رواية الماسة المكسورة الفصل السبعون 70 ج1بقلم ليله عادل

رواية الماسة المكسورة

الفصل السبعون 70 ج1 

بقلم ليله عادل


{"~ أشعر بألمٍ يفتك بقلبي، يحرق روحي ويمزق ذكرياتي. أنفاسي مختنقة، وصرختي عالقة في حلقي بمرارة لا تطاق.

لا أعرف ما هو ذنبي، سوى أنني أحببتُ بصدق. أحببتُ رجلًا يشبه النجمة البعيدة، ونسيتُ أن النجوم تختفي حين تشرق الشمس. 

قلبي الآن محطّم، والذكريات التي كنت أحتفظ بها باتت جراحًا مفتوحة، تنزف بلا نهاية.

أبحث عن سلامٍ داخلي، أفتّش عن بقعة ضوء وسط هذا الظلام، لكنني لا أجد سوى صدى الحزن يردّد أنيني. أصرخ ولا أحد يستمع لندائي،وكأنني أحارب في عاصفةٍ من الدم، تجتاحني بعنف، تحاصرني، وتسلب مني حياتي قطرةً بعد أخرى. }


             [ بعنوان: عاصفة من الدم ]


شدت ماسة المفتاح منه بنظرة مليئة بالكراهية، وابتلعت تلك الغصة المريرة التي في قلبها. قبل حلقها..


تقدمت نحو الباب، وقبل أن تضع المفتاح في الكالون، انتبهت لصوت طرقات خفيفة تأتي من الخارج، تلاها صوت سليم يملأ الجو:


سليم: ماسة، قافلة على نفسك ليه؟ أفتحي.


اتسعت عينا ماسة بصدمة، بينما ابتسم رشدي بخبث.


اهتزت ماسة، وكأن قلبها على وشك التوقف.


رشدي بصوت مكتوم حتى لا يسمعه سليم قال ببرود: حليها، عشان لو دخل... إنتي عارفة إللي هيحصل فيا وفي أهلك.


جزت ماسة على أسنانها بغل يخرج من عينيها، لكن ليس بيدها أي شي لتفعله الآن.


بينما رشدي نظر داخل عينيها قائلا: يلا مش وقته خالص النظرات دي وإلا كراميلك هيقلق.


بحركة تلقائية مدت يدها وضربته بغل وبقوة أعلى صدره. 


تبسم رشدي و وضع يده على صدره وقال باستفزاز: إيدك تقيلة يا ست الحسن بس عسل والله.


نادى سليم بصوتٍ قلق: ماسة! افتحي! إنتي كويسة؟ افتحي الباب ! ماتقلقنيش.


كانت ماسه ما زالت تنظر لرشدي بغل يخرج من عينيها، تريد قتله وحرقه، لكنها لا تستطيع فعل شيء، فهي في وضعٍ لا تحسد عليه الآن.


صمتت لحظة، ثم خطرت في ذهنها فكرة، فبدأت تدفع رشدي بكل ما أوتيت من قوة نحو المرحاض بصمت، بينما كان سليم لا يزال يطرق الباب وينادي:


ماسة بهمس: أمشي قدامي.


دخل رشدي المرحاض مرغماً، نظرت له ماسة نظرة قوية وبتحذير: خليك هنا، بلاش تموت نفسك... إنت أكيد مش عايز تموت دلوقتي، عايز تتمتع بعز كرسي الراوي، أعتقد رقبة عائلة مجاهد أقل من إنك تموت نفسك عشانها.


رشدي باستفزاز: بس برضه هما مايهونوش عليكي يا ست الحسن.


رمقته بنظرة كلها غل وكره تحركت وأغلقت الباب


نظر رشدي لآثارها بابتسامة ساخرة، وهمس: والله طلعتِ قوية يا ماسة... مش سهلة. فيكي كتير من سليم.


بينما أغلقت ماسة باب المرحاض بإحكام، أخذت نفسًا عميقًا، خبأت الهاتف في صدرها، ثم توجهت إلى الباب الرئيسي.


فتحت ماسة الباب... فوقفت وجهاً لوجه أمام سليم.


نظر لها سليم متسائلا بقلق: قافلة عليكي بالمفتاح ليه؟


ماسة بجمود: وليه ماقفلش عليا بالمفتاح؟


سليم بقوة: سألت سؤال، تردي بإجابة.


ماسة باستهجان: أنا حرّة، أعمل إللي عايزاه... أوضتي أتصرف فيها زي مايعجبني.


كاد سليم أن يدخل الاوضة وضعت ماسة يدها، ثم توقفت أمامه بمنع، نظر لها متعجباً: هو أنا ممنوع أدخل أوضتنا؟!


هزت ماسة بلا قالت بجمود: إنت مش ممنوع تدخل أوضتنا... بس الاتفاق كان إن كل واحد يقعد في أوضته.

أضافت بحدة وضيق:

قلتلك يا سليم، مش عايزاك تدخل هنا... ومش عايزة أشوفك محتاجة وقت أفكر يا أخي، كفاية ضغط.


أكملت وهي تحذره بقوة:

ولو فضلت مصمم على طريقتك دي، هخرج من هنا، ومش هيهمني أي تهديد... صدقني هعرف أخرج وأمشي ومش هتعرفلي طريق.


ابتسم سليم ابتسامة باردة قال بنبرة ساخرة: 

أهو كدة المتمردة وصلت بالسلامة... كدة أطمنت عليكي إنك بخير، كدة هقدر أنام مرتاح وأقولك تصبحي على خير... يا ماستي المتمردة.


تحرك سليم بعض الخطوات لكنه عاد، توقف، ونظر لها نظرة مفعمة بالتحذير، وقال بصوت مبحوح:

أرجوكِ يا ماسة ماتختبريش صبري أكتر من كدة.. 

