رواية الماسة المكسورة الفصل الخامس والستون 65 ج1بقلم ليله عادل

رواية الماسة المكسورة

الفصل الخامس والستون 65 ج1

بقلم ليله عادل


{"~نسير بخطى ثابتة، لكن الأرض تحتنا لم تعد كما كانت. شيء ما يتغير بهدوء، كأن الريح تهمس بشيء لم نفهمه بعد. نحاول التمسك باللحظات الهادئة، لكن في الداخل ندرك أن القادم قد يحمل ما يعكر صفو هذا السكون.~",}

              [بعنوان: سكون مضطرب]


قبل أن ترد بكلمة أخرى، دوّى صوته خلفها كالقنبلة... نبرة ثقيلة، باردة، مشحونة بتهديد مخيف: مـــاسة.


كأن تيارًا كهربائيًا ضرب جسدها، اتسعت عيناها، وتجمدت أنفاسها، وسقطت الكتب من بين يديها مرة أخرى من الخوف.


تبادل الشابان النظرات، شعر كلاهما بثقل الجو، فتراجعا خطوة للخلف، أما ماسة، فابتلعت ريقها بصعوبة، بينما قلبها يقرع الطبول في صدرها، التفتت ببطء، عيناها ترتعشان، لتقابل نظراته العاتية.


تحرك سليم وتوقف أمامها بصمت لكن عينيه كانتا كافيتين لإشعال الرعب في أوصالها... وفي أوصال كل من حولها .. أما الحراس ومكي، ما إن رأوه، حتى هرعوا إليه ..


سحبها سليم من يدها دون ان ينطق بكلمة واحدة ثم توقفا بعد خطوات.


نظر لها سليم باتساع عينه تسأل بغيرة وغضب تحدث من بين أسنانه: مين إللي واقفة معاهم دول؟


بلعت ماسة ريقها، تحاول الحفاظ على ثباتها، رغم أنها كانت تشعر أن الأرض تهتز تحت قدميها قالت بتلعثم:

م ...م... مش مش عارفة، زملاء معايا... لسة كنت بتعرف عليهم.


كلماتها زادت غضبه، فضاقت عيناه وأنقبض فكه كأن النور سيفلت منهما. جاء صوته حادًا وقاسيًا:

هو إنتي مجنونة ولا بتستهبلي؟ إنتي سامعة إنتِي بتقولي إيه؟


ارتعش جسدها رغماً عنها، مكي حاول التقدم خطوة ليهدئ الموقف، لكن نظرة واحدة من سليم جعلته يقف مكانه دون أن ينبس بحرف.


حاولت ماسة أن تتحدث، أن تجد أي شيء تقوله لتخفف من حدة الموقف، لكن عقلها كان فارغًا تمامًا. قبل أن تجد فرصة لتبرر قال سليم.


زفر سليم أنفاسه وتنهد بضجر: عموماً ده ولا مكانه ولا وقته، يلا.


أمسك يدها وسحبها إلى السيارة بصمت. جلس داخلها بهدوء ثقيل، لا يكسره سوى صمته. طوال الطريق، لم ينطق بكلمة حتى وصلا إلى القصر.

💞_________________بقلمي_ليلةعادل 


قصر الراوي 


جناح سليم وماسة، السادسة مساءً 


وصلا إلى جناحهما في القصر، و وقف سليم في المنتصف كأن العالم كله سيحترق من شدة غضبه.


نظر إلى ماسة، وعينيه تشتعلان شررًا، وسألها بلهجة حادة: قلتيلي مين إللي كنتي واقفة معاهم دول؟


حاولت ماسة أن تتحدث بهدوء، لأنها تعرف أنها في موقف صعب. فـإذا عاد سليم في قراره بعدم خروجها مرة أخرى، ستكون هي الخاسرة. 


ابتلعت ريقها قالت بهدوء: والله يا سليم، زي ماقلت لك، أنا لسة معرفهمش. أنا كنت ماشية...


قاطعها سليم بشدة، صوته كالصاعقة: أنا ماسألتكيش علشان تحكي لي تفاصيل.


ماسة بتوضيح: لا، إنت سألتني من دول، فأنا بجاوبك دول مين؟


نظر سليم إليها بنظرة حادة: وإيه إللي يخليكي تسلمي عليهم؟ يا أستاذة ماسة...


رفعت ماسة كتفها: عادي، مافيش مشكلة لما أتعرف عليهم، ويبقى لي زملاء...


اقترب سليم منها بنبرة جادة حاسمة: لا فيه مشكلة وكبيرة كمان يا أستاذة ماسة يا محترمة، يبقى ليكي زميلات بنات، لكن زملاء شباب!! غير مسموح، فاهمة..


أشار في وجهها بحسم وهو ينظر داخل عينيها:

أوعي! عارفة يعني إيه توعي، أول وآخر مرة يا ماسة، علشان لو عدتيها تاني، صدقيني هاتندمي!! 


غضبت ماسة قليلاً ورفعت صوتها: ماتبطل بقى أسلوبك بتاع التهديد ده!


سليم بصرامة كأنما لا يستمع لها: مافيش حاجة اسمها يبقى ليكي أصحاب شباب،صاحبي بنات، غير كده لأ،.. قولي حاضر،  بعدين مش ماما معلمانا من وإحنا أطفال عيب نكلم ولاد وحرام!! إيه إللي جد بقى؟؟ 


تنهدت ماسة وقالت بحزن: حاضر، ياسليم، هعمل كل إللي إنت عايزه، إنت صح، أنا أسفة.


نظر سليم إليها نظرة ثابتة: دول من ضمن الشروط، فاهمة؟


صمتت ماسة للحظة، ثم حاولت تغيير الحديث، فاقتربت منه ووضعت يديها حول رقبته، وقالت بدلال:

بس إنت عارف، الجامعة كانت جميلة أوي، واليوم كان حلو، أنا انبسطت أوي، بس ماعرفتش أتعرف على حد. 


سليم لم يرد فورًا، لكن ملامح وجهه تغيرت قليلاً. فاستكملت ماسة محاولة إغراءه بلطف:

سليم، معلش، ممكن نروح لماما والنبي وحشتني وضعت قبلة على شفتيه صغيرة: عايزة أعملهم مفاجأة وإنك خرجتني وكدة ممكن يا كراميل.


سليم ببرود: ماشي، بس شوية كده.


ماسة ابتسمت: ماشي.


سليم: أنا ها أنزل لمكي، عايزه في حاجة؟ وبعدين نروح عند مامتك.


ماسة: تمام.


سليم أومأ برأسه، ثم غادر، بينما ماسة ظلت واقفة مكانها، تحمد ربها أن الموقف مر بسلام.


هبط سليم بسرعة وتوجه نحو الحديقة حيث كان مكي يقف.. عندما اقترب منه، وقف أمامه مباشرة وقال بحدة.


سليم بنبرة رجولية: إزاي تسمح إن شباب تسلم على ماسة؟


نظر مكي له بهدوء: سليم، أنا كنت واقف معاهم، الموضوع ماكملش ثواني. بعدين، إنت ما أمرتنيش إني أمنعها تكلم حد، طبيعي إنها تقف مع أصحابها ويبقى ليها زملاء.


سليم نظر إليه بنظرة حادة لوهله، وسأله بصوت منخفض فيه نوع من الاستخفاف: والأستاذ مكي، يا ترى سامح لسلوى يبقى ليها زملاء شباب؟


مكي بهدوء: لا، أنا مش سامح لسلوى يبقى ليها زملاء، بس ماعنديش مانع لو اتكلمت في حدود معينة، جوة الكلية مش بره الكلية.


اقترب سليم منه أكثر وقال بصرامة وهو ينظر داخل عينيه: طب يا أستاذ مكي، أنا بقى بالنسبالي، برة أو جوة مرفوض أي دكر ممنوع .. مفهوم!


رفع مكي حاجبيه قائلا بتوضيح: سليم، أنا مقدرش أمنع ماسة، دي مش حدودي. إنت تقدر تفرض عليها ده، إنت جوزها. لكن أنا أقدر أحميها، لكن مقدرش أمنعها تكلم مين وماتكلمش مين.


غضب سليم من كلامه وقال بقوة: لا، ده أمر من صاحب عملك، نفذ شغلك يا مكي. أديني أديتك الصلاحيات إللي هاتبقى جوة حدود شغلك من اللحظة دي، إيه رأيك؟


مكي هز رأسه برفق: أمرك يا سليم بيه.


سليم نظر إليه للحظة، ثم قال: حضّر العربيات، هانروح لحماتك.


❤️________بقلمي_ليلةعادل _______♥️ 


فيلا عائلة ماسة، السابعة مساءً 


توقفت عائلة ماسة عند الباب، يرحبون بماسة و سليم بذهول وعدم تصديق. لم يتخيلوا أن يروا ماسة أخيرًا خارج القصر بعد أكثر من عام ونصف تقريباً كانت لحظة مفاجئة للجميع، امتلأت عيونهم بالمشاعر المختلطة بين الفرح والدهشة.


سعدية، التي لم تصدق عودة ابنتها، هرعت نحوها فورًا، واحتضنتها بشدة، تقبل وجهها بحنان: إيه النور ده! أنا مش مصدقة إني شفتك أخيرًا! وإنك واقفة قصاد عيني إيه ده؟!


أما مجاهد، فابتسم قليلاً ثم نظر إلى سلوى، قائلاً: وإنتِ ليه يابنتي ماقلتيش؟


سلوى: والله العظيم ماسة هي إللي طلبت مني.


ماسة بتوضيح : أنا ماحبتش أخليها تعرفكم، بعت لها رسالة بسرعة وقلت لها ماتقوليش حاجة.


ثم اقتربت من والدها واحتضنته بحب: وحشتني أوي يا بابا، عامل إيه؟


مجاهد بحنان: الحمد لله يا حبيبتى لما شفت ابتسامتك الحلوة دي بقيت بخير وقلبي كدة أطمن.


بعد أن استقبلت الأسرة سليم وماسة بحب وحفاوة بالغة، توجهوا جميعًا إلى الصالون حيث جلسوا معًا بعد فترة غياب طويلة.الجو كان مفعمًا بالمودة والأحاديث الدافئة. 


سعدية، وهي تبتسم بفرح قالت بتعجب: بس قولي يا سليم إيه إللي حصل علشان تخرج ماسة كدة؟ وصلت للي عمل فيكم كده ولا إيه؟


تبسم سليم، وهو لا يريد أن يتحدث عن أسباب قبوله بخروج ماسة. قال بهدوء: لا ماوصلتش، بس خلاص كدة أفضل.


