
رواية عهد الغرام 3
الفصل التاسع عشر 19
بقلم محمد محمد علي
بعد عدة أيام ، في فيلا عائلة غزل – الصالون الكبير
تجلس عائلة غزل مع عائلة غيث في جلسة عائلية دافئة، الجميع يتحدث ويتسامر، لكن الموضوع الأساسي في النقاش هو غزل وغيث اللذان لا يزالان في باريس بعد مرور عدة أيام من شهر العسل.
سليم (والد غزل، يضع فنجان قهوته على الطاولة):
"يعني بقالهم قد إيه دلوقتي في باريس؟"
ميار (والدة غزل، تبتسم وهي تتكئ على الأريكة):
"بقوا تقريبًا 10 أيام هناك... باين عليهم مستمتعين على الآخر!"
رمزي (والد غيث، يضحك بخفة):
"غيث عمره ما سافر برا مصر قبل كده، طبيعي يكون مبسوط، لكن السؤال المهم... هو ناوي يرجع ولا خلاص قرر يستقر في باريس؟"
الجميع يضحك، بينما أمجد الصغير (7 سنوات) يجلس متحمسًا بين والديه، ممسكًا بهاتفه وهو يحاول التحدث مع غيث عبر الفيديو لكنه لا يرد.
أمجد (بتعبير غاضب طفولي):
"أخويا غيث بقى بيعمل نجم علينا ومش بيرد! أنا كده زعلان منه!"
شيرلين (والدة غيث، تضحك وهي تمسح على رأسه):
"سيبه ينبسط يا أمجد، لما يرجع هيعوضك!"
أدهم (شقيق غزل الصغير 12 سنة، يعقد ذراعيه بغيرة مصطنعة):
"أنا متأكد إن غيث هو اللي مش عايز يرجع، أكيد غزل جرّته لكل الأماكن السياحية في باريس وخلاص اتوه هناك!"
مازن (شقيق غزل 10 سنوات، بحماس):
"طب متى هيرجعوا؟ أنا عايز أشوف الهدايا اللي جايبنها!"
تبتسم ميار وهي تنظر لزوجها سليم الذي يكتفي بالاستماع بصمت، لكنه يبدو مرتاحًا لرؤية الجميع سعيدًا.
سيف (خال غزل، يغمز مازحًا):
"أنا مش مستغرب إنهم لسه في باريس، غيث كان بيحب غزل من الأول... أكيد دلوقتي مش مصدق نفسه إنه أخيرًا اتجوزها!"
تتورد خدود ميار (ابنة خال غزل) قليلًا عندما سمعت الكلام، فهي أيضًا تجلس بجوار سليم ابن عمها الذي يراقبها بنظرة جانبية، لكنه لا يتكلم.
زهرة (زوجة أدهم، تضحك):
"السؤال هو... غزل بقت بتحبه ولا لسه بتحاول تستوعب الموضوع؟"
تضحك ميار (والدة غزل) وهي ترد بثقة:
ميار:
"بنتي قلبها طيب، حتى لو كانت معترضة في الأول، أنا واثقة إنها دلوقتي مرتاحة معاه."
بينما يستمر الحديث عن غزل وغيث، يرن هاتف سليم فجأة، فينظر إليه ثم يرفع حاجبه.
سليم (بهدوء وهو يرفع الهاتف ليعرضه على الجميع):
"غزل أخيرًا افتكرتنا... بتتصل!"
فجأة، يعم الصالون الصمت، ثم يندفع الجميع ليقتربوا من الهاتف بحماس، فيرد سليم على المكالمة وهو يضعها على مكبر الصوت، والجميع ينتظر ما ستقوله غزل من باريس
***********************
يضع سليم الهاتف على مكبر الصوت، والجميع يقترب بحماس لسماع صوت غزل.
سليم (بهدوء جاد لكن فيه نبرة مرح خفية):
"أخيرًا افتكرتِ إن لكِ أهل؟"
غزل (من الطرف الآخر، بصوت مرح لكنه متعب قليلًا):
"باباااا، ما تبقاش درامي! أنا كنت لسه هتصل بيكم، بس كنا مشغولين طول الوقت!"
