
رواية ؤهم الرجوع
الفصل العشرون 20 ج1 والاخير
بقلم روميسة
نهاية الطريق
كان يوسف يقود سيارته بجنون، يتنقل بين السيارات باندفاع غير مبالٍ بالأضواء الحمراء أو أصوات التنبيهات التي تلاحقه. كل ما كان يشغل عقله هو صورة رحيل وهي تغلق المكالمة في وجهه. كانت كلماتها لا تزال تتردد في رأسه، تقطع أنفاسه كأنها سكين مغروسة في صدره:
"أنا مسافرة.. هبدأ حياتي من جديد، حياة من غير كذب، من غير خيانة."
حاول أن يزيل تلك الكلمات من ذهنه، لكن صوتها البارد كان يلاحقه كظلٍّ لا ينفك يلتصق به. ارتعشت يده فوق عجلة القيادة وهو يضغط على دواسة الوقود بقوة أكبر، كأن السرعة ستمنحه فرصة للحاق بها قبل أن تفوته للأبد.
عند بوابة المطار، أوقف السيارة بعشوائية وترجل منها بسرعة، وصل يوسف إلى المطار في حالة من الهلع الشديد، قلبه يخفق بسرعة وكأن الزمن توقف. ركض بين الركاب، يتخطى الجميع بعينين مسمرتين على الوجوه، يبحث عن رحيل. كانت الطائرة قد اقتربت من موعد إقلاعها، لكنه لا يريد أن يستسلم. كان يعلم أنها هناك، في مكان ما، تنتظر أن يركض خلفها. لم يهتم بصيحات الحراس ولا بالأنظار التي توجهت نحوه. أخذ يركض، يتجاوز الناس بعشوائية، يبحث عنها بين الحشود بعينين مذعورتين.
"رحيل!" صرخ بأعلى صوته، لكن المطار كان يعج بالضجيج، وصوته لم يكن سوى نقطة وسط بحر من الأصوات.
بينما يتجول وسط الحشود، يلتفت إلى شاشة كبيرة معلقة في المطار. عيناه تركزان على الأرقام التي تتألق في السطر الأول:
"الطائرة المتجهة إلى ..... أقلعت."
اتسعت عيناه في صدمة. شعر وكأن قلبه توقف للحظة. نظر مجددًا إلى الشاشة، ثم إلى الساعة. كان الوقت قد مر سريعًا، أكثر مما كان يتوقع. لا أحد في المطار يهمه بقدر رحيل. كان يراها في ذهنه، كان يعرف أنها كانت ستكون هناك، ولكن الوقت فاته.
يتنهد بمرارة، قلبه مثقل بالندم، يهرع إلى مكتب الطيران، لكن لا فائدة. قال له موظف الاستقبال بهدوء، كأن الكلمة كانت سكينًا في قلبه:
"آسف، الطائرة أقلعت بالفعل."
يوسف يقف مكانه، كأن الزمن توقف. يلتفت حوله، يبحث في الفراغ عن ملامحها، عن أثرها. لكنه لا يجدها. كل ما يراه هو الحشود المزدحمة.
يقف في مكانه، قدماه ثقيلة كأنهما متجمدتين في أرض المطار. لم يعد يسمع ضجيج الحشود حوله، ولا صوت المايكروفونات التي تعلن عن مواعيد الرحلات القادمة. كل شيء صار صامتًا بالنسبة له إلا صوت قلبه الذي ينبض بسرعة ويزداد قوة.
نظر حوله كأن كل شيء ينهار أمامه. كان يعتقد أن لديه وقتًا كافيًا لإقناعها. كان يعتقد أن رحيل ستبقى له دائمًا، مهما حدث. لكنه أخطأ. أخطأ في حساباته، وأخطأ في تقدير اللحظات التي كانت بحاجة إليها، بينما هو كان غارقًا في صراعاته الخاصة.
"راحت فين؟ ليه مارجعتش؟" همس لنفسه، وكانت الكلمات تخرج من بين شفتيه وكأنها خالية من المعنى.
