رواية الماسة المكسورة
الفصل الثامن والستون 68 ج1
بقلم ليله عادل
{"~"ظننته حبًا يُزهر في قلبي، فإذا به خديعةٌ تقتلع جذوري، عشتُ في غفلةٍ ناعمة، حتى سقطتُ في بئرٍ عميقٍ بلا قرار، خذل قلبي، وأحرقت روحي، حتى شممتُ رائحة هلاكها، لم تكن حقيقةٌ أدركتُها بعد صحو، بل طعنة، طعنةٌ بخنجرٍ مسمومٍ بارد، نهش قلبي حيًّا حتى تلاشى، والآن... أصرخ، وأصرخ، ولا أحد يسمع."~"}
[ بعنوان: كشف المستور ( حقائق دامية)]
أغلقت ماسة الهاتف بعد أن أنهت المكالمة مع كارمن وجلست على الفراش تفكر ماذا تفعل في الغد
وماذا سيحدث؟!
ظلت في الجناح لم تخرج منه ولم ترى سليم منذ ليلتين بعد إصرارها على الرحيل لفترة موقتة ورفضه، كانت تشعر بالحزن الشديد في قلبها تارة عليه، وتارة أخرى عليها فهي تفهمه جيدا لكن هذا الأصلح لهما.
في اليوم التالي وقت الظهيرة
بدأت ماسة في تجهيز نفسها. فتحت الخزنة، وأخرجت منها مبلغًا من المال، لم يكن كبيرًا، لكنه كان كافيًا للوصول إلى وجهتها... أو بالأحرى إلى صديقتها، كما اتفقتا مسبقًا.
أجرت اتصالًا بسليم، لتسأله عن موعد عودته إلى القصر، مبررة ذلك بأنها ترغب في إعداد الغداء بيديها لاستقباله به.
أجابها بهدوء أنه سيعود في تمام الخامسة مساءً.
بعد أن أنهت المكالمة، تحركت بخطوات هادئة وجلست أمام مكتب السكرتيرة الخشبية العتيقة.
مرّرت يدها برفق على سطحها، كأنها تحيي ذكرى قديمة..سحبت أحد الأدراج الصغيرة، وأخرجت ورقة كريمية اللون وقلمًا بحبر أزرق داكن، تنفست بعمق، ثم بدأت تكتب.
كانت الرسالة تخرج منها بثقلٍ شديد، كل كلمة تحمل وجعًا حاولت إخفاءه طويلًا، لكنها أرغمت نفسها على الاستمرار. لم يعد هناك وقت للتردد.
سليم حبيبي أنا همشي، همشي شوية وهرجع تاني.
إنت إللي اضطريتني أعمل كده، ماتدورش عليا، مش هروح عند أهلي، وأنا عارفة إنك هتدور عند صحابي، بس برضو مش هكون عندهم، ماتزعلش مني، أسبوع وهكون راجعة، محتاجة أرتاح، أهدى، أبعد عن أي ضغط. وإنت كمان فكر في علاقتنا... إحنا وصلنا لكده ليه؟ كتير كنا بنتخانق، بس عمرك ماهددتني.
حتى لو حصل غضب أو عصبية، كنا بنرجع نقعد مع بعض ونتكلم لكن دلوقتي... أسلوبك بقى صعب، والشك إللي دخل بينا... ده وجعني، أنا عارفة إنك ماشكّتش فيا، وإنك واثق فيا، بس الموقف نفسه مؤلم، وكلامي كمان بعد ماجبتني من عند ماما كان جارح، ليك وليا...أنا بحبك يا سليم، وبعمل كده علشان نحافظ على بعض. سامحني، أرجوك. بحبك.
أغلقت الورقة ووضعتها بعناية على سطح المكتب، ثم اتجهت نحو غرفة الدرسنج، أخرجت منها كيسًا قماشيًا خاصًا بالملابس الداخلية، فتحته بهدوء، فظهر بداخله نقاب واسع وإسدال طويل.
لحظة صمت، ثم...
فلاش باك - قصر الراوي، الصالون الرئيسي
كانت كارمن، بصحبة إيناس، داليدا وريتال، يجلسن معًا في لقاء بدا عابرًا.
ضحكات، أحاديث خفيفة، وجو من الألفة المزيفة.
لكن الحقيقة لم تكن كذلك.
فكل شيء كان مرتبًا بدقة من قِبل كارمن وحدها.
لم تُخبر أحدًا بنيّتها،.أحضرت هدية، ومعها الفتيات الأخريات، وقدمنها لماسة في لحظة بدت بريئة تمامًا.
لكن الواقع كان مغايرًا...
بعد مغادرة الفتيات، صعدت ماسة إلى غرفتها، ومنها إلى غرفة الملابس. فتحت الهدايا واحدة تلو الأخرى...ثم توقفت عند الهدية التي أحضرتها كارمن: إسدال طويل ونقاب بلون أسود، موضوعَين بعناية داخل علبة أنيقة.رسالة صامتة... تسهيلٌ لهروبها، إن احتاجت.
عودة إلى الحاضر
تنهدت ماسة، وهمست لنفسها:
إنت السبب... إنت أللي وصلتنا لكده. ماكنش قصادي حل تاني.
وضعت النقاب والإسدال في حقيبة يدها، تأكدت من كل شيء، ثم هبطت بهدوء إلى الطابق السفلي.
لقد حان وقت تنفيذ الخطة.
- أمام بوابة القصر الواحدة ظهراً
كانت ماسة تسير في الحديقة بخطى ثابتة حتى وصلت إلى البوابة. بدت أنيقة، تحمل حقيبة بيدها، ونظراتها هادئة. اقتربت من البوابة.
الحارس: رايحة فين يا هانم؟
ماسة بجمود: رايحة أشتري شوية حاجات... افتح.
الحارس بإحترام: حضرتك، إحنا ماعندناش أوامر إنك تخرجي.
اتسعت عينا ماسة بغضب: إنت بتقولي أنا مش هخرج؟! إنت ناسي نفسك؟ عارف أنا مين؟
الحارس باحترام: طبعاً عارف ياهانم.. بس دي أوامر سليم بيه.
اقترب منهما حارس آخر وهو عثمان وهمس له أن يتصل بمكي فورًا.
ماسة بنبرة حادة: ،طب يلا يا بابا أفتح البوابة بدل ما أخلي إللي عيّنك يرفدك!
الحارس بتوتر: بالله عليكِ يا هانم ماتودينيش في داهية، كلّمي سليم بيه، ولو وافق، إحنا نفتحلك حالًا.
ماسة بحدة:هو إنت بتتحداني؟
في تلك اللحظة، اقترب مكي منهم.
مكي بلطف: مساء الخير، مالك يا ماسة هانم؟إيه المشكلة؟
ماسة وعينيها على الحارس: عايزة أخرج أشتري حاجات من الصيدلية، وهو بيمنعني.
مكي بتوضيح: هو بينفذ الأوامر، كلمي سليم، وإحنا تحت أمرك.
جزت على أسنانها وهزّت رأسها في ضيق: طب ماشي، هكلمه دلوقتي.
أخرجت هاتفها من جيب بنطالها وبدأت في الاتصال بسليم.
على إتجاه آخر في مكتب سليم
كان سليم جالسًا خلف مكتبه، منشغلًا وسط أوراقه مع أحد المديرين. رنّ هاتفه، نظر إليه وجد إسمها عشقي.
سليم متعجباً: ألو؟
ماسة بضيق: بقولك إيه، عايزة أروح الصيدلية، ورجالتك مانعيني.
تنهد سليم بضيق بعد الصمت الطويل: أي حاجة إنتي عايزاها، خليهم يجيبوها لك.
ماسة بعند: لأ، عايزة أروح بنفسي. هو إنت مش قلتلي تقدري تروحي الجامعة وتروحي أي مكان؟ رجعت في كلامك ليه بقى؟
سليم بهدوء: أنا مابرجعش في كلامي يا ماسة، بس مافيهاش حاجة يعني لو خلتيهم يجيبوها لك.
ماسة برخامة: برضه مافيهاش حاجة لو روحت أشتري. وبعدين عايزة أشتري حاجات ستاتي!
سليم: ابعتي سحر أو راويه.
ماسة بغضب: تحكّم وخلاص... إنت مابتتغيرش.
إلتفت سليم بمقعده وقال بهدوء بنبرة هامسة: أنا في الشغل دلوقتي، يا ماسة، ممكن لما أرجع نتكلم.
كان مكي واقف بجانبها، يستمع للحديث، وشعر أن عليه التدخل. مدّ يده وأخذ الهاتف منها، وقال:
مكي: سليم، هروح معاها، وراويه معانا، وهناخد الحرس. سيبها تروح.
سليم برفض: لأ.
مكي محاولا إقناعه: إنت مش عايز تصالحها؟ خلينا نشوف هاتعمل إيه؟! لما تلاقيك بدأت تهدى وتفك عنها شوية. ماتقلقش، أنا معاها.
صمت سليم للحظة، ثم تنهد: ماشي...خلي عينك عليها، ماتسيبهاش لحظة... فاهم؟
مكي: حاضر.
ناول مكي الهاتف لها من جديد: خلاص يا ماسة، ممكن تروحي.
نظر جانبه إلى الحراس وقال بأمر: حضروا العربية بسرعة علشان هانطلع. دقيقة واحدة وتبقوا جاهزين.
ماسة: ماشي، بقولك إيه... أنا عايزة أسوق.
مكي متعجباً: اشمعنا؟
ماسة بنظرة حادة: ماعنديش مبرر... أنا حرة.
ضيق مكي عينه قليلاً بابتسامة جانبية قال بهدوء: ماسة، أنا مش ضدك... أنا معاكي. ليه بتكلميني بالطريقة دي؟
شعرت ماسة بالإحراج والضيق قالت بحزن: أنا مضغوطة يا مكي الفترة دي، بجد مضغوطة اوي، فما تاخدش على كلامي أنا آسفة.
هزّ مكي رأسه موافقًا بلطف. وصلت السيارات، صعدت ماسة في مقعد السائق، وجلس مكي بجوارها، وراويه في المقعد الخلفي، تليهم سيارتا الحراسة ومكي يصف لها الإتجاهات.