مجاهد، الذي كان يراقب الموقف، قال مبتسمًا:

والله هو ده الصح ياسليم، مع إنك مانفذتش وعدك.


نظر سليم له متعجباً: أنا ماوعدتكش يا عم مجاهد، أنا قلت لك حاضر شهرين كده لكن ماقلتش وعد.


تبسمت ماسة وقالت معلقة فهي تعرف عندما لم ينطق بسليم بكلمة وعد لا ينفذ شيء:

طول ما سليم ما قالش وعد، أعرفوا إن الحاجة دي ممكن ماتحصلش أو مش هاتحصل أصلاً.


سعدية، التي كانت متلهفة على رؤية ابنتها، قالت مبتسمة: ماسة، بقولك إيه؟ تعالي أعملي الشاي لأبوكي من إيدك علشان مجاهد بيحب الشاي بتاعك بيقول طعمه جميل.


ابتسم مجاهد بتأكيد: فعلاً، شاي ماسة ليه طعم، أعملوا حسابكم، هتباتوا معانا النهاردة.


سليم، بنبرة باردة: لا، هانقعد شوية، لكن البيات ده بعدين لما أنا أشوف الوقت المناسب.


ابتسمت سعدية: مش مهم، المهم إننا شفناكم أبقى شوف اليوم المناسب لك يا سليم وتعالوا.


ماسة محاولة التخفيف من حدة الحديث: على فكرة، أنا كمان دخلت الجامعة النهاردة، كان أول يوم.


عمار بدهشة: بتهزرّي؟


ماسة ابتسمت: آه والله،، النهاردة إنت ماروحتش ليه؟


عمار: مابروحش كل يوم علشان ماعنديش، محاضرات هما أربع أيام في الأسبوع بس.


سلوى بتذمر طفولي: أشمعنا أنا كل يوم؟ دي تفرقة عنصرية.


سعدية: يلا معايا يا ماسة بطلي رغي.


وبالفعل، توجهت ماسة إلى المطبخ. بينما اقترب مجاهد من سليم، وكأن هناك حديثًا خاصًا بينهما. سلوى، التي شعرت بحاجة للتسلية، قالت:

طب، أنا ها أروح أشوف مكي وأجي.


((في المطبخ))


كانت سعدية تضع قطع الكيك في الأطباق بينما ماسة تساعدها في تحضير الشاي كانت الأجواء هادئة، لكن حديث سعدية كان يحمل دفء الأمومة الذي لا يفارق قلبها، وكأنه غطاء يحاول احتواء اضطراب ابنتها.


سعدية، وهي تضع الكيك بحذر في الطبق، قالت بحنان وهي تراقب ملامح ماسة المتعبة: شفتي يا ماسة، أهو ماهونتيش عليه، مافاتش خمس شهور، ودخلك في الترم التاني، قولتلك بيحبك، ماتهونيش عليه، بس إنتي لا حمد ولا شكرانية؟ إللي معاها واحد زي راجلك ده، كل يوم تركع لربها وتشكره. يا بنتي ده إنتي معاكي راجل مافيش ست ماتتمناهوش، مش علشان غني بس، علشان بيحبك.


ماسة رفعت عينيها نحو والدتها، لكن لم ترد. صمتها كان يحمل أكثر مما تحمله الكلمات. 


سعدية تابعت حديثها بحكمة الأم ودفء الذكريات: 

أمشي على المثل إللي بيقول لك: خدي إللي يحبك، ما تاخديش إللي تحبيه، هو في راجل دلوقتي بيحب، ولا بيعمل زي إللي بيعمله جوزك؟ ده أنا بشوف دلوقتي مسلسلات هندي وتركي مع البت أختك، رجالة كده تشرح القلب، والله. جوزك بيفكرني بيهم. وبيفكرني كمان برجالة زمان بتاع الأفلام القديمة شكري سرحان وعمر الشريف وأحمد مظهر والناس الحلوة دي. يابت، دي الستات بتتشعلق في كلمة حلوة أو في ابتسامة، وإنتي جوزك ما شاء الله عليه مش حارمك من الأتنين، حنية الدنيا فيه.


توقفت قليلًا، أخذت نفسًا عميقًا، ثم تابعت بنبرة تحمل بعض العتاب وبعض الخوف:

هو إنتي علشان بس يعني زعل له شوية، ولا كشر له شوية، ولا قفلها عليكي، ننسى بقى كل إللي فات؟ (بإستنكار وزعل) لأ لأ لأ يا ماسة، أنا ماربتكيش على كدة يا حبيبتي. الست لازم تفضل في طوع جوزها وتقول له حاضر ونعم وأمرك يا حبيبي أيوه يا بنتي، أنا خايفة عليكِ يا ماسة، إنتي لسة صغيرة يا حبيبتي وماشفتيش كتير. وسليم دلعك كتير. ماشفتيش الرجالة بتبقى عاملة إزاي في مراتاتها، مع إنك كنتِ بتشوفي أبوكي كان بيعمل فيا إيه؟! صبرت علشان خاطركم، وعلشان خاطره، هو فيه حاجات كويسة، مافيش راجل ولا ست يا حبيبتي كاملين، كل إنسان فيه عيوب، فشوية عليكِ وشوية عليه بتمشي،. هو أثبت إنه بيحبك، وعلشان زعلتي شوية وشايفك تعبانة ودبلانة، ماهانش عليه يسيبك..


مدت يدها وربتت على يد ماسة بلطف، وكأنها تحاول سحبها من بحر الحيرة الذي تغرق فيه بتنبيه ولطف:

أهدي كده يا ماسة، ماتخربيش بيتك. أعقلي يا ماما. والله العظيم إللي عمله سليم ولا حاجة. أحمدي ربنا إن جوزك مابيمدش إيده عليكِ، ولا بيشتمك، ولا بيعايرك، ولا مخلي نسوان أهله يبهدلوكي. مخلي كل واحد عارف حدوده. دي كبيرة وتتحط فوق الرأس 


أمسكت بيدها بحنان، نظرت إليها بعينين تحملان خليطًا من الحب والقلق وقالت:

وخليكي دايمًا فاكرة يا بنتي، سليم ساب كل ستات الدنيا واتجوزك إنتي. وماتزعليش مني، إنتي كنتي ولا حاجة، لكن هو خلاكي حاجة كبيرة اوي، رفعك فوق السما، علمك ولبسك وحماكِي، عيشك بأمان، انتشلك من البؤس والفقر، وعيشك في عز وكرامة.


كانت تستمع ماسة لها بعناية، شعرت بوخزة في قلبها، بين عقلها الذي يستوعب كلام والدتها وقلبها المثقل بالقيود.


نظرت إلى سعدية بابتسامة خفيفة، لكنها ابتسامة تحمل في طياتها تعب الأيام، وقالت بصوت خافت، وكأنها تبوح بسر ثقيل:

صدقيني، أنا إللي مخليني متحملة لحد اللحظة دي وطول الفترة إللي فاتت دي حب سليم ليا وحبي ليه، وعلشان كل حاجة عملها معايا حلوة، أنا ماشفتش من سليم غير كل حاجة حلوة، وهبقى ناكرة للجميل وقليلة الأصل لو قلت غير كده، بس أنا غصب عني يا ماما تعبانة. أنا بني آدمة من حقها تشم شوية هوا

( أمسكت يدها بانضمام). ماما، بأمانة ربنا، يعني أنا ماكنتش صعبانة عليكي، وحاسة إن الموضوع فيه حاجة غلط وطول وبقى صعب.


نظرت لها سعدية لحظة، كأنها تحاول إيجاد إجابة لا تزيد من ثقل قلب ابنتها، فهي تعلم أن سليم زادها لكنها لا تستطيع أن تثبت ذلك، قالت بصوت هادئ لكنه مليء باليقين: 

ـ معاكي يا ماسة، بس برضه يا حبيبتي، كل إللي عمله معاكي ده علشان بيحبك وخايف عليكي مش،رخامه منه .. كمان علشان خاطر كل حاجة حلوة عملهالك وعملهالنا.. كل ده يابنتي يخليكي تتحملي، أنا كنت من جوايا عارفة إنه مش هايطول.


ماسة، وكأنها تريد توضيح وجهة نظرها أكثر، رفعت معصمها أمام والدتها، نظرت سعدية إلى الأسورة: شايفة دي؟


هزت سعدية رأسها بايجاب وقالت: جميلة مبروك عليكي تتهني بيها. 


فابتسمت ماسة بسخرية خفيفة قبل أن تكمل:

دي أسورة فضة، بس أسورة، جواها جهاز تتبع. ده غير إني بروح الجامعة بمكي وبأرجع بمكي. ومكي بيحضر معايا المحاضرات، ومعانا حراس. وأي خروجة هخرجها، معاكي أو مع سلوى أو مع أصحابي، سليم هايكون موجود ومش هاجي هنا غير بوجوده.


صمتت سعدية للحظة، لا تعرف ماذا تقول لها. كانت تحاول تهوين الأمر. نظرت إليها ثم قالت بلهجة مهدنة:

مش مشكلة يا ماسة، المهم إنك خرجتي، وبعدين هو فاضي ده هياخذ له يا بت بس يومين كده وبعدين هايبقى مشغول، ده رجل أعمال كبير عنده مصالح،. وحتى لو هايجي معاكي على طول، يجي يا حبيبتي يشرف وينور. ولو هايخرج مع أصحابك البنات، أكيد يعني هايقعد مع مكي.


تنهدت ماسة، كانت تشعر أنها تشرح بلا فائدة، لكنها قالت بهدوء: أنا مش متضايقة خالص. أنا بفهمك بس.


سعدية تنهدت: ربنا يصلح لك الأحوال يا بنتي. مش هقول لك تاني، جوزك بيحبك وبيتمنى رضاكِ، ودي حاجة نادر لما بتحصل.


حملت صينية الكيك، ثم التفتت لماسة وقالت بابتسامة خفيفة: يلا، خدي الشاي خلينا نروح نقعد معاهم.


ماسة، رغم تعبها، رسمت على وجهها نفس الابتسامة المتعبة: يلا يا ماما.


وأثناء خروجهم، قالت سعدية وهي تحمل صينية الكيك بفضول أمومي لا ينتهي: طب عملتِ إيه في حوار نومك ده؟


ماسة، وهي تتحرك خلفها قالت بنبرة مرهقة: والله يا ماما مش عارفة، لسة تعبانة جدًا والله وعايزة أنام، انا مانمتش من إمبارح، بس ماسكة نفسي بالعافية.


