رواية الماسة المكسورة الفصل السادس والستون 66 ج1بقلم ليله عادل

رواية الماسة المكسورة

الفصل السادس والستون 66 ج1

بقلم ليله عادل


{~ "أكثر ما يؤلم قلب الإنسان هو شعوره بالشتات بين حبٍّ عظيم يدفعه للاقتراب من الهاوية، وعقلٍ يحذّره بأن ما يفعله خطأ. فتقف تائهًا، لا تدري أي طريقٍ تسلك، لكن أشد ما قد يكسرك حقًا، أن تأتيك الصفعة من أقرب من كنت تظنه سندك. إنها خدعة قاسية... فلا تنخدع. كن حذرًا، فقد تكون تلك الليالي الدافئة التي تعيشها هي آخر ما تبقى من دفء الحياة. فربما حبك العظيم على وشك أن يُسرق منك إلى الأبد." ~}


                [بعنوان: ماقبل النهاية]


فُتح الباب ببطء... ظهر سليم؟!


وقف عند العتبة، حاجباه معقودان قليلًا وعيناه تضيقان بتعجب وهو يتأمل رشدي الواقف أمامه. استغرق الأمر لحظة ليستوعب الأمر، فهو لم يكن يتوقع هذه الزيارة الغريبة، فالعلاقة بينهما في الفترة الأخيرة تدهورت بشدة كما نعلم، فما الذي جاء برشدي إلى هنا الآن؟


سليم متعجباً: رشدي؟


تجمد رشدي في مكانه للحظة، نظراته مضطربة، وكأن الكلمات تخونه. كان صعبًا عليه أن ينطق بما جاء من أجله، لكن لماذا اختار سليم؟ هل لأنه الوحيد القادر على إخراجه من هذه الورطة، أم أن هناك سببًا آخر؟


ابتلع ريقه بصعوبة، ثم قال بصوت منخفض يحمل توترًا مكبوتًا: أنا واقع في مصيبة ومحتاجلك.


مال سليم برأسه قليلاً قال متعجباً: مصيبة إيه؟


تلفّت رشدي حوله في قلق، خفض صوته وكأنه يخشى أن يسمعه أحد: مش هاينفع هنا.


حدّق سليم في رشدي نظرة طويلة، عيناه ثابتتان وكأنهما تحاولان اختراقه لمعرفة ما يخفيه. مرر إصبعه ببطء أسفل شفتيه السفلى بتفكير، ثم تنهد بصوت خافت دون أن يعلّق.


ألقى نظرة سريعة إلى الداخل، قبل أن يدير رأسه قليلًا وينادي بصوت هادئ لكنه حاسم: عشقي، أنا هنزل تحت شوية وجاي.


لم ينتظر ردًا، بل تحرك مباشرة، يسير بخطوات ثابتة نحو الأسفل حيث الحديقة، ورشدي يلاحقه كمن يسير نحو حتفه.


في الحديقة


توقف رشدي متوترًا، يداه تتشابكان بعصبية، بينما سليم ظل صامتًا أمامه، يمنحه المساحة للحديث لكنه لم يكن صبورًا. رفع ذقنه قليلاً، وعيناه المتحفزة تطالعه بحدة: اتكلم، نيلت إيه المرة دي؟


أخذ رشدي نفسًا عميقًا قبل أن ينطق بالكلمات التي كانت تحرق حلقه: قتلتها.


اتسعت عينا سليم في صدمة للحظة قال:

قتلت مين؟


ابتلع رشدي ريقه بصعوبة، وتردد قبل أن ينطق:

نيللي... البنت إللي كنت مرافقها الفترة دي.


سليم بحدة: قتلتها ليه؟!


أكمل رشدي بسرعة وكأنه يحاول تبرير فعلته قبل أن ينفجر سليم فيه: ماكانش قصدي! عرفت إنها كانت مزقوقة عليا... حد بعتهالي عشان أتعلم الإدمان، وأنا... أنا كنت بضربها،  راسها اتخبطت جامد وماتت قضاء وقدر.


أنفجر صوت سليم كالرعد: إنت إزاي تعمل كده؟ إنت مش ناوي تعقل بقى؟


أمسك رأسه للحظة، زفر بغضب وهو يهز رأسه، وكأنه لا يصدق حجم الكارثة التي أوقع رشدي نفسه فيها هذه المرة. قبض على كفه لكي لا يقوم بقتل رشدي، ثم اقترب منه وهو يتحدث من بين أسنانه:

لحد إمتى هاتفضل تحط نفسك في مصايب؟ مش ناوي تبطل خلاص بقى إدمان عندك كل فترة تدخل نفسك في مصيبة وتيجي تعيط عشان نلحقك؟!


رشدي موضحاً: بقولك غصب عني، ماكنتش قاصد!


سليم بتهكم: وجايلي أنا ليه؟ ها؟ مروحتش اترميت في حضن أختك وجوزها ليه؟ مابتفتكرش إننا إخوات غير لما توقع نفسك في مصيبة وسليم يلم وراك بلاويك؟


رشدي محاولا الدفاع عن نفسه: قولتلك مكنتش أقصد، بعدين كلمت إسماعيل يخلص  الموضوع، بس قلت لازم تعرف.


سليم بمقاطعة: بتسبق يعني؟


رشدي بإرتباك: مش كده...


نظر له سليم بنظرة قاتلة، اقترب منه خطوة جعلت رشدي يتراجع تلقائيًا، وصوته خرج منخفضًا لكن يحمل تهديدًا واضحًا: الباشا لازم يعرف؟ 


تلعثم رشدي، لكنه قال سريعًا: لا، الباشا مش لازم يعرف، أنا...


قاطعه سليم بحدة: لا، هيعرف يا رشدي ؟ لإني مش هادخل نفسي في مصايبك، وبعدين إنت ندل وماتستهلش يا رشدي إني أقف جنبك.


رشدي بصوت متوتر:  يعني اخترتك دونًا عنهم كلهم...و


قاطعه سليم بسخرية باردة: اخترتني علشان مصلحتك، مش علشان أنا سليم أخوك. أوعى تلعب عليا، وبعدين بلاش الجو ده، علشان ستاتي أوي عيب.


تجمد رشدي مكانه، وعيناه امتلأتا بالرعب، بينما سليم استدار فجأة، متجهًا إلى الداخل بخطوات حازمة.


دخل سليم إلى القصر، وقف في الممر المظلم، أخرج هاتفه واتصل بعزت، صوته خرج هادئًا لكنه يحمل نبرة صارمة: باشا، ممكن تنزل تحت في المكتب شوية؟ عايزك ضروري.


لم ينتظر ردًا، أغلق الهاتف تحرك توجهه لمكتب عزت،

ورشدي خلفه


مكتب عزت.


جلسا سليم ورشدي على مقاعد الأمامية للمكتب امام بعضهما.


هز رشدي رأسه بسخرية، عيناه تلمعان بخبث وهو يقول بنبرة من يصطاد في الماء العكر:

شوفت… أهو بمدّ إيد الأخوّة وبصلح إللي بينا، وأمنتك على سرّي، أديك خنتني!


لم يرمش سليم حتى، فقط رفع حاجبه بضجر ورد ببرود: مش هقول لك تاني، بلاش الطريقة دي عيب، أنا فاهمك، وأوعى تلعب معايا يا رشدي. إنت عارف كويس إني مستحيل أقف جنبك في مصايب من النوع ده… كنت عملتها زمان، أكيد مش هعملها دلوقتي.


قبل أن يرد رشدي، فُتح الباب، ودخل عزت بخطوات واثقة، خلفه فايزة التي كانت تنظر حولها بإستغراب، وكأنها شعرت أن هناك شيئًا كبيرًا يحدث.


لم يجلس عزت بل وقف عند مكتبه، نظر إلى سليم نظرة طويلة قبل أن يقول بتهكم: خير؟


سليم بسخرية، لكن صوته كان باردًا وهو يشير بيده: أهو جه إللي بيلم وراك كل قذارتك، من أول ما اغتصبت الشغالة لحد قتل نيللي.


انكمش رشدي قليلًا لكنه حاول الحفاظ على تماسكه، بينما عقد عزت حاجبيه بتعجب متسائلاً: فيه إيه؟!


لم يغير سليم تعبيره، فقط رفع ذقنه قليلًا وقال بهدوء:  مافيش… ابنك الهمام قتل واحدة.


شهقت فايزة بصوت مكتوم: إيه؟!


تجمد عزت في مكانه، وكأنه لا يصدق ماسمعه:

إنت بتقول إيه يا سليم؟


سليم بنفس البرود: إللي سمعته


بلع رشدي ريقه، شعر بتوتر لكنه أجبر نفسه على التحدث: ماكنتش أقصد… كنت بضربها، ماتت. عرفت إن حد زقها عليّا علشان يعلّمني الإدمان، ومن غضبي… خبطتها، ماتت، إسماعيل جه قالي هيخلص كل حاجة.


اتسعت عينا  فايزة بذهول، تساءلت بحدة: ومين 

إللي زقها عليك؟


تهرّب رشدي، بنظره بعيدًا وكأنه يبحث عن إجابة:

مالحقتش أعرف.


أبتسم سليم بسخرية، لكن عيونه كانت باردة، مليئة بالاحتقار: والله برافو! أنا فخور بيك؟! حتى في دي فشلت فيها… أمال عامل فيها راجل مافيا وصايع وجامد،! وماعرفتش حتى المعلومة إللي كان لازم نعرفها.


جلس عزت أخيرًا جانب سليم، مسح على وجهه بيد غاضبة، زفر بحدة وهو يقول بنبرة مشحونة بالغضب والكبت:

يعني ياريت حتى قتلتها وعرفت منها مين إللي وراها… لا، قتلتها وخلاص!


نظرت فايزة بينهم بذهول، بنبرة حادة تساءلت: إنتم بتتكلموا في إيه هو ده وقته؟!  لازم نحل الأول الكارثة دي، وبعدين نشوف مين إللي وراها دي مصيبة. 


تنهّد عزت بشك: ممكن يكونوا نفس الناس إللي عملوا حادثة سليم!


هز سليم رأسه وهو يمد وجهه برفض: تؤ مش حاسس، بس خلينا ندور… طبعاً رشدي مش هايتعاقب وهاتغطوا وراه كالعادة.


نظر له رشدي قال متعجباً بنبرة ساخرة: إنت عايزني اتسجن ولا إيه؟


قهقه سليم بسخرية، بصوت مشحون بالتهكم:

لا أكيد، بس مش علشانك، مع إنك تستاهل والله… بس علشان اسم العيلة! مضطرين نغطي ورا أفعالك القذرة بس يعني لازم يكون فيه عقاب صح يا باشا ولا هاتعديها زي إللي عدو؟


عزت بقوة: طبعاً لازم يتعاقب بس نخلص من الموضوع ده الأول.


