رواية عهد الغرام 3 الفصل العشرون 20 بقلم محمد محمد علي

رواية عهد الغرام 3

الفصل العشرون 20

بقلم محمد محمد علي


بعد عدة أيام ، في بهو الفندق – باريس


تسير غزل بجانب غيث وهما متجهان نحو باب الفندق، تستند على ذراعه قليلاً لكنها تحاول إخفاء تعبها. أمتعتهما جاهزة، والرحلة إلى مصر تنتظرهما. فجأة، تشعر غزل بدوار شديد، يتأرجح جسدها للحظة، وتفقد توازنها. قبل أن تهوي أرضًا، تمتد يد غيث بسرعة ويمسك بها، يسندها إليه بقلق بالغ.


غيث (مذعورًا وهو يمسك وجهها بيديه):

"غزل! إنتِ كويسة؟ إيه اللي حصل؟"


تغلق غزل عينيها للحظة، تحاول استعادة توازنها بينما تستند إلى صدره، تشعر بالدوار وكأن الأرض تدور بها.


غزل (بصوت ضعيف):

"مش عارفة... حسيت بدوخة فجأة."


يحدّق فيها غيث بقلق، ثم يضع يده على جبينها ليختبر حرارتها.


غيث (بقلق متزايد):

"إنتِ حاسة بتعب؟ سخونة؟ صداع؟ لازم نروح لدكتور!"


تحاول غزل التظاهر بأنها بخير، لكنها تشعر بغثيان مفاجئ، تضع يدها على فمها وتحاول التنفس بعمق.


غزل (وهي تبتعد عنه قليلًا):

"غيث، أنا بخير... يمكن بس من قلة النوم أو إني صايمة الصبح."


يعقد غيث حاجبيه بعدم اقتناع، لكنه يضع يده على كتفها برفق ويجعلها تجلس على أقرب كرسي في بهو الفندق.


غيث (بحزم):

"لا، مش هنسافر وإنتِ كده. هنروح لدكتور الأول، أنا مش مستعد آخد أي مخاطرة بصحتك."


تضحك غزل بخفة رغم التعب، وتنظر إليه بملامح مرهقة لكنها ممتنة لاهتمامه.


غزل:

"غيث، أنا مش هموت، دي بس دوخة عابرة... ما تهوّلش الأمور."


غيث (بإصرار):

"لأ، أنا مش ههدي غير لما أطمن عليكِ. هنأجل الطيارة ونروح لدكتور، ولا هتروحي معايا دلوقتي من غير مقاومة؟"


تنظر إليه غزل للحظة، ترى الجدية المطلقة في عينيه، فتزفر مستسلمة.


غزل:

"حاضر، زي ما انت عايز... بس أوعدني ما تعملش دراما قدام الدكتور."


يبتسم غيث رغم قلقه، ثم يمسك يدها بلطف ويساعدها على النهوض.


غيث (بمزاح خفيف وهو يحاول تخفيف التوتر):

"أنا؟ أعمل دراما؟ إنتِ مش عارفاني لسه؟"


تبتسم غزل، لكن في داخلها، لم تستطع تجاهل القلق الذي بدأ يتسلل إلى قلبها... ما الذي يحدث لها؟ ولماذا تشعر بهذا التعب المفاجئ؟

*******************

داخل عيادة الطبيب – باريس


يجلس غيث وغزل أمام الطبيب، الذي ينظر إليهما بابتسامة وهو يحمل بعض الأوراق الطبية. كان غيث ممسكًا بيد غزل بحذر، وعيناه مليئتان بالقلق.


الطبيب (بهدوء وبابتسامة مطمئنة):

"السيدة غزل، تهانينا... أنتِ حامل."


ساد الصمت للحظات... ثم تسمرت عينا غيث على الطبيب وكأن الكلمات لم تصل إلى عقله بعد، بينما وسّعت غزل عينيها بصدمة.


غزل (بذهول وهي تشير لنفسها):

"أنا إيه؟"


الطبيب (بابتسامة هادئة):

"حامل، في الشهر الثاني تقريبًا. الأعراض اللي كنتِ بتحسي بيها طبيعية جدًا في بداية الحمل."


تبادل غيث وغزل نظرات صامتة، ثم فتح غيث فمه لينطق لكنه لم يستطع، رفع إصبعه وكأنه يحاول استيعاب الأمر.


غيث (بصدمة وهو ينظر للطبيب ثم لغزل):

"إنتِ... حامل؟!


غزل (ببطء وهي تحاول استيعاب الأمر):

"أنا... حامل؟"


ثم فجأة... وكأن صاعقة من الفرح ضربتهما في نفس اللحظة!


غيث (ينهض فجأة ويصرخ بحماس):

"إنتِ حامل!!!"


غزل (تضع يديها على فمها بذهول وسعادة):

"أنا حامل!!!"


يقف غيث ويبدأ بالقفز في مكانه كالأطفال، بينما غزل تضحك وتدمع عيناها من الفرحة. يركض غيث نحو الطبيب ويصافحه بعنف شديد.


غيث (بحماس جنوني وهو يهز يد الطبيب):

"دكتور، والله العظيم بحبك! أنت أحسن واحد في العالم!"


يضحك الطبيب ويحرر يده بلطف، بينما تقف غزل وتضع يديها على بطنها بخفة، غير مصدقة أنها تحمل حياة داخلها.


غزل (بصوت مرتجف من التأثر):

"غيث... هنكون أبو وماما!"


لم ينتظر غيث، اندفع نحوها واحتضنها بحب وسعادة غامرة، رفعها عن الأرض وأدارها في الهواء وسط ضحكاتها.


غيث (بصوت مبحوح من الفرح):

"ياااااه غزل، مش مصدق! هنكون أب وأم! هبقى بابا! بجد بجد!!"


