رواية الماسة المكسورة
الفصل السابع والستون 67 ج1
بقلم ليله عادل
{~"كلما اقتربت من الحقيقة، شعرت أنني أبتعد عن نفسي. كلما نظرت إليه، رأيت ما لا يُقال، وخفت مما لا يُفعل.هل يمكن للقلب أن يخطئ حد القتل؟وهل يمكن للشك أن يفتح بابًا لا يُغلق؟أنا لست بخير... ولا أعرف إن كنت سأكون بعد اليوم"~}
[بعنوان: صعود الى الهاوية]
ابتسم وهو يحدّق في الشاشة، نظرة مليئة بالنشوة والانتقام.
أغلق رشدي اللاب توب وتركه على المقعد بجواره، وأدار محرك السيارة. ابتسامة خفيفة ظهرت على شفتيه وهو يضغط على دواسة الوقود. كانت عيناه مليئة بالثقة، وكأن كل خطوة اتخذها كانت محسوبة بدقة، وفي قلبه يقين بأن ما سيأتي سيكون نقطة الفصل.
اليخت، الثانية عشر صباحاً.
غرفة النوم
نشاهد سليم مستلقي على ظهره وهو عاري الصدر بينما ماسة تضع رأسها عند قلبه وتمرر أناملها على أعلى صدره، كان يحاوطها بذراعيه ويحرك أنامله على ظهرها العاري من أعلى، شعرها الطويل منسدلا على صدره، وكانت عيونهما مليئة بالحب والهدوء، بينما الظلام يحيط بهما في الغرفة إلا نور الأباجورة، ويبدو أنهما قد انتهيا للتو من لحظات حميمة عاشقة
سليم بصوت كل شوق وحب: كنتي وحشاني أوي أوي أوي أوووووي
ضحكت ماسة برقة: كل ده أوي؟
أجابها مبتسمًا وهو ينظر لها بعشق: آه والله، كل ده أوي وأكتر كمان، الاشتياق إللي أنا حاسه دلوقتي لسة ماتخلقش ليه معاني.
نظرت إليه ماسة بابتسامة حب دافئة، وقالت بمزاحٍ محبّب: وإنت كمان، واحشني أكتر من كل الأوووي إللي قلتها.
ضحكت، لكن سرعان ما عمّ الصمت بينهما، وهي تُمعن النظر في ملامحه بشوقٍ عميق. رمشت بعينيها بعشقٍ جارف، ثم مدت يديها برقة، تمررهما على لحيته كما لو كانت تتحسس دفء وجوده بين أحضانه.
همست بصوت مبلل بالدموع، ينبض بحبٍ وتوسّل:
نفسي نفضل كده على طول، من غير ما نزعل من بعض أبداً. أنا أكتر وقت بكرهه في حياتي لما بنزعل من بعض...
أضافت برجاء خرج من عينيها قبل صوتها:
سليم وحياتي، ماتخليناش نزعل من بعض فترة طويلة تاني. ونفضل مانتكلمش كل ده...أنا كنت متضايقة أوي وموجوعة.. كل يوم كنت بعيط وقلبي بيوجعني بجد، كنت بحس إن روحي بتنسحب مني...إللي كان مصبرني إني بشوفك قصاد عيني، بس كنت بتجنن وبسأل نفسي؟! .. إزاي سليم حبيبي روح قلبي، جنبي ومش بنتكلم؟
أنا إللي مسكتني، زي ماقلتلك، كنت خايفة نتخانق..
سليم إنت أهدى مني.. تعالى كلمني، حتى لو هانتخانق، بس ماتسبناش كده..
هزت رأسها برفض ممزوج بحزن وتأثر:
مش عايزين نتخاصم تاني، مش عايزين نزعل.
إحنا ماكناش كده، أنا مش عايزة نبقي كده، ساعدني يا سليم.
زمّ سليم شفتيه بألم، وهو يمرّر يده في شعرها كأنّه يطمئن قلبه قبل أن يطمئنها، ثم قال بصوتٍ يحمل من التعب بقدر مايحمل من العشق:
أنا كنت متعصّب ومضغوط لدرجة إني نسيت أقدّم أوراق مناقصة مهمة وخسرتها، ودي أول مرة تحصلي في تاريخي، إنتِ مش عارفة تأثيرك فيا إزاي أنا من غيرك بأبقى تايه، بأفقد توازني.إنتي بُوصلتي يا ماسة، ولو فقدتك.. هفقد كل حاجة.أنا زيك، صدقيني.. سكوتي مش قساوة، ولا إن حُبك قل، أقسم بالله أبداً.
حدّق في عينيها وكأنه يبحث عن الطمأنينة فيهما، وتابع بنبرة أقرب للهمس:
اختياري للسكوت علشان كنت حاسس إن كلامي بيضايقك، قلت يمكن لما نسكت شوية الأمور تهدى بينا...
(زفر بإختناق) بس موضوع (مختار) قلب كل حاجة.
ركّز النظر في ملامح وجهها، كأنّه يتأمل تفاصيله، كأنّه يبحث عن نفسه بين تجاعيد الحزن في عينيها. لم يكن ينظر فقط، بل كان يبوح بعينيه قبل لسانه.
قال بصوتٍ خافت مليء بالتفسير والاعتذار، تغلفه محبة واضحة كأنّه يكشف لها عن خبايا قلبه:
أنا ماقصدتش أهددك، أنا بغير عليكي، وبغير من الهوا إللي بيلف حواليكي، من أي عين تشوفك، من أي حد يسمع صوتك، بغير عليكِ من نفسي كمان، لما حد بيقرب منك، نار بتاكلني من جوه. بس مستحيل أاذيكي، بتكون لحظة غضب.. صدقيني.
صوته كان أقرب للرجاء منه للاعتراف، وكأنّه يطلب منها أن ترى قلبه كما هو، لا كما بدا.
هزّت ماسة رأسها بتفهم، بإبتسامة صغيرة تكسو وجهها وهي تمرر يدها على لحيته بنعومة وحنانٍ:
عارفة والله، وعارفة كل حاجة... بأقولك بلاش نتكلم في الموضوع ده دلوقتي.
ثم أحاطته بذراعيها، تحتضنه بتملكٍ واحتياج، وسندت رأسها على صدره، لتهمس بفرحٍ صادق:
أنا مبسوطة أوي إني في حضنك، وإننا رجعنا زي زمان.، إحنا بقالنا فترة طويلة كل شوية خناقات ومشاكل...
تنهد سليم وأمسك خصلات شعرها واستنشقهم وهو مغمض عينيه بهيام ثم قال: عارفة أنا نفسي في إيه؟
مالت ماسة برأسها ونظرت له: إيه؟!
تبسم سليم وهو يمرر يده على شفتيها و وجهها بنعومة ويركز النظر داخل عينيها بتمنى: نفسي نسافر، نروح نقعد في سويسرا في شاليه و..
قاطعته ماسة حيث وضعت إصبعها على شفتيه وقالت له مبتسمة: ماتكملش.
سليم بتعجب: ليه؟
أجابته ماسة بحزن بسيط: عشان إنت مابتعملش حاجة... إحنا أول متجوزنا وعدتني إننا بعد خمس سنين هنسافر، ولسه ماحصلش. إحنا لسه هنا.
سليم موضحا بحزن: لا، أنا كنت فعلاً ناوي أنفذ وعدي... كنت مستني تولدي علشان نسافر،
كنت شايف إن ياسين خلاص بقى عنده القدرة والقوه علشان يمسك المجموعة تحت إشرافي وأنا بره، لكن بعد الحادثة... كل حاجة اتغيرت... تعرفي أنا اشتريت البيت زي ما أتمنيتيه خشب على النهر من دور واحد، بأثاثه البدوي، كنت ناوي أعملها لك مفاجأة.
ماسة بعينين يملؤهما التوسل: طب خلينا نمشي، نعيش حلمنا إللي حلمنا بيه وماعرفناش نحققه لحد دلوقتي.
سليم تنهد بحزن: ياريت
ماسة متعجباً: ليه ياريت؟! إحنا لسة مع بعض تعالى نمشي يا سليم ونحقق كل احلامنا ليه عايزنا نفضل هنا؟!
سليم بأسف: مش هاينفع وإنتِ عارفة السبب.
تنهدت ماسة بحزن: سببك ده هيفضل لحد إمتى؟ فات سنتين، يا سليم؟ ضيعت من عمرك سنين جوه وهم وخلتنا نعيش وجع كبير.
سليم بهدوء: اتحملي يا ماسة شوية كمان عشان خاطري، إن شاء الله هيتحل قريب، أنا متأكد إنه مش وهم، هنا أمانك.
تبسم بمزاح محبب أضاف:
بعدين إحنا لو سافرنا دلوقتي هتتحبسي معايا مش هيبقى بقى فيه ماما ولا إخواتك ولا حد مش هتشوفي غيري، وإنتي شكلك بقيتي تزهقي مني يا قطعة السكر.
تبسمت ماسة نافية: لا أنا مابزهقش منك يا كراملتي، أصلاً ماما واخواتي هيجوا معانا، بعدين أنا حابة أتحبس هناك ملكش دعوة...
ركزت النظر داخل عينيه برجاء:
ممكن تفكر في الموضوع ده بشكل جاد من فضلك ...
سليم وهو يداعب خدها: حاضر قطعة السكر الحلوة تؤمر وبس أوعدك إني هفكر.
تبادلا نظرات العشقٍ والهيام، وابتسامةٍ مضيئةٍ تملأ وجهيهما، فكأنهما لم يعيشا مثل هذه اللحظة منذ زمنٍ بعيد. اقتربا من بعضهما ببطء، تبادلا قُبلةً عميقة، تحوّلت إلى لحظة عشقٍ لا تُنسى.
💕________________بقلمي_ليلةعادل
قصر الراوي، السادسةصباحًا
دخلا ماسة وسليم من البوابة الصغيرة، يد كلٍّ منهما متشابكة في يد الآخر، والابتسامة مرسومة على وجهيهما، كأن الخلافات التي مرّت بينهما لم تكن. خطواتهما بطيئة، وعيونهما لا تفترق، كأنهما يغزلان خيطًا جديدًا من الهدوء.
في الداخل، كانت فريدة و إبراهيم، فايزة، وعزت جالسين على الأريكة بملابسهم الرسمية، في انتظار الخدم حتى ينتهوا من تحضير الفطور على السفرة.
وحين وقعت عيون فايزة وصافيناز عليهم بهذا الشكل تبادلتا النظرات (بمعنى بصي شايفة عاملين إزاي.)
بينما حين وقعت عينا فريدة عليهما، توقفت واقتربت منهما. ابتسمت معلّقة:
اتصالحتوا أخيرًا؟ والله بحب أشوفكم دايما كده، أيوه كده. مافيش حاجة تستاهل الزعل، ماتخلوش حاجة تبعدكم عن بعض.
سليم تبسم لها: ماتقلقيش، إحنا وعدنا بعض خلاص مافيش زعل تاني.
