رواية الماسة المكسورة
الفصل الخامس والستون 65 ج2
بقلم ليله عادل
في المطبخ
جلست ماسة على الطاولة، تتناول الطعام ببطء وتحاول تهدئة نفسها، تعلم أن عليها التعامل بذكاء مع سليم، فالمواجهة المباشرة لن تنفع. الأهم من كل شيء الآن، أنه سمح لها بالخروج من ذلك القفص الذهبي، وعليها أن تحافظ على هذا المكسب، فإذا أصرت على العناد، سيعيدها إلى نقطة الصفر، وعندها لن ترى الشارع مرة أخرى وستخسر.
تأخذ لقمة أخرى، تحاول التركيز على الطعام بدلًا من التفكير في عناد سليم المجنون. فلديه أفكار لا يمكن أن تُفسَّر بالمنطق، وهذا يعني أنها يجب أن تساير عقله. بموافقة شكلية، ثم تنفذ ماتريد بطريقتها الخاصة.
بعد أن أنهت طعامها، صعدت إلى جناحها. دخلت بهدوء، لتجد سليم جالسًا على الأريكة، يحدق في التلفزيون. لكن نظراته كانت شاردة تمامًا، وكأنه لا يشاهد شيئًا. وما إن لمحها تدخل، حتى أمسك الريموت سريعًا ورفع الصوت قليلًا، متظاهرًا بالانشغال.
ابتسمت لنفسها، تعلم أنه كان مستغرقًا في أفكاره، ويفكر بها، بالتأكيد لم يكن سعيدًا بما حدث.
اقتربت وجلست بجانبه، أمسكت بطبق صغير من الحلويات وأخذت قطعة، قبل أن تميل برأسها نحوه قائلة بهدوء.
ماسة بتساؤل: هاترد عليا إمتى في موضوع الخروجات؟ علشان أعرف البنات.
سليم دون أن ينظر إليها: قلت لك يومين.
ماسة بحاجبين مرفوعين: يعني الجمعة تمام؟ يوم الجمعة ترد عليا؟
أومأ سليم برأسه دون اهتمام: أيوة.
ماسة بابتسامة خفيفة وهي تضع قطعة حلوى في فمها: حلو، يبقى أعمل حسابك على يوم الاثنين أو الثلاثاء، هخرج مع صحباتي، إيناس وداليدا وهبة وريتال، وهانقعد في النادي.
التفت سليم لها أخيرًا: لا، مش هاينفع النادي. مش هينفع أماكن مفتوحة.
ماسة بتنهيدة نظرت في زاويته متعجبه: متفقناش على كده.
سليم بجدية: إحنا أصلًا ماتفقناش ولا اتكلمنا في الأماكن. الأماكن إللي هاتخرجي فيها لازم تكون مقفولة.
ابتسمت ماسة ابتسامة باردة: ماشي يا سليم، أختار المكان زي ما أنت عايز.
رفعت عينيها إليه بلمعة تحدٍ، وأضافت بنبرة مستفزة: وأنا بقى عايزة أروح الملاهي .
سليم ضيق عينيه قليلًا: هو إنتي بتعاندي مين؟
ضحكت ماسة وهي تأخذ قطعة أخرى من الحلوى: مش بعاند، أنا بقالي سنة ونص مابخرجش، فعندي حماس كده، للخروج في كل حتة، عندي فرط حركة، نفسي أروح الملاهي يا سالوملوم.
ثم اتكأت على مسند الأريكة، تتصنع التفكير قبل أن تضيف بمكر:
هو مش إنت سليم الراوي الجامد؟ الشبح إللي بيفتح أي حاجة مقفولة؟ استنى لما الملاهي تتقفل وافتحها لي.
سليم راقبها للحظة، قبل أن يهز رأسه بابتسامة صغيرة فهو يفهمها جيدا فهي تربية يده: ماشي يا ماسة، بكرة هوديكي الملاهي يا ماسمستي.
تراجعت ماسة قليلًا، وضعت يدها على قلبها بمبالغة قالت بتأكيد: وعد؟
مال سليم نحوها هامسًا بصوت خافت لكنه واضح بابتسامة جانبيه: وعد يا ماستي المتمردة.
ابتسمت ماسة بإرتياح، أخيرًا بدأت تفهم كيف تدير الأمور. لا فائدة من العناد، بل الاستغلال الذكي. منحته الشعور بالسيطرة، لكنها في النهاية تحصل على ماتريده لكن لا تعلم ان سليم يفعل ذلك بمزاجه لانه يريد ذلك فقط.
بعد لحظة، نهض سليم من مكانه، أمسك بهاتفه وخرج ليجري مكالمة، بينما بقيت هي مكانها، تتأمل التلفزيون دون اهتمام حقيقي. لم تكن تشاهد، كانت فقط تفكر..
💞___________________بقلمي_ليلةعادل
في أحد المطاعم الفخمة، الثامنة مساءً.
كان طه ومنى يجلسان على طاولة أنيقة. أرتدى كلٌ منهما ملابس راقية تليق بجو المكان الساحر. اقترب النادل بخطوات هادئة، وضع كاسين من النبيذ الأبيض أمامهما، ثم أخذ الطلبات وغادر بابتسامة رسمية.
مدت منى يدها نحو كاسها، تبتسم بخفة وهي ترفعه لطه.
منى برقه: تشيييرس
رفع طه كاسه وخبطه بكاسها برفق : تشيييرس
ارتشفا منه رشفة خفيفة، كأنهما يحاولان كسر الجليد العالق بينهما منذ زمن.
تنهدت منى، ونظرت إليه بعينين يحملان شيئًا من العتاب: إحنا بقالنا كتير ماخرجناش مع بعض وقضينا وقت حلو.
تنهد طه بتعب: إنتي إللي اتغيرتي كتير يا منى... وأنا مش عايز أتكلم في الموضوع ده دلوقتي
سحبت منى نفسًا عميقًا، ثم قالت بنبرة هادئة: طه، لازم تفهم حاجة... كل إللي كنت با أعمله، كنت بعمله علشانك وعلشاني وعلشان ولادنا. وبعدين، الهانم كانت معانا من أول لحظة، وهانو عليها، تفكر مش هايهونوا عليا أنا كمان؟
نظر طه نظرة طويلة تنهد وحاول تغيير الحديث فهو أصبح لا يصدقها بعد الآن ويعلم جيدا إنها تفعل ذلك لمصلحتها الشخصية: قوليلي، رشدي لسة بيضايقك؟
منى هزت راسها بلا: الفترة دي ساكت... مابيكلمنيش... وده إللي مخليني مستغربة
ارتشف طه رشفة صغيرة من كأسه قبل أن يرد بصوت مغمغم:: ده شيء برضو مش مطمنّي... أنا خليت الحراس يركزوا أكتر مع الولاد، وكلمت الهانم، وطمنتني إنه مش هايقرب منهم لكن لازم نحذر.
لمعت عينا منى بغضب مكتوم وهي تقول: رشدي دلوقتي ملموم على بنت مدمنة، وإن شاء الله قريب يبقى زيها.
رفع طه رأسه مستنكرًا: وإنتي تعرفيها منين؟
ارتبكت منى قليلا، عدلت شعرها: مافيش... إحنا كلنا مشتركين في نفس الجيم، وليا كلام خفيف معاها... وعرفت إن هي ورشدي قريبين جدًا الفترة دي، مش بيسيبوا بعض.
طه بسخرية: هي دي المستويات إللي رشدي يعرفها؟!
منى: بالظبط
ساد بينهما صمت قصير، لم يقطعه سوى صوت الموسيقى الخافتة في أرجاء المكان.وجاء النادل وضع الطعام ورحل بدأوا في تناوله ثم عادت منى تتحدث بنبرة أكثر دفئًا.
منى تحاول استرجاعه: طه، أنا نفسي نرجع زي زمان... والله أنا خلاص شلت موضوع ماسة وسليم من دماغي. مابقيتش أقعد معاهم كتير، ومابقتش أعرف هما بيفكروا في إيه. إللي عرفته إنهم متضايقين من سليم ومن تحكماته الزيادة. بس قدامي مافيش حاجة. وأنا مش عايزة أبقى وسطهم تاني حابة أكون معاك،. أنا بس عايزاك تركز في شغلك، تبني مشاريعك الخاصة، وتقرب من سليم... هو أثبت إنه حماية حقيقية، وهايقدر يحمينا
ظل طه يحك ذقنه بتفكير عميق قال باستهجان: منى، أنا مش عايز أعيش وسط صراعات... بس فعلا، سليم أنضفهم كلهم، وأنا واثق إنه هايحمي ولادي،
أكمل بغل وضيق: نفسي أدفع رشدي تمن تفكيره إنه يهددني بولادي... ومش عارف إزاي.
رفعت منى كاسها، رشفَت منه رشفة صغيرة، وعيناها تلمعان بدهاء خفي: نفكر... بس مش هاينفع ناخد أي خطوة مكشوفة. لازم اللعب يكون بخبث... زي ما هما عملوا الحادثة من غير ما حد يحس بيهم، إحنا كمان هانمشي من غير ما حد يحس بينا.
طه متردد بكراهية: الشخص الوحيد المستحيل أعاتبك إنك تعملي معاه أي حاجة هو رشدي بس أنا الصراحة مش عايز مشاكل دلوقتي.
منى امسكت يده: توتي خلاص ولا لسه؟!
طه بطريقتها: لما اتاكد من صدقك نوايكي وافعالك يا منوشي.
منى: هتشوف
الملاهي العاشرة مساءً
توقفت سيارة سوداء أمام بوابة الملاهي، هبط منها سليم وماسة، يتبعهما الحراس الذين اتخذوا مواقعهم فورًا.
توقفت ماسة عند المدخل، تنظر حولها بدهشة، فلا ترى أي زحام، لا أطفال يركضون،و لا طوابير أمام الألعاب، فقط الملاهي بأكملها تحت تصرفها. التفتت لسليم بعيون متسعة.
ماسة باندهاش:الملاهي فاضية!
سليم بابتسامة جانبية: آه، فضهالك لوحدك زي ماطلبتي اقترب من وجهها أنا سليم الراوي.
وضعت ماسة يدها على فمها، ثم ضحكت بسعادة، أخذت تدور حول نفسها بحماس، ثم هتفت وهي تقفز: أخير وجيت الملاهي الله الله.
شعرت أنها عادت للأيام السابقة..
قالت بفرحة: إنت مجنون؟ بجد عملت كده علشاني؟!
