رواية الماسة المكسورة
الفصل السادس والستون 66 ج2
بقلم ليله عادل
سلوى بفضول: هي أصلًا إيه مشكلة رشدي؟ عمل له مصيبة؟ أنا عارفة إنه سافل من زمان.
مكي بهدوء:بصي ياسلوى.. من البداية كده، شغلي مش هاينفع أحكي لك تفاصيله. ممكن أقولك حاجات عامة زي دي، لكن الباقي... لأ. متفقين؟ مافيش زعل؟
سلوى ضاحكة: وهزعل ليه؟ ماشي يا سيدي، مش هاقول لماسة حاجة. هو هايقول لها بنفسه... بس طالما سليم وصل، يبقى أكيد هما كمان هايوصلوا.
مكي يومئ برأسه: أكيد. بكرة بالكثير، إسماعيل هايقولهم كل حاجة.
(ثم يبتسم بهدوء)
المهم، ركزي في المذاكرة، مفهوم؟ علشان ماتجيش بعدين تقولي: شِلت مادة، عملت مادة...
لإن بعد آخر يوم امتحان ليكي بيوم، هنكتب الكتاب.
سلوى تضحك: طيب...
فجأة، لمحت فستان زفاف في فترينة محل مقابِل، شردت بنظرها نحوه. لاحظ مكي ذلك، فالتفت وسألها:
مكي بإبتسامة: تحبّي تجرّبيه؟
سلوى بحماس طفولي: جداً!
أخذ منها الأكواب، سلّمها للعامل، دفع الحساب، ثم أمسك بيدها ومشيا سويًا نحو المحل. دخلا، تأمّلا الفساتين، ثم اختارت سلوى واحدًا ودخلت لتجربته.
وما إن خرجت، حتى وقف مكي مذهولًا. كانت كالأميرة... جمالها يسحر العين، ونظراته إليها كانت تقطر حبًا وإعجابا. لم ينطق لسانه لكن نطق القلب و العين
مكي بصوت خافت وهو يحدّق فيها: شكلك زي القمر...
سلوى بخجل:بجد شكلي حلو؟ أنا حاسّة إنّي جوه الفستان!
اقترب منها مكي بعين لا ترمش حتى توقف أمامها قال بنبرة عاشقة:
إنتي بتسألي؟ مافيش بعد كده جمال... إنتِ ملاك على الأرض، والله العظيم دلوقتي بس عرفت إن أمي وأبويا، الله يرحمه، راضين عني... علشان كده ربنا رزقني بقمر زيك.
قبّل يدها، فنظرت إليه بقلق:
سلوى بتردد: هو إنت بجد... بتحبني؟
مكي مبتسم بلطف: إنتِ بجد بتسألي؟
نظرت سلوى بعيدًا، ثم قالت بتردد:
أصل... أحيانًا الواحد بيسأل نفسه: إزاي أتأكد إن الشخص ده هو فعلًا المناسب؟ مش يمكن بعدين يظهر حد تاني، وأحس إنه هو الصح؟ وإن إللي حسيته دلوقتي مجرد إعجاب... مش حب حقيقي يخليّني أتجوزه؟
سكتت لحظة، ثم تابعت: يعني... إيش يضمنلي إنك بعد الجواز، مع المسؤوليات والروتين، ماتجيش وتقول لي: "إنتِ مش البنت إللي كنت بحلم بيها"، وتزهق، وتقرر تمشي؟ أو يظهر حد في حياتك وتقول: "هي ده إللي كان المفروض تكون مكاني؟"
مكي وهو يقترب منها بصوت دافي وصادق:
إنتي بتتكلمي عن نفسك..ولا عني؟
سلوى بعد صمت قصير: عنك، بصراحة.
ضيق مكي عينه قليلا قائلاً بقلق واستغرب: يعني أنا لحد دلوقتي، لسة مخليكي قلقة ومش حاسة بالأمان؟ إيه إللي عملته يخليكي مش واثقة فيّا؟
سلوى بهدوء ممزوج بخوف وصدق:
أنا مش فاقدة الأمان... بس بفكر بصوت عالي.
الحب خوف... خوف من الفقدان. أنا خايفة... تمشي.
رفعت عينيها إليه بثقة وقالت:
أنا عارفة إني بحبك، ومتأكدة إني مش هرجع في قراري، ولا هزهق. أنا اخترتك بإقتناع... بس خوفي، إنك إنت بعد الجواز، تقول مش دي إللي كنت بتدور عليها.
مكي وهو يمسك يدها بحنان: ماتخافيش... مستحيل أسيبك، أنا حبيت روحك، والروح مابتتغيرش.
إنتِ البنت الوحيدة إللي حرّكت فيا حاجات محدش قدر يحرّكها قبلك.
تنهد وأضاف بتوضيح:
أنا قابلت بنات كتير... من كل لون وكل شكل. حتى في الوقت إللي كنا فيه بعيد، بس مافيش واحدة قدرت تخليني أحس بـ1% من إللي بحسه معاكي.
ولما اتخطبنا، اقتناعي بيكي زاد.
ومتأكد إنك إنتِ إللي تستحقي تبقي مراتي وشريكة حياتي
زاد من نظرات العشق وأضاف بصدق واضح:
أنا بحبك يا سلوى... والشيء الوحيد إللي ممكن يبعدني عنك... هو الموت. أنا مابقيتش أقدر أعيش من غيرك.
نظر لها بنظرات عميقة، وابتسم وقال بمزاح محبب:
وبعد الفستان ده والجمال ده... اتأكدي، هتجوزك.
قبّل يدها وضمها إليه. ارتجفت سلوى للحظة، واتسعت عيناها بدهشة... كانت أول مرة يعانقها منذ خطبتهما. لكنها داخل حضنه شعرت براحة، بمشاعر جديدة لأول مرة.
وضعت رأسها على صدره بحب، ورفعت يدها لتبادله العناق، وبعد لحظات... ابتعدا، ينظران لبعضهما بعشق صامت.
رفع مكي يديه واحتضن بهما خديها برقة، ثم قرب وجهه منها وهمس: ماتقلقيش... أنا بحبك، وهتجوزك.
هو فيه حد يلاقي حد يحبه كدة ويمشي؟
إللي يحبك ويمشي... يبقى مجنون. وأنا مش مجنون.
ابتسمت سلوى وهزّت رأسها بخفة، ثم نظرت إلى الفستان وقالت بابتسامة: طب قولي؟ لو ها أختار فستان... أجيب الستايل ده؟
مكي بغزل: بجد يجنن عليكي...
سلوى بحماس: ماشي... أنا هروح أغير، علشان نتغدى سوا لإني جعت أوي.
هز مكي رأسه بإيجاب بابتسامة وهو ينظر لآثارها
قصر الراوي السادسة مساءً
جناح سليم وماسة / الشرفة
نرى ماسة تجلس على الأرجوحة، تتأرجح ببطء بينما تستمتع بنسمات الغروب الهادئة أغمضت عينيها للحظة محاولة الاستمتاع بالهدوء، قبل أن يرن هاتفها فجأة. نظرت إلى الشاشة بإستغراب… رقم غير مسجل.
ترددت للحظة، ثم أجابت بحذر: ألو؟
جاءها صوت شاب من الطرف الآخر: ألو… ماسة؟
قطّبت حاجبيها بتعجب، توقفت عن التأرجح وهي: أيوه، مين معايا؟
الشاب بإبتسامة خفيفة: مختار… مختار هشام.
تنهدت بتذكر، ثم ضحكت بخفة توقفت عند السور: آه! مختار ملزمة.
مختار بإندهاش: مختار ملزمة؟!
ماسة مبتسمة بخجل: آسفة، بس إنت معروف إنك بتعمل ملازم وملخصات، فدماغي ربطت على طول!
مختار ضاحكًا: آه، طبعًا، على أساس إنك تعرفي حد غيري في الكلية أساساً علشان تعلميني بملزمة؟!
ماسة تبسمت: عندك حق! عامل إيه؟
مختار: تمام، وإنتِ؟ بقالك كام يوم مختفية خير؟!.
ماسة بتردد: كنت تعبانة شوية.
مختار: ألف سلامة! طب هاتيجي الكلية إمتى؟
ماسة: كمان كام يوم إن شاء الله.
مختار: تمام، على فكرة، جبت لكِ الملخص إللي طلبتيه.
ماسة: بجد؟ شكرًا جدًا!
مختار: ولا يهمك حاجة بسيطة، سلام.
ماسة: سلام.
أغلقت الهاتف، التفتت خلفها، فتجمدت ملامحها… حين وقعت عينيها على سليم الذي كان واقفًا خلفها، يراقبها بصمت، عيناه تضيقان ببركان صامت من الغضب والغيرة.
شهقت ماسة بخضة: سليم؟! إنت واقف هنا من إمتى؟
سليم بهدوء قاتل: مين ده؟
ماسة باضطراب: ده… مختار.
رأت كيف شدّ فكّه وهو يحاول السيطرة على غضبه، لكنه فشل… عيناه تقدح شررًا.
سليم بصوت منخفض لكنه حاد: مختار مين؟
ماسة بحذر: زميلي في الجامعة
ابتسم سليم بسخرية، لكنها كانت ابتسامة مرعبة أكثر من كونها ساخرة: وجاب رقمك منين زميلك ده؟ واضح إنه فيه عشم جامد.
بدأت ماسة تستوعب أن الأمور تتجه لمنحنى خطير. حاولت تهدئته: ممكن تسمعني للآخر وتهدى؟
سليم بإبتسامة باردة: ما أنا هادي أهو.
قلب وجهه للجهة الأخرى، ثم نظر إليها بعينين قاتمتين وقال بنبرة رجولية: جاوبي..
ماسة بتوتر: معرفش جاب رقمي منين، أكيد من البنات، هو بيعمل ملخصات وكده… بيطلع الأول على الدفعة، والبنات بيتكلموا عنه دايمًا… جبت منه ملازم قبل كده.
تحدث سليم من بين اسنانه: وبيكلمك ليه؟!
ماسة بإرتباك شديد وتلعثم : عشا، عشان يقول لي إنه جبلي الملخص ولاحظ غيابي فبيطمن عليا.
أغمض سليم عينيه قليلًا يحاول استعادة هدوئه، قبض على كفه وكأنه يمسك ببركان داخله، ثم قال بنبرة غاضبة لكنها هادئة: هو مش أنا قولت مافيش كلام مع شباب؟! وإيه لاحظ غيابي فابيطمن دي؟!
حدّق بها بقوة بنبرة رجولية: هو أنا كلامي مابقاش يتسمع ليه يا ماسة؟! أوعي تقوليلي أنا كبرت والهبل ده.
ماسة بهدوء: سليم، لو سمحت، ماتزعقش، أنا بفهمك.