فريدة نظرت لماسة بتنبيه لطيف: وإنتي يا ماسة إحنا عارفين إن سليم عصبي لما بيقفش بيبقى صعب التفاهم معاه ، خصوصاً الفترة دي، بس قلبه مش هاتلاقي أطيب منه، ولا أحن منه في الدنيا، ده غير بقى إنه أصلاً بيعشقك، إنتي بقى هدي شوية ياحبيبتي حاولي تمتصي غضبه ولما بيهدى صدقيني بيبقى حد جميل، سليم بيعترف بغلطه على طول ومابينكروش
ضحكت ماسة بحب ونظرت لسليم بعشق: أنا عارفة والله، مافيش في الدنيا زي حنيته، بس زي ما سليم قال لك إحنا اتفقنا إن شاء الله مش هانتخانق مع بعض تاني.
فريدة بدعاء: ربنا يخليكوا لبعض يا رب يا حبايبي.
سليم بتهذب: سوري فريدة هنطلع بقى إحنا.
ربتت فريدة على كتفه بحب، وبينما بدأ سليم و ماسة بالتحرك نحو الدرج
علّقت فايزة: إيه؟ مش هاتفطروا؟
سليم رد وهو يشدّ إيد ماسة أكتر: فطرنا في اليخت.
تساءل عزت: طب هتيجي المجموعة ولا إجازة النهاردة؟
سليم مد وجهه: هشوف.
انفلتت من فريدة ضحكة خفيفة، واكتفت بإيماءة بسيطة وهي تتابعهما يصعدان الدرج، بذات التماسك، وذات النظرة، وذات الهدوء... وكأن ما كان ينقص المشهد سوى موسيقى هادئة في الخلفية.
تبادلت صافيناز وفايزة نظرة سريعة. نظرة كانت تحمل من الفهم أكثر مما تُقال فيه كلمات.
فايزة تمتمت: هروح أجيب حاجة من الجناح... وإنتي يا صافي، مش هاتشوفي عماد؟
صافيناز: حاضر.
صعدت الاثنتان للأعلى، وكل منهما دخل غرفته، لكن بعد ثوانٍ، بدأتا في التسلل إلى غرفة رشدي بخطوات هادئة ومنظمة لتكتمل حلقة الشر.
في غرفة رشدي
كان يجلس في الداخل، يدخن سيجارته، ويُدندن مع أغنية كلاسيكية قديمة.
دخلت فايزة مع صافيناز، وقالت باستهجان: قاعد كده ولا فارق معاك؟ ماشفتهمش راجعين مبسوطين وماسكين إيد بعض؟ولا كأنهم في شهر العسل؟
رشدي رمقها بنظرة جانبية، ونفث الدخان ببطء:
خليهم ينبسطوا شوية... دي تقريبًا آخر ليلة هيبقوا فيها مبسوطين كده.
صافيناز بتأفف: طولت يا رشدي... مش المفروض الموضوع يكون خلص؟إنت مش خلاص معاك الفيديوهات؟
ابتسم رشدي ابتسامة صغيرة فيها مكر: لأ، لسه... في شوية حاجات لازم تتظبط. الحكاية لازم تتفصّل مظبوط... ماينفعش يكون فيها ثغرة.
أسند ظهره وحدّق في سقف الغرفة، وأكمل: الهدف مش إن ماسة تكره سليم... الهدف إنها تبقى مهيّأة لأي حاجة تتقال لها... ماتستغربش... تصدّق على طول.
فايزة، وهي تعقد ذراعيها: لما نشوف.
في أحد الكافيهات، الثانية عشر مساءً
تجلس زيزى ورشدي على الأريكة، يتحدثان،
زيزى بإنزعاج: قولتلك بلاش، وأبعد عن البنت دي. إنت متأكد إن رحيم هو إللي وراها؟
رشدي، هز رأسه بإيجاب: إحنا تأكدنا.
زيزى بضجر: بس ماكنتش قتلتها.
رشدي: ماقصديش بالغلط.
زيزى بحزن: حبيتها.
ابتسم رشدي ابتسامة خفيفة: لا، كنت بقضي معاها وقت حلو. بكرة هلاقي غيرها. المهم، أخبارك إيه في جوازك؟
زيزى بإبتسامة: كويسة، بحاول أتعوّد على المسؤولية. مش هتعقل بقى وتتجوز إنت كمان.
حرك رشدي فنجانه في يده، ثم تابع بنبرة جادة: مش لاقي مزة حلوة.
زيزى بتعجب: مش لاقي إزاي؟ كل البنات دي بتتمناك.
رشدي بنبرة ثقة وغموض: المهم أنا أتمنى مين. أنا مالقيتش إللي تستاهل أتجوزها، بعدين فيه حاجات عندي أهم، أخلصها وأفكر في الجواز.
هزت زيزى رأسها بتعب: برضو سليم.
رشدي بنبرة حادة: يا بنتي دي حرب، مش حربي لوحدي، حربنا كلنا، وأقوى خصم لينا هو سليم، علشان كده عايزين نخلص منه، وفي الحرب شوفي مصلحتك فين وأمشي وراها، وأنا مصلحتي رضا الهانم.
هزت زيزى رأسها برفض وقالت بجدية: بس بعد ماتخلصوا على سليم،صدقني هتخلصوا على بعض، هما مش هايسبوك. بقولك إيه، أنا فاكرة إنك قلت لي قبل كده إن سليم قال لك إنه ممكن يقسم الكرسي، خلاص، مادام هو عنده النية دي أعملها، معتقدش إن سليم يعني متلاعب في الكلام، مش أسلوبه، إنتم وصلتوا لتسع شركات متعددة الصناعات لها فروع في أنحاء العالم. كل واحد ياخد حاجة وخلاص.
رفع عينه لها بصمت، هو يعلم في صميمه أن حديثها صحيحا، لكن الكراهية والحقد والغيرة أكبر.
استرسلت زيزي وهي تواصل فكرتها: بص يا رشدي، أنا فهمت حاجة في الدنيا دي. طول ما إنت لوحدك، سهل تتصاب وتتكسّر، لكن طول ما إنتم جماعة صعب. قوتكم مع بعض.
قاطعها رشدي باعتراض: قوتنا ببعضنا؟! ده لو بنحب بعض، لكن إحنا كلنا بنكره بعض. حتى سليم بيكرهني.
زيزى، باستهجان: عشان إنت مابتتغيرش يا رشدي. كل شوية بمصيبة، كل شوية مشكلة. ومصايبك مش عادية.
رشدي بنبرة قاسية: طب هو ماله؟ هو بيعمل عليا كبير ليه؟ أنا حر، أعمل إللي أنا عايزه؟ سواء قتلت حد، ضربت حد، أو اغتصبت حد. هو ماله؟ هو أنا أذيته في حاجة؟ هو من زمان بيكرهني. في فرق بين إنك تكره شخص، وإنك ترفض وتنتقد سلوكه .
زيزي بتهكم: بس إنت مصايبك مش طبيعية يا رشدي ولازم تفهم ده، إللي بيعمله فيك سليم ده حاجة تافهة أصلاً، أنا مش عارفه أبوك ساكت عليك ازاي.
رشدي: بس هو مش بيتأذي، لكن هو نفسه يئذيني بس، الباشا ملجمه.
زيزى بتهكم: هو بيتعامل معاك بعنف لإنك بتأذي غيرك يا رشدي، وصدقني لو كان عايز يقتلك، كان عملها، إنت عارف سليم مابيهموش... رفع مسدس عليك، بيهوشك، يا ابني إنتم اسمكم كبير الحاجات إللي إنت بتعملها دي هاتدمر اسمكم..
أخذت نفسًا عميقًا: رشدي، بص إنت فيك عبر الدنيا، بس بحبك أنا خايفة عليك لازم تعقل.
ضحك رشدي قليلًا، قائلا بسخرية: زيزي مواعظ.. فكك مني. مش بعد الفترة دي كلها تيجي تشوفيني تديني مواعظ! روحي لبابا عيسى أولى بالموعظة دي تاجر المخدرات.
ضيقت زيزي عينيها بملل: أقسم بالله، بأندم على كلامي معاك . المهم، خد بالك من عماد ده ثعلب.
صمتت لحظة وكأنها افتكرت: واد يا رشروش، أوعى تكون البت نيللي خلّتْك تاخد كوك.
ضحك رشدي بقوة: لا يا ستي، مافيش الكلام ده. هو أنا عبيط؟
هزت زيزي رأسها بحسم: هي ملهاش علاقة بالعبط. هي ليها علاقة بلحظة الضعف. لو إنت لسه في البدايات، أبعد. الكوك سكته الموت.
رشدي: خليكي في حالك. بقولك إيه؟ هاتاكلي ولا إيه؟ أنا جعان.
هزت زيزي رأسها بتعب: ماشي.
نظر رشدي إلى النادل وطلب الطعام ثم نظر لها وقال: بقولك إيه؟ لو جوزك ده ضايقك في حاجة، رنّي عليا بس. وأنا هاجي أظبطهلك.
ابتسمت زيزي :ط أنا عارفة إن ورايا رجالة يا رشروشي.
💞___________بقلمي_ليلةعادل。◕‿◕。
قصر الراوي الخامسة مساءً.
مكتب سليم
جلس سليم بجوار ماسة على الأريكة، بينما وقف مكي بجانبه ومعه راويه،الحارسة الشخصية الجديدة، التي بدت هادئة وواثقة
أدار سليم عينيه نحوها بنظرة مباشرة، نبرة صوته ثابتة لكنها صارمة، لا تقبل النقاش:
راويه، أنا مش عايز أي غلط، أظن مكي قالك كل حاجة، إنتي هاتكوني تحت عيني... والغلط عندي ملوش تاني، ولو فيه لحظة حسيت إنك خنتي أو في حاجة غلط، مش هقولك هموّتك... الموت وقتها هيكون راحة ليكي. أنا هخليكي تتمنّيه، ويمكن تعمليه بإيدك، عشان تخلصي من إللي أنا هعمله فيكي.
رفعت راويه رأسها قليلًا، نظراتها ثابتة وواثقة:
سليم بيه، ماتقلقش. يمكن دي أول مرة نتعامل مع بعض، بس مش هتندم. مكي عارفني كويس، وأنا مش هكسفه.
التفتت ماسة إلى راويه بنظرة مشاغبة وهي تميل بجسدها قليلًا للأمام:
وإنتي بقى بتعرفي تضربي رجالة؟ يعني ممكن تضربي مكي؟ ما هو أكيد إللي هاييجي يسرقني ولا يخطفني هيبقى شبهه.
ضحكت راويه ضحكة قصيرة: أكيد بعرف أضرب رجالة زي مكي يا هانم.
نظرت ماسة نحو سليم، بعينين لامعتين بالمزاح:
بقولك إيه... ماتخليهم يلعبوا ماتش مع بعض؟ نختبرها؟
رفع سليم حاجبيه، وأزاح نظره عنها بهدوء.: بطّلي لماضة.