انطلقت السيارة، حتى وصلوا إلى الصيدلية.
الصيدلية
هبط الحراس أولًا، وانتشروا في المكان. دخلت ماسة وبدأت تشتري بعض المستلزمات النسائية، حتى لا يُشك في الأمر.
وأثناء خروجها من الصيدلية، توقفت فجأة، ونظرت إلى مكي.
ماسة برجاء: مكي، ممكن أدخل المحل ده خمس دقايق بس؟
مكي برفض خجول: ماسة، مش هينفع. ماتوقعنيش مع سليم.
ماسة برجاء واستعطاف: ماتبقاش زي صاحبك! إيه إللي هيحصل؟ وبعدين ما إنتم معايا كلكم... خمس دقايق بس، علشان خاطري.
صمت مكي للحظات وهو يركز النظر في ملامحها التى تترجاه تنهد وقال: ماشي، هدخلك على ضمانتي، بس أوعي تعملي حركة كدة أو كدة أنا واثق فيكي.
ماسة تبسمت متعجبة: هعمل إيه يعني وسط كل دول مثلًا؟
مكي: استني، الحراسة الأول.
ثم إلتفت إلى الحراس: ادخلوا إنتم الاتنين، مشّطوا المكان الأول.
دخل الحراس وانتشروا بإحتراف. ثم دخلت ماسة، يرافقها مكي وراويه التي كانت لا تتركها لحظة وكأنها ملتصقة بظهرها.
بدأت ماسة تتفقد الملابس واختارت قطعة وذهبت إلى غرفة القياس. كانت الممرات تحوي غرفًا متجاورة، وقبل أن تدخل، إلتفتت إلى راويه وقالت بجديّة وهي ترفع حاجبها:
ماسة بشدة: هتدخلي معايا كمان هنا؟ خليكِ مكانك.
راويه: أمرك يا فندم.
دخلت ماسة غرفة القياس، علّقت القطعة على الحائط، وأخرجت من حقيبتها إسدالًا ونقابًا، وارتدتهما بسرعة، حتى غطّت وجهها بالكامل، خلعت الإسورة وضعتها أرضا، ثم رفعت كمّ الاسدال، ومدّت قطعة من الملابس من باب الغرفة وقالت بتصنع:
راويه، لو سمحتي خدي دي... هاتي مقاس أصغر منها، بس بنفسك... ماتبعتيش حد علشان عيب، أتكّسف.
راويه: حاضر.
فتحت ماسة الباب قليلاً رفعت رأسها بهدوء، ومالت بجسدها قليلًا، تراقب راويه وهي تغادر. كانت خطوات الفتاة سريعة...
انتهزت ماسة الفرصة وخرجت بخفة من الغرفة، تتحرك في الممر الطويل، كأنها تمر بين امتحانات صعبة.
وفجأة، وفي منتصف الطريق، تسلل إلى أذنها صوت مألوف، واضح، كأنه يناديها من الداخل، كان صوت مكي، بنبرته الواثقة، يهمس داخل عقلها بثبات.
أنا واثق فيكي.
توقفت. التردد شدّها إلى الخلف، وعقلها تكدّس بالأسئلة.
إنها بذلك تضع مكي في ورطة كبيرة مع سليم... وماذا عن سليم؟ كيف سيغفر لها بعد كل ما ستفعله؟المسافة بينهما ستتسع أكثر، وثقته بها ستنتهي، ثم ما الذي سيحدث إذا وصل إليها؟ كيف سيتصرف معها؟ وربما أيضاً، يظن أن أحدهم قد اختطفها... وفي تلك الحالة، قد يحدث ما لا يُحمد عقباه.
نعم هي تركت له جواب لكن ربما يتأخر في قراءته، لكن هل هذا يكفي؟ حتمًا سيبحث عنها، وسيجدها، ووقتها... قد تنتهي كل الثقة إلى الأبد... وأيضاً لا تستطيع أن تجرحه فهي تعشقة.
لكن... هذا وقتها. هذه فرصتها الأخيرة. وربما لا تأتي فرصة مثلها مرة أخرى. فرصة تختار فيها العيش كما ترغب أو ترجع وتعيش كسجينة.
وهنا، ارتفع صوت آخر بداخلها، أقوى من كل شك:
لازم تمشي دلوقتي.
ثبتت عينيها على باب الخروج، لكن قدميها ظلّتا متجمدتين في مكانهما، كأن الأرض قد شدت جذورهما إلى الأعماق.
لم تكن قادرة على الحركة، رغم إن كل ما فيها كان يصرخ للفرار.
وفي لحظة سكونٍ خانقة، سمعت وقع أقدام راوية تعود إلى غرفة البروفة.
ركضت نحو الغرفة، أنفاسها تتسابق مع دقات قلبها.
مدّت يديها المرتجفتين، انتزعت البلوزة من يد راويه وعلّقتها على علاقة الملابس، كأنها تحاول إعادة الأمور إلى طبيعتها..
شعرت فجأة أن النقاب يخنق أنفاسها. بيدٍ غاضبة، نزعت النقاب عن وجهها بعنف، وألقته أرضًا.
كانت الأفكار تصرخ في رأسها، تتزاحم، تتصادم، تتشاجر:
أمشي... خليكي... الموضوع مش مستاهل... لأ، مستاهل..أمشي! خليكي! سليم مش هايسامحك... هيسامحك لو فهمتيه... هيزعل شوية وبعدين.. تتصالحه، هيسامح ... مش هايسامح
تساءلت في ألم وهي تنظر في المراية:
طب وأهلي؟ هعمل فيهم إيه؟
دول ماوقفوش جنبي لما عرفوا إنه زعلني...
ولما اعتذر وماسامحتوش بقوا ضدي، واتعاملوا بقسوة! حاسة إني هبقى لوحدي...أنا أضعف من إني أكمل، وأضعف من إني أهرب...
وهكذا، أخذت الأفكار تتلاطم في عقلها كأمواجٍ لا تهدأ.
كانت ترغب في شيءٍ واحد فقط: أن تسكت هذا الرأس، تمنت للحظة لو أن بيدها مسدسًا تطلق به رصاصة تُنهي هذا الضجيج... لا لأنها تريد الموت، بل لأنها فقط أرادت إسكات عقلها الذي يعذبها.
فجأة، أغمضت عينيها، وهزّت رأسها بالنفي.
لا... ده مش حل ده غلط فوقي.
يبدو أنها أخيرا استسلمت للقرار. فـالهرب بهذه الطريقة لن يجدي، بل قد تكون له عواقب لا تملك القوة لمواجهتها.
ثم تمتمت، وصوتها بالكاد يُسمع بدموع تسكن عينيها: حبي ليك يا سليم هو إللي رجّعني، خوفي على وجعك، على حزنك...رجّعني، حتى لو على حساب وجعي أنا.
بدأت تخلع الإسدال ببطء، وانحنت تلتقط إسورة التتبّع التي كانت قد ألقتها على الأرض، أعادتها إلى معصمها، وعيناها تلمعان بدموعٍ لم تجد طريقها للسقوط.
ثم خرجت من غرفة البروفة، تتمتم في صوتٍ مبحوح قدميها تتحرك بياس: مافيش حاجه عجباني، خلينا نخرج.
خرجت ماسة من غرفة البروفة بخطوات مليئة بالغضب والحزن معًا، لأنها لم تستطع إتمام المهمة. كانت راويه خلفها والحراس يقفون على الجانبين، وكان مكي واقفًا بدوره، يراقبها بصمت. داخلها أفكار كثيرة، مشاعر متضاربة، وغضب صامت لا تعلم له اسمًا.
اقتربت ماسة منه وقالت بصوت منخفض:
يلا يا مكي نمشي، مش عايزين مشاكل مع سليم.
تحرك معها دون اعتراض، لكن خطواتها توقفت فجأة حين استمعت لحديث مكي وهو يقول: على فكرة... إللي عملتيه هو الصح.
استدارت ماسة إليه بعيون ضيقة ونظرة تحمل استغرابًا: تقصد إيه؟
تحرك مكي وتوقف أمامها وهو يضع يده في جيب بنطاله، ابتسم بثقة:
يعني فكرة إنك تمشي بالطريقة دي مش صح، مش مستاهلة.
زادت علامات الاستفهام على وجه ماسة، وأمالت رأسها قليلًا: عرفت منين؟
ضحك مكي بخفة وقال بثقة:
كنت شاكك... تصرفاتك، نظراتك كان فيهم حاجة، ولما سألتك دلوقتي كنت بوقعك... ووقعتي.
هزت ماسة رأسها باستنكار وهي تميل بشفتيها جانبًا، وأشاحت بوجهها قائلة بإشمئزاز:
نفس الأسلوب... نفس التلاعب الرخيص بالأسئلة... كوبي بيست من صاحبك.
ثم عادت بنظرها إليه، بنبرة أقوى: بس إنت ليه ماسألتنيش ليه ماعملتش كده؟ بتهيألي ده كان السؤال الأهم.
صمت مكي ينتظر تفسيرها، فأكملت بصوت مرتعش:
أول صوت سمعته كان صوتك... صوتك وإنت بتقولي إنك واثق فيا، وإنت أصلًا من البداية تدخلت وأقنعت سليم، ولولاك يمكن ماكنتش خرجت. خفت أعملك مشكلة مع سليم... وخفت من التوابع إللي ممكن تحصل، وخفت كمان من نفسي، سليم لو لاقاني، وده هيحصل بنسبة كبيرة، هيعمل معايا ايه؟! ولما أحب أرجع، هرجع إزاي؟!
صمتت للحظة، ثم أكملت بنبرة موجوعة بعينين اغرورقتا بالدموع:
أنا مش ماشية للأبد، أنا ماشية وراجعة، محتاجة أرتاح، فكرت لما أرجع... هيستقبلني إزاي؟ والثقة هتبقى بينا إزاي؟! حاسة إن لو مشيت بالطريقة دي، المسافة إللي بينا هتكبر أكتر، وتبقى فجوة وأن سليم هينجرح اوي.
توقفت لحظة تأخذ نفسًا، ثم قالت بصوت خافت:
الخوف وحبي لسليم يا مكي هو إللي وقفني.