ثم تحولت عيناه إلى باب المغادرة، حيث اختفت رحيل وراءه، وسافر معها جزء كبير من حياته. في تلك اللحظة، شعر بشيء غريب. كان قد فقد كل شيء، أو ربما كان قد اختار أن يفقده. وكان ما زال لا يستطيع تصديق أنه وصل إلى هذا الحد، أنه فشل في إيقافها.
خرج من المطار ببطء، خطواته ثقيلة، ملامحه متجهمة، ولا يستطيع أن يتخيل حياته بدونها، أو كيف ستكون الأيام القادمة من دون وجود رحيل وابنته بجانبه.
رحيل كانت تجلس في المقعد بجانب النافذة في الطائرة، نظرت إلى الخارج حيث السماء الزرقاء الداكنة، والأضواء البعيدة التي تتناثر في الأفق. كان هناك صمت في قلبها، لكن داخلها كان يموج بمشاعر متضاربة.
فكرت في يوسف، في كل اللحظات التي عاشتها معه، في الأمل الذي كان يراودها بأن الأمور ستصبح أفضل يومًا ما. لكن كما فكرت، قررت أنها لم تعد قادرة على الاستمرار في العيش بهذا الكذب والخداع. "أنا مش هعيش في ظل خيانة ووعود فارغة"، قالت لنفسها بصوت خافت، وكأن الكلمات كانت هي الأخرى تبحث عن الخلاص.
عينيها امتلأتا بالدموع، لكنها كانت تبكي بصمت، كما لو كانت تحاول دفن كل المشاعر التي كانت تربطها بيوسف في تلك اللحظة. كان الرحيل بالنسبة لها أشبه بالتحرر، لكنها كانت تعلم أنها لن تكون نفس الشخص بعد هذه الرحلة.
بينما الطائرة كانت تواصل تحليقها، نظرت إلى ابنتها التي كانت جالسة بجانبها، وهي تنام بسلام. شعرت بأن هناك أملًا جديدًا يبدأ معها، ولكن رغم ذلك، كان قلبها ينزف. هل سيكون هذا القرار هو الصح؟ هل سيتحسن كل شيء كما كانت تأمل؟
رحيل أمسكت يد ابنتها برفق، وهمست لها بصوت متقطع:
"هنبدأ حياة جديدة، يا حبيبة ماما... حياة أفضل."
نظرت إلى الطائرة التي كانت تحلق بعيدًا، وأغمضت عينيها، عازمة على أن تبدأ من جديد، بعيدًا عن الماضي الذي أصبح يثقل قلبها. هذه المرة، كانت رحيل تملك القوة لتتخذ قراراتها لنفسها، حتى لو كانت مؤلمة.
عاد يوسف إلى المنزل وهو يحمل في قلبه ثقلًا لم يستطع التخلص منه طوال طريقه. خطواته كانت بطيئة، وكأن الأرض تلتصق بأقدامه في كل خطوة. رأسه مليء بالأفكار، وعينيه تبحثان في كل زاوية، عله يجد أي أثر لرحيل أو ابنته، لكن المنزل كان خاليًا كالمعتاد، كما لو أن الحياة توقفت هنا.
لكن ما لفت نظره كان شيء غريب أمام الباب. كان يوجد شيء ما مرمي على الأرض. ورقة صغيرة. قلبه قفز في صدره وكأنه يشعر بشيء غير طبيعي. اقترب منها بحذر، ركبتيه ضعفتا بينما يمد يده ليلتقط الورقة. ارتجفت يده وهو يرفعها ليقرأ ما كتب فيها.
دخل يوسف المنزل وهو لا يستطيع أن يوقف عقله عن التفكير. قدماه تقودهما إلى الداخل بشكل غريزي، بينما عينيه لا تزال على الورقة. أغلق الباب وراءه بصوت خافت وهو يتجه نحو غرفة الجلوس. ألقى بالورقة على الطاولة أمامه، ليقرأها بعينين تملؤهما الحيرة. "طلب خلع"، كان المكتوب في الورقة.
تجمد يوسف، كأن الزمن توقف للحظة، ووقع الكلمات عليه كالصاعقة. "خلع؟" همس بها بصوت منخفض، بينما كان عقله يصرخ. شعر بالدوار وهو يلتقط نفسه، ويركز على الكلمات المكتوبة أمامه. كانت رحيل قد أخذت القرار، وها هي الورقة تؤكد أنه لم يعد له مكان في حياتها.