تتدخل الممرضة فجأة، تطرق الباب وتطل برأسها باندهاش بعد سماع الضجة:


الممرضة (بتعجب):

"حضراتكم بخير؟"


غيث (بحماس وهو ما زال يحمل غزل في الهواء):

"إحنا بقينا بابا وماما!!!"


يضحك الطبيب والممرضة، بينما تحاول غزل تهدئته وهي تضحك بسعادة.


غزل (بمزاح):

"غيث، نزلني قبل ما الدكتور يغير رأيه!"


يضعها غيث بحذر على الأرض، ثم يمسك يديها وينظر إليها بحب لا يمكن وصفه.


غيث (بصوت دافئ وهو يلمس خدها):

"أنا مش مصدق إن ربنا رزقني بيكي وبابننا... أو بنتنا... يارب تكون بنت شبهك!"


غزل (تبتسم وهي تمسح دموع فرحها):

"وأنا مش مصدقة إنك هتبقى أبو طفلي."


يضمها غيث إليه برفق، ويهمس لها بحب:


غيث:

"أحلى هدية في حياتي، هي إنتِ... وابننا اللي جاي."


ويظلان في عناق دافئ، بينما الطبيب والممرضة يبتسمان بسعادة لمشهدهما العاطفي، ويبدو أن باريس لن تكون فقط مدينة الحب بالنسبة لهما... بل مدينة البداية الجديدة لعائلتهما الصغيرة

*******************

في فيلا عائلة غزل – الصالون الرئيسي


العائلة كلها متجمعة، يجلس سليم وميار والدا غزل مع الجدود نادر، عادل وصفاء، وأشقائها أدهم، مازن وحور، بالإضافة إلى أعمامها وأبناء عمومتها، بينما على الجانب الآخر تجلس عائلة غيث – والده رمزي، ووالدته شيرلين، وشقيقه الصغير أمجد. الجميع ينتظر اتصال غزل وغيث بحماس، وفجأة يرن الهاتف، فيفتح سليم المكالمة المرئية، ويظهر غيث وغزل على الشاشة بابتسامات مشرقة.


سليم (بحماس وهو يمسك الهاتف جيدًا):

"غزل! غيث! أخباركم إيه؟ يلا قولوا، مستنيين نعرف، إيه المفاجأة اللي عايزين تقولوهالنا؟"


تنظر غزل إلى غيث الذي يبتسم بحماس ويأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يقول:


غيث:

"بابا، ماما، عائلتنا الجميلة كلها... جه الوقت اللي نقول لكم فيه إنكم مش هتشوفونا قريب..."


تعلو الوجوه علامات القلق، فيعقد سليم حاجبيه ويقول بجدية:

"إيه؟ ليه؟ في حاجة حصلت؟"


تضحك غزل بسعادة، ثم تضع يدها على بطنها قائلة بحماس:

"لأننا هنرجع ومعانا فرد جديد في العيلة!"


يعم الصمت لثوانٍ، وكأن العقول تحاول استيعاب الخبر، ثم فجأة... تنفجر القاعة بالصراخ والفرح!


ميار (تضع يدها على فمها والدموع تملأ عينيها):

"بنتي... حامل!!"


أمجد (يقفز من الفرح):

"يعني هبقى عمو؟! عمو أمجد!!!"


رمزي (يضرب كتف شيرلين بحماس):

"شفتي يا شيرلين؟! هنكون جد وجدّة!!"


شيرلين (تمسح دموعها بسعادة):

"مش مصدقة، غيث ، غزل 

يقف نادر الجد الأكبر فجأة وينظر للجميع بفخر، ثم يرفع يديه قائلاً بحماس:

"دي أكبر فرحة في حياتي! حفيد جديد للعيلة! أنا عايز حفلة كبيرة!"


عادل (يضحك ويهتف وهو يصفق):

"لازم نعمل حفلة استقبال ضخمة، غزل وغيث راجعين ومعاهم هدية العمر!"


يضحك غيث وغزل بسعادة، ثم يتحدث سليم الأب وهو يمسح دموع فرحته:


"غزل حبيبتي، ربنا يحفظك إنتي والبيبي، إحنا مستنيينكم على أحر من الجمر!"


غيث (مازحًا):

"بس خلي بالك يا عمي، إحنا مش راجعين قريب... غزل لازم ترتاح الأول."


يضحك الجميع، بينما يقف مازن وأدهم وحور  يصفقون ويقفزون بحماس:


"هنكون خال وخالة!!"

***********************


بعد أن هدأت موجة الفرح، اعتدل سليم الأب في جلسته، وعاد إلى جديته المعهودة، ونظر إلى غيث وغزل بصرامة، قبل أن يقول بصوت حازم:


سليم:

"دلوقتي اسمعوني كويس، أنتو مش هتقعدوا في الفندق ولا يوم كمان، لازم تروحوا على بيت العيلة في فرنسا فورًا!"


يتفاجأ غيث قليلًا من نبرة الأمر، فينظر إلى غزل التي لم تبدُ مستاءة، بل على العكس، كانت تبتسم برقة وكأنها تتوقع هذا القرار.


غيث (بحيرة وهو يحاول تهدئة الموقف):

"عمي، إحنا مرتاحين هنا، والفندق خمس نجوم، كل حاجة متوفرة..."


ميار (تقاطعه بإصرار الأم الحنون):

"فندق إيه بس يا غيث؟! غزل حامل ومحتاجة راحة تامة، وبيت العيلة هناك واسع، والخدم هيهتموا بيها كويس، مش زي الفندق!"


رمزي (والد غيث، يضحك):

"غيث، واضح إنك خسرت المعركة، استسلم وخلاص."


ينظر غيث إلى الجميع وهو يشعر بأنه محاصر، ثم يلتفت إلى غزل، ليرى نظرتها المتحمسة... كانت تريد الذهاب فعلًا.