تبسم سليم ورق كبريائه نظر لها بحب، وضع يديه في جيبي بنطاله واقترب منها قليلًا.
سليم بنبرة دافئة: إنتي عارفة إن سليم بيعمل أي حاجة عشانك... يا رب ترضي يا ماستي المتمردة.
ابتسمت ماسة، وحدقت به للحظة ضمته بشدة، قبل أن تركض نحو إحدى الألعاب بحماس طفولي، تضحك، تصرخ، وتعيش اللحظة بكل ما فيها.:
فنشاهدها وهي على القطار السريع: وهي تصرخ وتضحك أيضاً على الألعاب المختلفة كلعبة الساقية، بساط الريح، بيت الرعب ..وهكذا ..بينما سليم كان يشاركها الألعاب، وعينيه تراقبانها بحب وسعادة.
بعد فترة..
توقفت ماسة في الساحة، تلتقط أنفاسها، ثم أمسكت يد سليم فجأة وسحبته بحماس.
ماسة بحماس تشير نحو لعبة النيشان: يلا نلعب دي! وإللي يكسب ليه عند التاني طلب.
رفع سليم حاجبه بمكر: متأكدة؟ إنك قد التحدي؟
نظرت ماسة داخل عينيه بثقة و تحدي: قده.
أمسكت ماسة البندقية بمهارة واضحة، صوبت بثقة، ضغطت على الزناد، وتصيب الهدف في منتصفه تمامًا. ارتسمت على شفتيها ابتسامة انتصار.
نظر الجميع إليها بدهشة، حتى سليم نفسه رفع حاجبيه مستغربًا.
سليم بدهشة: إيه ده؟! إنتي كنتي بتتدربي؟!
ابتسمت ماسة بانتصار، أدارت رأسها إليه ببطء، ثم استندت على الطاولة برفق، نظرت له بنظرة واثقة.
ماسة بخفة: أيوه، كنت بتدرب.
ضيق سليم عينيه قليلاً: مع مين؟
دارت ماسة حوله وهي تعبث بالبندقية بين يديها، ثم رفعت عينيها له بابتسامة واسعة.
ماسة بنبرة ساخرة: كنت بخلي مكي يدربني لما كنت حابسني.
ساد الصمت المكان.
راقبها سليم بصمت، عيناه جامدة، ملامحه لا تعكس أي إنفعال.
ماسة بستفزاز: إيه؟ ساكت ليه؟
سليم بنبرة هادئة لكن عميقة: خلصتي؟
تجمدت ابتسامة ماسة للحظة، لمحت في عينيه نظرة تعرفها جيداً، مزيج من البرود والجمود وكأنه فقد اهتمامه بالرد عليها. ليس لأنه لا يهتم، بل لأنه اختار ألا يدخل معها في هذا النوع من النقاش.
ثم، بكل هدوء، أخذ البندقية من يدها، صوب وأطلق الرصاص، أصاب جميع الأهداف بدقة متناهية.
سليم بكبرياء وثقة: لسة بدري عليكِ.
رمى البندقية جانبًا، وضع يديه في جيوبه،وتحرك مبتعدًا عنها.
راقبته ماسة وهو يبتعد، عضت داخل خدها، ثم لحقت به بخطوات سريعة.
ماسة بحماس طفولي: لا لا، أنا متأكدة إني ممكن أكسبك أو على الأقل نتعادل!
سليم دون أن ينظر إليها: إنتي بتحلمي.
ضحكت ماسة بخفة: تعال أجيب لك غزل بنات.
توقف سليم عن المشي، التفت إليها، رفع حاجبًا، ثم هز رأسه بسخرية: إنتي إللي عايزة غزل بنات.
ابتسمت ماسة ابتسامة واسعة، هزت رأسها بالإيجاب.
نظرسليم إليها للحظة، ثم تنهد وكأنه استسلم، فعشقه لها يجعله يضعف أمام عنادها ولا يستطيع المقاومه طويلاً، تحرك نحو العربة الصغيرة ليشتري لها غزل البنات.
أكلت ماسة غزل البنات بسعادة، واستمتاع، بينما وقف سليم بجوارها ينظر لها بملامح مسترخية، كأنه يراقب طفلة صغيرة.
مدت يدها ووضعت قطعة أمام فمه فجأة، نظر لها بإبتسامة تناولها منها.
استكملا اللعب معًا، عادت الضحكات تعلو والأجواء أصبحت هادئة،، لم تعد ماسة تتحداه أو تضايقه بعندها، بل أخذت تستمتع بكل لحظة معه. وكأنها أرادت أن تعيش معه لحظات كما كانت أيامهما الماضية.
ظهرت خيوط الشمس الأولى ليخرجان من الملاهي،
ابتسمت ماسة بسعادة، فتح سليم لها باب السيارة، توقفت، تنظر إليه للحظة طويلة، ثم صعدت
انطلقا عائدين إلى القصر، حيث ينتظرهما واقع مختلف تمامًا.
في جناح سليم وماسة
بعد أن قضى سليم وماسة وقتًا جميلًا في الملاهي، تمامًا كما في سنواتهم السابقة، عندما كان الحب هو العنوان الوحيد لقصة عشقهما، عادت ماسة إلى الجناح وهي تشعر بفرحة لم تختبرها منذ زمن.
توقفت للحظة وهي تبدل ملابسها، بينما كان سليم يجلس على الفراش بملابس منزلية، يراقبها بصمت. رأى في ملامحها شيئًا افتقده طويلًا، تلك الحيوية والمرح اللذان ميزاها في سنواتهم الأولى.
التفتت إليه ماسة بإمتنان وعيناها تشعان بالحب، ثم قالت بابتسامة حنونة صادقة:
شكرًا يا سليم على اليوم الحلو ده،ربنا يخليك ليا ياحبيبي، بجد كنت محتاجاه اوي.
اقتربت منه وجلست بجانبه، ثم أمسكت بيده برفق وهي تتابع بحنين:
عارف.. حاسة إننا رجعنا زي زمان، لما رحنا الملاهي لأول مرة.. فاكر؟
هزّ سليم رأسه وقال بنبرة هادئة خافتة: فاكر.
تنهدت ماسة وهي تبتسم: كانت أحلى أيام..حسيت إننا رجعنا لها تاني، حتى لو لساعات.. تعرف، أنا بشتاق للأيام دي، حتى لو دقيقة واحدة.
لكنها لاحظت نظراته الثابتة عليها، فتساءلت بإستغراب: مالك بتبص لي كده ليه؟
ظل سليم صامتًا للحظات، وكأنه يبحث عن الكلمات، ثم قال بصوت يحمل مزيجًا من الحيرة والإنزعاج: هاتجننينى معاكي،د..
نظرت له متعجبة أجابها: يعني لإنك رجعتي زي الأول، وده إللي مجنني.. ساعات بلاقيكي هادية ومرحة، وساعات تانية بتكوني في غاية الصعوبة.. عصبية، مستفزة.. عندية بشكل صعب، مش عارف أتعامل معاكي إزاي!
نظرت إليه ماسة بعينين عميقتين، قبل أن تقول بهدوء:
وأنا كمان نفسي يرجع سليم بتاع زمان، لكن دلوقتي.. شايفاه مجرد ملامح، ملامح من سليم كراميل لكن سليم نفسة لا مبقاش موجود اتبدل،
لكن سليم نفسه لازم يفهم إني مجرد رد فعل.. رد فعل لطريقته معايا.
قطب سليم حاجبيه وقال بحزم: وأنا مش هقولك تاني يا ماسة، أنا بأحميكي وبحافظ عليكي.
أشاحت بوجهها بعيدًا وقالت بنبرة قاطعة:
مش عايزة أتكلم في الموضوع ده.
ردّ سليم بنفس الحدة: ولا أنا كمان.
ساد الصمت لثوانٍ، قبل أن تتنهد ماسة وتقترب منه بنظرات أنثوية حارة، مرت أناملها على لحيته برقة وهمست: ماوحشتكش؟
تنهد سليم بعمق، يشعر بالجنون من تصرفاتها، هي الآن قريبة، وربما بعد ساعات تعود إلى تمردها المعتاد. لكنه قرر ألا يفكر في ذلك، وبدلًا من ذلك، اختار أن يعيش هذه اللحظة بكل مافيها من حب.
حتى لو بعد ساعات ستعود لتمردها.
ابتسم لها أخيرًا وقال بصوت خافت:
وحشتيني أوي كمان.
تبادلا النظرات بعشق وشوق وهما ينظران لشفتي بعضهما برغبة أخذا يقتربان وتبادلا قبلة عاشقة عاصفة.
بعد قليل انجرفا معًا إلى عالمهما الخاص، حيث لا يوجد سوى العشق الذي كان دائمًا يجمعهما رغم كل شيء.
💞_______________بقلمي_ليلةعادل。◕‿◕。
خلال اليومين
بدأت ماسة تذهب إلى الجامعة، رغم أنها كانت لا تزال تواجه صعوبة في تعديل وقت نومها، لكنها كانت تحاول، وسليم كان بجانبها يدعمها. في ذات الوقت، بدأ سليم في إجراء تحريات حول أصدقاء ماسة، وعندما تأكد أنهم لا يشكلون أي تهديد عليها، قرر منحها الإذن للتعامل معهم بحرية كما تشاء. بعدها، اتفقت ماسة مع صديقاتها على الخروج في يوم محدد.
في أحد الكافيهات، الرابعة مساءً
نرى داليا وريماس جالستين على طاولة بالقرب من النافذة، تتبادلان الحديث بينما ترتشفان قهوتهما. فجأة، تلتفتان معًا عندما ترصدان ماسة تدخل ومعها سليم. المكان هادئ نسبيًا، واضح أن سليم تعمّد تقليل الزحام. الحراس منتشرين بهدوء في زوايا المكان، وأحدهم يقف عند الباب.
داليا ابتسمت وهي تنهض لتعانق ماسة: أخيرًا جيتي! تأخرتِ علينا يا بنتي.
ماسة ضحكت وحضنتهما: معلش، والله الدنيا زحمة.
ريماس غمزت لداليا وهي تنظر إلى سليم: بس لحظة... مش ده سليم جوزك؟ ولا الحارس بتاعكم شبهه؟
ماسة ضحكت ونظرت نحو سليم الذي كان يراقبها من بعيد قبل أن يجلس على طاولة قريبة منهم: لا يا ستي، هو سليم بنفسه.