أنا أكتر حاجة بكرهها العند وإنتي عارفة، ولو كنت بتحمل عندك لحد اللحظة دي، فده محبة، فأرجوكي ما تزوديهاش، إللي بتعمليه ده مش هايفيدك، ومش بهددك... أنا بفهمك، إللي بتعمليه ده مش صح، وطبيعي لما أكون عارف إنك تعبانة، أجي أطمن عليكي.


نظرت له ماسة بصمت لم تجيبه وأشاحت بوجهها بعيدا،  نظر لها سليم مطولاً، ثم نظر لأعلى بتعب زفر بإختناق ثم تحرك بعيداً بإتجاه غرفته دخل وأغلق الباب خلفه.


حين تأكدت ماسة من عدم عودته،أغلقت الباب، ثم توجهت نحو المرحاض. فتحت الباب بهدوء، كان رشدي مايزال متكئًا خلفه، يبتسم بخبث.


رشدي بهمس: شطورة يا ماسة... بتتعلمي بسرعة.

تحركا معا حتى الباب ثم قال:

خلاص... زي ما اتفقنا. يومين وهقولك تعملي إيه.

.وطول ما إنتي ماشية صح وبتسمعي الكلام وطيبة وبتقولي حاضر ونعم مستحيل أقرب حد من أهلك،  بس لو قليتي عقلك مقبرة العيلة هاتتفتح لحد ما يخلصوا كلهم ..


قاطعتة ماسة ببكاء، وبُحة موجوعة، صاحت بيه:

إنت عايز مني إيه؟! بتعمل فيا كدة ليه؟! أنا عملت فيك إيه وحش؟! إنت بتكره أخوك أنا مالي؟! كلكم مجرمين زي بعض! أنا مالي؟! أنا وأهلي مالنا؟! حرام عليك يا رشدي، إنت عمرك ما شفت مني حاجة وحشة؟! عمرى ما أذيتك، ليه بتعمل فيا كده؟!


رشدي بهدوء، كأنه بيعلن حكم بالإعدام:

في الحرب لازم يبقى فيه ضحايا يا ماسة، وانتي هتبقي الضحية، تصدقي؟ إنتي صعبانة عليّا أوي… بس ماكانش عندي اختيار تاني، بقالي شهور طويلة بفكر أخلص من سليم إزاي…إنتي كنتِ آخر واحدة بتيجي في دماغي، لأني بعزّك… بس بحب مصلحتي أكتر.

ملقتش أنسب منك، واللي أكّد لي ده المشاكل اللي كانت بينه في الفترة الأخيرة، رغم بساطتها، بس خلت سليم يغلط غلطة كبيرة...


صمت لحظات، وبنبرة فيها شجن وسؤال مؤلم:

مش لو كنتِ اخترتيني زمان؟ ماكناش وقفنا الوقفة دي… وكان زمانا سوا، وماحدش كان هيقدر يدوسلك على طرف، لأني أنا أكتر واحد عارف وساختهم..رغم إن سليم أذكى وبيخوفه منه، بس في الحاجات دي بيبقى غبي.

إنما أنا؟ ببقى ناصح…وافاهم الاعبهم 

تابع بتبرة مليئ بمرارة:

بس إنتي… ماخترتنيش يا ماسة… واخترتيه.


ماسة متعجبة، وهي تتكّي على الكلمة:

اخترتك؟

بوجع وعقلانية:

إنت عمرك ما قرّبت مني زمان يا رشدي.عشان اختارك..

انت كنت عايز تعمل فيّا زي ما عملت في صفاء…

وفي الآخر لاقي نفسي متجوزة واحد من رجالتكم،. أو زي أي بنت اتحرشت بيها وكسرتها، يمكن لو كنت اتعاملت معايا بآدمية وحنية، كان زماني فعلاً اخترتك،

 بس إنت اللي لازم تفتكر…وأنا يدوب عندي ١٥ سنة،كنت عايز تعمل إيه؟ عشان كده، النهاية كانت مع سليم، أنا عرفتك قبله، آه…بس طول عمرك سافل، ومنحط، ومتحرش...

أما سليم؟

لمعت عينيها بمحبه:

كان راجل محترم وحنين… حتى لما كنا لوحدنا، عمره مالمّسني، ولا حاول.


مسحت دموعها، وعادت بخصلات شعرها التى انسدلت على خدها، واكملت بتعب وكره وحيرة:

أنا أصلاً مش مصدقة اللي قلته…إنه قو'اد؟! دي مش أخلاقه… دي أخلاقك إنت! انت اللي ممكن تكون بتشتغل ده.


رشدي بابتسامة باردة:

إنتي بس فايتك حاجه… سليم ده تعبان بـ100 وش. أوعي تعملي نفسك ماشوفتيش كل وشوشه، أو يمكن شوفتي وسكتّي..لازم تصدق، حبيبك، جوزك،كان عنده شبكة وسخ"ة.

ومش عارف إذا لسه شغال فيها ولا لأ…بس اللي متأكد منه إنه في شغل تاني لسه مكمل، وإنك كنتي واحدة من البنات اللي كان بيبيعهم، بس حبك… عشان كده ماقربش منك. بعدين أنا قولتلك… تصدقي أو لا، مش فارقلي، أنا هدفي إنك تمشي… وبس.


ماسة بمرارة:

عموماً، حتى لو كل اللي قولته صح، وده مستحيل… لأني حافظة سليم، فالشغل التاني بردو قذر! تجارة سلا"ح… أعضاء… مخدرا"ت… آثار؟ كلهم بلاوي، بس كان ممكن أستوعبهم. لكن قو'اد؟ دي شغلانة قذرة… ووحشه اوي! برود قلبي وعقلي مستحيل يصدقه أن سليم كدة.