غيث (يضع يده خلف رقبته ويتنهد باستسلام):

"طيب... موافق، هنروح بيت العيلة."


تبتسم غزل بسعادة، بينما تهتف حور الصغيرة في الخلفية ببراءة:


"هيييه! يعني هنشوفكم في ڤيديوهات بجنينة بيتنا هناك؟!"


مازن (يضحك وهو يغمز لغيث):

"بس خد بالك، في بيت العيلة الكاميرات في كل حتة... يعني مفيش لحظات رومانسية براحتكم!"


يحمر وجه غيث قليلًا بينما تضحك غزل بخفة، ثم يلتفت غيث مجددًا نحو الهاتف قائلًا:


"خلاص يا عمي، هنجهز حالًا ونروح هناك."


سليم (بابتسامة راضية):

"كده أحسن، منتظركم أول ما توصلوا، وطبعًا، لو احتجتوا أي حاجة، كلمونا فورًا!"


تنتهي المكالمة وسط ضحكات الجميع، وينظر غيث إلى غزل التي تنهض بحماس وهي تقول:


"يلا، خلينا نرتب شنطنا... بيت العيلة في انتظارنا!"


يهز غيث رأسه مبتسمًا وهو يراقبها... كان يعلم أن الأيام القادمة ستكون ممتعة، لكن أيضًا، ستكون مليئة بالمفاجآت

*********************


بعد أن أغلقت العائلة المكالمة مع غيث وغزل، ساد جو من السعادة والفرح، الضحكات تتعالى، والتهاني تتبادل بين الجميع.


فجأة، يدخل سليم  إلى الصالون، ينظر إليهم بحيرة وهو يرى وجوههم المضيئة بالسعادة، ثم يعقد حاجبيه متسائلًا:


سليم  (ينظر حوله باستغراب):

"إيه الحكاية؟ إنتو فرحانين كده ليه؟ في حاجة حصلت؟"


تتقدم منه ميار بسعادة وهي تقول بحماس:


ميار (بعينين متألقتين):

"غزل حامل يا سليم!"


يتسع فم سليم  من الدهشة، ثم سرعان ما تتحول صدمته إلى فرحة كبيرة، يفتح ذراعيه بسعادة وهو يهتف:


سليم :

"إيه الكلام ده؟ بجد؟ غزولة حامل؟!"


يضحك سليم الأب وهو يرى ردة فعل ابن اخيه، بينما تقول ميار بمرح:


"بجد طبعًا، هو إحنا بنهزر في حاجة زي دي؟"


يضع سليم الابن يده على رأسه وكأنه لا يصدق، ثم يقول بحماس:


"أنا مش مصدق! غزل حامل! ده أحلى خبر سمعته النهاردة!"


حور (تقفز بحماس):

"وأنا كمان! أنا كده هبقى خالة!"


يضحك الجميع على رد فعل حور، بينما يقول زين، والد سليم الابن، بمزاح:


"إنت فرحان كده ليه، هو إنت اللي هتبقى أب؟"


يرد سليم الابن بسرعة، وهو يحاول السيطرة على سعادته:


"لا طبعًا، بس غزل مش مجرد بنت عمي، دي أختي التانية، وأكيد فرحان ليها!"


سليم الأب (يبتسم برضا وهو يربت على كتف ابنه):

"ربنا يسعدها هي وغيث، ويقومها بالسلامة، ويديهم طفل جميل زيها."


تضحك ميار وهي تنظر إلى سليم الابن قائلة بمزاح:


"خلاص، بقى عندك سبب تاني للسفر باريس، تروح تشوف بنت عمك الحامل."


يغمز سليم الابن لها قائلاً بمكر:


"ويمكن أشوف حاجات تانية كمان..."


تحمر وجنتا ميار من كلامه، لكن قبل أن ترد، يتدخل مازن ضاحكًا:


"كفاية رومانسية بقى، إحنا في احتفال مش فيلم عربي!"


تعم الضحكات المكان، والجميع يواصل الاحتفال بخبر حمل غزل، بينما سليم الابن لا يزال مبتسمًا، يشعر بسعادة غامرة وكأن الخبر يعنيه شخصيًا، فهي في النهاية أخته التي لم تلدها أمه

**********************


بعد لحظات من الضحك والسعادة بخبر حمل غزل، ساد صمت بسيط، وكأن الجميع ينتظر ما سيحدث بعد ذلك. عندها تقدم سليم الابن خطوة للأمام، وقف بثبات لكن قلبه كان ينبض بسرعة، يعلم أن هذه اللحظة لا يمكن أن تضيع، عليه أن يتحلى بالشجاعة الآن أو يندم لاحقًا.


سليم الابن (بصوت جاد لكنه دافئ):

"بما إننا عايشين فرحة حلوة النهاردة، حابب أشارككم حاجة مهمة كمان."


التفتت العائلة نحوه، الجميع بدا مهتمًا، بينما اتسعت عينا ميار بصدمة، تشعر بشيء غريب في قلبها، وكأنها تعرف ما سيقوله لكنه لا يزال غير حقيقي بالنسبة لها.


نظر سليم الابن مباشرة إلى أدهم، والد ميار، ثم أخذ نفسًا عميقًا وتحدث بثبات:


سليم الابن:

"يا عمي أدهم، أنا مش هطول في الكلام... أنا بحب ميار، ومش شايف حياتي من غيرها، وعاوز أتقدم ليها بشكل رسمي، وبطلب إيدها منك دلوقتي."


ساد الصمت للحظات، ثم تعالت شهقات المفاجأة من بعض أفراد العائلة، بينما ابتسم سليم الأب بفخر، وزين نظر إلى ابنه بدهشة ممزوجة بالسعادة. أما ميار، فكانت أشبه بمن تجمدت في مكانها، قلبها يدق بعنف، لم تصدق ما سمعته للتو.


