رواية الماسة المكسورة
الفصل الثاني والستون 62 ج2
بقلم ليله عادل
كانت قوتها وإصرارها لا يتزعزعان. تحمّلت كل شيء بشجاعة، مستندة إلى حبها العميق لسليم وإيمانها بأن الأوقات الصعبة قد تكون مؤقتة. كانت كل ما تتمناه في تلك اللحظة هو الفرصة لدخول الجامعة، اليوم الذي ستتمكن فيه من الخروج من الروتين القاتل وبدء حياة جديدة.
عاشت على أمل ذلك اليوم، وكأنّه هو الذي سيمنحها الحياة لتكمل أو تتحمل تلك الأوقات الصعبة حتى تنقضي. متمسكة بالعزم على تجاوز هذه المرحلة مهما كان الثمن، كانت تنتظر اللحظة التي ستعود فيها إلى حياتها السابقة وتحقق أحلامها التي طالما رأت أنها على وشك التحقيق.
لكن لا تدري أن تلك اللحظة، كانت الشرارة التي بدأت تغير حياتها بشكل كبير، لتضعها أمام تحديات لم تكن تتوقعها.
💕_______________بقلمي_ليلةعادل。◕‿◕。
قصر الراوي.
جناح سليم وماسة السابعة مساءً.
نرى سليم جالسًا على الأريكة يقرأ كتابًا. بعد قليل، دخلت ماسة الغرفة ممسكة ببعض الأوراق وتبتسم بإشراق.
ماسة بلطف: حبيبي، ممكن نتكلم شوية؟
نظر إليها سليم بابتسامة قائلاً: طبعًا.
تبسمت ماسة وجلست بجانبه، بينما وضع سليم الكتاب بجانبه، وعدل جلسته في زاويتها وانتبه لها.
ماسة باسترسال: أنا عايزاك تطلّع الأوراق بتاعة الشهادات شهادة الثانوية، وشهادة الميلاد، عشان التقديم وكده. وأنا كمان حددت خلاص هادخل إيه، هادخل أداب قسم آثار، وجبت شوية حاجات عشان أقعد أقرأها قبل ما أدخل.
ضيق سليم عينيه، بعدم فهم: مش فاهم؟!
ماسةبابتسامة مشرقة: إيه يا روحي؟ خلاص، الجامعة فاضل عليها شهر، فـ لازم نبدأ نمشي في الإجراءات عشان التقديم الجامعة. أنا راحت عليا السنة اللي فاتت كلها، وسلوى فضلت مستنياني، بس الندلة هتدخل حقوق، بس مش مهم. هنقى كلنا مع بعض في نفس الجامعة، حتى عمار هيبقى معانا في، بس كلياتنا مختلفة.
سليم: هو فعلاً عمار كلمني في الموضوع ده.
ماسة تبسمت بتودد: عشان كده بقولك، معلش، ظبّط لنا بقى أوراق التقديم.
سليم متعجباً: بس ده ماله بيك يا ماسة؟
ماسة متعجبة وعقدت حاجبيها: يعني إيه ماله يا سليم؟
سليم بهدوء: يعني أنا هخلص أوراق سلوى وعمار، لكن انتي وضعك مختلف، وأظن إنتي فاهمة.
كانت ماسة تحاول استيعاب مايقوله، حكت في حاجبها وحاولت تهدئة توترها،. تحاول أن تقنع نفسها أن الوضع ليس صعبا مثل ماتتخيل.
ماسة بصوت متوتر يخرج بصعوبة: فاهمة إيه ياسليم؟
سليم بعقلانية محاولا اقناعها: أكيد عارفة وفاهمة، إن وضعك مختلف عنهم إنتي في خطر على حياتك.
ماسة ودموعها على وشك الهبوط، قالت بنبرة متحشرجة: إنت أكيد مش هتعمل فيا كده، صح؟ مش هتعمل كده!
سليم محاولا تهدئتها. وضع يده على كتفها: الموضوع مش زي ما إنتِ فاكرة، اهدي شوية، الموضوع بسيط خلينا نتناقش مسألة وقت.
نظرت ماسة أمامها وهي تهز رأسها متعجبة بصوت منخفض أشبه بالبرطمة:وقت؟ ونتناقش.
سليم بنظرة متسائلة وهو يضيق عينيه: بتقولي إيه؟
نظرت له ماسة بشدة ورفض، قالت بنبرة متأثرة حزينة: بقولك وقت إيه تاني؟ أنت بقالك كتير بتقول لي "اصبري شوية"، والشوية بتوعك دول بقالهم أكثر من سنة وشهرين، سنة وشهرين ماشفتش الشارع، ماشفتش غير أسوار القصر ووشوش عيلتك اللي كرهاني، وحراسك اللي بقوا شبه السجانين! كفاية، أنا صبرت عشان بحبك، صبرت عشان متفهمة الوضع ده، ضحكت على نفسي، قلت "اصبري شوية"، وهيهدى، وكان أملي الوحيد هو وقت دخولي الجامعة، بإنك هتسيبني بقى وترحمني،وتديني حكم الإفراج.
أمسكت يده برفق، حاولت أن تهدئ نفسها وقالت بصوت منخفض برجاء: كفاية، يا سليم مابقتش قادرة، صدقني خلاص وصلت لآخرها، أوعى تدوس على أملي الأخير.
سليم بعقلانية: بصي يا ماسة، أنا فاهم إنّي ظلمتك وبقالك فترة محبوسة، بس أنا كمان...
قاطعته ماسة وهي تشير في وجهه بشدة: أوعى تقول لي إني زيك! إنت مش زيي، إنت بتخرج وبتسافر، حتى لو بتروح شغلك، بس بتخرج! وبعدين إنت موافق وقابل الوضع ده، أنا بقى مش موافقة! أنا يا سيدي، مش حابة الحياة دي!
سليم تنهد بقلة حيلة: طب اصبري كمان شوية.
ماسة توقفت، ونظرت له برفض: لا مش هصبر تاني، سكت سنة وشهرين، أكتر من كده لا، أنا عايزة أبقى مع أخواتي؟ المفروض كنت دخلت من سنة فاتت لكن اللي حصل خلاني أأجل مش هأجل تاني، هخرج يا سليم مش هفضل محبوسة تاني هنا، هخرج وأشوف الناس.
رفع سليم عينه لها وقال بحسم وقوة: مافيش خروج، يا ماسة، من القصر ده غير لما أوصل للي عمل الحادثة حتى لو بعد سنين، اسكتي بقى.
ماسة بصوت عالٍ بمواجهه: مش هتوصله يا سليم؟ ولا عمرك هتوصل؟! وأنا مش هفضل، محبوسة أكتر من كده! هرفع صوتي، وهقول لك إني مش هقبل إنك تتحكم فيا أكتر من كده! أنا استحملت كتير، وسكتت كتير، وعديت أكتر، لكن أكنر من كده، أقسم بالله ماهينفع! ارحمني، عشان أنا جبت آخري!
توقف سليم أمامها: هتعملي إيه يعني؟
ماسة بانفعال: هعمل كتير!
سليم بأمر: وطي صوتك.
ماسة بضجر: مش هوطي صوتي! وأنا مش هسكت، ولا هسمح لك تتحكم في حياتي أكتر من كده! مش هسمح لك تفرض عليَّ أفكارك المريضة أكثر من كده!
اتسعت عينا سليم بصدمة واستهجان: أفكار مريضة!!
ماسة بغضب انفجرت به: أيوة أفكارك مريضة! أوعى تكون فاكر نفسك شخص عاقل! إللي بيحبس مراته أكثر من سنة في البيت، وحرم عليها الخروج حتى معاه! إنسان مريض الفكر، اللي يفكر إن كل الناس عايزين ياخدوه مراته منه ويسرقوها منه مريض! أنت مريض، ولازم تستوعب ده وتروح تتعالج! لكن أنا مش هخليك تحبسني أكتر من كده! كنت فاكرة إنك هتهدى، وإن مع مرور الوقت هتعقل، لكن أنت كل مادا بتزيد فيها، إنت شوية وهتقول لي ماتخرجيش الجنينة!
سليم بشدة ممزوجة بغضب: طب اهدى كده واعقلي، عشان موركيش بقى المريض ممكن يعمل فيكي إيه.
ماسة بصوت عالٍ: هتعمل أكتر من كده إيه؟!
نظر سليم داخل عينيها: هعمل كتير يا ماسة.
ماسة بغضب: وأنا مش هسمح لك تعمل فيا أكتر من كده! وهخرج يا سليم! من اللحظة دي، هخرج! ومش هسمح لك تتحكم في حياتي أكتر من كده! أنا تعبت! تعبت! قلت لك روح لدكتور مروان، وأنت مش عايز تروح، كإنك مبسوط بالوضع ده!
سليم بنكران: أنا مش مريض يا ماسة.
ماسة بحدة: لا مريض يا سليم، ولازم تعترف بإنك مريض!
اقترب منها بشدة أمسكها من كتفيها بقسوة وقربها عليه ونظر داخل عينيها: أنا مش مريض ولو في نظرك خوفي عليكي وحمايتي ليكي مرض، أوكي مش مهم.. بس بردو مش هتخرجي.
تركها وخرج للخارج تاركا أيها تبكي بحرقة.
الحديقة.
توقف سليم في الحديقة بعد مشاجرته مع ماسة، وهو غاضب جدًا يجزّ على أسنانه وعيناه محمرة تقدح شررا من شدة الغضب أخذ يدخن السجائر بشراهة انتبه له مكي الذي جاء وتوقف بجانبه.
مكي باهتمام: مالك ياسليم؟
تنهد سليم وزفر أنفاسه بتعب وهز رأسه بلا: مفيش حاجة.
مكي مركز النظر في ملامحه: ازاي يعني مفيش حاجة؟ شكلك متخانق مع ماسة.
سليم بضيق ونكران وهو ينظر امامه ويدخن سجارته: بتقول عليّ إني مريض عشان خايف عليها ومش عايزها تخرج،، (بغضب نظر له) أنا مش مريض، هي مش خايفة على نفسها، أنا خايف عليها. أوعى تقول إنت كمان إني مريض.
مكي بهدوء محاولا استيعابه: لا يا سيدي، أنت مش مريض. هي كلمتك في موضوع الجامعة صح؟
هز سليم رأسه بإيجاب: آمممم.
مكي بعقلانية ورجاء :طب خليها تروح الجامعة، وأنا هوديها وأجيبها بنفسي. وهحضر معاها المحاضرة. إيه رأيك؟ مش أنا بس، هادخل معانا حراس تانين. بصراحة، الحكاية طولت يا سليم، إحنا ما وصلناش لحاجة. هما سبقونا بخطوات، يمكن لو طلعتها نوصل لحاجة.
سليم برفض وخوف: مش هغامر بيها.