بضعف ودموع:

أنا عايزة أمشي يا رشدي…أنا اللي عايزة أمشي...وعايزة أحمي أهلي، أنا اللي مش عايزة أعيش مع البني آدم ده تاني،  أنا كرهته… وكرهتك، وكرهت العيشة دي، والحياة دي، وقلبي اللي حبّه وصدّقه، وسامح، ودايمًا كان بيديله فرص، أنا عارفة إنه عنده وشوش كتير…بس كنت بشوفه بيتغير عشاني.كنت بكدّب نفسي،وقول: لأ، مستحيل يكون بيشتغل في حاجة غلط، أكيد عنده أعداء بيشوهوا صورته، بس في الآخر؟ دفعت التمن، ببنتي وبحياتي، استحملت ظلم الهانم من أول يوم دخلت القصر ده، استحملت كتير، وصبرت اكتر وسكت، على حاجات كتير، عشان بحبه، بس مش هسمح إن أهلي يدفعوا التمن.حتى لو على حساب حياتي..


رشدي بهدوء قاتل بقلب متصلب:

إنتي حياتك غالية لحد وقت مؤقت يا ست الحسن.

تنهدت قال بتحذير:

التليفون دايما يبقى معاكي أنا كمان جبت رقم هكلمك منه، بس خدي بالك علشان إنتي معاكي واحد تعبان، ماتنسيش عايز نكد الستات بقى زهقيه..


مسحت  ماسة دموعها تساءلت بخوف وتلعثم: يعني إنت هتخليني أعمل إيه؟ أنا مش فاهمة.


ابتسم رشدي ابتسامة مريبة واقترب خطوة، ثم قال بنبرة واثقة: بعدين هفهمك... مش إنتي عايزة تمشي؟ أنا همشيّكي، يلا أفتحي الباب شوفي لو حد موجود... يلا.


ترددت للحظات، ثم التفتت إليه ببطء، تنظر في عينيه كأنها تبحث عن شيء ضائع، ثم سألت: قولي... مكي زي سليم؟


ضحك رشدي بهدوء، نظر إليها طويلًا قبل أن يرد: إنتي أذكى من إنك تسألي سؤال زي ده.


هزت ماسة رأسها بحسرة وهي تزم شفتيها تنهدت بثقل، ثم فتحت  الباب قليلًا، نظرت يمينًا ويسارًا حين تأكدت من خلو المكان من أي أحد...لوّحت له بيدها، فأنطلق رشدي خارجًا بسرعة بعد أن غمز لها بإستفزاز.


أغلقت ماسة الباب خلفه بإحكام، وما إن اختفى حتى سقطت الأقنعة، وانهارت. لم تعد تقوى على تظاهر القوة، فهبطت دموعها بصمت ثقيل، وملأ الضعف المكان.


أرادت أن تصرخ، أن تبوح بما يعتصرها، لكنها خافت أن يسمعها سليم. خافت أن تنكسر أمامه، فينهار كل شيء.


كم هو موجع أن تُدفن الصرخات داخلك، أن تُكبلك المسؤولية عن غيرك حتى في لحظة احتضارك!


ترنّحت، ثم هبطت إلى الأرض تستند إلى الباب، جسدها يرتجف، وصدرها يتمزق بصمت. ضغطت على فمها تخنق صرخة مذبوحة، وأنفاسها تتقطع كأن ضلوعها تُكسر... وقلبها يدق كطبول حرب خاسرة.


دموعها امتزجت بنشيج مكتوم، وبألم عميق لا مفر منه.


بدأت تضرب بكفيها على ساقيها بغضب، ضربات متتاليه تحاول أن تفرغ كل قهر الدنيا في حركة بائسة، ضربات عنيفة لا تهدأ ولا تتباطأ.


كلّ شيءٍ في داخلها كان يصرخ: لماذا؟ لماذا يحدث لي كل هذا؟ حرام... والله حرام!


في تلك اللحظة، تمنت لو تختفي، لو تمحى من هذا العالم بأسره.


كان هناك صوت داخليّ يتألم:  تعبت... تعبت كثيرًا.


مرت اللحظات ثقيلة كدهرٍ لا ينتهي، حتى خارت أنفاسها وسقطت على الأرض، باردة، حزينة، تتلوى بين أنينٍ مكتوم ودموعٍ لا تنضب.


عادت إلى ذاكرتها تلك المقاطع التي رأتها لسليم... طعنات لا ترحم، وغثيان يلفها كسمٍّ قاتل، ونيران تشتعل في أحشائها.


كلّ مقطع كان كفيلاً بتحطيمها، لكن ذلك الفيديو تحديدًا... الذي ظهر فيه مع فتاة صغيرة، وحديث رشدي عن شبكة عالمية تتاجر بالفتيات القاصرات، عن أنها كانت ستكون ضحية أخرى... لولا أنه أحبّها، كان كافيًا لإشعال نارٍ لا تنطفئ في قلبها.


أسرعت إلى الحمّام، والغثيان ينهشها، تقيأت مرارًا، وجسدها يتلوى بينما الألم ينهش بطنها كما لو أن ذئبًا جائعًا يمزقها من الداخل. جلست على الأرض الباردة تبكي بحرقة، تهمس بذهول: مستحيل... مستحيل...


أخذت تضرب رأسها بكفّيها، ووجهها يحترق، وجسدها كله ينتفض كمن يسقط من علٍ.

مستحيل أن يكون ما رأيته حقيقيًا... مستحيـــــل!


صرخة مبحوحة تمزقت من أعماقها، تبعتها شهقات متقطعة ودموع لا تهدأ.اجتمع الألم والانهيار والحزن دفعة واحدة... حتى فقدت وعيها، وسقطت على أرض الحمّام كجثةٍ هامدة، بلا نبض... بلا أمل.