ضحك رشدي بتهكم: هقولكم فكرة ايه رأيكم؟! تسحبوا مني الموبايل؟ وتمنعوني من المصروف؟ وتحبسوني في الأوضة الضلمة بتاعت الفيران؟ إيه رأيكم؟


عزت لم يتردد لحظة، رفع يده وصفعه بقوة جعلت رأسه تلتف للجنب، ثم قال بصوت منخفض لكنه نافذ:  مش عايز أسمع حسّك يا رشدي.


مسح رشدي خده، وأطبق أسنانه بقوة، عاجزًا عن الرد. لم يكن يستطيع التفوه بأي كلمة، فقد وجد نفسه في موقف لا يسمح له إلا بالصمت.


جلست فايزة وهي تحاول استيعاب الأمر، قبل أن تلتفت إلى رشدي وتسأله بجدية: ويا ترى بقى… نجحت في إنها تخليك تدمن؟


تظاهر رشدي باللامبالاة، لكنه لم يستطع إخفاء التوتر في صوته وهو يرد: لا طبعًا.


عزت بأمر: كلم إسماعيل، خليه يجيلي حالًا.


هزّ رشدي رأسه بإيجاب، بينما سليم توقف وقال بنبرة قاطعة: باشا، أنا ماليش علاقة ولا هلم ورا قذرات إبنك. الحاجة الوحيدة إللي تهمّني إن إللي عمل كده مايكونش نفس إللي دبر الحادثة، رغم إن دي فكرة مستبعدة، وأنا متأكد إن إللي عمل كده حد بينتقم منه، ما إنت سوابقك كتير يا رشدي.


نظرت فايزة لسليم: بس أي حد رشدي عمل معاه مشكلة كبيرة عوضناه علشان نسكته.


سليم بحكمة: مش كل حاجة بتتداوى بالفلوس يا هانم. رشدي ظلم كتير، وإللي ظلمهم كانو غلابة والمظلوم يا هانم، بيعوّر… مابيقتلش، علشان الألم يفضل مصاحب الظالم للأبد.


توقف للحظات قبل أن يكمل بنبرة أخيرة قبل خروجه: دوّر يا باشا، ورا إللي رشدي عمل معاهم مشاكل… هايطلع حد منهم أنا برده هدور عشان أطمن تبع الحادثة ولا لا.


خرج سليم، بينما كانت منى تسمع كل شيء من خلف الباب، قلبها كان يخفق بجنون، وخوفها زاد أكثر عندما رأت رشدي يخرج هاتفه ويتصل بإسماعيل، قائلاً بصوت منخفض: تعالى بسرعة، الباشا عرف.


شعرت منى أن الوقت ينفد، وضعت يدها على فمها حتى لا يصدر عنها أي صوت، ثم استدارت بسرعة، وهرولت بعيدًا قبل أن يراها أحد.لاتعلم أن هناك من رآها وأختفى بسرعة. 


نظر عزت لرشدي بهدوء، تأمل ملامحه للحظات قبل أن يقول بصوت ثابت: بالراحة كده… أحكي لي كل حاجة بالتفصيل. عرفتها إزاي ومن إمتى؟ وإيه إللي حصل بالضبط؟ يلا، أنا سامعك.


رشدي ابتلع ريقه، شعر بثقل نظرات عزت لكنه حاول أن يحافظ على هدوئه قبل أن يبدأ في الكلام.


💞________________بقلمي_ليلةعادل •⁠‿⁠•


في جناح سليم وماسة 


تجلس ماسة على الفراش، متكئة على الوسادة، عيناها معلقتان بالشاشة أمامها، غارقة في متابعة المشهد. انفتح الباب بهدوء، ودخل سليم دون أن يتكلم، ألقى نظرة سريعة عليها قبل أن يجلس بجوارها نصف جلسة.


لم تلتفت إليه فورًا، أكملت المشهد ثم حولت نظرها إليه بعد لحظات: رشدي كان عايزك في إيه؟


سليم باقتضاب دون تغيير ملامحه: عنده مشكلة.


هزّت ماسة رأسها بالإيجاب: تمام.


لم تستطرد في الأسئلة، لم تكن في مزاج يسمح لها بمناقشات لا طائل منها، خيَّم الصمت بينهما، ولم يقطعه سوى صوت التلفزيون. بعد لحظات، رن هاتفها، أجابت سريعًا بصوت طبيعي وهادئ:

ـ الو... يا حبي، تمام الحمد لله، وإنتِ؟ ... خلاص، ماشي، هجيبها لك معايا إن شاء الله.. لا مافيش حاجة يا حبيبتي.. باي.


أنهت المكالمة، فالتفت إليها سليم متسائلًا: مين؟


ماسة بهدوء: واحدة زميلتي، عايزة آخر محاضرة.


لم يعلِّق، فقط حول بصره للأمام، ثم عاد ينظر إليها وكأنه يفكر في شيء قبل أن ينطق أخيرًا بنبرة هادئة: ماسة، مش هاينفع تروحي الجامعة الفترة دي.


رفعت ماسة حاجبيها، معتدلة في جلستها: ليه بقى ايه حصل؟!


رفع سليم كفه يطلب منها الهدوء: ماتتعصبيش.


ضغطت ماسة على أسنانها وهي تتكلم من بينهما: أنا بحاول ماتعصبش.


استرسل سليم بهدوء: فيه مشكلة كبيرة مع رشدي، محتاجين نخلص منها الأول، وبعدها تروحي الجامعة.


شهقت ماسة بحدة، أنفاسها تسارعت وهي تنظر إليه بذهول: وأنا مالي برشدي ومشاكل أخوك المريض ده؟!


نظر إليها سليم بثبات، رده جاء بنفس هدوئه المعتاد:

أسمعي الكلام، كم يوم أو أسبوع بالكتير.


شعرت ماسة بالنار تشتعل في صدرها، قبضت يديها بقوة حتى تلاشت الدماء من مفاصلها. نظراتها نحوه كانت مشتعلة، وصدرها يعلو ويهبط من قوة الغضب وكأنها تحاول استيعاب كلماته. العاصفة بداخلها كانت على وشك الانفجار، فهي أصبحت لا تطيق تلك الأوامر وذلك للأسلوب ، وكأنما حياتها وحريتها أصبحت مرهونة على المشاكل التي تحدث حولها.


راقبها سليم بهدوء، يحاول تهدئتها وهو يشير بأصابعه: أهدي، خدي نفسك بالراحة، ماتتعصبيش كده مش مستاهلة.


قهقهت ماسة بسخرية مريرة: مش مستاهلة؟ أنا بجد تعبت و زهقت!


نظر إليها بثبات، لكنها لم تعد قادرة على كبح مشاعرها أكثر أضافت: وبعد الأسبوع؟ لو ماوصلتش لحل لمشكلته؟ هفضل محبوسة طبعًا؟


هز سليم رأسه نافيًا: لا.


نظرت إليه ماسة بعدم تصديق: قول والله؟


سليم بحسم: قولتلك أسبوع وخلاص،مش مستاهلة، كل العصبية إللي إنتي فيها دي.


حدقت فيه بمرارة، عيناها تحملان ضيقًا وإحساسا ثقيلا بالإنهاك، مسحت وجهها، ثم نطقت بصوت مخنوق: أنا عايزة أفهم... لحد إمتى هفضل في الوضع ده؟ كل ماتحصل مصيبة لحد من أهلك، أتحبس؟! أنا مالي؟


سليم متعجباً: فين إللي كل مرة دي؟! دي أول مرة أطلب منك طلب زي ده؟!


صمتت ماسة لوهلة، أضافت وتساءلت بهدوء ممزوج بمرارة: هو...هو إحنا ليه مابنتطلقش لحد ماتحل مشاكلك؟

وتوصل للعصابة إللي دمرت حياتنا وبسببها بقيت عايشة زي المساجين.


توقف سليم، وزفر بغضب معطي ظهره لها بنفاذ صبر: يوووه، مش هانخلص بقيتي بتعشقي النكد؟


نظر لها وتابع بعتاب ممزوج بحزن بنبرة مبحوحه: 

كلمة الطلاق بقت بتتردد كتير على لسانك يا ماسة بقت سهلة.  


نظرت له ماسة بمرارة ودموع بقهر: أعمل إيه من غلبي حسيت إن ده الحل اوعي تكون فاكرها حلوه دي مرة، مرة على قلبي قبل حلقي،  وبتحرق روحي بس اعمل إيه.


إلتفت سليم إليها بجسده قال بنبرة ثقيلة موجعة:

للدرجة دي فراقنا بالنسبالك سهل؟!


نظرت إليه ماسة بهدوء قاتل، نبرتها متماسكة لكنها تحمل الكثير: لا مش سهل أبداً، ولا أنا بعشق النكد يا سليم، ولا حتى هقدر ابعد عنك، بس زهقت من الوضع ده، أنا بدفع ثمن أخطاء ماليش أي علاقة بيها مش عارفه لحد امتى هفضل ادفعها.


عقد سليم بين حاجبيه، ضيَّق عينيه بإستغراب، مال نحوها قليلًا متسائلًا بتلعثم: تقصدي إيه؟


نظرت ماسة إليه مباشرة، كلماتها خرجت كصفعة قاتلة لكن ببحه: يعني بدفع ثمن أخطاء ناس تانية! الحادثة إللي حصلت لي...مش أنا إللي كنت مقصودة بيها، لكن أنا إللي دفعت الثمن، وبنتي كمان. حتى دلوقتي، رشدي غلط، وأنا إللي بدفع! ولو قلبنا الدفاتر، هلاقيني دفعت الثمن أكتر من مرة، من وقت خطفي زمان وأنا يدوب ١٦سنة، وأنا بدفع ثمن أخطاء غيري!


ساد الصمت بينهما..ظل سليم يحدّق فيها بصمت، مذهولًا من وقع كلماتها عليه. لم يتخيّل يومًا أنها تخفي كل هذا الألم داخلها، أو أنها ستفاجئه به هكذا، دفعة واحدة في يوم من الأيام.


كان يعلم في قرارة نفسه أنها على حق، لكنه لم يكن مستعدًا للاعتراف… لا أمامها، ولا حتى بينه وبين نفسه.


ظل سليم ينظر لها بصمت لحظات مرت كدهر ليست 

من كلمات فقط بل مجموعة من المشاعر المتداخلة اقتحمت قلبه وعقله تخنق نياط قلبه.


فجأة زفر بضيق، وأشاح بوجهه جانبًا، كأنّه يهرب من نظراتها التي اخترقت صمته، وقال بصوت منخفض حاول أن يخفي ارتجافه.. قرر إنهاء الحديث قبل أن ينهشه أكثر.


سليم بنبرة حاسمة لا تحتمل مناقشة: أنا قلت إللي عندي، أسبوع من النهاردة، وبعدها يبقى لنا كلام.


تحرك نحو الباب، لكنه توقف عند سماع صوتها، هادئًا لكنه محمل بالكثير:


ماسة: أسبوع، يا سليم. أسبوع بس. بعد كده، مستحيل أقبل، وهيكون لنا كلام تاني أنا مش هفضل ماسة إللي بتقول حاضر ونعم طول عمري.