اقترب مكي منها خطوة واحدة، كانت كافية لتشعر بصدقه، ثم قال بحكمة:
الموضوع مابينكم مش محتاج استخدامك للطرق دي علشان تمشي بيها؟ المشاكل إللي بينكم مش مستاهلة.
ماسة تساءلت متعجبة: مش مستاهلة من وجهة نظر مين؟!
مكي بعقلانية: من وجهة نظر العقل والمنطق ياماسة.
تبسمت ماسة بتعجب، فعلق مكي متعجبًا: ليه بتضحكي؟!
ماسة وهي تمسح على وجهها بإرهاق:
أصل الوضع اتغير، دايمًا سليم إللي كان بيقول لي من وجهة نظر إيه؟! وأنا كنت دايمًا بقول من وجهة نظر المنطق، دلوقتي بس فهمت ليه سليم ساعات بيكون من غير عقل، لما المشاعر تغلب.
ثم نظرت له بعينين دامعتين: بس أنا كمان بفكر بعقلي مش بعاطفتي بس، وعقلي قال لي أمشي شوية، دي أول مرة قلبي وعقلي يتفقوا على قرار واحد، إني لازم أبعد.
تنهدت وتابعت بضيق: إنت مش فاهم إحنا وصلنا لإيه... سيبك من قصة إنه شك، أنا عارفة ومتأكدة إنه ماشكش، لما هديت وعقلت فهمت إنه ماكنش شك، بس طريقته، أسلوبه حقيقي موجع وبيقلل أوي، لما هددني، حسيت قد إيه أنا شخص مالوش قيمة، حريتي مرفوضة، رغبتي ملغية، وحتى لو غلطت، العقاب لازم يكون من أكتر حاجة أنا بحبها، وكأني سجين، حياته وحريته متمحورين في كلمة من شخص كأنك مستعبد عنده، دي مش أول مرة يهدد، ومش هتكون آخر مرة... أنا لما طلبت أمشي كان نفسي يوافق، بس هو مش مقتنع إن ده الأصلح لينا...
وضعت يدها على رقبتها وقالت بنبرة مليئة بالحيرة والقهر: أنا حاسة بضيق تنفس، حاسة إني زي عربية في سباق... دايمًا الأولى، بس عمرها ما ارتاحت، من سباق لسباق لحد ما خلاص، بقت بتقول كفاية... أنا كده من ساعة الحادثة، من صدمة لصدمة، لوجع، لاكتئاب، أنا عايزة آخد نفسي. يمكن أنا ضعيفة، يمكن ماستاهلش حب سليم الكبير، يمكن مش قد المسؤولية... بس كل إللي أعرفه، إن جوايا خناقة ووجع مابقتش مستحملة، أنا مش بطلب غير أسبوع واحد، أرتاح فيه، والله أسبوع، هو بس معاند.
صمت للحظة بوجع وبعينين ترقرقت بالدموع تابعت:
عارف، أنا كمان رجعت علشانه والله، علشان عارفة إنه هيتوجع، مهنش عليا أوجعه، حتى لو أنا إللي هتوجع وهتخنق أكتر. أنا بس كنت خايفة، من كتر ما أنا عمالة أشيل وأشيل أنفجر... من كام يوم، قلت كلام ماعرفش قلته إزاي، ماعرفش المرة الجاية أنا ممكن أقول إيه.
كان مكي يستمع لها بكل أذن صاغية، متأثرًا، ويشعر بما تشعر به، متفهمًا جدًا ما تقوله، قال بلطف:
والله يا ماسة أنا مش عارف أقول لك إيه؟! أنا وصل لي إحساسك وفاهم وجعك، وأنا كمان شايف إن الأصلح ليكم إنكم تبعدوا شوية...
صمت للحظات ثم قال بعقلانية:
بصي، هقولك على حاجة، هي ممكن تكون أنانية شوية... كل أللي سليم عمله مجرد كلام لحظة غضب، ماتنفذش. على فكرة سليم مش طيب أوي زي ما إنتي متخيلة، سليم لو كان عايز ينفذ أي حاجة من إللي قالها لك، كان عملها، لكن هو ماعملش، لما قعدك الأسبوع خوف عليكي مش تسلط منه، علشان نحل مشكلة رشدي... إدي له فرصة، فرصة أخيرة. جربي، شوفي هيعمل إيه؟ هيستمر في أسلوبه وهيستمر في تهديداته ولا لأ؟ ولو يا ستي ما اتغيرش، ساعتها قوليلي، انا هبقى معاكي وهساعدك. ده وعد، لكن الطريقة دي بلاش، لإني مش شايف إن الموضوع محتاج كل المشاكل دي، أو إنك تبقي عايزة تمشي بالطريقة دي، مش هقولك إنك مزوداها... وجعك لازم يُحترم، وهو نابع عن ضغوطات كتير، فجيتي على حاجة صغيرة، وخلاص فاض بيكي... عاملة زي الفتيلة كانت مضغوطة، واتسحبت فجأة، ودمرت كل الدنيا حواليها..
ركز النظر في ملامحها برجاء:
سليم يستاهل الفرصة، اعتذر ووعدك، خلاص بقى ده إنتي عديتي له بلاوي أكتر من كده يا ماسة.
تنهدت ماسة بتعب: والله العظيم سليم يستاهل كل حاجة حلوة أنا عارفة ولسة بحبه زي الأول صدقني..
تنهدت بتعب ثم بنبرة مزاح:
طب يلا، خلينا نمشي بدل ما تلاقيه جاي هنا. ويقولنا واقفين كده ليه؟! أكيد بيراقبونا.
تبسم مكي: يلا.
وأثناء تحركهم إلى السيارة،قال مكي بمزاح: لا بس يا ماسة، طلعتي مش ضعيفة، وطلع يتخاف منك، دماغك جامدة.
ماسة وهي تضحك: ولا جامدة ولا حاجة، أقسم بالله دي صاحبتي إللي مساعداني، ده أنا كنت خايفة أتوه أصلًا.
ضحك مكي وفتح لها باب السيارة وهو يقول بيقين:
بس برضه يا ماسة، إنتي مش ضعيفة، إنتي قوية ويتخاف منك... أنا با أقولك..
ماسة ضحكت: ماشي يا سيدي.
صعد الحراس السيارات وتحركوا نحو القصر.
💕______________بقلمي_ليلة عادل◉‿◉
قصر الراوي الثالثة مساءً
جناح عزت وفايزة
نرى فايزة تجلس على طرف الأريكة، يداها متشابكتان في توتر، ملامح وجهها توضح أنها تحاول استيعاب ما يُخطط له رشدي. إلى جوارها كانت صافيناز تتفحص سيجارتها قبل أن تشعلها، ووجهها يتنقل بين التركيز والتردد، رشدي يتحرك في منتصف الغرفة، يوجه نظراته بثقة، عينيه لا تعكسان إلا الثقة الكاملة وكأن كل شيء يسير حسب خطته.
توقف رشدي فجأة، ونظر لهما بنظرة ثابتة وهو يحرك يده:
دلوقتي؟ هانرفع الستارة... ونخليها تشوف العرض بعنيها.
صافيناز بنبرة متشككة، وهي تلعب بسيجارتها بين أصابعها: أفرض ماجتش وراك يا رشدي.
رشدي بابتسامة جانبية، وعيناه تلتمعان بمكر: هانبعتلها الفيديو.
فايزة مالَت بجسدها للأمام، قالت بشك: أفرض سليم ماطلعش مسدسه؟ ولا حتى تابع الولد ده ولحقه بالعربية.
هز رشدي كتفيه بثقة كاملة، وكأن كل شيء تحت سيطرته: استحالة، هو أول مايحس إن فيه خطر عليه هيطلع مسدسه، ولما يلاقي حد بيراقبه طبيعي هيجيبه من قفاه .. وهي هتشوف ده بعنيها، ودي أهم حاجة، بس الأهم إن كل حاجة تتعمل زي ما الخطة مرسومة.
زفرت صافيناز دخانها ببطء وتسألت بشك: طيب، خلينا في الفيديوهات، لإن بنسبة كبيرة ماسة مش هاتيجي وراك، هاتخرج إزاي أصلا من الحراس وممكن سليم مايعملش كل حاجه من إللي إنت متخيلها.
اتسعت ابتسامة رشدي، كأنه يُعلن بداية الفصل الأخير من مسرحيته: لو سليم أخويا حبيبي إللي أنا حافظه ماعملش إللي قولته برغم إن ده مستحيل، ولو ماسة فضولها ماخلهاش تيجي أو ماعرفتش تخرج من الحرس، هابعتلها رسالة: عايزة تعرفي الحقيقة؟ تعالي في المكان الفلاني، ووقتها مش هتعرف تقول لأ لإن الشك والفضول هيبقوا واكلين قلبها.
رفعت فايزة حاجبها بتشكك: بس ماسة مش ممكن تشك أو تتراجع. ماتنساش هي بنسبة كبيرة مش مصدقة ولا عاملة اعتبار لكلامنا.
ضحك رشدي بصوت خافت، وبدأ يتمشى أمامهم بثقة متجددة، كما لو أنه يراقب قطعة شطرنج يوشك على الفوز بها:
ماسة دلوقتي مش مستقرة نفسيًا، الشك واكل عقلها. الخناقات إللي ما بينها وبين سليم، خلّتها في حالة... مهزوزة. عقلها مشوش، وبعد كم الضغوطات إللي حصلت منكم ومن سليم في نفس الوقت، الموضوع خرج عن سيطرتها... هي نفسها تثبت إن ظنها غلط، وإننا بنكدب. العاطفة دلوقتي متملكة منها، والمنطق اتلغى عندها، وده إللي كنت مستنيه. سليم بنفسه سلملنا رقبتها من غير ما يحس. خناقتهم الأخيرة دي وحبسه ليها، ده بالتأكيد له أثر نفسي أوي عليها..