سعدية نظرت إليها بحنان، وكأنها تتمنى أن تأخذ عنها كل هذا الحمل،  لم تقل شيئًا. فقط تابعت سيرها وهي تفكر في ابنتها، التي رغم كل شيء، ما زالت في قلبها تلك الطفلة الصغيرة التي كانت تحتاج حضن أمها في كل شيء.


على إتجاه آخر. عند سليم ومجاهد.


جلس  مجاهد بجانب سليم على المقعد، مد يده وربّت بحنان على قدمه، كأنه يطمئنه دون كلام. نظرت عيناه إلى سليم بحنوّ الأب الذي يرى ابنه يتجاوز مرحلة صعبة، قبل أن يقول بابتسامة راضية:


مجاهد: إنت كده بدأت تمشي صح.


رفع سليم عينيه إليه، ثم أشاح ببصره إلى الأمام، وقال بنبرة هادئة، لكنها تحمل في طياتها شيئًا من الأسى: بس اتأخرت.


مجاهد بحكمة: المهم إنك وصلت.

ثم سأله بتأنٍّ: حصل إيه مابينكم خلاك توافق؟


سليم وهو ينظر أمامه بشرود: مافيش حاجة، أنا كنت ماشي في اتجاه معين، ولما ماوصلتش للي كنت عايزه، قلت خلاص بقى.


ابتسم مجاهد وهو يلمح ماسة تقف بعيدًا، تتحدث مع سعدية وعيناها مليئتان بالسعادة، ثم قال بتفاؤل:

طيب، خير إن شاء الله... بس شايف ماسة فرحانة إزاي؟ وشها رجع منور.


تسللت ابتسامة خفيفة إلى وجه سليم وهو يراقبها من بعيد، وكأنه يتأكد بنفسه من كلام مجاهد، ثم قال بثقة: وإن شاء الله الابتسامة دي مش هاتفارقها تاني.

(تنهد بثقل) والله العظيم كل إللي كنت بعمله ده خوف عليها وبحميها مش أكتر.


أدار مجاهد وجهه إليه وتأمل ملامحه للحظة، قبل أن يقول بجدية تحمل في طياتها تحذيرًا:

عارف يا سليم كل ده... بس إنت لازم تفهم حاجة. أنا مش هسمح لك تزعل بنتي تاني، ولا تعمل فيها إللي كنت بتعمله. أنا استنيت عليك الشهرين إللي فاتوا، وقلت: أصبر... هو كتر ألف خيره، خيره عليها كتير و بيحبها وصاينها. بس يا ابني، مش علشان إللي عملته معاها ومعانا وإنك انتشلتنا من الفقر والجوع والخدمة، تتعب البت وتئذيها! 

آخر مرتين شفت فيها بنتي كانت دبلانة وتعبانة والحزن مليها، قلبي اتحرق عليها، وأنا شايفها بالمنظر ده. فأنا مش هقبل أبدًا يا ابني، إنك تعمل فيها كدة تاني، حتى لو المقابل إننا نخسر كل ده... بنتي عندي أهم! سليم بيه أنا راجل فقير وقليل جنبك بس عيالي عندي أغلى من روحي.


رفع سليم عينيه إليه، استمع بصمت، فتابع مجاهد بنبرة أكثر جدية:

صدقني، أنا معاك طول ما إنت معاك الحق، وهبقى ضدك لو ماسة معها الحق.


لم يتأخر رد سليم، نظر لمجاهد مباشرة بعينين تحملان عزيمة لا رجعة فيها، ثم قال بثبات:

وأنا مش هقدر ازعلها تاني.


في تلك اللحظة، اقتربت سعدية وماسة منهما، والابتسامة تزين وجهيهما، وكأن الجو المشحون قبل قليل تبدد بوجودهما.


ماسة بمزاح وهي تنظر لهما بفضول: بتقولوا إيه بقى؟


سليم بابتسامة وهو ينظر لها: بابا كان بيطمن عليكي... بيوصيني عليكي، بيحبك أوي.


ابتسمت ماسة، تقدمت بخفة، وجلست على يد المقعد بجوار مجاهد، ثم أحاطت ظهره بذراعيها، وقبلته على خده بحنان، قبل أن تقول:

أنا كويسة يا بابا، صدقني، ماتقلقش عليا


نظرت لسليم بحب: وبعدين ينفع تقلق عليا وأنا مع سليم؟


ربّت مجاهد على يدها بحب، وقال بصوت دافئ، لكنه يحمل معنى عميقًا:

ربنا يخليكم لبعض ياحبيبتي... خلي بالك منها يا سليم، ماسة دي مش أي حد، وماتتعوضش.


نظر إليه سليم، قال بصدق لا يقبل الشك: ماسة دي حياتي ونور عيني.


ضحكت سعدية بخفة وقالت بمرح: هاتوصيه على مين يا مجاهد ، ده روحه فيها.


ماسة وهي تنظر لسليم بمزاح: يا بختك يا عم بحماتك!


سعدية وهي تضحك: حماته إيه يا بت؟ أنا زي أمه بالظبط! ما تأخزنيش، عارفة إني مش قد المقام. 


سليم بعتاب: أوعي تقولي كدة تاني بعد كل السنين دي بردو نفس الحساسية في الكلام.


سعدية تعيش يا سليم ..أكملت بمكر طفيف: 

بقول لك إيه، ما دام بقى فرجتها عليها، شوف يوم كده تكون فاضي، وأعمل لك أكلة حلوة من إيدي.


سليم وهو يبتسم بمودة:حاضر، والله ياسوسو، يوم ما آكل من إيدك لازم يبقى يوم مميز.


ضحك الجميع، وشعروا بأن الأجواء باتت أكثر دفئًا، كأن الغيوم بدأت تتبدد، ليحل محلها ضوء الشمس من جديد.


على إتجاه آخر في الحديقة ..


سلوى ومكي كانا يجلسان على الأرجوحة في الحديقة، يتأرجحان بهدوء بينما يروى لها عما حدث بين ماسة وسليم.


سلوى وهي تميل برأسها قليلاً ناحيته: على فكرة، إللي حصل ده حاجة متوقعة أصلاً... سليم بيتعصب لما بيشوف ماسة قاعدة مع أي حد، حتى لو كان حد من إخواته، ياسين نفسه بيحصل معاه كده.


مكي وهو يزفر بهدوء: وأنا مش متضايق، بس بفهمك إللي حصل...ومشينا ليه من غير مانستناكي.


سلوى بابتسامة خفيفة: طب ماتيجي تقعد معانا جوة؟


مكي وهو يهز رأسه نافيًا: لا،علشان أنا دلوقتي مش 

مكي خطيبك، أنا الحارس الشخصي.


نظرت له سلوى بتمعن قبل أن تسأله مباشرة: إنت تضايقت من كلام سليم ولا إيه؟


مكي هز رأسه  نافياً: لاخالص، سليم كده في الشغل خصوصًا في الحاجات إللي تخص ماسة.


تنهدت سلوى: طب مادام إنت عارف كده في إيه؟!

صمتت لوهلة وأكملت بضيق: بس عارف الشروط بتاعته صعبة أوي.


مكي نظر لها نظرة ثابتة: سلوى ماينفعش تقولي الكلام ده... إحنا عايزين نعقلها، مش نديها إحساس إنها محبوسة.


ظلت سلوى تتأرجح ببطء، قالت بتأييد: إنت عندك حق... بس إزاي عملتوها؟ إزاي نجحتوا ماسة في الترم الأول؟


مكي بإبتسامة: إحنا لسة مانجحناش... بس هاتنجح.


سلوى بمزاح: طب بقول لك إيه هروح أجيب لك حاجة تشربها وبطل رخامة وتعالى نقعد جوه ولا أجيب لك سعدية.


مكي بجدية: سلوى، أنا دلوقتي في الشغل... أنا جاي دلوقتي مع مين؟


سلوى: معاهم


مكي وهو يومئ برأسه، نبرته ثابتة: بالضبط، جاي بصفتي الحارس الشخصي، مش بصفتي خطيبك. 


ابتسمت على شفتيها ابتسامة وقالت بمزاح: إنت بتبقى غلس أوي وإنت في الشغل... وبتتكلم جد بزيادة.


مكي: خدي على كده، ممكن تكوني بايتة عند ماسة، وإحنا متجوزين، وبرضه في شغلي هفضل واقف بره، مش هدخل جوه، لإن ده وقت الشغل... لكن مجرد مخلص، هدخل أقعد معاكم، الشغل شغل، والحياة العائلية حاجة تانية.


سلوى: بس معتقدش سليم هايتضايق لو دخلت جوه واتعاملت عادي... مش هايغلس يعني إنت بس إللي مزودها.


مكي: طبعًا مش هايغلس، بس أنا بحب أحط حدود لنفسي.


رفعت سلوى حاجبها بمكر، عيناها تلمعان بتحدٍ خفيف: أمال إنت قاعد معايا ليه، مادام إنت في وقت الشغل يا بتاع الحدود؟!


مكي ضحك: أقومك يعني؟


ضحكت سلوى ثم قالت بتحدٍ واضح: قومني لو تقدر!


راقبها للحظة قبل أن تهرب ضحكة صغيرة من بين شفتيه، لكنه لم يعلق. نهضت فجأة وقالت: 

طب استنى، هجيب حاجة نشربها، وماما عاملة كيك. فراولة حلوة أوي.


دخلت سلوى وجلبت الكيك والشاي وعادت تجلس معه.


أخذ مكي رشفة من الشاي قبل أن يقول: مش هانخرج بقى؟


تنهدت سلوى وهي تحرك الملعقة داخل الكوب ببطء: إنت عارف إن بابا مانع الموضوع ده.


مكي: يا بنتي، ماتخلينا نكتب الكتاب وخلاص!


سلوى برفض قاطع: قلت لك لا... يوم الفرح.


نظر مكي للسماء يدعو: يا رب صبّرني على العند ده!

ثم عاد ليقول: بقول لك إيه، ماما عايزاكي تيجي علشان تختاري الموبيليا، شوفي يعني عايزة تغيري إيه في الشقة.


سلوى: قلت لك، مش عايزة أغير حاجة، غير أوضة النوم 

ابتسمت بهدوء وهي تعود لتناول رشفتها من الشاي: ، خلي الفلوس الكتير دي علشان توديني شهر عسل زي بتاع ماسة، أنا عارفة إن هو مش هاينفع سنة بس ممكن شهرين ثلاثة. 