سليم بسخرية خطيرة: أنا لسة مازعقتش! بعدين تفهميني إيه إنتي كسرتي كلمتي؟
رن هاتفها مرة أخرى… نفس الرقم.
نظرت ماسة بعينيها إلى الرقم بتوتر، بينما ظل سليم يحدّق بها بحدة وغيرة رفعت عينيها له ببطء و توتر.
سليم بصوت منخفض لكنه يحمل تهديدًا: ده بيرن تاني؟ مش بقولك العشم جامد أوي بينكم… هو مش عارف إنك متجوزة؟
ماسة بتوجس خفيف: كل الجامعة عارفة؟
سليم أمرها بحدة: ردي.
ماسة رفضت بخوف: لا.
لم يمهلها فرصة للمقاومة، خطف الهاتف من يدها، فتح المكالمة ووضعها على مكبر الصوت، ثم نظر إليها نظرة مرعبة بمعنى: ردي.
مختار بصوت مرح: ألو، ماسة؟ نسيت أقولك، عملتي الملخص بتاع دكتور جين ولا خسرتي التحدي؟
ماسة نظرت لسليم بتوتر، الذي لم يرفع عينيه عنها، وكأن نظراته تخترقها.
مختار: ألو؟ إنتي معايا؟
ماسة بصوت متردد: آه… عملته، بس علشان تعبت وماجتش بس هو معايا.
مختار بلامبالاة: عموماً، أنا مستني أشوف ملخصاتك للدكتور جين، وهاتفوزي عليا أو لا؟! خدي بالك من نفسك، يلا سي يو.
أنهى المكالمة.
نظر سليم إليها بنظرة مرعبة تحمل في طياتها سؤالًا واحدًا: فهميني بالراحة … إيه ده؟
ابتلعت ماسة ريقها وقالت بتوتر: أصله زي ماقولتلك، هو بيعمل ملخصات، بس هو في مادة الدكتور دي، كان شارح كتير، فـقولتله: إنت راغي كده ليه فيها؟
قالي: المادة دي مابتتلخصش غير كده.
فـقولتله: أنا أقدر أختصرها أكتر.
قاطعها سليم بنبرة رجولية هادئة، لكنها تحمل رهبة لا يمكن تجاهلها: فـطبعًا قالك ماتقدريش، قولتي له أقدر، قالك تتحديني؟، قولتي أتحداك… صح؟
هزّت رأسها بالإيجاب بتردد واضح، والخوف يكسو ملامحها، ويداها ترتجفان من شدة التوتر.
فهو اذا كان متواجد لم يعرف ماذا حدث بتلك الطريقة التي قالها.
جزّ سليم على أسنانه، والغضب يتصاعد بداخله: يعني قعدتي واتكلمتي وهزرتي معاه؟ وطظ في كلامك يا سليم، وطظ في غيرتك؟
وبعدين تيجي تقوليلي إنت بقيت عصبي ومش عارفة أتكلم معاك، وإنتي أصلاً مابتعمليش غير الحاجات إللي تخلي دماغي تولع… صح؟
لم ترد. فقط نظرت إليه بصمت، وكأن الكلمات قد هربت منها.
ظل سليم يهز رأسه، كأنه لا يصدق مايسمعه. وفجأة، وبحركة خاطفة، قبض على هاتفها بعنف، ألقاه أرضًا، فتحطم وتناثرت قطعه في كل مكان.
شهقت ماسة، ونظرت إليه بصدمة، ثم صاحت بغضب: إنت مجنون؟! ليه عملت كده؟!
لم يمنحها فرصة للاحتجاج، أمسكها من كتفها بقسوة، وجذبها نحوه بعنف، حتى صارت أنفاسه الحارّة تلامس وجهها.
سليم بصوت خافت يحمل في طياته الغضب الذي يحاول كبحه: هو أنا مش قولت ممنوع تكلمي أي زفت من الشباب؟
إنتي ليه عايزاني أطلع وش أنا مش عايزه؟
ليه عايزاني أتعامل معاكي بأسلوب أنا نفسي مش طايقه؟
كان التوتر ظاهرًا على ماسة، تحاول التملص، تريد أن تبرر، لكن سليم لم يترك لها الفرصة. أكمل، دون توقف:
أول مرة عدّيتها ونبّهتك. والتانية النهاردة. نفس الغلطة.
بس أنا هعديها دي مش طيبة مني تؤ، بس علشان تبقى أخدتي كل فرصك وماسمعش حسك تاني… ده آخر تحذير.. ولو اتكررت للمرة التالتة؟
مش هاتشوفي حتى باب القصر، يا ماسة.
نظرت إليه ماسة بغضب، وحاولت سحب يدها بعنف:
أوعى!
قاطعها بنظرة أشد قسوة، وضغط على كتفها بقوة أكبر ينظر بعينه التي تقدح شرار داخل عينيها: هـششش، صوتك مايطلعش…
لإني لحد دلوقتي بحاول أكون هادي…
بلاش تطلعي مني شخصية أنا نسيتها من زمان، وكنت فاكر إني دفنتها..فاهمة؟
نظرت إليه ماسة، وعيناها تشتعلان غضبًا وتحديًا، وقالت بثبات: لأ، مش فاهمة! إيه مشكلتك بجد؟
ده زميل، وأخدت منه ملزمة، واتكلمنا في حاجة تخص المنهج، وقلتله إني ممكن أعملها أحسن منه!
وكلامنا كان كله باحترام وسط الناس...
زي ما إنت بتتكلم مع بنات وستات في الشغل…
ولا هو حلال ليك وحرام عليا؟
(حاولت التملص من قبضته وهي تتألم) آااه… شيل إيدك بقى!
لكنه لم يتركها، وظل ممسكًا بها بقوة. نظر إليها طويلًا، ثم قال بجمود: أنا كلامي واضح، ومش هعيده تاني.غلطة واحدة…ووقتها ماتلوميش غير نفسك.
عايزة تجربي؟ جربي..وساعتها، ماحدش هايخسر غيرك يا ماستي المتمردة.
جزّت ماسة على أسنانها وسحبت كتفها بعنف، ثم انفجرت بإنفعال: أنا زهقت من تهديداتك دي!
لم يرد. فقط نظر إليها بحدة، ثم استدار وغادر الغرفة دون أن ينبس بكلمة.
توقفت ماسة في مكانها، تنظر إلى أثره بغضب مكبوت، أنفاسها تتسارع، ودموعها تلمع في عينيها وهي تحاول السيطرة على انفعالها.
كل ذلك، كانت تتابعه فايزة من الشرفة السفلية، تحتسي قهوتها بإبتسامة سعيدة، وكأنها كانت تنتظر هذه اللحظة منذ زمن.
بينما سليم هبط إلى الطابق السفلي، توقف للحظة في الحديقة. كان الغضب يعصف بملامحه، وأنفاسه المتسارعة تكشف عن شدة مايشعر به. حاول جاهدًا أن يهدأ، فالمشكلة التي وقعت لم تكن في وقتها على الإطلاق، لا سيما في ظل أزمتهما الحالية.
كما نعلم، العلاقة بينهما باتت هشّة، بالكاد يتبادلان كلمات خفيفة. ومشكلة كهذه، حتى وإن كانت بسيطة، قد تُعمّق المسافة بينهما أكثر. خصوصًا أن الوقت لم يعُد كما كان من قبل؛ الأمور ازدادت تعقيدًا.
هو لا يعلم أنها اختارت الصمت لأنها تخشى أن يتشاجرَا، بينما هي لا تدري أنه هو الآخر آثر السكوت خوفًا من خسارتها.
وأثناء وقوفه في مكانه، رنّ هاتفه فجأة. كانت المتصلة السكرتيرة نور.
نور: ألو، مساء الخير مستر سليم.
سليم: مساء النور، خير يا نور؟ فيه حاجة؟
نور: آه، أنا كنت ببلّغ حضرتك ماتنساش تبعت إيميل المناقصة، علشان النهارده آخر يوم، والميعاد النهائي الساعة 12.
سليم: طيب، حاضر. سلام.
أغلق سليم الهاتف ووضعه في جيبه، ثم ظل واقفًا، يرفع بصره نحو الأعلى، يفكر في علاقته بماسة،
كيف وصلت إلى هذا الحال؟ وماذا ينتظرهما في قادم الأيام؟
عندما انتهى اليوم، دخلا إلى الغرفة. لكن هذه المرة، لم يتبادلا أي كلمة. لا حتى "مساء الخير". دخل واستلقى بجانبها في صمت تام. سكوت ثقيل خيّم على المكان، كأن الزمن توقف عند لحظةٍ لا يُراد لها أن تمضي.
بالطبع، لم ينم أيٌّ منهما. كلاهما كان مستيقظًا، عيونهما مفتوحة، ونبضات حزينة تطرق صدريهما بشدّة. الحزن لم يكن عابرًا، بل مقيمًا، يخنق النَفَس ويقطع نياط القلب.
ومع ذلك، ظل الصمت هو الخيار الوحيد؛ لأنه في تلك اللحظة، كان أقلّ ضررًا من الكلمات.
وما لم ينتبه له أحد، أن سليم نسي أن يرسل البريد الإلكتروني. ببساطة، لم يكن منشغلًا إلا بشيءٍ واحد... ماسة.
مجموعة الراوي العاشرة صباحًا
مكتب عزت
عزت جالسًا خلف مكتبه، ملامحه مشدودة وكأن التوتر يسيطر عليه، ووجهه كان متجهمًا بشكل غير معتاد. على الكراسي أمامه، جلس رشدي وفايزة، بينما وقفت نانا ونور أمامهم.
نظر عزت إلى نور بنظرة حادة، ثم رفع صوته قائلًا:
إزاي إيميل بالأهمية دي مايتبعتش؟! إنتِ كنتِ فين يا أستاذة؟! مش إنتِ مديرة مكتبه؟ ازاي ماكدتِيش عليه إنه يبعث أوراق المناقصة؟
ردت نور بصوت متوتر: يا أفندم، أنا بلّغت سليم بيه، وقال لي إنه هايبعت الإيميل بنفسه. كنت فاكرة إنه خلاص بعتهم... وأنا بلغت إن سليم بيه إن حضرتك عايزه ضروري، وهو جاي حالا.
قبل أن يتفاقم الموقف أكثر، دخل سليم.
هدوءه كان مخيفًا، وكأن كل شيء من حوله لا يعنيه.
جلس على الكرسي أمام فايزة ورشدي، و وجه نظراته لعزت دون أن يهتز رمشه.
سليم بهدوء: بلغوني إنك عايزني يا باشا... خير؟
نظر عزت له بنظرة ملتهبة غاضبًا، وقال بعصبية:
إزاي المناقصة دي راحت مننا؟
سليم بنفس البرود: نسيت أبعت الإيميل.
اتصدم عزت، وصوته أصبح حادًا: مناقصة شغالين عليها بقالها ٣ شهور! وفي الآخر تقول لي نسيت؟! ببساطة كده؟
سليم هز رأسه بابتسامة باردة: أمم... بالبساطة دي.
