماسة: حاضر.


تحركت سلوى إلى المحاضرة بعد أن صافحت مكي.


ماسة: بقول لك إيه يا مكي، عندي محاضرة صح؟


مكي: بدأت من ربع ساعة.


ماسة: طب خلينا نحضرها.


وبالفعل نهضت إلى المدرج. أكملت ماسة المحاضرات، وبينما كانت تستمع بتركيز، كانت مشاعر الحرية تملأ قلبها بعد سنة ونصف من العزلة. هي ليست متحمسة لكي تحضر المحاضرات، لكنها متحمسة لكي تشعر بالحرية أكثر.


(( بعد وقت ))


نرى ماسة تسير بين الممرات، تحمل كتبها بين يديها، بينما يتحرك خلفها مكي وحارسان. وعندما طلبت شيئًا ساخنًا لتشربه، قام مكي بنفسه بشرائه. كلما تحركت، كانوا خلفها، مما جعلها تتنهد بضيق قبل أن تستدير، لتجد مكي يقف أمامها مباشرة، شهقت قبل أن تقول بضجر:


ماسة بشدة: هو في إيه؟ هو أنتم عاملين زي الديل كده ليه؟ ماتبعدوا شوية!


اقترب منها مكي، ولم يكن بحاجة لأن يأمر الحراس بالتراجع، فقد عادوا للخلف تلقائيًا بضع خطوات. نظر إليها بهدوء وهمس: ماسة، ده اللي اتفقنا عليه... ودي أوامر سليم.


رفعت ماسة حاجبيها بدهشة:  أوامر سليم؟ ماشي بس مين اللي هيقوله لو بعدتوا حبة صغيرين؟


مكي بهدوء وعقلانية: يا ماسة ارجوكي ماتخليش يحصل مشكلة اسمعي الكلام.


تنهدت ماسة وهي ترد برجاء:يا مكي، ما أنا بسمع الكلام، بس ابعدوا شوية... كم خطوة بس. بص، اقفوا في نفس المسافة بتاعة الحراس.


نظر مكي خلفه للحظة ثم عاد إليها وقال بحزم:

لا، كثير... تراجع خطوتين، كده حلو، أكتر من كده لا. ماسة، أرجوكِ.


زفرت ماسة باختناق: ماشي


أكملت سيرها. فجأة، ليصطدم بها شاب، فتسقط كتبها أرضًا.


قال الشاب معتذرًا وهو ينحني ليجمع الكتب:

آسف جدًا، ماكنتش واخد بالي.


مد يده ليساعدها على النهوض، لكنها لم تمدها


من بعيد، كان سليم يراقب المشهد. عيناه تضيقان، أنفاسه تثقل، شرار الغضب يتطاير منه وهو يرى يد الشاب تمتد نحوها. ملامحه تصلبت، جسده تجمد في مكانه، كان أشبه ببركان على وشك الانفجار.


تحرك مكي والحارسان نحوها بسرعة: ماسة هانم، انتِ كويسة؟


أشارت ماسة بيديها وهي ترد بارتباك: بس... بس، مفيش حاجة، اهدوا.


نظر الشاب إليهم وقال: أنا آسف.


ابتسمت ماسة بلطف: عادي، ولا يهمك.


ابتسم الشاب وهو يناولها الكتب متسائلا بتعجب: الصراحة، أول مرة أشوف حد هنا جايب جاردات معاه!


ضحكت ماسة بخفة دون تعليق، بينما تابع الشاب مبتسمًا: انتي سنة كام؟


أجابت ماسة ببراءة وهي تأخذ الكتب: أولى آثار.


انضم شاب آخر إليهم، نظر إلى ماسة باهتمام قبل أن يسأل: أنتي في آثار معانا؟


هزت رأسها مؤكدة:  أها.


لكن قبل أن ترد بكلمة أخرى، دوّى صوته خلفها كالقنبلة... نبرة ثقيلة، باردة، مشحونة بتهديد مخيف: مـــاسة.


كأن تيارًا كهربائيًا ضرب جسدها، اتسعت عيناها، تجمدت أنفاسها، وسقطت الكتب من بين يديها مرة أخرى.


تبادل الشابان النظرات، شعر كلاهما بثقل الجو، فتراجعا خطوة للخلف. أما ماسة، فابتلعت ريقها بصعوبة، بينما قلبها يقرع الطبول في صدرها. التفتت ببطء، عيناها ترتعشان، لتقابل نظراته العاتية.


سليم لم يتحرك، لم يرفع صوته، لكن عينيه كانتا كافيتين لإشعال الرعب في أوصالها... وفي أوصال كل من حولها.

رجاء محدش ينسى يضغط لايك عشان تساعد الروايه تنجح لو يهمك واستنيه توقعاتكم سليم هيعمل ايه.


    الفصل الخامس والستون ج1 من هنا 

   لقراءة جميع فصول الرواية من هنا


تعليقات