
رواية عهد الغرام 3
الفصل السادس عشر 16
بقلم محمد محمد علي
بعد عدة أيام ، في مقهى هادئ في وسط المدينة
جلست غزل في أحد الأركان، تحرك ملعقة صغيرة داخل كوب قهوتها ببطء، بينما تتأمل الطاولات من حولها. المكان مزدحم لكن ضجيجه لا يصل إلى عقلها، فهي تفكر فيما ستقوله لغيث. وبعد دقائق قليلة، دخل غيث، يبحث عنها بنظراته حتى وقعت عيناه عليها. ابتسم بخفة، وتقدم نحوها، وجلس أمامها.
غيث (مبتسمًا بلطف): أهلاً، أتأخرت؟
غزل (بهدوء وهي تنظر إلى ساعتها): سبع دقائق وخمس ثوانٍ… بس مش مشكلة، لسه متسامحة النهارده.
ضحك غيث بخفوت، لكنه شعر أن هناك أمرًا جديًا يدور في عقلها. جلس مستقيمًا، وأخذ رشفة من قهوته قبل أن ينظر إليها بتركيز.
غيث (بهدوء): طيب، قلتيلي إنك عايزة تتكلمي معايا عن حاجة مهمة قبل الفرح.
غزل وضعت كوب القهوة أمامها، وشبكت أصابعها ببعضها ثم نظرت إليه بجدية مصطنعة.
غزل: أيوه، بصراحة… أنا عندي شوية شروط قبل ما نتجوز، وحابة إنك تعرفها من دلوقتي، عشان تبقى مستعد.
رفع غيث حاجبه قليلًا، لكنه لم يتفاجأ. توقع أن غزل لن تتزوج بهدوء مثل أي فتاة أخرى.
غيث (بابتسامة خفيفة): شروط؟ تمام، اسمعك.
تنحنحت غزل قليلًا، ثم بدأت في تعداد شروطها وكأنها تقرأ من ورقة رسمية.
غزل (بجدية): أولًا، مش هتناديني بمراتي أو زوجتي أو أي لقب تقليدي، اسمي غزل، مفهوم؟
غيث (رافعًا حاجبه): طيب، تمام…
غزل: ثانيًا، مش هتطلب مني أطبخ كل يوم، لأن أنا مش طباخة، ولو جعنا هنطلب دليفري، ولو عايز أكل بيتي، يبقى تتعلم معايا ونتعاون.
ضحك غيث بخفوت، وهز رأسه موافقًا.
غيث: تمام، نطبخ سوا.
غزل (مكملة بجدية): ثالثًا، لو اتخانقنا في المستقبل، مش مسموح لك تنام برا البيت، حتى لو كنت زعلان. ولو أنا اللي زعلانة، هتسيبني على راحتي لحد ما أقرر أتصالح معاك.
غيث (مازحًا): ولو حضرتك زعلانة لمدة شهر؟
غزل (ببرود): هتبقى تسأل نفسك إيه الغلطة اللي عملتها وتصلحها!
ضحك غيث، لكن سرعان ما كتم ضحكته عندما رأى نظراتها الجادة.
غزل (تكمل بشراسة): رابعًا، يومين في الشهر لازم نسافر فيهم، حتى لو مكان قريب، أي حاجة تغير جو.
غيث: معقول ده شرط؟ ده طلب ممتاز!
غزل (بصوت حاد): خامسًا، مش مسموح إنك تحاول تتحكم في حياتي المهنية، أنا عايزة أكمل شغلي، وأسافر وقت ما أحتاج.
غيث (بإيماءة جادة): موافق، طالما إن ده بيسعدك.
غزل: وأخيرًا… مش مسموح أبدًا تنسى عيد ميلادي أو ذكرى جوازنا، ولو نسيت…
غيث (مقاطعًا بابتسامة): هتبقى كارثة؟
غزل (مهددة بمرح): بل كارثة كونية.
نظر إليها غيث للحظة، ثم تنهد وهو يهز رأسه بابتسامة مستسلمة.
غيث (بنبرة هادئة): طيب، أنا موافق على كل حاجة… بس عندي شرط واحد.
ضيّقت غزل عينيها بحذر.
غزل: شرط؟ إيه هو؟
غيث (بنبرة جادة وناعمة في نفس الوقت): إنك تكوني سعيدة… معايا.
نظرت إليه غزل للحظة، وشعرت بقلبها ينبض بسرعة لم تفهم سببها. أخذت رشفة من قهوتها محاولة إخفاء ارتباكها، ثم أشاحت بوجهها بعيدًا.