أدهم (يبتسم وهو ينظر إلى سليم بمزيج من الفخر والمودة):

"وأخيرًا نطقت يا سليم! بصراحة أنا كنت مستني اللحظة دي من زمان، والجواب عند ميار."


التفتت العيون إلى ميار، التي كانت في حالة صدمة كاملة، عيناها تلمعان، ولم تستطع أن تنطق بكلمة واحدة.


حور (بمزاح وهي تقترب من ميار وتهمس لها):

"هتفضلي ساكتة كده لحد ما سليم يغيّر رأيه؟"


ضحك الجميع، بينما احمر وجه ميار بشدة، نظرت إلى سليم الابن، وجدت في عينيه صدقًا مطلقًا، لم يكن يمزح، لم يكن يقول هذا بدافع الجو الحماسي، بل كان يعنيه حقًا.


أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت بصوت منخفض لكنه مسموع:


ميار:

"موافقة."


تعالت الهتافات والفرحة في المكان، وصفق مازن بحماس، بينما قفز أمجد بسعادة وهو يهتف:


"يعني هنحضر فرح كمان؟ ياه! البيت كله هيبقى مليان عيال قريب!"


ضحك الجميع على تعليق أمجد، بينما تقدم سليم الابن نحو ميار، ونظر في عينيها وهمس بهدوء، لا يسمعهما أحد:


سليم الابن:

"عارف إننا كنا عنيدين أوي، بس كويس إنك سبقتِ واعترفتي بحبك ليا."


نظرت إليه ميار بدهشة وهمست بانفعال:


"إيه؟! أنا ما قلتش إني بحبك!"


سليم الابن (يغمز لها بمكر):

"بس وافقتِ تتجوزيني، وده معناه إنك بتحبيني، صح؟"


لم تستطع ميار الرد، فقط نظرت إليه بغضب مصطنع قبل أن تبتسم، بينما كانت العائلة لا تزال تحتفل بهذا الخبر السعيد، حيث تحول اليوم من الاحتفال بحمل غزل إلى الاحتفال بخطوبة سليم الابن وميار، ولم يكن هناك ما يمكن أن يزيد هذه الليلة روعة وسعادة

*******************


بعد لحظات من الفرح والاحتفال بخطوبة سليم الابن وميار، ارتفع صوت ضحكة متعجرفة في الأجواء، ليُعلن دخول زينب، التي كانت تجلس طوال الوقت تراقب الأحداث بعينين ضيقتين، وكأن كل هذا لم يعجبها أبدًا. كانت ترتدي مجوهراتها الباهظة وثوبًا فاخرًا، وتحركت ببطء إلى وسط الغرفة، تتأمل الجميع بنظرة متعالية، قبل أن تتحدث بنبرة ساخرة تحمل في طياتها الكثير من اللؤم.


زينب (تصفّق ببطء):

"يا سلام! حفلة في البيت، حمل، خطوبة... ناقص بس نلاقي جوايز تُوزّع، ومسابقة أجمل عيلة!"


ساد صمت غريب للحظة، فقد كان الجميع يعلم طبيعة زينب ولسانها اللاذع، حتى أن محمد، زوجها، شعر بتوتر شديد وهو ينظر حوله محاولًا توقع ما ستقوله بعد ذلك.


زينب (تغمز بمكر وتلتفت نحو رمزي والد غيث):

"بس طبعًا مش كل الأخبار تستاهل الاحتفال... يعني، الواحد كان متوقع حاجة زي كده تحصل، لما البيت بقى مفتوح لأي حد!"


نظرت إلى عائلة غيث باشمئزاز واضح، بينما احمر وجه رمزي وشيرلين خجلًا، ولم يفهم أمجد الصغير سبب هذا التوتر المفاجئ، لكنه أمسك بيد والده بحيرة.


شيرلين (بهدوء لكن بحزم):

"تقصدين إيه بكلامك يا مدام زينب؟"


زينب (ترفع حاجبها بتصنع):

"ولا حاجة، يا حبيبتي، بس مش غريبة شوية؟ يعني غزل بنت العز والترف تتجوز واحد... ماشي الحال؟ وبعدين فجأة نلاقيها حامل، ويا عيني عمي نادر مبسوط، ومش ملاحظ حاجة غريبة؟ أنا مش بقول إنه فيه سحر أو حاجة، بس... سبحان الله، كل حاجة بقت في صالح الفقرا، صح؟"


ساد التوتر المكان، بينما اشتعل الغضب في عيون الكثيرين. كان محمد، زوج زينب، يشعر بالإحراج الشديد، لم يكن موافقًا على أفكار زوجته العنصرية، لكنه لم يكن يعرف كيف يسكتها بدون أن يثير مشكلة.


محمد (يضحك بتوتر وهو يضع يده على كتف زينب):

"زينب يا حبيبتي، إنتِ عارفة إننا في قعدة عائلية جميلة، واللي حصل ده مش موضوع نقاش، إحنا فرحانين بحمل غزل وبخطوبة حفيدنا سليم، مالوش داعي نبوظ الجو."


زينب (تتملص من يده وتتحدث بنبرة حادة):

"يعني أنت شايف إن اللي بقوله غلط؟ ما هو إنتو كلكم طيبين أوي على قلوبكم، ماشي، أنا بس قلت رأيي، واللي مش عاجبه عنده الباب يفوت جملين مش واحد!"


حاول سليم الأب التدخل لإنهاء الموقف، بينما نادر الجد الأكبر كان يراقب بصمت، لكن نظرته القوية كانت كافية لجعل الجميع يدرك أنه لن يسمح لزينب بتجاوز حدودها أكثر.


نادر (بحزم ونبرة قاطعة):

"زينب، كفاية كلام فاضي. غزل بنتي، وهي اختارت غيث، وأنا وافقت، واللي عنده اعتراض يتفضل يشرب مية!"