بعد لحظات من قراءة الورقة، وقف يوسف، غير قادر على الوقوف في مكانه أكثر. كانت أفكاره تتدافع بسرعة كبيرة، وكأنها طوفان لا يمكنه أن يوقفه. شعر وكأن جسده أصبح ثقيلاً، لا يستطيع التنفس كما كان من قبل. كانت ذكرياته مع رحيل وابنته تتحول إلى كوابيس تتكرر في ذهنه، كل لحظة كأنها حادة، تكاد تقطع قلبه.
أخذ نفسًا عميقًا، لكنه لا يشعر بأن الهواء يدخل رئتيه كما ينبغي. عينيه تجول في أرجاء المنزل، وكل زاوية كانت تذكره بلحظة كانت مليئة بالحب والأمل. كان هذا البيت مليئًا بالأصوات والضحكات، لكن الآن أصبح مجرد صمت رهيب يملأ المكان.
نظرت عيناه إلى الجدران، التي كانت تحمل صورًا له ولرحيل، صور لحظات سعيدة، لكن اليوم، بعد أن قرأ الورقة، أصبح كل شيء مجرد شبح من الماضي. تذكر تلك اللحظات التي كان يعد فيها رحيل أنه لن يخذلها مرة أخرى، وأنه سيظل دائمًا بجانبها. لكنه أدرك الآن أنه كان يكذب على نفسه. في النهاية، هو الذي خذلها.
توجه يوسف نحو غرفة النوم. الأرضيات التي كان يخطو عليها بدت أكثر برودة من أي وقت مضى. التفت حوله، وكأن المكان نفسه يذكره بكل لحظة ضاعت. "إزاي ضيعت كل ده؟" تساءل في نفسه، بينما كانت الذكريات تطارده. رحيل، ابنته، ضحكتهما، كلمات الحب. كل شيء كان يبدو بعيدًا، بعيدًا جدًا الآن.
جلس على طرف السرير، ويده لا تزال ممسكة بالورقة، يحاول أن يستوعب ما حدث. "أنا ليه ما حاولتش أكتر؟" همس بصوت مختنق. تذكر كيف كانت رحيل تسأله دائمًا عن مشاعره، وحين كانت تطلب منه شيئًا، كان يتأخر في الرد، وفي النهاية كان يخذلها.
تذكر يومًا عندما كان يجلس مع رحيل في هذا المكان بالذات،
يتناقشان حول المستقبل، وكان يحاول أن يطمئنها، ويعدها أن كل شيء سيكون على ما يرام. وكان يفكر في وقتها أن هذا المنزل سيكون مكانًا سعيدًا لهما، ولكن في لحظة، تحول الحلم إلى كابوس. كيف تبدل كل شيء هكذا؟!
تذكر عندما كان يعود إلى البيت ليجد رحيل تنتظره بابتسامة جميلة، وكأنها لا تشكو من شيء. كان يظن في البداية أن كل شيء سيكون على ما يرام، وأنه يملك كل شيء تحت السيطرة. لكنه الآن يرى أن الأمور كانت تسوء تدريجيًا، ولم يكن يرى ذلك إلا عندما كان كل شيء قد تحطم.
قفزت دمعة من عينيه، وكأن قلبه انفجر فجأة. لا يمكنه أن يصدق أن رحيل قد قررت الرحيل إلى هذا الحد. كيف لو كانت تلك هي النهاية؟ كيف سيتحمل وحده بعد كل هذه السنوات؟
مرت الأيام ثقيلة على يوسف، كل يوم كان يمر وكأنه عام كامل. حاول أن يلتقط خيوط الحياة مجددًا، لكنه لم يستطع. كل زاوية، كل لحظة، كل شيء كان يذكره برحيل، ويزيد من شعوره بالخسارة. لا شيء في المنزل يبدو كما كان، كل شيء تغير في لحظة.