غزل (بخفوت): ماشي… بس متنساش بقية الشروط.
غيث (بابتسامة دافئة): عمري ما هنسى.
المشهد يُغلق على غزل وهي تنظر من النافذة، بينما غيث يراقبها بابتسامة هادئة، وكأنهما يبدآن رحلة جديدة مليئة بالمفاجآت
*********************
بعد لحظات من الصمت، وضعت غزل كوب قهوتها على الطاولة ونظرت إلى غيث بجدية.
غزل: طيب، بما إننا خلصنا موضوع الشروط، خلينا نتكلم عن التجهيزات.
غيث (بهدوء): تمام، قوليلي إنتِ عايزة إيه، وأنا هعمل كل اللي أقدر عليه.
تنهدت غزل قليلًا، ثم ابتسمت وهي تسند ذقنها على يدها.
غزل: بص، أنا عارفة ظروفك وظروف عيلتك، وعارفة إنك راجل مسؤول وعمرك ما تقصر في حقي، عشان كده مش عايزاك تحس بأي ضغط مادي بسببي.
نظر إليها غيث بدهشة، فهو كان يتوقع أن غزل ستطلب مهرًا كبيرًا كأي فتاة من عائلة ثرية، لكنها كانت تتحدث ببساطة وكأن الأمر لا يشغلها.
غيث (بهدوء ممتن): غزل، أنا عارف إنك متفهمة، بس برضه المهر ده حقك، وأنا مش هقبل غير لما أدفعه بنفسي.
غزل (بابتسامة خفيفة): وده اللي أنا متأكدة منه، بس مش عايزاك تبالغ، ادفع اللي تقدر عليه، وده مش هيقلل منك ولا مني. المهم إنك تكون واثق في نفسك ومش شايل هم.
أخذ غيث نفسًا عميقًا، وشعر براحة لم يكن يتوقعها، ثم ابتسم وهو ينظر إليها بإعجاب.
غيث: أنتِ عارفة إنك مختلفة؟
غزل (مازحة وهي ترفع حاجبها): آه طبعًا، ده واضح جدًا، بس قوللي إيه اللي حسيته في اللحظة دي؟
ضحك غيث وهز رأسه، ثم أمسك بكوب قهوته ورشف منه بهدوء.
غيث: حسيت إني محظوظ… جدًا.
شعرت غزل بحرارة خفيفة في وجنتيها، لكنها تظاهرت بعدم الاهتمام وهي تعود لتقليب قهوتها بملعقتها.
غزل: المهم، بالنسبة للقاعة والفستان والحاجات دي… أنا مش عايزة حاجة مبالغ فيها، حاجة بسيطة وأنيقة تكفيني.
غيث (مبتسمًا): وإنتِ عارفة إن عيلتك مستحيل يعملوا حاجة بسيطة، القصر نفسه هيبقى عامل زي قاعة ملكية يوم الفرح.
غزل (بضحكة خفيفة): آه عارفة، بس أنا على الأقل هحاول أقنعهم إن الفرح يكون هادي ومش استعراض.
نظر إليها غيث بامتنان، ثم قال بنبرة دافئة:
غيث: غزل… أنا فعلًا ممتن ليكي، ومهما كان اللي بيحصل غريب ومفاجئ، أنا عارف إنك شخص مش سهل وإنك مش هتوافقي على حاجة إلا لما تقتنعي بيها.
صمتت غزل للحظة، ثم ابتسمت بخفة وهي تنظر إلى كوب قهوتها.
غزل: مش عارفة ده مدح ولا محاولة تحليل لشخصيتي، بس… شكرًا يا غيث.
التقت نظراتهما لثوانٍ، قبل أن يبتسم كلاهما بهدوء، وكأنهما يبدآن بتقبل فكرة أنهما قريبًا سيكونان معًا، رغم كل شيء
*********************
أمام فيلا الشرقاوي – مساءً
توقفت السيارة أمام البوابة الكبيرة، ونزلت غزل أولًا، بينما استدار غيث ليغلق باب السيارة بهدوء. كان الجو لطيفًا، والهواء المسائي يلفح وجهيهما برقة. لكن قبل أن تتقدم غزل نحو الباب، جاءهما صوت مألوف، مليء بالمكر والتسلية.
سليم (مبتسمًا بمكر وهو يقف عند المدخل، مستندًا على الحائط بيديه المتقاطعتين): آه، بصراحة أنا مش عارف مين اللي كان بيقول إنها مش عايزة تتجوز وإنها مش مقتنعة… شكلها كانت بتمثل علينا كلنا!