نظرت زينب إلى نادر بغيظ، لكنها لم تجرؤ على الرد، بل اكتفت برفع حاجبها والتقاط حقيبتها الفاخرة، قبل أن تهمس ببرود:


"أوكي، تمام، بس لما تتأكدوا من الحقيقة، ابقوا افتكروا كلامي."


ثم استدارت وغادرت الغرفة بخطوات غاضبة، تاركة وراءها جوًا مشحونًا، بينما محمد تنهد بأسف ومسح على وجهه، قبل أن يلتفت إلى الجميع قائلًا بحرج:


محمد:

"أنا آسف، والله إنتو عارفين طبعها ولسانها، بس متقصدش حاجة..."


لكن الجميع تجاهله تقريبًا، حيث بدأت ميار وحور في محاولة إعادة البهجة للمكان، بينما رمزي وشيرلين قررا تجاهل الكلام تمامًا والتركيز على سعادة ابنهما

*********************


بعد دقائق من مغادرتها، عادت زينب إلى الغرفة، لكن هذه المرة بنبرة مختلفة تمامًا. كانت ملامحها مليئة بالتصنع، وكأنها قررت فجأة أن تغير رأيها، جلست على الأريكة برفاهية، ونظرت إلى الجميع بنظرة جديدة تمامًا، ثم ابتسمت بخفة وهي تتحدث بنبرة مختلفة عن سخريتها السابقة.


زينب (بابتسامة مريبة):

"طيب، بعد ما فكرت شوية… أنا شايفة إن خطوبة سليم  وميار حاجة حلوة جدًا!"


التفت الجميع نحوها باندهاش، فقد كانت منذ لحظات تثير المشاكل، والآن أصبحت تدعم الخطوبة؟ رفع محمد حاجبيه بذهول وهو ينظر إليها بحذر.


محمد:

"إنتِ كويسة يا زينب؟ فجأة غيرتي رأيك؟"


زينب (تبتسم بمكر وتعدل من جلستها):

"أكيد بخير!  ميار بنت عيلة الصاوي الراقية، واحدة من أغنى العائلات، يعني حفيدي مش هيروح بعيد أبدًا، بالعكس ده جوازه ده أنسب حاجة ليه!"


نظرت إلى الجميع ثم أردفت بنبرة متفاخرة:


"يعني بصراحة، لو نقارن بين زواج سليم وميار وبين زواج… حد تاني، الفرق واضح! سليم هيتجوز بنت عز، بنت ناس، مش حد أقل من مستواه!"


ساد صمت ثقيل، وكانت شيرلين على وشك الرد، لكن سليم الأب سبقها ببرود وهو ينظر إلى زينب بحدة.


سليم الأب:

"قصدك إيه يا زينب؟"


زينب (تتظاهر بالبراءة وهي ترفع يدها):

"لا أبداً، أنا بس بقول الحقيقة، يعني… حد يتجوز بنت مليونيرات وحد تاني يتجوز… حد الله أعلم جه منين!"


التوى فم رمزي بمرارة، بينما غيث الذي كان لا يزال على اتصال مع العائلة عبر مكالمة فيديو شعر بالانزعاج من حديثها( مكالمة الفيديو لسه مفتوحة و غيث و غزل سمعوا كل حاجة قالتها زينب), لكن قبل أن يتمكن من الرد، تدخل نادر الجد الأكبر بصوته العميق الذي جعل الجميع يصمتون.


نادر (بحزم):

"زينب، كفاية بقى. الجواز مش بفلوس العيلة، الجواز بالعِشرة والاحترام. غيث راجل وأثبت نفسه، وغزل بتحبه، وده اللي يهمني. أما ميار وسليم، فهم بيحبوا بعض، وده برده اللي يهمني. فلو عندك كلام تاني غير الفلوس، اتفضلي قولي، ولو معندكيش، يبقى اسكتي."


حدقت زينب في نادر، لكنها لم تستطع الرد عليه، فالتفتت إلى محمد وكأنها تنتظر منه دعمًا، لكنه اكتفى بهز رأسه بحرج.


محمد:

"بصراحة يا زينب، الموضوع بقى ممل. سيبينا نفرح بدل ما نضيع وقتنا في الكلام الفاضي."


تنهدت زينب بضيق، لكنها قررت ألا تصعّد أكثر، فرفعت كتفيها باستسلام وهي تتمتم بنبرة متصنعة:


"ماشي ماشي، أنا كنت بس بعبّر عن رأيي… بس أهم حاجة إن فرحي بحفيدي سليم لا يوصف!"


ثم نظرت إلى ميار وابتسمت لها وكأنها لم تكن منذ قليل تقلل من شأن غيث وعائلته، مما جعل ميار تشعر ببعض التوتر لكنها لم تعلق. أما سليم الابن فقد أمسك بيد ميار بحماية، ثم نظر نحو جدته ببرود قبل أن يرد بهدوء لكنه يحمل رسالة واضحة:


سليم الابن:

"المهم يا تيتة، مش مهم الفلوس قد ما المهم إن الجواز يكون عن حب وتفاهم… مش كده؟"


لم تجد زينب ما ترد به، فاكتفت بابتسامة متكلفة وهي ترتشف من عصيرها، بينما تبادل الجميع النظرات، متفقين ضمنيًا على أنهم لن يسمحوا لها بتعكير فرحتهم مجددًا

**********************


بعد حديث زينب المتفاخر، كان الجميع قد بدأ يتجاهلها، لكن فجأة جاء صوت صغير بريء يكسر الصمت…


أمجد (7 سنوات، يعبس وهو ينظر إلى زينب):

"إنتِ مش طيبة زيهم… إنتِ ست وحشة!"