جلس يوسف في الصالة، يحدق في المسافة أمامه. كان يعيد التفكير في كل شيء، في أخطائه، في الكلمات التي قالها، في القرارات التي اتخذها. متى بدأ كل شيء ينهار؟ كان يكرر هذا السؤال في رأسه مرارًا وتكرارًا، لكن الإجابة كانت دائمًا نفسها: منذ اللحظة التي لم يقدر فيها رحيل بما يكفي.
كان يشعر أن الحياة قد توقفت عند هذه اللحظة، بعد أن خرجت رحيل من حياته. كل محاولة منه للتواصل معها باءت بالفشل، وكل كلمة قالها لم تكن كافية لإصلاح ما تهدم. حتى المكالمات اليومية التي كان يحاول خلالها الوصول إليها لم تؤدِ إلى شيء. كل شيء كان يشير إلى نقطة واحدة: رحيل اختارت الرحيل.
لكن لم يكن بمقدوره أن يتخلى عن الأمل، على الرغم من أن كل شيء كان يدفعه إلى الاستسلام. في قلبه كان يشعر بالندم، وأنه ارتكب أكبر خطأ في حياته. كان يحاول أن يقنع نفسه أن رحيل قد تتحسن مشاعرها، وأنه يمكن أن يبدأ من جديد، لكن في نفس الوقت كان يعلم أن هذه مجرد أماني غير قابلة للتحقيق. كان يعلم أنها إذا اختارت الرحيل، فهي لن تعود.
قرر أخيرًا أن يتخذ خطوة، رغم أنه كان يعلم أن هذه الخطوة قد تكون خطوته الأخيرة نحو التغيير. لكنه لا يستطيع أن يبقى في مكانه، في حياة مليئة بالذكريات المؤلمة.
أخذ هاتفه في يده، وفي قلبه قلق كبير. كان ينوي الاتصال برحيل مجددًا، لكن قلبه كان يخبره أنها لن تجيب على مكالماته أبدًا لكن فجأة، دون تفكير، ضغط على زر الاتصال، وهو يستعد لسماع الصوت الذي طالما حلم بسماعه مرة أخرى. كان يعلم في أعماقه أنها لن ترد، لكنه ما زال يأمل في تلك اللحظة المعجزة.
مرت لحظات من الانتظار، ثم انقطع الاتصال. فقط الصوت القاسي للجهاز الذي يقول "لا يمكن الوصول" كان يجيب عليه.
ثم ألقى الهاتف على الطاولة، وسار بهدوء إلى نافذة الغرفة، ليحدق في الخارج. كان الليل قد حل، والمدينة كانت مضاءة بالأضواء، لكن في داخله كان الظلام هو المسيطر.
نظر إلى السماء، وكان يتمنى لو يستطيع العودة إلى اللحظات التي كان فيها مع رحيل، لو أن بإمكانه تغيير الماضي، لو أن بإمكانه إصلاح كل شيء. لكنه كان يعلم أنه لا شيء يمكن أن يعيد الوقت إلى الوراء.
وفي الوقت نفسه، كان هاتفه الذي تركه على الطاولة يرسل إشعارات مستمرة. كانت يارا، التي حاولت مرارًا الاتصال به طوال الأيام الماضية، قد قررت أخيرًا أن تأتي إلى منزل يوسف بنفسها، بعد أن شعرت بأنه يجب عليها أن تتأكد مما يحدث. لم يكن الاتصال ردًا عليه، فقررت أن تتحرك بنفسها.
وصلت يارا إلى الباب الأمامي، وقرعت الباب بلطف في البداية، ثم بدأت تدق عليه بقوة أكبر عندما لم تجد استجابة. كان يوسف في حالة من الضياع، لكن صوت الدق على الباب جعل قلبه ينقبض. من؟ لم يكن يتوقع أن تكون يارا.
فتح الباب ببطء، ووجدها تقف أمامه. كانت ملامح وجهها جادة، وكأنها أعدت ما ستقوله مسبقًا، لكن هناك شيء في عينيها كان يخبره أنها لا تزال تحمل مشاعر مختلطة.
يوسف (بتنهدة وبصوت غير مهتم):
"إيه؟ جايه ليه؟"
يارا (بتكشر، بصوت حاد):
"فينك؟ ليه ما رديتش على اتصالاتي؟ كنت عايزك ترد عليّ؟"
يوسف (بتنهد، مش فاهم هو بيعمل إيه):
"مفيش حاجة، كنت مشغول... مش فاضي دلوقتي."