مكي وهو يضحك بخفوت: شهرين ثلاثة بس كدة عيوني، ماما هاتغيرلك الريسبشن كمان، تعالي اختاري معاها.


سلوى: طيب، ماشي.


ثم نظرت له بتحدٍ، لمعة المشاكسة لم تفارق عينيها: 

ماتبطل رخامة وتعالى ندخل جوه، كلهم قاعدين.


نظر لها بمكر، حاجبه يرتفع قليلًا وهو يقول بنبرة شبه دافئة: سلوى، خلاص بقى، خلينا سوا.


سلوى قلبت وجهها بتذمر: والمصحف غلس!


ضحك مكي وهو ينظر لها بحب، بينما هي اكتفت بهز رأسها بيأس، متيقنة أن عناده لن ينتهي بسهولة.


بعد أن قضى سليم وماسة وقتًا طويلًا عند عائلتها بعد غياب، عادا أخيرًا إلى القصر.


في سيارة سليم التاسعة مساءً 


كانت ماسة جالسة بجوار سليم، رأسها مستند على النافذة وهي تنظر إلى الخارج بشرود. كان الشارع هادئًا نسبيًا، والهواء البارد يلامس وجهها، فأغمضت عينيها قليلًا وكأنها تستنشق نسماته بعمق. شعرها الطويل كان يتطاير برفق حول وجهها، فبدت للحظة وكأنها تهرب من كل شيء فقط لتعيش هذه اللحظة البسيطة.


فتحت عينيها ببطء والتفتت نحو سليم، صوتها خرج ناعمًا وهي تقول له بحماس خافت:

نفسي ننزل نتمشى على الكورنيش شوية، نشرب حمص الشام زي زمان ايه رأيك يا كراميل.


كان سليم ينظر أمامه، حرك عينيه نحوها للحظة قبل أن يعود ببصره للأمام، ثم رد بصوته الهادئ:

مش هاينفع يا ماسة، خليها مرة تانية أبقى عامل حسابي.


نظرت له للحظة، ثم عادت ببصرها إلى الشارع، لم تكن لديها طاقة للجدال، كانت متعبة جدًا. تركت رأسها تستند مرة أخرى على النافذة، وأغمضت عينيها وهي تبتسم بخفة، كأنها تسرق لحظة راحة وسط تعبها. الهواء استمر في مداعبة وجهها، وشعرها، وبمجرد وصولهما إلى جناحهما، ألقت نفسها على الفراش بأنفاس متعبة.


اقترب منها سليم، مرر يده على شعرها برفق وسألها:

هاتنامي كده؟


ماسة بصوت متعب: مش قادرة... تعبانة خالص، مانمتش من إمبارح.


سليم: عندِك محاضرة الساعة 9، هصحيكي 7، تمام؟


ماسة: ماشي...


سليم بإهتمام: طب غيري هدومك الأول.


ماسة بنعاس: مش قادرة والله... تصبح على خير.


أرسلت له قبلة في الهواء، ثم أغمضت عينيها سريعًا. ابتسم سليم وهو يراقبها، لكنه لم يتركها كما هي، اقترب منها بلطف وبدأ في مساعدتها على تغيير ملابسها غصب.


ماسة بتململ وهي تبعد يده: سليم، مش عايزة،


سليم بهدوء لكن بحزم: مافيش حاجة اسمها مش عايزة، لازم تكوني مرتاحة.


لم تجادله كثيرًا، فقط أغمضت عينيها من شدة الإرهاق بينما هو ساعدها بلطف على ارتداء قميص نوم مريح، ثم غطّاها جيدًا قبل أن يبدل هو الآخر ملابسه. جلس بعدها على طرف السرير يراقبها للحظات، ثم ألتقط كتابًا وبدأ في القراءة لبعض الوقت، لكن عينيه كانتا تعودان إليها بين الحين والآخر، يتأمل ملامحها المسترخية في النوم.


بعد حوالي نصف ساعة، أغلق الكتاب وأطفأ الأباجورة، ثم تمدد بجوارها، جذبها نحوه برفق حتى استقرت بين ذراعيه، وشد الغطاء فوقهما أكثر ليحميها من البرد. همس بصوت خافت قبل أن يغمض عينيه:


سليم: نامي يا عشقي، بكرة يوم جديد لينا زي زمان،و لازم نرجع زي زمان.


وضع قبلة على رأسها و ذهب في سبات عميق


وفي صباح اليوم التالي، دق المنبة على السادسة تمامًا.


سليم فتح عينيه، ألقى نظرة على ماسة التي كانت نائمة بعمق، أنفاسها هادئة، ووجهها مدفون في الوسادة. ابتسم بخفة، ثم اقترب منها ووضع قبلة على جبينها.


نهض ليأخذ حمامًا سريعًا، وبعد أن بدّل ملابسه، توجه نحوها مجددًا لإيقاظها.


اقترب سليم منها بهدوء، همس عند أذنها: ماسة... عشقي، يلا الساعة السابعة.


لكنها تمتمت بكلمات غير مفهومة ودفنت وجهها في الوسادة. حاول إيقاظها أكثر من مرة، لكنها لم تستجب.


زفر بهدوء، غطّاها جيدًا، ثم غادر الغرفة متجهًا إلى المجموعة، وقرر أن يتركها ترتاح.


مجموعة الراوي التاسعة مساءً.


ـ الاجتماعات 


جلس الجميع في قاعة الاجتماعات الفخمة، كلٌ في مكانه، المديرون، عزت، فايزة، والأشقاء. الجو مشحون بالتركيز وأوراق المشاريع متناثرة على الطاولة.


صافيناز بنبرة جانبية وهي تنظر إلى سليم: كويس إنك وديت ماسة الجامعة وخرجتها أخيرًا.


رفع سليم عينيه إليها بنظرة باردة، قال بهدوء لكنه كان واضحًا في حدته: ده مش مكانه، إحنا هنا في المجموعة، الكلام ده في البيت... وبعدين مالكِيش دعوة.


ساد الصمت للحظات، ثم أخذ سليم نفسًا عميقًا وقال بصوت حازم: يلا نبدأ الاجتماع.


بدأ الجميع في الحديث عن المشاريع، كل مدير يعرض تقريره، ويتبادل الحاضرون النقاش حول الصفقات القادمة. سليم كان واضحًا إنه متضايق، تارة يضغط بأصابعه على الطاولة، وتارة ينظر للأوراق أمامه بشرود. لكن في لحظات معينة، كان يفاجئ الجميع بحزمه، يرفع صوته فجأة ليوقف أحدهم عند نقطة غير منطقية، أو يصحح لهم مسار خطة اقتصادية، وكأنه يضبط الإيقاع بنفسه.


ساد الصمت للحظات، ثم عدّل سليم جلسته، نظر للأوراق أمامه، وضبط نبرة صوته للحزم: تمام كده، كل حاجة تمام، هانكمل زي ما اتفقنا. المشروع ده مش هايروح من إيدينا، المناقصة لازم تكون لينا، مفهوم؟


هزّ الجميع رؤوسهم بالموافقة، وبدأ المديرون بالتحرك، لكن بقي عزت، فايزة، وباقي أشقائه جالسين.


بهدوء، صافيناز قطعت الصمت: إنت هاتعمل إيه في مشروعي؟ محتاجة المبلغ النهاردة 


نظر إليها سليم ببرود، قلب الأوراق أمامه حتى وصل إلى ملفها، أمسك الورقة، خطّ عليها بقلمه كلمة واحدة: مرفوض.


صافيناز رفعت حاجبها بصدمة: يعني إيه إن شاء الله؟


سليم وهو ينظر لها بسخرية: يعني مش مقبول، إنتِ خدتِ كتير،، صافيناز مشروعك ده بقاله سنين بياخد تمويل من المجموعة، كل سنة تاخدي مبلغ، لحد إمتى؟ هو المشروع ده بتاعك لوحدك؟ مطلوب مننا نمول كل إنتاج جديد ليكِ وأرباحك منستفدش منها؟!


صافيناز بصوت مرتفع:  وبترفض بصفتك إيه؟


سليم بإبتسامة مستفزة: بصفتي رئيس مجلس الإدارة.


صافيناز نظرت لعزت بحدة: بابا، إنت موافق على الكلام ده؟


عزت بهدوء وهو ينظر إليها بجدية: أكيد موافق، خدتي مبالغ كبيرة جدًا، أنا وقفت معاكِ في المشروع ده من البداية، والقرار ده قراري أنا وسليم، كفاية إللي خدتِيه. مش معقول كل سنة تاخدي المبلغ الضخم ده!


صافيناز بحدة: أنا باخد نسبتي.


سليم بإبتسامة ساخرة قائلا بحزم: لا، دي مش نسبتك، إللي بتاخديه أكبر من نسبتك بكتير، ولو عايزة نسبتك الحقيقية، يبقى تفضلي بره المجموعة، وأنا هحول ليكِي نسبتك كل سنة بالحساب.


صافيناز بغضب: ده مش أسلوب على فكرة.


سليم ببرود: لا، هو ده الأسلوب إللي هايتبع بعد كدة، السواقة والعشوائية بتاعة زمان انتهت. كل جنيه هايخرج من المجموعة بعد كده، هايخرج بمعرفتي وموافقتي، يا أقتنع يا لا.


ساد الصمت، نظرة تحدٍ بين سليم وصافيناز، ثم وقفت الأخيرة غاضبة وغادرت، بينما سليم تابع: في حد عنده إعتراض تاني؟ في حد هنا عنده مشكلة من إخواتي العزاز؟


ابتسم رشدي بخبث: لا يا ملك إحنا نقدر نعترض، إحنا ماينفعش نقول غير سمعا وطاعة مولانا سليم باشا الراوي..


نظر له سليم فهو يفهم جيدا أنه يسخر منه لكنه رد عليه بقوة: ده حقيقي أنا مايتقليش غير سمعا وطاعة سليم باشا ..(نظر للجميع)إحنا كده انتهينا. اتفضلوا،،، ياسين، أول بأول توريني التطوير وإللي بيحصل، مش عايز أي غلط.


ياسين بثقة: ماتقلقش.