توقف ونظر لهم بتركيز وقال بفحيح أفاعي وهو يشير بأصابع يده:
وعايز أفهمكم حاجة مهمة، لو ماسة ماجتش ورايا بعد ماسمعتكم؟! أو حتى بعد ماشافت الفيديو، أو بعد مابعتلها الرسالة مش فارق؟! هي كده هتبقى استوت على الآخر، وده المطلوب، ساعتها بقى أنا بنفسي إللي هروح لها، علشان أحط اللمسة الأخيرة.. أنا مش فارق لي ماسة تشوف على الواقع ولا في الفيديو ولا حتى المواجهة بنا هتكون فين؟ أنا محتاج ماسة تكون في أقصى اضطرابها النفسي، تكون بتفرفر زي مابيقولوا، بس أهم حاجة اليوم ده لازم المكتب يتمسح من أي ميكروفونات أو أي كاميرات علشان ابنك الغالي مظبطنا.
فايزة: من رأيي المقابلة دي تحصل في غرفة ياسين هي في نفس الدور إللي في جناح سليم وقريبة من أوضتك استحالة يكون زارع فيها أي حاجة.
رشدي: أيوه كدة يا هانم صحصحي معانا.
فايزة بتذمر: بطل السوقية بتاعتك دي بس.
تنهدت صافيناز بصوت منخفض وهي تفكر في كل خطوة:
المهم، فهمني... هتعمل إيه بالظبط؟ هاتخرجها إزاي من كم الحراسة دي؟ علشان أبلغ عماد وعرفني الخطط البديلة كلها.
رشدي نظر إليهما بجدية، وعينيه تتلألأ بالخطة الأخيرة: هقولك اسمعيني كويس.
على إتجاه آخر
دخلت ماسة القصر بعد تراجعها عن محاولة الرحيل. خطوات ماسة كانت مليئة بالحزن، منكسرة. وصلت إلى جناحها، لكن شيئًا ما جعلها تلتفت.
كان باب غرفة سليم القديمة مفتوحًا، رمشت بعينيها، وقلبها انقبض دون سبب واضح. كان سليم جالسًا وحده، رأسه منحني قليلًا، وملامحه مشوهة بألم عميق.
لم تتردد، تحركت نحوه بسرعة، توقفت أمامه، قبضت على يده المرتخية بين يديها، كما لو كانت تحاول أن تجرّه للحياة.
ماسة بقلق: مالك يا سليم؟ جيت إمتى أصلاً.
رفع سليم عينيه ببطء نحوها، عيناه منطفأتان مليئتان بالألم الذي لم يُقال. صوته خرج متألمًا، كأنّه يحتاج أن يفرغ ما في صدره، لكنه لا يمتلك القوة لفعل ذلك.
سليم بألم: لسة جاي، موجوع شوية.
الخوف تسلل إلى قلب ماسة، اقتربت أكثر، شدّت على يده: موجوع من إيه؟ من الرصاصة؟ من رجلك؟ إيه إللي وجعك بالضبط؟ تعال نروح المستشفى
سليم بهدوء: بطني... شوية وجعاني.
ماسة بحب: ألف سلامة عليك يا حبيبي.. طب تعال نروح للدكتور.
حاول سليم أن يبتسم، لكن الحزن كان يثقل كلماتِه:
أخدت مسكّن.
ماسة بنبرة غاضبة: مسكّن إيه بس يا سليم؟ لازم نروح المستشفى.
ضحك سليم ضحكة صغيرة مليئة بالمرارة. يا ريت كان كل الوجع بسيط كده... بس هو أكبر من كده بكتير.
جلست ماسة بجواره، وما زالت يدها في يده، نظرت إليه بعينيها المملوءتين بالدموع،، فهي تفهم جيدا حديثه على ماذا يلوح.
ماسة تنهدت بوجع قالت بصوت مهتز:
مش إنت لوحدك إللي موجوع يا سليم، أنا كمان قلبي وجعني أوي... كنت لسة بقول لـ مكي يمكن أنا إللي فيا العيب، ويمكن أنا إللي مزوّداها. علشان كده قررت أمشي... وأبعُد شوية.
هز سليم رأسه موافقًا: إنتِ فعلًا مزوّداها ومكبرة الدنيا على الفاضي، مش عايزة تقبلي ولا تقتنعي باعتذاري.
ماسة بصوت هادئ به حزن: أنا كنت عايزة أمشي علشان أصدق إن تهديداتك كانت لحظة غضب، أصدق إن الحياة معاك هتبقى عادية، وإنّي هقدر أعيشها بسلام... بسلام نفسي، وإن حياتي السابقة بقت حلم وانتهى، حلم جميل ومات. وإللي بيموت مابيرجعش. بس إنت رفضت... رفضت علشان بتحبني. وأنا فاهمة، ومتفهمة. بس أنا بجد مضغوطة ومخنوقة. عايزة أفهم، ليه؟ ليه بقيت كده؟ ليه مزوّداها؟ ليه مش مبطل رفض؟
سليم متعجباً :رفض؟!
ماسة خفضت عينيها، قالت بتوضيح: رفضك لفكرة إني مامشيش علشان أرتاح واقتنع بكلامك. أديني أهو، أول ماشفتك تعبان، جيت جري. واليومين إللي فاتوا كنت بفكر فيك.
سليم معترضا بنبرة موجوعة: بس إنتي قوية يا ماسة، أقوى مني، قدرتي تعيشي من غيري، حتى لو دلوقتي أول ماشفتيني جيتي جري علشان تطمني، فده رد فعل طبيعي لإني تعبان..لكن أنا مش قادر ولا هقدر أعيش من غيرك، ومش عارف أنام ولا أركز في شغلي ولا في حياتي، حياتي واقفة على كلمة منك..أنا أضعف حتى من إني أقبل إنك تبعدي وتمشي لفترة صغيرة وأقبل طلبك.
ماسة بهدوء: والحل؟
سليم بعشق أدمى فؤاده: والله يا ماسة، أنا هعمل كل إللي يرضيكي، إلا إنك تمشي من هنا وتبعدي عني.
نظرت ماسة له بتفاهم: عارفة يا سليم... خلينا على اتفاقنا لفترة، بعد إذنك.
سليم هز رأسه بالإيجاب، فمسحت ماسة على ظهره بحنان. أوعدني لو تعبك زاد هنروح للدكتور.
هز سليم رأسه مرة تانية بصمت.
ماسة بلطف: شكرًا إنك سمحتلي أخرج.
نهضت ماسة وتحركت بهدوء نحو الباب.
نظر لها سليم، ثم توقف واقترب بخطوات بطيئة. نبرته كانت مشتاقة وموجوعة: ماسة... وحشتيني...
توقفت ماسة عند الصوت، اهتز قلبها للحظة ودموعها بدأت تملأ عينيها من جديد، كانت كما لو أن الزمان توقف، وكل شيء حولها اختفى باستثناء ذلك الصوت الذي قلب كيانها.
استرسل سليم بنبرة مليئة بالألم والشوق، وعينيه تملأهما الدموع: وبحبك، حتى لو بينا باب، وموجودة في نفس المكان، وقريبين. بس طول ما إنتِ مش معايا هنا... في نفس الأوضة، جوه حضني...الفكرة نفسها قطعتلي نفسي، وحرقتلي قلبي.
بدأت الدموع تنهمر من عينيها بشدة، وقلبها يتألم كما لو أنه يتفتت في صدرها.
تابع سليم بنفس الوتيرة الموجوعة: أنا مش بضغط عليكي بحبي، أنا بس بقولك إحساسي. أنا هستناكي لحد ما تهدي، وقلبك يصفى، وعقلك وروحك يرتاحوا... صدقيني، أنا مش بس موجوع عليكي، أنا مقهور، لإني عارف إني السبب في إللي إنتي عايشاه. أنا عارف إني غلطان، بس إللي لازم تتأكدي منه، إنّي مستحيل أكون قاصد أذيكي.. يا ريت تسامحيني يا عشق قلب سليم.
التفتت ماسة له برأسها بحزن، قالت بصوت خافت: أنا والله مسامحاك يا سليم... أنا بس بعدت عشان أرتاح شوية.
هز سليم رأسه وقال بنبرة مبحوحة كادت أن تسمعها: أنا فاهم... بس كان فيه حاجة جوايا نفسي أقولهالك، فقولتها. هما يومين إللي مروا، بس بالنسبالي ولا 100 سنة.
هزت رأسها بصمت، قلبها يعتصر من الألم، ثم أدارت وجهها لتغادر، لكن فجأة توقفت في مكانها.
شعرت بوجع يعصف قلبها وروحها، كما لو أن جزءًا منها يُجبرها على البقاء، فهي لا تستطيع أن تتركه، هذا سليم، الذي لا تستيطع أن تتنفس من غيره، سليم قطعة من روحها.
نظرت له مرة أخرى، كان ينظر لها بعينين ملأت بالألم والرجاء.
تبادلا النظرات للحظات، ضعفت .... توجعت... تألمت ... بكت
ثم ركضت نحوه، احتضنته وهي تبكي:
ماسة بضعف وبكاء: وحشتني..إنت كمان وحشتني أوي أوي يا سليم.
مسح سليم على وجهها بكلتا يديه، بحنان. أسندا جبينهما على جبين بعض، ودموعهما تتساقط على خديهما، وعيناهما لا تفارقان بعضها البعض.
سليم بضعف: هشش... ماتقوليش حاجة...أنا حاسس بكل حاجة.
تبادلا النظرات العاشقة المعتذرة للحظات، ثم عاد لاحتضانها بقوة وكأنه يريد زرعها بداخله شد عليها بذراعيه وهي أيضا، وطبع قبلة على حنايا رقبتها ثم على شفتيها تبادلا القبلة بعشق وشوق جامح، مد سليم يده وأغلق الباب، وعاد بها إلى الفراش.
عندما التقيا شفاههما، شعرت وكأنها تتنفس لأول مرة بعد غياب طويل، لم يكن هناك كلمات تُقال، فقط همسات وأنفاس متشابكة، وكان كل شيء حولهما يذوب، قلوبهما تتحدث قبل أعينهما بما يشعران به..
كان سليم يقترب منها ببطء، وعيونه مشتعلة بالشوق، قبل أن يلتقط وجهها بيديه برفق، ويغمرها بنظرة مليئة بالحنين. "ماسة..." همس باسمها وكأنها أغلى ما في الوجود، ثم جذبها بين أحضانه بشوقٍ شديد وكأنه يزرعها بداخله ليصبحا جسدا واحدا.