يارا (مستفزة، مش مصدقة اللي بتسمعه):
"مش فاضي؟ يعني مش عايز تتكلم معايا؟ ولا اللي بينا خلاص انتهى؟"
يوسف (يستدير بعيد عنها، بصوت متعب):
"مش هقدر أتكلم دلوقتي، لو مش عايزة تستني يبقى خلاص."
يارا (بغضب، متوترة):
"أنت مش عارف إنت عايز إيه، ولا عايزني أنا ولا مش عايزني! مش هفضل أدور على أجوبة لحد ما تلاقيني متخبّية، خلاص كفاية كده."
يوسف(بنفاذ صبر):
"قتلك مش قادر سيبيني دلوقتي من فضلك"
يارا( بغضب ):
ماشي يايوسف ورحلت .
(شقة بسيطة – مدينة جديدة)
رحيل واقفة قدام الشباك، فنجان القهوة في إيدها، وعينيها على الشارع الهادي.
رحيل (بصوت هادي وجواها قوة):
"أنا مشيت مش عشان ضعفت... أنا مشيت عشان اكتفيت."
بنتها تضحك وتهرّج وراها، فتبص عليها وتبتسم، وبصوت واطي تكمل:
"اللي ماقدرش يحافظ علينا... مايستاهلناش."
سمعت ضحكة صغيرة من وراها… بنتها قاعدة على الأرض، بتلعب بالمكعبات، وبراءتها بتخلي الجو كله أهدى.
رحيل (بابتسامة حزينة):
"علشانك إنتِ… علشانك كان لازم أمشي… وأبدأ من جديد."
قعدت جنبها، حضنتها بقوة، والدمعة اللي كانت محبوسة نزلت أخيرًا، بس المرة دي كانت دمعة راحة، دمعة بداية.
رحيل (بهمس):
"أنا يمكن خسرت راجل… بس كسبت نفسي… وكسبتك."
في كافيه هادئ، يوسف يجلس على الطاولة منتظرًا وصول يارا. يشعر ببعض التوتر وهو يفكر في الأمور التي مر بها مع رحيل، ولا يزال في داخله شكوك وتردد حول ما إذا كان يجب أن يكمل مع يارا أم لا. بعد لحظات، تصل يارا بابتسامة هادئة وتجلس أمامه.
يوسف (بصوت متردد، وهو ينظر إليها):
"أنتِ عارفة يا يارا... أنا مش عارف مالها حياتي. مش قادر أتخيل إني هعيش من غير رحيل. كنت دايمًا بفكر فيكِ، وكنتِ جزء من حياتي، بس... بعد كل اللي حصل، أنا مش قادر أتخذ القرار بسهولة."
يارا (بصوت ناعم، تبتسم بسخرية داخليًا):
"يوسف، عارف، أنا فاهمة اللي أنت فيه. لكن لازم تفهم حاجة... رحيل مش هتقدر تبقى جنبك. أنت مش شايف؟ هي مش هتكون دايمًا ليك. هي أصلاً ضيعت نفسها معاك. لو كنت لسه متعلق بيها، ما كنتش هتكون هنا دلوقتي، صح؟ هي اللي ضيعتك، مش العكس."
يوسف (بتردد، وهو يمرر يديه في شعره):
"بس أنا حاسس إني خنتها... أنا مش قادر أفهم حاجة. كل شيء اتغير فجأة. كنت مع رحيل، وكانت علاقتنا كويسة، لكن دلوقتي مش قادر أعود لكل شيء زي الأول. وفي نفس الوقت، أنا مش عايز أخسر الناس اللي كانوا معايا."
يارا (ابتسامة خفيفة، وعينيها مليئة بالكلمات الخفية):
"يوسف، فكرت شوية؟ رحيل مش هتكون معاك بالطريقة اللي أنت عايزها. هي مش هتستاهل كل دا. أنت لو تراجع دلوقتي، هتكون خاسر أكثر من كده. اللي بينكم انتهى، وكل واحد فينا ليه فرصة تانية. وأنا هنا عشان أكون معاك. لو بتحبني، لازم تبص للمستقبل."