قصر الراوي 


جناح سليم وماسة، الثانية عشر ظهراً 


حيث لا يزال الجو هادئًا، والستائر مسدلة تحجب ضوء الشمس قليلًا. الهاتف يهتز بجوارها، لكن نومها العميق يمنعها من الاستجابة فورًا. بعد لحظات، تمتد يدها بتكاسل، تلتقط الهاتف دون أن تفتح عينيها بالكامل.


ماسة بصوت ناعس ومغمض العينين: ألو؟


سلوى بحماس: إنتِ فين يا ماسة؟


ماسة تحاول استجماع نفسها: مين… ؟


سلوى بشدة: مين إيه أصحي؟!


ماسة:  الساعة كام؟!


سلوى: الساعة 12! مش هتيجي ولا إيه؟


ظلت ماسة صامتة للحظات، تحاول أن تستوعب، لكنها لا تزال تحت تأثير النوم..سمعت سلوى تناديها مرة أخرى


سلوى: إنتي يا بنتي معايا؟


ماسة بخمول: آه آه، معاكي... طب دقيقة وهكلمك... بس أفتح عيني.


لكن عينيها لا تفتحان، بل تغرق في النوم مجددًا، والهاتف لا يزال في يدها. على الطرف الآخر، سلوى تستمر في قول ألو… ألو؟، لكن لا رد، فتتنهد وتقفل الخط.


بعد ساعات، تستيقظ ماسة على إحساس ثقيل في جسدها، تشعر وكأنها لم تتحرك منذ دهر. تتلمس هاتفها، تجده لا يزال في حضنها. تنظر إلى الشاشة بعين نصف مغلقة…


ماسة بدهشة: الساعة 3!! لاااا… مستحيل!


جلست بسرعة على السرير، مررت يدها على وجهها كأنها تحاول التأكد من أنها مستيقظة حقًا. نهضت بتكاسل، دخلت الحمام، فتحت المياه الباردة على وجهها لتستعيد وعيها. بعد لحظات، تعود للسرير، تمسك بهاتفها، تتنهد وتضغط على اسم( كراميل) . يرن الهاتف لثوانٍ قبل أن يجيب بصوته الدافئ من الجهة الأخرى.


سليم: عشقي؟


ماسة بصوت متذمر: إنتَ ماصحتنيش ليه يا سليم؟


سليم بهدوء: حاولت… بس ماكنتيش بتصحي، كنتِ تعبانة جدًا.


ماسة بتنهيدة: آه فعلًا، ولسة تعبانة…مش عارفة أعمل إيه في حوار نومي ده، كده مش هعرف أروح الجامعة.


سليم: إن شاء الله هانحلها أنا وانتي لما أجي.


ماسة: ماشي، هاتتأخر؟


سليم: لا مش هتأخر، هاجي لك على 5 أو 6 بالكتير،  أفطري بقى ! حاولي ماتناميش تاني.


ماسة: خلاص ماشي، ماتتأخرش عليا  اموووووه.


أغلقت ماسة الهاتف، أخذت حمامها ثم نزلت للطابق السفلي. شربت كوبًا من النسكافيه وتناولت بعض من الطعام، بينما كانت تنتظر سليم. بعد قليل، أمسكت بالهاتف وأتصلت بسلوى.


ماسة: إنتِ فين؟


سلوى: أنا مع مكي عند مامته علشان بنغير الموبيليا، مش هعرف أجي لك، ماما معايا.


ماسة: خلاص ماشي.


تنهدت ماسة وتوجهت إلى الحديقة وبعد قليل انضمت لها هبة جلست أمامها وأخذتا تتبادلان الأحاديث.


هبة: بجد، أنا مصدقتش لما عرفت إنك نزلت الجامعة إيه إللي حصل؟


ماسة بإبتسامة صغيرة قالت بتوضيح: والله يا هبة، حصلت خناقة بيني وبين سليم… لدرجة إني طلبت فيها الطلاق.


اتسعت عينا هبة بذهول: وإنتي كنتِ بتقوليها بجد؟ ولا كانت لحظة عصبية؟


أشاحت ماسة بوجهها للحظة وكأنها تتهرب من الإجابة، ثم عادت لتواجهها بعينين مثقلتين بالتعب:

بصراحة… كانت لحظة عصبية. أنا بحب سليم جدًا، ويمكن لو جت اللحظة دي فعلًا أرفضها… بس مستحيل أتحمل الوضع ده أكتر من كده يا هبة، بجد تعبت… أنا قربت أكلم نفسي!


تنهدت هبة وهزت رأسها بحيرة: أنا مش عارفة ليه مكملة في إللي إنتي فيه ده ومتحملة؟ إنتي يتعملك تمثال يا شيخة.


ضحكت ماسة ضحكة ساخرة، ضحكة تحمل من الألم أكثر مما تحمل من السخرية، ثم همست بصوت مرتعش:

ماكنتش عايزة حد يقول عليا ناقصة وناكرة وماعنديش أصل…ومستحملتش سليم!


أشاحت بوجهها، عيناها تلمعان بدموع لم تسقط بعد، تتابع بصوت أكثر عمقًا:

سليم عمل عشاني كتير، إنتي ماتعرفيش أنا كنت إيه… كنت بنت فقيرة، مثيرة للشفقة، أقصى أحلامي إننا نلاقي بيت صغير فيه حمام وحنفية مية، وإننا نترحم من الخدمة، أو على الأقل إللي شغالين عندهم يبطلوا قلة أدبهم علينا… مايهينوناش، مايذلّوناش، مايضربوناش!


شبكت يديها معًا، تشعر برجفة خفيفة قبل أن تكمل:

سليم أخدني من كل ده، وإداني إللي عمري ماتخيلته، ولا حتى كنت أجرؤ أحلم بيه…أنا فاكرة مرة زمان لما قالي أحلمي؟ إيه المشكلة لو نفسك تسافري سويسرا؟ عارفة رديت عليه إزاي؟ قلت له لا… أخاف حلمي مايتحققش وأتوَجع وأعيَّط! ماينفعش أحلم بحاجة وعارفة إنها مستحيل تتحقق.


صمتت للحظة، ابتلعت غصة في حلقها، قبل أن تستطرد بصوت متهدج:

إللي أنا قدمته لسليم حاجة بسيطة من حاجات كتير هو عملها عشاني، بس في نفس الوقت…كنت تعبانة! كان جوايا صراع بين إني لازم أتحمل، وبين إني بقتل نفسي بالبطيء… بأذي نفسي!


نظرت لهبة بعينين ممتلئتين بالحزن والندم أضافت: والله العظيم يا هبة، لما كنت بتعصب، ماكنتش بعمل ده في وعيي… كأنه فيه حد تاني جوايا، حد تاني هو إللي بيتكلم، هو إللي بيزعق! وبعد مابخلص… بعيط بيني وبين نفسي، وأسأل… أنا إزاي أعمل كده مع سليم؟! هو خايف عليا، إللي حصل لنا صعب؟!


تقدمت هبة قليلًا، وضعت يدها على يد ماسة بحنان: أنا حاسة بيكي يا ماسة… وماتزعليش مني لو كنت بعيدة عنك الفترة إللي فاتت، بس إنتي إللي كنتِ دايمًا بترفضي الكلام، وكنتِ بتبعديني عنك! أنا بصراحة كنت متعصبة ومتغاظة من طريقتك… من استسلامك! علشان كده كنت بعيدة شوية… حقك عليا، ماتزعليش مني، عارفة إني قصرت في حقك كتير.


تأملت ماسة كوب العصير أمامها، حركته بين يديها دون اهتمام، قبل أن ترفع رأسها وتبتسم ابتسامة حزينة:

والله العظيم يا هبة، أنا أصلا ماكانش في دماغي مين بيسأل ومين بعيد ومين قريب… كنت في عالم تاني، عالم على قد ماهو ممتع، على قد ماهو يوجع القلب… تحسي نفسك جوه برطمان مقفول عليكي، وهي دي حدودك، ولازم تتعودي على ده غصب عنك.


تنهدت ثم رفعت نظرها لهبة بنبرة مرحة لكنها تحمل خلفها تعبًا شديدًا:

بقول لك إيه، مش عايزة أتكلم في الموضوع ده بالله عليكي! أنا عايزة أخرج، عايزة أنبسط، نفسي أغيّر جو!


ضحكت هبة ضحكة صغيرة، وهزت رأسها قائلة:

مع إن شروط سليم فظيعة… بس مش مشكلة! خلينا نخرج… نحدد من دلوقتي علشان تقولي له قبلها، عشان نضمن إنه يوافق ومايحصلش مشاكل.


أومأت ماسة بحماس: اتفقنا!


سألت هبة بفضول: قوليلي صح العالم أللي هنا عاملين إيه معاكي.


ماسة مدت وجهها بلا مبالاة:

ولا أي حاجة … كل واحد في حاله بشكل مبالغ فيه! تحسي إنك عايشة لوحدك أصلاً، مابنشوفش بعض، وكل واحد في حياته! وبعدين، أنا أصلًا قفلتها عليهم كمان! صافيناز كانت عايزة ترجع تاني تمثل عليا المحبة، قلت لها: بقول لك إيه، مصلحتك مش معايا أنا!


ابتسمت هبة بسخرية، رفعت حاجبها بخبث: أحسن!  ضحكتا معا وضربتا كفا بكف. 


💕______________بقلمي _ليلةعادل


منزل مكي الرابعة مساءً


الراسبشن 


نرى سلوى وسعدية وليلى ومكي يجلسون ويتبادلون الأحاديث 


نظرت ليلى إلى سلوى بحنان، لكن بجدية، وقالت بصوت واضح:

العفش لازم يتغير، مش كفاية إنك وافقتِ تعيشي معايا؟ ده حقك، لازم تختاري كل حاجة بنفسك.


سلوى بهدوء: يا طنط، أنا مقدرة كلامك، بس برضه مش عايزة أكون تقيلة عليكم، والله البيت شكله حلو، كفاية أوضة النوم والصالون، صح يا ماما؟


سعدية بتأييد: صح، وكمان مكي عملها فيلا، كفاية كده.


قاطعتها ليلى بحزم ودفء: إنتِ مش ضيفة هنا، ده بيتك، وإنتِ بنتي، فـنختار العفش سوا، زي ما أي أم وبنتها بيعملوا. لازم كل العفش يتغير، أنا لو بنتي كانت هاتعيش مع حماتها، كنت هشرط كده.


التفتت سلوى إلى سعدية وكأنها تبحث عن دعم، لكن والدتها ابتسمت بحنان وقالت: أسمعي كلام مامتك ليلى، ماتزعليهاش.