ضحكت ماسة بهدوء وهي تهز كتفيها نظرت لراويه: عموماً... أنا كمان بعرف أضرب، سليم علّمني حاجات جامدة، ومكي كمان... يا ما رجله اتفرمت تحت رجلي، ضحكت.
أعاد سليم النظر نحو راويه قال بجدية:
طيب، إنتي كده محتاجة تعرفي أي حاجة تانية؟ شغلك مش هيكون كتير... هتكوني مع مدام ماسة في الأماكن إللي مافيهاش حد من الحراس يقدر يدخل، زي التواليت أو بروفات الملابس، وماشابه هي دي هتكون مهمتك ومش عايز أقول لك أي غلط مش عايزك تفكري مرتين وإنتي بترفعي مسدسك وبتقتلي الشخص ده.
هزّت راويه رأسها بثقة: تمام يا أفندم.
أشار سليم بيده. طب اتفضلي دلوقتي.
تحركت للخارج، أكمل سليم: مكي عينك عليها.
هز مكي رأسه بإيجاب وتحرك خلفها.
قهقهت ماسة وهي تنظر إلى سليم بدهشة ممزوجة بالإعجاب: يا لهوي على الضحك! إنت عملتها بجد؟
أجابها سليم دون أن يلتفت: آه... عملتها بجد.
ماسة همست وهي تميل عليه شوية: والله مجنون... بس بحبك.
مالت برأسها على ظهر الأريكة، غارقة في دهشتها الممتزجة بالإعجاب.
💞_______بقلمي_ليلةعادل________💞
الجامعة الأمريكية، الواحدة مساءً
في فناء الجامعة، تحت أشعة الشمس الهادئة، تجمعت داليا، ريماس، وسهى حول إحدى الطاولات الجانبية التابعة للكافيتيريا. أكواب العصير المثلج أمامهن، والضحكات تتعالى بين الحين والآخر، رغم نبرة السخرية المبطنة التي تخترق الهواء.
ظهرت ماسة من مدخل المبنى، تحمل حقيبة ظهر صغيرة، وملامح الإرهاق تعلو وجهها بعد المحاضرة. اقتربت بخطوات ثابتة وابتسامة باهتة على شفتيها.
ماسة بإبتسامة: إيه ده! جيتوا إمتى؟ أنا كنت جوه في المحاضرة... ماحضرتوش ليه؟
ردّت داليا ببرود وهي ترشف من كوبها: إحنا هنا من بدري... بس محبناش نحضر. طلعنا نشرب حاجة، وماحبتش أقولك بصراحة، كالعادة يعني... هتقولي لسليم، وسليم هايرفض.
صمتت ماسة لثوانٍ، تتماسك أمام النبرة الجارحة، لكن سرعان ماقالت
ريماس التي انتبهت لتواجد راويه: إيه دي مين دي إن شاء الله.
ماسة التفتت بعينيها نحو راويه وقالت: حارسة شخصية.
ضحكت البنات جميعا لكن أعينهم كان يبدو عليها السخرية لكن لم يعلقن.
تحممت ماسة ثم أشارت نحو الأوراق المبعثرة أمامهن: ده ورق إيه؟
مدّت يدها والتقطت ورقة مطوية، فتحتها ببطء، وعيناها تتنقلان بين السطور.: رحلة؟ دي رحلة إيه دي؟
أجابت ريماس بابتسامة تنضح بالاستفزاز: في الإجازة... الجامعة طالعة رحلة لإسبانيا. بس طبعًا إنتي مش معانا، جوزك هيوافق إزاي؟ ده بيقفل عليكي من خروجة الكلية، هيسيبك تسافري!
ضحكت سهى بخفة: وبعدين الخروجات ومفهومة، بيخاف عليكي... طب ولين؟ ليه بطّلتي تكلميها؟ برضه سليم قالك لأ؟
ارتبكت ملامح ماسة، لوّحت بيدها محاولة تغيير الحديث: بصوا، أنا...
قاطعتها داليا بسخرية لاذعة: ولا بلاش، ماتتعبيش نفسك. إحنا عارفين، أي حاجة مش على مزاجه بتتشال من حياتك... صح؟
قلبت ماسة شفتيها بضيق، وكأنها تستشعر أن صبرها بلغ منتهاه. عدّلت من وقفتها، وسكون جسدها لم يكن يعكس اضطرابها الداخلي. رفعت الورقة ببطء من بين يديها، وضعتها على الطاولة بحركة محسوبة، ثم رفعت عينيها إليهنّ بنظرة ثابتة، يملؤها الكبرياء والكرامة لم تعد تحتمل الصمت.
قالت بصوتٍ متماسك، يحمل بين نبراته مرارة مكبوتة: على فكرة... أنا ساكتة من زمان علشان بحبكم. كنت بقول طبيعي يبقى في تعليقات، لكن لما الكلام كله يبقى تريقة واستهزاء... يبقى لأ. واضح إنكم مش بتبادلوني نفس الإحساس.
لما كل كلمة تطلع منكم يكون وراها تقليل أو سخرية... يبقى مافيش لزوم للصحوبية دي.
سليم جزء مني، وإللي بيحبني بجد، هيحترم ده، مش يستهزأ بيه، وأنا ولا يمكن أتحمل أو أسمح إن حد يقول عليه كلمة، مهما كان، مفهوم؟! علشان لو ده حصل... هفرمه.
صمتت لثوانٍ، محاولة كبح ارتعاشة في صوتها، ثم أكملت بنبرة جمعت بين الألم والاعتزاز:
وسليم لو كان بيمنعني أخرج، ممكن أتضايق.
بس هتضايق أكتر بكتير لو وافق إني أسافر من غيره.
مش علشان بيقفل عليّا، لأ... علشان أنا اتعودت أحس بالأمان وهو جنبي، ولما بيغيب، أنا إللي ببقى مش مرتاحة، أنا إللي مش عايزة الرحلة دي.
أخفضت بصرها للحظة، ثم رفعت عينيها مجددًا وقالت بصوت واضح:
أنا مش هبرر أكتر من كده. بس إللي يعرفني بجد، عمره ماهيحول خوف جوزي عليّا لتريقة.
ونصيحة أخيرة... ياريت تعيدوا النظر في الرجالة إللي حواليكم، لإني بصراحة... مش شايفاهم موجودين، والراجل إللي مش حاضر في تفاصيلك، محتاج تراجعي علاقتك بيه من أولها.
استدارت لتهمّ بالرحيل، ثم توقفت فجأة. التفتت إليهنّ مجددًا، وقالت بنبرة قوية حاسمة:
هقولكم نصيحة بسيطة... الجواز مش لعبة.. دي حياة فيها مسؤولية وحدود، ولو إللي معاكم سايبينكم على هواكم طول الوقت؟
لازم تعيدوا التفكير في رجولتهم، الراجل إللي مش فارق معاه مراته تروح وتيجي من غير ما يسأل؟
ده مش راجل... ولا دي حاجة تفرح..
حتى لو مش مراته، حتى لو حبيبته، أمال أنا هعرف إنه بيحبني وبيغير عليا إزاي؟ مادام كل حاجة عنده "عادي" و"أعملي إللي إنتِ عايزاه"، تأكدي إنه مش هيتجوزك، لإن الراجل لما بيحب، بيغير وبيخاف، وأنا مش شايفة فيكم...
ولا واحدة دخلت علاقة جدية، أو حتى تقدّمت خطوة لقدّام... كلها لعب، علشان هما مش رجالة بجد.
رمقتهنّ بنظرة قوية، لم تترك لهنّ مجالًا للرد.
كنّ في حالة من الصدمة، عجزن عن التفوّه بكلمة.
ثم تحركت بخطواتٍ سريعة، ودموعها محبوسة خلف الجفون، لكن كرامتها...كانت تسير أمامها، رافعة الرأس، لا تلتفت. والحراس خلفها.
وأثناء ذلك رفعت ماسة هاتفها وقامت بالاتصال بسلوى، حين علمت أن عمار وسلوى يجلسان سويًا في كافتيريا أخرى وتوجهت إليهما.
الكافتيريا ..
نرى سلوى وعمار يجلسان على أحد مقاعد يتحدثان.
ماسة وهي تقترب قالت بمرح: عاملين إيه؟
عمار نظر لها: تمام الحمد لله وحشاني طمنيني.
ماسة وهي تجلس: بخير.
سلوى بحماس: تعالي، اعرفي آخر الأخبار... أخوكي معجب.
ماسة بابتسامة واسعة: إيه ده؟ بجد؟ حلو ده، مين؟ واسمها إيه؟
عمار وهو يحكّ رأسه: معايا في الكلية... بس باباها مستشار.
ماسة باستغراب: وفيها إيه؟!
عمار بتنهيدة: هو إيه إللي فيها إيه يا ماسة؟ إنتي ناسية كنا إيه؟ وإحنا بقينا إيه دلوقتي؟ وإللي إحنا فيه ده السبب فيه سليم؟إحنا من غيره ولا حاجة؟
ماسة باستهجان: يعني إيه؟ إنت فاكر إنهم مش هيوافقوا عليك؟
سلوى: ما أنا بحاول أفهمه إنهم هيوافقوا. يا ابني، إنت جوز أختك سليم الراوي.
عمار بمقاطعة قائلا بإعتراض: بس أنا مش عايز لو حصل نصيب ما بينّا، يوافقوا بس علشان السبب ده. عايزهم يوافقوا لإنهم مقتنعين بيا.
ماسة بحكمة: يبقى ماترتبطش دلوقتي. أصبر، خلص دراستك، وأثبت نفسك كويس في الشغل وبعدين فكر في الارتباط. علشان يوم ما تروح تتقدم، تروح بنفسك، بشهادتك وشغلك. فاهمني؟
عمار بتأييد: ده إللي هعمله.
سلوى: طب هي عارفة حاجة؟
عمار: آه، طبعًا. وماعندهاش مشكلة، بالعكس دي مبسوطة إننا ماعتمدناش على فلوس سليم، وإننا اشتغلنا حتى لو بدأنا بمساعدته.
ماسة بابتسامة: طيب خلاص، حلو ده، عمار ماتقلقش ماضينا مش عيب، العيب في النفوس المريضة إللى بتقيس الناس بفلوسها مش بأخلاقها،
عمار: أكيد.
بدل ملامحه وضحك وقال معلقاً: بس بجد، أول مرة تيجي تقعدي معانا! أنا بدأت أحس إنك مش في الكلية أصلًا. دايمًا قاعدة مع أصحابك!
ماسة بمزاح: ما أنتم في وشي على طول! بعدين خلاص، بعد كده مش هتشوفوني معاهم... تخيّلوا كل شوية يتريقوا عليا وعلى سليم.
سلوى: كبّري دماغك لو زادوا فيها اديهم على دماغهم.
ماسة برفعت حاجب: أنا عملت كدة لسه هستنى.
نهض عمار و نظر في ساعته: طب أنا لازم أروح، عندي محاضرة.