أدهم (ساخرًا):
"آه طبعًا مشغولين، أكيد بتاكلوا كرواسون وبتتصوروا عند برج إيفل طول اليوم!"
مازن (بصوت طفولي متحمس):
"غزل، جبتيلي هدية؟"
حور (تتحدث بصوت طفولي وهي ترفع يديها):
"وأناااا!"
غزل (تضحك):
"طبعًا جبت لكم هدايا، استنوا بس لما أرجع!"
ميار (والدتها، بنبرة دافئة):
"حبيبتي، إنتِ عاملة إيه؟ مبسوطة؟"
تسكت غزل للحظة، ثم ترد بنبرة صادقة:
"آه ماما... أنا مبسوطة."
يبتسم سليم بخفة، بينما ينظر رمزي وشيرلين لبعضهما بسعادة لأن غيث وغزل يعيشان شهر عسل رائعًا.
رمزي (بصوت أبوي دافئ):
"وغيث فين؟ مش هيسلم علينا؟"
غزل (تضحك وهي تنادي غيث):
"غيث، أهلي عايزين يسمعوا صوتك!"
يأتي صوت غيث من بعيد، وكأنه مشغول بشيء:
"دقيقة، دقيقة، بس أخلّص هنا..."
أمجد (بطفولية مشاكسة):
"هو بيعمل إيه؟ بيطبخ؟"
غيث (يظهر صوته أخيرًا وهو يضحك):
"لا يا أمجد، كنت بحاول أفهم قائمة الطعام الفرنسي اللي كلها كلام صعب!"
الجميع يضحك، ثم تتحدث ميار (ابنة خال غزل) بمكر:
ميار (بمرح):
"يبدو إنك بقيت فرنسي خلاص يا غيث، مش ناوي ترجع؟"
غيث (مازحًا):
"بفكر في الموضوع بصراحة!"
سيف (بتهكم):
"غزل مش هتسيبك، هتجرك راجع غصب عنك!"
الجميع يضحك، ثم يسود الصمت للحظة قبل أن يتحدث سليم بجدية لكن بحنان:
سليم:
"خد بالك منها يا غيث."
غيث (بثقة واحترام):
"أكيد يا عمي، غزل في عيني."
تنظر غزل إلى غيث الذي يبتسم لها، فتشعر بارتباك بسيط لكنها لا تعلق. ثم تضحك بخفة وتغير الموضوع.
غزل:
"طيب خلاص يا جماعة، هنرجع قريب! جهزوا نفسكم لاستقبال ملكة فرنسا!"
أدهم (ساخرًا):
"لااا، إحنا هنقفل الباب ونقول مش هنا!"
الجميع يضحك، ثم تودعهم غزل قبل أن تنهي المكالمة. بعد انتهاء المكالمة، ينظر الجميع لبعضهم البعض بابتسامة، ويقول رمزي بسعادة:
رمزي:
"واضح إنهم فعلاً مبسوطين."
شيرلين (بابتسامة راضية):
"وده أهم حاجة."
في تلك اللحظة، يغمز سيف لسليم ابن عم غزل الذي كان صامتًا طوال الوقت، ويقول بمكر:
سيف:
"وأنتَ يا سليم، امتى نفرح بيك؟"
يحمر وجه ميار (ابنة خال غزل) على الفور، بينما يكتفي سليم بإلقاء نظرة جانبية حادة على سيف قبل أن يرد بجفاء مصطنع:
سليم:
"لما تخلّصوا كلام في الفاضي!"
يضحك الجميع، بينما يظل سليم وميار يتبادلان نظرات جانبية دون أن يجرؤ أي منهما على قول ما في قلبه... بعد
*********************
يعتدل الجميع في جلستهم عندما يتدخل الجد عادل، والد سليم الأب، بصوته الهادئ لكن القوي، وهو يضع كوب الشاي على الطاولة وينظر إلى سليم ابن عم غزل نظرة مليئة بالمعرفة والخبرة.
عادل (بابتسامة خفيفة ونبرة ذات مغزى):
"مش غلط الواحد يفكر في مستقبله يا سليم... خاصة لو في حد معين في باله."
يقطب سليم حاجبيه قليلًا، يشعر بالحرج من النظرات الموجهة إليه، بينما تزداد حمرة وجه ميار التي تحاول إشغال نفسها بتقليب هاتفها، لكن الجميع لاحظ ارتباكها.