توقفت غزل في مكانها، وضاقت عيناها وهي تنظر إلى ابن عمها الذي كان يبتسم وكأنه اكتشف سرًا عظيمًا.
غزل (بتكشيرة وهي تضع يدها على خصرها): سليم، بطل غلاسة!
سليم (بضحكة خفيفة): غلاسة إيه بس؟ أنا فرحان جدًا، وأخيرًا غيث معاكِ، يعني كنت بقول لنفسي، كام سنة كمان وهتعترفي إنك عاوزاه!
أشاح غيث وجهه قليلًا، محاولًا إخفاء إحراجه، بينما غزل زفرت بضيق وهي تعبر بجانبه لتدخل الفيلا.
غزل (بحدة وهي تمر بجانبه): والله لو فضلت تكلمني كده، هخلي موضوع الجواز ده كله ينتهي قبل ما يبدأ!
سليم (ضاحكًا وهو يلحق بها بخطوات هادئة): لأ بقى، ده لو حصل، أنا اللي هبقى أول واحد يعيد إقناعك بغيث!
توقفت غزل عند الباب ونظرت إليه بحدة، بينما غيث ظل واقفًا بجوار سيارته يراقب المشهد بابتسامة صغيرة. اقتربت غزل من ابن عمها ورفعت حاجبها بتهديد وهمي.
غزل: مش هتبطل بقى؟
سليم (بمكر وهو يغمز لها): ولا هي اللي مش هتبطل تمثيل؟
زفرت غزل بغضب مصطنع ثم دفعت كتفه بخفة ودخلت الفيلا، بينما ظل سليم يضحك، قبل أن يلتفت إلى غيث الذي كان يراقبهما بصمت ممتن.
سليم (بابتسامة هادئة وهو يربت على كتف غيث): خد بالك منها، غزل عنيدة بس قلبها طيب… وأنا واثق إنك الوحيد اللي تقدر تحتويها.
نظر إليه غيث للحظة، ثم أومأ بابتسامة هادئة، يشعر بشيء من الراحة وهو يسمع تلك الكلمات من سليم، وكأن الأمر أصبح أكثر وضوحًا الآن.
غيث: هعمل كده، متقلقش.
أومأ له سليم بإعجاب، قبل أن يودعه ويتجه إلى الداخل، تاركًا غيث واقفًا للحظات، ينظر نحو الباب الذي دخلت منه غزل، متسائلًا عن الأيام القادمة وما تخبئه لهما…
**********************
بعد فترة قصيرة ،
جلس غيث في ركن هادئ من المقهى، ينظر إلى ساعته بين الحين والآخر، حتى ظهر مصطفى من بعيد وهو يسير بخطوات سريعة نحوه. كان واضحًا على وجهه علامات الصدمة وعدم التصديق.
مصطفى (باندهاش وهو يجلس أمام غيث مباشرة): أنا مش مصدق! غيث… إنت بتقوللي إنك هتتجوز بنت الشرقاوي؟! بنت العيلة اللي الناس كلها بتتكلم عنها؟
غيث (يبتسم بهدوء وهو يقلب فنجان القهوة بين يديه): أيوه، هي نفسها.
مصطفى (يضرب الطاولة بخفة وهو يضحك بذهول): لا، لا، مستحيل! هو إنت فجأة اكتشفت إنك أمير بقى ولا إيه؟ إزاي ده حصل؟
غيث (يضحك قليلًا ثم يهز رأسه): صدقني لو قلتلك إن الموضوع كله حصل فجأة… أنا كنت آخر واحد يتوقع إن حياتي تاخد المنعطف ده.
مصطفى (يرمقه بريبة وهو يضع يده على ذقنه): طب والله العظيم كنت حاسس إنك مخبي علينا حاجة! يعني فجأة لقيتك بتختفي شوية، وبعدين تيجي تقوللي إنك داخل على جواز؟ إيه الحكاية؟
تنهد غيث وأخذ رشفة من قهوته، ثم بدأ يروي القصة باختصار، كيف أن الجد نادر هو من أصر على الزواج، وكيف أن الأمور تصاعدت بسرعة حتى وجد نفسه في هذا الوضع.
مصطفى (ينظر له بذهول بعد أن انتهى من الحديث): طب بجد… غزل وافقت بسهولة؟
غيث (يضحك بسخرية): بسهولة؟! أنت بتتكلم عن غزل الشرقاوي… دي لو كانت تقدر تهرب كانت هربت!
مصطفى (يقهقه وهو يصفق بيديه): الله يكون في عونك، واضح إنك داخل على زواج ممتع جدًا!