على إتجاه آخر غرفة سليم.


جلس سليم في غرفته المظلمة، يبدو عليه التعب الشديد، يفكر فيما حدث وما يحدث وما سيحدث. كل يوم يفاجأ بأشياء جديدة لا يستطيع استيعابها. كانت عينيه مليئة بالدموع، يشعر بالحزن والغضب، لكن ليس بيده شيء يفعله فالوضع بينهما يسوء لكن لا يعرف لماذا


على إتجاه آخر عند ماسة.


بدأت ماسة تستعيد وعيها ببطء. فتحت عينيها بثقل، كأن جفونها خيوط من الرصاص، ورأسها ثقيل ينبض بالألم، وأنفاسها متقطعة تختنق في صدرها..أحشاؤها تتلوى، حاولت التماسك.وضعت يدها على الحوض تستند إليه، تحاول أن تنهض. جسدها يتمايل بعدم اتزان، خطواتها ثقيلة، كأن الأرض تميد بها.

توقفت تحت الدُش، مدّت يدها المرتعشة وفتحته فوق رأسها.


ربما يبرد هذا الماء شيئًا من النيران التي تشتعل بداخلها...

ربما يغسل عنها شيئًا من تلك الأوجاع التي التصقت بروحها.


💞_______________بقلمي_ليلةعادل 


فيلا عائلة ماسة، الثانية عشر ظهرًا


نرى مجاهد جالسًا على المقعد المتحرك، وعمار يدفعه. كان بجانبه مكي وسلوى ويوسف وسعدية.


سعدية: حمد لله على السلامة يا أبو عمار، نورت بيتك يا أخويا.


بعد وصولهم إلى الصالون، ساعده مكي وعمار في الجلوس على الأريكة، ووضعوا له وسادة أسفل قدمه ليمددها عليها.


مكي: حمد لله على سلامتك يا عم مجاهد، إن شاء الله تكمل شفائك على خير.


مجاهد: الحمد لله.


سعدية: أعمليلنا شاي يا إنجي


الخادمة: حاضر يا هانم.


جلست سعدية بجانبه وهي تضع يدها على قدمه: والله، الواحد كان حاطت إيده على قلبه أول ماسمع الخبر، بس الحمد لله قلبي مارجعليش غير لما نورت بيتك. معرفش كان مستخبلنا فين ده، ربنا يكفينا شر المستخبي.


مجاهد:الحمد لله يا سعدية، كل إللي يجيبه ربنا كويس.

ثم نظر حوله وسأل: ماسة عاملة إيه؟ ماجتش ليه؟ ولا يكون سليم حاشها.


تدخل مكي موضحاً: خالص، أكيد سليم شوية وهيجيبها.


سعدية: خليها براحتها، إمبارح كانت تعبانة و وشها كان زي اللقمة، ماكانتش طبيعية خالص.


عمار بتأكيد: أه فعلاً، أنا حتى ماكلمتهاش. لما قعدت تشخط فيا وتقول لي أحلق دقنك.


سعدية: أنا شوية وهكلمها في التليفون. لو كانت تعبانة، هقول لها ماتجيش، تبقى تيجي بكرة.


نظر مكي لسلوى يستأذن: سلوى، ممكن ثواني؟ بعد إذنك يا عمي، بعد إذنك يا عمار.


مجاهد: اتفضل يا بني، روحي يا حبيبتي مع خطيبك.


تحركت سلوى ومكي نحو الحديقة.


الحديقة..


جلسا معًا على الطاولة أمام بعضهما.


مكي متسائلًا بإهتمام: قوليلي، عاملة إيه؟ إمبارح ماعرفتش أطمن عليكي معلش، كان عندي شغل ومضغوط شوية. حتى الفترة دي هبقى مضغوط أوي، بس أكيد مش هقصر معاكي.


تنهدت سلوى: الحمد لله، والله إمبارح كنت خايفة أوي على بابا، بس الحمد لله جت سليمة. 


مكي: قوليلي يا سلوى هي ماسة كويسة؟


عقدت سلوى حاجبيها بإستغراب: إيه السؤال الغريب ده؟


مكي موضحًا: مش غريب، أصل ماسة إمبارح كانت متعصبة أوي، إنتي عارفة ماسة علشان تخرج وتيجي من غير ما إحنا نبقى معاها، عملت إيه؟


نظرت سلوى إليه بمعنى عملت إيه؟


رد عليها مكي وقال بنبرة غير مصدقة: صافيناز كانت خارجة وعربيتها كانت جاهزة، طلبت من الحراس تخرج، رفضوا، ركبت العربية وضربت البوابة، وطيرت درفة منهم وجات لكم.


اتسعت عينا سلوى بصدمة: يا نهار أبيض! أنا ماتوقعتش إن ماسة ممكن تعمل كده.


استرسلت بتردد وهى توئم برأسها بحيرة: بس هي كويسة، يعني آخر حاجة، المشكلة إللي حصلت بينها وبين سليم، الموضوع ماكملش أسبوع، ماحكتش أصلاً غير بعدها وإنها كانت عايزة تمشي وأنا قلتلها إنتي مكبّرة الموضوع


مكي بحذر: طب تعرفي إنها كانت عايزة تهرب.


سلوى بصدمة: إيه إللي إنت بتقوله ده؟ مش فاهمة.


مكي مفسرًا: يعني إنتي اكيد عارفة إنها كانت حبه تمشي، وسليم رفض بشكل تام، عملت كده حركة إنها تخرج بيها بره وعلى آخر لحظة تراجعت، وأنا لما سألتها أكدت لي ده.


سلوى بتعجب: للدرجة دي؟ هي ماجابتش أي سيرة، وماحسيتش منها إن الموضوع ممكن يوصل للدرجة دي!