اقترب مكي منه محاولا إقناعه: سليم، انت كده هتحصل بينك وبين ماسة مشاكل كتير. اللي إنت عامله فيها دة بزيادة، صدقني ماحدش هيقدر يتحمل كده.
سليم باستهجان وتعجب: هو أنا عامل فيها إيه؟ أنا بكربجها؟ أي حاجة نفسها فيها بجيبها لها. حتى السينما، الأفلام اللي بتنزل بتيجي لحد عندها وعلى قد ما أقدر بقعد معاها، وكتير مابروحش شغلي وأقعد معاها. والحبس اللي هي محبوسة فيه، أنا كمان محبوس زيها وبعدين ما في ستات كتير ما بتخرجش ومابتشوفش الشارع بالسنين.
مكي بعقلانية: ماهو اللي إنت فيه ده برده مش صح. تحبسها وتمنعها من الخروج وماتروحش شغلك؟ وبعدين لا ياسليم، مافيش ستات كده. انت بتتكلم عن الستات اللي من الطبقات الأقل منك. يمكن مبيخرجوش، بس بيزوروا أهاليهم ينزلوا السوق. لكن ماسة مابتخرجيش بره باب القصر. إنت حتى منعتها من زيارة أهلها. منعتها تخرج تجيب حاجات من السوبر ماركت أو من الصيدلية. وحتى معاك.
سليم بضجر: مكي، ماتعصبنيش. إنت عايز تقنعني إني غلط؟
مكي: بص يا سليم، أنا مش بقول إنك غلط، صدقني انا مقدر ومتفهم خوفك عليها. اللي حصل لكم صعب، لكن فيه طرق تانية نقدر نعملها. مش لازم الخروجات تكون الحل، بس اسمح لها تروح عند أهلها، اسمح لها تخرج معاك بنفسك. خفف الحبل شوية عليها.
سليم بحسم: قلت لك، مش هغامر بيها. هي هتزعل شوية، والموضوع هيمر زي كل مرة.
نظر سليم أمامه بضجر: طيب، سيبني لوحدي يا مكي، محتاج أكون لوحدي.
تنهد مكي بيأس وتركه، ماشياً بعيدًا.
❤️_______بقلمي_ليلة عادل ______♥️
في اتجاه آخر
جناح سليم وماسة.
كانت ماسة مازالت تجلس على الفراش تبكي، ممسكة بهاتفها وتتحدث: خلاص هستناكم بكرة، ماتتأخروش عليّ، مش بعيط، عندي برد، سلام.
وضعت الهاتف جانبها وأخذت تبكي أكثر...
بعد قليل، دخل سليم الغرفة، فمسحت ماسة دموعها بسرعة محاولة أن تظهر قوية. لم يهتم سليم لها أو تحدث بأي كلمة، بل دخل إلى غرفة الملابس. بدأ يغير ملابسه، بينما كانت ماسة تنظر أمامها، فكرت هل تذهب له وتتكلم أم لا؟ لكنها كانت تشعر بالغضب والحزن معًا. زفرت باختناق، نهضت ودخلت خلفه.
ماسة بجمود: سليم، لو سمحت، خلينا نتكلم.
سليم التفت إليها وقال بحسم: مش هتكلم ولا هتناقش، أنا بلغتك بقراري.
ماسة بغضب: هو أيه ده؟ لا هنتكلم!!
سليم اقترب منها أشار بأصابعه أمام وجهها ببحة رجولية قال بشدة: صوتك مايعلاش، أنت فاهمة؟
ثم أضاف وهو ينظر لها باستغراب: بعدين، هو أنا مش مريض؟! المريض محدش بيتناقش معاه، بيتقال له سمعًا وطاعة وبس.
أكمل ارتداء تيشرت منزلي دون اهتمام لها.
ضيقت ماسة عينيها قليلا قالت بشدة: ده مش مرض، ده كبرياء سليم الراوي علشان يتقال له سمعًا وطاعة فاكرني جارية عندك أو عبدة.
مد سليم وجهه بلا مبالاة: سميها زي ماتسميها، وكفاية كلام. كل ماتزوديها، بتزعليني منك أكتر...
مرر عينه عليها متعجبًا: ماتوقعتش أبدًا تكوني كده. أنتِ خذلتيني فيكي.
تبسمت ماسة متعجبة لأنه يشعرها بأنها المذنبة وهو البريء رغم أنها لم تخطئ بشيء: عايز تفهمني إن أنا شريرة وغلطانة في حقك وأنت ملاك؟ صح؟ يخرب بيت دور الضحية.
سليم بتوضيح بنبرة ساخطة: أنا مقولتش إنك شريرة أو غلطانة ولا أنا بمثل دور الضحية، لكن أنتِ بتقولي حاجات ماكنتش أتوقع تطلع منك، مش هقول لك تاني يا ماسة، اتكلمي معايا بأدب عشان لو اتعصبت، صدقيني، أنتِ بس اللي هتندمي.
ماسة برفعة حاجب: أنا هموت وأعرف هندم إزاي.
سليم: خليها لوقتها، يلا نروح ننام.
تحرك تحت نظراتها المتعجبة..نظرت له ماسة بضيق، تحركت خلفه بتذمر: نروح ننام؟ فاكر إنني ممكن أنام جنبك؟ تبقى مجنون.
تحركت ماسة بعيدًا عنه، وذهبت نحو الفراش. مسكت الوسادة والغطاء، و وضعتهم على الأريكة.
توقف سليم وهو ينظر إليها. تسألت متعجبا: إيه اللي إنتِ بتعمليه ده؟
ماسة بجمود: اللي إنت شايفه.
سليم بضعف وعتاب: يعني انتِ زعلانة مني وهتنامي بعيد عن حضني، واتهمتيني بالجنون وبأني بمارس كبريائي عليكي؟ كل ده عشان رفضت أوديكي الجامعة وأخرجك؟
خرجت ضحكة صغيرة منه مليئة بالخذلان، لم تصل إلى عينيه أضاف بحزن: يعني حبك ليا أصغر بكتير من إن أحرمك من الخروج؟ يا سلام على الحب! الصدق والوعود الكدابة.
ماسة بغضب: إنت مش حاسس خالص إنك غلطان؟
سليم بحسم: لا.
ماسة بجمود: تمام تصبح على خير.
تمددت ماسة على الأريكة. ظل سليم ينظر إليها متعجبًا من أنها لم تحاول التصالح أو تجاوز الموقف، حتى وصل الامر إنها لم تنام بالقرب منه، فـ لهذا الحد وصلت الأمور بينهما؟
سليم بحدة:طب تعالي على السرير وأنا هنام على الكنبة.
ماسة بأسف: لا، شكرًا، أنا محتاجة أنام هنا.
حاول سليم أن يسحبها: اسمعي كلامي، يا ماسة، قومي يلا، نامي على سريرك.
ماسة بعناد سحبت يدها: قولتلك مش هنام، مش هتتحكم فيا.
سليم بغضب: تحكم في إيه يا بنتي؟ بطلي الجنون ده يا ماسة!!
ماسة بنبرة هادئة:. ماتعملش نفسك زعلان عليّا، بلاش تمثيل ،ماشي؟
سليم بخزي من تصرفها وهو يتك على كلامه: ماعملش نفسي زعلان عليكي وتمثيل؟!( تنهد) أنا هنام عشان أنتِ بتقولي كلام أنتِ مش عارفة ولا فاهمة إيه اللي بتقوليه.
ماسة باقتضاب: تصبح على خير.
تمدد سليم على فراشه، لكنه ظل مستيقظًا، يغمره شعور بالغضب الشديد، كان حزينًا جدًا بسبب ماقالته ماسة، وكان عاجزًا عن استيعاب الأمر، كان يتوقع منها شيئًا مختلفًا تمامًا، ولم يكن يتخيل أنها قد تصل إلى حد اتهامه بهذا الشكل، مما زاده شعورًا بالخذلان انها نامت بعيداً عنه لأول مرة منذة اخر مشكلة بينهما منذة سنوات، ومع ذلك، حاول أن يظل هادئًا وألا يظهر لها أنه مستيقظ.
أما ماسة، فكانت مستيقظة أيضًا، غير قادرة على تهدئة نفسها. كان قلبها مملوءًا بالغضب والحزن. بعد كل تلك الفترة التي انتظرت فيها، عسى أن يأخذها إلى الجامعة، يأتي في النهاية ليحرمها منها؟ كان ذلك أمرًا صعبًا للغاية بالنسبة لها، خاصة أنها كانت ترى أن ذلك من حقها، وليس مجرد طلب أو أمر معقد. ولكن سليم لم يشعر أبدًا أنه ارتكب خطأ، بل على العكس، كان يشعر أنها هي المخطئة لأنها أخذت تتهمه وتنتقده. وأن مشاعرها قد لا تكون مفهومة، أو أن محاولة التعبير عنها قد تزيد من تعميق الجرح بينهما.
في اليوم التالي
استفاق سليم وارتدى ملابسه بسرعة، محاولًا تغيير جوه ليشغل نفسه وينسى الخلاف الذي حدث. توجه إلى مجموعة، بينما كانت ماسة تظل على سريرها، متظاهرة بالنوم، لكنها كانت في الواقع غارقة في دوامة من الأفكار. كانت تنتظر أن يخرج سليم لتتمكن من تهدئة نفسها والتفكير بعمق في كل شيء، كانت تترقب قدوم والدتها، تأمل أن تجد عندها الراحة أو نصيحة قد تساعدها في فهم الموقف بشكل أفضل.
قصر الراوي
جناح سليم وماسة الثانية عشر ظهراً
نشاهد سعدية تجلس على الأريكة ومعاها سلوى وفي منتصف تجلس ماسة.
سعدية متعجبة وهى تضيع يديها أسفل ذقنها: أنا مش فاهمة يعني هو دلوقتي مش عايزك تدخلي الجامعة؟ طب ليه؟
ماسة بحزن: هو مش بس مش عايز يدخلني الجامعة، وهو مش عايز يخرجني خالص. لسه خايف عليا من العصابة اللي مش عارف يوصل لها دي.
سلوى بضيق: والله العظيم كده كتير!
سعدية بهدوء: استني بس يا سلوى نفهم، وانتي عملت إيه؟
ماسة بحدة: عملت كتير. اتخانقت معاه وقالته أنه مريض، وأن اللي هو فيه ده مش معقول ولا مقبول ولازم يروح يتعالج عند دكتور نفسي ونمت على الكنبة، بصي احنا اتخانقنا مع بعض، وهو اتقمص وقال ايه؟! عملي فيها زعلان وكإن أنا الشيطانة وهو اللي ملاك.
سعدية وهى تضع يدها أسفل ذقنها بتهكم وغضب مررت عينيها عليها: أخص عليكي وعلى تربيتك! والله انتِ طلعتِ واحدة ماعندهاش أصل خالص!