فايزة متسائلة: ومين هايعوضنا الخسارة؟
نظر لها سليم لحظة وقال بإبتسامة باردة: إنتوا.
كاد عزت أن يعترض، لكن سليم نظر له بنظرة حادة قطعت أنفاسه.
وقال بصوت خافض لكن مليء بالقوة،:
إيه المشكلة لما تتحملوا الخسارة؟
ما إنت يا باشا عديت لناس تانية أخطاء أكبر من كده...
أبنك الفاشل، وإخواتي التانيين، كانوا هايضيعوا الإمبراطورية دي كلها.
وكان مصيركم في الآخر زي مسلسل الشهد والدموع...
الهانم مشلولة على كرسي، وإنت واقف على باب الحسين مختل تقول "منه له... جاي رايح منه له"...
(ضحك وأكمل بسخرية)
وإخواتي الأعزاء؟ يا هربانين، يا مافيا هاتدبحهم.. هما وحظهم بقى.
حاول عزت يرد، لكن سليم سبقه بنظرة أقوى.
بدأ يعد على أصابعه: قدامك حلين، مالهمش تالت.
الأول تعتبر إللي حصل ماحصلش وتتحمل الخسارة والثاني أعتبر إللي حصل ما حصلش وأتحمل الخسارة.
صمت عزت وفايزة لحظات، كلاهما يعرفان جيدًا هذه النسخة من سليم، النسخة التي إذا انفجرت... لن يستطيع أحد إيقافها. وهما في حاجة إليها الآن أكثر من أي وقت مضى.
مسح عزت على وجهه وحاول تدارك الموقف وقال: أنا يا سليم ماقلتش حاجة مافيش مشكلة لما تغلط.
لكن سليم الراوي لما يغلط غلطة زي دي، بالنسبة لي بتبقى كبيرة... أنا واخد على الفشل من إخواتك،
لكن إنت؟ إنت دايمًا بتكسب وبتسحق أي منافس.
أنا مش بحاسبك، أنا بعاتب ابني... وريث العرش.
مش عايز مشاكلك مع ماسة تبقى السبب إنك ماتشوفش شغلك كويس.
رد سليم بسرعة، ونبرته بدأت تعلو: ومين قال لك إن عندي مشاكل مع ماسة؟ ومين قال لك أصلاً إن ده السبب؟ أنا وماسة كويسين جدًا، وحياتي مستقرة.
ومش مجبر أبرر ليك أنا نسيت ليه.
نسيت... وخلاص.و أنا أهو قلت لك الحل: إنك تعتبر إللي حصل ده ما حصلش..
عزت بهدوء: طب ابقى أقعد مع رشدي عايز تقييم مفسر عن مدينة الجديدة.
سليم: تمام.
قال كلماته تلك وتحرك للخارج وبعد خروجه.
عزت وهو يتوقف: أنا رايح ألف شويه على المصانع حضر ورقك يارشدي وأقعد مع سليم.
رشدي: تمام يا باشا..على فكرة إسماعيل وصل لرحيم وهايجيبه النهاردة.
عزت: عارف.
قصر الراوي
مكتب عزت السادسة مساءً
عزت واقفًا أمام مكتبه، وعيناه تتنقل بين سليم وفايزة ورشدي الجالسين على المقاعد الأمامية. الباب يُفتح، ويدخل رحيم وخلفه إسماعيل ومعهم أحد الحراس.
ابتسم عزت وهو ينظر إلى إسماعيل: ماتوقعتش بالسرعة دي هاتوصله؟!
رد إسماعيل بتفاخر: أنا رجلك يا باشا، راجل المهام الصعبة.
نظر عزت إلى رحيم بنبرة حادة ولكنها هادئة: عملت كده ليه؟ مش عوضتك وقفلنا الموضوع؟ وصلني إنك طلبت إن سليم يبقى موجود، أهو سليم حاضر زي ماطلبت من إسماعيل( بشئ من التهديد)هاتتكلم بإحترامك؟ ولا أخليك تتكلم بطريقتي؟
تردد رحيم قليلًا، ثم قال بصوت منخفض:صح يا باشا، عوضتني، بس رشدي فضل مرازيني فترة طويلة… لولا سليم بيه تدخل ووقفه، الله أعلم كان هايعمل إيه! بعدين… أنا مش عارف أعيش حياتي يا باشا. مافيش واحدة قادرة تقبلني بإيدي المقطوعة دي. كل إللي بيعرف إني مركب إيد صناعي بيسيبني.
قطب عزت حاجبيه قليلًا، ثم سأله: علاقتك إيه بـ نيللي؟
رحيم بنبرة حزينة: صحاب… كمان صاحبة حبيبتي السابقة الأنتيم… كانت شيفاني زعلان ومخنوق، بالأخص لما حبيبتي اتخلّت عني وصاحبت رشدي.. عرفت الحكاية مني، وقالتلي: سبهولي وهنتقم لك منه، حركة جدعنة يعني، الاتفاق كان إنه يحبها وهي تسيبه وتعلمه يضرب كوك. الموضوع جه صدفة… وأنا الصراحة كان على هوايا. كنت بتواصل معاها من وقت للتاني.
صرخ رشدي بغضب وهو ينهض واقفًا: أنا هقتلك يا رحيم! هخليك عبرة! علشان إللي يفكر يقرب من رشدي باشا، يعرف مصيره الموت.
أرتبك رحيم، رفع يديه وكأنه يحتمي: أنا كنت بحاول آخد حقي يا باشا…
نظـر إلى سليم يحاول استعطافه: سليم بيه، أنا عايز منك الأمان. عارف إنك مالكش علاقة، ومافيش مقابل لده، بس أنا متعشم في نبلك.
تدخلت فايزة بقوة قالت بأرستقراطية: مالكش دعوة بسليم، إنت صعلوك ولازم تتربى على إللي عملته ده. عزت، أوعى ترحمه. مادام اتجرأ مرة، هايعملها تاني لازم يعرف مقامه إللي يتجرأ على أسياده نهايته إيه؟!
حين استمع سليم لحديث فايزة ارتسمت على شفتيه نصف ابتسامة ساخرة على حديث فايزة
بينما رحيم بصوت باهت واستنجاد: سليم بيه…
رد عزت بحدة: قلت لك مالكش دعوة بسليم. مش هو إللي هايديك الأمان، أنا إللي هاديهولك. بص يا رحيم، إنت كنت بتلعب بالنار مع حد من ولادي…حتى لو هو أكبر مشكلة في حياتي وعملي صداع، بس هايفضل ابني. مستحيل أختارك عنه..
أكمل في هدوء:
أنا أول مرة رشدي أذاك فيها، جبتك وأكرمتك وعوضتك واديتك حقك، وشغلتك في المجموعة عشان تسكت… لكن واضح إن الجرح كان لسة مفتوح، وده خلاك تتهور وتحاول تلعب اللعبة السخيفة دي..
أضاف بقوة مصحوبة بتهديد:
إنت شاب حقير …صرصار أفعصك تحت جزمتي، بإشارة مني. أنهيك أنت وكل عيلتك؟ ولا حتى هاتقدر على إللي هايعمله رشدي فيك علشان ياخد حقه؟!
أنا عارف إنت طلبت سليم ليه؟ لأنك عارف من البداية إنه كان معاك، وقال لك لو حصل حاجة كلمني وهبقى معاك…إنت ذكي يا رحيم، بس صدقني… مش وجود سليم ولا طلبك منه الأمان إللي هيقفل الموضوع..
تنهد في هدوء ثم أضاف:
أنا هعدّي إللي حصل… علشان إنت شاب غلبان، وعلشان سليم…هو إللي اتصدر لك في الموضوع. بس لو فكرت تعملها تاني… إنت والعيلة الكريمة… هانترحم عليكم علشان جرحك إللي وجعك ده يخف للأبد..فهمت يا رحيم؟
سكت رحيم قليلًا، ثم قال بهدوء: فهمت يا باشا.
طوال الوقت كان سليم يجلس بهدوء، يبتسم نصف ابتسامة، يراقب الجميع دون تدخل لكن بالطبع لم يعجبه ما يحدث.
صرخ رشدي فجأة: إنت هاتسيبه يا باشا؟!
سحب مسدسه وصوّبه نحو رحيم، لكن المفاجأة بحركة سريعة.. توقف سليم خلفه، مصوّبًا مسدسه إلى مؤخرة رأسه.
أرتفع صوت عزت هادرا: سليم… رشدي… نزّلوا السلاح.
فايزة كانت في صدمة. إسماعيل والحراس حاولوا تهدئتهم.
صرخ إسماعيل: اهدوا أنتم الأتنين! سليم نزل السلاح سليم.
قال سليم بقوة هادئة: نزل مسدسك يا رشدي. أكيد النهاية بنا مش هاتبقى علشان رحيم. خلينا يوم مانقتل بعض يبقى على حاجة أهم. نزل سلاحك… ده طلب حمايتي، وصدقني… أي حد أذاك وحاول ياخد حقه، والله لأساعِده.
تلفت رشدي بجسده إليه بنظرة حقد: إنت بتكرهني ليه؟
سليم ببرود: لله ف الله…إنت تتكره ولازم تفهم ده.
ثم نظر لإسماعيل وقال بأمر: خد رحيم وأمشي… هو في حمايتي، ولو حصل له حاجة… أنا هحاسبك إنت.
ثم نظر لرحيم: وإنت يا رحيم… نصيحة، أبعد. اللعب مع دول بيزعل. النهاردة أنقذتك… المرة الجاية… الله أعلم.
هز رحيم رأسه بإيجاب وخرج مع إسماعيل، وأدخل سليم مسدسه في خصره، بينما رشدي ينظر له بغلٍ ظاهر.
عزت بصوت غاضب: إيه إللي كنت هاتعمله ده يا رشدي؟! بترفع سلاحك وأنا موجود؟! أنا قلت كلمتي…و لازم تتنفذ خلاص، مافيش احترام.
صرخ رشدي: حقي!
سليم بقوة: مالكش حق! إنت ضيّعت الراجل! دمرت حياته! سيبت عليه الكلاب قطعت دراعه ورجله وكان هيموت… وإنت كنت واقف بتتفرج وبتضحك وتقول جزاته! جزاته ليه؟! علشان بيدافع عن شرفه؟! إنت سادي يا بني!
رشدي ببرود: أهي سابته ونامت في حضني… واحدة صايعة وبعدين أنا رشدي الراوي مين ده علشان يمد أيده عليا كان لازم أكسرها بطريقتي.
مرر سليم عينه عليه باشمئزاز: أنا مش هتكلم مع واحد زيك الكلام معاك مضيعة للوقت..
نظر داخل عينيه بقوه وتهديد: لو قربت منه، والله لأقتلك وأخلص البشر من شرك. لإني زهقت منك … . ومش تهديد المرة دي، دي معلومة هاتتنفذ.