سيف (يكمل بمكر وهو يغمز لسليم):
"صح يا عم عادل، خاصة لما يكون الحد ده قريب منه جدًا، وطول الوقت في حياته."
يرمقه سليم بنظرة تحذيرية، لكن الجد عادل يضحك بخفة، ثم يتحدث بحكمة:
عادل:
"الحياة قصيرة يا بني، ولو الواحد لقى حد قلبه متعلق بيه، ما يستناش كتير... أهو غيث وغزل كانوا بيهربوا من بعض، وسبحان الله بقوا مع بعض دلوقتي وسعيدين."
تصمت ميار تمامًا، تكاد تشعر بأنفاسها تتسارع، بينما يضغط سليم فكّيه، ينظر بعيدًا وكأنه يحاول تجاهل الحديث، لكن الجميع يلاحظ توتره.
شيرلين (تتدخل بابتسامة وهي تنظر لزوجها رمزي):
"وأنا ورمزي كنا مترددين في الأول، لكن بصراحة، الجواز لما يكون عن حب واحترام بيكون نعمة كبيرة."
رمزي (يهز رأسه موافقًا):
"ده صحيح، الحب حاجة جميلة، بس لازم حد يكون عنده الشجاعة ويعترف بيه بدل ما يفضل يتفرج على اللي بيحبه من بعيد!"
يشعر سليم بأنه على وشك الانفجار من كثرة التلميحات، فيقف فجأة وينظر للجميع بجفاء مصطنع:
سليم:
"إنتو مالكم النهارده قاعدين بتتكلموا في الجواز وكأننا في لجنة زواج جماعي؟! سيبوني في حالي!"
ثم يخرج بسرعة من الصالون، بينما يظل الجميع يحدق في أثره للحظة، ثم ينفجر سيف وأدهم ومازن في الضحك، بينما تحاول ميار السيطرة على خجلها وتتمتم وهي تنهض أيضًا:
ميار (بصوت منخفض لكن مسموع):
"أنا داخلة أوضتي، مليش دعوة بالكلام ده."
يبتسم الجد عادل وهو يراقبها تبتعد، ثم يقول بحكمة وهو يأخذ رشفة أخرى من الشاي:
عادل:
"العناد مش هينفع مع الحب... عاجلًا أم آجلًا، لازم واحد منهم يعترف."
ينظر الجميع لبعضهم البعض، ويبتسمون، فقد بات واضحًا للجميع أن الأمر لم يعد سرًا... سوى عن سليم وميار نفسيهما
*********************
يضع الجميع أكوابهم فور سماع صوت الجد الأكبر نادر، الذي كان يستمع بصمت طوال الوقت، لكنه قرر أخيرًا التدخل. يجلس بوقاره المعتاد، عينيه تحملان نظرة صارمة لكنها مليئة بالحكمة. يأخذ نفسًا عميقًا ثم يتحدث بنبرة هادئة ولكنها تحمل ثقل الخبرة.
نادر (بصوته العميق):
"العناد شيء معروف في عيلتنا، بس اللي ما تعرفهوش يا سليم، إن العناد عمره ما كسب معايا قبل كده."
تتسع أعين البعض، بينما يحاول سليم الذي عاد إلى الغرفة بعد لحظات أن يبدو غير متأثر بكلام جده، لكنه يعلم أن أي حديث من نادر الشرقاوي لا يُستهان به.
سليم (ببرود مصطنع وهو يجلس مجددًا):
"وأنا مالي ومال العناد يا جدي؟ إنتو اللي قاعدين تلمحوا لحاجات غريبة!"
يرد عليه الجد نادر بابتسامة خفيفة، لكنها تحمل معنى خفيًا:
نادر:
"مش غريبة أبدًا... إحنا بس شايفين اللي إنت مش عايز تشوفه."
ترتجف يد ميار قليلاً، لكنها تحاول التظاهر بالانشغال بهاتفها مجددًا، أما سليم فينقل نظراته بين جده نادر وجده عادل، ثم يتمتم بضيق:
سليم:
"أنا مش فاهم إنتو عايزين توصلوا لإيه."