داليا حدّقت بدهشة: وجاي معاكي ليه؟ خارجين بعدها ولا إيه النظام؟
ماسة احمرّت وجنتاها قليلًا، خفضت نظرها وهي تشعر بعدم قدرتها على شرح الموقف: بصراحة... مش عارفة أقولك إيه؟!
تنهدت وابتسمت بإرتباك وأضافت: هو حب يكون موجود معايا... بس زي إللي مش موجود، اعتبروه مش موجود.
داليا تمتمت وهي تنظر لسليم: ده شكله خنيق، هو كده على طول، صح؟
ماسة دافعت عنه بسرعة، نظرت نحو سليم بحب ثم عادت لداليا: لا، ولا خنيق ولا حاجة، بالعكس، هو كويس جدًا وبيحبني، وبيخاف عليا، وبعدين الحادثة إللي حصلت لنا ماكانتش صغيرة، ده طبيعي إنه يكون قلقان.إنتم متضايقين؟
ريماس ابتسمت: إحنا مش متضايقين، بس بصراحة الموقف غريب، أول مرة تحصل.
مالت ماسة برأسها وضحكت بحنان: ولا يهمكم يا عسليات، المهم إحنا هنا وهانستمتع بوقتنا.
اتعمله كانه مش هنا وهو كمان مش هيحسسكم بده.
بدأ الثلاثة في الحديث والتعرف أكثر على بعض، طلبوا الطعام وتناولوه معًا وسط الضحكات. ماسة أخبرتهما أنها ستُعرّفهما على سلوى في المرة القادمة.
كان سليم لا يرفع عينيه عن ماسة، يراقبها بصمت، يختلس النظر إليها بين الحين والآخر. لم يكتفِ بذلك، بل جعل أحد الجرسونات يتذوق الطعام قبل تقديمه لهم، كما جعل مكي يقف عند الطباخ ليشرف على إعداد الطلبات بنفسه.
ريماس لاحظت مكي وهمست لماسة: هو إللي مع سليم ده صاحبه؟
ماسة ابتسمت: أيوه، مكي... خطيب سلوى.
ارتسمت على وجه ريماس وداليا الابتسامات، وتبادلا النظرات المندهشة، قبل أن تستمر الأحاديث، والضحكات حتى إنتهى اللقاء وغادر الجميع
في أحد الكافيهات النيلية الثانية مساءً
جلست سارة وصافيناز على طاولة قريبة من السور المطل على النهر، أمام كل منهما كوب عصير بارد، بينما كانت سارة تمسك الشيشة وتنفث دخانها بتكاسل.
مدت صافيناز يدها تمسك بكف سارة بحنين:
بس حقيقي وحشتيني يا ياسو... افتقدتك أوي الفترة إللي فاتت... أخيرًا رجعتي، مافيش سفر تاني؟
ابتسمت سارة وربتت على يدها برفق:
وإنتي كمان يا صافي... كنت محتاجالك بجد... بس إنتي مابتفضيش إلا لمؤامراتك على إخواتك والماركتينج بتاعت مشروعك.
ضحكت صافيناز ضحكة خفيفة، ثم مالت للأمام:
والله العظيم يا بنتي أنا مضغوطة... مضغوطة آخر ضغط، شغلي ومشروعي إللي عايزة أكبره وأبقى عالمية... وكمان شغل المجموعة... مابقاش عندي نفس أتنفس.
أخذت سارة نفس من الشيشة ببطء: ماشي يا ست المهمة... ربنا معاكي.
صافيناز تساءلت متعحبة: تعالي هنا، قوليلي، إمتى اتجوزتي واتطلقتي وأنا مش دريانة بحاجة؟!
ضحكت سارة قالت بنبرة مرحة: يا ستي، أتعرفت على راجل أعمال إماراتي، حبينا بعض واتجوزنا بسرعة، وبعدين طلع كشر، وبيغير وحاجة كدة آخر قرف، اتطلقت... بس وأنا خارجة من القصة، اكتشفت إني حامل.
ضحكت صافيناز بسخرية وهي تهز رأسها:
إنتي أصلًا مالكيش في الجواز... إنتي تخليكي كدة أحسن.
ابتسمت سارة ابتسامة واسعة: هو ده إللي هعمله.
ثم اقتربت منها قليلًا، وخفضت صوتها بنبرة فضولية
طيب إنتي... عاملة إيه مع عماد؟
صافيناز ردت بإبتسامة محبة: عمودي مافيش زيه... أنا معرفش إزاي متجوزتهوش الصراحه عمري ماحاسه انك صاحبه الفضل في ان اتعرف على عماد.
سارة نظرت لها نظرة بغل مبطن: اه طبعا يا حبيبتي هو انا هلاقي اغلى منك الانتيمي، وماجوزتوش علشان ماخسرهوش انتي عارفه خلقي ضيق.
ساد لحظة صمت بينهما قبل أن تسأل صافيناز:
قوليلي ولادك فين؟
سارة وهي تدخن من الشيشة، أجابت بلا مبالاة: مع ماما... بره
ثم تابعت سارة بفضول: و انتي مش ناوية تخلفي تاني؟
صافيناز بحزم: لا... كفاية عليا مريم وزين أوعي، ياسو اوعى تمشي تاني مش هسمحلك، ما تخلينيش استخدم معاكي اساليب عيله الراوي.
ضحكت سارة بنظرة لها معنى: ماتقلقيش أنا هنا مش هروح في أي مكان.
وخلال الفترة،
بدأت ماسة في الذهاب إلى الجامعة بشكل منتظم بعد أن تمكنت من تعديل مواعيد نومها. لم تكن علاقاتها بزملائها هناك قوية، لكنها كانت تتبادل معهم بعض الأحاديث والضحكات. ومع ذلك، كلما خططوا للخروج معًا، لم تكن تستطيع مرافقتهم بسبب رفض سليم.
قصر الراوي، السادسة مساءً
الصالون
نرى ماسة تتحرك في الصالون وهي ممسكة بين يديها طبقين فوق بعضهما. جلست على الأريكة وربعت قدميها وبدأت في تناول الطعام. كان الطبق يحتوي على ورق عنب وفراخ مع مخلل. بعد وقت، جاءت فايزة مع صافيناز من الحديقة. انتبها لتواجد ماسة
اقتربت فايزة بضجر شديد، كانت تشعر أن ماسة تتحداها، ومن هي لتفعل ذلك؟
انتبهت صافيناز لها وأمسكت يدها قائلة: مامي، أهدي.
لكن فايزة سحبت يدها بقوة وتوقفت أمام ماسة.
فايزة، والغضب يشتعل في صوتها: إنتِ بتتحدّي مين؟ عايزة أفهم! مش هاتبطلي بقى تتصرفي زي الخدامين؟
نظرت لها ماسة بإستغراب، ثم تناولت قطعة من ورق العنب وقالت ببرود: هو الخدامين بيعملوا إيه علشان أنا معرفش؟ أصل أنا لما كنت لسه خدامة، مش شايفة إننا كنا بنعمل حاجة خارقة، وإللي زيك مايعملهاش.
اتسعت عينا فايزة قائلة بحدة: إللي زيي؟ إنتي نسيتي نفسك.
ماسة بثقة: لا، أنا مانسيتش نفسي، أنا بس بردّ عليكِ.
صافيناز محاولة تهدئة الموقف: ماسة، المكان ده مش للأكل وإنتِ عارفة كده كويس، أنا مش عارفة إنتي بتتكلمي كده ليه؟؟وليه بتعملي كده؟
ماسة ببرود: والله أنا آكل في المكان إللي يعجبني.
فايزة، بحدة: أوعي تكوني فاكرة علشان سكتالك طول الفترة إللي فاتت، هاتفردي ظهرك؟ ولا فاكرة إني هخاف لأنك هاتقولي لسليم؟
نظرت ماسة خلف فايزة، ثم قالت بهدوء ساخر: وأنا أقول لسليم ليه؟! لما إحنا الأتنين ممكن نقوله.
في تلك اللحظة، اقترب سليم، ممسكًا بباقة ورد، وابتسامة خفيفة تعلو وجهه، لكنه ما إن رأى التوتر بينهما حتى عقد حاجبيه وسأل بحدة:
سليم متعجبا: فيه إيه؟ مالكم واقفين كده؟
ماسة، بهدوء تام: مافيش… مامتك مش عاجبها إني باكل هنا وبتزعق لي، وبتقول لي بطلي تتعاملي زي الخدامين.
حين سمع سليم ذلك، رمى بالباقة على الطاولة بقوة، وقال بصوت جاف وحاد كحد السيف: هو إنتم مابتتهدوش؟ مابتزهقوش؟ نفس الملل، نفس السيناريو! أكتر من سبع سنين ونص من ساعة مارجعت مصر وإنتِ مابتتغيريش! مابتزهقيش؟ تفتكري يعني الأفلام إللي بتعمليها دي هاتجيب نتيجة؟
فايزة، تحاول الحفاظ على هدوئها، لكنها تشعر بثقل نظراته: إنت شايف إللي بتعمله مراتك يصح؟ أنا كلمتها بهدوء خالص، وبقول لها ماينفعش تاكل هنا، كُلي على السفرة، إيه إللي أنا غلطت فيه؟
صافيناز محاولة التهدئة: على فكرة يا سليم، إحنا بنحب ماسة، هي بس إللي مش حاسة بده، حاطة في دماغها إن إحنا بنكرهها، وبنمثل عليها المحبة. حتى قالت لنا كده.
ضحكت ماسة بسخرية على حديث صافيناز، ثم تناولت قطعة أخرى من ورق العنب ببطء، بلا مبالاة.
اقترب سليم من فايزة وهو ينظر داخل عينيها بتحدي قال بنبرة ناعمه: ماسة عشقي
ماسة بتركي: افندم اشكم.
سليم كلي في المكان اللي يريحك يا قلبي مفهوم
ماسة بابتسامة تراسم في عينيها بغيظ: مفهوم.
قال سليم بنبرة حادة لكن بهدوء: فايزة هانم أنا مراتي مش خدامة. عايزة تعرفي مين الخدامين؟
ألقى بالمفاتيح من يده على الأرض، ثم قال بصوت جهوري وهو ينظر مباشرة داخل عينه فايزة بعين لا ترمش: صافيناز، هاتي المفاتيح إللي وقعت.
تجمدت صافيناز لثوانٍ، ثم ابتلعت ريقها وانحنت لتلتقط المفاتيح، وقدمتها لسليم.
سليم بإشارة باردة وبأمر: حطيها على الطاولة.