مكي تنهد: أنا برده مش فاهم، بس تفتكري الحلم إللي قالته ده هو إللي خلاها تعمل كده؟ أنا شفت الفيديو بتاع ماسة وهي بتضرب العربية بالبوابة انصدمت.


زمت سلوى شفتيها بعدم معرفة: والله ما عارفة، بس أنا هتكلم معاها. لو فيه حاجة بجد، هقول لك. بس إنت خوفتني عليها، برده إنت كلم سليم، الحركة إللي عملها برده رخمة، بس مش هنشيل من عليه الغلط.، وماسة أكيد جابت آخرها منه.


مكي بهدوء وعقلانية: يا ستي، أنا ماقلتش إنه مش غلطان، بس هو اعتذر وتأسف بدل المرة عشرة، وأتكلم معاها، وهو قال لي ان هم اتصالحوا وبعدين قلبت عليه مره ثانيه.


سلوى بتوضيح وتروي: بص أنا هقول لك حاجة عن ماسة أختي حمالة أسية زي مابيقولوا، مرة زمان، وهي عندها حوالي ١١سنة، ضربت لورين. لإن لورين من ساعة ما ماسة دخلت القصر، وهي نازلة تضرب فيها وتشتمها وتبهدلها، من وهي عندها سبع سنين. فتخيل من سبع سنين لحد ١١سنه، بتتضرب وبتتهان وبتتذل من لورين، فجأة راحت زقاها ووقعتها، ومن قوة الزقة دماغها اتفتحت وأخذت ثلاث غرز، وقالت لها: كفاية بقى، إنتِ عايزة مني إيه؟ 

طبعًا منصور ضربها، بس ماسة على قد ما الضرب كان جامد، على قد ما هي حست إنها مبسوطة لما زقت لورين وأخدت حقها.

ومرة كمان وهي حوالي 14سنة،كانت ستي تعبانةو بتموت ومنصور مابيرضاش يدينا إجازات كان جبار، قعدت تتحايل عليه شهر، وهو أبدًا...راحت واقفة قدامه وقالت له: بقول لك إيه أنا هروح عند ستي، وأخصم لي الشهر كله، ولاماتشغلنيش تاني، وطلعت بره، وزقت الحارس إللي كان واقف على البوابة، وراحت عند ستي، وباتت عندها ثلاث ليالي، وطبعًا لما رجعت اتضربت واتبهدلت من منصور ماكانش عايز يشغلها ولا يشغلنا كلنا، بس الست كارولين هي إللي دافعت عننا ورجعتنا ماسة بتفضل ساكتة، ساكتة، وبعدين تيجي فجأة، تاخذ رد فعل غريب.


هز مكي رأسه بتفهم: ماشي، أنا فاهم، وفهمت إنها لما بيتضغط عليها كثير، بتنفجر، بس إنتي برده اتكلمي معاها.


سلوى: أكيد لازم أتكلم معاها معاك الفيديو ده.


مكي: لا (تنهد وتوقف) بقول لك إيه، خلينا ندخل نقعد معاهم جوه. ماتقوليش حاجة قوليلهم إن أنا كنت باخد رأيك في أي حاجة تخص الفيلا أو قعدتنا عند ماما كده يعني.


توقفت سلوى: طيب حاضر. 


وأثناء تحركهم للداخل، سألها مكي: هشوفك بكرة ولا إيه؟


هزت سلوى رأسها، غير متأكدة: مش عارفة. 


قصر الراوي الثانية عشر ظهراً 


نرى ماسة تخرج من جناحها ببطء بوجهه شاحب حزين كالأموات، ومع كل خطوة كانت تشعر بألم يزداد في جسدها، وكأنها غير قادرة على مواجهة ماينتظرها أسفل. كانت تعلم جيدًا أنهم لن يتركوها بحالها، وأنها محاصرة هنا شعرت أنها متعبة. جلست على الدرج تفكر فيما يجب أن تفعله، كيف يمكنها الهروب من هذا القصر الملعون ومن سليم وكيف ستحمي عائلتها منهم ...


وضعت يديها على جبينها بقهر، وأثناء ذلك انتبهت صافيناز هبطت حتى جلست بجانبها.


صافيناز مبتسمة بشماتة: أجمدي، إحنا لسه في البداية.


نظرت لها ماسة ببطء، صوتها المبحوح يخرج بصعوبة، وعيناها مليئتان بالدموع: عايزين مني إيه؟أنا ذنبي إيه؟!


صافيناز ببرود، ابتسمت ابتسامة غير مطمئنة: مش عايزين منك حاجة غير إنك تنفذي إللي قاله لك رشدي.


نظرت لها ماسة طويلاً، بصمت موجع لا تملك معه كلمة واحدة ماذا تقول؟ لا جدوى من الكلام، فهم بلا قلب، لا يعرفون الرحمة، والوحوش بجانبهم تبدو أبرياء. فقد وقعت بين مخالبهم وحدها بلا معين، حتى سليم الذي كان يومًا ملاذها وأمانها، أصبح الآن في نظرها عدوًا ما سمعته عنه وماعرفته، أصبح بنظرها وحش بلا ضمير.


ولأنها تعرف أن مجرد طلب النجدة منه قد يدفع عائلتها الثمن، فضّلت الصمت استسلمت لما تعيشه الآن، وكأنها تتلقى الطعنات والجراح... بإبتسامة.


توقفت ماسة وهي تنظر  لها من أعلى لأسفل بقهر، ثم هبطت. تبسمت صافيناز بابتسامة خبيثة، لكن ماسة لم تكترث، كانت تشعر وكأن العالم حولها بدأ يضيق أكثر.