يضحك الجد نادر ضحكة قصيرة، ثم ينظر إليه نظرة مباشرة تحمل من السلطة ما يجعل أي شخص يعيد التفكير في كلماته.
نادر:
"عايزين نوصل لحقيقة واحدة... الحب مش ضعف، ومش عيب إن الواحد يعترف بمشاعره قبل ما يضيع منه اللي بيحبه."
يجد سليم نفسه عاجزًا عن الرد هذه المرة، بينما تسرع ميار بالنهوض متظاهرة بأنها تلقت رسالة مهمة:
ميار (بصوت متوتر):
"أنا داخلة أوضتي، شكلي نسيت حاجة مهمة لازم أراجعها."
يبتسم الجد نادر بخفة وهو يتابعها بنظره، ثم يعود ليركز على سليم الذي لا يزال يحاول استجماع أفكاره.
نادر:
"عارف يا سليم، الحياة علمتني حاجة مهمة... الفرص مش بتيجي كتير، ولو ما أخدتهاش في وقتها، هتندم."
يصمت الجميع، يدركون أن الجد نادر قد وضع النقطة الأخيرة في هذا النقاش. أما سليم، فبينما يحاول التظاهر بعدم الاهتمام، يعلم في داخله أن كلام جده أصاب كبد الحقيقة... لكنه فقط لم يكن مستعدًا للاعتراف بها بعد
*******************
بعد لحظات من الصمت، يضحك زين بصوت خافت، وهو يهز رأسه متسليًا، ثم ينظر إلى سليم الذي بدا وكأنه يحاول استيعاب كلام الجد الأكبر.
زين (بنبرة ساخرة):
"عارف يا سليم، أنا مش عارف أنت مستني إيه بالظبط! يعني لو كنت عايز تصريح رسمي من الدولة عشان تعترف، قوللي وأنا أتصرف!"
يرفع سليم عينيه بحدة نحو عمه، بينما ينفجر إياد في الضحك، محاولًا كتم صوته تحت أنظاره الحادة.
سليم (متذمرًا):
"يا بابا، ما تسيبني في حالي بقى! أنتو عاملين حفلة عليا النهاردة ولا إيه؟"
يتدخل ادهم، والد ميار، بضحكته الهادئة، وهو يضع كوب الشاي على الطاولة، ثم يتكئ للأمام مستندًا على ركبتيه، متأملًا سليم بنظرة ذات مغزى.
ادهم (بجدية لكن بابتسامة):
"بص يا سليم، أنا مش هدخل في اللي بتحسه، لإنك أدرى بنفسك... بس اللي هقولهولك حاجة واحدة، لو كنت شايف إنك مش بتحب ميار، ليه بتتخانق مع أي حد يقرب منها؟"
يحاول سليم الرد، لكنه يتوقف، يتذكر موقفه في الجامعة حين رأى ميار مع زميلها وكيف اشتعلت غيرته دون تفكير... يحاول التظاهر بالهدوء، لكنه لا يجد كلمات مناسبة.
يبتسم زين ابتسامة جانبية، ويضرب كتف ادهم بمرفقه مازحًا:
زين:
"خلاص يا أدهم، الراجل وقع، بس مش راضي يعترف!"
يضيق سليم عينيه، ويرد بنبرة متوترة:
سليم:
"أنا ما وقعتش ولا حاجة، والموضوع ملوش علاقة بالحب، أنا بس... ميار زي أختي!"
يصيح ادهم وزين وإياد معًا بصوت واحد:
"أختك؟!"
يهز ادهم رأسه ضاحكًا، ثم يضع يده على كتف سليم بطريقة أبوية:
ادهم (بهدوء جاد):
"بص، أنا أبوها، وأنا شايف اللي إنت مش شايفه... مش عايزك تخسرها عشان عنادك."
يحاول سليم الرد، لكنه يصمت. كلمات ادهم أصابته في الصميم، لكنه لا يزال غير مستعد للاعتراف بالحقيقة، ليس الآن على الأقل.
أما الجد نادر، فيكتفي بالنظر إلى حفيده بابتسامة حكيمة، وكأنه ينتظر بفارغ الصبر اللحظة التي يدرك فيها سليم ما يعلمه الجميع بالفعل...