نظر إليها وهو يضيّق عينيه، مستشعرًا تهديدها الضمني.


تبسمت ماسة، لكن الابتسامة لم تصل إلى عينيها، ردت على  نظراته بهدوء: مش بهدد... لا.. أنا سايبالك الطلعة دي إنت ممتاز فيها.


نظر إليها طويلًا بصمت، ولم يجد ما يقوله.

ثم استدار وخرج دون كلمة، مغلقًا الباب خلفه.

اشتعل الغضب بداخله، لكن ما شعر به لم يكن غضبًا فقط…بل وجع، وندم،وعجز عن المواجهة


أما ماسة قبضت الوسادة بقوة، ثم صرخت فيها بكل ما أوتيت من ألم، وجهها محتقن، وأنفاسها غاضبة..


أما سليم، فدخل غرفته القديمة وهو في قمة غضبه، أغلق الباب بعنف، وكأنه يريد أن يغلق كل شيء خلفه. أغمض عينيه وأخذ نفسًا عميقًا، محاولًا أن يهدئ نفسه، لكن صوتها ظل يرن في رأسه.


"أنا بدفع ثمن أخطاء غيري."


تردد صداها داخله، كأنه يُجبر على سماعه مرة بعد مرة.


فتح عينيه وحدق في المرآة الطويلة أمامه، كان انعكاسه واضحًا، وجهه متجهما، عيناه مليئتان بالصراع. للحظة، تذكر كل شيء. كل قرار، كل خطوة، كل مرة ظن فيها أنه يحميها بينما كان يدفعها أكثر نحو الهاوية. لكنه رفض التصديق، رفض الاعتراف بأنها كانت محقة. كيف يمكن أن تكون محقة؟ كيف يمكن أن يكون هو السبب؟


شعر بالغضب يتصاعد داخله كحمم بركانية، قبض على أول شيء وقع عليه بصره، إطار صورة قديم وقذفه بقوة باتجاه المرآة.


تحطم الزجاج بانفجار مدوٍ، شظاياه تناثرت في كل مكان، وانعكاسه تفتت أمامه. ظل واقفًا يحدق في القطع المحطمة، أنفاسه متسارعة، قلبه ينبض بجنون. رأى بقايا صورته، أجزاء متناثرة من وجهه، من جسده، من يديه... كأنه لم يعد شخصًا كاملًا، كأنه تصدع كما تصدعت المرآة.


اقترب ببطء، عينيه معلقتان بالشظايا، وانحنى قليلًا. رأى انعكاسه في إحدى القطع، لكنها لم تعد تعكسه كما كان. وجهه مشوه، مكسور، كأنها تخبره بالحقيقة التي يحاول إنكارها.


مد يده لا إراديًا ليلمس إحدى القطع، لكن فور أن لامست أطراف أصابعه الحادة منها، شعر بوخزة حادة وسال الدم. حدق في الدم المتسرب من إصبعه، ثم ابتسم بسخرية مريرة.


كان جرحًا بسيطًا، لكن ألمه كان أعمق بكثير.


فيلا عائلة منى التاسعة مساءً 


نرى منى جالسة على طرف الأريكة، يداها متشابكتان، نظراتها شاردة، وكأنها تحاول الهروب مما يحدث. رفعت يسير في الغرفة بخطوات عنيفة، بينما حسام يقف عند النافذة، ذراعيه معقودتان، يحاول استيعاب ما سمعه للتو.


نظر لها رفعت بغضب وعروقه منتفخة:  إزاي تعملي حاجة زي دي؟ إنتِ اتجننتي رسمي؟


حسام استدار قال بحدة: وجاية تحكي لنا دلوقتي ليه ها؟ مطلوب مننا نشيل وراكي للمرة المليون؟ ليه عملتِ كده في رشدي؟ إيه إللي عمله يخليكِ تنتقمي بالشكل ده؟


منى ضغطت يديها بقوة على ركبتيها، تحاول السيطرة على ارتجاف أصابعها: لإنه بيهددني بولادي.


توقف رفعت عن السير، ألتفت إليها بصدمة قال بحدة: بيهددك بإيه؟ وليه أصلًا؟ اتكلمي.


صمتت للحظة بتردد ابتلعت ريقها يبدو أنها قررت إفشاء الأسباب، زفرت أنفاسها ببطء: لإن أنا ورشدي وفايزة وصافيناز وعماد... إللي دبرنا حادثة سليم.


الصدمة ارتسمت على وجه رفعت، بينما حسام أطلق شتيمة منخفضة، يده قبضت على حافة النافذة.


رفعت رفع يده إلى جبينه كأنه يحاول استيعاب ماقيل لتوه: إنتِ بتقولي إيه؟


منى بتوضيح؛: مش إحنا لوحدنا، في حد دخل في الموضوع، إحنا كنا قاصدين نتخلص من ماسة بس، نخبط العربية وخلاص، ماكناش نعرف إن سليم معاها. العصابة إللي ضربته بالرصاص مش تبعنا، مانعرفش عنهم حاجة. رشدي كل شوية يهددني بأولادي، لإنه خايف من طه، طه ضميره وجعه وعايز يتكلم. وعلشان يسكت طه بيهددنا بولادنا، فكان لازم أتصرف.


رفعت أطلق ضحكة قصيرة ممتلئة باليأس والغضب، نظر إليها كأنها مخلوق لا يفهمه: حسبي الله ونعم الوكيل فيكِ، غبية، اشتركتِ معاهم من غير ماتفكري؟ إنتِ عارفة لو حد عرف هيحصل ايه؟! وفايزة اتجننت، إزاي تعملي كدة، وإنتي إزاي جتلك الجراءة تخططي لوحدك إفرضي انكشفتي…


قاطعته منى بسرعة كأنها تريد تبديد مخاوفه قبل أن يزداد غضبه: علشان كده بقول لكم، ماحدش لازم يعرف، ساعدوني. الرقم إللي استخدمته مش بتاعي، جايباه من كشك، لو دوروا وراه مش هايوصلوا لحاجة، وكنت بكلمها من أكتر من رقم وكلهم تخلصت منهم. ولو حد شافني مع نيللي قبل كده، عادي، لإنها مشتركة في الجيم إللي إحنا مشتركين فيه، واتكلمت معايا ومع فريدة وصافيناز أكتر من مرة.


رفعت: إحنا لازم نشوف حد عنده مصلحة في التخلص من رشدي، حد ممكن يشيل الجريمة بداله.


منى بشر: بالظبط كده وهو ده إللي فكرت فيه وأنا بصراحة كنت حاطة خطه لو وقعت هشيلها لمين بالضبط علشان كده اخترت المهندس رحيم.


حسام: مين المهندس رحيم ده وإيه علاقته بنيللي.


منى ابتسمت ببرود: رحيم ده، رشدي عاكس خطيبته وحصل بينهم خناقة، رشدي ضربه وعمل له عاهة مستديمة، عزت دفع له مبلغ وعوضه، وشغله في المجموعة، اختياري ليه مش بس علشان كده، كمان لإني شفته قاعد مع نيللي أكتر من مرة. فهمت إنهم أصحاب، بس هي مش عارفة التفاصيل. هي عارفة إن فيه حوار ما بينه وبين رشدي وبس. فاختيار نيللي ماكانش صدفة...


توقفت قليلاً، وأخذت نفسًا عميقًا، ثم تابعت بحذر: والأهم من ده كله، أنا فاكرة كويس أوي إن سليم كان رافض إللي عزت عمله. الولد كان صعبان على سليم جدًا، لإن رشدي بهدله، وفضل مرازيه شوية، ورشدي ما اتلمش من على الولد ده إلا لما سليم تدخل. فلو قدرنا نقنع الولد ده، نخليه يطلب من سليم الأمان... وأكيد سليم هايديه له. خصوصًا إن سليم مش عايز مشاكل الفترة دي، ولا عزت كمان. فإحنا هانلعب لعبتنا من هنا.


حسام مد وجهه مندهشا: لا يا منى،حقيقي أدهشتيني، قعدتك مع عيلة الراوي الفترة الطويلة دي، واضح إنهم علموكي حاجات كتير وأثروا عليكي.


منى وهي تتحدث بين اسنانها بكراهية: إللي عاشر عيلة زي دي بيتفننوا في تدمير بعض، لازم يتعلم منهم وإلا هايبقى غبي ومصيره الموت زي ماسة، المهم دلوقتي نخلص الموضوع.


حسام: طب لو رفض؟


نظر رفعت بجدية: الفلوس هاتخليه يوافق، بس لازم يكون فيه وسطاء علشان مانظهرش إحنا في الصورة، لإنه لو ظهرنا هيحصل  مشاكل مع عزت.


تابع رفعت و نظر نحو منى بقوة : بس أنا مش هدفعلك هاتسحبيهم من فلوسك.


منى: فايزة بتدور ورايا.


رفعت بتحذير: هدفعهم لكِ دلوقت من حسابي، بس ترجعيهم تاني. وأفهمي، دي أول وآخر مرة هلم وراكي. أنا بعمل كده بس علشان ماخسرش عزت، مش ناقص مشاكل معاه. لإن حاجة زي دي مش إنتِ بس إللي هاتدفعي ثمنها، أنا وأخوكي معاكِ.


حسام: طب لازم نتحرك بسرعة تعرف حد يساعدنا.


رفعت بجدية: هو واحد إللي هايخلص الموضوع ده.


حسام نظر لرفعت وكأنه فهم، وقال: صامد الغول.


رفعت: الشمال مابيتحلش إلا بالشمال، بس مش إنت إللي هتكلمه ولا أنا. أنا عارف مين إللي هيكلمه.


قصر الراوي، الحادية عشر مساءً 


في مكتب عزت 


جلس عزت وفايزة ورشدي مع إسماعيل يتبادلون الحديث، وكانت الأجواء مشحونة بالتوتر.


نظر عزت إلى إسماعيل وقال بحزم: ها يا إسماعيل قول إللي عندك.


إسماعيل نظر إليهم بثقة: أنا بدأت أشتغل على التحريات. نيللي بنت صايعة متعددة العلاقات، أبوها رجل أعمال صغير، وعندها أصحاب كتير، إديني 48 ساعة بالضبط، وأنا هعرف لك مين إللي وراها.


فايزة سألت بحذر: والرقم إللي كان بيكلمها؟


إسماعيل رد بثقة: طبعًا هابحث وراه، لكن موضوع زي ده هياخد شوية وقت، لإني اكتشفت إنهم أرقام مش رقم واحد وكلها مقفولة، والمقفول ده بيرخم شوية.


رشدي: يعني إزاي؟


إسماعيل: ممكن تطلع مجرد أرقام من إللي بتتباع في الأكشاك دي، من غير أسماء والنتيجة دي محتمله لإنه مش هيغامر يجيب رقم باسمه أو باسم حد تبعه.