تنهدت صافيناز وألقت المفاتيح على الطاولة، بينما كان سليم يحدق في وجه فايزة بعين لا ترمش، موصلًا لها رسالته بوضوح، من دون الحاجة للمزيد من الكلمات.
ثم أكمل، بنبرة أخطر: المرة الجاية، لو سمعت الكلمة دي تاني… هدخل أوضة نومك إنتي والباشا، وآكل فيها أنا وماسة على السرير، إيه رأيك؟ وتبقى هي السفرة!!
بوضوح وحزم: مراتي تعمل إللي هي عايزاه في بيتها. البيت ده ملكي، ووجود أي حد هنا مش حق… ده فضل.
اقترب أكثر من فايزة، صوته كان كالسيف القاطع:، خليكي عارفة حدودك.
حاولت صافيناز التدخل، لكن نظرة واحدة من عينيه جعلتها تصمت فورًا.
حاولت فايزة أن ترد بقوة، لكن صوته قاطعها: مفيش ولا كلمة زيادة! أنا طول الفترة إللي فاتت ساكت، احتراماً إنك امي، لكن واضح إن السكوت خلاكوا تنسوا مين إللي بيحكم القصر ده وتنسوا مين هو سليم افتكرتو سكوتي ضعف.
ثم ألتفت إلى الجميع، بنبرة جعلت الجو كله ثقيلًا بأمر:
من النهاردة…إللي هايتعدى حدوده مع ماسة… مش هايبقى ليه مكان هنا. ولا في العيلة دي أصلًا! مسامحة زمان دي انتهت من القاموس، إللي جاي أفعال.
تراجعت صافيناز خطوة للخلف، وملامحها ممتلئة بالرهبة. فتحت فايزة فمها لترد، لكنه رفع يده بإشارة صامتة جعلتها تصمت رغمًا عنها.
سليم، بصوت أكثر قسوة: أنا مش بأهدد.أنا ببلّغ. ولو مش عاجب حد… الباب قدامه.
نظرت ماسة لهم ببرود، ثم ألتقطت قطعة ورق عنب وتناولها بهدوء، كأن ما يحدث مجرد عرض مسرحي ممتع.
ألتفت سليم إليها، نبرته تغيرت قليلًا لكنها تبقى حازمة: كُلي براحتك، يا عشقي. هنا محدش ليه كلمة غيري، ومش هقول تاني…إللي مش عاجبه يتفضل.
شدّت فايزة يد صافيناز بعنف وهي تغادر، فهي تعرف جيدًا… أن سليم ليس شخصًا يمكن مواجهته.
جلس سليم وماسة على الأريكة بجوار النافذة، يطلان على حديقة القصر.
سليم بإهتمام: إيه الأخبار؟ عملتِ إيه النهاردة؟
ماسة: تمام، كله تمام. بقول لك إيه، أعمل حسابك هانخرج أنا والبنات، شوف إمتى بقى علشان أتفق معاهم.
سليم: خلاص، هظبط كده وأقول لك. عايزة تروحي مكان معين؟
ماسة: لا، عايزين ناكل في مطعم كده مع بعض.
سليم: طيب.
ماسة مترددة: بقول لك إيه… هو لازم تيجي معايا؟ ماكفاية مكي والحراس؟ سليم، أنا شكلي وحش أوي، أصحابي بيتريقوا عليا.
سليم، ببرود: بيتريقوا عليكِ؟ دول غيرانين منكِ، وبعدين، هو أنا بضايقك؟
ماسة، بتنهيدة: مش بتضايقني، بس فعلاً يا سليم حاجة صعبة أوي إنك تيجي معايا. يعني إنت إللي هاتحميني؟
سليم بحزم: ماسة، ده الشرط.
ماسة مستسلمة: طيب يا سليم زي ماتحب.
سليم، وهو يضيق عينيه: قوليلى بقى فايزة وصافيناز بيعملوا إيه معاكي تاني؟
ماسة بتوضيح وهي تتناول الطعام: ماحدش بيضايقني من فترة، من قبل مدخل الجامعة، يعني مامتك كانت بتعمل نفس الحركات دي، بس أنا قلت لها ساعتها إني هقول لك وقلت لها كمان إني عارفة إنكم مابتحبونيش وإنتوا بتمثلوا عليا المحبة، ومن وقتها ماعملتش حاجة غير النهاردة. وأنا كنت ناوية أقول لك سواء كنت جيت أو ماجيتش.
سليم، مستغربًا: قولتي لهم مش فاهم؟
ماسة، بهدوء: قلت لهم إن أنا عارفة إنكم بتمثلوا الحب، بس مش عارفة مستمرين ليه وعايزين توصلوا لإيه.
سليم، بلا مبالاة: سيبكِ منهم بس اي حاجة تحصل عرفيني، ومترديش على حد قولي لي بس، طيبه زمان دي غيرها ولا شخصية القوية دي مش بتطلع غير عليا.
تبسمت ماسة: ماتقلقش هقولك والله،
نظرت له برجاء وامسكت يده:
ماتخلينا نمشي من القصر ده يا سليم ونقعد في بيتنا؟
سليم، بجدية: القصر ده دلوقتي بقى ملكنا… بإسمي.
ماسة بتوجس: أنا حاسة إنك واخده تحدي معاهم، والموضوع بقى حرب.
سليم بابتسامة باردة: هي فعلاً حرب. هم إللي بدأوها، والبقاء للأقوى. لحد دلوقتي بحاول أصون العِشرة والعيش والملح، وإنهم إخواتي وأهلي، لكن غلطة واحدة كمان…وهاطردهم من القصر.
ماسة بتحذير: سليم إللي بتعمله ده غلط.
سليم مقاطعًا: ماتتدخليش يا ماسة، أنا عارف أنا بعمل إيه.
تنهدت ماسة بتعب: طيب
– الصالون الآخر
نري فايزة وصافيناز في الصالون الآخر، تقفان أمام بعضهما، ووجوههما ممتلئة بالغضب.
صافيناز بغل: إنتي إمتى كتبتي له القصر؟
فايزة ببرود: مالكِيش دعوة، وأوعي تكوني فاكرة… حتى بعد إللي عمله ده، ممكن يخليني أقلب عليه. أنا هدفي ماسة وبس.
صافيناز مترددة: مامي رشدي إللى عمل الحادثة مش أنا… أنا مش فاهمة، إنتِ ليه بتعملي كده معايا، كتبتي له الأسهم ودلوقتي القصر، بتاخديني بذنب رشدي ليه.
فايزة بثقة: لاني متأكدة لو كنتي مكانه…كنتي هاتعمليها. كلكم بتكرهوه بس أنا مش هناولها لكم.
خلينا نشوف رشدي دماغه فيها إيه أدينا مستنيين.
واسمعي اي حاجة بيعملها سليم انا قبله بيها
دي اقل شيء ممكن اعمله وكفر بيه عن ذنبي
نظرت لها صافيناز دون رد
بعد كام يوم
💞___________________بقلمي_ليلةعادل
في أحد الكافيهات السابعة مساءً
نري الحراس المسلحين يحيطون بالمكان.
كانت تجلس ماسة مع صديقاتها: هبة، ريتال، إيناس، وداليدا، ومعهن سلوى. على طاولة قريبة، يجلس سليم مع مكي، لا يتدخل، فقط يراقب بصمت بين الحين والآخر.
وضعت إيناس هاتفها على الطاولة ونظرت حولها بذهول:
إيه الجو المشحون ده؟ حاسة نفسي في فيلم مافيا، بس ناقص حد يخطفنا ويطلب فدية!
ضحكت داليدا وهمست: بجد، حتى في الأفلام مش بيكون الوضع بالشكل ده!
رفعت ماسة كتفيها بلا اكتراث: يا بنات عادي، هو بس بيخاف عليا. بعدين دي مش أول مرة، أنا على طول معايا حراس.
نظرت هبة لها بسخرية: آه طبعًا، واضح جدًا إنك طايرة من السعادة.
أضافت إيناس بنبرة متعجبة: معاكي حراس دايمًا، آه... بس المرة دي الموضوع أوفر! ده كأنك مستهدفة من عصابة دولية.
نظرت داليدا إلى سليم بطرف عينيها ثم همست:
طب وسليم، ده بيعمل إيه هنا؟ ليه قاعد مترصد بالشكل ده؟
مررت ماسة أصابعها في شعرها وأجابت بنبرة محايدة:
هو شايف إن كده أحسن، بيكون مطمئن أكتر. وأنا مش متضايقة.
هزت ريتال رأسها محاولة تهدئة الأجواء: والله يا بنات، الصراحة ماسة عندها نعمة. جوزها مش مانعها تخرج، بس بيحب يكون موجود ده حقه، فين المشكلة؟ بعدين هو حتى مش محسسنا بوجوده أصلًا ولا مضايقنا في حاجة.
ابتسمت إيناس لماسة بمكر: هو إحنا مسموح لينا نتحرك عادي ولا الحراس ممكن يمنعونا؟
ضحكت ماسة بخفوت ثم تنهدت: إنتو مكبرين الموضوع ليه، أنا عايشة حياتي عادي.
حدقت هبة بها مباشرة: بجد؟ عايشة حياتك عادي؟ طب لو قمتي دلوقتي وخرجتي برا الكافيه لوحدك، إيه إللي هايحصل؟
أشاحت ماسة بوجهها: مش هعمل كده أصلًا.
قاطعتها هبة بحدة: لإنك عارفة إنك مش هاتعرفي.
تسلل الضيق إلى ملامح ماسة، لكنها حاولت الحفاظ على هدوئها: لو إنتو متضايقين من وجود سليم أو الحراس، ممكن أقوم وأمشي. مش لازم أخرج تاني.
لوحت إيناس بيدها سريعًا: لا يا بنتي، إحنا مانقصدش كده، إحنا بس مستغربين.
همست ريتال لماسة بحنان: على فكرة ياماسة شرعًا الست لازم ماتخرجش غير بإذن جوزها. وسليم أداكي الإذن، بس بموجب إنه يكون معاكي. فخلاص، كده إنتي تمام. ماتسمعيش كلام البنات.
تنفست ماسة ببطء، محاولة إقناع نفسها أنها بخير، ثم همست: المهم، إنتو أخباركم إيه؟ وحشتوني.
تسارعت وتيرة الحديث. حاولت ماسة أن تندمج معهم لتشعر أنها هنا، أنها طبيعية.