يوسف (بتردد أكبر، وهو ينظر إليها):
"أنا مش عارف... ما كنتش أتمنى نوصل للمرحلة دي."
يارا (تنظر إليه بعينيها التي تحمل الخبث الداخلي، وتبتسم بشكل غير مباشر):
"ما تشيلش هم. أنا مش جايه هنا علشان أخليك في حيرة. خلينا نبص لقدام. رحيل خسرتك، هي مش هتكون جزء من حياتك زي ما أنا ممكن أكون. هي اللي خسرتك مش أنت."
يوسف (ينظر إليها، وهو يحاول التركيز، لكن ما زال مشوشًا):
"أنتِ بتقولي كلام حلو، بس أنا مش قادر أتجاوز كل اللي حصل. مش قادر أقول لنفسي إني لسه في نفس المكان. لو كنت لسه بحبها، ليه عملت كده؟ ليه مش قادر أرجع؟"
يارا (تقترب منه أكثر وتهمس في أذنه بهدوء):
"ما تعيش في الماضي يا يوسف، هي ماتستاهلكش، أنت مش هتعيش في ظلها. أنا هنا، لو كنت عايز حياه جديدة... أنا موجودة."
يوسف (ينظر في عينيها، غير قادر على اتخاذ قرار حاسم):
"أنتِ مش عارفه... اللي بيني وبين رحيل كان شيء كبير. مش قادر أتخلى عنها كده."
يارا (تبتسم بخبث داخلي، وتبدأ في تغيير الموضوع):
"دي بس مجرد أوهام، يوسف. رحيل مش هترجع لك، هقولك الصراحة. هيا مش هتكون لك، مش هتستاهلك زي ما أنت تستاهل. وخلاص، خلينا نبص لقدام."
في هذه اللحظة، يرن هاتف يارا تبتسم وتنهض من مكانها وتقول:
يوسف دي صحبتي هرد عليها وارجعلك.
يوسف :
طيب متتاخريش.
يوسف يظل في مكانه، عقله مشوش بين مشاعره تجاه رحيل وما تقوله يارا. هو يشعر أنه في مرحلة فاصلة،يفكر في كلامها وفي مشاعره المتضاربة. الجو في الكافيه صار أكثر برودة، وهو يشعر أن الاختيارات بدأت تتضارب في رأسه.
يوسف قاعد مكانه، بيبص في الساعة، بقاله أكتر من ربع ساعة منتظر يارا، بدأت القلق يزحف جواه. بص حواليه، سحب نفس طويل، ووقف ببطء.
يوسف (بيكلم نفسه):
"هي راحت فين؟ المفروض مكالمة يعني… مش مقابلة!"
بدأ يتحرك ناحية الممر المؤدي للحمامات، الخطوات تقيلة وقلبه مش مرتاح. قرب من الباب، وفجأة سمع صوت ضحكة مكتومة، وصوت يارا بيتكلم في الموبايل من ورا الحيطة،فيقرب شوية يسمع صوتها، وصوتها كان عالي وواضح من جوه، بتحكي بحماس وغرور في التليفون:
يارا (بنبرة خبث وضحكة خفيفة):
"بصّي... هو كان زي اللعبة في إيدي، بمشيه زي ما أنا عايزة بالظبط... وفي الآخر؟ أنا اللي كسبت، أنا اللي فُزت على رحيل وخليتها تسيبه وتسافر! انا كسبت الجولة دي!"
تضحك ضحكة انتصار.
"ودلوقتي؟ ما فضلوش غيري، وهيكتشف إن أنا الوحيدة اللي كنت جنبه، لما مراته سابته وراحت... وساعتها؟ ساعتها هو اللي هيتمنى يرجعلي، بس مش هو اللي يقرر... أنا اللي هقرر."
يارا بتخلص المكالمة، ووشها مليان غرور وانتصار، تضحك بخفة وتبص في المراية تصلّح شعرها. تاخد نفس وتفتح الباب، تخرج...
لكن تتفاجئ بيوسف واقف قدامها، بعنين حمراء، ووش مشدود بالغضب والانكسار...