حين تأكدت صافيناز من هبوط ماسة إلى الطابق السفلي، صعدت مرة أخرى في هدوء تام. كانت خطواتها محسوبة، وعيناها تقدحان بتصميم مريب. بلغت الطابق الثالث، حيث جناح سليم وماسة، وتحركت بحذر يشبه زحف الأفاعي دفعت الباب بهدوء، وانسابت إلى الداخل بخفة لا تخونها إلا نظراتها المترقبة.


أخرجت هاتفها من جيبها بسرعة وهمست: ألو... إيه؟ أحطهم فين؟


أتاها رشدي من الجهة الأخرى، آمرًا: في أماكن نسمع فيها كل حاجة، جنب السرير، عند المكان المخصص، للجلوس  الدِرِسِنج البلكونة.. بس شغلي دماغ أمك يا ست صافي


أومأت بجدية، وأجابت: بطل سوقية شوية، سلام.


أنهت المكالمة، وبدأت تتفحص المكان بعينين حادتين بتفكير بعد لحظات تبسمت واقتربت من السرير، رفعت ظهره قليلًا بحذر، وغرست أول ميكروفون، هامسة بصوت منخفض.


صافيناز: رشدي، سامع؟


جاءها صوته ثابتًا: سامع... كمّلي.


استدارت تتفقد الغرفة، فوقعت عيناها على الأريكة، تقدمت نحوها وجلست لثوانٍ تفكر. عادت تتلفت من جديد حتى أبصرت الأباجورة بجانب المكتبة الصغيرة، اقتربت منها، وفكتها قليلًا، وأخفت بداخلها الجهاز الثاني.


واصلت مهمتها بين الدِرِسِنج والشرفة، تزرع بذور الخيانة والحقد في كل زاوية خفية.


قالت وهي تضغط زر الإرسال: كده تمام... رشدي، سامعني؟


اتاه صوت رشدي من غرفته مع عماد، بجانب بعضهما يجلسان أمام جاهز اللابتوب.


بعجل أجابها رشدي بثبات: آه... أطلعي بقى.


لكن عماد بدا مترددًا، فاعترض بصوت خفيض:

بس أفرض سليم خد باله، ده بيفتش الجناح كل يومين!


رشدي ببرود يائس: هانبّه على ماسة محدش يدخل أوضتها خالص.


عند جناح سليم وماسة.


عادت صافيناز لتتفقد كل شيء داخل الجناح، تتأكد أن أدواتها الصغيرة قد اتخذت أماكنها دون أن تفضحها العيون. وبينما كانت تهم بالخروج من الدِرِسِنج، توقفت فجأة، إذ وجدت سحر واقفة أمامها تنظر إليها بشك وريبة.


سألتها صافيناز بثبات مخيف: سحر؟ إنتي بتعملي إيه هنا؟


سحر بتعجب: حضرتك إللي بتعملي إيه في أوضة الست ماسة؟!


صافيناز بجبروت: مش شغلك.


سحر باعتراض: لا شغلي يا ست هانم  أنا هقول للهانم إنك كنتي هنا، كمان دخلتي أوضة لبسها! هي والبيه.


وقبل أن تتحرك خطوة، كانت يد صافيناز قد امتدت نحو شعرها سحبتها عليها، قبضت عليه بقسوة، وكتمت أنفاسها بيدها الأخرى. همست بغضب مكبوت


صافيناز بجبروت دون أن يهتز لها جفن: هتقولي إيه؟ ولمين؟ بتهدديني؟ يا خدامة يا حقيرة.. لحظة!


سحبت هاتفها مجددًا واتصلت دون تردد:

أطلعيلي يا ماسة حالًا على الجناح.


ثم أعادت النظر نحو سحر، وعينيها تقدحان نارًا خبيثة: هورّيكي إزاي تتكلمي كده مع أسيادك!


صعدت ماسة مسرعة إلى الجناح  ووجهها تعلوه علامات القلق والاستغراب.


حين دخلت الجناح. توقفت أمامهما لحظة بعدم فهم قبل أن تسأل بجفاء: في إيه؟


تركت صافيناز سحر، التي أخذت تبكي وتشهق، وقالت ببرود وارستقراطية وخنافة من طرف أنفها: الحشرة دي شافتني هنا وهددتني إنها هاتقولك.


سحر وهي تحاول ألتقاط أنفاسها، تمتمت بصوت مخنوق: شفتها طالعة من أوضة اللبس، سألتها بتعملي إيه، قالتلي مش شغلك، قولتلها لازم أعرفك!


تنهدت ماسة وهي تهز رأسها، ثم قالت بإرهاق واضح: طب روحي يا سحر.


هز سحر رأسها بإيجاب وخرجت.


ماسة سألتها بجمود: خير؟


ابتسمت صافيناز بسخرية قبل أن ترد ببرود قاتل:

حطينا ميكروفونات، علشان لو عقلك فكر يخون، نعرف وساعتهااااا إنتي فاهمة!  (بنظرة حادة )أوعي تخلي سليم يفتش.


رفعت ماسة حاجبها ساخرة: للدرجة دي مرعوبين منه؟


قهقهت صافيناز بسخرية، ثم ردت: إنتي بعد كل ده... مش مرعوبة؟


هزت ماسة رأسها بيأس وقالت ببرود: لأ... قرفانة. أنا متأكدة إنه مستحيل يأذيني.


ضحكت صافيناز بسخرية قبل أن تغمغم وهي تتجه نحو الباب:

مظبوط... بس ممكن يأذي أهلك، وهتشوفي بعينك قريب، وهو بيهددهك بيهم علشان يقعدك غصب عنك معاه، أصل  أوعى تفتكري إنك هتمشي ولا هتهربي بسهولة زي ما رشدي طلب تؤ الموضوع ده هياخد وقت بس ساعتها هتعرفي مين هو سليم الحقيقي، إنتي لسة ماشفتيش يا ماسة سليم الحقيقي... سلام.