ابتسمت داليدا فجأة قائلة: أنا حامل!
ضيقت ماسة عينيها بدهشة ثم ابتسمت: مبروك يا روحي!
ضحكت إيناس ونظرت إلى سلوى: وإنتي يا سوسكا، هاتتجوزي إمتى بقى؟
ابتسمت سلوى بخفوت: بعد الامتحانات على طول، بس مكي مصر إن كتب الكتاب يكون بعد الأمتحان بيوم.
تعالت الضحكات والمحادثات، حاولت ماسة أن تستوعب الأجواء و تستمتع بها قدر استطاعتها. لكن بين الحين والآخر، كانت تشعر بتلك النظرات، ترفع عينيها قليلًا لتجد سليم يراقبها بصمت. لم يكن غاضبًا، لكنه أيضًا لم يكن راضيًا. أشاحت ببصرها سريعًا وعادت للحديث مع صديقاتها، تحاول أن تستعيد الإحساس الطبيعي بالحياة، ولو للحظات قليلة.
داخل السيارة العاشرة مساءً
ساد الصمت للحظات، قبل أن يقطعه سليم بصوته الهادئ وهو يتطلع إليها بنظرة دافئة: إيه يا عشقي… انبسطتي؟ المكان عجبك؟
التفتت إليه ماسة بابتسامة خفيفة وأومأت برأسها، قبل أن تجيبه: آه، لطيف…حلو جداً انبسطت، ميرسي أوي… كان نفسي أشوفهم بره القصر من زمان.
ظل يتأمل سليم ملامحها للحظات، ثم سألها بجدية:
حد علق؟ حد قال حاجة؟"
أخذت ماسة نفسًا خفيفًا، ثم هزت رأسها بلا مبالاة:
عادي، تعليقات عادية يعني…
لم يبدُ مقتنعًا تمامًا، لكنه لم يضغط عليها أكثر. نظرت إليه باستغراب بسيط قبل أن تتساءل:
إنت ليه ماخليتنيش أكمل الخروج معاهم؟ كنت عايزة أقعد شوية كمان.
مال سليم برأسه قليلًا وقال بنبرة قاطعة:
إنتي عارفة… لازم أبقى عارف قبلها.
ضيّقت ماسة عينيها قليلًا وهي تتساءل: طب يعني لو أنا مثلًا قاعدة في مكان، وهطلع على مكان تاني، مسموح؟
أجاب سليم بثقة وهو ينظر أمامه: بس يكون في نفس المكان، مش بعيد.
توقفت ماسة للحظات قبل أن تهز رأسها بخفة: تمام.
مد سليم وجهه وقال:
صحيح، مكي قال لي إن سلوى حابة تاخدك معاها وهي بتجيب شوية حاجات خاصة بالجهاز، أنا ماعنديش مانع، بس هاتبقى في أماكن معينة… وطبعًا، أنا هكون معاكي، وهختار الأيام إللي أنا فاضي فيها.
ردت ماسة بهدوء: ماشي
توقفت لثوانٍ قبل أن ترفع عينيها نحوه:
طب… وإحنا؟ مش هانخرج سوا؟ مش قصدي خروجة عادية… أقصد وقت حلو مع بعض.
نظر سليم إليها بابتسامة حب ، ثم سأل:
إنتي حابة تروحي فين؟
ارتسمت على شفتي ماسة نصف ابتسامة بحسرة: هو أنا من حقي أختار؟
ابتسم سليم ابتسامة خفيفة: جربي.
هزت ماسة رأسها بيأس بنبرة متأثرة : إنت عارف طبعي مابحبش أحلم ولا أجرب حاجات أنا عارفة إنها مش هاتحصل، فمش هجرب ياسليم، علشان إللي أنا عايزاه مش هاتعرف تعملهولي في الوقت الحالي..،
صمتت للحظات تنهدت:
يعني أنا نفسي أروح إسكندرية، أمشي على البحر، أجري على الشاطئ، نركب مركب، نلف في الشوارع… من غير حراس، من غير المسدس إللي في شنطتي والمسدس إللي على وسطك، ناكل آيس كريم، نطير بالونات، نجري ورا بعض… نقضي وقت حلو، زي زمان، يا ترى إنت بقى هاتقدر تعمل ده؟!
نظر إليها بصمت، فهو يعلم تمامًا أنه لا يستطيع فعل ذلك.
أكملت بنبرة هادئة، لكنها تحمل خيبة أمل دفينة:
شوف إنت حابب نقضي وقت مع بعض فين، وأنا معاك… المهم نبقى مع بعض، حتى لو هنا في العربية… بس مايبقاش جوة القصر.
هز رأسه بإيجاب بصمت.
وإنتهى الحديث عند هذه النقطة، لكنها شعرت أن شيئًا آخر بدأ يتشكل داخلها، شيء لم تحدد ملامحه بعد…
منزل رشدي العاشرة مساءً
في مطبخ أمريكاني مفتوح على غرفة المعيشة.
رشدي كان واقفًا عند المطبخ، عاري الصدر يظهر عضلاته المشدودة، يُعد القهوة الأمريكية في الماكينة.
وعلى الأريكة، كانت نيللي ممددة بارتخاء، ساقاها مكشوفتان، والعلامة الموشومة على كاحلها ظاهرة بوضوح. لم تكن ترتدي سوى قميص رشدي، وشعرها منسدل بحرية على كتفيها.
أمسكت بهاتفها، تتصفح صور زفاف زيزي، قبل أن ترفع صوتها قليلًا:
على فكرة، صورها حلوة جداً... تعرف إن في ناس كتير كانت متوقعة إن أنتم هاتتجوزوا.
لم يلتفت رشدي، أكتفى برد هادئ وهو يسكب القهوة: عادي، مش كل حاجة متوقعة بتحصل.
نهضت من مكانها، تحركت نحوه بخطوات بطيئة، ثم أحاطته بذراعيها من الخلف وهمست:
مافكرتش تتجوز؟
ألتفت إليها رشدي، نظر إليها نظرة جامدة قبل أن يقول بلا مبالاة فهو يفهمها جيداً: أكيد يوم مافكر، مش هتجوزك إنتي.
اتسعت عيناها باستغراب: إشمعنا يعني؟
أجاب رشدي ببرود، وهو يضع الكوب على الطاولة:
مابتجوزش واحدة نمت معاها.
ضحكت نيللي بسخرية قائلة بإندهاش: إيه ده؟ إنت بتفكر بالطريقة دي؟!
ألتفت إليها رشدي كليًا، تأملها لثوانٍ قبل أن يرد:
تخيلي إن أنا بفكر بالطريقة دي؟! تعرفي إني الوحيد في إخواتي إللي بيفكر كده؟ ياسين وسليم ممكن يتجوزوا واحدة ناموا معاها، بس يكون أول واحد في حياتها، وإنهم عملوا كده من كتر الحب والعبط ده... لكن أنا؟ لا... لا بحب قبلي ولا بعدي، ولا حتى لو كنت أنا. الحاجة السهلة مابتلزمنيش. وإنتي سهلة أوي.
عبست نيللي، عقدت حاجبيها وهي تقول بتهكم:
آه طبعًا، وأنا بقى المفروض أتأثر؟
ابتسم رشدي ببرود، ثم أضاف بنبرة هادئة: إنتي عارفة إن كل الناس كانت فاكراني أنا وزيزي مع بعض، بس عمرها ماحصلت، ولا هي حتى عملتها مع حد.
رفعت حاجبها بسخرية: وماتجوزتهاش ليه بقى، مادام محترمة أوي كده؟
رشدي بلا مبالاة: علشان الاحترام مش مختصر بالنوم على السرير، في حاجات تانية ...وزيزي عندها حوارات كتير غير كده، مش علشان يعني لسه بسلوفانها تبقى كدة تمام.... بعيد أن أبوها تاجر مخدر،ات وكان شغال عندنا.
سكت لحظة، شرد بنظره للأمام وهو يتمتم بحسرة قال بشوق:
هي واحدة، واحدة يا نيللي اتمنيتها، ماطلتهاش، وهموت عليها.
نيللي، وهي تقترب منه: ماسة؟
نظر إليها رشدي بحدة متعجبًا: عرفتي منين؟
هزت نيللي كتفيها بلا اهتمام: اتكلمت عنها كتير الفترة إللي فاتت. ماسة بتحب إيه، ماسة بتكره إيه، ماسة قد إيه مؤدبة، ماسة صعبانة عليك علشان سليم حابسها.. لدرجة إنك خترفت بإسمها بحضني.
رشدي أغمض عينيه للحظة، تمتم: بس، للأسف،اختارت سليم
أمسكته نيللي من يده: بس أنا حبيتك.
ابتعد عنها وهو يضحك بسخرية: مش فارق معايا.
أمالت رأسها، تأملته للحظات قبل أن تقول بهدوء:
على فكرة، إنت تاني راجل في حياتي.
لم ينظر إليها حتى وهو يرد بلا اكتراث:
هو أنا سألتك؟ نيللي إللي بينا له أول وآخر، إنتي عارفة إللي يهمني حاجة واحدة، وإحنا مع بعض مايبقاش معاكي حد تاني،علشان بأقرف.عندي مبادئ.
ضحكت نيللي بتهكم: ما شاء الله يا بتاع المبادئ...
ضيق رشدي عينيه وهو يقول: بأقولك إيه، سيبك، أنا كنت فاكر الموضوع إدمان زي الأفلام، طلع الموضوع عادي.
رفعت نيللي حاجبها: إنت بتشرب كل فين وفين. مش هاتدمن، هو بس بيخليك تنسى شوية.
نظرت له بعمق، همست بصدق: رشدي، أنا بجد بحبك. ليه مانخدش فرصة سوا؟
أخذ رشدي رشفة من قهوته قبل أن يضع الكوب جانبًا ويتمتم:
أنا قلت لك بلاش يا نيللي تفكري في سكة الجواز. بتحبيني، حبيني.أحلمي زي ما إنتي عايزة، بس آخرنا هنا.إنتي آخر واحدة ممكن أفكر أتجوزها
تحرك مبتعدًا، تاركًا إياها تحدق إليه بضيق، بينما تلاشت ابتسامتها شيئًا فشيئًا.
قصر الراوي
جناح سليم وماسة، الرابعة مساءً
كانت ماسة جالسة على الكنبة، الهاتف في يدها بينما التلفزيون يعمل أمامها بلا اهتمام حقيقي. رن الهاتف، نظرت إليه وردّت بسرعة.