رشدي: بس ده هايوصلنا على الأقل كانوا بيتكلموا منين، ونراجع الكاميرات في الأوقات دي مثلاً؟


إسماعيل أومأ بتفكير: ممكن، بس هو ممكن يكون بيغير أماكنه وبيتصل من أماكن عامة، مفتوحة. الموضوع مش سهل زي ما أنت فاكر.


رشدي بعصبية: طب والحل مش هانعرف مين إللي وراها؟


إسماعيل أومأ: بص يا رشدي، خليني أفكر. 48 ساعة زي ماقلت. وإللي عملها هجيبه لك هنا.


فايزة بتفكير: هو ممكن يكون إللي عمل كده تبع حادثة سليم؟


إسماعيل هز رأسه برفض: ماعتقدش إللي حصل مع رشدي ده شغل هواه. واضح إن فيه حد بينتقم من رشدي أو بيكرهه،  إللي حصل مع سليم حاجه ثانية.


نظر عزت إليهم وقال بحسم: صح، المافيا بتخلص على طول، مالهمش في لعب العيال بس بردو خلينا نشتغل على النقطة دي إحنا منعرفش عدونا علشان نبقى فهمين خططه ..ها عملت إيه في الجثة؟


إسماعيل رد ببساطة: ولا حاجة. هانقفلها أوفر دوز تعاطي. مش هاتتقفل، إلا كده...

وجه نظراته لرشدي قائلا بتنبيه:

خد بالك يارشدي، احتمال يستجوبوك. هاتروح وتقول لهم إنك سايبها صاحية بس معمية، يعني قدامك كانت شربت كمية مخدر وخمرا كبيرة... وإن هي اليوم ده كانت متضايقة بسبب بعد أهلها عنها.. هاتقول إنك كنت معايا بعد ماسبتها. وأنا هظبطها مع الطب الشرعي، وهديك التفاصيل علشان تقولها قدام النيابة.


رشدي بتردد: لازم أروح.


إسماعيل أومأ برأسه بتأكيد: لازم تروح... 

نهض من مكانه وقال:

أنا هقوم بقى يا باشا عشان أخلص الشغل.


خرج إسماعيل بعد أن أذن له عزت، ثم نظر عزت إلى رشدي وقال بلهجة حادة: رشدي، من النهاردة مالكش أي صلاحيات في إدارة المجموعة.


ارتسمت على شفتي رشدي نصف ابتسامة ساخرة رد بنبرة هادئة مليئة بالكره: يعني، أنا كان عندي الأول علشان تلغيها.... مافرقتش كتير، مش حتة الإمضاء إللي لازم قبل مامضيها. استأذن سليم قصدي الأمير الصغير، هي يعني إللي هاتربيني. على إذنك يا باشا.


تحرك رشدي للخارج 


فايزة بضجر: أنا مش عارفة إيه المصايب دي.


عزت بحدة: شدي على رشدي، بدل ماشده بطريقتي لإن أنا خلاص فرصه خلصت عندي.


هزت رأسها بإيجاب بصمت 


💞_________بقلمي_ليلةعادل(⁠.⁠ ⁠❛⁠ ⁠ᴗ⁠ ⁠❛⁠.⁠)


في صباح اليوم التالي، 


في جناح سليم وماسة، كانت الساعة تشير إلى 8:00 صباحًا. 


الشمس بدأت تتسلل عبر النوافذ الواسعة، تبعث بأشعتها الذهبية التي تنشر الدفء في الأرجاء.

دخل سليم الجناح بخطوات بطيئة، يبدو عليه الإرهاق  عيناه مثقلتان وكأنه لم يذق طعم النوم طوال الليل.. كان هناك حزن يخيم على ملامحه، حزن لا يعرف كيف يخفيه.


وقعت عيناه على ماسة، كانت مستغرقة في النوم على الأريكة، ملامحها شاحبة، وتعب الأيام الماضية منح وجهها نعومة طفولية ممزوجة بإرهاق شديد. خصلات شعرها المنسدلة على وجهها زادتها ضعفًا، جعلته يراها كما لم يراها من قبل... طفلة صغيرة تبحث عن الأمان، لكنها الآن بعيدة جدًا عنه.


توقف يراقبها بصمت، فالمسافة بينهما بدت له أكبر من أي وقت مضى، مسافة لم تفرضها الظروف، بل صنعها بيديه. وها هو الآن يدفع الثمن.


تحرك نحوها بهدوء، جلس أمامها، عيناه مرسومة عليها وكأنها لو اختفت من أمامه سيتلاشى. تذكر الليالي التي كانت تلجأ إليه كطفلة، تبحث عن حضنه لينسيها كل شيء، كيف كانت تغفو بين ذراعيه وكأنه عالمها الوحيد ...أما الآن.. حتى النوم بات بعيدًا عنهما.


ابتسامة حزينة مرت على شفتيه، لكنها كانت خالية من أي دفء. لا عيناه ولا قلبه شاركاها. مرر يده على وجهها بحذر، كما لو كان يلامس جوهرة ثمينة. أزاح خصلات شعرها برفق، ولم يستطع أن يمنع نفسه من لمسها، كأن قلبه يتشبث بآخر طوق للنجاة. انحنى قليلًا، اقترب منها أكثر، أخذ نفسًا عميقًا كأنه يتنفس وجودها بعد لحظات فتح عينه، همس بصوت خافت، يحمل في نبراته كل ما لم يُقال.


سليم بنبرة حزينة وموجعة عاتبة:

تعبتيني يا ماسة، تعبتي قلبي، حقك تزعلي وتثوري.. فاهم إني ضغطت عليكي بزيادة، بس أعمل إيه؟ أنا بحميكي يا قلب سليم وكل دنيته...


تنهد بعمق، وازداد صوته خفوتًا وهو يضيف:

أنا إللي دخلتك عش الدبابير بإيديا. كنت فاكر إن البُعد عنهم هاينقذنا، بس طلعت غبي. إللي بيغرز في الوحل مايخرجش منه إلا لما يدفع التمن غالي...


هزّ رأسه بإيجاب، وعيناه ثابتة على نقطة في الفراغ بمرارة:

إنتِ عندك حق، دفعتي ثمن أخطاء مالكيش علاقة بيها، يمكن لو كنتي اتجوزتي واحد غيري، كانت حياتك هاتبقى أهدى وأأمن... يمكن أنا فشلت إني أحميكي بالقدر الكافي، وبسببي واجهتي مشاكل، ماكنش لازم تواجهيها..


ثم نظر لها بضعف، ودموع ثقيلة بدأت تلمع في عينيه:

بس أنا حبيتك. حبيتك أوي. إنتِ البنت الوحيدة إللي حرّكت قلب سليم. القلب إللي ماكنش يعرف يعني إيه حب، ولا كان مصدّق إنه ممكن يحب .. خليتي يبقى عندي سبب أعيش عشانه، حبيت حياتي بسبب وجودك فيها، أول ما أفتح عيني إنتي أول واحدة بتيجي في بالي، خليتيني أتغير .. اتغيرت عشانك، علشان أحميكي، أمانك بقى مسؤوليتي. أنا إللي دخلتك العالم ده، وأنا إللي لازم أخرجك منه، مش هقبل يحصل لك أي حاجة تاني بسببي، حتى لو التمن موتي، أنا عندي أحرق الدنيا كلها قبل ما حد يقربلك..

اهتز صدره بأنفاس ثقيلة، خرجت برجاء حارق:

نفسي تشوفي... تفهمي... إن كل إللي بعمله ده نابع من قلبي واني بحاول أحميكي، مش بخنقك بحبي، ولا بغيرتي، ولا بخوفي المريض... أنا بس بحميكي وبحبك أوي.


استرسل بنبرة مريرة و وجع عصف بقلبه تابع بحيرة:

ليه بطلتي تفهميني؟ كنتي بتفهمي سكوتي قبل كلامي. ليه وصلنا للحتة دي؟


تنفخ بألم، همس بحب وانكسار:

أنا بحبك يا ماسة... ومقدرش أعيش من غيرك.

أنا موجوع من إللي إحنا فيه، ومش لاقي طريق أرجّعك لقلبي تاني. 

مش عارف أعمل إيه... حاسس إني متكتف بين حبي وخوفي ومسؤوليتي ليكي، وبين المنطق إللي بيقول لازم تحررها من سجنك قبل ماتضيع. بس أنا لو حرّرتك هاتضيعي، ولو سبتك هاتضيعي.

أنا مش عارف أعمل إيه؟!

صمت للحظات وكأنه تذكر تلك الحادثة هز رأسه برفض قاطع قال بحسم:

بس  لا لا مستحيل ... أنا مش هسمح بده،  أنا مش هعيد المشهد ده تاني، مش هشوفك بتموتي قدام عيني تاني، مش هخليهم يحاولوا يخدوكي مني تاني. مهما حصل يخدوا روحي الأول.


مسح وجهه ودموعه، تنهد بألم قطع نياط قلبه، رفع عينيه لأعلى بدعوة مختنقة:

يا رب...


عاد بنظره إليها، نظر مطولًا، وكأن قلبه بيتوسل لها تفتح عينيها، ترد، تفهم... لكنها كانت نائمة. اقترب منها، طبع قبلة دافئة على خدها، ثم عدّل الغطاء فوقها برقة، وكأنه بيحميها حتى من الحلم.


تحرك بعيدًا، دخل غرفة الملابس ليبدل ثيابه، فور تحركه، فتحت ماسة عينيها ببطء...كانت مستيقظة، تستمع بألم وتشعر به وبمعاناته ولحالهما الذي وصلا إليه. 

تنهدت بصمت وحزن، لقد تألمت كثيرا من تلك الكلمات لكنها أصبحت لا تستطيع ان تحتمل أكثر، فاختارت الصمت والهروب أغمضت عينيها مجددًا وكأنها تحاول الهروب من كل ماشعرت به للتو.


خرج سليم بعد لحظات، ألقى عليها نظرة أخرى، وجدها ما زالت في نفس الوضع. تنهد، لم يقل شيئًا، فقط تحرك للخارج، تاركًا خلفه مشاعر عالقة بينهما... لا تُقال، لكنها تحس.

_______💞بقلمي_ليلةعادل💞_______


مجموعة الراوي، العاشرة صباحًا


مكتب سليم


جلس سليم خلف مكتبه، يمرر يده على أوراقه، بينما كان مكي جالسًا أمامه، والشعور بالتوتر يملأ الأجواء.


نظر سليم إلى مكي بعينيه الحادتين، وقال بصوت هادئ ولكنه حاسم: عايزك تدور ورا البنت إللى قتلها رشدي، وتعرف مين إللي وراها. 


مكي:إنت شاكك في حد معين؟


هز سليم رأسه وأرفع حاجبه بنفي:وأنا بشك في الكل. بس ابدأ بالناس إللي رشدي كان عامل معاهم مشاكل، وإللي اتأذوا منه أذى كبير.