نظرت سلوى هي الأخرى بساعة الفون: يا لهوي، وأنا كمان! دى مراجعة مهمه جداً، وإنتي مش هتحضري؟
ماسة: لأ، هروح.
عمار وهو ينظر من حوله قال: أمال مكي فين؟
ماسة: مكي مشغول الفترة دي، فعشري بيبقى معايا.
عمار وهو بيضحك: بس بجد... الجارداية جامدة!
ماسة ضربته على كتفه بخفة: بقولك إيه، أنا أصلًا دلوقتي مجنونة! ماتتريقش، هطلع جناني عليك.
عمار وهو بيضحك: طلعيه بدل، ماطلعيه على المسكين إللي في البيت! يلا سلام.
تحركت سلوى خلفه وهي تضحك، أما ماسة فتبسمت، ثم عادت إلى القصر.
قضت ماسة ساعات في غرفتها تذاكر، حتى عاد سليم. ما إن دخل حتى قفزت في حضنه بقوة، وضمّته كأنها تطمئن قلبه. أسندت رأسها على صدره، وهي مغمضة العينين، وكأنها تلتقط أنفاسها من الدنيا.
مرّت يدها على وجنته بنعومة وهمست:
ماسة: أنا بحبك أوي أوي يا سليم...
سليم بحب: وأنا بموت فيكي يا قلب وعمر سليم، بس إيه الحب ده؟!
فتحت ماسة عينيها، ونظرت له بإبتسامة بريئة: عادي عندك أعتراض.
نظر لها سليم وهو يضع قبلة على عينيها: لا يا قطعة السكر.
سليم وهو يبتعد عنها قليلا ويقبل يدها: خرجتي بدري ليه من الجامعة؟
ماسة: خلصت محاضراتي، ومش عايزة أكمل. روّحت، ولقيت عمار وسلوى قاعدين، قعدت معاهم شوية بعدين مشيت.
سليم بلطف: اتخانقتي مع أصحابك ليه؟
ضحكت ماسة وقالت بمزاح: على فكرة، عشري ده فتان جدًا. يا سيدي، هما كل شوية يقعدوا يستهزأوا، ماشية ووراك حارسة شخصية، وقافل عليكي وكل حاجة لازم أستأذن، يا ترفض، يا تقبل! وأنا ماعدتش قادرة أستحمل... قفشت عليهم، بس بإحترام.
سليم بهدوء: أهم حاجة إنتي ماتزعليش.
ماسة: مش زعلانة... عندي أصحاب كتير أصلًا. بقولك إيه؟ جعان! أنا جعانة أوي ومستنياك
سليم بابتسامة : امم جعان... بس عايز آكل من إيدك.
ماسة بدلع: بس كده؟ عيوني... خد شاور، وارتاح شوية، وأنا هعمل لك أكلة حلوة... طاجن لسان عصفور بالخضار...
اقتربت منه بدلال قالت بلهجتها القديمة: فاكر يا سيدي سليم بيه...
ضحك سليم : فاكر يا ماسة؟ بس هحبك أكتر لو فكرتيني بالكلمة الثانية.
ماسه بدلال: ماتستصغرنيشي يا سليم بيه.
ضحكا سويًا، وأحتضن كل منهما الآخر بحب، ثم افترقا بهدوء، كل إلى وجهته.
💞_________________بقلمي_ليلةعادل (◠‿◕)
قصر الراوي.
الحديقة الثالثة عصراً.
تجلس ماسة في الحديقة، تمسك كوب النسكافيه بين يديها، تستمتع بنسمات الهواء الخفيفة وأشعة الشمس التي تتسلل بين فروع الأشجار. في المقابل، على بعد أمتار منها كانت فايزة جالسة على مقعد آخر، وتبدو مشغولة بالهاتف. كانت ماسة تراقبها من زاوية عينها، لكنها تحاول أن تبدو غير مهتمة، تتظاهر وكأنها في عالمها الخاص. بينما فايزة كانت متأكدة أن ماسة قريبة، لكنها تصنعت أنها مشغولة ولا تدرك وجودها.
أمسكت فايزة هاتفها وتصنعت أنها تتحدث مع أحدهم وبدأت تتحدث بصوت تأكدت أنه سوف يصل لماسة:
فايزة بضيق مصطنع: طب أعمل إيه يا عزت؟ مش قادرة أتكلم معاه، مستحيل يسمع مني هو ممكن يسمع منك أكتر مني... طب نقول لفريدة؟ ! وصلت لمرحلة إنه يهدد بالسلاح... سليم بقى عصبي جداً، ماحدش قادر يتفاهم معاه... كل حياته بقت تهديد! هو هيرجع لأيام زمان ولا إيه؟ مش كنا خلصنا من الأيام دي؟ ... والحل يا عزت؟ خايفة إنه مايكونش ييهدد، وفعلاً يقتل الشاب ده!! .. خلاص يا عزت لما تيجي نتكلم مع بعض. سلام.
كانت ماسة تحتسى النسكافيه بهدوء، لكن في داخلها كان هناك مشاعر متناقضة، الكلمات كانت تدخل قلبها، وعينيها تحركت بلا إرادة نحو فايزة
ماسة تفكر في نفسها: لا... مستحيل. سليم مش ممكن يوصل لمرحلة القتل. هو متغير... بس مايوصلش لده. كلامهم مش معقول...
ثم أنهت فايزة المكالمة، توقفت والتفتت، وتصنعت المفاجأة وهي تقول باتساع عينيها: إيه ده؟ هو إنتِ هنا؟
ماسة: اممم...
فايزة: أمال فين سليم؟!
ماسة: لسه مجاش.
فايزة: أها فعلاً نسيت عنده اجتماعات لحد خمسة..
اقتربت فايزة تواقفت أمامها، فتوقفت ماسة باحترام:
فايزة: عاملة إيه يا ماسة؟
عقدت ماسة بين حاجبيها ومالت برأسها باستغراب شديد: أنا تمام، إنتِ عاملة إيه؟
فايزة: كويسة.
صمتت لوهلة ثم قالت: ما تاخدي بالك من سليم شوية يا ماسة؟ الفترة دي بقى عصبي وإحنا مش حابين يرجع للعصبية دي أو يرجع تاني لشخصيته القديمة، هو إنتِ مش ملاحظة كده إنه متغير؟
ماسة صمتت للحظة فكرت فهي لا تريد تأكيد تلك المعلومة ثم قالت: لا... مش ملاحظة. هو كويس معايا، عموماً. حاضر، أي حاجة هاتفيد سليم، مستحيل أتأخر عليها.
فايزة: خليكي عارفة حاجة واحدة: بعيدًا عن إني كرهاكي، وبتمنى إنك تمشي من هنا. بس... ابني خط أحمر. أنا عارفة إنك إنتِ الوحيدة إللي تقدرّي تسيطري على سليم.هو بيحبك، وبيسمع كلامك. حاولي تهديه... سليم الفترة دي عصبي بشكل بيخوف... عن إذنك.
أبتسمت فايزة ابتسامة خبيثة، وكأنها أنهت ما في ذهنها. أرادت زرع الخوف في قلب ماسة، مظهره أن سليم أصبح شخصًا مختلفًا يحتاج إلى السيطرة، وأن الأمور قد تخرج عن السيطرة في أي لحظة. لكن ماسة كانت مترددة، تحاول الحفاظ على توازنها بينما كانت الكلمات تتردد في ذهنها. لماذا تفعل فايزة ذلك؟ وما الهدف وراءه؟
رفعت هاتفها قامت بالاتصال بسلوى: ألو سوسكتي عاملة إيه فينك كدة امم ... طب بقول لك إيه أنا عايزاكي تجيلي، ياريت ما تتأخريش باي..
بعد وقت في الحديقة الخلفية عند المسبح.
جلست ماسة بجانب سلوى، تبدو متعبة وشرود الذهن، تعبث بفستانها وعيناها تتجولان بلا تركيز.
رمقتها سلوى بنظرة جانبية، لم تخفِ القلق الذي بدأ يتسلل إلى قلبها: مالك يا بنتي؟ وشك مش طبيعي النهاردة اتخانقتوا تاني؟!
رفعت ماسة عينيها إليها ببطء، وكأنها تنتشل نفسها من حفرة مظلمة. كانت نظرتها غريبة، تحمل في طياتها شيئًا من الخوف وشيئًا من الحيرة... وربما كثير من الألم قالت:
سوسكا... هو لو فيه ناس بيتكلموا عن مكي وحش قدامك، وإنتي أصلاً عارفة إنهم بيكرهوكي... تفتكري ليه بيعملوا كده؟
أجابتها سلوى مسرعة: علشان عايزين يبعدوني عنه طبعًا... كدابين، ونيّتهم باينة.
أومأت ماسة برأسها برفق، لكن عينيها ظلّتا متعلقتين بمكان ما خلف الطاولة، كأنها تخاطب نفسها أكثر مما تخاطب سلوى:
أنا كمان شايفة إنهم كدابين... بس مش قادرة أفهم، ليه؟ وإشمعنا دلوقتي؟
نظرت لها سلوى بقلق، واقتربت منها أكثر تسألت:
هو فيه إيه؟ قوليلي يا ماسة...
تنهدت ماسة، وكأن قلبها يئن، ثم تمتمت بصوت بالكاد يُسمع:
بقالهم فترة بيتكلموا عن سليم... كلام وحش أوي. بيقولوا إنه بيقتل... وإن شغله زمان كان مشبوه...
صمتت لحظة ثم تابعت، وصوتها ازداد اضطرابًا حكت في رقبتها أضافت: هو سليم فعلاً عصبي اليومين دول وبيهدد... أسلوبه بقى صعب.. بس ده مش معناه إنه بالشكل إللي بيحاولوا يصوروه بعدين بدأت أحس إن هما قاصدين يسمعوني الكلام ده عايزين يعرفوني.
بدت الصدمة على وجه سلوى، وانفرجت شفتاها قبل أن تسأل بحدة: مين إللي قال كده؟
أجابت ماسة وهي تزم شفتيها: فايزة... صافيناز... فريدة.... وياسين كمان.إللي وجعني فريدة وياسين... كانوا بيتكلموا عنه كأنه حد غريب. وأنا... أنا اتجننت.
تساءلت سلوي بتردد: وإنتي؟ شايفة إن الكلام ده ممكن يكون حقيقي؟
هزت ماسة رأسها نفيًا بثقة حزينة: أنا متأكدة إن كله كدب. لو فيه حاجة صح، فهي عصبيته... غير كده؟ مستحيل، بس ليه؟ ليه بيعملوا كده؟ إيه هدفهم؟
وضعت سلوى يدها فوق يد ماسة، وضغطت عليها بلطف: عايزين يشوّهوا صورته في عينك... يخلوكِ تكرهيه. ده شغل حرابيئ، يغيظوكي شوية، ويسكتوا شوية، وكل مرة يلعبوا لعبة جديدة هم كده من زمان معاكي يا ماسة.. ماترميش ودنك ليهم... وقولي له، ماتخبيش عليه إنتي كده كده بقيتي خلاص بتحكي له كل حاجة مابقاش فارق معاكي.