صوت ريتال بحماس: ماسة، قررنا نخرج بعد يومين، يعني الأربعاء. هانركب مركب في النيل ونقعد في كافيه على النيل؟ ها تيجي معانا؟
ماسة بابتسامة خفيفة: استني لحظة، هسأل سليم.
نظرت نحو سليم، الذي كان جالسًا على الكرسي، عينيه على اللاب توب، منشغلًا تمامًا.
ماسة: حبيبي، البنات عايزين نخرج يوم الأربعاء.
سليم من غير مايرفع عينه: ماسة، أنا مسافر يوم الأربعاء ناسية؟
تنهدت ماسة : طيب، نخليه الثلاثاء؟ عايزين يقعدوا في كافيه على النيل ونركب مركب.
سليم بحسم وهو يرفع عينه: لأ، ماينفعش. النهاردة الحد، ولسه عندي حاجات أرتبها قبل السفر بكرة، مش هالحق.
مدت ماسة شفايفها بطفولية يضيق: ماشي خلاص، هقول لهم مش هاينفع. طب هروح عند ماما وأبات هناك.
سليم بإيماءة سريعة: مافيش مشكلة، بس برضه مافيش خروج وانتي هناك.
ماسة أمسكت الهاتف و ردت بهدوء: ألو، ريتال، معلش مش هقدر أكون معاكم. سليم مسافر وأنا كنت ناسية فلازم أبقى معاه. خلاص، تتعوض يلا سلام
أغلقت الهاتف ببطء، استندت إلى ظهر الكنبة، تحدق في الشاشة دون أن ترى مايُعرض عليها.
سليم لمح نظرة الحزن في عينيها لكنه لم يعلّق، عاد إلى شاشته بينما ظلت هي تحدق في التلفزيون بصمت.
(وخلال فترة)
أصبحت الحياة لماسة دائرة مغلقة، تمضي أيامها بين جدران الجامعة التي كانت بمثابة طوق نجاة لها، لكنها لم تستطع منحها الشعور الكامل بالحرية. كانت تسمع تعليقات زملائها، بعضها ساخر، وبعضها متعاطف، وبعضها مستنكر، لكنها اختارت ألا تمنحها مساحة في عقلها، ألا تسمح لها بالتسلل إلى أفكارها. فقد كانت تدرك جيدًا أن سليم لم ولن يسمح لها بتجاوز الخطوط التي رسمها لها، وكانت تعلم أن الاعتراض لن يغيّر من الأمر شيئًا، بل قد يعيدها إلى نقطة البداية التي لطالما خشيت الرجوع إليها.
وهكذا مضت حياتها على وتيرة ثابتة.
سليم لم يكن يسمح لها بالخروج مطلقًا من دونه، لم يكن هناك مجال للنقاش أو المساومة، وإن لم يكن موجودًا لأي سبب، فالأمر محسوم: لا خروج. حتى الأماكن التي تذهب إليها كانت تحت سيطرته، لا يُسمح لها باختيار أي مكان عشوائي، كل شيء كان يتم بموافقته المسبقة، وعليه أن يعرف قبلها بأيام.
كان سليم هو من يوصلها إلى الجامعة ويعيدها بنفسه، وفي الأيام التي لم يكن يستطيع فيها ذلك، كان الحراس يتولون الأمر، ومعهم مكي الذي لم يكن يبتعد عنها لحظة واحدة. أينما نظرت، كانت تجدهم حولها، كأنهم ظلّها الذي لا ينفصل عنها، يراقبون خطواتها، يحيطون بها كحاجز غير مرئي يمنعها من التفكير حتى في فكرة التمرد.
أما داخل الجامعة، فكانت تحاول أن تعيش، أن تستمتع، أن تتشبث باللحظات الصغيرة التي تمنحها إحساسًا مؤقتًا بالحرية. لكنها لم تكن ساذجة، كانت تعرف أنها مراقبة، وأن كل صديق جديد في حياتها يخضع للتحريات قبل أن يُسمح له بالاقتراب منها. لم يكن هذا مجرد حدس، بل حقيقة أصبحت واضحة لها مع الوقت. كلما تعرّفت على أحد، كانت تشعر بعيون الحراس تتابعه، وبعد أيام، إما أن يبتعد الشخص من تلقاء نفسه، أو تجد نفسها مضطرة للابتعاد عنه.
ورغم كل شيء، كانت ماسة متفوقة، تذاكر بجد، تناقش بثقة، ولا تسمح لأي شيء أن يعطلها.
العلاقة بينها هي وسليم كانت تتأرجح بين القرب والفتور. في بعض الأيام كانا يعيشان لحظات دافئة، وفي أخرى يسيطر بينهما الصمت وكأن كلٌّ منهما يحيا في عالم منفصل. كان سليم يلاحظ تقلّباتها المزاجية، لكنه لم يمنح الأمر اهتمامًا كبيرًا، فالأهم بالنسبة إليه أنها لم تعد تثير المشكلات، ولم تعد تكرر حديثها عن الرحيل.
في علاقتهما الخاصة، بدأ سليم يلاحظ تغيرها أكثر من أي وقت مضى. لم تعد كما كانت، لم تعد تلبي رغباته بنفس الشغف المعتاد. في بعض الليالي كانت تقترب منه بحب، تمنحه نفسها كأنها تبحث عن الأمان بين ذراعيه، لكن في ليالٍ أخرى كانت باردة، مستسلمة، وكأنها تؤدي دورًا مفروضًا عليها.
هذا التبدل لم يكن يمر مرور الكرام عليه. في البداية كان يتجاهل الأمر، يقنع نفسه بأنها مجرد حالة مؤقتة، لكنها استمرت. ومع الوقت، وجد نفسه يبتعد عنها تدريجيًا، لم يعد يبادر بالاقتراب منها كما كان يفعل، بل أصبح ينتظر أن تكون هي من تطلبه، كأنها إشارة منه بأنه لم يعد يقبل بأن يكون طرفًا وحيدًا في تلك العلاقة. كان هذا يزعجه، يثير في داخله ضيقًا لم يعترف به حتى لنفسه، لكنه رغم ذلك لم يتحدث، لم يسألها، فقط اكتفى بالصمت، متجاهلًا ما يحدث، أو ربما متجنبًا سماع إجابة لم يكن مستعدًا لمواجهتها.
في الوقت ذاته، كانت ماسة ترافق سلوى في التحضيرات الأخيرة لزفافها، تتنقل معها بين المتاجر لشراء ما تحتاجه من ملابس وأجهزة منزلية، محاولة أن تشغل نفسها بأي شيء يبعدها عن أفكارها المزدحمة. وبالطبع، لم يكن يُسمح لها بأن تكون بمفردها، الحراس كانوا معها دائمًا، وسليم أيضًا لم يكن يسمح لها بالخروج مع سلوى إلا تحت رقابته، حتى في أكثر اللحظات خصوصية بينهما، كان يشعر بالحاجة إلى أن يكون حاضرًا، مراقبًا، متحكمًا بكل تفصيلة مهما بدت بسيطة.
أما سلوى ومكي، فكانا يعيشان لحظات جميلة، يجهزان فيلتهم، يقضيان وقتًا ممتعًا معًا، وكان يساعدها في دراستها كحجة للبقاء معها أطول وقت ممكن.
وعلى الجانب الآخر، كانت علاقة نيللي ورشدي تتطور، لم تعد مجرد خطة منها، بل تحوّل الأمر إلى مشاعر حقيقية. في الوقت نفسه، كان رشدي يخطو أولى خطواته في الإدمان، لم يكن واضحًا بعد، لكنه كان في طريق لا عودة منه.
أمام بوابة الجامعة الأمريكية الخامسة مساءً
توقفت سيارة سليم الفاخرة، كما تفعل كل يوم. تقدمت ماسة بخطوات هادئة، يرافقها الحارس ومكي صعد السيارة مكي وجلس بجانب السائق. ما إن فتحت ماسة
الباب وجلست بجواره في المقعد الخلفي، حتى لاحظت نظرة مختلفة في عينيه مليئة بالشوق والمحبة تلك النظرة التي طالما نظر بها لها لقطعة السكر خاصته
ماسة، وهي تغلق الباب وتستند إلى المقعد:مساء الخير يا سليم
بلا تفكير، مالت نحوه سريعًا، طبعت قبلة خفيفة على وجنته.
مرر سليم، عينه عليها بابتسامة خافتة: إيه الحلاوة دي عاملة إيه؟
ضحكت ماسة بخفة: تمام الدكتور عمل امتحان مفاجئ بس على مين جبت ٤٨ من ٥٠.
سليم، وهو يخرج بعض الأوراق من جانبه: برافو.. جبتلك الملخصات إللي طلبتيها.
ماسة، وهي تأخذها منه: ميرسي يا حبيبي.
استدارت لتنظر من النافذة، لكن بعد دقائق، عقدت حاجبيها عندما لاحظت أن الطريق لم يكن مألوفًا.
ماسة، باستغراب: إحنا رايحين فين؟ ده مش طريق القصر.
سليم، مسترخيًا، ساقه فوق الأخرى، وذراعه مستند إلى مسند المقعد: عامل لقطعة السكر بتاعتي مفاجأة.
رفعت حاجبها، استدارت إليه بطرف عينها، ثم قالت بفضول ساخر:
قطعة السكر؟ مش ماستك المتمردة يعني؟
ضحك بخفة، ناظرًا إليها بثقة: لا يا ستي، قطعة السكر.. ويا رب تفضلي قطعة سكر كده على طول.
اكتفت بابتسامة، لكنها شعرت ببعض الترقب.
ظلّت تراقب الطريق حتى توقفت السيارة أمام المرسى. هبطا بعد أن فتح لهما الحراس الباب. نظرت حولها بذهول قبل أن تستدير إليه ببطء.
رفعت ماسة عينيها إليه: سليم!!
لم يمنحها فرصة للسؤال، فقط مدّ يده، أخذ يدها برفق، وسحبها معه نحو اليخت الفاخر الذي ينتظرهما.
في تلك اللحظة، كان النيل هادئًا، والسماء ملبدة بالغيوم، كأنها تخبئ مفاجأة لهذه الليلة. عندما صعدت ماسة إلى اليخت، وجدت الأضواء الناعمة تنعكس على المياه، والموسيقى الهادئة تتراقص في الخلفية، تتناغم مع وهج الشموع والبالونات المتناثرة حول الطاولة.
على الطاولة كان يوجد صندوق صغير.