مكي هز رأسه بإيجاب: تمام، طب وماسة؟ هنعمل معاها إيه؟


سليم وهو يقوم بترتيب الأوراق: ماسة مش هاتنزل الكلية الأسبوع ده لحد مانعرف مين إللي عمل كده وأطمن.


مكي: تمام، أديني 24 ساعة وكل حاجة هاتبقى عندك.


سليم بإهتمام: قولي، فاضل لك حاجة في الفيلا أو الشقة؟ محتاج فلوس؟


مكي ابتسم: حاجات بسيطة كده، ماتقلقش، أنا معايا لو احتجت حاجة هقولك.

(نهض) طب همشي أنا، عندي مشوار مع سلوى.


أومأ له سليم دون أن يرفع عينيه عن الأوراق، مكتفيًا بجملة مقتضبة: ما تتأخرش.


خرج مكي، وبعد لحظات، انفتح الباب مجددًا. هذه المرة كان الداخل فريدة بإبتسامة جميلة.


تساءلت وهي تقترب بخطوات هادئة: أخبار المناقصة إيه؟ 


سليم بصوت حاسم وواثق: كله تحت السيطرة، أنا مركز ماتقلقيش.


توقفت فريدة أمام المكتب وقالت بتنبيه: المناقصة دي مش هاينفع تروح مننا، إحنا بقالنا ثلاث شهور شغالين عليها. 


هز سليم رأسه بإيجاب: حاضر يا فريدة.


ضيقت فريدة عينيها للحظة وأخذت تحدق في وجهه بنظرة عميقة، كأنها تحاول فهم ماوراء الكلمات تشعر أن هناك شيء ما.


تسألت بإهتمام: مالك ياحبيبي؟


سليم: مافيش.


فريدة بنبرة مشككة: مافيش إزاي ؟ هاتخبي عليا؟  أحكيلي مالك زعلان مع مراتك؟ 


تنهد سليم، وتراجع في مقعده، زم شفتيه بضيق: اممم .. في شوية زعل مع ماسة.


فريدة بهدوء: طب فين المشكلة؟ عادي، طبيعي.


تبسّم سليم بمرارة، وصوته خرج مخنوق:

لأ، مش عادي... ومش طبيعي، وفي مشكلة فعلًا.

أنا وماسة عمرنا مازعلنا من بعض بالشكل ده، هي بقالها فترة متغيرة، افتكرت لما تنزل الجامعة وتخرج شوية، هاتهدى وترجع زي زمان...بس للأسف، مافيش حاجة رضيّاها، وإللي هي عايزاه هيئذيها، ومش راضية تقتنع بده.


تحركت فريدة نحوه وجلست على طرف المكتب، ونظرتها تمتليء بالحنان قالت بحكمة: 

الزعل بييجي يا سليم لما القلب يبقى مليان...

بس مش شرط يكون مليان غضب، ساعات بيكون مليان وجع....أفهم وجعها قبل ماتفهم غضبها.

الست لما بتحب، كل حاجة بتوجعها أضعاف.

وخد بالك، هي عدت بحاجات مش بسيطة. وإنت كمان أجبرتها تفضل في القصر فترة طويلة، وده فوق طاقة أي بني آدم..وأنا حذّرتك، بس إنت مش بتسمع غير سليم وبس.


سكتت لحظة، ثم قالت بهدوء: اتعامل معاها بالراحة... وشوف رد الفعل ده سببه إيه جواها.


تنهد سليم بهدوء: حاضر.


ركّزت فريدة في ملامحه، وقالت بلطف وحكمة:

ماسة بتحبك، بس مضغوطة شوية.، خدها وسافروا، غيروا جو... إنتوا الأتنين محتاجين ده... خليها تحس إنك لسة سليم إللي حبّته واتجوزته، مش واحد خايف ومتوتّر من كل حاجة، إنت ماكنتش كده، إيه إللي حصل؟


رفع سليم عينه لها، وقال بنبرة ضعيفة: علشان... حبيت.


ضحكت فريدة بخفة: يعني الحب بيضعّف؟ مش بيقوّي زي مابيقولوا في الروايات؟


هزّ سليم رأسه وقال بفلسفة مليئة حب:

الحب بيضعّف في حاجات، وبيقوّي في حاجات تانية...

بيضغف، لما تبقى حياتك مرهونة بوجود الشخص ده، امانه بيكون مسؤوليتك، ودي مسؤولية كبيرة، خصوصًا لو دخلتيه عالم ممكن يتأذي منه ..وإللي حصل فعلاً أتاذى،  هاتفضلي تحسي بتأنيب الضمير إنك السبب، وإنه لو مش معاكي، ماكنش هايتعرض لده. وتخافي عليه من كل حاجة...

وبيقوّيكي، في إنك تواجهي، تقومي بكل قوة بعد ماوقعتي واتكسرتي، بيدّيك طاقة، بيفتحلك طاقة نور تشوفي بيها الدنيا من أول وجديد.


نظرت له فريدة بحنان، وتبسمت: أنا فاهمة مشاعرك كويس، إللي حصل مش سهل... وصعب إنك تنساه، وماينفعش تنساه أصلاً، بس هاتتعود عليه، اتعامل بحذر، بس أوعى حياتك تتحوّل لسجن بسبب خوفك، ماتديش لعدوك فرصة يشوفك ضعيف، هما دلوقتي شايفين إنك عامل حسابهم، وعارفين إنهم خوفوك.


صمتت للحظة ثم أضافت بعقلانية: أنا رأيي... تتكلم مع ماسة، حتى لو للمرة المليون. طبطب عليها، حتى لو اتعصبت، هي غصب عنها، هي أكيد فاهمة ومقدّرة حجم الكارثة إللي عدّت بيها، بس فجأة حياتها بقت عبارة عن حدود وأسوار... وده صعب على أي حد.


مسح سليم وجهه بكفيه بتعب: حاضر،والله بحاول ماتعصبش عليها، بحاول أفهمها...أنا بس نفسي نرجع زي ماكنا، خايف الحياة بينا تبوظ أكتر من كده...خايف أخسرها.


مسحت فريدة على خده وقالت بإيمان: إن شاء الله لا، إنتوا بتحبوا بعض بجد، والحب إللي بالحجم ده مستحيل يضيع.. ممكن يتلخبط شوية، بس يختفي؟ لأ أبداً.


صمتت لحظة، ثم غيّرت الحديث بنبرة مستنكرة بضيق قالت:

بقولك إيه... إيه إللي عمله رشدي؟ وإزاي الباشا عدّى الموقف كده؟


ضحك سليم مستحفا: هي أول مرة يعني.


هزّت فريدة رأسها بضجر: أنا مش فاهمة، هايفضل لحد إمتى كده؟ مابياخدش منه موقف أبدًا. انا خلفت، وبقي عندي ولاد، وفهمت غلاوة الأبن.بس لما حد فيهم بيغلط، بعاقبه علشان يتعلم...إنما رشدي؟ مابيتعاقبش، وحتى لو حصل، مابيفرقش معاه، ماعندوش دم بجد.الباشا ومامي متساهلين معاه أوي. والمصيبة إن الكوارث إللي بيعملها كبيرة...قتل واغتصاب وفضايح. رغم إن المرة دي بصراحة هو مش غلطان أوي، بس برضو... ماينفعش.

تنفخت بضجر وعادت بشعرها للخلف ثم قالت؛

المهم... ها؟ وصلتوا لحاجة؟


سليم:  لسة.


تنهدت فريدة: طيب، أنا هروّح أخلّص شغل.

ماتنساش تخلص موضوع المناقصة. بقولك إيه... إيه رأيك نخرج أنا وإنت وماسة وإبراهيم؟ ونكلم ياسين وهبة كمان؟


هزّ سليم رأسه برفض: أصبري بس يا فريدة، لما نخلص موضوع رشدي ده ونشوف هايرسي على إيه. 


فريدة بلطف: طب بلاش نخرج، نعملها في القصر.

نقعد في الجنينة العلوية، نشوي ونتفرج على فيلم مع بعض.


زمّ سليم شفايفه بإختناق: بس ماسة تهدى... هي زعلانة جدًا، وأنا كمان متضايق. ماكنتش أتوقع إنها شايلة في قلبها حاجات مني ومابتقولش.


ابتسمت فريدة وربّتت على كتفه: ماشي، زي ماتحب... بس روق كده، ماسة طيبة أوي، وزعلها  قد حبها ليك، خليك واثق في ده.


وضعت قبلة سريعة على خده، ثم غادرت الغرفة بهدوء.


بقي سليم وحيدًا للحظات، ثم مد يده إلى الدرج، أخرج صورة صغيرة لماسة، كانت تبتسم فيها ابتسامة طفولية بريئة.


حدّق فيها طويلًا، وعيناه غارقة في الذكريات. همس بصوت خافت: كان نفسي أكون كل الراحة ليكي و ماتبقيش موجوعه مني.. 


في أحد معارض الأثاث الواحدة ظهرًا.


نرى مكي وسلوى يتجولان بين المعارض المختلفة، يبحثان عن الأثاث المناسب لمنزل مكي


الذي سيصبح عشهما قريباً. توقفت سلوى أمام غرفة نوم معروضة.


سلوى بابتسامة: جميلة دي أوي، دافية كده ومرتبة وجديدة.


مكي بتأييد: فعلاً، حلوة.


سلوى بتعجب: إيه إللي فعلاً حلوة؟


مكي وهو يشير إلى الغرفة: الأوضة... حلوة.


سلوى اندهشت: المفروض يكون عندك رأي معايا، مش كل مانشوف حاجة تقول حلوة! كده مش كفاية، مافيش اعتراض منك خالص؟


ضحك مكي بخفة: أعترض ليه؟! ماهي بتعجبني، بعدين إنتِ أهم مني في الموضوع ده. لإنك إنتِ إللي هاتقعدي فيها أكتر مني، دي مملكتك يا حبيبتي، فلازم يكون الاختيار الأول ليكي. بعدين إنتِ عارفة، ماليش في الحاجات دي، لا بعرف فيها ولا عندي رأي.


سلوى ابتسمت بنوع من السخرية: أمال بتفهم في إيه في السلاح والضرب والعربيات؟


مكي ابتسم وقال بلطف: وأعرف كمان أجيبلك أي حاجة عايزاها، مجرد ماتديني مواصفاتها تبقى عندك. بس في اختيار العفش والألوان والحاجات دي، هاتلاقي أفضل مني.


سلوى بتعجب: أمال جاي ليه معايا؟


مكي: علشان متزعليش، وماتبقيش لوحدك.


سلوى بمزاح: جاي معايا علشان منكدش عليك يعني؟


ابتسم مكي و هز رأسه: مش بالظبط كده، بس بحاول أشاركك علشان ماتبقيش لوحدك غلطان أنا؟! 


سلوى تبسمت: لا يا سيدي، طب أنا زهقت، تعال نروح لماسة علشان آخد رأيها.