ثم نظر لعزت وفايزة: والله لأقتله لو عمل حاجة تاني. أنا بقولكم أهو. عشان إللي عمال يقتل فيهم ويأذيهم… ولاد ناس مش تماثيل.
رشدي بسخرية: حنين أوي… الله يرحم لعبة الصياد.
سليم: كنت بلعبها مع عصابات… يستاهلوا الحرق. قتلتهم قبل ما يقتلوني. وبعدين… أنا توبت، وبعدت. لكن إنت؟! مافيش مرة قتلت فيها حد، وكان ليك حق، إنت بتقتلهم وبتأذيهم للمتعة. إنت مريض… وأنا مش عايز أشوف وشك تاني، فاهم؟
عزت بقوة: سليم! بالراحة خلينا نتفاهم،، رشدي المرة دي مغلطش أخوك كان هايضيع!
رد سليم بحدة: مافيش تفاهم ! لأنك عمال تغطّي على جرايمه! وأخطاؤه! وعجبك إللي بيعمله، هو بيدفع ثمن جرايمه يا باشا…! ومادام خايف عليه ماتدخلنيش، أنا عندي حاجات أهم منكم ومن مشاكل إبنك الندل ده.
قال كلماته تلك تركهم ورحل
رشدي بسخرية وهو ينظر لآثارة: عامل فيها شيخ الفضيلة، وهو ماضيه أسود نسي نفسه، وانه جملة المفضلة( عايز تأذي حد إإذيه في أقرب ماليه) ماشي عنينا يا كراميل.
رد عزت بقوة: المهم إنه اتعلم من أخطاؤه وبطلها مش زيك..
رشدي بسخرية: بطلها علشان ست الحسن! ترضى عليه.
عزت بجديّة: مش مهم علشان مين… المهم إنه اتغير، حتى لو بسبب واحدة. تصدق؟ أنا كمان مش عايز أشوفك. وأسمعك… لو عملت حاجة للواد ده… أنا مش هرحمك. مش حب في الشاب… بس عناد معاك. عارف ليه؟ لإن ده إللي هايربيك يا رشدي. أي حاجة تبقى عكس إللي إنت عايزه بتجننك. أنا كدة بربيك وبعاقبك.. جرب بس تهوب ناحيه رحيم… وأنا هسحقك.
تركه هو الآخر ورحل
تبقى رشدي وفايزة في الغرفة… ألتفت إليها وقال:
إيه؟ مش عايزة تقولي حاجة؟ ضيفي إنتِ كمان؟ أي تهزيء أي تهديد أنا مستعد.
فايزة بإختناق تحدثت بالاستقراطيه بخنافه من طرف انفها: أخرس .. لحد إمتى هتفضل نلم وراك، مش ناوي تعقل كان ممكن أقدر أخليك تاخد حقك من الحشرة ده من ورا عزت أو حتى أخلي عزت في صفنا... لإنه يستاهل اتجرأ على أسياده، بس هتفضل متهور وتضيع حقك، إنت بترفع مسدسك قصاد عزت وكمان سليم اتجننت.
اقترب منها وقال بجدية خبيثة: بقولك إيه فكك وركزي معايا… أنا جتلي الفكرة إللي هاتطفش ماسة من هنا… ومحتاج مساعدتك، ده الأهم دلوقتي بلا رحيم بلا بتنجان.
نظرت إليه بشك: إيه نوع المساعدة وهاتعمل إيه؟
ابتسم رشدي: هقولك… بس ركزي أوي لإن المرة دي والله هاتطفش.
في جناح سليم وماسة
الإضاءة خافتة قليلًا، شاشة التلفاز تعكس أضواء متحركة على وجه ماسة، التي تجلس على الأريكة بوضعية الجنين. رأسها مستندة على المسند، وذراعاها تحيطان بجسدها، وكأنها تحاول احتضان نفسها. على الشاشة، يُعرض فيلم "بطل من ورق، تبتسم بخفوت مع المشهد، لكن عينيها تحملان شرودًا أبعد من مجرد متابعة الفيلم.
يُفتح الباب بصمت، يدخل سليم ويغلقه خلفه بهدوء. يتجه نحوها، يجلس بجانبها دون أن يقطع المسافة الفاصلة بينهما.
سليم بصوت هادئ: مساء الخير.
ماسة عيناها لا تزالان على التلفاز: مساء النور.
تمر لحظة صمت، قبل أن يسأل سليم دون أن ينظر إليها: عاملة إيه؟
ماسة بهدوء جاف: تمام... أخليهم يحضرولك العشا.
إنت متعشتش معاهم.
نظر إليها سليم، يتأمل ملامحها التي لم تعد تحمل دفء الأيام الماضية، ثم أشاح بنظره للأمام وهو يفك أزرار كم قميصه.
سليم: هدخل آخد حمام، وبعدين نتعشى سوا إنتي كمان ماكلتيش.
ماسة ببرود: تؤ ماليش نفس، أنا هطلب لك دلوقتي، عقبال ماتخلص يكون جاهز.
حاولت النهوض، لكن يده أمسكت بمعصمها بلطف، تمنعها من الحركة نظرت له ماسة متعجبة فتلك المرة الأولى التي يمسك يديها ويتحدث معها منذ أيام بعد مشكلتهم الأخيرة.
سليم بنبرة هادئة تحمل شيئًا خفيًا، كأن هناك ما وراء الكلمات: خليكِ يا ماسة، كملي الفيلم... أنا عارف إنك بتحبيه، أنا هطلبه.
نظرت إليه للحظة، هزت رأسها بالإيجاب دون أن تنطق، عادت بعينيها إلى الشاشة، لكن لا شيء فيها يثير ضحكتها كما كان منذ لحظات.
نظر سليم أمامه، خلع ساعته ببطء،. وكأنه يحاول كسر الجدار بينهما، تحدث بصوت محايد:
على فكرة... بكرة ممكن تروحي الكلية عادي.
هذه المرة، التفتت نحوه بعينيها فقط، صمتها يحمل أكثر مما قد تحمله الكلمات. مرت لحظة طويلة، قبل أن تهمس دون تعبير واضح: متشكرة.
هز رأسه بتفهم صامت، ثم نهض دون إضافة شيء.
سليم بصوت خافت وهو يتحرك نحو الحمام: ها أدخل الحمام وها أكلمهم.
بقي الصمت هو سيد اللحظة، والصوت الوحيد الذي يملأ الغرفة هو صوت الفيلم... لكن ماسة لم تعد تسمعه حقًا.
💞______________ بقلمي_ليلةعادل(•‿•)
في أحد الشوارع الجانبية، العاشرة مساءً.
في أحد الشوارع المجهولة تتوقف سيارة جيب في منتصف الطريق، وتفتح أبوابها بصوت منخفض. نرى رحيم يجلس داخل السيارة، بجانب الرجل الذي قابله من قبل. يلتقط الرجل الأوراق بهدوء وحذر، ويقدمها له.
الرجل: دي الأوراق... حساباتك في البنوك برة كلها متقفلة. ماتحاولش تشتري حاجة دلوقتي، أكيد مراقبينك.
رحيم بتوتر: طب أعمل إيه دلوقتي؟
الرجل: بعد شوية هاتروح لعزت وتطلب منه إنك تسافر، قول له إنك خايف من رشدي. هو هايوافق، وساعتها مش هايبقى فيه رقابة عليك.
هز رحيم رأسه بموافقة: تمام، هعمل كده.
الرجل بتنبيه حاد: المهم، الفلوس الكاش إللي خدتها، تصرفها بالعقل، ماتصرفش كتير. عزت هايفضل مخلي عينين رجالته عليك لغاية فترة، وأفتكر حاجة...إنت ولا شوفتني ولا تعرفني.
رحيم مستفسرًا بفضول: طب متقولي مين إللي ورا اللعبة دي؟ رشدي والله يستاهل إللي كان هايتعمل فيه.
نظر الرجل بعينيه الحادتين: مالكش دعوة بمين، وماتسألش كتير ولا تفكر. لازم تفهم يا رحيم، إللي بيسأل كثير وبيعرف، نهايته بتكون مأساوية صدقني كده أمان ليك ولعيلتك.
نظر رحيم له بتوتر خفيف ثم ابتسم وقال:
يا باشا، أنا مش فارق معايا غير الفلوس وإنك تبعد رشدي عني. غير كده مش فارق لي. أنا بس كنت عايز أعرف، فضول مش أكتر. سلام.
فتح رحيم باب السيارة وخرج منها، ثم صعد إلى سيارة أخرى.
تحركت السيارة الجيب بسرعة، تتهادى وسط الطرق الترابية حتى وصلت إلى أطراف الصحراء. هبط منها الرجل بخطوات حذرة، يقف في العتمة، يتلفت من حوله. الصمت مخيف... والظلام حالك.
وفي هذا المكان المعزول، الذي إن صرخ فيه أحد فلن يسمعه بشر، قابل رجلًا آخر ينتظره.
تقدم الرجل بخطوات بطيئة وقال بصوت منخفض:
صامد باشا، خلاص... نفذت إللي إنت عايزه. رحيم خد الفلوس والأوراق، وعزت باشا أداله الأمان.
ابتسم صامد ابتسامة باردة، مرعبة، وقال بهدوء شيطاني: إنت كدة مأموريتك خلصت... يا فتحي.
قبل أن يلتقط فتحي أنفاسه، أخرج صامد سكينًا لامعة من جيبه، وغرسها في رقبته بخفة يد قاتل محترف. لم يرمش... لم يرتبك... وكأن ما فعله لا يتعدى روتينه اليومي.
تهاوى فتحي على الرمال، والدم يغرق وجهه.
اقترب رجلان من الخلف، واقتربا منه بهدوء.
قال لهما صامد بجفاف: ادفنوه خدوا منه تليفوناته واحرقوها.
ثم ابتعد خطوات قليلة، أخرج هاتفه وضغط على رقم محفوظ مسبقًا. رفعه لأذنه وقال:
أيوه... مينا باشا. الموضوع خلص. قتلت الوسيط. كده حتى رحيم لو شك... مش هايعرف يوصل لحاجة، لإن إللي لقنه الكلام بقى تحت التراب ولو تحب اخلص لك على رحيم كمان عينينا يا باشا احنا خدامينك.
جاءه صوت مينا من الطرف الآخر، هادئًا، لكن يحمل تهديدًا خفيًا:
طب يا صامد... نصيحة منّي. خليك فاكر إن إللي لسانه بيفلت، بيحصله نفس إللي إنت لسه دبحه حالا.
ضحك صامد بخفة وقال: أصلي يا باشا... إحنا خدامينك، يا مينا باشا. بس ما تنساناش... دايمًا كدة بفلوسك الحلوة.