خرجت صافيناز، بينما بقيت ماسة واقفة، تشعر أن روحها منهكة.


شعرت بثقل يضغط على صدرها، فتنهدت بتعبٍ مرير، وأغمضت عينيها لثوانٍ طويلة، قبل أن تفتحها ببطء.


مدّت يدها ببطء نحو هاتفها، وضغطت على زر الاتصال بسليم، كأنها تبحث عن طوق نجاة في بحرٍ من الغرق.


ماسة بخنق: ألو، أنا عايزة أروح عند بابا... لا، مش هستناك...  أبقي تعال إنت، طيب سلام. ثم أغلقت الهاتف سريعًا.


وبينما كانت متوقفة، تحاول منع نفسها من التفكير، ربما يهدأ ذلك الصداع الذي لم يذهب منذ معرفتها الحقيقة المرة... جاءت راوية


رواية: حضرتك عايزة تروحي عند والدتك؟


أجابتها ماسة بسرعة: روحوا حضروا العربية، أنا جاهزة.


وبعد قليل، وصلت السيارة، واتجهوا إلى فيلا عائلتها.


💞____________بقلمي_ليلةعادل 。⁠◕⁠‿⁠◕⁠。


فيلا عائلة، ماسة الثانية مساءً:


في الهول، 


جلست ماسة على الأريكة أمام والدها مجاهد، وهي تمسك بيديه بإحكام بينما باقي العائلة كانوا يجلسون في المكان بالقرب من بعضهم.


ماسه بحب ونبرة موجوعة: إزيك يا حبيبي؟ طمني عليك، إنت كويس؟


مجاهد بإبتسامة برضا: والله الحمد لله، أنا كويس، بسيطة.


ماسة محاولة منع دموعها، بنبرة مرتعشة: بسيطة إيه بس؟ خد بالك من نفسك علشان خاطري.


سعدية وهي تلاحظ تعب ماسة، قالت بحنان: وإنتي يا بنتي، عاملة إيه؟ كويسة؟


ماسة بصوت هادئ،: الحمد لله.


لكن مجاهد يلاحظ أن ملامح ماسة تغيرت، فسأل بقلق: إنتِ شكلك تعبانة جداً يا بنتي، ومتغيرة، في إيه؟ إنتِ كويسة مع سليم؟


تنهدت ماسة وحاولت التظاهر بأنها بخير،: ماتشغلش بالك دلوقتي يا بابا.


سعدية متعجبة: إزاي مانشغلش بالنا؟


نظرت ماسة لهم، وكان قلبها يثقل أكثر. حاولت كبت كل ما بداخلها، لكنها لم تستطع. كانت ترغب أن تحكي لهم عن التهديدات التي تلقتها لكي يحموا أنفسهم  لكنها خشيت. ربما يقوم رشدي بأذيتهم إذا علموا تلك الحقائق، فلا بد أن تصمت لحمايتهم.


تبسمت ماسة محاولة إخفاء الحزن في قلبها: كل إللي عايزاه منكم هو إنكم تأخذوا بالكم من نفسكم. وبلاش تطلعوا الفترة دي، خليكم في البيت، خلي الحراس يجيبوا إللي أنتم عايزينه. وإنت يا بابا كمان، خد بالك من نفسك.


مجاهد أصر بحزم: إنتي مش مرتاحة ياماسة فيكي حاجة؟ هو أنا هاتوه عنك؟


نظرت ماسة إليه بحزن عميق: مافيش، بس أنا تعبانة شوية يا بابا. حاسة إني مضغوطة.


حاولت ماسة تمالك نفسها، تكبح دموعها وحزنها. ثم نظرت إلى عمار طويلاً وكأنها تشاهد أحدهم يقوم بحبسه و ويلفق له تلك القضية. أغمضت عينيها وهزت رأسها برفض نهضت، ثم توقفت قريبا منه وقالت: 


ماسة بضيق: إنت ليه ماحلقتش دقنك؟ ليه مش عايز تسمع الكلام؟


عمار بإستغراب: يا بنتي أحلقها ليه؟ عجباني كده. 


ماسة متوسلة: شكلها وحش عليك، أنا عايزة كده، من فضلك أسمع الكلام.


سعدية بقلق: يا بنتي في إيه؟ مالك؟


نظرت إليها ماسة وقالت، بصوت مبحوح: ماما، قلبي مقبوض، في حاجة مش مريحاني. وبعدين الحادثة بتاعة بابا دي خلت الإحساس ده يزيد، كمان بسمع إن الفترة دي بيمسكوا إللي مربيين دقنهم. ما إنتي عارفة الوضع السياسي في مصر مش تمام خالص، خاصة الناس إللي بيربوا دقنهم.


يوسف محاولا تخفيف التوتر: ده لو في حالة تانية، إحنا دلوقتي معانا سليم. هتهزري؟


سلوى، محاولة تغيير الموضوع: خلاص يا ماسة، هنعمل لك كل إللي إنتي عايزاه. ما تقلقيش. مش قولتي حلمك، وقلبك مقبوض. سعدية هتعمل إللي عليها وزيادة، ما إنتي  عارفاها بتمشي ورا الكلام الفارغ ده.


سعدية، بحزم: مش كلام فارغ، في أحلام بتتحقق. والبت عندها حق ما تحلق دقنك يابني، ونقعد كده ونكن في البيت. اليومين دول، إيه المشكلة؟


ماسة أمسكت يد سلوى: أنا عايزاكي تجيلي بكرة، ممكن؟


سلوى، بإبتسامة: ماتقلقيش، أنا جايه لك، بس هخرج مع مكي.


نظرت لها بضيق فهي علمت أن مكي مثل سليم قالت: ليه تخرجي مع مكي؟ مش لازم يعني.