اتسعت عينا ماسة بصدمة:ايه اللي انتِ بتقوليه ده يا ماما؟ أنا ماعنديش أصل؟
فجأة ضربتها سعدية على كتفها بقوة، وصوتها بدأ يعلو بانفعال: آه، ماعندكيش أصل ومش متربية. بقى في واحدة متربية تقولي لجوزها انت مريض روح اتعالج! وكمان ياقادرة تخاصميه وتنامي على الكنبة اه يا ناقصة... هو عمل إيه يا بت عشان كل ده؟ عشان خايف عليكي؟! تروحي تزعلي جوزك منك؟ وتقفي قصاده وتعلّي صوتك عليه وتعملي اللي انتِ قلتيلي عليه ده؟
ماسة باندهاش: أنا مش فاهمة إنتي عايزة تقولي إن أنا اللي غلطانه؟!
سعدية، بقوه وهي تشير إليها بيدها: أيوه، هي دي الحقيقة! بتتلككي عشان تخرجي، وتتفسحي! لا ياختي، مش على جوزك! ده شايلك فوق راسه، وخايف عليكي، ومش عايز يخسرك بعد اللي حصل! وإنتِ بدل ما تحمدي ربنا، جاية تتنمردي عليه وتقوليله مريض؟!
سلوى باستهجان: ما هو فعلاً مريض، ماسة ماغلطتش اللي يحبس مراته كل الفترة دي انسان مريض قال في حد هيخطفها منه.
سعدية بتهكم وغضب: اسكتي انتِ يا بت، بدل ماديكي بالجزمة على وشك! انتِ بتقويها على جوزها؟ بدل متعقليها، والله يا سلوى لأربيكي إنتي كمان، أنا مش عايزة أسمع حسك!
ماسة، متعجبة ودموعها تلمع في عينيها: أنا مش فاهمة، في إيه يا ماما؟! أنا عملت إيه عشان كل ده؟! كنتِ عايزاني أسكت؟! عايزاني أرضى؟! أنا بقالي اكتر من سنة ماشوفتش الشارع! وساكتة ومستحملة! حرام بجد!
جزت سعدية على أسنانها بغل: وتقعدي 20 سنة كمان ايه يعني، إن شاء الله عمرك ماتشوفي الشارع في حياتك مرة تانية، إيه يا اختي اللي حصل؟ ما انتي طول عمرك كنت محبوسة، ومابتشوفيش الشارع ده عامل إزاي؟ ده انتي يا بت كان أكبر حلم في حياتك تروحي تشوفي كفر الشيخ دي كانت عاملة إزاي! ولا تكوني نسيتي أصلك ياعديمة الأصل..
ده أنتي كنتى أول كل شهر، أخرك كنتي تروحي عند المراجيح اللي في أول شارع المزرعة، والا ناسية؟ وماكنتيش بتروحي لوحدك، أبوكي بياخدك أنتي واختك مقصوفة الرقبة دي. ...
صاحت بها متهكمة:
إيه؟ نسيتي أصلك صح؟ تعالي بقى، أنا يا أختي هافكرك بأصلك...
نظرت إليها بعينين تشتعلان غضبًا ثم سحبتها بعنف من كتفها، ووقفتها أمام مرآة التسريحة، تهزها بعنف وكلماتها تفيض بغضب عارم، بينما ماسة تبكي بصمت، دموعها تسيل بلا توقف..
تحدثت سعدية وهي تنظر لها في المراية:
أوعي يا بت تفتكري إن اللبس الحلو والصيغة الغالية اللي انتي لابساها ينسوكي أصلك! انتي كنتي حتة بنت خدامة ملهاش لازمة ولا قيمة!! إحنا كلنا كده، كنا مالناش لازمة! خلق معفنة، يمسحوا البهوات جزمهم بيها! اتبهدلنا، واتلطمنا، وتوجعنا، كنا بننام من غير عشا! الكرباج بتاع منصور اللي كان بيقطع ضهرنا بيه، ولا تكونيش نسيتي منصور ولورين كانوا بيعملوا فيكِي إيه يا حلوة؟! كانوا بيرمولنا بواقي الأكل وهدومهم القديمة، لحد ما جه سليم، ابن الباشوات! ونجدك من ايديهم،وفاكرة لما قالك: يا ماسة، من غير يا بت... كنتي بتحسي بسعادة الدنيا والا نسيتي؟
أكملت بتهكم، وغضبها يتفجر ممزوجًا بتعجب مكتوم. قبضت على كتفها بقسوة كأنها تحاول أن تنتزع منها إجابة بالقوة. كانت ماسة تقف عاجزة، تبكي بحرقة صامتة، ودموعها تنهمر بلا توقف، تبلل وجهها الذي بدأ وكأنه لوحة ممزقة بالألم. شعرها المبعثر التصق بوجنتيها المحمرتين، ويداها المرتعشتان خانتاها كأن جسدها كله يصرخ بالعجز. لم تستطع النطق، وكأن الكلمات قد خذلتها هي الأخرى، تاركةً قلبها غارقًا في دوامة من الحيرة والخوف واليأس، بينما توقفت سلوى تنظر بحزن لكنها لا تستطيع التدخل.
استرسلت سعدية بغضب عارم لا يتوقف: جه واتجوزك وعملك هانم وداكي كل البلاد، ماحرمكيش من حاجة، علمك ورفعك يا جاهلة وخلاكي زي أخواته! ياجاحدة، يا معدومة الأصل ده انتي ماكنتيش بتعرفي تكتبي وتقري غير اسمك يا عديمة الشكر، يا ناكرة الجميل!
بنبرة متعجبة تحمل أقصى درجات القسوة والغضب، وعينها تترقرق بالدموع، أكملت دون توقف:
ده لو طال يجيبلك نجمة من السما كان جابها لك! والله ما كان أخرها عليكِ... ده يا بت اللي نفسك فيه واللي مش نفسك فيه كان بيجيبه ويحطه تحت رجلك! شغل إخواتك وعلّمهم، ونظف إخواتك وأبوكِ وأمك، وجاب لهم بيوت! كان بيقف في وسط أهله عشان خاطرك... ولو حد قال لنا كلمة، شوفي كان بيعمل فيهم إيه! وعشان ياخدك من أساسه زمان، عمل إيه؟! وتنازل عن إيه؟! يا قليلة الأصل... يا واطية!
لفتها أمامها بعنف وأكملت بتهكم، وغضبها يتفجر ممزوجًا بتعجب مكتوم. قبضت على كلا كتفها بقسوة اكبر واصلت بحنق واستهجان: وعشان الراجل بس تعب شوية وبقى خايف عليكي، تقولي له: إنت مريض ومجنون ..تتهميه بالجنان؟ آه يا قليلة الأصل يا واطية. تفو عليكِ وعلى تربيتك الزبالة! والله أنا اللي معرفتش أربيكي، انتِ اللي زيك يا بت تقعدي تحت رجل جوزك وتبوسي رجله صبح وليل على كل حاجه عملها... انتي اللي زيك تقعد طول حياتها تصلي وتحمد ربنا إنها خرجت بالسلامة من اللي كانت فيه هي وجوزها.
نظرت إليها بتعجب وهي تضع يدها تحت ذقنها بشدة كأنها تحاول السيطرة على غضبها الذي يتفجر في كلماتها:
إنتِ يا بت ليكِ نفس تخرجي؟! وبنتك ماتت مقتولة وهي لسه في بطنك! وشفتي الموت بعينك وبردو ماتعظتيش ونفسك جيباكي تخرجي وتشوفي الدنيا؟! آه يا بجحة! يا عديمة الدم والإحساس!!
تقدمت نحوها بخطوة، وكأنها ترميها باتهامها:
وبعدين مريض ليه؟! ده انتِ اللي مريضة، ماعندِكش دم ولا إحساس! الراجل خايف عليكِ، بيحميكِ، ده أنتوا لسه ماعرفتوش مين اللي عمل فيكم كده، مش يمكن يكون مراقبكم بره ومستني الفرصة عشان يئذيكِم أكتر!"
رفعت صوتها وهي تهزها بقوة:
إيه يعني مابيخرجكيش؟! إيه يعني مش عايزك تشوفي الشارع؟! فاكرة لو كنتِ اتجوزتي واحد مننا كان هيخرجك؟! ده كان زمانه مقعدك في البيت، وبيديكي بالجزمة لو فتحتِ بُقك! إحنا من إمتى كان لنا بالخروج والسهر والسرمحة في الشوارع يا ست ماسة؟! ولا انتي عشان سليم دلعك وسفرك بلاد عمرك في حياتك ماكنتي تحلمي فيها بقيتي فاكرة إنك حاجة كبيرة؟! لا يا حبيبتي، لو إنتي أخدتي على الدلع ده، أنا عندي استعداد أقوله يربيكِ! ولو هو ما أدّاكش بالجزمة، أنا هديكي بيها! لأنك فعلاً مش متربية!
كانت كلماتها كسياط حارقة، مليئة بالغضب والقسوة، تسحب ماسة من أي محاولات للهرب من مواجهة ماضٍ بدأت بنسيانه ولم تكن تريد تذكره.
نظرت لها ماسة بعيون غارقة في الدموع، تستمع إلى كلماتها التي كانت تسقط على قلبها كالجمر. بصوت مختنق بالألم، قالت:
يا ماما... حرام عليكِ! اية إللي انتِ بتقولي لي ده؟! انتِ ظلماني!
لم تتركها سعدية تكمل، بل صفعتها على وجهها بقوة، صوت الصفعة صدح في الغرفة كأنه إعلان عن حكم قاسٍي. صاحت أمها بغضب يكاد يحرق الهواء:
لا يا أختي، مش ظلماكي! مش ظلماكي يا قليلة الأدب والأصل! اللي تعمل اللي انتي بتعمليه ده، وتتغيري على جوزك اللي عامل منك هانم وتعامليه بسافله، تبقى قليلة الأصل وتربية والأخلاق! فاهمة؟!
انهارت ماسة بالبكاء أكثر، صوتها المرتجف بالكاد يخرج:
أنا... أنا استحملت سنة! سنة كاملة، متكلمتش! كنت ساكتة!
لكن كلماتها لم تجد الرحمة في عيني سعدية، التي استمرت نظراتها تشتعل بالغضب والاتهام، وكأنها لا ترى أمامها سوى انعكاس لخيانة ابنتها وجحودها في حق زوجها لا يمكنها تحمله أو التغاضي عنه.
خبطتها سعدية على كتفها بقوة: وانتِ يا بت، عشان استحملتي سنة، يبقى خلاص؟ والله العظيم يا ماسة، لو مابطلتيش ردك ده وكلامك المستفز ده... لأضربك وأهينك يا بنت بطني.