اتسعت عينا الجميع بصدمة، بينما شهقت زينب بغضب وهي تحدق في الطفل وكأنه تفوه بكفر عظيم!


زينب (بحدة وهي ترفع حاجبها):

"إيه؟! أنتَ بتقول إيه يا ولد؟!"


لم يتراجع أمجد بل عقد ذراعيه وأردف بعفوية تامة، غير مدرك لصاعقة كلامه:


أمجد:

"كل العيلة بتحبنا، حتى جدو نادر و جدو عادل، والكل فرحان عشان غيث وهيكون عنده بيبي! بس إنتِ الوحيدة اللي وشك مكشر وكأنك زعلانة، ومش بتحبينا… عشان كده إنتِ شريرة!"


تحولت ملامح زينب للغضب الشديد، فاستدارت فورًا نحو شيرلين ورفعت يدها بتهكم واضح.


زينب (بسخرية واحتقار):

"شايفة يا شيرلين؟ ده اللي بتربيه! ولد قليل الأدب، بدل ما تحمدي ربنا إنه قاعد وسط عيلة كبيرة ومحترمة، جاي يتطاول على اللي أكبر منه"


انقبض قلب شيرلين من كلمات زينب الجارحة، نظرت إلى ابنها الصغير بحنان ثم إلى زوجها رمزي، الذي بدا واضحًا أنه يحاول السيطرة على غضبه.


شيرلين (بهدوء مكسور):

"أمجد مش قليل الأدب… هو بس طفل، وبيقول الحقيقة بدون تجميل."


لكن زينب لم تتوقف، بل زادت من تعجرفها، وهي تلوح بيدها باستنكار.


زينب:

"أنا مش عارفة إزاي بتسمحي لابنك يتكلم كده؟ لو ابني كان قال كده زمان، كنت علمته الأدب فورًا!"


في تلك اللحظة، جاء صوت نادر الجد الأكبر قوياً وحاسماً، جعل الجميع يصمتون على الفور.


نادر (بصوت منخفض لكن يحمل ثقلًا هائلًا):

"كفاية يا زينب."


بلع الجميع ريقهم، بينما نظرت زينب إلى نادر بترقب، ثم حاولت التبرير بصوت متوتر:


زينب:

"بس يا عمي نادر، الولد غلطان، ولازم…"


لكنه قاطعها بصرامة، وهو يحدق فيها بعيونه النافذة:


نادر:

"الغلطان الحقيقي هنا هو إنتِ."


اتسعت عينا زينب بصدمة، بينما أكمل نادر بصوت ثابت لا يقبل الجدال:


نادر:

"بدل ما تهاجمي الطفل، فكري ليه قال كده عنك؟ يمكن لأنه حس بحقيقتك اللي بتحاولي تلميعيها بكلامك المعسول. أمجد طفل، ودايمًا الأطفال عندهم قدرة يشوفوا اللي الكبار بيحاولوا يداروه."


أرادت زينب أن ترد، لكن نظرات نادر كانت كافية لجعلها تصمت، ثم أكمل بحدة:


نادر:

"وعشان كده، لازم تعتذري… تعتذري لرمزي، ولشيرلين، وللصغير أمجد، لأنك تجاوزتِ حدودك."


شهقت زينب وكأنها لم تصدق ما سمعت، تحركت شفتاها محاولة الرفض، لكنها رأت كيف كان الجميع يحدقون بها منتظرين، والأهم… كيف كان نادر يراقبها بحزم. كانت تعلم أن أي تمرد على كلامه سيكلفها مكانتها في العائلة، فابتلعت كبرياءها على مضض.


زينب (بصوت متكلف ومليء بالقهر):

"أنا… آسفة."


نظر إليها نادر نظرة صارمة، وكأنه يعلم أنها لا تعني اعتذارها تمامًا، لكنها قالتها على الأقل. ثم التفت إلى أمجد، الذي كان ينظر إلى زينب بريبة، وكأنه لا يصدق أنها تعتذر!


أمجد (ببراءة وهو يميل برأسه):

"مش عارف إذا كنتِ فعلا آسفة… بس أوك!"


ضحك الجميع بخفوت على رد أمجد البريء، بينما انكمشت زينب في مكانها، تحاول أن تخفي إحراجها. أما شيرلين، فشعرت ببعض الراحة عندما رأت أن هناك من دافع عنها وعن ابنها، لكن لا تزال مرارة كلمات زينب تؤلمها في أعماقها…

**********************


في المساء، كان الجو هادئًا ودافئًا داخل الجناح الفاخر في الفندق. غيث وغزل يجلسان على السرير، متقابلين، بينما يضع غيث يده برفق على بطن غزل، يلامسها بحنان وكأنهما يحييان معجزة صغيرة تنمو بداخلهما.


غيث (بصوت خافت مليء بالعاطفة):

"مصدقين يا مجنونة؟ بعد كم شهر هيمسك طفلنا بأصابعه الصغيرة إيدي… هيبكي، وهيضحك، وهيقول 'بابا' و 'ماما'!"


ابتسمت غزل برقة، ووضعت يدها فوق يده على بطنها، نظرت إليه بحب، وعيناها تلمعان بشعور الأمومة الذي بدأ ينمو داخلها.


غزل (بصوت ناعم):

"لسه مش مستوعبة… حاسه إن كل ده حلم، حلم جميل قوي مش عايزة أصحى منه أبداً."


ضحك غيث بخفوت، ثم انحنى ليضع قبلة طويلة على بطنها، مغرقًا طفلهما الصغير بحبه حتى قبل أن يأتي إلى الدنيا.


غيث (بهمس وهو يغمض عينيه):

"يا صغيري، أنا باباك… ، أمك الجميلة، هنحبك أكتر من أي حاجة في الدنيا."


شعرت غزل بقلبها يذوب، ووضعت يدها على شعره لتداعبه بلطف.