مينا: خلي عينك على اللي اسمه رحيم ده لو حسيت ان هو بيسال كتير، او يدور اتخلص منه على طول بس عرفني الاول وخد التمام.
صامد: تمام يا باشا.
قصر الراوي الواحدة صباحاً.
في غرفة نوم طه ومنى،
نرى منى تجلس على الفراش. على ملامحها ارتسمت راحة غريبة، وسعادة خفية تشير بأن خبرًا سعيدًا قد وصلها تواً.
همست منى في الهاتف: خلاص؟... رحيم أستلم الفلوس؟... عزت نفسه إللي وعده؟... الله ينور...، المهم متأكد إن مستحيل حد يوصّل إن الموضوع تبعي ... تمام يا حسام. قتلت الوسيط، 100 100 في 60 داهية، وإنت مالي إيدك من إللي اسمه مينا ده ما تقتله هو كمان .. طيب،....أهو القلب بدأ يروق... قل لبابا يديني مهلة شهر، هبيع شوية من المجوهرات وأبعتله الفلوس
أنهت المكالمة، وتنهدت بارتياح واضح. ابتسمت لنفسها وهي تمد يدها لتضع الهاتف على الكومود، لكنها توقفت فجأة. في انعكاس المرآة..لمحت طه
متوقفا خلفها، عينيه تحملان صدمة حارقة، كأن الأرض انسحبت من تحت قدميه.
طه بصوت خافت مذهول: إللي أنا سمعته ده...حقيقي يا منى؟
تجمّدت نظرات منى نحوه. اتّسعت عيناها قليلًا، وكأن عقلها يعمل بسرعة جنونية يبحث عن مخرج. لوهلة بدت وكأنها ستنهار، لكنها سرعان ما ابتسمت... تلك الابتسامة الخبيثة التي كانت تسبق لعبة كبرى.
ألتفتت منى له وقالت بحدّة مفاجئة:
أيوه حقيقي! كنت عايزني أعمل إيه؟! رشدي كان بيهددني بولادي! أقعد أتفرّج عليه؟ ولا أستنى لما يخلص عليهم واحد واحد؟!
اقترب طه خطوة، وعيناه مازالتا لا تصدقان: يعني إنتِ إللي كنتي ورا نيللي؟
منى بثقة وقوة: إنت مشكلتك إنك بتستهين بيا، زيهم بالضبط! بس أنا مش غبية... ولا ضعيفة!
أنا خليتهم يصدقوا إني طماعة وبلهاء، بس كنت شايفة كل حاجة من ورا الستار.
طه مندهش: طب ماخفتيش؟ من رشدي أو الباشا؟ أو سليم يعرفوا؟
منى: خفت؟ طبعًا خفت... بس كنت حاطة خطط بديلة، مافيش مرة كلمت نيللي من تليفوني. كنت بجيب خطوط مالهاش اسم، من الأكشاك، وبكلمها من أماكن مختلفة... تاكسي، مترو...مافيش خيط ممكن يربطني بيها.
طه: طب ولو نيللي كانت رفضت؟
منى مدت وجهها بلا مبالاة: كنت هلاقي غيرها.
طه: بس هي حبت رشدي... ماخفتيش تفضحك؟
منى ببرود قاتل: يوم ما كنت أحس إنها هاتعمل كده... كنت هقتلها.
ثم نظرت إليه متعجبة وقالت بتهكم:
هو إنت زعلان عليه؟! ده رشدي إللي هددك بولادك، وكان عنده استعداد يدفنك لو وقفت قدامه.
طه: اكيد مش زعلانه، ومش هو بس... عماد وصافي كمان.
منى بهدوء مريب: بس أنا بقيت لوحدي.
مابقتش معاهم، وكان لازم أحمّي نفسي وولادي، بعد ماحضرتك قررت تتنازل عن الكرسي ولو ماعرفناش ناخد الشجرة، على الأقل ناخد التفاح
زفر طه بأنفاس مخنوقة، وصوته صار أهدأ لكنه يحمل إنذارًا صريحًا: بصي يا منى... أنا مش هعمل حاجة دلوقتي، علشان رشدي يستاهل إللي حصل له.
بس لو طمعك اتسبب في أذى ولادي، أو خلاكي تلمّسي سليم أو ماسة، أنا بقى أول واحد يوقفلك.
صمت لحظة، ثم تابع بجدية:
قولي لي كده بصراحه في حاجه بتحصل؟!
منى بتوضيح: لحد دلوقتي لا، هما خايفين علشان سليم مراقبهم. ورشدي بيقول عنده فكرة جهنمية بس مستني اللحظة. وعلى فكرة، الهانم معاهم.
بعدين انا قلت لك انا ما بقتش معاهم خلاص
كل اللي كنت عايزاه انتقم من رشدي وبس.
طه بغضب مكتوم: أنا مش فاهم، ماما دي بتفكر إزاي؟ منين بتساعدهم؟ وحاطة إيديها في إيديهم ومنين حاطة عينيها عليهم؟ مش مأمنة لهم.
منى تبسمت بذكاء: هي بتحسبها صح... بتساعدهم علشان يخلصوا على ماسة، وبعد كده هاتنقلب عليهم كلهم، بمجرد إنها تخلص على ماسة، هاتبدأ تكشر عن أنيابها.
طه تساءل بقلق: المهم إنتِ متأكدة إن الموضوع انتهى؟
ابتسمت منى بتأكيد: أكيد.
سألها طه: حسام ورفعت هما إللي ساعدوكِ؟
منى: طبعًا. مين هايساعدني غير أهلي؟.
طه محذراً: بس خليهم برضو مفتحين، الباشا مش سهل... بس خطتك فشلت نيللي مانجحتش خالص؟
جلست منى على الفراش وقالت بفحيح افاعي:
مين قال لك كده رشدي، أخذ أكتر من جرعة،يمكن ماوصلش لمرحله الإدمان إللي أنا كان نفسي يوصلها، بس نيللي الله يرحمها قبل ما أخوك يقتلها كانت خلته يحب الإحساس إللي بيحسه وهو واخد سطر، فالخطة نجحت وأنا متأكدة شوية ورشدي هاينتهي، ولو مانتهاش أنا هخليها تنتهي بجرعة زيادة زي نيللي بالظبط علشان يبقى بعد كده يهددني بولادي تاني، أنا خايفة على الولاد لإن أخوك ده قذر
طه بحسم: وأنا ساعتها هساعدك يا منى لإني أكتر واحد عارف إن رشدي مش بتاع تهديد.
منى بنظرة ثابتة: كدا اتفقنا.
♥️_______بقلمي_ليلةعادل_________♥️
غرفة رشدي
دخل رشدي الغرفة بعد حديثه مع فايزة عن الخطة التي لا نعرف عنها شيئًا.
ابتسامته كانت تضيء وجهه، وكأن شيئًا لم يحدث.
دخل بثقة، خطواته ثابتة وكأن الدنيا كلها تدور في محيطه.
جلس على الفراش، ابتسامته لم تفارقه.
فتح الكومودينو وأخذ كيسًا يحتوي على بودرة بيضاء، وضعها على يده وشم بعضا منها.
شعور بالانتشاء غمره فجأة، وابتسامته زادت، وأغمض عينيه للحظة وكأن الهموم اختفت.
تذكر حديث فايزة، وكأن كلماتها تتردد في أذنه الآن.
فايزة بتنبيه: أنا هوافق على الخطة… بس لازم أنبهك يارشدي، مش هسمح بأي غلطة تحصل تاني... أنا مش بهوش، ولما قلت لك هقول لعزت كل حاجة، مش هقول لك إني هستخدم الأدلة إللي مسكاها عليكم… لكن كلمتي هاتبقى قدام كلمتكم، وإنت عارف عزت كويس.
رشدي بصوت هادئ: قلت لك، أنا عايز رضاكي.ورضاكي يعني إنك هاتخلي سليم يوافق على مشاريعي، وتخلي الباشا يخف علينا شوية.
هو ده هدفي، خلاص أنا عارف إن الكرسي ده أكبر مننا.
ردت فايزة بهدوء وحسم: وأنا يهمني المصلحة وبس.
عاد من ذكرياته
ابتسم رشدي ابتسامة خبيثة، فتح عينيه ببطء وقال بصوت منخفض: مصلحتك…عينيا الاتنين. نحققهالك، وساعتها مصلحتي هاتتم...مشكلتك يا فايزة هانم إنك مش شايفة قد إيه ماسة ممكن تنهي سليم. في بعدها عنه… ويا رب تفضلي معمية كده على طول.
أمسك اللاب توب وفتحه ثم بدأ العمل به.
💞________بقلمي_ليلةعادل。◕‿◕。
الجامعة الأمريكية التاسعة صباحا
كلية الآثار، قاعة 210 – قسم المصريات
دخلت ماسة بخطواتٍ واثقة، تحمل بداخلها لهفة اللقاء، وعلى وجهها ابتسامة غابت لأيام.
وقعت عيناها سريعًا على ريماس وداليا ولين، يجلسن في القاعة،وتتعالى ضحكاتهن و وكأن الزمن لم يتوقف.
اقتربت منهن، فتحت ذراعيها بحماس: أنا جيت.
نهضت داليا بسرعة: يا بنتي وحشتينا، فين الغيبة دي؟
ريماس جذبتها لتجلس بينهم، تعالي أقعدي هنا، احكيلنا، فينك من أسبوع؟
لين رمقتها بنظرة طويلة: كنتي تعبانة؟ ولا سليم قالك ماتجيش؟ قولي بقى، إحنا صحابك.
ابتسمت ماسة بهدوء وهي تجلس: قلتلكوا كنت تعبانة شوية وخلاص.
داليا لم تقتنع: تعبانة؟ ولا فيه أوامر عليا؟
نقلت ماسة الحديث بمهارة فهي لا تريد ان تتحدث في تلك الأمور: طب قولولي، إيه إللي فاتني؟ دكتور أسامة اتكلم عن إيه آخر مرة؟
وبدأن يسردن لها ما فات، ضحكاتهن تتداخل مع شرح المحاضرات ومواقف الأساتذة، حتى دخل الدكتور وبدأ الدرس، فانصت الجميع، وسادت القاعة أجواء من التركيز التام.
وبعد انتهاء المحاضرة وخروج الدكتور، التفتت ريماس نحو ماسة بحماس: ما تيجي نخرج يا ميسو ، نغير جو.
هزت ماسة رأسها موافقة: خلاص ماشي، نخليها بعد بكرة علشان أقول لسليم يعمل حسابه
ضحكت داليا وهي تلوح بيدها: مش هانخلص من سليم! نفسي مره نقول لك نخرج تقولي يلا بينا سهلة.
رفعت ماسة حاجبيها مازحة: لما تتجوزوا هاتبقوا زيي بالظبط.