نظرت ماسة للصندوق بفضول استدارت برأسها قليلاً وهي تشير بأصابع يدها تساءلت: ايه ده؟!
تبسم سليم: افتحيه.
فتحته بحماس، لتجد داخله فستانًا أحمر، حريريًا، كأنه صُمم خصيصًا لها.
اقترب منها و توقف خلفها مباشرة: البسيه.. عايز أشوفك بيه.
نظرت إليه بطرف عينها، ثم أخذت الصندوق ودخلت لتبدل ملابسها.
بعد دقائق، خرجت، الفستان ينساب على جسدها بانسيابية، جعل عينيه تتعلقان بها للحظات، رفع حاجبه بانبهار وبابتسامة جميلة...
تقدم نحوها، مدّ يده، أخذ يدها، ثم جذبها إليه، حتى ارتطمت بصدره تبادلا النظرات لحظات بعشق وصمت يخيم عليهما فقط أعينهما تتحدث.
بعين لا ترمش، مرر سليم أصابعه بين خصلات شعرها، فكّه برفق، لينسدل على ظهرها.
بدأ اليخت في التحرك.
أمسك بيدها، أدارها ببطء، يتمايل بها على أنغام الموسيقى
سليم، وهو يلفها بين ذراعيه: بقلنا سنتين ماقضيناش يوم زي ده سوا.
ماسة، بصوت منخفض: اممم.. فات علينا عيد جوازنا وما احتفلناش حتى.
نظر إليها طويلًا، ثم تمتم: مش هانتكلم في ده، صح؟
ماسة، وهي تنظر بعيدًا: أيوه، مش هانتكلم.. مش طالبة نكد.
تبسم نصف ابتسامة بصمت، لكنه لم يُعلّق
بدلًا من ذلك، سحبها أقرب، يُحركها بانسجام مع الإيقاع، يدور بها بخفة، لتنسى قليلًا ما بينهما من مسافات غير مرئية.
بعد لحظات، سألها بهدوء: ها، أخبار أصحابك في الجامعة إيه؟ لسة بيعلقوا؟
ماسة، بإيماءة خفيفة: آه.. دايمًا عندهم تعليقات.
سليم، بتهكم خفيف: وإنتِ بتعملي إيه؟
ماسة، وهي تنظر إليه: بكبر دماغي.
سألته بنفس الهدوء: وإنت شغلك عامل إيه؟
تبسم سليم برقة قال بشوق: محتاج إجازة زي زمان، بين أحضانك وبس.
لم ترد، فقط واصلت الرقص معه، حتى بدأت قطرات المطر تتساقط فجأة.
نظرت للأعلى بانبهار، ثم ابتسمت، تركت يده وتحركت إلى مقدمة اليخت، ترفع يديها، كأنها تستقبل المطر بين ذراعيها.
وقف سليم في مكانه يراقبها، عيناه تتأملانها بنظرة دافئة، قبل أن يسير نحوها ببطء، وكأنه مأخوذ بها من جديد.
عندما استدارت إليه، وجدت نظراته ثابتة عليها، محملة بشيء لم يُقَال.
اقتربت منه، حدقت فيه للحظات، ثم همست:
هو أنا مابقتش أوحشك؟
سليم، بصوت منخفض لكنه عميق: إنتي عارفة.
رفعت ماسة حاجبها بنظرات أنثوية مشتعلة، بإصرار: لا، قولي.
زفر سليم وهو يمرر أصابعه بين خصلاته المبللة:
وحشتيني.. على طول وحشاني. بس..
تقدمت خطوة أخرى، انتظرت أن يُكمل، لكنه تأخر، فرفعت يدها، لمست وجنته برقة:
أمال ليه بقالك كتير بعيد؟ مش إنت إللي كنت بتطلبها؟ دلوقتي دايمًا أنا إللي ببادر.
أمسك سليم بيدها، وضعها على صدره، كأنه يريدها أن تشعر بقلبه، قال بتعب بنبرة متأثرة قليلا:
علشان أنا مابقتش فاهمك.. أوقات كتير ببقى نفسي فيكِ، وحشاني، بس مابقتش عارف لو عملت كده، هاتدهاني بحبك.. ولا كواجب؟ وأنا مابحبش أحس بالإحساس ده، فبقيت بستناكي لما إنتِ تطلبيها مني. أعمل إيه.. مابقتش فاهمك يا ماسة، مش عارف إمتى عايزاني وإمتى لا.. تعبتيني.
صمتت للحظة، تنظر إليه، ثم على غير المتوقع، اقتربت أكثر، يداها تحيطان عنقه، شفتيها تلامسان وجنته، همست عند أذنه:أنا فاهماك.
مررت أصابعها على وجنته ببطء، نظراتها تتلون بمشاعر مختلفة.
همست بصوت ناعم: طب لو أنا إللي عايزاك دلوقتي هتدهاني محبة ولا واجب؟
لم تحتاج إلى إجابة. قرأتها في عينيه
رفعت يدها ببطء، أناملها المرتجفة تلامس وجنته، تتلمس دفء بشرته كأنها تتيقن من وجوده أمامها. شردت للحظة في ملامحه التي حفرتها في قلبها، ثم وقفت على أطراف أصابع قدميها، واقتربت، تطبع قبلة بطيئة على شفتيه، وكأنها تمنحه روحها قبل شفتيها.
تشنجت أصابعه حول خصرها، وكأنه يربطها به أكثر، يُشعرها أن إحساسه لا يقل عن إحساسها. لم تكن قبلة عابرة، بل عناق أرواح تشتعل بلهيب الشوق. تطلعت إليه بعد لحظات، نظراتها غارقة في أنوثة تُذهله، تُفقده السيطرة على كل شيء سوى الرغبة في التعمق داخلها أكثر.
ابتسمت ابتسامة جانبية، ابتسامة أنثى تعرف تمامًا كيف تأسره، ثم سحبت كفه بخفة، تقوده إلى الداخل، وكأنها مغناطيس يجذبه بلا مقاومة. تبعها وهو مأخوذ بها، بعينيها، بملمس يدها، بحرارة أنفاسها التي تسابق خطواتها نحو الغرفة.
أغلقت الباب خلفهما بهدوء، ثم استدارت نحوه، ما زالت تلك النظرة المتوهجة في عينيها، نظرة تثير جنونه. جلسَت على الفراش ببطء، ظهرها مسند إلى الوسائد، أصابعها تعبث بغطاء السرير كأنها تهيئه لمشهد جديد بينهما.
لم يتردد، نزع قميصه وألقاه بلا اكتراث، وعيناه تراقبانها بشغف لا يخفى. تقدم نحوها بخطوات بطيئة، كل تفصيلة منها تدعوه للغرق أعمق، للإلتحام بها أكثر. إنحنى حتى أصبحت أنفاسه تلامس وجنتها، همس بصوت مبحوح مليء بالحنين: وحشتيني.
كان لهذه الكلمة وقع السحر عليها، فقد مر وقت طويل منذ أن كانا قريبين بهذا الشكل، منذ أن شعر بوجودها بين ذراعيه بلا حواجز. كان ينتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر، يتحرق شوقًا لها، لكل لمسة، لكل همسة، فكل جزء منه يفتقده بجنون.
أغمضت عينيها لوهلة، ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تشعر بلمسته الحارقة على ذراعها، ثم تمتمت بصوت ناعم، خافت لكنه مشحون بكل المشاعر التي لا تحتاج إلى تفسير: وإنت كمان... وحشتني أوي.
لم يمهلها وقتًا أكثر، ضمها إليه بقوة، كأنهما يعيشان لحظة انصهار لا رجعة فيها، كأن كل المسافات التي فرقت بينهما ذابت في هذه اللحظة، كأنهما يحاولان تعويض كل لحظة افتقدا فيها هذا القرب، هذا الجنون، هذا الحب الذي لا ينطفئ.
((بعد أيام))
الجامعة الأمريكية الرابعة مساءً
جلست ماسة مع مجموعة من صديقاتها في ساحة الجامعة، يضحكن ويتحدثن بحماس، قالت ريماس بحماس:
تعالوا نروح ناكل في مطعم البرجر إللي فتح جديد جنب الجامعة، جعانة أوي!
ألين بتأييد: آه، نفسي في البرجر فعلاً.
داليا بحماس: يلا بينا.
ماسة بتلقائية، دون تفكير: لحظة، هستأذن سليم الأول.
ساد صمت لحظي، قبل أن تومئ ريماس بلا اكتراث، بينما تبادلت ألين وداليا نظرات ذات معنى. لم تلحظ ماسة ذلك، فقد كانت قد أخرجت هاتفها وتحركت بضع خطوات بعيدًا عن الطاولة ومكي خلفها، ضغطت على زر الاتصال. لم يطل انتظارها حتى جاءها صوته العميق:
سليم: عشقي، خلصتي؟
ماسة بتردد: اممم .. حبيبي، البنات عايزين نروح ناكل في المطعم إللي جنب الجامعة.
جاء رده سريعًا حاسمًا: لأ، مش هاينفع.
عبست ماسة محاولة ضبط نبرة صوتها حتى لا يبدو انزعاجها جليًا: بس المكان قريب جدًا، يعني حرفيًا على بعد خطوتين.
سليم: قلت لأ يا ماسة.
تنهدت، قلبت شفتيها في محاولة لكبت إحباطها، وقبل أن تغلق الهاتف، امتدت يد مكي ليأخذ منها الهاتف بخفة.
مكي بهدوء: أنا معاها، المكان قريب جدًا، ماتقلقش. هاكل الأكل قبل ما هي تدوقه وهقف على دماغ الطباخ!
جاء صوت سليم صارمًا بلا ذرة تردد: قلت لك لأ. ماتفتحوش الموضوع ده تاني.
أعاد مكي الهاتف إلى يدها وهو يزم شفتيه بأسف، بينما وضعت هي الهاتف في حقيبتها ببطء. استدارت إلى الطاولة، تحاول رسم ابتسامة، لكن عينيها فضحتا شعورًا عميقًا بالخيبة.
ماسة بنبرة خافتة: معلش، مش هقدر أجي معاكم.
ريماس بهمس، وهي تميل نحو داليا: هو بجد إيه الفكرة؟ إحنا مش رايحين آخر الدنيا.
داليا بتنهيدة ساخرة: أصلاً ماسة على طول "أوت"..ودي حاجة معروفة.