مكي بمزاح: هو أنا مش كنت معزوم على بشاميل وبانيه، أنا جعان مستعد أكلك حالا، أنا قولت أهو.


سلوى ضحكت:  لا نروح لماسة الاول بجد محتاج رأيها في كم حاجة علشان نخلص من حوار العفش إنت مش مساعدني، وماتقلقش مش هضيع البشاميل عليك.


ضحك مكي وقال وهو يسحب هاتفه: طب  إيه!! أحجزها لك ولا إيه؟ 


نظرت سلوى إليه بفكاهة: لا، صورها لي، هوريها لماسة هي والتانية. بس الركنة خلاص أكيد هانخدها، لكن هانغير لونها للبِيج.


مكي وهو يمسك يدها بلطف: طيب، يلا.


أمسك مكي يد سلوى، وسارا معًا في المعرض ثم خرجا، بعد قليل، وصلا إلى القصر للقاء لماسة.


قصر الراوي


الحديقة الثالثة عصراً.


جلست ماسة وسلوى على الأرجوحة في ركن هادئ من الحديقة، يتقاسمان وعاء فشار، والحديث الصامت أثقل من النسيم الذي يمر بهدوء بين الأشجار.


نظرت سلوى لماسة بإستفهام وهي تمضغ القليل من الفشار: طب وإنتِ مالك برشدي؟ مافهمتيش منه؟ وبعدين هو نيل إيه الزفت ده؟


هزّت ماسة رأسها بتعب ظاهر: ماعرفش، ماقاليش غير إنها مشكلة عنده...أكيد رشدي عمل مصيبة كبيرة في حد، هاتوهي عنه طول عمره إنسان مؤذي استحالة يتغير، والشخص ده غالبًا مستني فرصة ينتقم، وسليم خايف الانتقام ده ييجي فيا أنا..

زفرت بإختناق وهى تعود بظهرها على الأرجوحة أضافت:

بس أنا مالي؟ أنا مرات أخوه!


سلوى بعقلانية: يمكن يا ماسة شاكك إن إللي عمل كده هو إللي دبّر الحادثة.


ماسة بنبرة حاسمة: لا، قال إنها مشكلة تبع رشدي لو حاجة تبع الحادثة مش هايبقى سليم عاقل كده،، وبعدين أنا بخرج ومعايا حراس، ومكي، وهو كمان بيبقى معايا في كل حتة. 


سلوى:أكيد اتخنقته


تابعت ماسة بحزن: لا والله، بطّلت أتخانق، بس مابقتش بعرف أسكت، ودي حاجة مضيقاني. علاقتنا بقت فيها حاجة مكسورة، بس أنا لسة بحبه، وبموت فيه، وفي نفس الوقت مش قادرة أتحمل أكتر..

فيه خناقة جوايا بتقولي: استسلامك لجنونه وخوفه مش حب... ده غلط. إحنا بنأذي بعض.

بس قلبي بيقولي: بيحبك وبيخاف عليكي.

إللي حصل لنا يكسر جبال، فطبيعي خوفه يكون بالشكل ده... ولازم أتحمّل.

سكتت لحظة، لمعت في عينها دمعة وهي تهمس:

– هو عنده حق... وأنا كمان عندي حق.

وأنا واقفة في النص، بتفرج على خناقة بين قلبي إللي بيعشقه ومقهور، وعقلي إللي بيقول لي إن رضاكي بزيادة غلط ...وأنا... بموت من الوجع يا سلوى.

مسحت دموعها وأمسكت يدها  برجاء كأنها تتوسلها أن ترحمها من تلك الأفكار وذاك الاضطراب الذي يجعلها تجن:

قوليلي، مين صح؟ أنا؟ ولا هو؟ ريحيني.. 


وضعت سلوى يدها برفق على قدم ماسة، وقالت بحنان: بصي يا ماسة... إنتِ عندك حق ترفضي حصاره ليكي، بس هو كمان عنده حق إنه يحميكي ويخاف عليكي، بطريقته، يمكن طريقته غريبة وزيادة بس أوعي تنسى إن سليم حبه ليكي كان بردو ليه الطريقة الخاصة بتاعته، وشبه فهو كدة طول عمره كدة بيحبك بجنون وبيخاف عليكي بجنون.. 

المشكلة مش في رفضك، بالعكس إنتي عملتي إللي عليكي، إنتِ بس بتطلبي منه يخف شوية. وده طبيعي...

المشكلة إنك سكتّي كتير، وفجأة انفجرتي، فعشان كده ردود أفعالك بزيادة شوية.

اتكلمي معاه بهدوء، مش بالغضب والعصبية...حبكم كبير أوي، وخسارة يضيع، مشكلتكم بسيطة.. يابنتي جوزك ده يتغفر له أي حاجة، ده مخانكيش ولو مرة واحدة مستكفي بيكي. روقي بقى. 


ماسة بصوت منخفض: أنا أكتر حاجة مضايقاني إني بقيت بطلب الطلاق. 


سلوى مبتسمة: وعلى أساس إنك كنتِ طالبة الطلاق من قلبك؟


ماسة هزت رأسها بلا قالت بحزن عصف قلبها: أكيد لأ... طلبته من ضيقتي. زي ما ماما كانت بتقول لنا وإحنا صغيرين: هاتناموا ولا أجيب لكم أبو رجل مسلوخة؟ كنا بنزعل ونفكر إنها مش بتحبنا، بس لما كبرنا، فهمنا إنه تخويف بس، علشان نسمع الكلام وخوف علينا... أنا طلّبت الطلاق من سليم بنفس الطريقة... كجرس إنذار، علشان أفوق سليم، مش قرار حقيقي من قلبي. أنا مقدرش أعيش من غير سليم.


هزت سلوى رأسها بتفهم: يبقى اتكلمي معاه بهدوء، خليكي حنينة،وبلاش كلمة الطلاق لأنها بتوجع أوي ياحبيبتي، هو بيحبك فخلي قلبه يسمعك. هو غلطان، وإنتِ كمان غلطتي، إللي بينكم يستاهل يتصلّح صدقيني مشكلتكم بسيطة أوي بالنسبة لمشاكل المتجوزين.


تنهدت ماسة: إن شاءالله هعمل كده... بس هعدي الأسبوع ده لإني مش مستعدة دلوقتي وهشوف كمان هايتصرف إزاي.


ثم غيّرت ملامحها فجأة، وابتسمت وهي تداعب شعر سلوى: المهم، قولي لي... إيه الأخبار؟ الامتحانات قربت يا كتكوتة؟ كلها شهر ونص، وشهرين ونص وتتجوزي مكي!


سلوى بحماس واضح: أنا فرحانة أوي نفسي اليوم ده يجي بسرعة، قلت له نخلص كل حاجة قبل الامتحانات، علشان بعد كده أركز في المذاكرة.


ضحكت ماسة: أيوه، اختاري كل حاجة واشتروها وجهزوها. وبعد الامتحانات نفرش، وإنتِ أفضي لنفسك بقى!


سلوى ابتسمت وقالت بحماس طفولي: أنا عن نفسي مستعدة من دلوقتي... بس لسة فاضلي شوية حاجات، وعايزاكي تنزلي معايا! خلصت الموبيليا كلها فاضل اللبس، يعني مافيش حجة يرفض.


ماسة: يارب يوافق...


سلوى ضاحكة: والله لأسيب مكي عليه!


ماسة مستنكرة بمزاح: يا شيخة! ده مكي ولا بيعرف يعمل حاجة... سليم مسيطر عليه!


ضحكت سلوى وهزّت رأسها: خلينا نجرب... تعالي أوريكي الحاجة إللي جبتها صورتها، وجبت كتالوجات كمان!


ماسة بحماس: يلا!

💞______________بقلمي_ليلةعادل•⁠‿⁠•


(بعد وقت)


في الحديقة الخامسة مساءً 


نشاهد ماسة وهبة يجلسان على النجيلة، وبينما كانت ماسة ممسكة بيد نالا الصغيرة تساعدها في المشي، بدأت نالا تتحرك بعيدًا. فجأة، بدأت ماسة تزحف على ركبتها، تحاول مجاراة خطوات نالا الصغيرة، وضحكت معها. ثم عادت إلى مكانها، جالسة مع هبة، تنظر إليهما وهي تبتسم بحب.


ابتسمت ماسة بحنان:  يا ما شاء الله، كبرنا خالص! حملتها وضمتها بشوق.


هبة مازحة :اااه، ومش مخلية حاجة في مكانها!


ماسة بحذر: السن ده كده؟ خدي بالك منها.


هبة: البنت سلوى المعفنة دي مشيت ليه بسرعة كدة؟! كانت وحشاني جداً وعايزة أشوفها.


ماسة وهى تضحك: أصلها النهاردة عازمة مكي يا ستي على الغداء قعدت معايا ساعة فرجتني على الموبيليا واختارنا أوضة النوم ومشيت بسرعة.


هبه: وهي عاملة إيه مع مكي الدنيا تمام.


ماسة بابتسامة: آه الحمد لله،، يا بنتي هو بيحبها أصلاً من زمان فمصدق.


وأثناء حديثهما، اقترب سليم، قال بهدوء:

مساء الخير.


هبة بإبتسامة: مساء النور، جيتوا؟؟ أمال فين أخوك إللي بقيت بشوفه صدفة.


سليم بابتسامة خفيفة: أنا بس إللي جيت، ياسين، أعتقد لسه في المجموعة.


ماسة، وهي تلاحق نالا وتبتسم: شكلنا هانلف الحديقة كلها، تعالي هنا..

توجهت نالا إلى سليم وضمته من قدمه تبسم سليم وحملها وعانقها.


سليم: حبيبة قلب عمو وحشتيني، عاملة إيه؟ قبلها بحنان. 

نظرت ماسة لسليم وقالت، بعين ذائعة:

عامل إيه؟


سليم، دون أن يبادلها النظرة: تمام.


انتبهت هبة، فعلّقت: متخانقين ولا إيه؟


ماسة، بتوتر وهدوء: لا، مافيش حاجة.

سليم: يلا روحي لطنط ماسة.


هبة بتصحيح: خالتو بقى.


أخذتها ماسة من يده ثم التفتت ونظرت لآثار سليم وهو يتجه داخل القصر.


توقفت هبة بجانبها وضعت يدها على كتفها: بجد قولي مالكم هاتخبي عليا.


هزت ماسة رأسها بلا وهي تنظر أمامها: مافيش بجد.

نظرت لها لتغير الحديث: تعالي نتكلم قولي لي أخبار الشغل إيه؟!

💞_________________بقلمي_ليلةعادل•⁠‿⁠•


بعد وقت في مكتب سليم


دخلت ماسة الغرفة بعد لحظات من الصمت. نظرت إليه، وهو غارق في أوراقه. بدا مشغولًا جدًا لدرجة أنه لم يلاحظ دخولها. فكرت للحظة قبل أن تكسر الصمت، لكنها شعرت بشيء ثقيل في قلبها، تذكرت كلماتها في الليلة الماضية عندما أخبرته أنه هو السبب في كل ما يحدث لها. تعلم جيدًا أنها جرحته و أخطأت بحقه، كانت متأكدة أنه لم يقصد إيذاءها.