كان يقبلها بشوقٍ كبير، كما لو أن كل قبلة تحمل معها جنون اشتياقه، وهي أيضًا كانت ترد على قبلاته بعشق وشوق لا يوصف. كانت الأجساد تتقارب بشكل لا يمكن لأي منهما مقاومته، وكأن كل منهما يذيب الآخر في جسده من شدة الشوق.
ليشهد اللقاء عن عشقهما الذي لم يهتز مثقال أنملة ومازال يتغلغل بقلبيهما..
بعد مرور الوقت
كانت ماسة تجلس أمام سليم على طرف الفراش، كلاهما يرتدي برنصًا أبيض، وشعرهما لا يزال مبللًا بعد لحظات العشق التي جمعتهما. كان سليم يعيد تصفيف شعرها بحنانٍ ظاهر، كما اعتاد في أيامهما القديمة، بينما كانت هي غارقة في لحظة انسجام تام، نظرت إلى المرآة التي كانت تبعد عنها قليلاً. ولاحظت آثار قبلاته واضحة على رقبتها.
ماسة بإبتسامة هادئة وضعت يدها محل العلامة: ينفع إللي إنت عملته ده؟
سليم وهو يبتسم ونظره ثابت عليها: أكيد، بصمتي علشان أثبت ملكيتي فيكي.
ضحكت ماسة بصخب وعلقت: ملكيتك أكتر من كده يا نهار! فكرتني بأيام زمان، بقالك كتير مابتسيبش بصماتك.
سليم بغزل: علشان، بقالي فترة بستخدم معاكي اللفلات إللي كنت بستخدمها معاكي وإنتِ صغيرة
دغددغها من جنبها بمزاح. ضحكا معا ثم وضع قبلة على حنايا رقبتها.
أضاف بلطف وحنان: عايزة تعملي شعرك كده ولا أعملك ضفيرة؟
ماسة ببراءة: سيبه كده.
هز سليم رأسه موافقًا، وانحنى ليضع قبلة صغيرة على أعلى كتفها من الخلف، ثم ابتسمت ابتسامة صغيرة. التفتت له بجسدها، وحين التفتت، وجدت سليم ينظر إليها بعينين يملأهما الحب والعشق، ابتسامته تخرج من قلبه قبل ملامحه. أخيرًا، بعد العواصف الأخيرة التي مرّا بها في اليومين الماضيين بسبب مشكلة الفيديو، تبادلا الابتسامات وعاشا معا تلك اللحظات... أمسك كل منهما يد الآخر، كانت أعينهما تقول كل شيء من حب وعشق، سحبها سليم من يدها بهدوء، وهو يعود بظهره إلى الفراش حتى تمدّد، وأسند ظهره على الوسادة. تمدّدت ماسة بجسدها فوق جسده، وضعت رأسها على صدره، وكف يدها على قلبه، بينما هو يطوّقها بذراعيه حول ظهرها.
قالت بهمسٍ ناعم، يحمل عشقًا: نفسي نفضل كده على طول… تفتكر الخناقة الجاية إمتى؟
ضحك سليم بخفة: مفيش خناقات.
ماسة بتمنى: يا ريت… يا ريت يا سليم نرجع زي زمان، قبل الحادثة.
همس سليم وهو يمرر يده على شعرها:
انسي الماضي، خلينا في النهاردة. نحلم ببكرة… إحنا مع بعض، إيه اللي يمنعنا نكون أحسن من زمان؟ بالعكس… أنا بشوف إن كل لما العِشرة بتطول، والذكريات بتزيد، الحب بيكبر، وتمسّكنا ببعض بيقوى. ليه ندفن نفسنا في اللي راح؟ ليه ما نغمضش عنينا ونتمنى حياة أحلى من اللي كانت؟
همست ماسة بألم: بطلت أحلم يا سليم… الوجع اللي جوايا ما خلانيش أقدر حتى افرد جناح أحلّق في سماء.
نظر إليها بعينيه، ويده تلاعب خصلات شعرها: مش إحنا مع بعض؟
هزّت رأسها بإيجاب بصمت وعينيها لا تفارقا عينا.
تابع سليم بنبرة واثقة: خلاص… هو ده المهم.
ماسة بتوتر: بس انا خايفة.
سألها سليم بتعجب: ليه خايفة؟
همست بألم بعين دامعه: خايفة علينا… خايفه الضغط يبعدنا عن بعض.
همس سليم بعشق: ماتخافيش. حتى لو إتهزّيتي، حتى لو لعب بيكي الوجع وخلاكي تطلبي تبعدي شوية… أنا هرفض. هقف، وهفضل متمسّك بالحب ده، وبالحياة دي. مش هخلّيها تروح مننا في لحظة ضعف، أو شتات، أو وجع.
ابتسمت ماسة ومدّت يدها، تداعب ملامحه بأطراف أصابعها: بس إنت عرفت تخليني أضعف.
ابتسم سليم وهو يهمس: إنتِ طول عمرك بتضعفي معايا… مابتقدريش.
قالت بنظرة غامضة بحب: بالظبط لأني بحبك اوي… مابقدرش اقوي قلبي عليك. عشان كده طلبت…
قاطعها سليم بلطف: مش عايزين نتكلم في الموضوع ده. خلينا في اللحظة دي… نعيشها، حتى من غير ما نفكر في بكرة… انا حتى مش عايز أفكر في الساعة الجاية، مخبيه ايه؟! انا عايز أعيش معاكي اللحظة دي… اللحظة دي وبس يا قطعة السكر اللي مخليه حياتي.
تبسمت ماسة: بقالك كتير مقولتهاش يا كراميل.
سليم وهو يتلاعب بشعرها: ومش هبطل اقولها لك.
ابتسمت ماسة بنظرة موجوعة، وضمته أكثر، كأنها تريد أن تصير جزءًا من جسده...ضمّها، ثم طبع قبلة طويلة على رأسها، وظلّ يحتضنها طوال الليل… حتى غفا.
في صباح اليوم التالي، استيقظت ماسة قبل سليم. كانت تنظر إليه بعشق، تتأمل ملامح وجهه في صمت وهي تمرر أناملها على وجهه وشعرة، كأنها تحاول حفظ تفاصيله في ذاكرتها. تحدثت في نفسها:
لماذا أصبحنا هكذا؟ ولماذا أصبحت أنا هكذا بالتحديد؟
هي التي كانت تعرف كيف تصمت، كيف تصبر، كيف تغمض عينيها عن بعض العيوب. كانت تفهمه، كانت تستطيع التعامل مع غضبه، فلماذا تغيّرت؟
هل تلاشت قدرتها على التحمل إلى هذه الدرجة؟ الدرجة التي جعلتها تطلب الطلاق بإصرار، رغم عشقها له… تطلب الابتعاد لأيام، رغم أنها لا تستطيع النوم بارتياح إلا بين أحضانه.
هل هي على حق؟ أم على خطأ؟
لا تدري، لكنها كانت تعرف شيئًا واحدًا فقط…أنها تعشقه.وأن عليها أن تتحمل أكثر، فهي، كما قال لها ذات يوم، الطرف الأقوى.
هبطت إلى الأسفل بعد أن أدّت صلاة الفجر، وأعدّت مشروبه المفضل. لم ترغب في إيقاظه، كانت تعلم أنه يشعر بإرهاق شديد بعد لحظات العشق في الليلة الماضية. عادت إلى جانبه، تمددت قربه، وأخذت قرارًا صامتًا:
سأتحمل… من أجله. كما أنه حتمًا يتحمل أشياء توجعه من أجلي.
استيقظ سليم بعدها وقت، وبدأ ينظر في ملامحها بعشق. لم يرها هكذا منذ زمن. شعر بسعادة خفية… كأنه استعاد ولو جزءًا من "ماسته" القديمة.
تبسّم، وضع قبلة على خدها، ثم لاحظ المشروب بجانبه على الكومودينو، شربه، ثم قام لأداء الصلاة، وبعدها نزل إلى الأسفل.
حضّر لها الفطور بيديه، وضعه بجانبها، ومعه وردة جميلة… ورسالة صغيرة لم تحمل سوى كلمات بسيطة:
بحبك يا قطعة السكر… يا اللي محلية حياتي. وماقدرش أستغنى عنك." ثم توجّه بعدها إلى مجموعته.
لكن سليم، وماسة…لم يكن أيٌّ منهما يعلم، أن ما يخبئه لهم هذا اليوم، قد يكون نهاية كل شيء.
وربما، ما عاشاه قبل ساعات، كان آخر ما قد يعيشانه معًا.
💕______________بقلمي _ليلة عادل◉‿◉
فيلا عائلة ماسة، الربعة مساءً
في صالون ، جلست سعدية، وسط العائلة، تحمل طبق فاكهة وتوزّع قطع التين بعناية على الموجودين. ليلى والدة مكي ومجاهد بجانبها، وسلوى ومكي يجلسان متقابلين، وفي الجو شيء من الراحة والبهجة.
ليلى بنبرة حنونة وهي تنظر لسلوى: خلاص يا سلوى، اتجدعني بقى… عشان خاطري، إن شاء الله أول ما تخلصي نكتب الكتاب.
سلوى بمزاح خفيف وضحكة رائقة: ما تقلقيش يا ماما، مكي مصمم نكتب الكتاب بعد الامتحان بيوم.
ضحك مكي وقال وهو يعدل جلسته: والله لو قلتي نكتب الكتاب حالًا، أرفع التليفون، والربع ساعة والمأذون يبقى عندنا.
رمقته سلوى بنظرة مدعية الغضب: ده راجل مندفع ومتحمس، ملناش دعوة بيه… سيبوه يعيش في أحلامه كده.
ضحك الجميع، وسرت خفة الدم في المكان، قالت ليلى وهي تقشّر برتقالة: أيوه هو متحمس، بس أنا برضه مش عاجبني كده. أنا عايزة أعمل له فرح كبير… ليلة كبيرة كده.