غيث (يبتسم وهو يهز رأسه): ممتع دي كلمة قليلة… بس هي محترمة وطيبة، حتى لو عنيدة وصعبة.
نظر مصطفى إلى صديقه للحظة، ثم ابتسم بهدوء وربّت على كتفه.
مصطفى: بص يا صاحبي، المهم إنك تبقى سعيد، وغزل تبقى سعيدة معاك… وأنا واثق إنك هتقدر تخليها تحبك بطريقتك.
غيث (يبتسم بخفة): أتمنى… المهم، هتيجي الفرح ولا هتقعد مستغرب لحد يوم القيامة؟
مصطفى (يضحك وهو يرفع يديه باستسلام): أكيد جاي! بس هاجي علشان أشوف إزاي غيث المسكين هيتعامل مع الأميرة غزل!
ضحك الاثنان، بينما شعر غيث بشيء من الطمأنينة، فوجود مصطفى بجانبه في هذا اليوم المهم يعني له الكثير. أما مصطفى، فظل غير مصدق أن صديقه الذي عاش حياته ببساطة، على وشك أن يصبح جزءًا من واحدة من أكبر العائلات في البلاد…
********************
في اليوم التالي
في مول فاخر – قسم فساتين السهرة
أضواء المتاجر تلمع بانعكاسها على الأرضية الرخامية، ورائحة العطور الفاخرة تملأ المكان. تتنقل غزل ورفيقاتها بين المحلات، كل واحدة منهن منشغلة بشيء معين، بينما كانت الصغيرة حور وسارة الأكثر حماسًا وسط هذا الحشد النسائي.
حور (تقفز بحماس وهي تمسك يد والدتها ميار): ماما، ماما! بصي الفستان ده، شبه فساتين الأميرات اللي في الكارتون! ممكن آخده؟
سارة (بتدلل وهي تنظر لنفسها في المرآة الكبيرة): مفيش أجمل مني في لبس الفساتين! بس برضه محتاجة أجرب أكتر وأكتر، الجمال عاوز اختيارات كتير!
ميار الأم (تضحك وهي تمسح على رأس حور): طيب حبيبتي، خلينا نخلص فساتين العروسة الأول وبعد كده نشوف فساتينكم.
ميار ابنة خال غزل (تنظر إلى غزل بمكر): أيوه، نرجع لموضوعنا الأساسي… العروسة الجميلة، حضرتك اخترتي فستان الفرح ولا لسه؟
غزل (تتنهد وهي تتأمل الفساتين على الرفوف): يا جماعة، أنا مش متحمسة خالص للفستان! خدو أنتم القرار عني.
شغف (تضع يدها على كتف غزل بمكر): مش متحمسة؟! ده يوم زفافك يا بنتي! لو مش متحمسة النهاردة، إمتى هتكوني متحمسة؟
حبيبة (بهدوء وهي تنظر إلى أحد الفساتين): طيب نجرب كام واحد، ولو معجبكيش ولا واحد، نسيب الموضوع لحد ما تلاقي اللي يناسبك.
رهف (وهي تمسك بفستان أبيض راقٍ مرصع باللؤلؤ): طب بصي على ده، بسيط وأنيق، وأحس إنه هيكون مناسب لشخصيتك.
غزل نظرت إلى الفستان، لم يكن ضخمًا ومبالغًا فيه مثل الفساتين الأخرى، لكنه كان يحمل لمسة راقية جذبت انتباهها للحظات.
غزل (بهدوء وهي تتأمله): ممم… يمكن أجربه.
سارة (تتنهد وهي تضع يديها على خصرها): مش معقول! إزاي العروسة مش متحمسة، وأنا اللي أصغر منها داخلة جوايا نار حماسية؟!
شغف (تضحك وهي ترفع حاجبها): شوفتوا؟ سارة فاهمة أكتر من العروسة نفسها!
حور (تمسك يد غزل وتهزها بخفة): غزل، ممكن تعملي فستان شبه اللي لباربي؟
غزل (تضحك وهي تجلس لتكون في مستوى حور): طيب يا أميرتي الصغيرة، لما تكبري هعملك فستان أحلى من بتاع باربي، اتفقنا؟
حور (تصيح بسعادة): اشطاااااا!