ضحكت ريماس باستخفاف مبطن: أنا معاكي، أكيد هانتصل نعرف ونستأذن، بس هو مش هاييجي، ولا حتى هايقول لا، يعني ، مش لازم أحضر نفسي قبلها بيومين، ويختار ليا المكان وكل حاجة
ماسة سليم أوفر! أختي كانت بتكرش عليه لما حكيت لها، قالتلي: الحمد لله إن ربنا نجاني
ابتسمت ماسة دون أن تتأثر: يا ستي عجبني، أنا بحبه كده، ماحدش ليه دعوة، بعدين أختك دي بتقول كده أرفعي معنوياتها بس علشان أكيد مش هايبصلها خالص واكيد حاولي الكتير وهو كان مش معبرها.
داليا بمزاح: عندها حق والله، ده سليم الراوي، أختك مين دي إللي ربنا نجدها، أنا متأكدة لو الفرصة جتها هاتجري وراه المشوار.
ماسة وهي تضحك، أشارت بيدها نحو الكافتيريا: تعالوا نشرب نسكافيه، مالحقتش أشرب حاجة الصبح ومصدعة.
وبالفعل خرجن معًا نحو الكافتيريا، حيث جلسن في ركن هادئ يتبادلن الأحاديث والضحكات، كأن الأسبوع الذي مضى لم يكن. وبينما كانت الفناجين تُرفع على الطاولات، وبالطبع كان يتوقف مكي غير بعيد عنهن، عينيه لا تفارقان المكان. وبالطبع، الحراس كالعادة، يحيطون بالمكان دون أن يثيروا الانتباه، كأنهم ظلال لا تفارقها.
قصر الراوي الثالثة عصراً
في الحديقة
كانت صافيناز وفايزة جالستين معًا على الطاولة الصغيرة، تشربان القهوة وتتناقشان بهدوء.
صافيناز، وهي تضيق عينيها باستغراب: أنا ماعنديش مشكلة، بس هي ممكن تروح وتسأله.
فايزة، وهي تبادر بإجابة واثقة: مستحيل تسأله.
صافيناز، بدهشة: ليه مستحيل تسأله؟ ما هي بقت بتقوله كل حاجة، مابقتش بتسكت زي زمان. مامي، ماتنسيش، ماسة اتغيرت. تضمني منين إنها ماتقولهوش أنا سمعت مامتك وإخواتك بيتكلموا عنك بطريقة غريبة.
فايزة ابتسمت ابتسامة خفيفة، ثم أحتست قليلًا من القهوة: حتى لو قالت، إحنا هانقول له. إيه المشكلة؟ كنا بندردش عنك، وهي إللي راميّة ودنها معانا. بعدين، كلام مابيحصلش. لا بيحصل. سليم رجع يتعصب جدًا، وبيهدد... ده لسه رافع سلاحه على رشدي. هي نفسها شايفة إنه متغير، وداقت من التغيرات دي، حبسه ليها عصبيته عليها، وطريقته معاها. وأنا متأكدة إنه أكيد بيهددها، حتى لو مش بالشكل إللي إحنا عارفينه عنه.
هزت صافيناز رأسها بإيجاب: تمام، وبعدين؟ إيه إللي هايحصل؟
ابتسمت فايزة بخبث: خلينا ماشيين خطوة خطوة.
صافيناز، بتساؤل: والباشا عارف؟
فايزة بتوضيح: لا، مايعرفش حاجة. طبيعي هيرفض، بس إحنا هانستغله. يعني إنتِ مثلاً، لما تقولي له قصادها: ينفع إللي ابنك بيعمله ده؟ شغل التهديد والأسلوب ده؟' حتى فريدة، وحتى ياسين، لازم تسمع الكلام ده منهم هما كمان، طبعًا. هي مش هاتسمع منهم بشكل زائد، بس رأيهم هايبقى زيّنا. إن سليم متغير، متعصب،رجع لشخصيته القديمة، أسلوب التهديد بقى احتكار عنده.
صافيناز أخذت رشفة صغيرة من القهوة: تمام، لما نشوف آخرة أفكار رشدي الجهنمية دي إيه.
فايزة مبتسمة بحذر: إيه ماعندكيش ثقة إن هي ممكن تنجح؟ مش إنتِ إللي قلت لي قبل كده إننا هانستخدم مع ماسة أسلوب تدمير التاريخ والسمعة؟ هانخلي تاريخ سليم كله أسود، إحنا في الأول وقفنا علشان تهديدات عزت والحادثة، وإنه مشي من هنا،
بس أنا مضطرة أرجع تاني. مستحيل أسمح إن البنت دي تفضل هنا أكتر من كده لازم أخليها تبعد عن سليم وأنتقم منها.
صافيناز، مبتسمة بحذر: بقولك إيه يا مامي؟ماتقتليها ونخلص صدقيني ده أسهل.
فايزة، بابتسامة باردة:، ما هي دي هاتبقى النهاية. إحنا لازم نخلي ماسة تخلي سليم يكرهها الأول
وهو بنفسه إللي يرميها من هنا، وبعد مايرميها من هنا، عينيه هاتتشال من عليها. وساعتها مش هايفرق معاه أي حاجة تحصل لها. وقتها هحرقها حيه هي وسعدية اللي لسانها مترين.
تبادلت صافيناز وفايزة النظرات بابتسامة شريرة، وكأنما اتفقتا على شيء أكبر.
((بعد وقت))
جناح سليم وماسة، الخامسة مساءً
دخلت ماسة الجناح، فوجدت سليم جالسًا، يقلب في الأوراق. شعرت بألم مفاجئ في قلبها بسبب ماوصل بينهما. توقفت للحظة عند الباب، وكأنها تحاول أن تجد الكلمات المناسبة.
حاولت ماسة كسر الصمت: مساء الخير.
رفع سليم عينيه: مساء النور.
ماسة، بعد لحظة صمت: ماجتش تاخدني من الجامعة
سليم وهو ينظر في الأوراق: كنت مشغول.
نظرت له لعدة لحظات، مسحت خدها. كانت تتوقعه سيتحدث معها، لكنه قطع الحديث بتلك الكلمة. لم تستطع أن تكمل الحديث معه، هزت رأسها بإيجاب بابتسامة أسفة، ثم توجهت إلى غرفة الملابس.
غيرت ملابسها وخرجت، فوجدته ما زال في مكانه، لم يسألها حتى عن يومها، وكأنها غير موجودة. ذهبت إلى الشرفة وتوقفت أمام السور تفكر. فقد مر أسبوع كامل لم يتحدثا بشكل طبيعي...
كانت تظن أن بعد ذهابها إلى الجامعة ربما تذوب تلك الثلوج التي بينهم ..لم تتحمل أن تعيش في هذه الحياة هكذا، لابد أن تتحدث معه،وتقطع ذلك البرود الذي غلف حياتهما. دخلت الغرفة مرة أخرى، وتوقفت أمامه.
حاولت أن تكون هادئة، لطيفة، مثلما كانت في السابق، ماسة الصغيرة التي كانت تعرف كيف تتحدث معه، مع ذلك القلب المتصلب الذي يزداد صلابته كلما طال الصمت.
ماسة، بصوت خافت ويدها ترتجف قليلاً: أنا عايزة أتكلم معاك...
رفع سليم عينيه. نظر إليها وقال بهدوء: ماسة، لو سمحتي مش عايز أتخانق.
ماسة بنبرة حزينة: ولا أنا... أنا بس عايزة أتكلّم معاك، أتكلم مع سليم حبيبي، كراميل.
أكتفى بالنظر إليها بنظرة مليئة بالحزن. كانت عيناه فيهما دمعة محبوسة، لكنه لم ينطق بكلمة.
تابعت ماسة وهي متوقفة على بُعد، بنبرة مهزوزة موجوعة وعينان مليئة بالدموع: أنا مش جايّة أقولك إنك غلطان... ولا جايّة أقولك إنك حابسني... ولا إنك خنقتني... أنا جايّة أقولك إني مش بخير...أنا وأنت مش بخير...إننا بقينا غرباء يا سليم أنا بصحى كل يوم وأنا بعيط، وإنت بتروح شغلك وترجع ماتكلمنيش، وكأني مش موجودة، كنت بستناك تكلمني، تقول أي حاجة بس كنت مابتكلمنيش ..حتى لما كنا بنتكلم... الكلام كان بينا زي الأغراب...إحنا... مابقيناش إحنا... أنا سكوتي طول الفترة دي مش علشان مش فارق معايا، أبداً... أنا كنت خايفة... خايفة نتكلم ونخسر بعض... خايفة ننهار أكتر... خايفة نتخانق، أنا مابقيتش عارفة حاجة، دماغي مشوشة، الحاجة الوحيدة إللي متأكدة منها إني بحبك، بحبك اوي، وإني موجوعة زعلانة على إللي إحنا فيه ده، ومش عايزاه يستمر أكتر من كدة.
ظل سليم صامتًا، عيناه مملوءة بالدموع المحبوسة، ثم مد يده نحوها. كأنه يحتاج إليها أكثر من أي وقت مضى وقال بنبرة مبحوحة:
تعالي...
تبسمت ماسة بوجع مدت يديها وضعتها على يده
تحركت نحوه ببطء، قلبها يدق بسرعة. اقتربت منه، جلست على قدمه، أخيرا شعر بأنفاسها بقربها منه، احتضنها بشدة، كأن هذا هو الشيء الوحيد الذي يعرفه ليشعر بالسلام.
سليم، وهو يحتضنها بقوة، صوته مبحوح وعيناه مليئة بالدموع: وأنا كمان بحبك، وماكنتش مبسوط زيك... أنا كمان موجوع وقلبي بيبكي، أنا أخترت اسكت علشان حسيت إن كل مابتكلم بزعلك، ففضلت السكوت علشان الفجوة إللي بقت ما بينا ما تكبرش.
ماسة، دفنت وجهها في صدره، وصوتها يهتز: أنا عايزة نرجع زي الأول يا سليم... مش عايزة حاجة تانية..أنا محتجالك أوي.
احتضنها بقوة أكبر، كانت عيناه مغلقة، كما لو كان يخاف أن يفتحهما ليجدها قد اختفت وظلا هكذا على هذا العناق الطويل، الذي قال كل شيء دون الحاجة لكلمة أخرى.
♥️________بقلمي_ليلةعادل_____♥️
منزل سارة، الثالثة مساءً
سارة تجلس على الأريكة وهي تطعم ابنتها كارمن بينما عماد يجلس على المقعد يشاهد شيئًا على التابلت، وابنهما زين يلعب على الأرض.
سارة بصدمة: إيه الجبروت ده؟ وإيه الفكرة الجهنمية دي؟ طب رشدي بيكره سليم، إنما ليه فايزة وافقت؟!
عماد دون أن يرفع عينيه عن التابلت: أه طبعًا لازم توافق. مش هاتخلص من ماسة.