رفعت عينيها وابتسمت: كل ليلة لازم يبقى ليها جمالها، ليلة للحنة، وليلة للفرح، وليلة للكتب كتاب… لا، ما لكيش دعوة بيه. ده ابني الوحيد وعايزة أفرح بيه. بس من رأيي يا بنتي تخلصي كل حاجتك عشان الفترة الجاية تركزى في مذاكرتك.
سعدية بنبرة رضا: احنا مجهزين البنت خلاص، كل حاجة جبناها، حتى العفش… هم حجزوه.
ايد مكي بحماس: آه يا ماما، احنا خلصنا كل حاجة. يعني مجرد بس سلوى تخلص، هننزل العفش في الفيلا وفي الشقة عندنا. أنا بس ما حبيتش أجيبهم دلوقتي عشان ما يتبهدلوش… لكن كل حاجة موجودة في المخازن.
هزّت ليلى رأسها بسرور: حلو ده. ركزي بقى في مذاكرتك، دي حياتك. امتى الامتحانات؟
سلوى وهي تفكر قليلًا: مافيش، خلاص تقريبًا ٤٠ يوم بالظبط، هو الجدول لسه ما نزلش، بس إحنا عرفنا يعني امتى بالظبط الامتحانات هتبدأ.
ربتت ليلى على يدها وقالت بدفء: على خير يا حبيبتي، ربنا معاكي. أنا قلت الصراحة أجي لك النهارده، أقعد معاكي قبل ما أسافر… وجبتلك هدية عيد ميلادك. كنت عارفة إن عيد ميلادك خلاص بعد بكرة.
أخرجت من حقيبتها علبة حمراء مربعة، وقدّمتها لسلوى، التي فتحتها بفضول، فوجدت خاتمًا ذهبيًا يلمع.
قالت سلوى باندهاش وابتسامة عريضة: الله… حلوة قوي يا طنط، طب والله كتير قوي!
هزّت ليلى رأسها برفق: لا ولا كتير ولا حاجة… ده مش قد المقام حتى، يا حبيبتي بعدين انتي بنتي.
سلوى بجد شكرا.
نهضت وقامت بتقبيلها.
واستمرت الأحاديث تتناثر في أرجاء الصالون، خفيفة كنسمة ربيع، تتخللها ضحكات دافئة ونظرات محبة، في جوّ من الألفة والسكينة.
((وبعد وقت))
خرج مكي وسلوى من الصالون بهدوء، ووقفا سويًا إلى جوار حمام السباحة، حيث الهواء العليل ينساب برقة، والماء يلمع تحت ضوء القمر.
سلوى سندت بكوعها على السور الرخامي، ونظرت للمسبح وهي بتهمس: انت بقالك فترة كده مطنشني ليه؟
مكي رفع حاجبه وهو بينظر لها: أنا؟ والله أبدًا… أنا سايبك تذاكري كويس، وبعدين أنا كل يوم بكلمك الصبح، قولي لي امتى ما كلمتكش؟
ردّت بنبرة فيها عتاب ناعم: مش عارفة… حاسة إنك بقيت مشغول عني.
ابتسم مكي وهو بيقرب منها خطوة: أنا؟ ما اقدرش أنشغل عنك… بس أنا مش عايز أكون سبب في إنك تضيعي وقتك. لو انشغلتِ عن المذاكرة عشاني، يبقى أنا كده بضرّك، مش بحبك.
سلوى تبسمت له قالت بخفة ظل: ماشي يا أستاذ مكي…
رفعت سلوى عينيها وسألته: هتعمل إيه بقى في عيد ميلادي؟
ضحك وهو بيهزّ راسه: سيبيها لليوم ده…
سلوى عضّت شفايفها بتوتر خفيف: ماشي… والله خايفة منك، بس تمام.
دون حديث، مدّ مكي إيده وقطف وردة حمراء صغيرة من قصيص الزرع القريب، وقدمها لها بابتسامة دافية.
أخذتها منه، وظل صمتين للحظات… لكن السكون كان دافي، كتلك اللحظه.
قصر الراوي، الرابعة مساءً
غرفة المعزوفات.
كان السكون يلفّ المكان إلا من أنغام البيانو التي تتسلّل بهدوء من تحت أنامل ماسة، فتغسل زوايا الغرفة وتنساب في الهواء كأنها دموع لا تُرى.
جلست أمام البيانو، ظهرها مستقيم، لكن قلبها كان منحنياً تحت ثقل أفكارها، كل نغمة كانت محاولة للهروب… للفرار من ضجيج عقلها وصخب قلبها.
تعزف وكأنها تبكي دون صوت، تعزف لأنها لا تستطيع الكلام، ولا حتى الصراخ، تعزف لأنها لا تفهم نفسها.
كانت تشعر بالسعادة… نعم، لكنها أيضًا خائفة.
خائفة أن لا تستطيع التحمل أكثر، إن بقي سليم كما هو، خائفة من أنها قد تستفيق ذات يوم وتجد نفسها لا تملك القوة ذاتها التي كانت تدّعيها، هي تعرف أن احتمالية تغيّره ليست أكيدة… بل ربما شبه مستحيلة، كانت مشتتة بشدة، تفكّر في كلماته، في لمساته، في تلك الليلة التي شعرت فيها كأنها تعود لنقطة البداية… لكن عقلها لم ينسَ النهاية التي تخشاها، كل نغمة كانت نداء…نداء لأن تبقى، أو ربما لأن تهرب، لكنها لم تكن تملك الجواب.
على اتجاه آخر، كانت تجلس فايزة وصافيناز في الصالون القريب، ويبدو أن لديهم نية للقيام بشيء ما. حين شاهدت إحدى الخادمات ماسة تقترب وتهم بالدخول، أشارت إليهما أن ماسة قادمة. فبدأت فايزة بالحديث بسرعة، وهي غاضبة، وكأن كل كلمة تخرج منها تحمل ثقل عذابها وقلقها:
فايزة بفحيح أفعي: هو في إيه يا صافيناز؟! سليم خلاص اتجنن؟! أرواح الناس بقت لعبة عنده؟ مافيش حد قادر يسيطر عليه؟! المشكلة إن عزت مبسوط بيه، كلمي رشدي، خليّه يلحقه قبل مايقتل الشاب ده!
تجمدت ماسة في مكانها فور سماع تلك الكلمات، كأنها صُعقت، كان قلبها يخفق بشدة، وكأن كل شيء حولها أصبح فجأة غائمًا. لم تعرف ماذا تفعل، لكن فضولها وتلك الرغبة الملحة في معرفة الحقيقة دفعاها للاستماع أكثر.
صافيناز أمسكَت هاتفها: بلاش رشدي، نبعت لياسين. هو يعرف يتفاهم معاه، وسليم بيحبه إنما رشدي إنتي فاهمة.
فايزة برفض: ياسين؟!ماينفعش. يمكن في مسلحين أو حاجة، خلينا نبعت رشدي أفضل في الأمور دي.
وضعت صافيناز هاتفها على أذنها وتحدثت بحذر:
إيه يا رشدي، تعالى بسرعة، مامي عايزاك، أغلقت الخط .. أهو نازل.
فايزة بخبث: أنا مش فاهمة، إيه إللي حصل؟ فهميني، بالراحة.
صافيناز بتوضيح: مافيش يا مامي. هو مجرد مزاد وراح منه، فإزاي قدري يتحدى سليم الراوي ويقول له: أنا أخدت المزاد منك، شوف لك شغلانة تانية. خلّى سليم يتجنن، وحلف إنه يقتله، ماعرفش بقى هل سليم كان بيحلف بالكلام وبس، ولا كان جاد؟ الصراحة، كنت ناوية أبعت عماد، لكن إنتِ عارفة عماد، إيده اليمين. مابيعرفش يمسك بيها مسدسات بعد ماسليم ضربه بالرصاص بكفه زمان.
فايزة باستهجان: سليم اتجنن خلاص، اتجنن.
جاء رشدي فجأة وتوقف أمامهم، قائلاً: خير؟ في حاجة؟
وقفت فايزة وقالت بسرعة: روح بسرعة، ألحق سليم! قبل مايقتل إللي اسمه قدري ده.
رشدي بضجر: ابنك ده بقى مجنون ومريض! هو إيه إللي بيعمله ده؟ أي حد ياخد مننا مزاد أو شغل، يهدده بالقتل؟ والباشا سكتله خايف منه؟! ده مش أول واحد يقتله! من فترة قريبة، قتل واحد، وقبلها رجع تاني يلعب لعبة الصياد! ؟ بتقولوا عليا مجنون، بس أهو بحاول أتغير وأكون عاقل وهادي، أنا عقلت وهو اتجنن.
صافيناز قالت بتفكير خبيث: أنا من رأيي نكلم ماسة، نخليها تهديه، هي بتعرف تتكلم معاه.
رشدي: ماعتقدش إن ماسة تعرف حاجة عن سليم ولا حتى هاتصدقنا.
فايزة بشدة أنا دلوقتي مش مهم عندي غير إنك تروح بسرعة ورا سليم وتمنعه عن الجريمة دي.
رشدي: طب إنتم عارفين أي معلومات؟
صافيناز: أيوه، قدري عنده اجتماع الساعة 6:00. سليم هايترصدله وهيقتله. العنوان مع عماد، اتصل بعماد، هو إللي سمعه.
نظر رشدي في ساعة يده وقال: لا، يا دوب ألحق الساعة داخلة على 5:00.
تحرك رشدي سريعًا إلى الخارج
في تلك اللحظة، كانت ماسة واقفة في مكانها، قلبها يكاد يتوقف من شدة الصدمة، فكل ماسمعته يضغط على قلبها كالحجارة. كانوا يتحدثون عنه كما لو كان شخصًا آخر، شخص بعيد عن الرجل الذي عرفته وأحبته. يقولون عنه "قاتل"، يوجهون إليه الاتهامات التي لا تفهم كيف يمكن أن تصدقها. رغم كل شيء، لم تستطع ماسة أن تصدق ما تسمعه عنه، تحاول أن تجد سببًا منطقيًا وراء كل هذه الأكاذيب، وكل هذه الحكايات التي كانت تُحاك ضده. شيء ماداخلها كان يدفعها للتحرك، لم تكن تستطيع الجلوس ساكنة أكثر، كانت تُشعر أن العالم من حولها يتهاوى، شعرت بشيء ثقيل في قلبها. هذا ليس سليم الذي أحبته والذي عاشت معه سنوات طويلة. بدا وكأنها تسمع عن شخص غريب.