رفعت ماسة نظرها إليهما، لم تعلق، فقط زادت من عرض ابتسامتها في محاولة يائسة لتجاهل شعورها بالضيق. وقفت، متظاهرة بتذكر شيء مهم:
ماسة بكذب: معلش، هو قالي إننا معزومين عند حد وكنت ناسية.. يلا، لازم أروح.
ألين بلامبالاة: ماشي، باي باي.
نظرت لمكي، تخفي توترها خلف نبرة هادئة: يلا نروح.
تحركت بجانبه في صمت، خطواتها بطيئة، بينما شعور الانقباض يثقل صدرها. لم يكن الأمر عن "مطعم البرجر"، بل عن شيء آخر تمامًا.. شيء لم تستطع تسميته بعد.
شقة نيللي السابعة مساءً
أجواء خافتة، موسيقى ناعمة في الخلفية، ورائحة الويسكي تعبق في الجو.
كان رشدي يجلس على الأريكة، جسده مسترخٍ لكنه ممتلئ بثمالة،،
في المطبخ الأمريكي كانت نيللي تُعد له كأس الويسكي، تتراقص أصابعها على الزجاج بإغراء.
نيللي بدلال وهي تقلب المشروب قالت بصوت عالٍ: أول كاس على حسابي، والتاني على حسابك.
ضحكت وهي تتقدم نحوه، لكن قبل أن تصل، أضاء هاتفها الموضوع على الطاولة برسالة. لمح رشدي الشاشة دون اهتمام، ثم تلتها رسالة أخرى... ثم ثالثة... ورابعة.
تجمدت عيناه على الشاشة، انعقد حاجباه بانزعاج، ثم مد يده ببطء نحو الهاتف، وكأن جسده يتحرك دون وعي منه. التقطه، فتح الشاشة، وبدأ يقرأ.
الرسائل:
لما رشدي يمشي، خليني أجي لك.
وصل لحد فين؟ خد كام شمة بإرادته؟
لازم تنهيه وتزودي له الجرعة في الحاجات إللي بيشربها وسيبك بقى من حوار حبتيه ده.
اتسعت عيناه، أنفاسه تسارعت، وكأن حرارة جسده انخفضت فجأة. ضغط على الهاتف بقوة، حتى كادت أصابعه تلتصق بالشاشة.
وقف فجأة، يحدق في الهاتف بصدمة، ألتفت ببطء نحو نيللي التي تقترب منه بالكأس، غير مدركة لما اكتشفه.
نيللي بمرح وهي تمد له الكأس: السلطان رشدي الراوي يتفضل...
رفع رشدي عينيه إليها، نظرة مشتعلة بالغضب والخيانة وهو ممسكا بالهاتف.
رشدي بصوت مخنوق بغضب: إيه ده؟
نيللي تطرف بعينيها سريعًا محاولة التظاهر بالهدوء: إيه؟!
اقترب رشدي منها خطوة تهديدية، هدر صوته بقوة : إيه الرسالة دي؟!
عقدت نيللي حاجبيها حاولت مسك الهاتف: إنت إزاي تمسك تليفوني يا رشدي من غير ما تستأذن؟
لم يعد رشدي يرى أمامه سوى الخيانة. فجأة، القي الهاتف بقوى وأمسكها من شعرها يجرها نحوه بعنف، وصدى صرختها يملأ المكان.
رشدي بصوت جهور، وملامح متوحشة: مين إللي زقّك عليّا؟! ها؟! مين إللي بيلعب في دماغك!؟ انطقي يا بنت الكل،ب،.
صرخت نيللي محاولة إبعاده: رشدي إهدى! إنت فاهم غلط!
لكن رشدي لا يسمع كأن الدنيا اسوّدت في عينيه. يده الثانية تهوي على وجهها بصفعة تقيلة، جسمها ترنّح للخلف، لكنه أمسكها مرة أخرى بعنف أكتر، صوته يهز الجدران وهي تصراخ تترجاه ان يرحمها.
كانت عينيه تلمع بجنون وهو يهزها بعنف: أنا رشدي الراوي! واحدة شمال زيّك تضحك عليّا؟! بتلعبي بيا؟!
حاولت نيللي التملص، لكن قبضته كالفولاذ، توالت الصفعات بقوة على وجهها، فتترنح للخلف. وقبل أن تلتقط أنفاسها، دفعها بعنف، رأسها ارتطم بالحائط بصوت مكتوم... ثم سكون.
سقط جسدها على الأرض بلا حراك، عيناها مفتوحتان دون حياة...
تراجع رشدي محدقا في الجسدها، يلهث بأنفاس متسارعة، بينما العرق يتصبب من جبينه. اللحظة السابقة كان يصرخ، والآن أمامه جثة باردة.
ألتفت حوله، كأنه يبحث عن مخرج، لكن المكان خانق، الوقت يتباطأ. أخرج هاتفه بيد مرتعشة، أتصل.
رشدي بصوت متحشرج وهو يلهث: إسماعيل... حصلت مصيبة.
بعد وقت جاء إسماعيل مسرعاً
دق باب الشقة فتح رشدي ودخل إسماعيل، عيناه تحملان برود قاتل. ألقى نظرة خاطفة على الجثة، ثم رفع بصره إلى رشدي الذي كان واقفا في زاوية الغرفة كطفل مذعور.
إسماعيل اقترب ببطء، جلس جلست القرفصاء بجانب نيللي، يدقق في وجهها، ثم رفع عينيه ليتفحص رشدي، كأنما يقيم مستوى غبائه.
اسماعيل بغضب: ليه عملت كدة
رشدي موضحاً بارتباك: كنت بضربها اعمل ايه؟! عرفت أن في حد زقها عليا عشان تعلمني الضرب.
اسماعيل نهضت أقترب منه: وقالتك مين
رشدي: ملحقتش.
اسماعيل بسخرية :فالح اكمل بهدوء جليدي: هي بتحط المخدرات بتاعتها فين؟
ابتلع رشدي ريقه بصعوبة، أشار برأسه نحو خزانة صغيرة بجانب المطبخ: هناك.
سحب إسماعيل من جيبه قفازين طبيين، ارتداهما بإتقان، ثم اتجه للخزانة، فتحها و سحب كيسًا صغيرا،أخذ جرعة مناسبة من البودرة البيضاء، ثم عاد لنيللي.
انحنى فوق الجثة، رفع يدها، و وضع البودرة بين أصابعها بطريقة محسوبة، ثم سحب حقنة صغيرة، أفرغها في عروقها بدقة احترافية.
راقب رشدي المشهد في صمت، أنفاسه ثقيلة، بينما يداه ترتجفان.
إسماعيل بصوت هادئ لكنه حاسم: نخليها تبان كأنها ماتت لوحدها. هاتشيل معايا، ولا هاتقعد ترتعش زي النسوان؟
ابتلع رشدي ريقه، هز رأسه بالموافقة، ثم انحنى معه. سحبا الجثة بهدوء، ونقلاها إلى الحمام، وضعاها على الأرضية بجانب المرحاض، بحيث تبدو كأنها فقدت الوعي من الجرعة الزائدة.
مسح إسماعيل آثار الأقدام في الصالة، أعاد ترتيب بعض الأشياء، فحص المكان بعناية ليتأكد أن كل شيء يبدو طبيعيًا.
أخذ رشدي نفسا عميقا، حاول أستعادة قوته، وقف بإستقامة و مسح وجهه.
رشدي بحدة: خلص الموضوع وماحدش يعرف إللي حصل هنا. خليه يفضل سر بيني وبينك .. مفهوم؟
نظر إسماعيل له لحظة، ثم ابتسم ابتسامة باردة، هز رأسه بموافقة.
رشدي بتحذير: لو عرفت إنك حكيت حاجة للباشا أو لسليم هزعلك على ابنك.
اقترب اسماعيل من رشدي قائلا بقوة: أنا بنفذ شغلي وباخد عليه فلوس، لكن تهددني تاني يا رشدي أنا ما بتهددش .. مرر عينه عليه بإستخفاف: عارف يا رشدي إنت مشكلتك حاجة واحدة بتحاول تقلد سليم بس بطريقة سيئة جداً، نصيحة ماتحاولش مرة ثانية.
اقترب رشدي منه بابتسامة قائلا بثقة: وحياتك قريب هاتيجي تعيط في حضني وتقول لي خلينا شركاء علشان نتخلص من سليم، سليم إللي إنت بتدافع عنه ده لو فيه حاجة وقفت قصاد كبريائه أو حاجة تخصه، مراتك وابنك هايكونوا التمن مش حد ثاني وبكرة تقول رشدي قال.
ضحك رشدي بسخرية: سلام اشتغل حلو، علشان حتى لو الباشا عرف أنا مستحيل أتسجن، أنا رشدي الراوي.
خرج رشدي للخارج بدم بارد وترك إسماعيل
داخل سيارة رشدي
جلس رشدي خلف المقود، يُحدّق في الطريق الممتد أمامه دون أن يراه حقًا. سيجارته تتراقص بين أصابعه المرتجفة، والدخان يلتف حوله كخيالات أفكاره المبعثرة.
الاحتمالات تنهش عقله بلا رحمة. إسماعيل قد ينطق، وعزت إن علم فلن يتركه يفلت دون عقاب. أما سليم... فالأمر معه أكثر خطورة. قد يحوله إلى رماد قبل أن تتاح له حتى فرصة الدفاع عن نفسه.
مرر يده على ذقنه، أطلق زفرة طويلة، ثم فجأة، ارتسمت على وجهه ابتسامة خافتة، غامضة، كأنه أخيرًا وجد الحل.
أمام مبنى القصر الراوي التاسعة مساءً
توقفت السيارة عند المدخل. ترجل رشدي منها بخطوات بطيئة، واثقة، رغم أن التوتر يسري في جسده كتيار خفي.
داخل القصر
صعد الدرج وهو يرفع نظره إلى الأعلى بابتسامة غامضة، حتى توقف أمام باب إحدى الغرف.
تردد لثوانٍ، ثم رفع يده وطرق ثلاث دقات بطيئة. وقف في انتباه، عيناه جامدتان، تحملان مزيجًا من الترقب والتحدي.
خيم الصمت على المكان، لم يكن يُسمع سوى صوت دقات قلبه المتسارعة. عيناه تلمعان بهدوء زائف، وابتسامة خفيفة ترتسم على شفتيه، وكأنه يواجه مصيره بثبات..أو بجنون
بعد ثوانٍ، فُتح الباب...
تفتكرو مين ؟
الفصل السادس والستون ج1 من هنا
لقراءة جميع فصول الرواية من هنا