اقتربت سلوى التي كانت تشاهد كل ما يحدث بغضب واضح وعدم رضا على تصرفات سعدية، وقالت بتهكم وهي تحاول كبح مشاعرها:
على فكرة يا ماما، اللي انتِ بتعمليه ده غلط! انتِ بتعملي إيه؟ بتزرعي في دماغها إيه؟! حرام عليكي.
نظرت إليها سعدية بشراسة، وصاحت بغضب:
حرمة عليكي عشتك ياختي، كلمة كمان يا سلوى، وحياة ربنا، هديكي بالشبشب على وشك! طب والله العظيم، ما انتِ شايفة الشارع تاني إنتي كمان! وريني هتعملي إيه! مش بقول لكم، خدتوا على الصياعة، نسيتوا أصلكم! أنا بقى هفكركم بأصلكم يا سفلة! بدل ماتعقلي أختك، عمالة تسخنيها على جوزها! إحنا من إمتى عندنا الأفكار دي يا أختي؟!
حاولت سعدية ان تضربها لكن امسكتها ماسة برجاء بنبرة مبحوحة: ماما وحياتي ماتضربهاش.
أشارت سعدية بيدها بعصبية، وكأنها تحكم قبضتها على الوضع:
بت، أنا مش جاية لك تاني، ولا أختك دي جاية لك تاني! هتروحي تعتذري لجوزك وتبوسي رجله، وتتأسفي له على اللي حصل، وتنسي موضوع الجامعة والتعليم ده من حياتك! لا خروج، ولا مناقشة، اللي جوزك يقول عليه، تقولي حاضر وأمر. فاهمة؟!
تقدمت بخطوات ثقيلة نحو سلوى، وصاحت:
يلا يا حلوة، قدامي! وانتِ كمان، مفيش جامعة ولا خروج!، وأي كلام تاني، هوريكي!
أسرعت نحوها ماسة مسرعة، ووضعت يدها على صدرها كأنها تحاول تهدئة دقات قلبها الموجوعة، وقالت بصوت مختنق، والدموع تبلل وجهها:
ماما... عشان خاطري، مالكيش دعوة بسلوى... أنا هعمل اللي انتي عايزاه. أنا غلطانة فعلاً بس سلوى تدخل جامعة عشان خاطري.
نظرت سعدية إلى ماسة بغضب عارم وقالت بلهجة قاسية:
مالكيش دعوة بسلوى، واعرفي طول ما انتِ مزعّلة سليم منك وقليلة الأصل وناكّرة حقه كده، أنا مش داخلة بيتك ده تاني! دي آخر تربيتي فيكِ يا ماسة! يا خسارة تربيتي... بقى كده يا ماسة؟ عشان الراجل تعب شوية تعملي كده؟! والله العظيم طلعتي واطية! تفوو عليكي! مالكيش كلام معايا تاني، فاهمة؟!
أمسكت سعدية بكتف سلوى وسحبتها نحو الخارج بعنف، غير آبهة بتوسلات ماسة التي لحقت بها، تبكي وتعتذر بصوت مكسور:
ماما... عشان خاطرِك، ماتزعليش مني! والله ما كان قصدي... أنا آسفة، ماما!
توقفت سعدية للحظة، والتفتت نحوها بتهكم:
بس يا بت، ماتخلينيش أزعق واحنا هنا! يلا، ادخلي أوضتك وماتتأسفيش ليا اتأسفي لجوزك وراضيه يا ماسةهانم.
حاولت سلوى تهدئة الموقف، ونظرت إلى ماسة بنظرة حانية:
ماسة، أمك دلوقتي متعصبة. خشي أوضتك، وأنا ههديها وهكلم بابا وأشوف حل في الموضوع ده.
توقفت ماسة مكانها، تنظر إليهما وهما تتحركان أمامها، تشعر بالعجز والضياع. كانت تود أن تتكلم، ولكن حضور أفراد عائلته كان يجعل الوضع أكثر تعقيدًا
مسحت دموعها بسرعة، وكأنها تحاول أن تخفي كل ما في قلبها واتجهت إلى جناحها، حيث أغلقت الباب خلفها .. جلست على الأرض تبكي بحرقه.
مجموعة الراوي الثانية مساءً
مكتب سليم
نرى سليم يجلس خلف مكتبه بثقل، عينيه شاردتين في الفراغ بينما كان المدير ورشدي يتبادلان الحديث، والجو حوله يفيض بالهدوء والرصانة. لكن ذهنه كان غارقًا في بحر من الأفكار المضطربة، يواجه عاصفة داخلية لا يستطيع إيقافها. لم يعد يستطيع التركيز في الاجتماع، ولا على تفاصيل الأوراق التي أمامه. كان قلبه معلقًا بما حدث بينه وبين ماسة، وكأن الزمان توقف لحظة في ذهنه. وجهه شاحب، وعيناه تائهتان، لا تريان إلا الضباب الذي يلف أفكاره. حاول أن يبدي اهتمامًا بما يُقال، لكنه كان يستمع لصوت بعيد لا يعبره. مشاعر الحيرة والقلق تجتاحه، وكأن العالم من حوله يتلاشى في ظل تلك الفوضى العاطفية التي لا يستطيع الهروب منها.
كان المدير يتحدث، لكن سليم كان في عالم آخر.
المدير متساءلا: إيه رأيك يا سليم بيه؟
لكن سليم ما زال غير منتبها، فتبادل نظرة مع رشدي ثم قال: سليم بيه
انتبه سليم نظر له: إيه؟ أنت قلت إيه؟معلش ماخدتش بالي
المدير: كنت بكلمك عن العرض اللي جابه رشدي بيه...
سليم نظر لرشدي: كنت بتقولي إيه يا رشدي؟
رد رشدي بسرعة، محاولًا لفت انتباه سليم:
مستر زازو برنارد عايز يشاركنا، هيدينا خامات ببلاش مقابل إنه يشترك بالخامات فقط.
سليم هز رأسه بإيجاب: تمام، سيب لي الأوراق أدرسها وأشوف.
ثم تدخل مدير آخر: العرض ممتاز جدًا لأنه هياخد نسبة صغيرة مقابل الخامات اللى هنستوردها.
سليم تنهد بتعب، وكان لا يزال غير قادر على التحدث بشكل جيد، فرفع يده وقال بصوت منخفض: بعدين... مش قادر أتكلم دلوقتي. خليني أفكر شوية، وهرد عليكم. معلش، سبوني لوحدي.
واكتفى بتوجيه نظره بعيدًا عنهم، غارقًا في أفكاره المشتتة
نهض المدير ولكن تبقى رشدي.
رشدي بتصنع الإهتمام تسال بخبث: مالك؟ زعلان من ماسة؟
عقد سليم حاحبيه متعجباً ماسة اشمعنا.
نظر له رشدي بنصف ابتسامة خبيثه: اصلك مش بتبقى كدة الا لما بتكونوا زعلانين او بتحديد مزعلها.
سليم مد وجهه بنفي: تؤ، المشروع جديد شغلني.... من فضلك، سبني لوحدي.
رشدي تبسم: تمام، أيها الأمير الصغير.
خرج رشدي وهو يقلب وجهه بضيق..
فيلا عائلة ماسة.
الصالون الثانية مساءً
نرى مجاهد جالسا في الهول يشاهد مباراة كرة قدم بعد قليل تدخل سعدية وهي تسحب سلوى من يدها وهي غاضبة.
سلوى بضجر: يا ستي أوعي كده، انتِ ماسكاني كده ليه؟
سعدية بغضب: اخرسي خالص بدل ما أديكي على وشك!
سلوى بتهكم: تديني على وشي ليه؟! عشان قولت كلمة حق يعني؟
سعدية بتهكم: كسر حقك يا سلوى! والله لو ماتلميتي هتشوفي أنا هعمل فيكِ إيه!
التفت مجاهد منتبهًا للصوت العالي اقترب منهم:
في ايه يا سعديه صلي على النبي براحه؟! ايه يا سلوى، مزعلة أمك ليه؟
سلوى بتوضيح غاضب: أنا مش مزعلاها ولا عاملة لها حاجة، هي اللي عمالة تعمل مشاكل!
أمسكت سعدية بشعر سلوى وهي تهزها قال بغضب:
أنا عايزة أعمل مشاكل يا سافلة يا مجرمه؟ وحياة ربنا، أنتِ ماتربيتيش يا سلوى! انا بقى هربيكي من أول وجديد!
سلوى وهي تبكي: بقيت قليلة الأدب عشان بقول الحق؟
مجاهد بضجر: في إيه؟! ما تفهموني، وسيبي شعرها يا سعدية، البت كبرت!
سعدية بتهكم وهي مازالت تمسكها من شعرها: كبرت بس ماتربتش! نسيت نفسها هي وأختها...نسيوا أصلهم إيه وبقوا إيه؟! ما هو كده الخسيس لما ربنا بيكرمه بشوية فلوس بينسى أصله! اتفو عليكي يا واطية.
ثم قامت بدفعا بقوة، وضربتها على كتفها
تنهد مجاهد بضجر: في إيه يا سعدية؟ صلي على النبي مش كدة استهدي بالله، عملوا إيه العيال بس؟
نظرت سعدية لسلوى وهي تقول بسخرية متهكمة: قولي له يا غندورة عملتي إيه؟ قولي يا سافلة يا عديمة التربية!
سلوى وهي تبكي: كل ده عشان قلت إن ماسة عندها حق في اللي عملته مع سليم وإنه فعلاً مريض؟
سعدية ضربتها على كتفها بقوة: ماتقوليش كلمة مريض قصادي يا بت! بدل مديكي على وشك!
أكملت بتهكم: أهو، أنتِ اللي مريضة! ومتربتيش، الراجل المحترم اللي مش عايز مراته تتسرمح في الشوارع بقى بالنسبالك مريض؟ هنبقى نشوف رأي مكي في الكلام ده إيه!
سلوى وهي تمسح دموعها: ماتدخليش مكي، مالوش علاقة!
سعدية: ليه يا أختي؟ بلاش ده مش صاحبه.
مجاهد باختناق: يا سعدية، اسكتي بقى، خليني أفهم!
سعدية وهى تنغزها من ظهرها : ماهي عندك اهي! افهم منها! اتفو عليكي والله ماهتشوفي الشارع تاني يا سلوي، نسيت نفسها لولا الملامة كنت جبت التانية وحطتها تحت رجلي بس أعمل ايه؟! في عصمة رجل متستهلهوش.
مجاهد بغضب: انتى هتسكتي والا لا.
سعدية جلست: سكت اهو لما أشوف هتعمل ايه؟!
جلس مجاهد وحاول تهدئتها: سلوى تعالي أقعدى هنا وفهمينى في ايه؟!