قطعت الصمت وقالت بتردد:


ماسة، بنبرة مرتجفة: محتاج حاجة؟


سليم، وهو يرفع رأسه قليلاً عن أوراقه، يحدق بها بصمت لثوانٍ ثم قال بهدوء: لا.


صمتت للحظة أرادت أن تفتح حديثًا معه، أن تعتذر، أن تنهي تلك الحرب الصغيرة، لكنها شعرت أن الوقت غير مناسب، ربما كلماتها تزيد من الطين بلة، خاصة أن هذه هي المقابلة الأولى بعد مشكلة الأمس.


ماسة، بصوت خافت: تحب أحضرلك الغداء؟ ولا هاتستنى العشا؟


سليم باقتضاب: هستنى العشا.


ماسة: طب، أنا بره لو احتجت حاجة.


هز سليم رأسه دون حديث ولم يتبادل معها أي نظرة إضافية، فتوجهت للخارج. أغلقت الباب خلفها، بينما نظر هو إلى آثار وجودها بحزن. مسح وجهه، وحاول العودة إلى عمله، لكن شيئًا في قلبه جعله غير قادر على التركيز. أغمض عينيه للحظة، ثم فتح اللاب توب وتصفح صورهم. ابتسم ابتسامة مريرة وهو يتأمل لحظات سعيدة سابقة قبل الحادثة.


خلال اليوم، لم يتبادلا الكثير من الحديث، وحتى في العشاء كانت الأحاديث خفيفة جدًا. على الرغم من محاولتهما إخفاء زعلهما، إلا أن من يركز معهما سيشعر بذلك، وبالطبع كانت فايزة منتبهة بشدة، فهي لن تضيع تلك الفرصة.


في فيلا عائلة ماسة، الخامسة مساءً.


السفرة 

نجد السفرة ممتلئة بالأطباق الشهية، وكل أفراد العائلة يجلسون حولها يتناولون الطعام. كانت مكرونة بشاميل و بانيه وفراخ مشوية وأكلات شهية على المائدة، فيما كانت سعدية تتابع بنظرات مليئة بالفخر.


سعدية وهي تبتسم، وهي تشير إلى الأطباق:

سلوى هي إللي عاملة الأكل كله النهاردة، صحيت من الفجر وعملت كل حاجة. فكرتني بأيام المزرعة، كانت تصحى بدري، وتنام بدري، وتشيل السرايا هي وأختها، لكن من ساعة ماجينا هنا وهي آخر دلع.


ضحك عمار وهو يتناول الطعام: شكل الخطوبة دي هاتيجي على سلوى بخسارة، أما بالنسبة ليكِ يا ماما، فده جاي عليكي بمكسب.


ابتسم مجاهد معلقا: ماتسمعوا الأول رأي مكي.


مكي وهو يتناول الطعام، ابتسم:  هو فيه بعد كده؟ أكيد الأكل جميل تسلم إيديها.


سعدية: إنتوا كده خلاص، خلصتوا كل حاجة؟ تخص الشقة والفيلا يا ولاد.


ابتسمت سلوى: آه، خلصنا كل حاجة، بس فاضل لي شوية لبس كده، هبقى أجيبه أنا وماسة لما سليم يفرج عنها.


مجاهد تساءل متعجبًا: هو مش خلاص؟ والبنت راحت الجامعة وبقى يسيبها تخرج؟


سلوى موضحاً: حصلت مشكلة كده مع رشدي، فقالها تفضل في القصر لحد مايحلوها.


عمار بضيق: أنا مش عارف، إيه  آخرة إللي بيعمله ده كأنها جارية عنده، هم بيغلطوا وهي بتتعاقب.


مجاهد تدخل بحكمة: إيه إللي إنت بتقوله ده يا عمار، الراجل من حقه يرفض خروجها، ومش عقاب أبداً، هو طلب منها تقعد لحد مايحل المشكلة، إيه إللي فيها؟ مايمكن هو عارف إن خروجها يعرضها لخطر، وعايز يحميها.


مكي بتأكيد: هو ده بالضبط يا عمي إللي أنا بحاول أقنع بيه سلوى علشان تقنع ماسة، سليم المرة دي طلب بس إن هي تفضل أسبوع لحد مايحل مشكلة رشدي.


عمار باستهجان: يعني كل ما يحصل مشكلة مع حد عنده أو يحصل له حاجة، يحبسها؟


مكي بتوضيح: مش بالضبط، لكن هو بيحاول يحميها بطريقته الخاصة، هو خايف عليها.


يوسف بعدم اقتناع:  بس مش للدرجة دي.


مجاهد بهدوء:  لازم تعرفوا حاجة واحدة، إللي ماسة وسليم اتعرضوا ليه كان شيء كبير، هو لحد اللحظة دي مش قادر يتجاوز الحادثة، علشان كده بيتصرف بالطريقة دي. لازم نفهم تصرفاته وأسبابه ونحللها، مش نهاجم أو نرفض على طول. أنا معاه جدًا، وأكيد لو زاد فيها، هكون ضده، وهتكلم معاه. لكن إحنا برده لازم نفهم الأسباب ونحترمها.


سلوى بإبتسامة خفيفة: بقول لكم إيه، ركزوا في الأكل.


سعدية: بقول لكم إيه، مادام إنتوا خلصتوا كل حاجة، ماتكتبوا الكتاب قبل الإمتحانات؟


مكي بحماس: أنا موافق جدًا.


سلوى برفض: لا، نكتب الكتاب في الفرح.


مجاهد باستهجان: ماتسمعي الكلام يا سلوى؟ إيه المشكلة؟ ماتبطلي عند، هو لا وخلاص علشان حتى تعرفوا تخرجوا براحتكم؟


سلوى بجدية:  أنا مش عايزة أعمل حاجة غصب عني.


مكي بهدوء: خلاص يا عمي، سيبها براحتها.


ثم نظر إلى سلوى وقال بغزل: تسلم إيديكِ يا سلوى، الأكل جميل.


مجاهد بعتاب: ماجبتش مامتك ليه يابني؟


مكي: ماما مسافرة عند خالتو.


سعدية بتنبيه: أعمل حسابك المرة الجاية، هاتيجي إنت وهي.


هز مكي رأسه بإيجاب وأكملوا  تناول الطعام وهما يتبادلون الأحاديث في أجواء عائلية حميمة. 


قصر الراوي، الثامنة مساءً 


جناح سليم وماسة 


عندما وصلا إلى جناحهما، جلس سليم أمام اللاب توب ليكمل عمله. اقتربت منه ماسة وقالت: 


ماسة بهدوء: ممكن أفتح الكمبيوتر وأشغل أغاني ولا هزعجك؟


سليم وعينه على اللاب توب: براحتك.


صمت لحظة، رفع عينه وقال بهدوء بنبرة: فريدة وياسين وهبة هايقعدوا في الحديقة العلوية، هايتعشوا  ويتفرجوا على فيلم... عاملين كده، Movie Date

يعني. لو حبيتي... ممكن تطلعي تقضي وقت معاهم.


هزت رأسها برفض: لا حابة أقعد هنا.


سليم: أعملي إللي يريحك.


جلست ماسة أمام الكمبيوتر، تشغّل أغانيها المفضلة، تتنقّل بين الألعاب والمحادثات مع صديقاتها عبر الهاتف، بينما عقلها غارق في أفكار لا تهدأ. كان في داخلها ثقلٌ كبير، شيء يمنعها من بدء الحديث مع سليم، إذ تشعر أنّ الكلمات إن خرجت الآن، فقد لا تكون قابلة للإصلاح.


كان الضيق والتوتر يخيّم على كليهما، لم يكن يملك أحدهما الشجاعة ليتحدث. لم يكن هذا حالهما من قبل، فلم يعتادا الصمت، أو تمرّ الليالي وهما يحملان في قلبيهما كلّ هذا الثقل. ما كانت ليلة تمرّ إلا وهما متصالحان وينعمان بأحضان بعض. 


كانت ماسة مترددة، تخشى أن تنطق بكلمة تزيد الأمور تعقيدًا.


أما سليم، فرغم إدراكه العميق أنّها على حق، لم يملك القدرة على مواجهة مشاعرها. كان غاضبًا هو الآخر، لا لشيء إلا لأنه لم يتوقع حديثها واتهامها له و تُخفي كلّ هذا الألم في قلبها.


بعد وقتٍ، أنهى سليم عمله، وقرّر أن يستريح قليلاً قبل النوم. نظر إلى ماسة وقال بهدوء: ممكن توطي شوية الصوت.


ردّت ماسة دون أن ترفع رأسها عن الشاشة: حاضر.


تمدّد سليم على الفراش، ينظر إلى الفراغ بعينٍ شاردة، غارقًا في أفكاره وفي علاقتهما، ومن حينٍ إلى آخر، كان يختلس النظر إليها بنظرة يملؤها شيء من المرارة.


وبعد لحظات، انضمت إليه ماسة، واستلقت إلى جانبه. كانت المسافة بينهما واضحة، والجوّ أبرد من أي وقتٍ مضى...


أشدّ ما يؤلمهما أنّهما ينامان في الفراش ذاته، وظهر كلٍّ منهما للآخر. الصمت بينهما بات أثقل من أي حديث.


وكان السؤال الذي يدور في ذهن كلٍّ منهما: هل ستبقى الأمور هكذا؟ إلى متى سيستمر هذا البُعد؟


في أحد قاعات البلياردو، السادسة مساءً.


نرى الطاولات مليئة بالكرات المتناثرة، واللاعبين يتبادلون الضربات بحذر، أحد الشباب، رحيم المهندس إياه، يجلس على طاولة فارغة، يحتسي كوبًا من العصير بينما يتأمل المكان بهدوء. بعد لحظات، دخل رجل يبدو أنه أحد أعضاء عصابة كبيرة.


الرجل بأسلوب قاطع: مساء الخير باشمهندس رحيم.


رحيم يرفع عينيه قليلاً ويجيب بهدوء: مساء النور. أنا أعرفك.


الرجل ابتسم بثقة وهو يسحب مقعدًا ليجلس:

لا، إنت ماتعرفنيش، لكن أنا أعرفك كويس.


رحيم بدهشة: تعرفني منين يعني؟


الرجل بهدوء: ممكن تقول إني محقق الأحلام. فانوس علاء الدين، خاتم سليمان... سميني زي ماتحب. المهم، مش هانختلف في أي حاجة. النهارده يا رحيم، هو يوم ميلادك وسعادتك. بس قبل مانتكلم، قولي، إنت بتقبض كام من مجموعة الراوي؟ 15ألف في الشهر؟ مظبوط؟


رحيم بتوتر: أنا مش فاهم حاجة إنت مين وعايز إيه.


الرجل بإبتسامة هادئة: مش كل حاجة لازم تفهمها.