سلوى: ماشي زي ما تحبي.


ضحك مكي وهو ينظر إلى سلوى: يبقى كده اتفقنا؟


ساد جو من الألفة والمودة، وسط تبادل النظرات والضحكات العائلية.


في البلكونة 


توقفت سلوى متكئة على سور البلكونة، تتأمل النيل الذي ينساب أمامهما في هدوء، بينما وقف مكي بجانبها، يتأملها بصمت، قبل أن يتمتم بصوت خافت: حقيقي… غريب.


نظرت إليه سلوى متعجبه: إيه؟ بتضحك ليه؟


مكي بتوضيح: الزمن غريب… ماتوقعتش  يوم إن أنا مكي، أحب بالشكل ده. ماتوقعتش إن حياتي كلها تبقى متمحورة حوالين شخص واحد، وإن كل تفكيري يبقى فيه، كل حاجة بعملها، كل خطوة باخدها، كل قرار باخده… كله بقى ليه معنى علشان فيه حد عايز أبني معاه حياتي، وأرسم تفاصيلها وأخطط لمستقبلنا سوا.


سلوى لم ترد مباشرة، فقط ابتسمت بخفة، قبل أن تأخذ نفسًا عميقًا وتقول بجدية وهي تنظر إليه: عارف أنا متخيلة حياتنا بعد جوازنا… إنك ترجع من الشغل الساعة أربعة ولا خمسة، تبقى تعبان، أكون محضرة لك الحمام عقبال ما تاخده، أكون جهزت الغدا، نقعد نتغدى سوا، نحكي عن يومنا، نتكلم… نخطط لحاجات جديدة.


نظر مكي إليها بانتباه أكثر، وكأن كلماتها بدأت ترسم له صورة لم يفكر فيها بعمق من قبل.


أكملت سلوى بحماس طفولي: مثلاً نعمل مشروع سوا، أفتح ورشة لصناعة الإكسسوارات زي ما كنت بحلم زمان، وإنت تفتح مكتب حراسات، علشان بتحب الجو ده. أصلك مش هاتفضل طول حياتك شغال عند سليم، لازم يبقى عندك شغلك الخاص، مش كده؟


نظر لها مكي، وتلاشت ابتسامته تدريجيًا، حك رأسه بنظرة تفكر قبل أن يقول: سيبك من موضوع سليم دلوقتي، هانتكلم فيه بعدين... كملي بس على موضوع جوازنا، الأهم. متخيّلة حياتنا بعد الجواز عاملة إزاي تاني؟


ابتسمت سلوى بحلم واضح في عينيها، وهي تتابع:

نجيب بنت وولد… محمد وماسة، ونسافر، نجرب حاجات جديدة سوا، نشوف الدنيا بعيون مختلفة… كده يعني، حاجات ماعملناهاش قبل كده.


ابتسم مكي وهو يسمعها تخطط وكأن كل شيء قد كُتب بالفعل، لكن عند ذكر الأسماء، رفع حاجبًا وسألها بمكر:

طب ماسة… اسم أختك، توأمك… محمد مين بقى؟ أعترفي.


نظرت إليه سلوى وابتسمت بخفة، وقالت بصوت دافئ: باباك.


ساد الصمت لثوانٍ، قبل أن يلاحظ مكي أن قلبه قد خفق بقوة دون أن يدرك. نظر إليها بدهشة لم يحاول إخفاءها، وكأن كلماتها لم تكن مجرد اقتراح، بل هدية ثمينة لم يكن يتوقعها.


ارتسمت على وجهه ابتسامة واسعة، لكن عينيه لمع فيهما شيء مختلف… مزيج من الفرح والامتنان والحزن الخفيف. كأنه للحظة، شعر أن والده هنا، معهم، يسمع حديثهم.


قال بصوت يحمل أثر مشاعره: حقيقي، حاجة غير متوقعة… إنتِ كل يوم بتفاجئيني، وبتأكديلي إن اختياري كان صح.


مد يده وأمسك بيدها بلطف، ثم قال بصوت دافئ مليء بالوعود: وأنا مستعد أخلي كل ده حقيقة… بس طول ما إنتِ جنبي.


طبع قبلة على يدها، فسحبتها بسرعة، متبسمة بخجل وهي تخفض نظرها إلى الأرض.


مكي بحماس: تعرفي… نفسي الشهور دي تعدي بسرعة. بقول لك إيه، إيه رأيك نكتب الكتاب آخر يوم امتحانات؟ نخلص امتحانات النهاردة بكرة نكتب الكتاب، ومش عايز اعتراض. الفرح بعدين نعمله براحتنا.


سلوى، وقد ارتفع حاجبها بدهشة: أنا مش عارفة ليه مصرّ إننا نكتب الكتاب بسرعة! أوعى تكون فاكر بقى لما نكتبه، إن دماغك تجيبك لحاجات…


قاطعها مكي بجدية ممزوجة بمرح: تصدقي… عيب! عيب الكلام ده، بتفكري فيا إزاي بجد؟


ضحكت سلوى وقالت بمشاكسة: أنا بس قلت ألفت نظرك يعني.


لوّح مكي بيده قائلاً بحزم خفيف: لا، ما تلفتيش!

قلتِ إيه؟ نكتب الكتاب بعد امتحانك على طول، ونعمل الفرح على مهلنا؟


سلوى بعد تفكير قصير: خلاص، تمام، مفيش مشكلة عارفة أني مش هخلص من زنك .. ثم نظرت إليه بمكر وقالت وهي تبتسم بدلال: مكي عايزة منك خدمة.


مكي وهو يميل برأسه قليلاً: قولي بس من غير دلع عشان مابياكلش معايا.


سلوى بتذمر: يا ستار عليك ... طب أنا عايزاك تقنع سليم يخلي ماسة تيجي معايا وأنا بشتري شوية لبس وحاجات تخص الجهاز. ماتقولش ماينفعش ومش عارف إيه، أنا عايزاك تسيطر على صاحبك المجنون ده، إللي ماحدش بيقدر عليه ده!


مكي وهو يضحك بخفة: هحاول، حاضر والله، بس أصبري شوية… مش على طول كده! هي لسه نزل جامعة امبارح، فمش معقول النهاردة نقوله نخرجها تاني! استني شوية، شهر كده، وأنا اتكلم معاه.


سلوى وهي تزفر بضيق: شهر؟! إنت بتهزر يا مكي؟


مكي بضحكة خفيفة: أهو شهر ولا مفيش خروج خالص، اختاري!


سلوى وهي تتأفف بخيبة أمل: يا ربّييي! طيب والله، أنا داخلة جوه أقعد مع أمي وطنط، خليك واقف لوحدك!


حاولت ان تتحرك مد مكي يده ليوقفها بمزاح:

تعالي هنا، خلينا واقفين مع بعض شوية بطلي دلع.


ابتسم ثم سألها بمكر وهو يرفع صوته قليلا بنظرات عاشقة: قولي لي بقى، نفسك يبقى شبهك ولا شبهي؟


قلبت سلوى وجهها وهي ترفع حاجبها بسخرية:

تعرف إن أنا مابحبكش وإنت بتتكلم كده؟ هههه، مش بتقبلك.


مكي وهو يضع يده على صدره بمبالغة: هو إنتِ لا كده عاجبك ولا كده عاجبك!


سلوى بضحكة خفيفة: يا سيدي إنت عاجبني، بس لما تتكلم عادي، ماترفعش صوتك.

ثم أضافت بثقة واستنكار:  عايزهم يبقوا شبهك إزاي يعني؟! إنت مجنون؟ ماعندكش مراية في بيتكم؟ أكيد شبهي، مش معقولة أضيع مجهود السنين دي كلها وأطلع بحاجة تشبهك!"


مكي وهو يضحك: أفهم من كده إن أنا مش عاجبك؟!


سلوى بغمزة: أنا بحبك… بس مش هخاطر بالعيال!


مكي وهو يهز رأسه بمرح و يعدل ياقه القميص: عموماً، أنا ذوقك، ودي حقيقة مش هاتقدري تنكريها!


سلوى وهي تتصنع التفكير: مش متأكدة… ممكن نعمل استرجاع للطلب ونختار تاني؟ أخرجت لسانها بمزاح. !


مكي بمكر: طيب يا ختي، أقفي قصاد المراية وتوحّمي على نفسك… أو توحّمي على أختك!


سلوى بضحكة: أوعدك، الولد هاتوحم عليك… بس مش اوي يعني، إنت برضه في الأول وفي الآخر باباه!


مكي وهو يرفع حاجبه بتوجس: شكرا يا ستي، طب والبنت؟


سلوى بثقة وهي تعقد ذراعيها: البنت أكيد لا!!! 


مكي متصنعًا الصدمة: أنا إللي بقول لك، البنت أكيد لا… هاتبور جنبنا!


ضحكا سويًا، بينما كانت سلوى تهز رأسها بيأس من مزاحه المستمر، وهو ينظر إليها بمودة لا تخفى.

💞___________________بقلمي_ليلةعادل 


قصر الراوي الخامسة مساءً 


الحديقة


تمتلأ الحديقة بالحياة، صوت ضحكات الأطفال يملأ الأجواء بينما تجري ماسة مع زين  ومريم. كانت مريم تحاول اللحاق بها، وزين يصرخ بحماس، يحاول الإمساك بها.


يدخل سليم، ويخلع نظارته الشمسية، تراه ماسة فتبتسم وتتقدم نحوه، تحمل مريم بين ذراعيها.


ماسة بابتسامة مشرقة: حبيبي!


سليم وهو يضع مفاتيحه على الطاولة: عاملة إيه؟


ماسة وهي تهبط مريم بلطف على الأرض: الحمد لله.


جري زين نحوها وشد طرف فستانها بحماس.


زين: مش هاتلعبي معانا تاني؟


ماسة وهي تضحك وتنحني لمستواه: هاجي ألعب معاكم، بس أقعد مع خالو شوية… مش هاتسلم عليه؟


زين وهو يرفع وجهه لسليم بإبتسامة: إزيك يا أنكل؟


سليم وهو يبتسم له ويطبع قبلة على خده: الحمد لله، إنت عامل إيه يا بطل؟


زين:  كويس.


مدت مريم يديها الصغيرة لسليم ليحملها، فيلتقطها سريعًا ويطبع قبلة على خدها قبل أن يضعها أرضًا، فتضحك بسعادة وتركض مع زين للعب مجددًا.