نظرت سارة له باستنكار: بس الخطة صعبة، حتى لو حقيقية، علشان أمه مشتركة معاهم استغربت، بس هقول لك حاجة، نصيحة، بلاش تركن على الخطة دي وتؤمن وتصدق إنها هاتنجح 100%.
نظر لها عماد بإستغراب: معانا أدلة.
سارة بتوضيح: أنا ما أقصدش إن ماسة مش هاتصدق، أنا أقصد حاجة تانية.
استرسلت بنبرة أكثر ذكاء وعقلانية: صدقني، الخطة دي كلها مبنية على الكراهية. مافيهاش دهاء ولا عقل. والعاطفة لما بتتحكم، الحرب بتفشل. وإنتوا كده من سنين، وكل مرة بتاخدوا قفا محترم.
رفع عماد عينيه من التابلت، أغلقه بهدوء ووضعه جانبًا، ثم نظر لها بنبرة تأييد: ممكن ماتنجحش بنسبة 100%، ولا توصلنا لأهدافنا. بس مش هاتفشل... أصل إنتِ مش عارفة تأثير ماسة عليه، ودي نقطة ضعفه إللي بنلعب عليها. إحنا عايزينه يهتز ويبقى مش مركز، وساعتها نتحرك.
حاول تأكيد الخطة: بقولك، نسي يقدم على المناقصة بسبب مشكلة بينهم، رغم إنها تافهة.
سارة بعقلانية ودهاء: طيب، وفرضًا عملتوا مشاكل وفعلاً اتلخبط؟ مين يضمن إنه مايطلعش جنانه عليكم؟ هو ضعيف قدام ماسة لإنه بيحبها وبيعشقها،
كمان، بس لو مش قادر يواجهها، لو مش قادر يطلع غضبه فيها .. هيعمل ايه؟؛ هيطلع فيكم كل إللي جواه. ساعتها، مش هاتكونوا كسرتوه، هاتكونوا صنعتوا من جديد، صنعتوا شخصية هاتمحيكم... ووحش يبلعكم.
ركزت النظر في ملامحه، تحاول توصيل وجهة نظرها بحذر: صدقني يا عماد، مفيش غير حل واحد مالوش تاني علشان تخلصوا من سليم وتستولوا على كرسي العرش.
رمقها عماد بدهشة طفيفة: إللي هو إيه بقى...يا أذكى إخواتك؟!
رمشت سارة بعينيها، ونطقت بثقة مخيفة: تقتلوا سليم، وتتخلصوا منه.
قهقه عماد بشدة حتى أهتز جسده على المقعد: طب ما إحنا عملنا كده قبل كده وطلع منها!
ردت سارة بهدوء وثقة وشر: أعملها تاني. بس المرة دي من غير أي شريك، من غير ماحد يحس. إنت بتعرف تهكر الكاميرات، وأنا ممكن أساعدك. ممكن تخرّب الأسنسير، يقع بيه، تقطع فرامل، تحط له سم بطيء المفعول.
هز عماد رأسه ببطء وكأنه يفكر: إنتِ فاكرة إن الفكرة دي ماجتش على بالي؟ دي أول فكرة جات لي. بس عندنا مشكلة كبيرة... فايزة.
نظر أمامه وهو يتحدث بين أسنانه بضجر: وقفت قدامنا وقالت لو حصل لسليم حاجة، حتى لو حاجة طبيعية... هاتعتبرنا إحنا السبب. وساعتها هتقول للباشا. وعزت ساعتها هايقتلني. وهايقتل ولادي.
قاطعته سارة بحدة، وهي تشير ناحية أطفالها: ولادك جنبك أهم يا عماد!
نظر لها عماد بعينين حادتين: لأ يا سارة، حتى لو أنا مش بحب صافيناز، ومتجوزها للمصلحة... ولاد صافي هايفضلوا أولادي... ولاد عماد زيدان. وبعدين ده مش هايقتلهم لوحدهم، هيقتلني معاهم. وأنا مش عايز أموت دلوقتي بعد كل إللي بنيته.
سارة بإبتسامة خبيثة: خلاص... أقتل فايزة. كده تكون قضيت!
ضحكته كانت خفيفة، لكن فيها نبرة تعجب واضحة: نقتل فايزة مرة واحدة.
رفعت سارة حاجبها، ونظرت له بثقة: عادي، يعني إيه المشكلة لما نقتل فايزة؟ وراها سليم؟ عندنا رشدي، عارفين نلعب بيه كويس. أنا متأكدة إن رشدي خد جرعة أو اتنين. واستحالة تكون البنت إللي كانت مزقوقة، مالحقتيش. إنت بتقول بقى لهم حوالي سنة مع بعض، إنت ممكن تحط له جرعات بسيطة في أي حاجة بيشربها. واحدة واحدة، لحد ما يدمن. وساعتها، يوم ما نحب نخلص منه... هاتبقى سهلة. أما صافيناز، أنا بقى هعرف أخلص منها بطريقتي.
فرك عماد ذقنه بتفكير، لكن في عينيه لمعة إعجاب دفينة: طب... عندك فكرة نتخلص من فايزة إزاي؟
هزت سارة كتفها، وكأنها تتحدث عن شيء بسيط: نفكر... مش هاتبقى بالصعوبة دي.
ساد الصمت لثوانٍ، ثم انحنى عماد للأمام وهمس بصوت خافت كأن الجدران تسمعهم: بصي... أنا عمري مافكرت أقتل فايزة، بس فعلاً... عجبتني فكرة إننا نتخلص منها. لسانها لو فلت، كلنا هانضيع... بصي، هانشوف خطة رشدي هاتعمل إيه. الموضوع المرة دي هايبقى كبير شوية، أكيد هايعمل خلل كبير في علاقتهم. لإن المرة دي مش مجرد إنه على علاقة بواحدة وما قالهاش، ولا الحاجات الهبلة بتاعت زمان دي...ولو فشلنا..
صمت لحظة ثم تنهد وقال:
نشوف بقى موضوع قتل فايزة، وبعدها سليم، ورشدي كمان... أنا لازم أبدأ من دلوقتي في موضوع الكوك ده.
شبكت سارة ذراعيها أمام صدرها، وابتسمت بسخرية: ماشي...بس أنا بقول لك: هي ممكن تنجح وتمشي ماسة،... بس إنك تخلي سليم يبقى مهمّش أو مش مركز؟ تـؤ بلاش خطط فايزة ورشدي. العاطفة هي إللي متملكاهم واللي عطفته ممتلكه بيلبس يا حبيبي.
هز عماد رأسه ببطء، وابتسم ابتسامة صغيرة، وهو يولع سيجارة جديدة: خلينا نشوف...
قصر الراوي
الصالون، الرابعة مساء
تجلس ماسة على الأريكة، ملامحها هادئة، وعيناها مثبتة على شاشة هاتفها، وكأنها غير مهتمة بما يدور حولها. لكن في الحقيقة، كانت تستمع لكل كلمة تُقال، كما لو أن حواسها كلها متوجهة إليهم، حتى وإن كانت عيناها لا تتنقل بين الوجوه.
لم تكن فايزة وصافيناز بعيدتين عنها كثيرًا، لكنهما تصرفتا وكأنهما في حديث خاص.
حركت فايزة كوب الشاي في يدها ببطء قبل أن تقول ببرود، والنبرة في صوتها ثقيلة:
إنتِ متخيلة إن ماحدش يعرف كل حاجة عن الماضي بتاعه؟ حتى إحنا! في سنين كاملة في حياته مفقودة، وماحدش يقدر يسأله عنها.
رفعت صافيناز حاجبها بإهتمام وردّت بتوجس:
الناس بتقول إنه كان بيشتغل مع ناس خطيرة قبل مايستلم الشغل هنا... ناس مابيرحموش إللي يعارضهم.
فايزة ابتسمت ابتسامة خفيفة، غامضة المعنى، ثم قالت بتأكيد، وكأنها تُخبر سراً:
فاكرة الراجل إللي خالف أوامره؟ بعدها بأيام بس، عربية الراجل اتحرقت وهو جواها... والناس قالت إنه حادث، بس مين يصدق؟
صافيناز همست وهي تميل بجسدها قليلاً للأمام، عينها مشدوهة: طبعاً فاكرة... كان عقله جنّنه تاني.
ضحكت فايزة بصوت منخفض وهزّت رأسها قائلة، وكأنها تروي شيئًا كان يتردد في ذهنها منذ فترة:
يمكن ماعَقلش أصلًا... مش معقول الحادثة دي تحصل بعد ما عَقل، إحنا مش عارفين نوصل للي عملها برغم إن فات سنتين.
صافيناز بتوتر:
المهم... لازم تتكلمي مع الباشا، ويشوف له حل في سليم، سليم بقى عصبي. كل حاجة زعيق وتهديد، يعني زمان كانت تهديدات بسيطة وكان ليه حق فيها ساعات، إحنا كنا متدلعين، ماكناش فاهمين، وكنا بنأذي المجموعة، لكن دلوقتي... لا. وبعدين إحنا إخواته يعني يهدد المنافسين تمام، لكن يهددنا إحنا؟إخواته؟ وكمان إللي عمله مع الراجل ده ماينفعش! ده كان هايقتل الراجل! أنا خفت منه!
ابتسمت فايزة ابتسامة ذات طابع بارد، وتابعت بلامبالاة: من غير ماتقولي، هانتكلم معاه. عشان الموضوع بدأ يفلت منه جامد. بس مش ممكن يقتله بس خلينا نحذر.
شعرت ماسة بضربات قلبها تتسارع، وكأن هناك شيء ثقيل يجثم على صدرها. حاولت أن تحافظ على هدوء ملامحها، لكن أصوات الكلمات كانت تتردد في رأسها، تتسلسل بينها كخيوط متشابكة.
هل كل هذا صحيح؟ هل سليم قادر على فعل هذه الأمور؟ أم أنهنّ يحاولن فقط زرع الشك بداخلها؟ لكن لو كان مجرد أكاذيب... لماذا تشعر بهذا القلق المتزايد؟
مرت عدة أيام، وكل شيء بدأ يعود إلى ما كان عليه. لم يعد هناك ذلك الحزن العميق الذي كان يملأ قلب ماسة وسليم، حيث كانت الابتسامات تملأ وجوههم والحب والدفئ. كانا يتجنبان الحديث عن السبب الحقيقي الذي أوصلهما إلى هذه الحالة، خاصة عندما قالت ماسة إنها المسؤولة عن كل ما حدث، وأنها تدفع ثمن أخطائه، كانا يكتفيان بالصمت، والابتعاد عن أي حديث قد يعيد الجراح القديمة. كان كل منهما يحاول العودة إلى الأيام الجميلة السابقة.
من ناحية أخرى، بدأت ماسة تعود إلى الجامعة وتخرج مع سلوى لشراء بعض مستلزمات الجهاز. بالطبع، كان سليم والحراس يرافقونهما، كما هو الحال دائمًا. حاولت ماسة أن تتجنب التحدث عن الخروج مع أصدقائها أو أي شيء يتعلق بذلك، لكي لا تحدث مشكلة بينهما.