غزل (بمكر خفيف):

"شكل البيبي هيبقى نسخة منك، لأنه شكلك خلاص استولى على حب الدنيا كلها!"


رفع غيث رأسه لينظر إليها بمكر، ثم اقترب أكثر حتى كاد أنفاهما يتلامسان.


غيث:

"نسخة مني؟ لا لا، مستحيل… أنا عايزه نسخة منك، بنفس العيون، بنفس الابتسامة اللي بتنور حياتي."


شعرت غزل بوجنتيها تزدادان احمرارًا، فحاولت إخفاء خجلها وهي تدفن وجهها في صدره.


غزل (بخجل):

"إنتَ هتفضل تذوبني بالكلام ده طول حياتنا؟"


ضحك غيث وضغطها أكثر إلى صدره، ثم همس في أذنها بحب:


غيث:

"طول حياتنا… وحتى بعد ما العمر يعدي، هفضل أحبك، وهنحب صغيرنا، وهنعيش أحلى قصة حب عرفها الزمن."


ابتسمت غزل وأغمضت عينيها، تستسلم لدفء اللحظة، بينما في داخلها، كانت تشعر أنها أسعد امرأة في العالم

*********************


تجلس زينب على كرسيها المخملي الفاخر، تعابير وجهها غاضبة، عيناها مشتعلة بالحقد وهي تردد في رأسها كيف تجرأ الجد نادر على إهانتها، وكيف أصبحت العائلة تفضل غيث وعائلته الفقيرة على حفيدها سليم! فجأة، يُفتح الباب وتدخل دارين، تبدو مترددة بعض الشيء لكنها مصممة على الحديث مع والدتها.


دارين (بهدوء وحزم):

"ماما، ممكن أفهم لحد إمتى هتفضلي كده؟ كل ما يفرحوا بحاجة، لازم تقلبي الدنيا وتعكري الجو!"


زينب (تشتعل غضبًا وتضرب بيدها على الطاولة):

"إنتِ داخلة تدافعي عنهم يا دارين؟ إنتِ شايفة إني غلطانة يعني؟ ولا شايفة إن حفيد عيلة الشرقاوي اللي مش ناقصه حاجة يتساوى مع الواد اللي طالع من حارة؟"


تنظر دارين لوالدتها بيأس، ثم تتقدم خطوة وتجلس على طرف الكرسي المقابل لها.


دارين:

"ماما، مش مهم إحنا جايين منين… المهم إحنا مين، وبنعامل الناس إزاي. غيث راجل محترم، وبيحب غزل، وبيعملها زي الملكة، وإنتِ عارفة ده كويس!"


زينب (باحتقار):

"حب! الكلام الفاضي ده! هو اللي عمله سحر، وجرّ نادر وراه! بس لا… الزمن طويل، وهشوف النهايات!"


تتنهد دارين وهي تهز رأسها، تشعر أن أمها تزداد عنادًا بدلًا من أن تفهم.


دارين (بهدوء لكن بلهجة جادة):

"ماما، المشكلة مش فيهم… المشكلة فيكي إنتِ. طول عمركِ بتشوفي الدنيا من منظور الفلوس والمظاهر، حتى معايا ومع سارة! بنتي مش لازم تطلع نسخة منك، عايزاها تركز على دراستها، مش الماركات والموضة بس!"


زينب (ترفع حاجبها بسخرية):

"وإيه المشكلة لما تتعلم الشياكة؟ حفيدتي مش ناقصها عقل ولا ذكاء، وسارة لازم تبقى سيدة مجتمع راقية، مش واحدة تشتغل ولا تتعب، إحنا أغنياء، والفلوس تحكم!"


تتنهد دارين بعمق، تشعر بالحزن على تفكير والدتها، وعلى ما تحاول غرسه في ابنتها الصغيرة.


دارين:

"بس ماما، الفلوس مش كل حاجة… والعيلة دي، مهما حاولتي تنكري، كلهم ناس طيبين… ولو فضلتي تزرعي الكره ده، هتفضلي وحيدة، وسارة هتكبر وهتفهم كل حاجة!"


تحاول زينب تجاهل كلمات ابنتها، لكنها تشعر بوخزة خفية في قلبها. تصمت لوهلة، ثم تشيح بوجهها بعيدًا، بينما تنهض دارين بتنهيدة طويلة، وتغادر الغرفة وهي تشعر بالأسف على والدتها التي تزداد عنادًا وكبرياءً دون أن تدرك أنها تخسر الجميع من حولها

********************


بعد خروج دارين، تجلس زينب على كرسيها المخملي، تعبيراتها ممتلئة بالضيق والعناد. فجأة يُفتح الباب، ويدخل محمد، وجهه متجهم وعيناه تحملان نظرة حازمة، وكأن صبره بدأ ينفد. يسير نحوها بخطوات هادئة لكنه يضبط نفسه كي لا ينفجر.


محمد (بصوت هادئ لكن حازم):

"زينب… لحد إمتى؟"


تلتفت زينب إليه ببرود، ترفع حاجبها وتعبس قليلاً.


زينب:

"لحد إيه؟ لو جاي تدافع عنهم يبقى مفيش داعي للكلام، أنا خلاص تعبت من الهري ده!"


يتقدم محمد خطوة أخرى، يضع يديه في جيب بنطاله، ويأخذ نفسًا عميقًا وكأنه يحاول كبح غضبه.


محمد:

"مش دفاع عن حد، أنا باتكلم عنك إنتِ، وعن الطريقة اللي بقت تزهق. زينب، إحنا متجوزين بقالنا أكتر من 44 سنة، وأنتِ لسه نفس الإنسانة العنيدة، نفس الغرور، نفس التكبر… لحد إمتى؟"


تشبك زينب ذراعيها وترد بنبرة ساخرة:


زينب:

"وأنا المفروض أكون إيه يعني؟ لطيفة وحنونة مع اللي أقل مني؟ مع الناس اللي شايفة نفسها علينا؟"


يهز محمد رأسه بإحباط، ثم يجلس على الكرسي المقابل لها وينظر إليها مباشرة.