ماسة وهي تتابعهم بإعجاب: عسلين قوي، ما شاء الله عليهم مش طلعين لاختك الحمدلله.


سليم وهو ينظر إليها بمكر: حنيتي للأولاد!


ماسة متعجبه: يعني ايه حنيت للأولاد؟


سليم وهو يضع يديه في جيبه: يعني… نفسك تجيبي طفل؟


صمتت ماسة للحظات، لا تريد خلق مشكلة، هزت رأسها سريعًا لتغير الموضوع:

لا، كل إللي بفكر فيه دلوقتي إزاي أظبط مواعيد نومي… عايزة حل، شوف لي حل!


سليم وهو يفكر لثوانٍ، ثم قال: بصي… أول حاجة، هانوقف القهوة والنسكافيه من بعد المغرب، تاني حاجة، هانمشي كل يوم نص ساعة في الجنينة قبل النوم ونشرب لبن دافي بالعسل… تالت حاجة.


اقترب فجأة ليهمس بصوت منخفض يحمل نبرة تهديد لطيفة: لو فضلتِ صاحية بعد نص الليل… هعرف إزاي أخليكِ تنامي غصب عنك!


فهمت ماسة ما يرمي إليه، فترفع يدها لتدفعه بخجل: ياااااه يا سليم! أنا باتكلم بجد!


سليم وهو يضحك ويضع يديه على كتفيها برقة:

وأنا كمان بتكلم بجد! بس يلا، النهاردة هنظبط مواعيدك، وأنا هساعدك متقلقيش.


ماسة وهي ترفع حاجبها بشك: يا رب… بص، لو لقيتني هنام في نص اليوم، أمنعني بأي طريقة!


سليم بحزم وابتسامة جانبية: همنعك، وهننام سوا الساعة 12… كده حلو؟


ماسة وهي تزفر بخفة ثم تبتسم: تمام!


ضحك سليم وطبع قبلة سريعة على جبينها.


زين بحماس: ماسة، تعالي ألعبي معانا!


ماسة بابتسامة دافئة: حاضر جاية ... كراميل هروح ألعب معاهم لحد مايحضروا الغدا!


هزت رأسها لسليم ثم جرت نحو الأطفال لتكمل اللعب معهم بسعادة، بينما يراقبها سليم بصمت.


عيناه تمتلئان بحسرة لا يبوح بها… يرى الابتسامة التي تعلو وجهها، لكنه يعرف أنها مجرد قناع. كم كان يتمنى أن تكون تلك الضحكات لطفلهما… أن تكون هذه اللحظات بينه وبين أبنته، لكن القدر حرمهما من ذلك. وربما لن يتمكنا من عيشها أبدًا.


أشاح بنظره بعيدًا، أخرج هاتفه، واتصل بطبيبه بصوت ثابت لكن يحمل توترًا دفينًا: ايوه يا دكتور، بقولك إيه… أنا عايز ميعاد، وعايز أعمل تحليل… شوف لي النسبة بقت قد إيه.


لحظة صمت، ثم أكمل: ماشي يا دكتور… سلام.


أغلق الهاتف، نظر إلى ماسة من بعيد… قلبه يضيق، لكنه يبتلع مشاعره كعادته.


بعد العشاء، قضى سليم وماسة بقية الوقت معًا، حيث حرص على تنفيذ خطته لمساعدتها في ضبط نومها.

مع مرور الوقت، شعرت ماسة بالنعاس في منتصف اليوم، لكنها لم تجد فرصة للاستسلام له، إذ كان سليم متيقظًا لكل حركة منها. كلما حاولت الاستلقاء، وجد وسيلة لإبقائها مستيقظة، سواء بمحادثات طويلة،أو حتى افتعال مشاحنات مرحة معها. في لحظة من الملل، تحول الأمر إلى حرب وسادات طفولية بينهما، ملأت المكان بالضحك حتى نسيت رغبتها بالنوم.

  

ثم احتست بكوب اللبن الدافئ، ثم خرجا للمشي في الحديقة تحت سماء الليل الصافية، حيث تبادلا الحديث والضحكات وسط النسيم المنعش


حينما دقت الساعة الثانية عشرة، قادها سليم إلى الفراش، حيث استلقت محاولةً النوم، لكنها شعرت بعدم القدرة على الاسترخاء. دون أن يقول شيئًا، مرر يده في شعرها بحركات هادئة، مستخدمًا صوته الخافت لتهدئتها. لم يمضِ وقت طويل حتى بدأت جفونها تثقل شيئًا فشيئًا، واستسلمت للنوم بين ذراعيه، بينما ظل ينظر إليها لبعض الوقت قبل أن يغلق عينيه وينام هو الآخر.


عندما دقت الساعة السادسة في الصباح الباكر، لم تكن ماسة قد استيقظت لم يترك لها سليم مجالًا للتكاسل أو العودة للنوم، بل تابعها خطوة بخطوة حتى نهضت من السرير وبدأت بتجهيز نفسها.


طوال الطريق كانت ماسة صامتة في البداية، لا تزال تحاول التأقلم مع الصباح المبكر، بينما كان سليم يراقبها بطرف عينيه، يلاحظ كيف تحارب النعاس.

مع الوقت، بدأ الحديث بينهما، يتخلله بعض المزاح والتعليقات التي جعلت الرحلة تمر بسلاسة.

حتى وصلا الى جامعة وبطبع لم ينسى سليم بتاكيد شرطه عليها.


💞________________بقلمي_ليلةعادل


الجامعة الأمريكية العاشرة صباحا 


داخل مدرج آثار 


جلست ماسة في الصف الأول، تتابع المحاضرة بإهتمام وتدون ملاحظاتها بخط مرتب.


خلفها بمدرج، جلست فتاتان تتبادلان الهمسات بنبرة فضولية.


ريماس همست لداليا وهي تنظر إلى ماسة: إنتي عارفة مين دي؟ شكلها مش غريب عليا.


داليا اندهشت: إنتي بتهزري؟ دي ماسة، مرات سليم الراوي.


ريماس اتسعت عيناها بدهشة: معقولة؟ سليم الراوي؟


داليا بثقة: ايوة.


ريماس تأملتها قليلًا: بس شكلها متغير شوية عن الصور.


داليا ردت بهدوء،: عادي، دي عملت حادثة كبيرة، لازم تتغير كده.


ريماس وهي تنظر من حولها: طب إيه حكاية الحراسة المشددة دي؟ عاملة زي رئيسة الدولة ولا الملكة.


داليا بفضول: بصراحة، أنا عايزة أتعرف عليها، ماتيجي نكلمها بعد المحاضرة؟


هزّت ريماس رأسها موافقة


عند انتهاء المحاضرة، بدأ الطلاب بالمغادرة، بينما بقيت ماسة في مكانها قليلًا، تنتظر أن يخف الزحام. نهضت بهدوء واتجهت نحو باب المدرج، لكن لم تمر سوى لحظات حتى اقتربت منها الفتاتان


ريماس بلطف: هالو.


لم تكد تكمل جملتها حتى تحرك الحراس فورًا، لكن ماسة رفعت كفها بإشارة هادئة تطمئنهم فيها

هز مكي راسه بإيجاب 


داليا بابتسامة: إحنا أول مرة نشوفك، ماحضرتيش معانا الترم الأول، بصراحة حبينا نتعرف عليكِ.


نظرت ماسة إليهما للحظة قبل أن تجيب بهدوء، بينما وضعت يدها خلف رأسها بحركة تلقائية: فعلاً، ماكنتش بحضر الترم الأول.


ريماس بترحيب: طب إيه رأيك نروح الكافيتيريا ونتكلم براحتنا؟


نظرت ماسة للحظة نحو مكي، الذي كان يراقبها عن كثب. ما إن هزّ رأسه موافقًا  قالت: ماشي يلا.


بدأت الفتيات بالتحرك.


الكافتيريا.


نرى ماسة و الفتيات يجلسن حول طاولة قريبة من النافذة. تبادلت ماسة نظرات سريعة مع الحراس الذين كانوا يقفون على مقربة، قبل أن تلتفت إلى الفتاتين اللتين كان الفضول واضحًا في عيونهما


ريماس مالت للأمام قليلًا: إيه بقى حكاية الحراسة المشددة دي؟ بصراحة مش تدخل بس الفضول قتلني، تقريبًا كل الجامعة بتتكلم عنك، مش بس كلية الآثار، AUC كلها مشغولة بموضوع البنت إللي دخلت بحراسة مشددة كأنها رئيسة دولة.


ابتسمت ماسة بلطف قالت موضحه: كنت متأكدة إنكم هاتسألوا، فعلا الموضوع مثير للفضول، بس الحكاية كلها إني اتعرضت لحادثة كبيرة، أكيد قريتوا عنها في السوشيال ميديا والجرائد والمجلات، وللأسف لحد دلوقتي ماوصلناش للجناة، فسليم خايف عليا، وعلشان كده الحراس موجودين معايا بشكل مكثف.


ريماس بعفوية: حتى في المحاضرات؟


هزت ماسة كتفيها: مش مهم، عادي، هو بيحبني وبيخاف عليا جدا.


داليا سألت بفضول: بس ليه مادخلتيش من الترم الأول؟


ماسة بدا عليها التوتر وهي تحرك أصابعها على بنطالها، لم تكن تريد أن تخبرهم أن سليم هو من كان يرفض ذلك حاولت الكذب ببراعه: كنت تعبانة، مريت بأزمة نفسية بسبب بنتي إللي ماتت، ماكنتش قادرة أتخطى الموضوع طول الفترة إللي فاتت، بس لما بدأت أكون أحسن، جيت.


ريماس رفعت حاجبها: طب وهاتعملي إيه في الترم الأول؟


ماسة بجدية: سليم قال لي هايكلم العميد ويشوف حل، يا إما أخده في السمر كورس أو يعملوا لي استثناء.


ريماس ضحكت،: خليه يكلم الوزير، جوزك ده حد معروف جدًا، ممكن يخليهم يعدوكِ عادي، ده بيحصل أصلاً، أغلب الطلبة هنا بيعدّوا من الأمتحانات بفلوس


ماسة ابتسمت: هعرف سليم..  انا مبسوطة إني اتعرفت عليكم وكان نفسي اوي يبقى ليا أصحاب هنا. 


داليا بحماس: وإحنا كمان، وهانعرفك على كل أصحابنا.


💞______________________بقلمي_ليلةعادل


قصر الراوي 


جناح سليم وماسة,السادسة مساءً


جلست ماسة بجوار سليم على الأريكة، متحمسة وهي تتحدث معه.