جلست سلوى قالت بتوضح منفعل: يا بابا، ماسة وسليم حصل بينهم مشكلة بسبب إنه حابسها طول الفترة دي، ومش عايزها تخش الجامعة معانا!
مجاهد بحكمة: يا بنتي لو هو مش عايزها تدخل الجامعة مراته وهو حر فيها، محدش يقدر يتكلم!
سلوى باعتراض: ده حتى مش عايزها تخرج، عايزها تفضل محبوسة! ده حرام، فات كتير أوي وماسة قالتله يروح لدكتور نفسي، وماما بهدلتها، قالتلها: إنتي عديمة الأصل ومش محترمة ونسيتي نفسك، وكلام يوجع القلب. وأنا قلتلها: حرام عليكِ، الكلام اللي بتزرعيه في دماغها ده غلط، وسليم كمان غلطان.
حاولت سعدية التحدث، لكن مجاهد قاطعها بنظرة حادة: عليا الطلاق لو اتكلمتي بعدها! ما هتباتي فيها، ماتفتحيش بقك.
سعدية: طب طب أهو إنت اللي بوظت دماغهم.
تنهد مجاهد ونظر لإبنته وقال بحكمة:
بصي يا سلوى، إنتي كبرتي يا حبيبتي وعلى وش جواز. مش عيب إن الست تسمع كلام جوزها، العيب لو وقفت قصاده وحطت راسها براسه وقالتله "لأ". سليم طول فترة جوازه بأختك وهو شايلها من على الأرض شيل، ولو يطول كان يحطها فوق دماغه. أختك سرها معاكي، واللي بقوله ده صح ولا غلط؟
هزت سلوى رأسها بإيجاب بتفسير توضح موقفها: أنا ماقلتش حاجة. سليم طول فترة جوازهم وهو كويس معها وبيموت في التراب اللي بتمشى عليه، يمكن بعد الحادثة بشوية بقى عصبي ومش طايق حد، بس ده طبيعي. اللي مش طبيعي إنه لحد دلوقتي عايز يحبسها كأنها مسجونة.
مجاهد بحكمة: هو عايز كده، هنقول له "لأ"؟ مراته، وهو حر فيها. خايف عليها. هي كمان لازم تتحمله حتى لو غلطان. يا بنتي، الست الأصيلة بتتحمل جوزها، وتقول له حاضر ونعم. هو ماخانهاش، ما شتمهاش، ماضربهاش، مابطلش يصرف عليها، ومابيعيرهاش بأصلها. راجل كويس، كل مشكلته إنه عايزها تفضل في البيت عادي حر.
سلوى باعتراض: يا بابا، حر إزاي؟
تبسم مجاهد واسترسل بحكمة: يا بنتي، إيوه، حر وحقه شرعاً، إنتي لما تتجوزي مكي، ويقول لك ماتخرجيش وماتروحيش عند أهلك حتى، ده حقه منقدرش نقوله حاجة. ربنا سبحانه وتعالى أداله الحق ده، هو بقى هيتحاسب عليه لانه منعك من اهلك.. الزوج يا سلوى لازم يتقال له "حاضر" و"نعم"، حتى لو قليل أصل وواطي ومطلع عين مراته، لازم يتقال له "حاضر" و"نعم" طاعته واجب، إلا تبقى ناشز وربنا يغضب عليها والملايكة تلعنها، حسابه عند ربه، إنما واحد زي سليم بيعمل كل حاجة كويسة لأختك، بس مش عايزها تخرج، ده منقدرش نقول عليه راجل قاسي او شديد او مريض، هو راجل محترم وكويس وليه أسبابه، هو خايف عليها واللي حصلهم مش هين يا بنتي، إيه المشكلة لما تتحمل حبه كمان، الست الجدعة المتربية تتحمل جوزها وتقول له عيني هعملك اللي يرضيكي ويريحك، هو مابيقولهاش تعمل حاجة حرام، ولا منعنا نشوفها، الراجل كويس معاها...
عقد حاجبيه وتسأل بحكمه:
تفتكري يا بنتي؟ لو أنا شايف إن سليم راجل مش وحش وغلطان؟ طول السنة اللي فاتت دي، أنا كنت هسكت؟! طبعاً لا، كنت هتكلم معاه، بس أنا عارف ومقدر فاهم وجعته، لأنه بيعمل كل حاجة من وجع قلبه. ربنا لوحده اللي عالم بحسرت قلبه ووجعه، كل اللي بيعمله ده من وجعه وحسرته. على بنته اللي اتاخدت منه في لحظة، اللي كان مستنيها بقاله سنين، على حياته اللي اتدمرت، على حياته اللي بقت بين الحياة والموت. مراته نفسها كان ممكن تموت، وأنه كمان اتحرم من الخلفة، اتحرم يعرف يلعب براحته ويجري براحته. وتسببوا في مشكلة لرجله، كل ده مش عايزاه يبقى مجنون؟ ده غير إللي عمل فيهم كل ده، لسه عايش ومش عارف عنه حاجة..
وبعدين، هو مش من كم شهر وصل لواحد واتقتل قصاد عينه، يعني لحد دلوقتي هم مراقبينه. أنتي مش خايفة على أختك؟ أنا خايف على بنتي، تخرج يحصل لها حاجة. هو كده فاهم وعارف إن ماسة أمانها في البيت. أنتي لازم تعقليها يا سلوى، أنا عارفة إن أنتِ زعلانة على ماسة، نفسك تخرج وتروح وتدخل الجامعة زي ما كان نفسها، بس أختك تخش الجامعة وتخرج، والا يحصل لها حاجة تانية؟
سلوى بخوف: لا طبعاً بعد الشر عليها بس ممكن مايكونش في حد مراقب.
مجاهد بهدوء: بس برضوا ممكن يكون فيه يا بنتي؟!
سلوى: بس الحراس هيكونوا معاها!
مجاهد تنهد: الحارس الحقيقي هو ربنا. لو مكتوب لها حاجة، هتيجي لها، حتى وهي في أوضتها بس العقل بيقول ايه ؟!وربنا سبحانه وتعالى قال ايه؟! لازم نحرس مانرميش نفسنا في النار ونقول ربنا هينقذنا ربنا إدانا العقل عشان نفكر بيه، العقل دلوقتي بيقول ايه؟! نستنى شوية، وبعدها نتكلم معاه، ونشوف وجهة نظره.
سلوى بتصميم: بس أنا شايفة إنه مش طبيعي يفضل يحبسها كده.
مجاهد بعقلانية: الجواز حياة كبيرة ومسؤولية، مش كل حاجة دلع وخروج. الست اللي تقف لجوزها على حاجات تافهة، ماتنفعش معاه ماتستاهلش انها تتجوز ولا تفتح بيت، ولو فضلتي تفكري كده مش هتعيشي كويس يا سلوى يا بنتي.
التفت لسعدية وقال بتنبيه ممزوج بشدة:
وانتِ يا سعدية، بالراحة على البنات، هما صغيرين وماشافوش الدنيا، ماينفعش نبهدلهم كده. سلوى شافت شوية وفهمت، لكن ماسة اتجوزت 15 سنة عيلة وجوزها كان مدلعها على الآخر، وهي طول عمرها حساسة، وبتشيل كل حاجة جواها. لو قفلت، قفلتها وحشة.
سلوى بضيق: ماما بهدلتها ووجعتها بكلامها. قالت كلام مايتقالش! لدرجة ان هي عايرتها ببنتها.
مجاهد بعتاب: يا سعدية، حرام عليكِ. ماسة موجوعة على بنتها اللي راحت. الكلام اللي قولتيه يزيد وجعها.
سعدية باستهجان: أنا قلت الكلام ده عشان أعقلها. الست الجدعة تفضل حزينة على بنتها مش زعلانة عشان جوزها منعها من الخروج.
مجاهد بغضب وعدم رضا: جدعنة إيه اللي بكلام زي ده؟ بالراحة في الكلام يا سعدية. ماسة محتاجه حد يطبطب عليها، مش حد يوجعها أكتر وانت يا سلوى مش معنى الكلام إنك ماغلطتيش لا إنتي غلطتي وأمك عندها حق.
سلوى بتوتر وخوف: يعني إيه؟ مش هتخلوني أشوف الشارع ولا أروح الجامعة؟
مجاهد بحدة: اطلعي اوضتك دلوقت يلا.
سلوى برجاء: يا بابا.
مجاهد بشدة: قلت اسمعي الكلام.
تنفخت سلوى بضيق وصعدت الدرج.
نظر مجاهد لسعدية وقال بهدوء، مع إشارة بسيطة بيده: بالراحة عليهم.
سعدية بتهكم، رفعت حاجبها وغيرت نبرة صوتها:
بالراحة؟ بناتك دول ماينفعش معاهم بالراحة، دول عايزين كسر راقبيهم، نسيوا نفسهم ونسيوا أصلهم، كانوا خدامين، مالهمش لازمة. مداس للبهوات اللي زي سليم، عشان الراجل منعها شوية من الخروج بقى وحش ومريض ومجنون وعايز يتعالج؟ والثانية بدل ما تعقلها، بتقويها السافلة.
مجاهد بتأييد: هما غلطانين، بس بالراحة،
(مع تنهد خفيف..)أنا بكره هروح لماسة، وإنتِ متتكلميش معاها في موضوع بنتها تاني، مع نبرة حازمة. حرام عليك، إنتِ عارفة قد إيه ماسة اتوجع قلبها على بنتها.
سعدية بضجر: كان لازم أقول لها الكلام ده عشان تعقل.
يا مجاهد بناتك نسيوا نفسهم، وأنا أهو بقول لك، مالكش دعوة. أنا بعرف أتعامل معاها.
قصر الراوي
جناح سليم وماسة، السادسة مساءً
نرى ماسة تجلس على الفراش، تضم قدميها إلى صدرها، دموعها تتساقط بصمت عيناها الحمراوان تحملان آثار يوم طويل من البكاء والحيرة. صوت والدتها كان يتردد في رأسها، يخترق كل أفكارها كأنها أُعيدت آلاف المرات:
سليم عمل لك كتير... إزاي بعد كل ده مش قادرة تتحملي؟
شعرت بوخز مؤلم في قلبها، وبغصة في حلقها، وكأن كلمات والدتها أصابت جزءًا حساسًا فيها، ربما كانت والدتها محقة! ربما كانت فعلاً "قليلة الأصل! كما تساءلت لنفسها بمرارة، سليم لم يكن مجرد زوج عادي، كان كل شيء، بل الرجل الذي قدم لها الكثير والكثير منذ دخوله حياتها، حولها من خادمة يائسة إلى هانم، سيدة مرفهة، لم يبخل عليها بشيء من حب، و وقت، واهتمام وأمان، كان يضعها في المركز الأول دائمًا، كأنها محور الكون ..