فقد مرت فترة من الزمن وهي تسمع عن سليم هذا الكلام الغريب. بدأ قلبها يختنق مع كل كلمة، لكن عقلها كان يرفض تصديقهم. لا يمكن أن يكون سليم هو الشخص الذي يتحدثون عنه، لا يمكن أن يكون هو حبيبها الذي قضت معه أجمل سنوات حياتها.
لكن على الرغم من كل ذلك، كانت هناك رغبة كبيرة تدور بعقلها وتود أن تفهم، أن ترى الحقيقة بعينها. هي لم تكن مشككة في سليم، بل كانت تبحث عن سبب ما يجعل الآخرون يشوهون صورته بهذا الشكل.
هل هو مجرد تشويه لسمعته أم أن هناك شيء أكبر وراء هذه الأقاويل؟
لكن السؤال كان: كيف؟ كيف يمكنها الخروج من هذا القصر الذي أصبح سجنًا بالنسبة لها وكيف تتخلص من تلك الأسوارة فكرت قليلا ثم، دخلت المصعد مسرعة وصعدت لغرفتها عدلت الوسادة بوضع النوم وضعت الأسوارة عليها وأجرت مكالمة لسحر أنها ستنام وألا تقوم بازعاجها، هبطت ماسة مرة أخرى ثم دخلت غرفة المعزوفات ثم خرجت إلى الحديقة. هناك كان باب يؤدي إليها، وبدأت تتحرك كما لو كانت في يوم عادي أمام الحراس كانت تمسك وردة بين يديها، تشم رائحتها وكأنها مستمتعة بلحظة هادئة، وكأنها تتنزه كما اعتادت كل يوم...
كل خطوة كانت تخطوها كانت تبدو طبيعية تمامًا، لكن في عقلها كانت تراقب كل زاوية بعناية، كأنها تدرس مواقع الحراس. تحركت حول المبنى، ثم لاحظت سيارة رشدي وهي تتوقف أمام القصر.
على الرغم من أن السيارة كانت قريبة جدًا من البوابة الداخلية، وتقع مقابل الباب مباشرة، إلا أن ماسة كانت تدرك تمامًا أن أي حركة غير محسوبة قد تكشف أمرها. تحركت بحذر، تنتقل من شجرة إلى شجرة، وكأنها تختبئ في الظلال، عيونها تراقب كل زاوية بعناية، وكل شجرة كانت مأوى مؤقتًا يحميها من خطر الاكتشاف، قلبها ينبض بسرعة، وكل خطوة، تحمل إحساسًا متزايدًا بالخوف.
وعندما اقتربت أخيرًا من السيارة، لاحظت أن الحقيبة كانت مفتوحة قليلاً. والحارس ابتعد فجأة عندما أستمع لصوت رشدي ينادي عليه، شعرت بشيء غريب، لكن لم يكن أمامها وقت للتفكير في التفاصيل، صعدت بسرعة، وكأنها تشعر بنشوة الهروب، لكن القشعريرة كانت تجتاح جسدها من التوتر.
بعد دقائق صعد رشدي السيارة وانطلق بها، وهو يتحدث مع عماد عبر الهاتف:
رشدي: عرفت سليم هيقابله فين؟ طب ابعت لي اللوكشن. سلام. لا، لا، ما تبعتش حد.
بينما كانت ماسة تتنفس بصعوبة داخل الحقيبة، وكل لحظة كانت تمر وكأنها صراع مع الزمن.
استمر رشدي في القيادة لفترة طويلة، وماسة، لا تزال داخل شنطة السيارة، تختبيء بحذر شديد في المساحة الضيقة. كانت تتنفس بصعوبة، وكان الوقت يمر ببطء. أخيرًا، توقفت السيارة في مكان مهجور، أرض زراعية تحتوي على بيوت فارغة، حيث لم تُسكن بعد. كان المكان هادئًا، والظلام بدأ يعم المكان بشكل متزايد.
ظلّت ماسة مختبئة في مكانها، تنتظر قليلاً، ثم قررت بحذر أن تفتح شنطة السيارة. خرجت منها ببطء، وحركت جسدها بحذر أكبر، متفحصة المكان بعينيها، تراقب في كل الاتجاهات، تحاول تحديد موقعها وفهم ما يحدث حولها، كانت أفكارها كلها مشغولة بشيء واحد فقط: أين سليم؟ هذا كان شغلها الشاغل.
على الجهة الأخرى
كان سليم يقود سيارته بمفرده، بشكل طبيعي تمامًا، لكن عيناه، بين الحين والآخر، كانت تتجه نحو المرآة الجانبية، وكأنّه شعر أن هناك من يراقبه. ابتسم بكبرياء، وأخفى قدمه عن البنزين، وفجأة أدار عجلة القيادة بحركة مفاجئة. أصبح هو من يطارد تلك، واقترب من السيارة التي كانت أمامه حتى أصبح بجانبها تمامًا.
أشار سليم إلى السائق بمسدسه، قائلاً بصوت حازم ومهدد وهو ينظر من نافذة سيارته الأخرى: اقف مكانك قبل ما تندم.
لكن الشاب الذي كان في السيارة شعر باضطراب شديد عندما رأى المسدس، حاول تسريع سيارته للهروب، لكن سليم لم يتأخر في مطاردته، أصبح الشاب يحاول الفرار بأي شكل ممكن، لكن سليم لم يتركه لحظة واحدة. كانت المطاردة مستمرة بلا رحمة.
وفي نفس الوقت، كانت ماسة ما زالت متوقفة بالقرب من سيارة رشدي، خلف أحد الأشجار، تمرّ الدقائق ببطء، بينما كانت حائرة لا تعرف ماذا تفعل، وأين يجب أن تذهب، عيناها تبحث عن رشدي، لكنه كان غائبًا، ولا أثر لأي شخص حولها. شعرت بشيء من التوتر والندم، فقالت لنفسها في همس: ما كانش لازم أسمع كلام دماغي، أنا عارفة أنه مش صح... طب أنا فين؟! طب أروح فين؟! يخرب بيت كده! أكلم سليم، والله هيذبحني...إنت فين يا رشدي الزفت، انا غلطانة والله العظيم وأستاهل، خليني بقي مستنية لحد ما يرجع.
فجأة، لمحت سيارة سليم قادمة على مرمى البصر، ويبدو أن هناك سيارة أخرى بجانبها. كان سليم يطاردها، والسيارة الأخرى كانت تحاول الهروب. ركزت عينيها جيدًا، واختبأت وراء عمود كهرباء، حتى مرّت السيارتان بسرعة كبيرة بجانبها.
بعد لحظات، وفي أحد المنحدرات، تمكن سليم من إيقاف السيارة المطارِدة، وتوقّف أمامها ليفصل بينه وبين السائق.
بدأت ماسة تتحرك بخطوات سريعة، لكنها كانت حذرة في نفس الوقت، تقترب من مكان الحادث وكأنها تخشى أن تكشف نفسها. كانت كل خطوة تأخذها تزداد فيها المخاوف.
في مكان آخر، كان سليم في حالة من التوتر الشديد والغضب. فتح باب سيارته بسرعة، وهو ممسك بمسدسه وصوّبه تجاه الشاب الذي كان في السيارة الثانية.
سليم بصوت غاضب: أخرج!
خرج الشاب ببطء، وعيناه مشبعة بالتوتر والذعر. كانت يده ترتجف وهو يرفعها إلى الأمام، وفجأة ركل سليم ركلة قوية نحو وجهه بكل ما أوتي من قوة، ثم ركض بسرعة، محاولًا الهروب. كان يعلم تمامًا أن سليم لن يستطيع اللحاق به بسبب إصابته، لكن كان يائسًا من أي فرصة للهروب.
ومع ذلك، لم يتوانَ سليم في الضغط على الزناد بكل عنف. الطلقة خرجت بسرعة، لكنها لم تصب الهدف بشكل متعمد. كان سليم يهدف فقط إلى أن يوقفه، لا أن يقتله... لكن في اللحظة التالية، سقط الشاب أرضًا كما لو أن الحياة قد انتزعت من جسده، ارتعدت أطرافه من الخوف، ورفع يديه في استسلام، وهو يصرخ بصوت مبحوح:
أبوس رجلك! ما تقتلنيش، عندي عيال! بالله عليك، خليني أعيش!
كانت كلمات الشاب تنبع من عمق يأسه ورعبه، كأن الوقت نفسه تجمد لحظة الصراع بين الحياة والموت. سليم كان يقف أمامه، عينيه مليئة بالغضب، لكن قلبه لم يكن خاليًا من شفقةٍ ضئيلة، رغم قسوة الموقف.
اقترب سليم منه، ما زال موجهًا المسدس نحوه، قائلاً بلهجة حادة: مين اللي بعتك؟
الشاب، وهو ما زال في حالة خوف شديد، رفع يديه وقال: هقول لك... هقول لك كل حاجة...
لكن في تلك اللحظة، سُمِعَت رصاصة، استقرت في رأس الشاب، فمات في الحال. ارتعش قلب سليم، وفتحت عيناه على آخرهما من الصدمة. نظر حوله، متسائلًا عن مصدر الرصاصة، ثم ركض باتجاه الصوت، محاولًا فهم ما حدث.
في نفس الوقت من مكانها، كانت ماسة تراقب كل شيء، تسمع الصوت، وتحاول أن تستوعب ما يحدث.
لكنها ظننت أن سليم قتل ذاك الشاب، بس توقفها في اتجاة معاكس يبدو ان تلك هي خطتهم بأن ترى سليم قاتل عديم الرحمه..كادت أن تصرخ من الصدمة...فجأة، شعرت بيد تمسك فمها من خلفها.
كانت يد رشدي، الذي سحبها بقوة وهو يقول: يخرب بيتك! إزاي جاية هنا؟ هتفضحينا!