هزت ماسة رأسها بايجاب ممزوجة بحيرة: أنا فعلاً بقيت أقول له... بس...حاسة لو حكيت له، هيفتكر إني مش بثق فيه، وهيزعل...وأنا لسه فرحانة إننا اتصافينا.
سلوى بعقلانية: حبيبتي ليه أصلاً هيفتكرك مش بتثقي فيه؟! إنتي هتقولي له أنا مصدقة أبداً، إنتي هتعرفيه مش أكتر إللي بيدور من وراه.
هزت ماسة رأسها بصمت أكملت سلوى بتنصيح:
بس أهم حاجة... ماتخليش صوتهم يعلى على صوت قلبك.
ساد الصمت للحظة، ثم رفعت سلوى حاجبيها قالت بدهاء: بصي، لو حسيتِ إنهم زودوها، سجّليلهم... وقولي له، خلي بالك، إخواتك شكلهم بيفكروا يلعبوا لعبة وس،خة. بس خلي دي آخر خطوة، علشان لو حصل... سليم مش هايسيبهم.
زمت ماسة شفتيها قليلًا، وكأنها استشعرت خطورة الموقف، ثم تمتمت بخوف:
أنا كمان بقول كده... المرة دي مش بيرازوني بحوار الخدمة... ده تشويه، عن عمد...سليم لو عرف، ممكن يولع فيهم علشان كده برده أنا مترددة أتكلم أنا عارفة سليم وإللي ممكن يعمله فيهم هاتبقى حرب..
رفعت سلوى رأسها بحسم، وقالت بجدية: يبقى أصبري...كمّلي امتحاناتك، وبعدها كل واحد ياخد جزاءه.. خلاص إحنا دلوقتي فهمنا أهدافهم إنهم بيشوهوا صورة سليم في عينك، المهم دلوقتي إنك واثقة في سليم، فطنشي ماتديش أي رد فعل، يمكن هم مستنيين رد فعلك، مستنيين تتكلمي لأنهم بقوا متأكدين دلوقتي مليون في المئة إنك هتقولي لسليم كون إنهم بيعملوا الحركات دي وهما متأكدين يبقى أكيد بيدبروا مصيبة، فإنتي ارجعي زي زمان ماسة إللي بتسمع وبتطنش وفشلي مخططهم.
همست ماسة أخيرًا: فعلاً... لازم استنى الامتحانات، وأطنش..بس لو استمروا، هسجل... وهقول له وساعتها، إللي هايجرالهم... يبقوا يستاهلوه..
الواحد مش عارف هيفضل لحد إمتى في القرف ده.
زفرت بإختناق، ثم تبسمت وهي تنغز سلوى على كتفها بمزاح: بس إيه يا بت يا سوسكا ده، أنا حاسة إني قاعده مع سعدية أقسم بالله نفس الدماغ ونفس الطريقة بقيتي فظيعة.
سلوى تضحك: أقسم بالله إللي زي أمك دول هم إللي ينفعوا مع العيلة إللي إنتي عايشة معاهم دول.
ماسة: عندك حق.
💞______________بقلمي_ليلةعادل (◠‿◕)
جناح ياسين وهبة، الخامسة مساءً
توقفت هبة وياسين في منتصف الغرفة. كان التوتر ظاهرًا في ملامحهما، والغضب يتسلل من أعينهما.
ياسين بضيق: أنا مش فاهم إنتي بتقولي إيه… عرفتي منين الكلام ده؟
هبة بصوت حاد: عرفت! أنا مش زي ماسة،أنا مش هبلة… كل حاجة بتحصل حواليا باخد بالي منها، وبرمي وداني كويس.، مين البنت إللي رشدي قتلها؟! وإزاي كانت مزقوقة عليه؟! وإزاي الباشا سايبه عادي كده؟!
تنهد ياسين بعمق، يحاول إخفاء قلقه: طيب وده مالي وماله؟! رشدي طول عمره ماشي غلط، وأنا أصلاً مش قريّب منه.
هبة رفعت حاجبها بإستنكار: بس أنا مش قادرة أعيش هنا… البيت كله سم، كله مشاكل! من كام يوم سمعت مامتك وإخواتك بيقولوا إن سليم رجع لعصبيته وتهديده، وعايزين يكلموا أبوك يوقفه!
ياسين وهو بيحاول يهرب: طب وأنا مالي برضوا؟ سمعتي حاجة عني؟ شوفتيني بعمل حاجة وحشة؟!
تنهدت هبة وتحدثت بهدوء: لا، ماشوفتش منك حاجة… بس أنا مش عايزة أربي نالا في الجو ده! أنا قررت أرجع فيلتي… تحب تيجي معايا، أهلاً وسهلاً. مش عايز، يبقى كل واحد يروح لحاله.
نظر ياسين لها مطولًا، ثم قال بسخرية خفيفة: بتلوي دراعي يا هبة؟
هبة بصوت مكسور: لا… بس أنا تعبت. عرفت حاجات بالغلط، سألت ماسة، قالت لي ماتعرفش بس قالت لي إن كل حاجة ممكنة من رشدي. حكتلي حاجات مرعبة عن ماضي رشدي، وإزاي سليم كان حابسها أسبوع في البيت من كتر خوفه!
رفع ياسين كتفيه بلا مبالاة: طيب حلو... أنا بقى مالي برشدي؟
نظرت إليه بعينين دامعتين، وقالت بنبرة كسيرة:
رشدي ده أخوك... عم بنتك! ممكن في يوم تسمع أي حاجة بالصدفة زيي. مهما حرصت ممكن نالا تسمع عن عمها القاتل... أو عن عمها التاني إللي بيهدد وبيتصرف زي زعيم عصابة.
ثم اقتربت منه خطوة، وكأنها تبحث عن آخر حبل نجاة، وقالت برجاء:
اسمعني بس، أنا مش هقدر أعيش في القصر ده تاني... القصر ده كله كره وحقد وأذى، خنقة كبيرة، عامل زي صندوق الصغير، بيخنق أي حد يدخل فيه، برغم حجمه كبير، مش قادرة أعيش في البيئة دي، مش شبهي. سنين وأنا بحاول أتأقلم، بس مش قادرة. عايزني أعيش مع واحدة لسة عايشة في عصر الطرابيش، بتكره واحدة من سنين ومستنية أول فرصة تتآمر عليها، غير كرهها ليا؟ أو واحدة تانية بتتكلم من مناخيرها، حقودة، غيورة، مش بتفكر غير في نفسها.
و واحدة تانية سلبية، كأنها عايشة هي وجوزها وأولادها في كوكب تاني، مابتدخلش في أي حاجة. وواحد تاني زيها، أحيانًا بنساه، واحد بقى تاريخه كله سواد... اغ،تصاب، ق،تل، تحر.ش... وإللي كنت فاكرة إنه أحسنهم، طلع هو كمان بيهدد، عصبي، شخصيته غامضة. حتى إنت يا ياسين... اتلوثت. شاركت في التهريب! ولولا سليم وقفك، ماكنتش هتبعد. وإنت بنفسك قلتلي كده بعد ماتضربت بالرصاص! وخبيت عليا مش بلومك، بس بترجّاك، نخرج من القصر ده، نبدأ من أول وجديد.
رفعت عينيها نحوه، ودمعة خفيفة على خدها: فكر في نالا… عايز بنتك تكبر في بيت كله كره وكذب وحقد؟!
صمت ياسين للحظه عيونه ظلت معلقة في الأرض. أنفاسه تقيلة، وكأن كل كلمة قالتها هبة كانت صخرة تجثم على صدره.
قال أخيرًا، بصوت منخفض وهو بيهز رأسه: حاضر. ها أعمل إللي إنتي عايزاه
مجموعة الراوي
مكتب سليم، الواحدة مساءً
كان سليم في مكتبه، يطالع الأوراق أمامه بعينين غارقتين في التركيز. وجهه كان متجهمًا قليلًا، بينما كانت الحروف تتراقص أمام عينيه بسبب الإرهاق.
بعد دقائق، دخل الساعي بهدوء، ووضع فنجان القهوة على طرف المكتب ثم خرج بهدوء.
تنهد سليم بعمق، مد يده وأخذ رشفة من القهوة. وما إن وضع الفنجان، حتى وقعت عينه على برواز لصورة ماسة موضوع أمامه...
ابتسم ابتسامة خفيفة وهو يتأمل ملامحها. كانت الصورة عفوية، ولكنها استطاعت أن تأسره. مد يده إلى هاتفه واتصل بها، لكنه تفاجأ بأن الهاتف مغلق.
عبس وجهه، وشعر بشيء من القلق يتسلل إلى صدره. بسرعة ضغط على اسم عشري في قائمة الأرقام.
ألو، عشري، ماسة تليفونها مقفول ليه؟
جاءه صوت عشري سريعًا من الجامعة مع تبادل الشاشة بينهما:
عشري بتوضيح: معرفش والله يا ملك، بس هي قاعدة قدامي مع أصحابها. ثانية واحدة كده، هبعتلك صورتها حالًا.
بعد لحظات، ظهر الإشعار على شاشة سليم. فتح الصورة، ارتسمت على وجهه ابتسامة صغيرة، لكن تلك الإبتسامة اختفت فجأة عندما وقعت عينه على شاب يجلس معهم.
ضَيَّق عينيه ليتأكد، قلب الصورة أكثر من مرة، ثم رفع الهاتف واتصل بعشري مجددًا: عشري... فيه حد من الشباب قاعد معاها ولا إيه؟
عشري بتلقائية: أه يا ملك، أنا بعتلك كمان فيديو، علشان الصورة لو مش واضحة.
حاول سليم الحفاظ على نبرته: تمام، خد بالك كويس يا عشري، عينك متغفلش. سلام.
فتح سليم الفيديو بسرعة وشعر بغضب عارم، اجتاح قلبه، لم يكن هناك مايستدعي الغضب الفعلي، الشاب كان جالسًا في الجهة المقابلة، يتحدث مع إحدى صديقاتها، ولم يكن هناك أي تواصل مباشر مع ماسة.
لكن عقل سليم كان في حالة من الفوضى، لم يعد يتحكم في المنطق، وكان قلبه يغلي من الغيرة لأنها لم تستمع إلى كلامه وكأنها لا تهتم.
نظراته اشتعلت، مسح وجهه بكفيه بعنف، ثم خبط على المكتب بقبضته، وهو يتمتم في نفسه:
مافيش سمعان للكلام يا ماسة؟ بتعنادي ليه؟
عايزة تشوفي سليم ممكن يعمل إيه؟
حاضر... إنتِ إللي اضطرّتيني أعمل كده، خلي عندِك ينفعك.
قصر الراوي
جناح سليم وماسة، السادسة مساء.