أمن لها حياة مترفه، تعيشها وكأنها في حلم لا ينتهي. حتى بعد الحادثة التي كادت تفقدها حياتها، ظل يحميها، يبني حولها جدرانًا من الأمان والحنان وكان لها السند الذي لايميل..
قالت مؤنبة نفسها:
إزاي بعد كل ده أكون مش قادرة أتحمله وهو في أسوأ حالاته؟ هو خايف عليا...
لكن، في نفس الوقت، كان هناك صوت آخر داخلها. صوت رفض أن يستسلم. صوت حمل نبرة غضب وتمرد: لا هو مش خايف هو حبسنى، سجني، ده مش خوف، ده جنون، ومرض، لو قبلت اكتر من كدة هبقى بموت نفسي.
فكرت ماسة، وهي تتذكر كلماته حينما أغلق أبواب القصر عليها: أنا مش هسمح لأي حد يقرب منك تاني. مش هخليكِ تواجهي خطر زي ده أبداً!
كانت عيناه حينها مليئة بالخوف والغضب. لم تستطع أن ترفض وقتها. شعرت بحبه، بحاجته لحمايتها، لكنها الآن... الآن وبعد شهور من الحبس، بدأت تتساءل:
هو ده حب؟ ولا ده خوف؟ ولا فعلاً سليم بقى مريض؟! ولا انا ظلماه؟!
حاولت أن تقنع نفسها:
أنا غلطانة... هو عنده حق. العصابة دي لسه مجهولة، ولسه محدش عارف مين هما، لو خرجت فعلاً ممكن يحصل لي حاجة. لازم أتحمل أكتر، ده أقل حاجة أعملها عشانه...
لكن في نفس الوقت، كان هناك صوت آخر داخلها، صوت مليء بالتمرد والغضب:
هو مش بيحميني... هو حابسني! أنا إنسانة، مش لعبة يتحكم فيها. الحب الحقيقي مش كده. أنا بحبه، بس ده كتير أوي. إزاي أعيش كده وأنا محبوسة في القصر زي السجينة؟
استمعت لتردد صوت والدتها وهو يتسرسب في أذنها وهي تقول لها: انتي عديمة التربية انتي أنانية ونسيتي نفسك وأصلك، انتي قليلة الأصل ..
بس سرعان ما استمعت لصوت الرفض وتمرد:
لا! أنا مش قليلة الأصل. أنا اتحملت كتير! سليم مش بيحاول يساعد نفسه، وكل يوم حاله بيسوء أكتر، وأنا اللي بأدفع التمن. ده مش ذنبي! أنا مش غلطانة لو رفضت أكمل بالشكل ده.
كانت أفكارها تتصارع بشدة، كأنها في معركة لا نهاية لها. بين لحظة وأخرى، كانت تميل لفكرة أنها المخطئة، وتلوم نفسها:
يمكن أكون قليلة الأصل فعلاً. بعد كل اللي عمله عشاني، مش قادرة أتحمله في خوفه وحزنه.
لكن سرعان ما يعود الصوت الآخر ليصرخ داخلها:
لا! انتي مش قليلة الأصل. اللي بيعمله ده بيضرنا إحنا الاتنين. حبه وخوفه اتحولوا لحاجة بتخنقني. ولو استسلمت، مش بس أنا اللي هتدمر، هو كمان.
عادت إلى لحظة الحادثة التي فقدت فيها ابنتها، والدموع تملأ عينيها من جديد. المشهد ما زال عالقًا في ذاكرتها: صراخ، دماء، خوف، رصاص. ربما لو لم تكن موجودة وقتها لما حدث هذا كله. ربما كان سليم محقًا في قلقه عليها.
لكن هل يعني هذا أنها يجب أن تعيش للأبد خلف جدران القصر؟ أن تصبح أسيرة خوفه؟
كانت عالقة في دوامة، تتأرجح بين هذا وذاك. أفكارها كانت كالأمواج المتلاطمة، تضربها من كل جانب. "أنا قليلة الأصل... لا، أنا مش قليلة الأصل. أنا بحبه لازم أتحمل... لا، أنا عايزة أعيش.، فجاه وضعت يدها الاثنين على أذنيها كأنها تحاول ان تهرب من تلك الأصوات ثم صرخت ب ااااااه
في النهاية، بعد ساعات من التفكير، بدأت تصل لحقيقة ما. لم تكن قليلة الأصل كما ظنت للحظة، هي تحبه، وهذا ماجعلها تستمر طوال الوقت، لكن ربما كان يجب أن تتحمل أكثر. أن تصبر أكثر. أدركت أن الحب الحقيقي ليس فقط أن تقف بجانبه في سعادته، بل أن تصمد معه في ضعفه، حتى لو كان ذلك يعني أن تكتم ألمها قليلًا وتتحمل.
مسحت دموعها، وأخذت نفسًا عميقًا. ربما لم تجد الإجابة الكاملة بعد، لكن شيئًا واحدًا أصبح واضحًا: هي ليست مخطئة تمامًا، لكنه أيضًا يستحق فرصة أخرى منها، فرصة أخيرة للصبر والحب.
💞________________بقلمي_ليلةعادل
قصر الراوي
جناح سليم وماسة العاشرة مساء
نشاهد ماسة ترتدي فستان يومي لطيف وتضع قليلًا من المكياج. بعد فترة، يدخل سليم الجناح. وعندما رأته، توقفت وتوجهت نحوه، ثم قامت بضمه من الخلف.
ماسة بأسف: سليم أنا آسفة، حقك عليا.
رفع سليم حاجبه بضيق، ثم نزل يديها.
ماسة متعجبة توقفت امامه: مالك؟ أنا بقول لك آسفة وبصالحك.
سليم بجفاء: أنا مش متقبل أسفك، ولا هقبله.
عقدت ماسة حاجبيها بحزن: ليه كده؟
سليم بخذلان: لأنك مش مقتنعة إنتِ شايفاني مريض ومش طبيعي ومجنون. واضح في عينك إنك مش مقتنعة بأسفك. هو أنتِ أصلاً حاسة إنك مش غلطانة.
ماسةبإصرار: أنا غلطانة ياسليم غلطانة وزعلانة و والله العظيم آسفة.
سليم بنصف إبتسامة لم تصل لعينه: يا ترى اقتنعتي امتى بعد كلام مامتك؟
ماسة متعجبة وعقدت حاجبيها: مش فاهمة إيه اللي بتقوله ده.
سليم بتأثر ملموس وبنبرة جادة: اللي أنا بقوله إني زمان لما كنت بأعتذر، كنت عارف إني غلطان. ماكنتش بستنى حد يقول لي إني غلطان عشان أعتذر لك، لأنك ماكنتيش بتهوني عليا يا ماسة، ماكانش بيهون عليا أعدي يوم واحد وانتي زعلانة مني، لكن أنتي استنيتي والدتك تيجي، واتكلمتي معاها، وحكيت لها اللي حصل، وأكدت لك إنك غلطانة ولازم تعتذري لجوزك. فاعتذرتي، أوعي تقولي ماحصلش.
ماسة بتفسير: حصل، بس مش زي ما أنت فهمت أنا هفهمك.
سليم متعجبًا: تفهميني إيه ياماسة، لو كنتِ عايزة تصالحيني، كنتي اعتذرتِ، كان قدامك طول الليل امبارح، وكان قدامك طول اليوم النهاردة. لكن انتي اعتذرتِ بعد ما مامتك مشيت، وأنا مابقبلش اعتذار مش من القلب.
مرر عينه عليها بحزن شديد، وبنبرة متأثرة ممزوجة بالأسف وقال:
عارفة، كان ممكن أقبل أسفك في حالة واحدة، حتى لو كان عشان ترضيني وبس، حتى لو من جواكِ مش راضية. لكن حبك ليّا كان دفاع، عشان تهدي الموضوع بينا. بس ده ماحصلش. عشان كده يا ماسة، أنا آسف، مش هقبل أسفك... أنا مش قادر أصدق إنك مستنية حد يحنن قلبك عليّا، أنا والله مصدوم فيكِ.
ماسة وهي تبكي بوجع: هو أنتوا بتعملوا معايا كده ليه؟ محسسيني إني وحشة كده؟
سليم: ماقلتلكيش انك وحشة ومقدرش أقول كدة.
جلست ماسة على الأريكة، ثم قالت بحزن: أنا مش قليلة الأصل ولا واطية يا سليم، بس أنا تعبت. كان عندي أمل أدخل الجامعة، بس مش مهم، خلاص موافقة. بس مش قادرة أتحمل إني أكون محبوسة هنا أكتر من كده. هو ده اللي قلته لأمي، وهي قالت لي إنك غلطانة. هو ده كل اللي حصل.
سليم بنبرة حادة: والله يا ماسة، أنا بقالِي سنة بأقنعك، وأنتِ مش قادرة تقتنعي. خلاص مش هفضل أعيد وأزيد في نفس الكلام. حقيقي زهقت. اللي قلته هيتنفذ، حتى لو مش مقتنعة. المهم إني شايفه صح. أنتي مش مدركة حجم المأساة اللي إحنا فيها. مش هينفع أرمى ابني في البحر عشان عمال يعيط ويخبط في الأرض عشان أخلص من ذنه وأسيبه يغرق.
سليم بغضب شديد: مافيش بحر، يعني مافيش بحر. خليه بقى يقعد يتنطط ويعيط، لأنه مش فاهم إني بحميه مش مهم يتفلق..... أنتِ كمان مش فاهمة إني بحميكي. شايفة إني بأحبسِك، عشان كده بتقولي عليَّ مريض ومجنون؟ مش طبيعي؟ متحكم ومتملك؟ قولي كل حاجة أنتي عايزاها مش مهم، مش هيغير من قناعاتي؟ طول ما أنتِ مش حاسة بحجم المسؤولية والمصيبة اللي إحنا فيها، هتفضلي هنا، يا ماسة فاهمة..
تحرك خطوتين ثم عاد و نظر لها. قائلا بصوت منخفض، وهو يواجهها بحزن وألم:
عارفة إني ماكنتش أتخيل إنك هتبقي كده معايا. كنت متوقع إنك هتفهمي قد إيه أنا بحاول أحمِيكِ وأحمي اللي بينا. أنا مش قادر أصدق إنك مش شايفة حجم التضحيات اللي بأعملها علشانك. لو كنتِ شايفة إن كل ده ملوش قيمة، وحاسة إنك لوحدك في ده، أنا فعلاً مش عارف أعمل إيه عشان تقتنعي.
ثم نزّل عينيه وقال بصوت مكسور:
كنت فاكر إنك هتحسّي بيا وتفهميني، اللي عدا علينا مش قليل وكبير أوي، لكن شكلك مش قادرة تفهمي... مش عارف أقول إيه عشان يوصل لك إني مش عايز أشوفك متعذبة كده، أنا كنت دايمًا وطول السنين اللي فاتت بحاول أخليكِ سعيدة وفرحانة ومابيهونش عليا تنامي زعلانة مني لكن للاسف انا هنت وبزيادة.