********************
داخل جناح الفندق – باريس
غيث يجلس على الأريكة، يضع جهاز التحكم على الطاولة بعد أن أطفأ التلفاز، ثم يلتفت إلى السرير حيث تنام غزل بعمق تحت الغطاء. ينظر إليها بقلق، فقد أصبحت تنام كثيرًا في الأيام الأخيرة، وتشعر بالدوار والغثيان أحيانًا. في البداية، ظن أنها متعبة بسبب السفر، لكن الأمر بدأ يثير قلقه.
يتنهد، يقترب منها، يجلس على حافة السرير، ثم يلمس جبينها بلطف.
غيث (بصوت هادئ):
"غزل... حبيبتي، انتي كويسة؟"
تتململ غزل قليلًا، تفتح عينيها بصعوبة، تنظر إليه بنصف وعي قبل أن تتمدد على السرير مجددًا.
غزل (بكسل):
"أنا بخير، بس حاسة بنعاس غريب..."
غيث (متذمرًا بقلق):
"غزل، بقالك تلات أيام وانتي نايمة أغلب الوقت، وكل يوم بتشتكي من غثيان ودوخة! إحنا لازم نروح لدكتور."
تجلس غزل ببطء، تفرك عينيها وتتنهد، ثم تنظر إليه بابتسامة خفيفة، محاولة تهدئته.
غزل:
"غيث، متقلقش، ممكن يكون الجو متغير عليا، أو يمكن أكلت حاجة مش تمام... مش لازم نبالغ."
يرفع غيث حاجبيه بعدم اقتناع، يعقد ذراعيه وينظر إليها بنظرة فاحصة.
غيث:
"متأكدة؟ لأن لو الموضوع مش الأكل، لازم نشوف حد متخصص."
تضحك غزل بخفة، ثم تضع يدها على خده برقة، مما يخفف توتره قليلًا.
غزل (بمزاح):
"يعني يا دكتور غيث، خلاص قررت إني عندي مرض خطير؟"
يهز غيث رأسه، ثم يمسك يدها بين يديه بجدية أكثر.
غيث (بصوت دافئ لكنه قلق):
"أنا مش بلعب، لو تعبانة بجد، لازم نتصرف."
تشعر غزل بوخزة خفيفة من الذنب لرؤيته بهذا القلق، لكنها لا تشعر أن الأمر يستحق كل هذا التوتر. فتبتسم له بثقة، تميل للأمام لتقبل جبينه بلطف.
غزل:
"أنا كويسة، بس لو فضلت تعبانة، بوعدك نروح لدكتور... اتفقنا؟"
ينظر إليها غيث للحظة، ثم يتنهد مستسلمًا، رغم أن القلق لا يزال واضحًا في عينيه.
غيث:
"اتفقنا، بس على شرط... لو حسيتِ بأي حاجة تانية، مش هنستنى."
غزل (بابتسامة ناعسة):
"حاضر، حاضر، دلوقتي ممكن أنام شوية كمان؟"
يتنهد غيث مجددًا، ثم يسحب الغطاء عليها بحنان، ويهمس وهو ينظر إليها:
غيث:
"نامي حبيبتي، بس أوعي تصحي تلاقيني واقف فوق راسك بتأكد إنك لسه بتتنفسي!"
تضحك غزل بخفوت قبل أن تغلق عينيها، بينما يجلس غيث بجانبها، لا يزال غير قادر على طرد القلق الذي يتسلل إلى قلبه
*******************
داخل حانة فاخرة في إيطاليا – زاوية معزولة
تجلس تارا على أريكة جلدية حمراء، تمسك بكأس من النبيذ وتحركه ببطء بين يديها، بينما تتحدث مع صديقتها جوليا، وهي فتاة عاهرة مثلها، بشعر أشقر مجعد وملابس ضيقة.
تارا عابسة، تملأ عينيها الكراهية بينما تتحدث عن غزل، الفتاة التي سرقت اهتمام ماركو منها.
جوليا (بفضول):
"إذن، ما قصة تلك الفتاة المصرية؟ تبدين وكأنكِ تريدين خنقها بيديكِ."
تضغط تارا على كأسها بقوة، تكاد تحطمه، ثم ترفع عينيها المليئتين بالغلّ نحو صديقتها.