يجلس سليم على الأريكة، بملامح مشدودة للغاية وعينيه محمرتين من شدة الغضب. كان يمسك هاتفه بقوة، وكأنَّه يحاول منع نفسه من تدميره. يحك قدمه السليمة ويهزها بشدة وهو يضغط على أسنانه من حين لآخر، وكأنَّ كل حركة في جسده تعكس التوتر الذي يعيشه... لم يمضِ سوى دقائق قليلة، ودخلت ماسة إلى الغرفة بابتسامتها المعهودة. وحين وقعت عيناها عليه، ركضت نحوه بدلالها المعتاد، وقالت بنعومة:
ماسة بمرح: كراميل، إنت جيت؟ وحشتني.
اقتربت منه، وانحنت بظهرها لتضمه وتضع قبلة على خده، لكن سليم لم يبادلها مثل كل مرة. بل كان وجهه عابسًا متجمدا. جلست بجانبه، وكانت تراقب ملامحه بعناية، فبدأت تشعر بأنَّ هناك شيئًا غريبًا.
ماسة بقلق: مالك يا حبيبي؟ في حاجة مزعلاك؟
مسح سليم وجهه بيديه الاثنتين محاولًا كبح غضبه، لكن ملامحه كانت تعكس أنه على حافة الانفجار.
نظر إليها وقال بهدوء: كلمتك كتير، تليفونك كان مقفول ليه؟
ماسة بإعتذار: لما بكون في المحاضرة مع الدكتورة كريستين بنقفل التليفونات ونسيت افتحه، ومكي عارف الموضوع ده.
سليم: لكن مكي ماكانش معاكي النهاردة.
ماسة: عادي، يعني نسيت أقول لعشري... إيه المشكلة؟
سليم نظر لها قال بتساؤل: تؤ مافيش مشكلة
قوليلي: عملتي إيه النهاردة؟ قعدتي مع مين؟
ماسة رفعت كتفها: ولا حاجة أخذت المحاضرات وقعدت مع أصحابي، خلاص الامتحانات قربت كلها شهر.
حاول سليم أن يسألها بشكل غير مباشر، ربما تخبره عن ذلك الشاب من تلقاء نفسها دون أن تحدث بينهما مشكلة: قعدتي مع مين يعني؟!
ماسة متعجبة: بتسأل ليه؟! قلت لك: قعدت مع أصحابي البنات وسلوى وعمار عرفني على البنت إللى معجب بيها إنت كويس؟!.
هز سليم رأسه بإيجاب وهو يزم شفتيه بضيق. شعر أنها تكذب عليه ولا تخبره الحقيقة كاملة، شعر أن هذه هي اللحظة المناسبة للمواجهة. أسلوب التلاعب هذا لا يتناسب مع شخصيته، ولم يسبق له أن استخدمه مع ماسته الغالية. فهو بالتأكيد لا يتلاعب بها، بل... يريد أن يمنحها فرصة لتقول الحقيقة، ليس أكثر...
مد يده ليعطيها هاتفه. كانت عيناه تتنقلان بين هاتفه ووجهها المملوء بالتساؤلات. قدم لها الهاتف قائلاً ببرود:
سليم: اتفرجي على ده، وقوليلي تعليقك.
أخذت ماسة الهاتف منها بتعجب نظرت إلى الفيديو والصور التي كانت تعرض على الشاشة. بدأت ملامح وجهها تتغير تدريجيًا، من الاستغراب إلى الغضب.ثم عقدت حاجبيها وكل ما كان في ذهنها هو أنَّ هذا كله لا يمكن أن يكون إلا مراقبة وشك.
نظرت ماسة بغضب وعينيها على الشاشة: إيه ده؟! إنت بتراقبني؟! اتجننت؟
وجهت نظرها له، متسائلة بغضب وتعجب:
وصلت بيك لدرجة المراقبة؟! وبعدين، مش ده دور الحراس، دول جواسيس!
سليم بهدوء وتوضيح: خدي بالك من نبرة صوتك بعد اذنك.. أنا مش براقبك يا ماسة، كل ده حصل بالصدفة. لما حاولت أتصل بيكي، لقيت تليفونك مقفول.قلقت عليكي كلمت عشري، وقال لي إنك مع أصحابك، وقال لي إنه هايبعت لي صورة... ولما شفت الصورة استغربت، لإني شفتك قاعدة مع زميلك، رغم تحذيري ليكي أكتر من مرة. ماكملش الكلام، وبسرعة لقيته باعت الفيديو...فـأنا لا براقبك، ولا بامشي وراكي جواسيس. الموضوع كله حصل بالصدفة. وبعدين، مش ده موضوعنا، موضوعنا إنك قعدتي مع الشاب ده، وأنا سألتك على أمل إنك تقولي، لكن إنتِ ماقولتيش.
ضيقت ماسة عينيها وهي تشير بيدها، غير مصدقة ماتسمعه: ثانية واحدة، ثانية واحدة، هو إنت بتشك فيا يا سليم؟
سليم بشدة: بس عبط أشك فيكي إيه؟ أنا عايز أفهم، ليه ماقولتيش لما سألتك إن من ضمن أصحابك البنات كان فيه زميل معاكم؟
نظرت ماسة إليه في صدمة، إذ كانت تظن أنه يشك فيها، وهذا ما كان يسيطر على عقلها الآن.
كانت لا تسمع ولا تفهم سوى أنه يشك بها فقط.
ماسة بغضب: لا، أنا عايزة أفهم حاجة واحدة الأول؟! ليه كنت بتسألني الأسئلة دي؟ كنت عايز توريلي شكوكك؟! ولما لقيتني ماعرفتكش بوجوده، جبت لي دليل إني كذبت عليك... (بصدمه وخذلان) إنت بتشك فيا؟ بتشك في ماسة ياسليم؟! وتطلب من حراسك يصوروني.
سليم بصرامة وبحة رجولية: قلت لك، أنا ماطلبتش من حد يصورك، وسألتك يا ماسة قبل ماوريكي الصورة علشان لو كنتي قلتي كنت هسكت وهعديها، الموضوع مش أكبر من كده، لكن إنتِ خبتي!
فجأة توقفت ماسة التي لم تستمع إلى حديث سليم من الأساس. كل ما تعتقده هو أنها كانت مراقبة، وأنه يشك فيها ويتلاعب بالأسئلة، وهذا ماجعلها تشتعل بالغضب وجن جنونها، وتحولت إلى ثور هائج.
صاحت ماسة به بجنون: قول بقى... إنت ممشي ورايا جواسيس؟ جواسيس مش حراس! علشان يقولوا لك أخبار مراتك ويقولوا لك أنا بقولك الحقيقة ولا لا؟ هل مقضياها مع شباب ولا لا؟
توقف سليم أمامها، ورفع صوته بحزم: خدي بالك من نبرة صوتك مش هقولك تاني! وبطلي كلامك العبيط ده.
أجابت ماسة بصياح وغضب شديد: لا مش هاخد بالي، وهعلي كمان! عايز تشك فيا وأسكت؟ لا، والمصحف ماهعديها ولا هقعد ثانية واحدة معاك بعد إللي حصل!
سليم بإندهاش: بلاش الكلام ده لو سمحتي، أعقلي يا ماسة وبطلي جنان، أشك فيكي إزاي؟! بلاش هبل عيب الكلام ده، ماتكمليش.
تحدثت ماسة من بين أسنانها بخذلان ودموع: عيب!! وإللي عملته فيا ده مش عيب؟ إنك تمشي ورايا جواسيس؟ وتخليهم يراقبوني بدون ماخد بالي؟ وينقله لك أخباري مش عيب، مادام مش واثق فيا، طلقني.
زفر سليم بإختناق قال بضجر: أنا مش فاهم إنتي ليه مش مصدقاني! قولتلك، كل ده حصل صدفة. سؤالي ماكانش علشان شاكك فيكي، كل الحكاية كنت عايزك تقولِ لي الحقيقة ولما مقولتيش واجهتك، فهميني، خبيتي ليه؟!
ماسة بدفاع وغضب: أنامخبتش هو جه قعد معانا دقيقة واحدة ومشي...لو ركزت في الفيديو، هتلاقيه قاعد مع سمرا، لإنه صاحِبها.
سليم بثقة، ركز نظره في وجهها: إنتِ ماكنتِيش هاتقولي، يا ماسة. لو كنتِ عايزة تقولي، كنتِ قلتي من البداية. أنا أديتك فرصة.
ابتسمت ماسة بخذلان: أيوه، وإنت عشان كده عملت إيه؟ بعت جواسيسك؟ كلامك ده بيأكد إنك ماعندكش ثقة فيا، وماعندكش ثقة إنني بسمع كلامك وبنفذه.؟ وجود الحراس مش علشان يطمنوك على أخباري، لا دول بيعرفوك أنا بعمل إيه وهل بنفذ كلامك وأوامرك ولا لا....
صمتت للحظة ثم قالت:
تصدق أنا ندمانة على كل لحظة نفذت فيها كلامك.
وكنت قد ثقتك.
اتسعت عينا سليم جز على أسنانه، وانحنى قليلاً ليصل إلى مستوى نظرها، ثم قرب وجهه من وجهها بشدة. كان صوته هادئًا، لكن نبرته كانت مرعبة:
طيب ماشي، ماقولتيش ليه؟ لما سألتك، كان ممكن تقوليلي... بس إنتِ اخترتي إنك تخبي. وعمالة تزعقي وتقولي إنت بتشك فيا؟ وندمانة كمان إنك ماخنتيش ثقتي، وكل ده علشان تقلبي الترابيزة لصالحك وأندم، وأعدي الموضوع، وأصالحك، وأعتذر؟ ؟ للأسف يا ماسة، إنتِي خدتي على كده. خدتي إن سليم يعتذر ويعدّي مهما كانت غلطتك وإن إللي بيقوله مجرد تهديدات وبس... مش إنتي كان نفسك تشوفي نبذة من تهديداتي؟
قلب وجهه وابتعد قليلا وقال بحسم وأمر واضح:
من اللحظة دي، مفيش خروج بره باب القصر مافيش جامعة تاني، هتروحي على امتحاناتك، لحد ما قرر هتخرجي إمتى. ولو فتحتِ بقك يا ماسة، بكلمة واحدة... امتحاناتك هاتمتحنيها هنا، وإنتِ عارفة إن أنا أقدر على ده.
ضحكت ماسة بسخرية،صفقت بيديها: حلو أوي ده.. دي أحسن حاجة سليم الراوي شاطر فيها، ... مبدع في تهديداتك.