محمد:

"مش أقل منكِ، زينب. الناس دي عندها كرامة وعندها قلوب، عكس اللي إنتِ مصرة تشوفيه. غيث وعيلته ناس محترمين، و بابا  نفسه حاططهم في مقامنا، بس إنتِ… إنتِ مش قادرة تشوفي غير الفلوس والألقاب."


تتنهد زينب بضيق وتلوح بيدها باستخفاف.


زينب:

"اسمعني يا محمد، أنا مش عبيطة زيكم، وأنا عارفة إن العيلة دي عملوا حاجة لغزل وعمي نادر، يمكن سحر، يمكن تمثيل، بس غيث ده مستحيل يكون يستاهلها! وبعدين، إحنا ناس راقية، مش المفروض نتعامل مع ناس زيهم."


يضع محمد يده على جبينه لثانية، وكأنه لا يصدق ما يسمعه، ثم ينهض واقفًا، يضع يديه خلف ظهره، وصوته يصبح أكثر صرامة.


محمد:

"زينب، لو كملتي بالطريقة دي، هتخسري الكل. دارين زهقت، حفيدك سليم مش بيطيق تفكيرك، وأحفادك الصغيرين كمان بدأوا يفهموا إنك مش بتحبي غير الفلوس. عيب يا زينب،احنا  كبرنا، وفاتنا العمر، مش معقول تفضلي بنفس التفكير ده!"


ترفع زينب ذقنها بعناد، لكنها لا تستطيع الرد بسهولة، فتكتفي بالتمتمة بسخرية.


زينب:

"لوحدي؟ أنت ناسي نفسك؟ أنت اللي سايبني أواجه العيلة دي لوحدي، وانت عامل فيها الطيب والملاك!"


يتنهد محمد ويقترب منها، ينظر إليها نظرة طويلة تحمل كل الإحباط والتعب.


محمد:

"لأن الفرق بيني وبينك، إني فهمت إن الفلوس مش كل حاجة، وإننا في الآخر عيلة. لكن إنتِ… إنتِ لسه شايفة الدنيا بطريقة غلط."


يسود الصمت للحظات، ثم يستدير محمد ويبدأ بالخروج من الغرفة، لكن قبل أن يغلق الباب، يوجه إليها تحذيرًا أخيرًا.


محمد:

"فكري كويس يا زينب… لأن اليوم اللي هتلاقي نفسكِ فيه لوحدكِ، هيكون متأخر جدًا."


ثم يغلق الباب بهدوء، تاركًا زينب وحدها في الغرفة، رغم عنادها، إلا أن كلماته تركت أثراً بداخلها… لكنها ترفض الاعتراف بذلك

*******************

في  فيلا فاخرة في ضواحي روما – مكتب زعيم المافيا الإيطالية


المكان مهيب، مكتب فخم بأضواء خافتة، وجدران مزينة بلوحات كلاسيكية. خلف المكتب الكبير يجلس لورانزو فيروني، زعيم المافيا الإيطالية، رجل في منتصف الخمسينات، أنيق ببدلته السوداء، لكن مظهره القاسي وعينيه الحادتين تعكسان خطورته. في يده سيجار كوبي، ينفث دخانه ببطء، بينما يُمعن النظر في أحد الملفات أمامه.


يُفتح الباب، ويدخل مساعده المخلص ريكاردو، رجل طويل القامة ذو ملامح باردة، يتقدم بخطوات ثابتة ويقف أمام مكتبه باحترام.


ريكاردو (بصوت منخفض وجاد):

"سيد لورانزو، لدينا أخبار."


يرفع لورانزو عينيه ببطء، ينفث الدخان قبل أن يضع السيجار في المنفضة.


لورانزو:

"تكلم."


يُخرج ريكاردو هاتفًا ويعرض صورة على الشاشة، لقطة حديثة لـغزل الشرقاوي مع زوجها غيث، وهما في باريس، يداً بيد، يبتسمان بسعادة.


ريكاردو:

"عثرنا عليها. إنها في فرنسا، تقضي شهر العسل مع زوجها المصري."


يحدّق لورانزو في الصورة للحظات، ثم يبتسم ابتسامة خفيفة لكنها تحمل معنى خبيثًا، يُرجع رأسه للوراء مستمتعًا بالمعلومة.


لورانزو (بهدوء مريب):

"غزل الشرقاوي… ظننتِ أنكِ بعيدة عن متناولي؟"


يلتقط سيجاره مجددًا، يأخذه بين أصابعه وينظر إلى الدخان المتصاعد وكأنه يخطط لشيء شرير.


لورانزو (بصوت واثق وحاد):

"لم أنسَ ما فعلته، ولم أنسَ كيف وقفتِ ضدي. حان الوقت لتسديد الدين."


ريكاردو:

"ماذا تريدنا أن نفعل؟"


يصمت لورانزو للحظة، ثم ينظر إلى مساعده بنظرة قاتلة، يبتسم ابتسامة جانبية قبل أن يقول بصوت منخفض لكنه مليء بالتهديد:


لورانزو:

"راقبوها… لا تتحركوا بعد. أريدها أن تشعر بالأمان أولًا… ثم ننقض عليها حين لا تتوقع ذلك."


يهزّ ريكاردو رأسه بتفاهم، ثم يغادر، تاركًا لورانزو في مكتبه، حيث يجلس مستمتعًا بسيجاره، وعيناه تلمعان بخطة لا تحمل أي خير لغزل وزوجها...


       الفصل الواحد والعشرون من هنا 

    لقراءة جميع فصول الرواية من هنا

تعليقات