تارا (باحتقار):
"غزل؟ تلك المدللة المتعجرفة؟! لا أعرف ماذا يرى فيها ماركو! إنها مجرد فتاة مملة، محافظة، ترتدي دائمًا ملابس محتشمة وكأنها قديسة! لكنه ينظر إليها وكأنها ملاك نازل من السماء!"
جوليا (تضحك بسخرية):
"ماركو؟! لا تقلبي معدتي! ذلك الرجل بالكاد يبتسم لأي شخص... لكنه معجب بها؟!"
تارا (تضغط على أسنانها بغيظ):
"ليس فقط معجب بها! لقد كان يعاملني وكأني نكرة منذ أن ظهرت في حياته! كلما حاولت الاقتراب منه، يتجاهلني... لكنه معها؟! كان مستعدًا ليخاطر بحياته فقط ليحذرها من المافيا! هل تصدقين هذا؟!"
تميل جوليا للأمام، تداعب خصلة من شعرها بإصبعها، ثم تهمس بمكر:
جوليا:
"إذن، ماذا ستفعلين؟ لا تبدين كشخص سيترك الأمر يمر هكذا."
تبتسم تارا ابتسامة خبيثة، عيناها تتلألآن بدهاء.
تارا (بهمس شيطاني):
"بالطبع لن أتركها! تلك الفتاة تعتقد أنها بأمان الآن لأنها غادرت إيطاليا، لكن العالم صغير جدًا، وصديقي العزيز لورينزو لديه طرقه في إيجاد من نبحث عنهم... عاجلًا أم آجلًا، سأجعلها تدفع الثمن!"
تبتسم جوليا بمكر، وترفع كأسها لتصطدم به بكأس تارا، وكأنهما تتفقان على إعلان الحرب.
جوليا (بمرح شرير):
"إذن، لحربكِ الصغيرة ضد القديسة المصرية!"
تبتسم تارا ابتسامة باردة، ترفع كأسها وتشرب منه رشفة صغيرة، بينما تفكر في خطوتها القادمة... غزل لن تنجو بسهولة
********************
داخل غرفة ميار – فيلا العائلة
تجلس ميار على سريرها، تمسك بهاتفها وتتصفح صور سليم، عيناها تتأملان ملامحه بضعف، وقلبها ينبض بسرعة كلما وقعت عيناها على ابتسامته في إحدى الصور. تحاول أن تقنع نفسها بأنها مجرد إعجاب عابر، لكنها تعلم الحقيقة... هي تحبه، تحبه أكثر مما ينبغي.
تتنهد بهدوء، ثم تقرب الهاتف إلى صدرها، وكأنها تحاول أن تخفي مشاعرها حتى عن نفسها. فجأة، يُفتح باب غرفتها بعنف، ويدخل أحمد، شقيقها الصغير ذو الأربع سنوات، وهو يمسك بسيارة لعب صغيرة بين يديه.
أحمد (بحماس وهو يركض نحوها):
"ميار! ميار! بصي عربيتي الجديدة!"
تفزع ميار بسرعة وتحاول إخفاء هاتفها، لكن أحمد كان أسرع منها، فقفز بجانبها على السرير ومدّ رأسه ليحاول النظر إلى الشاشة.
أحمد (ببراءة وهو يحدّق في الهاتف):
"إيه ده؟ صورة سليم؟"
تتسع عينا ميار في صدمة، وتخطف الهاتف بسرعة وهي تحاول أن تبدو طبيعية.
ميار (بتوتر):
"آه؟ لا لا، دي... دي صورة قديمة، كنت بشوفها بس!"
يحدق أحمد فيها بعينيه الواسعتين، ثم يرفع حاجبه الصغير بطريقة لا تتناسب مع سنه، ويضع يده على ذقنه وكأنه يفكر بعمق.
أحمد (بدهاء طفولي):
"بس إنتي كنتي بتبصي ليها كتييير، وشك كان عامل زي اللي بيحب..."
تقاطعه ميار بسرعة وهي تحمر خجلًا، وتضع يدها على فمه بلطف.
ميار (بتوتر):
"أحمد! اسكت بقى، وإلا هخبي عربيتك الجديدة!"
يضحك أحمد بسعادة، ثم ينزل من السرير ويركض في أرجاء الغرفة.