تقدمت خطوة، وأكملت حديثها بقوة وكبرياء، بينما كانت نظرتها تثقب عينيه دون أن يظهر عليها أي خوف:
هو إنت فاكر إن أنا هاعيش معاك تاني؟! يا بتاع قلب الترابيزات؟! هاعيش مع واحد شك فيا، واحد مقتنع إني كدبت عليه، واحد استخدم أسلوب رخيص علشان يسأل مراته ويعرف منها إذا كانت قاعدة مع شاب ولا لأ؟ الموضوع أكبر من الأسئلة، وأكبر من الفيديو، الموضوع من زمان... وأنا مش هستحمل. إنك شكيت فيا! وافتكرت إني هكذب وهخبي عليك؟ وعلشان كده استخدمت الطريقة دي في الأسئلة؟ ولما لقيتني ماحكيتش واجهتني وقال ايه؟! كنت مستني أقولك، أنا فهماك كويس إنت عملت كده علشان توقعني. بس أنا يا أستاذ ماقلتش... لإن الموضوع مخدش أكتر من دقيقة، ممكن تسأل جواسيسك الأوفياء، حقيقي ماكنتش أقصد مقولش لما سألتني..
أكملت بتعجب وحزن بعين تملؤها الدموع وصوت يفيض به الوجع:
إزاي تسمح لنفسك تتهمني باتهام بشع زي ده؟ إني كذابة وبخبّي عليك؟ وعايز تعاقبني كمان؟ لا ومصدق ومقتنع كمان بده...
أكملت بنظر خزي وغيظ:
ولإن طبعًا، جواسيسك واخدين تعليمات منك، أول مايشوفوا أي راجل معايا، يصوروا... فإنت عملت كده. لا عشري صورني صدفة ولا حاجة! ماحدش يقدر يصورني أصلًا غير بأمرك. كل حاجة بتحصل معايا بأمرك. بطل كذب! أنا مش مصدقاك، ولا هاعيش معاك لحظة واحدة تاني،. أنا هطلق منك، أنا مش هاعيش مع واحد بيحاسبني على النفس إللي بتنفسه، بيحاسبني لو سلّمت على حد مش على مزاجه!
أضافت متعجبة بوجع وغضب:
وبعدين، حتى لو قعدت مع زميلي، وماقلتش..إيه المشكلة؟ كفرت؟ شايفنا قاعدين في حضن بعض؟ بس إزاي؟ أوامر سليم الراوي ماتتنفذش بالحذافير! وعلشان ماسة مانفذتش... تتعاقب. ماتروحش الجامعة! ماتقولش بقى غيرت والكلام ده، أنت بتتحكم فيا علشان حتة الورقة إللي مرتبطين بيها! لا يا حبيبي... هنقطع الورقة، وكل واحد يروح لحاله. أنا زهقت منك. خد حاجتك كلها. مش عايزة منك حاجة، مش عايزة غير الهدوم إللي عليّا... ولا أقولك أنا مش عايزاها. هاخد جلابيتي إللي اتجوزتني بيها، لسه معايا... عشان أنا مش هاعيش معاك تاني.
اهتز صوتها وهي تتحدث، وانهمرت دموعها بألم:
مش هقدر أستحمل أكتر من كده... أعصابي تعبت. هتجنني. هتعمل فيّا ايه؟ حرام عليك! إنت بتعمل فيّا كده ليه؟ يخرب بيت ده حب... أنا مش عايزة الحب ده. وهتطلّقني يا سليم... والمرة دي غير كل مرة. أنا كرامتي وكبريائي فوق كل شيء. مادام وصلت للشك... يستحيل نجتمع تاني!
حاولت التحرك، لكنه مسكها من ذراعها بقسوة، وقربها منه قال بنبرة رجولية: رايحة فين؟ مش هتروحي في حتة!
ماسة بصوت مهزوز لكنه عنيد: قلت لك... مش هعيش مع واحد شك فيا!
كان يستمع لها سليم بصمتٍ غريب، تركها تُفرغ ما فاض به قلبها من غضبٍ ووجع. لم يقاطعها، لم يُبدِ أي رد فعل، فقط عيناه تتبعانها بثبات.
وحين انتهت، خيم صمتٌ ثقيل، ظنّت للحظة إنه لن يتكلم، لكنه فجأة قال بصوت هادئ: خلّصتي؟
ماسة: اها
هز رأسه عدة مرات اقترب بوجهه من وجهها وقال بنبرة قاتلة ومرعبة، كان صوته خافتًا ولكنه يشتعل كالنار:
أنا لو بشك فيكي... كان زماني دفنتك حيّة.. أنا مش هاسيب نفسي للشك. هاتدفني حيّة من غير ندم؟ مش هقعد كل ده أتكلم، وأتناقش معاكي، وأحاول أفهمك... بس إنتي إللي غبية، مش عايزة تفهمي، غير إللي في دماغك. قلت لك... الموضوع كله صدفة. وعملت كده علشان ماكنتش عايز تحصل بينا مشكلة لإني عارفك عنيدة... أنا مستحيل أشك في أخلاقك! وعيب أوي إللي إنتي بتقوليه ده! إنتي عارفة إن سليم مابيكذبش ولو عملت كده هقول لك مش هخاف منك.
ماسة بعند وقوة: مش هسامحك يا سليم. قلت لك خلاص... إحنا انتهينا. مش عايزة أكمل معاك. أنا حرّة.
جز سليم على أسنانه رفع صوته أخيرًا قال بقوة: أنا قلت كلامي يا ماسة، وكلامي هايتنفذ. مش عايز أسمع لك صوت تاني... لإن إللي بتقوليه بيفوّر الدم!
وبطلي كلامك الفارغ ده علشان ماتتحاسبيش عليه هو كمان .. عيلة مستفزة صحيح.
دفعها على الفراش بقسوة... وخرج، وقفل الباب وراه بالمفتاح.
فور أن شعرت ماسة أنه أغلق عليها بالمفتاح، همت ماسة من على الفراش نحو الباب تركض، بدأت تضرب بيديها على الباب محاولة فتحه، وهي تصرخ بغضب: سليم افتح الباب! افتح الباب! إنت اتجننت؟ بتقفل عليا بالمفتاح؟ افتح الباب بقولك! سلــيم
لكن سليم ظل يتحرك في الممر دون أن يهتم بما تفعله، وكان الغضب الشديد هو المسيطر.
عندما تأكدت بأن لا جدوى من فتح الباب، ضربت الباب بقدميها بقوة، وهي تضغط على أسنانها، كان الغضب يخفى ملامح وجهها.
أخذت تنظر حولها في ضيق، لا تعرف ماذا تفعل. ثم عادت بشعرها للخلف، وتحركت وجلست على الفراش وقالت:
والله العظيم، همشي، وهاتشوف. لو كنت عنيد، فإنت ماتعرفش إيه هو عند ماسة.
حديقة القصر الخلفية.
وقف سليم في الركن ذاته الذي يلوذ به كلما ضاقت به الدنيا. كانت الحديقة ساكنة، لكن قلبه كان في فوضى لا تهدأ. أشعل سيجارته، وزفر أول نفس وكأنه يُفرغ فيه كل ألمه.
لم يكن غضبه بسبب جلوسها مع ذلك الشاب...
بل من تلك الكلمة التي مزّقته:
إنت بتشكّ بيا؟"
هو يشكّ بها؟ غبية لم يكن شكًا أبداً، بل غيرة... غيرة أشعلها شعوره بأنها أخفت عنه شيئًا، حتى لو لم تقصد.
يعرفها... عنيدة، حرة، لكن صادقة.
لم يخشَ خيانتها لحظة، بل كان واثقًا أنها حتى لو تذكرت، لم تكن لتخبره. يعرفها كأنه يحفظها عن ظهر قلب.
لكنه أخطأ... حين سألها بتلك الطريقة، حين صرخ، حين هدد، حين أوصد الباب خلفه
هو حتى لو كان محقًا، كان عليه أن يتعامل معها برفق... لا بالعنف.
كل ما أراده أن يضمّها، أن يقول:
"لقد غِرت عليكِ... لم أشكّ بكِ.
شعرت بالغضب لإنك قمتي بعنادي
لكن الكلمات خذلته، وسكنه الصمت.
تذكّر حديثها في اليخت، حين قالت له:
إذا غضبتُ، تمالك نفسك... لا تتركني، لا تهاجمني.
أنت الأهدأ، أنت من يستطيع أن يحتويني.
تألم... ندم... وأدرك أنه نسي كل ذلك حين اجتاحه الغضب، والغيرة، وشعوره بأنها تتعمّد العناد.
هو لا يريد خسارة علاقتهما... لا يريد للغضب أن يربح حتى بعد كلمتها الجارحة المستفزة له.
ظل متوقفا فى الحديقة لوقت ربما ساعات،
وحين شعر أنه هدأ، وأنه قادر على مواجهتها بهدوء،
تنفّس بعمق، ومسح وجهه وتحرك نحو غرفتها. فتح بالمفتاح، وقلبه يخفق بقلقٍ صادق...علّه هذه المرة يُحسن التعبير.
جناح سليم وماسة
كانت ماسة ما زالت جالسة على الفراش، ترتدي فستانًا بسيطًا، وبجانبها حقيبة سفر صغيرة. يبدو أنها قد اتخذت قرارها بالمغادرة. وعندما شعرت بأن الباب يفتح بالمفتاح، توقفت لاستقبال سليم. وحين دخل وأغلق الباب خلفه، توجهت نحوه وهي في منتهى الغضب والضيق. توقفت أمامه وقالت:
ماسة بغضب: إنت اتجننت؟! بتقفل عليا الباب بالمفتاح؟ خلاص وصل بيك التحكم لدرجة إنك تقفل عليا الباب بالمفتاح؟
سليم بهدوء قال موضحاً: آه، كان لازم أعمل كده علشان توقفي الجنان ده. إنتي إللي اضطرّتيني أعمل كده، إحنا مش لوحدنا في البيت، فيه ناس معانا اعقلي.
ماسة بنوع من السخرية: وإنت من إمتى بيهمك إللي عايشين معانا؟
سليم بتوضيح: مش هممني بس مابحبش حد يشوفنا بالوضع ده.
تنهدت ماسة قالت بهدوء: ماشي. عموماً أنا ماشية ورايحة عند أهلي. يا ريت تطلقني بهدوء.
تنهد سليم بنفاذ صبر: هو إنتِ لسة عايزة تكملِّي الخناق؟
تنهدت بتعب أمسك يدها محاولا تدارك الموقف:
ماتعبتيش؟ ماسة أنا عارف إني ممكن أكون اتعاملت مع المشكلة بطريقة غلط أنا بعتذر.
سحبت ماسة يدها برفض قالت بشدة: إنسى إني أقبل اعتذارك أو أقبل المناقشة وهمشي يعني همشي مش هأقعد دقيقة واحدة بعد إللي إنت عملته ده.
سليم محاولا تمالك زمام الأمور: هو إنتي مش قلتي..
قاطعته ماسة بعند: ماقلتش وإللي قلته أنا بسحبه
تنهد سليم تنهيدة طويلة بتعب من عنادها وغضبها الذي لا ينتهي قال بهدوء: يعني إنتي ناويه تكملي في الخناق طيب، بقولك إيه؟ أنا عندي شغل لازم أخلصه، وأوعدك هقعد معاكِ للفجر، لبكرة كمان، نتخناق مع بعض. أديني ساعة بس، عايز أخلص الورق ده وأبعت إيميل مهم.