ماسة بحماس: واتفقنا بقى إننا هانخرج مع بعض كمان يومين!


سليم يبتسم بخفة: طب كويس هاتروحوا مكان معين؟


ماسة بتوضيح :تؤ، بس أنا قلت لهم لازم أنا أحدد علشان سليم يختار لنا مكان حلو.


أومأ سليم برأسه: خلاص تمام، فيه مطعم حلو على النيل. قلتي لي اسمهم ريماس وداليا، صح؟


ماسة بابتسامة: أيوه، داليا باباها دكتور استشاري كبير في جراحة الأورام، أما ريماس... مش فاكرة بصراحة.


سليم: طيب، اديني يومين أظبط المكان وأعرف البنات دول كويس وأقول لك تعملي إيه، بس بلاش اجتماعات زايدة، خليها في حدود لحد ماتأكد منهم..


قطبت ماسة حاجبيها: مش فاهمة؟


سليم بهدوء لكنه حازم: لازم أعرف هما مين دول الأول، وأعمل تحرياتي، وبعدها هقول لك تقربي منهم ولا لا.


ماسة بغيظ: تحريات؟! بجد؟ هو إنت مش واثق في اختياري  المفروض تحترم عقلي، لكن إللي بيحصل ده معناه إنك لا بتحترم عقلي ولا بتثق فيَّا، وكأنك شايفني طفلة مش عارفة أختار!


سليم بهدوء لكن بصرامة قال موضحاً: الموضوع مش كده،  أنا مش عايز أختارلك الناس إللي تصاحبيهم، كل الحكايه، لازم أكون اعرف مين دول؟ اعرف سلوكهم ومين أهليهم، إيه المشكلة في كدة؟


تحدثت ماسة بضجر،و نبرة متأثرة قليلاً:

سيبني أنا إللي أقرر! أنا إللي لازم أكتشف إذا كانوا ناس كويسة ولا وحشة، اكتشف أخلاقهم، وطباعهم، وكل حاجة! اديني فرصتي حتى لو غلطت إيه المشكلة، طبيعي الإنسان بيعيش علشان يتعلم. إحنا بني آدمين، وعلشان كده ربنا خلق الجنة والنار، في صح و غلط لازم أمشي في طريقي بنفسي، طبيعي أقع بس الشطارة إني أقوم وأتعلم من أخطائي. لكن طول ما إنت ماشي قدامي بترسم لي الطريق بالورد، هاتدمرني.


أشارت بأصابع يدها في وجهه بلوم، وقالت:

أوعى تكون فاكر إنك بتحميني أو بتحافظ عليّ، صدقني إنت بتدمرني!


نظرت له بحدة، ثم تابعت بنبرة عتاب:

سليم، أنا دخله على ٢٤ ولحد اللحظة دي ممكن أي حد يضحك عليّ عادي... انا لما اكتشفت كره أهلك ليا، مش علشان أنا بنت ذكية وجامدة، لا خالص، هما بس إللي كرههم باين اوي. لكن لو كانوا شطار شوية في التمثيل، صدقني كانوا نهوني، وماكنتش هاخد في إيديهم أسبوع. أنا مش هقدر أتعلم غير لما أواجه مصيري بنفسي، سيبني أعيش زي ما أنا عايزة!


رد سليم برفض وحزم، بنظرة حادة: لا، مش هاسيبك تختاري ولا تواجهي العالم ده لوحدك. أنا إللي هحدد مين تتكلمي معاه ومين لا، وأنا إللي هرسملك الطريق إللي هاتمشي فيه، يا كده يا مفيش خروج.


نظرت ماسة له بتحدٍ، ملامحها مليئة بالغضب سألت:

ولو رفضت شروطك؟


سليم بنبرة قطعية حادة: مش هاتخرجي من باب القصر ده أبداً ووقتها هاتشوفي معني السجن الحقيقي.


نظرت له ماسة لثواني ثم رفعت رأسها ونظرت للسقف بقلة حيلة، مسحت على مؤخرة رأسها، ثم هزت رأسها باستسلام ظاهري.


ماسة بهدوء مستفز وعينها تترقرق بالدموع: حاضر يا سليم، اسأل عليهم وأعمل تحرياتك وأرسم الطريق، شوف هما ناس كويسة ولا وحشة.. ماتثقش فيَّا، ماتثقش في اختياراتي... بس إنت بتزودها وبتضغطني، وصدقني، هاييجي يوم وهاتتفاجئ برد فعلي. إنت أكتر حد لازم يكون عارف إنك لحد اللحظة دي ماتعرفش مين ماسة.


سليم ابتسم نصف ابتسامة متعجبة ورفع أحد حاجبيه: بقيتي كمان بتهددي؟


ماسة ابتسمت بسخرية مماثلة: تربيتك يا روح قلبي.


ضيق سليم عينيه وهو يراقبها: إنتي بقيتي متمردة، ومش عاجبك حاجة، عايزة تمشي إللي في دماغك وخلاص.


رفعت ماسة حاجبيها بحدة وقالت بنبرة متأثرة: لا، أنا كبرت وفهمت إن لازم أتكلم، لازم أناقش، لازم أعمل حاجة وأنا مقتنعة بيها. أنا مش تمثال عندك تحطه في المكان إللي يعجبك. أنا بني آدمه، وليَّا حق أختار حياتي بالطريقة إللي تريحني طول مابعملش حاجة حرام أو غلط. 


قاطعها سليم بحدة وبنظرة قاسية: لا، غلط.


ماسة برفض تام نظرت له ورفعت حاجبيها: لا، مش غلط.


سليم بإصرار قرب وجهه لها: لا، غلط.


ماسة بتصميم بدون خوف بنظرة قوية: مش غلط.


سليم بحسم، ببحة رجولية، نظر داخل عينيها: وأنا بأقولك غلط.


نظرت ماسة بقوة داخل عينيه بتصميم: مش غلط، مش غلط يا سليم.


أضافت بنبرة متحدية: فيها إيه لما تسبني أختار؟ إيه المشكلة لو غلطت؟


ضغط سليم على أسنانه ونظر لها بخوف مبطن: لا، إنتي ماينفعش تغلطي، ماينفعش حاجة تحصل لك، ماينفعش حد يقرّب منك. أنا بخاف عليك بحميكي أفهمي بقى..


مرر عينه عليها متعجبًا، ثم أكمل بصوت متأثر:

إنتي ليه بتعملي كده؟ هو أنا بعذبك؟ أو حارمك من حاجة؟ أنا وعدتك إني هسيبك تخرجي، هسيبك تصاحبي زي ما إنتي عايزة، كل إللي هعمله إني هتأكد إنهم ناس كويسة، أهاليهم محترمين، مش بيشتغلوا في حاجة مشبوهة. غير كده، مش هتدخل.


هز رأسه محاولا اقناعها:

أصلك إنتي مش فاهمة إيه إللي بره الحدود أللي أنا رسمها لك دي، إنتي لو خرجتي بره،  هاتشوفي حاجات خيالك نفسه مايتصورهاش. الأفلام إللي بتاخدي منها معلوماتك صفر على الشمال من الحقيقة. الوحوش البشرية بره الحدود دي، أقل حاجة عملوها معاكي إنهم قتلوا بنتك وهي في بطنك!  


أضاف بنبرة رجولية: أنا بحافظ عليكي اقتنعي بقى.


كانت ماسة تنظر له بأنفاس متسارعة تشعر انه مبالغ في حديث ووجه نظر في البشر، هزت رأسها بلا وقالت بإصرار ورفض:

مش هقتنع يا سليم ولا هبطل أحاول، زي ما في ناس وحشة في ناس طيبة، حتى لو نسبتهم  صغيرة بس موجودين، لازم تفهم اني مبقتش البت الصغيرة إللي جبتها من البلد،، أنا كبرت، أنا عايزة أواجه البشاعة دي، و والوحوش دول، أنا حرة، كفاية خنقة! كلها كام شهر وهيبقى بقلنا 9 سنين متجوزين، وأنا جوة حدودك، ماشمتش نفسي غير مرة واحدة، لما كنت في الغيبوبة، وروحت المجموعة مكانك، ونجحت افتكرت إني خلاص. لكن رجعنا لنفس الدائرة ونفس الصندوق!  أرجوك.. كفاية! انت ليه مش بثق فيا.


سليم نظر لها بتركيز قال بنبرة هادئ لكنها قوية: أنا بثق فيكي، بس زمان كنت بخاف عليكي بحافظ على برئتك انما دلوقت زودي عليها بحميكي من اللي حاولو يقتلوكي وبحميكي حتى من نفسك حتى لو غصب عنك.


دقق  النظر داخل عينيها، قال بصوت حاد بحسم: ومش هسيبك يا ماسة تجربي! سواء بمزاجك أو غصب عنك، هتنفذي إللي أنا عايزه. العالم بره مش هيبقى ليكي، وهتفضلي ماشية على المسار إللي راسمه ليكي وده إللي عندي ... أما بالنسبة للبنات دول، مافيش كلام كتير معاهم لحد ماقولك تمام، ماتخلينيش أمنعك بشكل تام، إنتي عارفة إني قادر أعمل أي حاجة. لو إنتي شايفة نفسك متمردة، أنا دماغي مش موجودة أصلاً.


مسحت ماسة وجهها بضيق، بينما كانت تنظر إليه بملل، ونبرتها تكاد تنبئ بتعبها: والله العظيم، النقاش معاك يجيب المرض!


تحركت بعيدًا عنه بخطوات متثاقلة، واتجهت نحو الباب، كأنها تبحث عن مخرج من هذا الحوار الذي لا نهاية له.


سليم بصوت خافت لكنه محمل بالغضب: إنتي رايحة فين؟ مش بنتكلم؟


ماسة وهي تتحرك باتجاه الباب دون أن تلتفت: نازلة آكل، ممكن؟ ولا كمان محتاج تعمل تحريات، لحسن حد يكون حطلي سم فران؟ أووف!


خرجت ماسة من الغرفة وهي غاضبة، بينما جلس سليم على الأريكة، توتره وغضبه يسيطران عليه. فجأة، ضرب بيده بكل قوة على الطاولة الصغيرة أمامه، فانقلبت كل الأشياء عليها بعنف، متناثرة هنا وهناك تحت وطأة غضبه المتصاعد.


     الفصل الخامس والستون ج2 من هنا 

   لقراءة جميع فصول الرواية من هنا

تعليقات