ضحكت النساء جميعًا، وبدأت غزل في تجربة بعض الفساتين وسط دعم وتشجيع صديقاتها وعائلتها، بينما كانت الصغيرة سارة تحلل كل تفصيلة في كل فستان، وكأنها خبيرة موضة محترفة
***********************
داخل محل الفساتين – وسط الأجواء المليئة بالحماس
بينما كانت غزل تجرب أحد الفساتين، وتحيط بها النساء بالملاحظات والتعليقات، فُتح باب المتجر ودخلت شيرلين، والدة غيث، بابتسامتها الدافئة وملابسها البسيطة، لكن أناقتها الراقية كانت واضحة.
شيرلين (تنظر حولها بلطف): السلام عليكم، يا بنات! قولت أجي أشوف العروسة وأشارككم الحماس.
حور (تجري نحوها بسعادة): طنط شيرلين!
شيرلين (تحتضنها بحنان): حبيبتي يا حور، عاملة إيه؟
سارة (بتأمل وهي تضع يدها على ذقنها): أهااا… إذن أنتِ الحماة المستقبلية؟ لازم أخد انطباعاتي منكِ بسرعة!
ضحك الجميع على تعليق سارة العفوي، بينما اقتربت شيرلين من غزل التي خرجت من غرفة القياس وهي ترتدي فستانًا أبيض بسيطًا، لكن فخم التفاصيل.
شيرلين (تنظر إليها بإعجاب): ما شاء الله، غزل… شكلك ملاك! غيث محظوظ جدًا.
غزل (تبتسم بخجل بسيط قبل أن تمسك طرف الفستان): أنا لسه مش عارفة… بس الفستان مريح.
ميار ابنة خال غزل (بحماس وهي تنظر إلى شيرلين): تانت شيرلين، عندك ذوق؟ عاوزين رأيك، أي فستان أحلى؟
شيرلين (تبتسم برقة): بصراحة، كل الفساتين حلوة، بس المهم العروسة تكون مرتاحة وسعيدة في اللي هتلبسه.
رهف (تغمز لغزل بمكر): سمعتي؟ سعيدة! مش تقوليلنا إنك فرحانة بقى؟
غزل (تتنهد وهي ترفع حاجبها): أنا مش معترضة، بس مش مستوعبة فكرة إن بعد كام يوم هكون متجوزة!
شيرلين (تضحك وهي تمسك يدها بحنان): دي مش حاجة تخوف يا حبيبتي، الجواز شراكة جميلة، وإنتِ وغيث هتكونوا أحسن سند لبعض.
ابتسمت غزل بخجل، بينما نظرت شيرلين نحو الفساتين على الرفوف، ثم مدت يدها وأمسكت بفستان بسيط التصميم لكنه يحمل لمسة أنيقة.
شيرلين (بحماس ناعم): أنا شايفة إن الفستان ده هيليق عليكِ جدًا يا غزل، رقيق وبسيط بس في نفس الوقت فيه لمسة فخامة.
حبيبة (بابتسامة): شيرلين عندها ذوق، جربيه يا غزل!
نظرت غزل إلى الفستان، ثم تنهدت وهي تأخذه من يد شيرلين، ثم دخلت غرفة القياس من جديد، بينما جلست النساء يواصلن الحديث والضحك، وشيرلين تشاركهن الأجواء بحب وألفة، لتشعر غزل لأول مرة ببعض الراحة تجاه فكرة الزواج… ربما لن يكون الأمر سيئًا كما كانت تتوقع
********************
بينما كانت غزل في غرفة القياس، تتابع الفتيات الحديث بحماس، دخلت شغف على الخط بابتسامة ماكرة، وهي تضع يديها على خصرها وتنظر للجميع بنظرة ذات مغزى.
شغف (بخبث وهي ترفع حاجبها): طيب طيب… كله بيتكلم عن الفستان، بس إحنا نسينا الأهم!
ميار (تغمز لها بمكر): آه طبعًا، إحنا فاهمينك… عاوزة نعرف حاجة تانية خالص، مش كده؟
شغف (تقاطعها بسعادة): أكيد! يا عروسة، مش هتحكيلنا عن رومانسية خطيبك العريس بقى؟ ولا كل حاجة لسه رسمية؟
اتسعت عينا غزل فور خروجها من غرفة القياس وهي ترتدي الفستان الذي اختارته شيرلين، ثم رمقت شغف بنظرة تحذيرية، لكنها لم تكن كافية لإيقافها.
غزل (ببرود مصطنع): رومانسية إيه بس؟ إحنا بنتكلم عن غيث، مش عن بطل رواية رومانسية!
رهف (تضحك): ده لو سمعك، هيزعل منك يا بنتي!