قاطعته ماسة بقوة: لا ماتقلقش أنا ولا هأنكد عليكِ ولا هعمل لك مشاكل. أنا هروح عند أهلي، وأسيبلك القصر كله، تعمل فيه إللي إنت عايزه.
نظرت له بارتباك وخجل وأكملت:
أنا، أخذت كم حاجة بسيطة لحد مايبقى معايا فلوس وأجيب لبس. الفستان بتاعي القديم بقى ضيق أوي، مش داخل فيا خالص.
نظر لها سليم مبتسمًا، محاولًا أن لا يأخذ حديثها على محمل الجد حتى الآن، وهذا هو الأفضل لهما:
طبيعي كان عندك 15سنة وقتها يا قطعة السكر، دلوقتي 24، في حاجات كبرت (غمز لها)
نظرت له ماسة بغيظ، حاولت أن لا تغضب، ثم تنهدت وأكملت:
بالنسبة للفيلا بتاعت بابا وماما، أنا بستأذنك. نستنى نعيش فيها يومين لحد مانشوف هنعمل إيه. إنت عارف إن منصور مسافر، وإحنا مالناش مكان.
كان ينظر لها سليم بابتسامة باردة، مستخفًا: طب وليه؟ أنا ممكن أجيب لك مفاتيح قصر منصور وترجعوا أوضتكم.
رفعت ماسة عينيها قالت تلقائيًا: بجد يا ريت.
سليم، وهو مازال مُستخفًا: بجد.
تنهدت ماسة، فهي تشعر أنه يستخف بها. حاولت أن تتحكم في غضبها، ثم أكملت: على فكرة، أنا سبت لك كل حاجة حتى الخاتم.
سليم، وهو يبتسم بسخرية: أووو... هي وصلت كمان لقلع الخاتم؟ إنتِ فاكرة الخاتم ده؟! ماقلعتهوش من إمتى يا ماستي المتمردة؟
رفعت ماسة حاجبها ونظرت له بغيظ: أيوة، عارفة. يوم مادتني العلقة.
انحنى سليم، بجسده قليلاً أمام وجهها، قال بنبرة ساخرة قليلاً: شفتي؟ إنتِ قلبك أسود أزاي وفاكرة حاجة حصلت من سنين؟ مابتنسيش إنتي؟!
أعطاها ظهره وتحرك قليلا وقال:
لا ده مش بتاع العلقة، ده بتاع جوازنا الرسمي. ومن ساعتها ماقلعتِهوش. شُفتي بقى يا مفترية يا ظالمة؟
ضيقت ماسة عينيها وقالت بضجر: هو إنت بتهزر؟
ضحك سليم والتفت لها: ما أنا لازم أهزر؟! ما أنا لو ماهزرتش هيحصل مشكلة، كدة أفضلنا.
ضغطت ماسة على أسنانها و تحركت وتوقفت أمامه، وقالت بصوت حازم: لا هي المشكلة موجودة، سليم، أنا عايزة أطلق بجد، هروح عند أهلي وتطلقني بهدوء.
سليم متعجبًا: هو إنتِ فاكرة إني ممكن أطلقك يا ماسة؟
ماسة بتأكيد: آه، طبيعي. أكيد مش هتقبل على نفسك تعيش مع واحدة... مش عايزاك ولا عايزة تعيش معاك.
تبسم سليم، لكن ابتسامته هذه المرة كانت بها نوع من الوجع والصدمة: يا نهار، هي وصلت كمان مش عايزاك، ولا عايزة أعيش معاك؟!
ماسة، وهى تمرر عينيها عليه، قالت بنبرة استخفاف:
إيه سليم الراوي مش مصدق إن ماسة بنت الخدامين عايزة تطلق من ابن البشوات! فاكر إني هفضل طول عمري خدعالك؟ يبقى إنت ماتعرفنيش.
بدأت الدموع تملا عينيها وصوتها يهتز، لكن خرج قويًا بكبرياء واعتزاز:
أنا كرامتي فوق كل شيء، دي الحاجة الوحيدة إللي بملكها في حياتي، وماملكش غيرها، مستحيل أسمح لك ولا أسمح لأي حد يجي جنبها، ولو المقابل، إني أتنازل عن كل ده، ولا يهمني. إنت عارف إن الفلوس والحياة دي مابتفرقليش وإن وجودك بس هو إللي بيفرق لي. جوازي منك علشان أنا بحبك لشخصك، مش لفلوسك ولا لكل ده... أنا عارفة إنك ماتوقعتش أقول كدة، عشان أنا الفلاحة الحشرة إللي جبتها من الزريبة زي ما أهلك شايفيني، فامينفعش أقف قدامك وأقولك إن أنا عايزة أسيبك. صح؟! معلش بقى، في بني آدمين مستحيل الفلوس تشتريهم، وأنا منهم.
نظر لها سليم بنظرة موجعة، قائلا بنبرة حزينة ودمعة خفيفة على وشك أن تملأ عينيه:
لا... أنا مش مصدق. مش علشان أنا سليم ابن البشوات، وإنك ماسة الخدامة. أنا إللي خلاني مش مصدق، إن ماسة، حبيبتي، مراتي إللي واجهنا أنا وهي صعوبات ومشاكل أكبر من كده بكتير، وإللي كانت بتقول لي: مقدرش أعيش لحظة من غيرك، بقلها فترة... كلمة "طلاق" بقت حاجة سهلة بالنسبالها!! وإن فراقنا وبعدنا أصبح بيهون عليها، وبتقول لي كمان وهي حاطة عينيها في عينيا: آه، هسيبك وهمشي، مش عايزة أعيش معاك...بكل سهولة؟! أمال فين الحب؟! والوعود والأقسام اتبخرت... وبعدين يا ماسة، هو أنا عمري جيت على كرامتك؟ فهميني؟ إمتى جيت على كرامتك؟
ماسة بغضب شديد: جيت على كرامتي فين؟! أمال إللي عملته ده إيه؟! شاكك فيا ايه؟ جواسيسك إللي بيصوروني إيه؟! تهديدك كأنك مشتريني إيه؟!
نظر لها سليم بإتساع عينيه بغضب، وهو يخرج حديثًا من بين أسنانه: قلت لك ماشكتش. أقنعك إزاي إني ماشكتش؟ ولما سألتك، ماكانش في نيتي أي حاجة مسيئة.
قاطعته ماسة، بعناد: لا. نيتك كانت سيئة. وضميرك كان وحش. إنت كنت بتسأل عشان كنت متأكد إني مش هاقولك.
فاجأها سليم بسؤال، وهو يواجهها بعينين ثابتتين: طب وإنتِ كنتِ هاتقولي لي يا ماسة من نفسك؟
صمتت لحظة ونظرت داخل عينه وقالت بقوة وحسم:
لا... ماكنتش هاقولك... وإنت عارف إن أنا ماكنتش هاقولك... بس مش علشان عايزة أخبي عليك، إنت عارف كويس إن أنا مابخبيش حاجة عنك... وأي حاجة بتحصل بقولهالك قبل ما تسأل.
أضافت بوجع واهتزاز:
بس والله، ما كنتش فاكرة. وحتى لو كنت فاكرة، يا سليم، أنا فعلاً ماكنتش هاقول، علشان مش عايزة مشاكل. أنا تعبت من المشاكل معاك. إنت لسة من اسبوع عامل لي خناقة كبيرة، وهددتني عشان واحد زميلي كلمني وقال لي على ملخص.
قاطعها سليم، بحسم: أنا راجل حر! أنا مش عايز مراتي تكلم رجالة وكمان نبهتك لده كم مرة
ماسة بتأفف: والراجل الحر إللي مش عايز مراته تكلم حد يهددها؟! إنت كل حاجة دلوقتي معاك بقت تهديدات. إنت مش سليم إللي أنا حبيته واتجوزته، علشان كده. عايزة أمشي؟
سليم بحدة : إنتِ إللي اضطريتيني إني استخدم معاك الأسلوب ده.
ماسة بقناعة تامة: ماتضحكش على نفسك. إنتِ إللي بقت كل حياتك تهديدات، وأسلوب سخيف، عايزني إزاي أنام في حضنك بعد ماهددتني؟ ماتقنعنيش وماتحاولش. أنا همشي، ومش هرجع تاني يا سليم إنت شكيت فيا.
سليم بهدوء، محاولًا إصلاح الأمور بينهما:
ماسة، خلاص كفاية خناق، كفاية عناد. أنا معترف إني غلطت في تعاملي مع المشكلة، وماستخدمتش عقلي .. غضبي وغيرتي عموني وسيطروا عليا. بس لازم تبقي متأكدة إني ماسيئتش الظن بيكي، وفعلاً كنت بقول السؤال بنية صافية، وإنتي فهمتيه بطريقة تانية. حقك تزعلي، بس خلاص كفاية، إنهي بقى الحوار ده
مد يده ونظر بمحبة ولطف:
أنا آسف... واديني أهو بمدلك إيدي يا ماسة خلاص بقى، بس لازم تفهمي إنك إنتي كمان غلطتي، ولازم تعترفي بغلطك.
ماسة بإندهاش: غلطت في إيه بقى إن شاء الله؟
سليم سحب يده مفسرا:
غلطتي إنك قبلتي تقعدي مع الشخص ده حتى لو ثانية واحدة، وغلطتي إنك لسه قايلة لي إنك ماكنتيش هاتقولّي حتى لو كنتي فاكراه، غلطتي لما وقفتي قدامي واتهمتيني إني بشك فيكي، وإنتي متأكدة إني مستحيل أعمل كده... بس خلاص، عايزين نقفل الموضوع ده ونهدى. لازم نتصافى، لإن مش هاينفع نعيش حياتنا كلها كل يومين تلاتة نتخانق ونزعل.
نظرت له ماسة للحظات فهي تشعر بأن سليم كان في وقت ما هو الأمان الحقيقي، لكن الآن الوضع اختلف. أحست أنه فقد السيطرة، تهديداته تزداد عنفًا، كما لو أن النهاية أصبحت وشيكة.
ماسة بضعف وحزن: يا سليم، بقول لك عايزة أمشي. بجد مش قادرة أسامحك، ولا قادرة أقبل اعتذارك، ولا حتى عايزاك تمد إيدك ليا إنت مش هاتبطل تهددني، إحنا لسه كنا متفقين وتعاهدنا، وإنت عملت إيه؟! خالفت وعدك، بقيت كل غلطة مني بتهددني..
هزت رأسها بإصرار ورفض:
أنا ماغلطش، أنا ماعملتش حاجه غلط، الولد ده ماكانش قاعد معايا وقعد دقيقة سلم على صاحبتي وأخذ ورق منها ومشي، وأنا مش معقول هسيب القعدة عشان واحد جه يسلم على واحدة...
الفصل السابع والستون ج2 من هنا
لقراءة جميع فصول الرواية من هنا