تركها سليم وتوجه إلى الشرفة. وقف هناك، وأخرج سيجارة، وكان يظهر عليه الغضب والحزن الشديد.
بينما جلست ماسة تبكي بشدة، ومع مرور الوقت، ومع تعبها من البكاء، غفت أخيرًا. فقد مر وقت طويل منذ آخر مرة نامت فيها، وكانت قد سهرَت ليلتها. بعد فترة، دخل سليم الغرفة فوجد ماسة قد غفت. نظر إليها للحظات بحزن عميق، بدا أن آلامه وأحزانه أصبحت أكبر بكثير مما كانت عليه من قبل. أكثر ما كان يؤلمه هو أنها لم تحاول الاعتذار أو التوصل للمصالحة إلا بعد أن طلبت منها والدتها ذلك، وهذا جعله يشعر بالألم الشديد.
أخذ الغطاء وتمدد على الأريكة، فبدا أن الوضع بينهما يزداد سوءًا. في صباح اليوم التالي، ذهب سليم إلى العمل دون أن يترك لماسة رسالة أو وردة أو أي شيء ينهي الخلاف أو يقلل من الهوة التي بدأت تتسع بينهما.
استيقظت ماسة وشعرت بحزن شديد عندما اكتشفت أنه لم يكن بجانبها. وزاد حزنها أكثر عندما وجدت الغطاء على الأريكة، ففهمت أنه هو من تركه هناك. شعرت بحزن أكبر وأخذت تبكي، حتى أنها لم تقوَ على تناول أي شيء.
♥️_________بقلمي_ليلة عادل_________ ♥️
قصر الراوي الثالثة مساءً
نرى ماسة ترحب بوالدها أمام الباب بابتسامة حارة تضمر خلفها مشاعر متضاربة.
ماسة بإبتسامة: بابا! وحشتني، إيه المفاجأة الحلوة دي؟ تعالى.
مجاهد بحنو: إزيك يا حبيبتي؟ عاملة إيه دلوقت؟
ماسة: أنا كويسة، الحمد لله.
مجاهد: قلت أجي أشوفك كده، أمك قالت لي إنك زعلانة.
ماسة تبسمت بنفي: لا خالص، هي فهمت غلط. تعالى نتكلم فوق عشان ناخد راحتنا.
مجاهد وهو يبحث بعينه: الأول بس قولي لي فين سليم؟ عايز أسلم عليه.
ماسة: سليم في المجموعة، ملوش مواعيد،، دلوقت نبقى نكلمه واحنا فوق نشوف هييجي إمتى.اعمل حسابك هتتغدى معانا.
مجاهد: إن شاء الله. إنتي قاعدة لوحدك؟
ماسة مدت شفتيها: معرفش، يمكن.
توجها إلى المصعد حتى الطابق الثالث، حيث جناح سليم وماسة.
جناح سليم وماسة
دخلت ماسة الغرفة وهي تشير إلى والدها.
ماسة: تعالى يا بابا، ادخل.
دخل مجاهد وجلسا على الأريكة بجانب بعضهما.
ماسة: تشرب إيه؟
مجاهد: ولا حاجة.
ماسة: لا، ازاي؟
مجاهد بتوضيح: أنا قاعد شوية معاكي. خلينا نتكلم. مالك يا حبيبتي؟ أمك وأختك قالوا كلام مفهمتش منه حاجة غير إنك مزعّلة سليم. إيه اللي حصل؟ ده محصلش وإنتم صغيرين، تعملوا كده، وإنتم كبار وهو تعبان.
ماسة بحزن: هتسمعني ولا هتقول زي ماما: وتقولي اني ماعنديش أصل؟
مجاهد بحنان: قولي يا حبيبتي، هاسمعك.
بدأت ماسة تروي له ما حدث وهي متأثرة بشدة وعينيها مدمعة.
مد مجاهد يده على قدميها قال: بصي يا ماسة إنتي غلطانة يابنتي.
ماسة متعجبة عقدت بين حاجبيها: ازاي بس يا بابا، إنت شايف إن طبيعي أفضل سنة محبوسة؟ ومعترضش.
مجاهد بتوضيح بحنان الأب: لا يا حبيبتي، مقصدش إنه طبيعي تبقي سنة محبوسة. بس اللي مش طبيعي، يا بنتي، إنك تعملي مشكلة مع جوزك وتتهميه بالمرض والجنون عشان منعك من الخروج.
ماسة بتوضيح وحزن: يا بابا مكنتش أقصد ده أقصد أن خوفه الزيادة ده كله وهم وهواجس خلقها في دماغه مش حقيقية.
مجاهد عدل من جلسته وتساءل بحكمة: طب أنا هسألك شوية أسئلة يا ماسة، وتردي عليا بـ"آه" أو "لا"، ماشي؟
هزت رأسها بإيجاب بصمت.
مجاهد:هل سليم في مرة شتمك أو قال لك لفظ وحش؟
هزت ماسة رأسها بلا: لا.
مجاهد: طب يا حبيبتي، وقف مرة وعايرك بشغلك زمان؟ أو شغلنا أو أصلنا؟؟
ماسة: لا، عمره.
مجاهد: بيمد إيده عليكي؟
ماسة بنبرة مكتومة: برده لا.
سألها مجاهد بحنو: طيب في حاجة بيحرمك منها؟ في حاجة بتطلبيها ومابيجبهاش؟ بخيل عليكي بكلمة أو بطبطبة أو بأي حاجة نفسك فيها؟ بيزعلك مش حنين عليكي ؟! ردي.
ماسة بتأثر: لا، يا بابا، لا سليم حنين جداً واللي بطلبه بيجيبه مهما كان.
تنهد مجاهد بتعب قال بحكمة:
طب يا ماسة،قصاد كل ده عشان حاجة واحدة هو عملها ورافضها ؟ ننسى بقى كل حاجة حلوة عملها؟ كده يبقى إحنا فعلًا "ما عندناش أصل" وبننكر الخير وبننساه، وطماعين وانانين عايزين كل حاجة...
برزانة وعقلانية ركز النظر في ملامحها:
يا بنتي، ربنا رزقك بالراجل ما شاء الله، مش هقول لك بقى عشان غني، لا. أنا بتكلم على الأخلاق ومعاملته معاكي. سليم من وقت مادخل حياتك وهو بيعاملك حلو، وبيعمل أي حاجة عشان يشوفك سعيدة.
ماسة بتوضيح: ما أنا، يا بابا، بقالي سنة بقول "حاضر". وبعدين أنا ماعترضتش على أي حاجة غير إني نفسي أخرج حتى آجي عندكم.
مجاهد بحكمة نظر في وجهها وتحدث بحنان:
طب يا بنتي، لو الراجل فعلاً مريض وبقى عنده أفكار زي مابتقولي. نستحمله ولا منستحملوش؟ هتقولي استحملته سنة، يعني خلاص كدة عملتي اللي عليكي لا يا ماسة يا بنتي لا؟ سيدنا أيوب عليه السلام مراته فضلت مستحملاه سنين وهو مريض. ست أصيلة، مجاش عليها وقت قالت: أنا زهقت، كفاية، أنا استحملت سنين، لكن فضلت صابرة لحد ما ربنا شفاه...أنتي كمان لازم تعملي كده. استحملي جوزك، قولي له حاضر ونعم واللي إنت شايفه صح، تفضلي متحملة لحد ماربنا يهديه.ونيجي للحق يابنتي هو خايف عليكي. اللي حصل برده مش هين، يا ماسة. اللي مريتي بيه كان صعب. هو خايف يخسرك زي ماخسر بنته.. شاف الموت بعينه ..
مد يده وربت على كتفها بحنان وتأثر:.
وانتي يا حبيبتي، كل فترة كده، اتكلمي معاه بالراحة. مرة هتلاقيه بيتعصب، مرة هتلاقيه بيرد عليكي بهدوء، ومرة مش عايز يتكلم.. وأنا متأكد هيجي عليه وقت وخلاص هيرجع زي زمان ..
بعدين ماننساش أصلنا، إنت مش متربية مثلًا على الخروج والمرواح؟ طول عمرك جوه المزرعة، وسليم هو اللي خرجك و وراكي الدنيا اوعي تنسي إنتي كنتي ايه يا ماسة اوعي، وحتى يا بنتي لو كنتي واخدة على المرواح والمجي والخروج ومتربية زي اخوات سليم والعالم دول؟!!
مينفعش يا بنتي عشان جوزك مر بأزمة وتعب شوية تتكبري عليه! لا يابنتي، هو ده الوقت اللي بتبان فيه الست الأصيلة المتربية اللي بتحب جوزها وصايناه وتستاهل كل الحلو اللي جوزها بيعمله لها،
هو ده الوقت اللي بيثبت الست الأصيلة من الست اللي ما عندهاش أصل...
عارفة انتي هتكبري في نظره يا ماسة وهيحبك أكتر وأكتر ومن نفسه هتلاقيه بيقول ايه اللي أنا بعمله ده وهتلاقيه جاي لك ويقول لك تعالي نخرج لأنه شايفك قد ايه صابرة ومتحملة وشايلاه فوق راسك.
ماسة بتأثر: عندك حق. بس أنا مش قليلة الأصل، يا بابا والله.
تبسم مجاهد وهو يمسح على كتفها: يا حبيبتي، إنتي مش قليلة أصل، بس عشان لسه صغيرة، وسليم دلعك بزيادة وماحرمكيش من حاجة، بس أنا أهو بأسمعك وبفوقك، اللي انتي فيه ده يا ماسة، غلط وعيب كبير في حقنا كلنا يا حبيبتي.
ماسة هزت رأسها بإيجاب: حاضر، يا بابا، بس أنا صالحته وهو مارضاش يتقبل اعتذاري أصلًا.
مجاهد تبسم: حقه يابنتي زعلان، معلش بس إحنا لازم نجرب تاني وتالت وسليم بيحبك ولما يشوفك بتعتذري وحاسة بغلطك هيسامحك،زربنا يهدي سرك، يا حبيبتي.
ماسة بتحايل: طب بالله عليك يا بابا ماتخليش ماما تقعد سلوى من الجامعة أو تمنعها من الخروج أو أنها تجيلي هنا.
مجاهد بنفي: لا، سلوى لازم تتربى، لازم تتعلم إن الست لازم تتحمل جوزها. أنا مش عارف إيه الأفكار اللي جات لكم. نسيتوا أصلكم، نسيتوا الصح والدين بيقول إيه. أنتم لازم تراجعوا نفسكم تاني وتفتكروا أصلكم ودينكم بيقول إيه؟!