أحمد (بصوت عالي وهو يضحك):
"ميار بتحب سليم! ميار بتحب سليم!"
تضع ميار يديها على وجهها وهي تشعر أن قلبها سيتوقف من الإحراج، ثم تسرع خلفه محاولة إسكاته قبل أن يسمع أحد، لكنها تعلم أن هذا الطفل الصغير قد يكون أكبر تهديد لمشاعرها السرية
********************
بعد أن تمكنت أخيرًا من إسكات أحمد وإخراجه من الغرفة، جلست ميار على سريرها، تحاول تهدئة نبضات قلبها. لكنها تفزع مرة أخرى عندما يُطرق الباب، ثم يُفتح بهدوء، ليظهر والدها أدهم، بابتسامته الهادئة ونظرته الدافئة التي لطالما منحتها شعورًا بالأمان.
أدهم (بصوت هادئ وهو يدخل):
"مش هتطرديني زي أحمد، صح؟"
تبتسم ميار بخجل وهي تنزل عينيها إلى الأرض.
ميار:
"بابي... طبعًا لأ، اتفضل."
يجلس أدهم على الكرسي بجانبها، ينظر إليها قليلًا قبل أن يتحدث بلطف، كأنه يقرأ أفكارها دون أن تنطق بها.
أدهم (بهدوء وهو يراقبها):
"كنتي بتفكري في إيه قبل ما يدخل أحمد؟"
تتجمد ميار قليلًا، تحاول أن تتظاهر بعدم الفهم، لكنها تعلم أن والدها ليس من السهل خداعه. تبتلع ريقها، وتلعب بأطراف شالها بخجل.
ميار (بتوتر):
"مفيش، كنت بس بفكر في حاجات كتير... الجامعة، الحياة، المستقبل..."
أدهم (يبتسم بمكر خفيف):
"و سليم؟"
ترتفع عينا ميار بسرعة نحوه، يتسع بؤبؤاها من الصدمة، وكأن قلبها توقف للحظة.
ميار (بتلعثم وهي تحاول التظاهر بالدهشة):
"إيه؟ سليم إيه؟"
يضيق أدهم عينيه وهو ينظر إليها وكأنه يعرف كل شيء، ثم يضع يده على رأسها بحنان ويضحك بخفة.
أدهم (بلطف):
"حبيبتي، أنا أبوكي، يعني لو الدنيا كلها معرفتش، أنا هعرف. نظراتك، توترك، طريقة كلامك لما حد يجيب سيرته، وحتى أحمد الصغير كان بيجري وهو بيقول ‘ميار بتحب سليم!’... تحبي أقوله إيه ده بقى؟"
تضع ميار يديها على وجهها، تشعر أن وجهها احترق من الإحراج، بينما يضحك أدهم بحنان.
ميار (بصوت خافت وهي تهمس):
"بابي... بجد؟ حتى إنت؟"
أدهم (يبتسم بحنان وهو يمسك يدها):
"ميار، الحب مش حاجة تخجل منها، بالعكس، ده أجمل حاجة في الدنيا... لكن سؤالي ليكي، هل إنتي مستعدة تعترفي لنفسك الأول قبل ما تعترفي له؟"
تصمت ميار، تشعر أن والدها أصاب قلبها مباشرة، فلطالما أخفت مشاعرها، حتى عن نفسها. تنظر إليه، إلى عينيه التي تشبه عينيها، وترى فيه الدعم الكامل.
ميار (بهمس وهي تخفض عينيها):
"أنا... مش عارفة... خايفة."
يبتسم أدهم، ثم يربّت على يدها بحنان.
أدهم:
"الحب دايمًا بييجي مع شوية خوف، لكن لو كان صادق، الخوف ده بيختفي مع الوقت. خدي وقتك، بس متخليش خوفك يمنعك من السعادة اللي ممكن تكوني مستنياها."
تنظر ميار إلى والدها، وتشعر بدمعة صغيرة في عينيها، ليس حزنًا، بل امتنانًا. لم يكن هناك أحد يفهمها كما يفعل والدها، وكأن قلبه متصل بقلبها بطريقة سحرية.
"بابي... أنا بحبك أوي."
أدهم (يبتسم وهو يضمها إليه):
"وأنا بحبك أكتر، يا حتة من قلبي."