شغف (تضع يدها على ذقنها بمكر): بس بس بس… غيث ده هادي وعاقل، بس أكيد في لحظات خاصة حصلت بينكم، صح؟ يلا اعترفي، هو قالك كلام حلو ولا لأ؟
شعرت غزل بحرارة خفيفة تزحف إلى وجنتيها، لكنها تماسكت سريعًا ورفعت ذقنها بعناد.
غزل (بثقة زائفة): بصراحة؟ لأ، كله كان عملي جدًا، إحنا متفقين على أساسيات الجواز وبس.
سارة (بعينين متسعتين): لاااااااا! إزاي يعني؟ مفيش لحظة رومانسية واحدة؟ حتى نظرة؟ كلمة حلوة؟ أي حاجة؟
حور الصغيرة (ببراءة): هو مش المفروض العرسان يحبوا بعض؟
شيرلين (تبتسم وهي تهز رأسها): يا بنات، الحب مش بس كلام، ممكن يكون أفعال صغيرة، اهتمام، خوف، حتى الصمت أحيانًا بيقول كتير.
نظرت غزل إلى شيرلين للحظة، ثم زفرت بضيق، مدركة أن الجميع يتآمر عليها اليوم.
غزل (بجدية وهي ترفع حاجبها): بصراحة؟ غيث طيب جدًا، ومحترم، وبيتعامل معايا كويس… بس إحنا مش في فيلم رومانسي، ومش مستنية منه يبعتلي ورد كل يوم ولا يكتبلي شعر!
شغف (تغمز لها بمكر): بس لو عمل كده مش هتعترضي، صح؟
ميار (تضحك وهي تضرب كفها بكفها): هاااا، وقعتِ يا غزل!
حاولت غزل التهرب، لكنها عرفت أن لا مفر من التعليقات الساخرة طوال التسوق، وسط ضحكات الفتيات وتعليقاتهن الماكرة، أما شيرلين فاكتفت بابتسامة هادئة، وكأنها تعرف أن الأيام القادمة ستحمل لغزل مفاجآت لم تكن تتوقعها…
*********************
في المساء ، في فيلا الشرقاوي – غرفة الجلوس الفسيحة
كان سليم جالسًا على الأريكة، ساق فوق الأخرى، كفه مستند إلى ذقنه، وعيناه تحملان شرودًا غريبًا. أمامه كوب قهوته الذي برد تمامًا، لكنه لم يلحظ، فقد كان غارقًا في ذكرياته… يتذكر غزل الصغيرة، تلك الطفلة التي كانت تجري في أنحاء القصر بضحكاتها البريئة، تملأ حياته صخبًا وحيوية… ثم الآن، ها هي تستعد للزواج، وكأن العمر مرّ في غمضة عين.
بينما هو غارق في أفكاره، انفتح باب الغرفة فجأة، ليدخل إياد بخطوات واسعة وحماسية، وخلفه زين الذي كان يضحك على شيء ما قاله إياد للتو.
إياد (بصوت عالٍ ومرح): بصوا مين اللي سرحان وعامل فيها الأب الحزين! يا ساتر يا سليم، هو إيه الجو الكئيب ده؟
انتبه سليم من شروده، ونظر إلى شقيقيه بملامح جامدة، قبل أن يزفر ببطء.
سليم (بهدوء وهو يعيد ظهره إلى الأريكة): مفيش حاجة… بس بفكر.
زين (يرفع حاجبه وهو يجلس بجواره): يا راااجل! إنت بتفكر؟ حاجة غريبة فعلًا… طب قل لنا بتفكر في إيه؟
إياد (يجلس قبالتهما وهو يغمز بخبث): أكيد في غزل… الطفلة اللي كانت بتلعب فوق دماغك بقت عروسة، صح؟
ظل سليم صامتًا للحظات، ثم هز رأسه ببطء.
سليم (بصوت منخفض): فعلاً… مش قادر أستوعب إن بنتي الصغيرة كبرت وهتتجوز.
زين (يضع يده على كتف سليم ويضحك): وده طبيعي جدًا… المشكلة إنك واخدها بجدية كأنك هتبعتها الحرب مش الجواز!
إياد (يغمز بسخرية): أنا بصراحة مستغرب حاجة تانية… غزل دي كانت شبهك في العصبية والعند، إزاي وافقت على الجواز كده فجأة؟
ضحك زين بينما سليم أطلق زفرة قصيرة، ثم نظر إلى إياد نظرة ذات معنى.
سليم (بهدوء محذر): إنت فاكر إن الموضوع كان سهل؟ غزل ما وافقتش بسهولة… وأنا كنت لازم أقنعها بنفسي.