الراجل يا بنتي، طول ما هو مش بيحرم مراته من حاجة ولا بيمنعها عن أهلها ولا بيعايرها، وبيطبطب عليها وحنين عليها وبيتقِّي الله فيها يتقاله حاضر، وسليم بيعمل كل ده. لكن تطلعوا على الراجل انه وحش ومريض عشان بطل يخرجك؟! لا، ده أنتِ كده ساعتها هتبقي وحشة،وأختك هتبقى أوحش لأنها مش بتعقلك. وأنا أهو بأعلمك وبأعلم أختك الصح من الغلط. بصي يا بنتي، لازم تعرفي إن أنا مش هقبل عليكي الحاجة الوحشة ولو كنت شايف إن سليم غلطان والله كنت كلمته، بس الراجل مش غلطان و عداه العيب.
ماسة: ماشي يا بابا، أنا خلاص والله عرفت إن أنا غلطانة، بس ماتزعلوش سلوى.ما تاخدوهاش بذنبي هي بس زعلانة عليا.
مجاهد بحكمة: إحنا لازم نعلمها الصح يا ماسة، ماتقلقيش على أختك، يلا كلمي جوزك واطمني عليه.
تبقى مجاهد مع ماسة بعض من الوقت وتناولون الغدا مع بعضهما كان يحاول مجاهد ان يهدء من انينها
بعد مغادرة والدها، جلست ماسة في غرفتها وحيدة، تنظر إلى الفراغ وكأنها تبحث عن إجابات. كانت ساق واحدة ممدودة والأخرى مثنية قرب بطنها، تغرق في بحر أفكارها. استرجعت تفاصيل حديث والدها معها، وكلماته التي تركت أثرًا عميقًا في قلبها.
بدأت الأفكار تتداخل في رأسها؛ تذكرت والدتها، سلوى، وهبة، وكل المواقف التي مرت بها مؤخرًا. عقلها مشوش، وقلبها مثقل بالهموم. ما زالت كلمات والدها عالقة في ذهنها، تفتح أبوابًا من التأمل والحيرة.
ثم استرجعت مواقف سليم معها. تذكرت حزنه وألمه عندما كانت هي تتجاهل محاولاته للاقتراب. كان يريد منها أن تبادر بالمصالحة، وهي الآن تدرك تمامًا أنه كان محقًا. لو لم تكن كلمات والدتها قد أشعلت الموقف، لربما انتهت الأمور بسلام، لكنها تعرف أنها أخطأت في حقه.
تنهدت، ودموعها تنساب بهدوء، مسترجعة كل شيء: فقدانهما لطفلتهما قبل أن ترى النور، إصابة سليم التي كادت أن تأخذه منها، وكل الحب الصادق الذي كان يفيض به تجاهها منذ بداية زواجهما كان دائمًا يعاملها كأميرة على عرش قلبه المتيم بها رغم كل شيء مرا به.
نهضت فجأة وكأنها قررت أن تتحرك بدلاً من الاستسلام للأفكار. نزلت إلى المطبخ، وبدأت بتحضير وجبة بيديها، تريد أن تعبر له عن حبها واعتذارها بطريقة خاصة. بعد أن انتهت من الطبخ، عادت إلى غرفتهما، وأخذت حمامًا ساخنًا يزيل عنها التعب.
ارتدت قميص نوم رقيقًا، وزينت وجهها بمستحضرات تجميل خفيفة. رتبت الطعام على طاولة صغيرة، وأشعلت الشموع لتملأ الغرفة بجو رومانسي. جلست تنتظره بابتسامة هادئة على شفتيها، وقلبها ينبض بالتوقع، عازمة على أن تجعل تلك الليلة بداية جديدة لهما.
على الجانب الآخر، بعد وقت، وصل سليم إلى القصر.
كان في استقباله عند المدخل الخادمة سحر التي ابتسمت فور رؤيته.
سحر: حمدلله على السلامة يا سليم بيه.
سليم: الله يسلمك. ماسة هانم فين؟
سحر: في أوضتها.
سليم باهتمام: هي أكلت النهارده؟
سحر: أيوه، أكلت. باباها جه واتغدوا سوا وقعد معاها شوية.
ابتسم سليم باطمئنان: طيب، تمام. هاتيلي القهوة على المكتب، عندي شغل.
سحر: مش هتتعشا يا سليم بيه؟
سليم: تؤ، هتعشا معاهم. كلها ساعتين، ممكن تعمليلي تفاحة كده عشان آخد الدوا.
سحر: عيوني يا بيه.
دخل سليم مكتبه وجلس على المقعد. فتح اللاب توب وبدأ في العمل، بينما كانت ماسة في الطابق العلوي تجهز كل شيء لاستقباله. أعدت طعامًا بعناية، أشعلت الشموع، وشغلت موسيقى هادئة تضفي أجواءً رومانسية.
بعد وقت، عادت سحر بالقهوة والتفاحة إلى سليم، ووضعتهم أمامه.
سحر: اتفضل يا بيه.
سليم بتهذيب وهو يتحسس قدمه اليمنى بألم: من فضلك يا سحر، اطلعي فوق هاتيلي الدواء المسكن بتاعي.
سحر: حاضر يا بيه.
صعدت سحر إلى الجناح العلوي وطرقت الباب. فتحت ماسة الباب وبدا عليها الحيرة.
ماسة: نعم يا سحر؟
سحر: سليم بيه عايز الدوا بتاع رجله.
ماسة عقدت حاجبيها: هو سليم؟ رجع؟
سحر بتأكيد: أيوه، رجع من نص ساعة.
زمت ماسة شفتيها بضيق وأومأت برأسها.
ماسة: طيب، لحظة.
دخلت إلى الغرفة وأحضرت الدواء بعد قليل. مدت يدها لسحر.
ماسة: اتفضلي. لو سمحتي، ماتقوليلوش إن أنا عرفت إنه رجع. اديله الدوا من غير كلام. لو سألك، قولي له كنت في الحمام.
سحر: حاضر يا هانم.
أغلقت ماسة الباب وتنهدت بضيق، وهي تهمس لنفسها.
ماسة: ماشي يا سليم، حاضر.
توجهت إلى خزانة الملابس وبدأت في تبديل ملابسها استعدادًا للنزول إليه. كانت تحدث نفسها بهدوء، محاولة ترتيب أفكارها وطريقتها في لقائه بعد هذا الغياب الطويل.
في غرفة منى وطه،
دخلت منى وبدت عليها ملامح الغضب الشديد، بينما كان يتوقف طه عند التسريحة يخلع ساعته
أغلقت الباب بقوة واستدارت نحوه قائلة بصوت مرتفع:
منى بضجر: عايزة أعرف هيفضل الوضع ده لحد إمتى؟
نظر طه لها ببرود، ثم قال: أنهي وضع يا منى؟
منى بغضب: الوضع اللي إنت بتعمله!! النهاردة أنا طلبت منك فلوس، قلت لي مافيش، رغم إنك عارف إني محتاجها غير انك بقيت بتعاملني زي كرسي أو فازة من الفازات القديمة في القصر. إحنا بقالنا أكتر من ثلاث شهور بعيد عن بعض، وكل واحد فينا بينام في أوضته. مش مجبرة أستحمل الوضع ده أكتر من كده!
طه بهدوء: قلت لك قبل كده يا منى، علاقتنا انتهت.
منى بحزم: خلاص، طلقني.
طه مبتسمًا بسخرية: لا، ماليش مزاج. ولو مصرة أطلقك، رجعي كل حاجة أخدتيها، وساعتها هفكر في الطلاق.
منى بشدة: ماتتحدانيش يا طه! فاهم؟
أكملت بسخرية: بدل ما إنت شاطر اوي كده، وبتعرف تقلد سليم، شوف إخواتك. عمالين يعملوا مشاريع ويكبروا، وإنت لسه زي ما إنت! شوف سليم مشروع التنقيب اللي دخله، بيكسب ملايين ولسه مش مكمل فيه شهر أو شهرين!
طه بابتسامة ساخرة: يدخل زي مايدخل وبعدين أنا كمان خليت الباشا يفتح لي مجال للشحن الجوي، وكمان شركة طيران. أنا صاحب النصيب الأكبر فيها لأنها فكرتي ونجحت وأثبتت للكل ان طه مش غبي زي ما انتم فاكرينه. وبعدين، إنتِ مالك؟ ليه ببرر لك أصلاً؟
منى محاولة استعطافه: كل اللي إنت بتعمله ده عشان خاطر اتفقت مع صافي والهانم على قتل ماسة.
طه بخزي: لاني طلعتِ مخدوع فيكي يا منى، لانك ماتستاهليش كل الحب اللي قدمته ليك. طمعك عماكي.
منى بغضب تحاول قلب الترابيزه: أوعى تكون بتحب ماسة عشان كده زعلان عليها اوي كده! بعد كل الحب اللي حبتهولك
طه ضحك: الكلام ده كان زمان، ممكن تضحكى عليا باسم الغيرة، لما كنت بخاف عليكي وعلى زعلك لأني كنت بحبك، بس دلوقتي بقى طه القديم مات. مش عشان ماسة، بس لأنك طلعتِ زيهم بالظبط. قلبك أسود لدرجة إنك ممكن تقتلي علشان توصلي لأهدافك.
منى بتمثيل وصعبنيات: أنا عملت كل ده عشانك! عشان اخليك الملك عشان مصيرنا ميبقاش زي ماسة وسليم تخيل عملوا كدة ف سليم وهو أقوى واحد فيكم احنا هيعملوا فينا ايه؟ أنا عملت كدة عشان احافظ على حياتنا
تبسم طه فهو أصبح يفهمها جيدا: تؤ عملتي عشان نفسك، مش عشاني.
منى: طب أنا عايزة أطلق يا طه، مش هتحمل الوضع ده أكتر من كده! إنت خلاص مبقتش بتحبني ولا عايزني سيبنا نطلق.
جلس طه على الأريكة، أسند ظهره، ونظر لها بثبات:
طه: قلت لك، ما عنديش مشكلة أطلقك، بس بمزاجي. لما أشوف الوقت المناسب. وقبل ما تطلقي، هتتنازلي عن كل حاجة، وأولهم الولاد. وقتها هتبقي زيك زي أي واحدة.
منى بشدة: بدل ماتعمل فيها راجل معايا، روح اعمل راجل مع إخواتك! او مع رشدي اللي بيهددك بعيالك!
في تلك اللحظة، نهض طه بغضب، وبدون تردد، صفعها بقوة، نظرت له منى بصدمة كبيرة كادت عينيها تخرج من مكانها
ياريت محدش ينسى يضغط على لايك ويكتب كومنت عشان تساعدة الرواية تنشهر توقعاتكم في اللي جاي..