رحيم محاولاً استيعاب الموقف: إزاي مفهمش؟ 

ثم ابتسم وقال بفطنة:

مش لازم تفهمني عشان نتفق. قول بقى، إنت عايز مني إيه؟ ولو الكلام عجبني، مش هانختلف. يا محقق الأحلام، علشان الفانوس له أمنيات محدودة، وأنا احلامي بلا حدود.


تنهّد الرجل ببطء، ثم ابتسم ببعض الريبة:

إحنا كده حلو أوي اسمعني بقى.


في أحد المقاهي، الثامنة مساءً،.


جلس حسام، شقيق منى، على طاولة جانبية يراقب المكان بعينيه التي لم تهدأ. المقهي شبه خالٍ، لم تمضِ دقائق حتى انضم إليه رجل بدا وكأنه خارج لتوه من فيلم عصابات؛ ،(مينا) بجاكيته الداكن، أشعل سيجارة بهدوء قاتل، وأخذ منها نفسًا طويلًا قبل أن يتكلم بصوت واثق:


مينا: معلش يا باشا لسة مخلص مع صابر الغول وجتلك على طول ..


حسام: عملت ايه ؟!


مينا: زي ماقلت يا باشا، الموضوع ماطلعش مني على طول...

بعِت الوسيط، والوسيط بعِت وسيط تاني، والتاني بعِت له وسيط ثالث...واتفقوا زي ما قلت بالحرف.

وطبعًا، زي ما أمرت، معرفش الموضوع ده تابع لمين ولا لصالح مين ويومين بالظبط ورجالة عزت باشا هايدوروا حتى لو سليم بعت رجالته مش هايوصل غير للي عايزينه يوصل ليه.


رفع حسام عينيه إليه، نبرته حادة تحمل تحذيرًا خفيًا: أهم حاجة عندي...عزت مايوصلش لأي معلومة..أكيد هايدوروا، ولازم يقتنعوا إن رحيم عمل كدة من نفسه، الفلوس هاتوصله، وكل طلباته هاتتنفذ، بس أهم حاجة... مش عايزين غلط ده عزت الراوي.


مينا بابتسامة خفيفة لا تخلو من الثقة: حسام بيه، عمرك إنت والباشا رفعت طلبتو مني حاجة وخذلتكم قبل كده ماتقلقش... مش أول عملية.


ابتسم حسام ابتسامة قصيرة جافة، وقال بنبرة صارمة:  تمام.بس لو حصل أي غلط.. اتخلّص منه.وبالنسبة للبضاعة هاتدخل فى شحن الخشب زي الإتفاق.


مينا: اتفقنا.


ومرت الأيام ثقيلة، ولم يتبادل سليم وماسة سوى القليل من الكلمات، حيث كان الصمت يهيمن على حياتهما. ينامان في نفس الفراش، لكن كل منهما يعيش في عالمه الخاص. كان سليم يخشى أن يتحدث معها، وكان دائمًا حذرًا في كلماته، خائفًا أن يؤدي الحديث إلى خسارتها أو إلى نشوب مشكلة أكبر. أما ماسة، فقد كانت تتجنب التحدث، وكأنها غير مستعدة بعد، تشعر أنها لا تزال غاضبة وفي نفس الوقت مخطئة، وإذا دار بينهما أي حديث، فقد يتحول إلى شجار. 


وفي تلك الأثناء، كان إسماعيل يقوم بالبحث عن المتسبب في حادث رشدي ومن خلفه، لكنه لم يصل بعد إلى الحقيقة.


كانت منى خلال تلك الفترة في حالة من التشتت والاضطراب الشديد، فاقدة لتوازنها. لم تعد تجلس معهم على طاولة الطعام، فهي لا تريد أن يلاحظها أحد. لكن طه كان منتبهًا جدًا. كان يلاحظ كل حركة منها.


كان مكي أيضا يبحث من جانبه.


قصر الراوي، الثانية عشر صباحاً 


عند البار، كانت تجلس منى تحتسي كأسًا من الخمر، ويبدو على ملامحها التوتر الشديد. عيناها لا تفارقان الهاتف، وكأنها تنتظر مكالمة هامة. كانت تشرب كأسًا وراء الآخر، وكأن تلك المكالمة تمثل طوق النجاة بالنسبة لها. إذا لم يتم الاتفاق مع رحيم فستكون النهاية.

بعد دقائق، سُمِعَت خطوات هادئة تقترب منها. التفتت ببطء لتجد "طه" واقفًا خلفها، ينظر إليها بنظرة حائرة.


طه بإهتمام: مالك؟ ليه بتشربي كده؟


منى دون أن تنظر إليه: مافيش حاجة عادي.


طه: يعني إيه مافيش حاجة؟ شكلك مش طبيعي، في حاجة مضايقاكي؟


منى بصوت منخفض: قولتلك مافيش يا طه.


طه: لا، في. وأنا مش هسكت. مالك؟ بتتخانقي كده ليه؟ إنتي بقالك يومين مش طبيعية، حتى مع الولاد.


زفرت منى، ورفعت الكأس لتحتسى القليل دون أن تجيبه.


اقترب منها طه وقال بشك: لو في حاجة حصلت، أو في حاجة عاملاها، عرفيني. أنا في الأول وفي الآخر جوزك.

لم ترد منى عليه، واحتست ماتبقى من الكأس دفعة واحدة، ثم وضعت الكأس بقوة على البار. همست، وهي تنظر للهاتف: مافيش حاجة يا طه... قولتلك مافيش.


بعد دقائق، رن هاتفها، كان والدها. ردت مسرعة: 

ألو بابي، معاك؟


ابتعدت عن البار وأخذت خطوة للخلف، بينما طه نظر لارتباكها،وهمس لنفسه: شكلك عملتِ مصيبة... بس هعرفها.


مجموعة الراوي 


مكتب سليم الواحد مساء


جلس سليم خلف مكتبه، هادئًا كعادته، بينما جلس مكي على الكرسي المقابل، ينفث دخان سيجارته ببطء، يراقب وجه سليم بنظرة حذرة ومندهشة.


مكي متعجباً:

يعني إيه يا سليم؟ مش هتواجه منى؟ ولا حتى رافعت؟


رفع سليم عينيه نحوه، نظراته تحمل دهاءً عتيقًا، ثم قال بدهاء:

بُص يا مكي... دلوقتي لو منى عرفت إننا عارفين، ولسه في أي حاجة بتحصل، هتخبيها أكتر. فإحنا لازم نتصرف كأننا ماوصلناش لحاجة... بدل منهاجمها، نفتح عنينا عليها أكتر. الأذى لسه بعيد عننا ودة المهم، بس أول ما يقرب... ساعتها هنجيبها ونعلّقها من رجليها. انا اهم حاجه عندي ان انا وماسه بعيد عن خطاطهم القذر،ه ده ما يمنعش يتحطوا تحت الميكروسكوب في كل دقيقه في ال 24 ساعة


مكي تسأل متعجباً: طب... وتفتكر ليه بدأت برشدي؟ ليه هو يعني؟


ابتسم سليم ابتسامة خبيثة، وقال بثقة:

عشان رشدي ديله نجس... سهل يقع. مش زي عماد، عماد أذكى، صعب توقعه بسهوله. هي بدأت بالأضعف... وجابته من أكتر حاجة متأكدة إنه هيقع بيها. واختيارها للرحيم ماكنش عشوائي... منى عارفة كل حاجة عن بلاوي رشدي. طه

 مابيخبيش عنها حرف..


حكه في جانب جبين وبتفكير قال بحيرة:

 بس انا مش عارف هل رفعت لاجيء لـ مينا رغم ان هو عارف انه تبعنا، وان من رجالتنا عشان يوقع منى، ولا هي وقعت منه، لحظه غباء، افتكر انه لما يدخل له شحنه المخدر،ات كده هياخد الامانه، بس لو رفعت بيوقع منى معناها، ان رفعت شال ايده عن الحمايه، ولو حركه غبيه منه امم في كلا الحالتين الموضوع لصالحنا بس برده فتح عينك على رفعت هو وحسام من النهارده.


ميكي متسائلا باستغراب: مشي نسبة 90% كلامك صح وتحليلك صح بس ليه ده يحصل دلوقتي بالذات؟!


سليم، كأن عينيه تبصران ما لا يُرى:

دلوقتي هم بيخلصوا على بعض يا مكي عماد متجوز سارة، وبيمثل على صافيناز دور الزوج المخلص. وسارة نزلت مصر وبتقابل صافي... وواضح إن في خطة. منى بدأت برشدي، وبعد كده هتدور على ثغرة تمسك بيها عماد أو صافي. وأنا متأكد إنهم هما كمان مش قاعدين ساكتين... أكيد بيخططوا يخلصوا على رشدي... وعلى الكل،  بداوا يخلصوا على بعض يا صاحبيه.


أغلق مكي السيجارة وهو يحدق في الفراغ بالفراغ:

الفلوس بتعمل كده؟ بتخلي الناس تبيع بعضها؟ انتو إخوات.


ظهرت على شفتي سليم ابتسامة جانبية حزينة، وعلّق بنبرة واثقة:

اممم واكتر، واوعى تتفاجئ لو طلع حد فيهم مع اللي دبر الحادثة. بس خلينا مستنيين... ومفتحين عينينا.


نظر إليه مكي بإعجاب قال: بس انت طلعت صح لما شغلت عرفان... ولا حد واخد باله.


فتح سليم الملف أمامه بهدوء، وقال بثقة باردة:

عشان بعد كده تمشي ورا كلامي وانت مغمّض. وزوّد المراقبة على منى... بالذات... وسيب اسماعيل يوصل لوحده تحسس الباشا ان رشدي بدا في سكه الادمان ده المصير والنهايه اللي يستحقها رشدي.


أومأ مكي برأسه موافقًا، وملامحه بدأت تفهم شكل اللعبة بوضوح.

سيارة مكي الخامسة مساءً


أمام محل العصير


كانت سلوى تجلس على غطاء السيارة، تلاعب بكعب حذائها في الهواء، بينما وقف مكي أمامها، يحمل كوبين من عصير البرتقال الطازج.


سلوى بإبتسامة مرحة: يعني... أخيرًا إفراج؟


مكي وهو يرتشف العصير: هممم، بس ماتقوليش لحد. سليم خلاص عرف مين ورا مشكلة رشدي، بس مستني الباشا ورشدي يوصلوا للحقيقة. 


سلوى بدهشة:طب ليه مابلّغهمش بالمعلومات إللي عنده؟


مكي موضحًا: لإن سليم حلف إنه مش هايتدخل في حاجة تخص رشدي. هو بس كان عايز يطمن إن إللي عمل كده مالوش علاقة بالحادثة. كان شاكك، بس سليم من النوع إللي مايكتفيش بالإحساس... لازم يشوف بعينه.


     الفصل السادس والستون ج2 من هنا 

   لقراءة جميع فصول الرواية من هنا

تعليقات