حاول سحبها بشدة، بينما كانت ماسة ترتجف من الرعب، قلبها ينبض بسرعة وكأنها على وشك الانفجار. كانت في حالة صدمة تامة، غير قادرة على تصديق ما حدث أمام عينيها. كانت تشاهد الحادث بأعين مغلقة عن الحقيقة لكن في أعماق قلبها كان يقين واحد: سليم هو من قتل الشاب، وهو السبب في هذه الجريمة المروعة.
أخذ رشدي يسحبها من الخلف، وهو يجرها بقوة إلى أحد البيوت، وما زال يضع يديه على فمها بإحكام. دفعها على الحائط وهو يقف أمامها، همس في أذنها بصوت منخفض لكن حاد:
هششش، هشيل إيدي، لو اتكلمتي أو صرختي هنموت فاهمة.
هزت رأسها بإيجاب، في صمت مرعب، قلبها ينبض بسرعة وكأن الزمن توقف لحظة.
سحب رشدي يديه ببطء شديد، وهو يترقب أن تقوم بالصراخ في أي لحظة، لكنه لم يسمع سوى أنفاسها الثقيلة.
كانت ماسة في حالة من الذهول، تتساءل بصوت منخفض، غير مصدقة لما يحدث: قتلته؟ ليه قتلته ليه؟
رشدي بتوتر وهو يحاول التماسك: هقولك كل حاجة، وهعرفك سليم عمل كده ليه، بس مش دلوقتي.
ماسة بتصميم ومازالت تحت تأثير الصدمة بدموع وانهيار: قال له هقولك كل حاجة وبردو قتله قاله عندى عيال أبوس رجلك ارحمني وقتله قبل حتى مايسمعه ليه، ليه عمل كدة؟!
رشدي بحزم: مش وقته خالص، لازم نمشي قبل ماسليم يشوفنا.
حاول سحبها من معصمها، لكن سحبت ماسة يده، أمسكته بشدة وهي تنظر في عينيه بنظرة مملوءة بالشك والدموع: إنت لازم تفهمني، إزاي حصل ده؟
رشدي بسرعة وشدة: بعدين يا ماسة، يلا، خلينا نمشي.
استمر في سحبها حتى وصلا إلى سيارته، وأخذها إلى القصر. طوال الطريق، كانت ماسة تبكي بحرقة، لا تستطيع تصديق ما حدث. كانت أفكارها مشوشة، تتساءل لماذا؟ وكيف؟ ولماذا سليم فعل ذلك؟! كيف يكون بلا رحمة لتلك الدرجة،لم يتوقف قلبها عن الهلع للحظة ولا عقلها عن التفكير.
على الجانبٍ الآخر عند سليم
كان سليم لا يزال يركض كمن أصابته صاعقة. كانت عيناه تجولان في كل الاتجاهات. قلبه يعلو ويهبط، وصوته الداخلي يصرخ... قبل أن ينطق لسانه. قبضته المتوترة تشد على المسدس، يبحث عن مطلق تلك الرصاصة، عن ذلك الشبح الذي سلب الحياة من عيني ذاك الشاب.
لكن دون جدوى... كأنه اختفى في لمح البصر.
أنفاسه تتلاحق، وصدره ينهار من شدة الخنقة. وفجأة، صرخ بكل ما أوتي من وجعٍ وقهر، صرخة رجولية، مبحوحة، كأنها تلخص كل ما يعتمل داخله.
آاااااه!
أطلق رصاصتين في الهواء، انفجرتا كأنهما تفرغان بعضًا من غضبه. وبيدين مرتجفتين، بدأ يفتش جيوبه، يبحث عن هاتفه... لم يجده.
اندفع نحو سيارته، فتح الباب بعصبية، التقط الهاتف واتصل بسرعة: مكي... تعالى حالًا!
في اتجاه آخر قصر الراوي.
عندما وصلا إلى القصر، اختبأت ماسة أسفل كرسي السيارة، محاولة أن تختبئ من أي شخص قد يراها. وعندما دخلا داخل القصر، خرجت بحذر بمساعدة رشدي، واتجهت إلى الحديقة، حيث جلست لفترة قصيرة، تحاول استيعاب ما حدث. ثم صعدت إلى جناحها، وهي في حالة من الضياع، لم تستطع فهم ما الذي حدث.
هضبه المقطم التاسعة مساءً
نرى سليم واقفا، ومكي، وإسماعيل واقفان أمامه.
يبدو على ملامح وجوههم التوتر.
إسماعيل وهو يطالع الأرض متعجباً: يعني مين اللي ضربه؟ ومين الشاب ده؟
سليم بنبرة مرعبة: إنت جاي تسألني؟! أنا جايبك عشان تجاوبني! لو مش قد شغلتك، نطلعك معاش، فيه ألف ظابط فاسد غيرك يتمنى مكانك.
تراجع إسماعيل خطوة للخلف: أنا ماقصدش...
قاطع سليم حديثه بعينٍ تلتمع من الغضب:
أنا مش هرجع للصفر تاني... مش هسمح إن الولد ده يضيع زي محروس.
إسماعيل بحذر: اديني ٢٤ ساعة بس.
رد سليم بحدة لا تحتمل نقاش: ٢٤ ساعة؟! هما تلات ساعات. تلات ساعات بس، وتكون الإجابة عندي. ساعة زيادة، ملف فسادك هينور مصر كلها في الصفحة الأولى بكره.
هز إسماعيل رأسه ومضى، لا مجال للنقاش.
رمق سليم مكي بنظرة نارية: إنت لسه واقف؟ اتحرك معاه.
مكي بنبرة هادئة: طب اصبر بس... إهدى شوية. ليه متعصب كده؟
انفجر سليم: ماحدش يقول لي إهدى!
مكي أصر: لا، لازم تهدى عشان نفكر بالعقل. الولد ده ماكانش جاي يقتلك، كان بيراقبك بس.
سليم يضغط على أسنانه، وعينيه تشتعلان:
طب ما أنا عارف... دي معلومة جديدة؟ بس... خلاص تعبت. أول مرة أتحط في موقف زي ده. أول مرة أحس إني مربوط، متكتف. زمان اللي كان بيحدف عليا وردة كنت بجيب رقبته! وده قاتل... قاتل بنتي! و كان عايز يقتل مراتي... ويقتلني! وسنين عدت... وماوصلتش لمعلومة واحدة!
مكي بحكمة: لأنك بتتحرك بحذر عشان ماسة ط، الأول كنت لوحدك بس دلوقت الوضع اختلف..
مد يده ربت على كتف أضاف بثقة: هنوصل ياسليم... هنوصّل.
سليم بيأس: طب لو ما وصلناش، كله هيتحول لسراب... وده بنسبة ٩٩٪ هيتم.
مكي بعقلانية: حتى لو اتحول لسراب مش مهم... بس صدقني، خيوط اللعبة بدأت تتغير. حتى لو ببطء، بس بتتغير. واضح إنهم بعتوا رجالتهم يراقبوك. ولما كشفته، اتخلصوا منه. وده معناه إن فيه حاجة كبيرة بتحصل.
فكر سليم بصوتٍ عالٍ: عايزك تدور تاني ورا إريك وتيمو وباولو وتزود الحراسة على ماسة.
تفاجأ مكي : باولو؟ رئيس المنظمة؟!
أجابه سليم بثبات: أيوه... باولو. بقى صاحبهم الفترة دي، بيوزعله شغله في مصر والشرق الأوسط.
عيسى بيستورد منهم مخدر،ات. هو المستورد الأول في مصر دلوقتي، وشغل السلاح كمان.... باولو بيستغل الوضع السياسي في المنطقة شغله الأساسي... سلاح تقيل بيبيعه للمنظمات الإرهابية واريك بيساعده فى تهريبهم لمصر.
ثم أكمل بمرارة: وعزت الراوي خلاص... مبقاش زي زمان، حتى الآثار بطلها طبيعي يرفعه من عليه الحماية.
مكي وهو ينظر له بتفكير: بس أنتم لسه مشتركين في ترابيزة العهد.
سليم وهو يهز رأسه: هما دول... بيفكروا كده؟ لا ياحبيبي، مصالحهم رقم واحد، ملهمش عهد ولا ولاء.
سأله مكي بتركيز: يعني إنت حاسس إن اللي حصل ليك ليه علاقة بيهم؟
هز سليم رأسه قال بدهاء: من زمان وأنا حاسس إن ريحة الحادثة دي...جاية من عند باولو.
حاسس إنه كان مغطيهم. يعني اللي حصل ده تم بعد استئذانه. عشان كده لما دورنا، ماوصلناش. لإنهم كانوا بيساعدونا... وهم نفسهم كانوا مستفيدين
أنا عايز دليل، دليل واحد وأنا هنسفهم.
توقف لثوانٍ، ثم تابع: بس خلينا نشوف الولد ده الأول... هنوصّل لحاجة؟ ولا هيطلع سراب؟
إنت دور وراهم من غير ما حد يحس بيك. وأنا هكلم ماركو... الوحيد اللي هيساعدك ، بس أنا... بجد تعبان يا مكي مضغوط اوي محتاج أسافر.
مكي بهدوء: من رأيي تاخد ماسة وتسافروا كم يوم كده... أي حتة. إنت محتاج تغير جو، وهي كمان بعد اللي حصل بينكم وإذا كان على التأمين متخفش.
سليم فكر لثوانٍ، ثم قال: ماشي... حضر لنا سفر لليونان، بس بشكل سري. والإعلان الرسمي إننا رايحين سويسرا... عشان بتحبها.
ابتسم مكي بخفة: اعتبر كل حاجة جاهزة... إديني ٢٤ ساعة، بس خلينا نتحرك دلوقتي... وخليني ورا إسماعيل.
سليم قال وهو يفتح باب سيارته: طب عينك عليه.
ضحك مكي وهو يحرك كتفه: أنا مش قلقان غير منه، ما بحبوش.
ضحك سليم أخيرًا، ضحكة صغيرة: ما تحبوش يا سيدي بس هو حقيقي بيعرف يشتغل... وده اللي يهمنا.
صعد كلٌّ منهما إلى سيارته، وانطلق كلٌّ في طريقه، بينما
الفصل الثامن والستون ج2 من هنا
لقراءة جميع فصول الرواية من هنا