زين (بمزاح): ده أكيد حصل بعد مفاوضات دامت أسابيع وحروب نفسية، صح؟
إياد (يضحك وهو يرفع يديه بمبالغة): وأكيد استخدمت أساليب الضغط النفسي والكلام الحازم اللي بيخلي أي حد يوقع على أي حاجة من غير ما يقرأ العقد!
نظر إليهما سليم نظرة باردة، قبل أن يهز رأسه بيأس.
سليم (بجدية): مش عارف إنتو إزاي إخواتي بصراحة… أنا في لحظة أبوية حساسة وإنتو عاملينها مسرحية هزلية!
زين (يغمز له وهو يضحك): طب ما هو لازم نهون عليك، إحنا برضه خايفين عليك من الصدمة!
إياد (يميل للأمام بمكر): بس بصراحة… متحمس أشوفك وأنت واقف في الفرح بتسلم بنتك لغيث، متأكد إن عيونك هتملا دموع!
ارتفع حاجبا سليم بضيق، بينما انفجر زين في الضحك، وإياد صفق بحماس، مستمتعًا باستفزاز شقيقه الأكبر.
سليم (يحاول التماسك): أنا مش هعيط يا إياد، خليك في حالك!
إياد (بمرح وهو يغمز له): هنشوف… بس أوعدني لو دمعت، هتبص لينا على الأقل عشان نأخذ لقطة للذكرى!
نظر له سليم بحدة، ثم التفت إلى زين الذي كان يضحك بقوة.
سليم (بهدوء متوعد): أنت ساكت ليه؟ مش هتنقذ أخوك قبل ما أطبق عليه؟
زين (يرفع يديه باستسلام): لااا، أنا مستمتع بالمشهد… بس لو هتطبق عليه، استنى لما أصور الأول!
ضحك إياد وزين بصوت عالٍ بينما سليم هز رأسه بيأس، لكنه لم يستطع إخفاء ابتسامة صغيرة شقت طريقها إلى شفتيه… فرغم كل شيء، كان ممتنًا لوجود أخويه بجانبه في هذه اللحظة المهمة من حياته
*********************
في غرفة ميار – فيلا الشرقاوي
جلست ميار على أريكتها في زاوية الغرفة، تحتضن كوبًا من الشاي، وعيناها سارحتان في الفراغ. كانت مشاعرها خليطًا بين الفرحة والحزن… فرحة لأنها ترى طفلتها الصغيرة غزل تستعد لبدء حياة جديدة، وحزن لأنها ما زالت غير مستوعبة أن تلك الطفلة التي حملتها بين يديها وهي مراهقة قد كبرت وأصبحت عروسًا الآن.
قبل أن تتمادى في أفكارها، انفتح باب الغرفة فجأة، ليظهر إخوتها الثلاثة، أدهم وسيف ومازن، وملامحهم تكشف أنهم لاحظوا شرودها.
أدهم (وهو يضع يديه في جيبيه ويتأملها): إحنا مش عايزين دراما بقى، يا ميار… كفاية سليم سرحان لوحده، مش معقول تبقوا الاتنين تايهين كده!
رفعت ميار رأسها ببطء، ونظرت إليهم بنظرة متأثرة قبل أن تبتسم بخفة.
ميار (بصوت دافئ): أنا مش تايهة… بس مش مستوعبة إن غزل كبرت وهتتجوز.
مازن (يتقدم ليجلس بجانبها مازحًا): طب ما إحنا برضه مش مستوعبين إن أختنا الصغيرة بقت أم لعروسة! يعني إحساسنا مش بعيد عن إحساسك.
سيف (يغمز بمكر وهو يقف بجانب أدهم): وخصوصًا إنك كنتِ شبه غزل في العند أيام زمان… فاكرة لما قررتِ تتجوزي سليم وإنتِ عندك 15 سنة؟ إنتِ أسرع واحدة فينا كلها خدت خطوة الجواز!
ضحكت ميار بخفة، وهي تهز رأسها، ثم نظرت إليهم بعينين لامعتين.
ميار (بحنين): كان زمان… كنت صغيرة ومندفعة، بس ما ندمتش لحظة إني اخترت سليم، وهو دلوقتي بيحس بنفس المشاعر اللي حسّيت بيها لما غزل جت لحياتي… إحساس غريب، بس جميل.
أدهم (بابتسامة دافئة): طيب إحنا مش عايزين دموع بقى، يا ميار… دي ليلة فرح، مش ليلة نواح!
مازن (ممازحًا وهو يضع يده على كتفها): أوه لاااا، ما تقولش كده، ده إحنا هنلاقيها في الفرح قاعدة مع سليم يعيّطوا سوا ويمسكوا منديل واحد!