لم تكن راضية عن الوضع الذي فرضته على نفسها، لكنها كانت تشعر أنه مجرد "هدنة"، فترة مؤقتة حتى تمرّ. كانت تأمل أن يعود الحب بينهما كما كان.
بينما ظلت تستمع لأحاديث غريبة عن سليم من فايزة وصافيناز وعماد ورشدي حتى عزت كانت تشعر بالشك في الأمر، هناك خطأ ما لكنها ما زالت لم تصدق حديثهم عن سليم.
قصر الراوي، الرابعة مساءً
الهول
نرى فريدة و فايزة تجلسان على الأريكة ويتبادلن الأحاديت بينهما ،. ماسة كانت تجلس على مقعد يطل على الحديقة، وهي ترتدي ملابس خروج تنتظر سليم في صمت، لكن أذنيها التقطتا كل كلمة.
فايزة باستهجان: يعني ينفع إللي عمله مع رشدي ده هو غلط بس برضو تصرّفه يخوّف.
فريدة بتأييد: بُصي يا مامي، فعلاً سليم بقى عصبي جدًا الفترة دي ومتهوّر.. وبيهدد، بس عمره مانفّذ..طول عمره بيقول هقتلك يا رشدي، ومافيش مرة حصلت حاجة! فاكرة يوم خناقة ياسين؟ هدده ورفع عليه السلاح... وماحصلش حاجة.
فايزة بمقاطعة: بس كسر له دراعه، سليم بقى يتخاف منه. أنا مش عايزاه يرجع زي زمان إحنا ماصدقنا إنه عقل كفاية علينا رشدي..
فريدة بأسف:: والله يا ماما، ولا أنا. أنا ناوية أتكلم معاه. لازم يهدى شوية، لإنه بقى صعب جدًا.مش معانا بس، حتى مع ماسة... حرام، كل شوية يضايقها.
فايزة: شفتي؟دي ماسة حبيبته أمال إحنا هايعمل فينا إيه؟ عموماً، أنا قلت لرشدي يبعد عنه الفترة دي. خايفة غضبه ده يخلّيه يعمل حاجات تهوّر مع المنافسين.
فريدة برفض: لا لا، معتقدش توصل لكده. كلها تهديدات، وآخرها كلام. بس برضو، أول ما ألاقي وقت مناسب، هتكلم معاه أنا وياسين.
فايزة: تمام...
ظلّت ماسة على مقعدها، لا تنطق. هي لم تعلّق، لكنها استمعت لكل شيء، بل وفهمت ما بين السطور. كان بداخلها شعور غامض، كأن شيئًا غير مألوف يقترب.
وبعد دقائق، اقترب سليم ودخل بخطاه الواثقة.
سليم: يلا يا عشقي.
نهضت ماسة بهدوء، استعدّت للخروج، لكن في عينيها حزنٌ ثقيل... وسؤال لم يُطرح بعد.
في أحد الكافيهات، الخامسة مساءً
كانت ماسة تجلس مع جميع أصدقائها على طاولة واحدة. أرادت أن تجمعهم جميعًا في مكان واحد، رفيقات الجامعة ورفيقات الماضي، حتى تتجنب الخروج المتكرر وما قد يثير حفيظة سليم، خصوصًا وأن الامتحانات على الأبواب، وهي بحاجة إلى التركيز والمذاكرة. لحسن الحظ، لم يكن لدى أيٍّ من الفريقين مانع في التعارف.
كانت الجلسة ممتعة على غير العادة. طاولة كبيرة جمعت بين عالمين مختلفين تمامًا... أصحاب الجامعة: داليا، ريماس، ولين، جنبًا إلى جنب مع رفيقات الطفولة: هبة، تالين، إيناس، كارما، وداليدا. أما سلوى، فحضرت كعادتها، تراقب وتُلقي بتعليقاتها الساخرة التي تثير الضحك.
ظلت ابتسامة ماسة حاضرة، وهي تحاول أن توفّق بين الفريقين، تمزح مع هؤلاء وترد على ضحكات أولئك، والانسجام سيد اللحظة. كانت ريماس تروي موقفًا طريفًا من الجامعة، فردّت تالين بدهشة، بينما ألقت سلوى تعليقًا ساخرًا أفقد الجميع اتزانهم من شدة الضحك.
في خضم الضحكات، اقتربت ماسة من أختها سلوى وهمست لها: تعالي معايا الحمام.
وما إن نهضت حتى ظهر سليم أمامها فجأة، وكأنه كان مترصّدًا للحظة.
سليم: رايحة فين؟
أجابت ماسة: الحمام، داخلة الحمام!
سليم مترددًا: الحمام؟ لازم.
نظرت ماسة إليه باستغراب: هو إيه إللي لازم؟
لم يرد، بل حرّك رأسه إشارةً للمتابعة. تحركت ماسة، وسليم خلفها بخطى ثابتة، يرافقه مكي بصمت ثقيل.
اقترب منها سليم وهمس وهو يفتح لها الطريق:
لو حصل أي حاجة... المسدس معاكي ماتردديش للحظة فاهمة أنا واقف هنا مش هتحرك من مكاني؟
أجابت ماسة بمهاودة: آه، حاضر يا سليم.
ضحكت وهي تدخل الحمام، وسحبت معها سلوى التي انفجرت في الضحك معها داخل الحمّام.
في تلك اللحظة، اقترب سليم من مكي وقال بهدوء قاطع:
عايزك تجيب لي بنت قوية، بتلعب ألعاب قتال. تبقى حارسة شخصية. ثقة...وتكون عندي بعد يومين.
رد مكي وهو يعدّل كمّ قميصه: أمرك يا سليم.
عادت ماسة إلى طاولتها وجلست بين أصدقائها، واستكملت الجلسة وسط أجواء من المرح والضحك.
داخل سيارة سليم
جلس سليم وماسة في المقعد الخلفي، والهدوء يخيّم على المكان.
قال سليم بنبرة عابرة: أنا هجيب لك حارسة شخصية.
نظرت إليه ماسة بدهشة: هو فيه أصلًا؟
سليم وهو ينظر عبر النافذة: آه عادي، علشان أحافظ عليكِ كده أفضل.
ضحكت ماسة: أعمل إللي إنت عايزه.
صمت سليم للحظة، ثم نظر إليها وقال بنبرة أكثر جدية:
على فكرة... البنت إللي اسمها لين دي، مش كويسة. مش عايزك تصاحبيها تاني.
ماسة تساءلت بدهشة: ليه يعني؟
سليم بتوضيح: أنا عملت عليها تحريات. بنت مش كويسة... صايعة.
ماسة بهدوء: بس أنا ماشفتش منها حاجة. ومع ذلك...عنيا يا سليم. بس كده، إنت تؤمر أمر .. مش عايزين "لين". مع السلامة يا لين، باي باي يا لين.
فتحت هاتفها، ومسحت الرقم دون تردّد.
سليم بدهشة: إيه ده؟ سمعتي الكلام كده على طول؟ أنا كنت محضر نفسي لخناقة.
ردّت ماسة بابتسامة: ما أنا مش عايزة أتخانق. مش هعمل إلا إللي يرضيك.
سليم بنظرة حادة: تعملي إللي يرضيني وإنتي مقتنعة؟
نظرت ماسة إليه بدلال: سالوملوم، يا حبيب ماسة... فكك.
اقتربت منه، ووضعت قبلة على خدّه، ثم أسندت رأسها على كتفه وقالت بصوت ناعم:
بقولك إيه يا سليم.. ينفع نقضي بقية اليوم في اليخت، ولا مش هاينفع؟
أجابها سليم وهو يمسك كفها بنبرة هادئة: لا خالص، ماشي... حاضر يا قلب سليم.
وضع قبلة على يدها وطلب من السائق الإتجاه إلى اليخت
وبالفعل، توجها إلى اليخت وقضيا وقتًا لطيفًا معًا؛ تناولا الطعام، وتبادلا الضحكات، ورقصا على أنغامٍ هادئة، وكأنهما يحاولان استعادة ملامح الماضي الجميل.
ماسة لم تفتح أي حديث عمّا يُقال عن سليم من عائلتة، كانت تدرك تمامًا أنه تغيّر، أصبح أكثر عصبية ويميل إلى التهديد، لكنها في قرارة نفسها كانت ترفض تصديق أن يصل إلى ما يروّج له البعض.
💕___________________بقلمي_ليلةعادل
أمام أحد البنوك، التاسعة صباحًا
توقّفت سيارة رشدي السوداء الفارهة أمام أحد البنوك الراقية في قلب القاهرة. ترجل منها بخطوات واثقة، مرتديًا نظارته الشمسية التي لم ينزعها رغم الغيوم التي غطّت السماء.
دخل إلى البنك، واتجه مباشرة إلى القسم المخصص للخزن البنكية. أبرز بطاقة عضويته الخاصة، ووقّع على بعض الأوراق بسرعة، ثم اصطحبه أحد الموظفين نحو الغرفة المخصصة للخزن.
أدخل المفتاح في موضعه، وأدار القفل بهدوء. سحب الدرج المعدني، لتظهر علبة سوداء صغيرة في الداخل. فتحها، وأخرج منها فلاشة فضية اللون، تأمّلها قليلًا، ثم أعاد العلبة إلى مكانها، وأغلق الخزنة بإحكام.
خرج من البنك بنفس الهدوء، واستقلّ سيارته. فتح الحاسوب المحمول الذي يضعه دائمًا بجواره، وركّب الفلاشة.
بدأت تظهر الملفات على الشاشة، ملفات مشفّرة لا يجرؤ على الاطلاع عليها سواه...
فتح مجلدًا معنونا بـ: سليم – عمليات. بمجرّد الضغط عليه، بدأ تشغيل مقطع مصوّر.
سليم داخل غرفة عمليات، يقف بجانب مكي وعدد من الحراس، بينما الأطباء يرتدون الأبيض ويعملون على جثة يُستخرج منها الأعضاء. سليم يوجّه التعليمات بإشارات من يده.
ضحك رشدي بثقة: والله كنت حاسس إن الفيديوهات دي هاتنفعني في يوم... يلا نشوف كمان. ..معانا ايه ؟!
ضغط على مقطع آخر لكن لا تعرف ماذا شاهد، ثم تمتم بصوت مفعم بالكراهية:
علشان تبقى ترفع مسدسك عليا يا حلو؟ هنشوف مين آللي هيقتل مين يا سليم... والله لأقتلك وإنت حيّ.
ابتسم وهو يحدّق بالشاشة، نظرة ممتلئة بالنشوة والانتقام.
ذلك المقطع وحده... كفيل بأن يدمّر سليم تمامًا.
توقعكتم إلى أين سيقودهم هذا الطريق.