*******************
يجلس سليم على سريره، ممسكًا بهاتفه، يتنقل بين صور ميار التي التقطها لها دون أن تدري، وأخرى جمعها من حساباتها. نظراته مليئة بمشاعر لا يستطيع البوح بها، مزيج من الحب والغيرة والخوف... يتوقف عند صورة لها وهي تضحك مع زميل لها في الجامعة، ليشتعل الغضب في عينيه. قبل أن يفكر في شيء، يُفتح الباب فجأة، ويدخل زين، والده، دون استئذان.
زين (بابتسامة ماكرة وهو يعقد ذراعيه):
"بتعمل إيه يا سليم؟"
يفزع سليم قليلًا، لكنه سريعًا ما يحاول التظاهر بالهدوء، يغلق هاتفه ويرميه بجانبه على السرير.
سليم (بتوتر):
"ولا حاجة، كنت بس بتفرج على... على صور عادية."
يرفع زين حاجبه، ثم يسير نحو السرير، يلتقط الهاتف قبل أن يتمكن سليم من منعه، وبنظرة سريعة يلمح صورة ميار على الشاشة قبل أن يُطفئ الهاتف ويبتسم بمكر.
زين (بضحكة خفيفة):
"آه، صور عادية جدًا... صور ميار!"
يعض سليم شفتيه بانزعاج، ثم ينهض ليأخذ هاتفه، لكن والده يرفعه بعيدًا عنه بمكر.
سليم (متوترًا وهو يحاول استعادة هاتفه):
"بابا، رجّع التليفون، مش وقته."
زين (بهدوء وهو يراقبه):
"يعني أخيرًا اعترفت؟"
سليم (يتوقف لوهلة، ثم يشيح بوجهه):
"معترفتش بحاجة."
يضحك زين، ثم يجلس على الكرسي بجانب المكتب، واضعًا الهاتف على الطاولة، وينظر إلى ابنه بتمعن.
زين (بصوت هادئ لكن واثق):
"سليم، أنا أبوك، يعني لو هتقدر تخدع الدنيا كلها، مش هتقدر تخدعني. نظراتك، عصبيتك لما حد يتكلم عنها، غيرتك اللي مش بتعرف تخبيها... كل حاجة بتقول إنك بتحبها."
يخفض سليم نظره، يعلم أن والده على حق، لكنه عنيد، لا يريد الاعتراف بسهولة.
سليم (يتمتم):
"حتى لو... حتى لو كنت بحبها، هي عمرها ما هتشوفني كده، أنا بالنسبة لها مجرد ابن عمها اللي بيزعق فيها طول الوقت."
زين (يبتسم وهو يميل للأمام):
"وإنت فاكر إن الحب دايمًا بيكون لطيف وناعم؟ الحب ساعات بيكون شد وجذب، خوف وغيرة، بس اللي بينك وبين ميار مش حاجة عادية. أنا شايف نظرتها ليك، وصدقني، لو كانت مجرد بتشوفك ابن عمها وبس، مكنتش هتتوتر كل ما تقرب منها."
يرفع سليم نظره فجأة، تتسع عيناه قليلًا.
سليم (بدهشة):
"إنت شايف كده؟"
يضحك زين وهو يربّت على كتف ابنه.
زين:
"شايف وعارف... بس السؤال، هتفضل واقف مكانك مستني، ولا هتاخد خطوة قبل ما حد تاني يدخل حياتها؟"
يضيق سليم عينيه، وعادت صورة زميل ميار في الجامعة لتلمع في ذهنه، ليشعر بغيرة قاتلة... وكأن والده وضع يده على الجرح تمامًا.
سليم (بحزم لكن بصوت منخفض):
"مش هسمح لحد ياخدها مني."
يبتسم زين برضا، ثم ينهض وهو يضع الهاتف في يد سليم.
زين (بهدوء):
"خد وقتك، بس متتأخرش قوي، الحب محتاج جرأة، ومش كل مرة هتلاقي القدر مستنيك."
يخرج زين من الغرفة، تاركًا سليم غارقًا في أفكاره، ينظر إلى صورة ميار مجددًا... هذه المرة، وهو مصمم على فعل شيء حيال مشاعره.