انفجرت ميار ضاحكة وهي تضرب مازن على ذراعه بخفة.
ميار (بمزاح): إنت قليل الأدب يا مازن، بجد!
سيف (يضع يديه على صدره بمسرحية): خلاص، إحنا كإخوتك الكبار بنقرر رسميًا إنك ممنوعة من البكاء في الفرح… ولو عيطتي، هنطلب من الفرقة الموسيقية تعزف أغاني مهرجانات بدل الرومانسيات عشان نقلب الجو!
ضحكت ميار مجددًا، وشعرت أن وجود إخوتها بجانبها كان بالضبط ما تحتاجه لتخفيف التوتر الذي تشعر به. ورغم كل شيء، كانت ممتنة لأنها لم تعش هذه اللحظة وحدها
**********************
بينما كانت الضحكات تملأ الغرفة، انفتح الباب ببطء، ليظهر منه أدهم الصغير، ابن سليم وميار، وهو يعقد ذراعيه أمام صدره بجدية واضحة، ملامحه رغم صغر سنه تعكس شخصية قيادية تشبه والده كثيرًا.
أدهم الصغير (بصوت هادئ لكن حازم): أنتو قاعدين بتتكلموا وتضحكوا عادي كده، وكأن غزل مش هتسيبنا بعد كام يوم؟
سكت الجميع للحظة، ثم تبادلوا نظرات مسلية، بينما سيف ومازن حاولا كتم ضحكتهما بسبب أسلوب أدهم الصغير الجدي جدًا.
مازن (بمزاح وهو يرفع حاجبه): إيه ده؟ هو فين سليم الأب؟ ده شكله بعت نسخة مصغرة منه تتأكد إن مامتك مش بتعيّط!
أدهم الصغير (ينظر إليه بجدية أكبر): مازن، أنا بتكلم جد.
أدهم الكبير (يضع يده على كتف أدهم الصغير بابتسامة هادئة): وإحنا كمان بنتكلم جد يا بطل… بس الجواز مش معناه إن غزل هتسيبنا للأبد، دي هتفضل أختك الكبيرة، وهتيجي كل يوم تتخانق معاك عادي جدًا.
أدهم الصغير (يشبك ذراعيه بإصرار): بس مش هتفضل معانا في البيت، وده اللي مضايقني… وبعدين غيث ده، هو كويس وكل حاجة، بس أنا مش مقتنع إنه يقدر يوقف قدام غزل لو اتخانقت معاه!
انفجر الجميع بالضحك، بينما وضعت ميار يدها على جبينها بحنان وهي تنظر إلى ابنها الصغير الذي يتحدث وكأنه رجل ناضج.
ميار (بابتسامة دافئة): يا حبيبي، غيث راجل ومسؤول، وبيعرف يتعامل مع غزل… وبعدين إنت عارف أختك، حتى لو جوزناها لرجل مخابرات، برضه هتفضل متحكمة!
سيف (بضحكة): هو ده اللي كان لازم الجد نادر ياخده في الاعتبار، بدل ما يقرر الجواز بسرعة كده!
أدهم الصغير (يتنهد وهو يهز رأسه بجدية): طيب خلاص، أنا هديكم فرصة تراقبوا الوضع… بس لو غزل زعلت، أنا مش هسكت!
تبادلت ميار وإخوتها نظرات مسلية، بينما أدهم الصغير كان جادًا تمامًا في كلماته. اقتربت منه ميار واحتضنته بحنان، وهي تربت على ظهره.
ميار (بهمس حنون): يا حبيبي… غزل هتكون كويسة، وهنفضل كلنا جنبها، حتى لو بقت متجوزة.
أدهم الصغير (يغمغم وهو يدفن وجهه في كتفها): بس هتوحشني…
أحاطه اخواله الثلاثة بذراعيهم في عناق دافئ، ليختفي التوتر من وجهه أخيرًا، بينما سيف ومازن يبتسمان بحنان، وأدهم الكبير يربت على رأسه بفخر.
مازن (بمرح): لا يا جماعة، بصراحة الولد ده لازم يقود العيلة بعدنا، دماغه شغالة صح!
انفجر الجميع بالضحك مجددًا، بينما أدهم الصغير رفع رأسه، محاولًا أن يخفي ابتسامته الصغيرة، لكنه لم يستطع… فوسط كل مشاعر الحنين، كان دفء العائلة دائمًا هو ما يجعل الأمور أسهل
لقراءة جميع فصول الرواية من هنا