سلوى، ضاحكة: لازم يا أختي. بكرة عيد ميلادي، ناسية؟


ماسة، تذكرت بحزن: أيوه صح، أنا آسفة. كل سنة وإنتي طيبة يا حبيبتي. قبلتها من خدها، معلش يا سلوى، والله مضغوطة شوية. بس وعد هجيب لك هدية حلوة. ... 

صمتت للحظة ثم تذكرت أن جميع فلوس سليم حرام قالت:

لا مش هعرف أجيب لك هدية يعني، بعدين هفهمك السبب.


سلوى ضاحكة: يا ستي كفاية، كل سنة وإنتي طيبة. إحنا من إمتى أصلاً بينا الكلام ده؟ بس مكي يعني حابب يشوفني بكره وأستأذن بابا وبابا وافق، لو ماعرفتش آجي لك بكره، هاجي لك بعده، عشان أنا كمان عايزة أتكلم معاكي شوية.


نظرت ماسة لهم وسألت الجميع هو سليم لسه بيديكوا فلوس كل أول شهر؟


سعدية، بابتسامة: ربنا يبارك له يا رب ويزيده كمان وكمان. 


صمتت ماسة لحظة، وهي تنظر إليهم، لا تدري كيف تبدأ، ولا كيف تبرر رغبتها في أن يتوقفوا عن أخذ المال من سليم؛ فهي لا تريد لأهلها أن يعيشوا بأموال سليم الحرام كما أخبرها رشدي. 


ماسة بنوع من التردد: مابلاش حوار الفلوس ده،،

دلوقتي بابا عنده مطعم، وإخواتي بيشتغلوا.أنا من رأيي تعتمدوا على نفسكم، ولا إيه رأيك يا بابا؟ يعني كفاية كده. سليم دفع لينا كتير، والوقت جه إننا نعتمد على نفسنا حتى لو هانعيش في مستوى أقل. ولا إيه رأيك؟ 


مجاهد بتفكير: والله إنتي عندك حق يا ماسة، والمطعم ما شاء الله بيدخل قرش حلو في الشهر وإخواتك ما شاء الله بيكسبوا برضه قرش حلو حتى سلوى كانت عايزة تشتغل هي كمان.


سلوى، بهدوء: إيوه والله، علشان أنا حاسة إني زودت أوي على سليم في المصاريف، وبقيت أتكسف بصراحة.


أحست ماسة بالراحة: خلاص، إنت ممكن يا بابا تقول له شكراً يا ابني لحد كده. وأنا حابب إني أعتمد على نفسي وأصرف على أولادي بنفسي.. وممكن حتى ممكن تعملوا جمعيات بالمرتبات بتاعتكم وتردوا له فلوسه إللي بيدهلنا حتى الفيلا دي ممكن تشتروها منه مثلا علشان تبقى الحاجة بتاعتنا إحنا وملكنا أو ممكن تجيبوا شقة صغيرة وترجعوله الفيلا دي.


نظر عمار لماسة بنظرة قلق: هو إنتي كويسة؟


ماسة بدمعة محبوسة، وقالت بألم: أنا دلوقتي أكتر وقت حاسة فيه إني كويسة بجد.. كأنّي صحيت من غفلة كبيرة.


كانت نظراتهم إليها مستغربة، لا يدرون تمامًا ما الذي تقصده.


سعدية متعجبة: اشمعنا يعني دلوقتي افتكرتي إننا نرجعله كل حاجة؟


ماسة بهدوء لكنه بوجع: هو إدانا كتير… أكتر حتى من إللي كنا بنحلم بيه، حاسّة إننا لو قعدنا في شقة إحنا إللي اشتريناها بتعبنا وشقانا، حتى لو بسيطة… هاتبقى أريح. أريح من الإحساس ده… إننا دايمًا مديونين له بالجميل. هو فعلاً وقف جنبنا، جابنا القاهرة، ريّحنا من الخدمة… بس كفاية كده.


عمار بتأكيد: والله ماسة معاها حق. هو آه سليم إللي شغلني في الشركة وكتر خيره، بس أنا كملت فيها بسبب مجهودي، وشطارتي، والتعب إللي بذلته. المرتب اللي باخده دلوقتي أنا فعلاً أستحقه مش علشان هو جوز أختي.


اقتربت سلوى من ماسة وقالت بهمس: مالك يابنتي.


ماسة بنبرة محشرجة: مافيش 


استمرت في الجلوس معهم طوال النهار، وكلما طالت المدة، ازداد الضغط عليها. وفي الليل، عندما قام سليم بالاتصال بها لكي تأتي مع الحراس، طلبت أن تمكث عندهم، لكن بالطبع رفض سليم. كانت ماسة تعلم أنه سيرفض، لكن هذا كان بالنسبة لها فرصة جديدة لخلق مشكلة جديدة بينهما.


قصر الراوي، السادسة مساءً 


غرفة صافيناز وعماد 


نرى عماد ورشدي يجلسان على الأريكة،  بيننا صافيناز  تجلس امامهما، الأجواء متوترة والنوايا تختبئ خلف الكؤوس.


عماد وهو يرمق رشدي متعجبا وهو يتناول مكسرات: هتهربها إزاي، إللي حواليها دول هتعمل فيهم إيه؟!


تبسم رشدي بخبث وهو يحرك الكأس بين أصابعه:

سليم عنده حفلة كمان تلات أيام في مستشفى شمس الحياة إللي دخلت فيها شريك، هخلي ماسة تحضر الحفلة معاه، وهناك إنت هاتساعدني نهربها.


نظرت إليه صافيناز وقد بدت متحمسة: آه، طب يعني إيه الخطة؟!


حرّك رشدي الكأس مرة أخرى، ثم قال ببرود: مش عارف، يعني على حسب.


عماد مستنكراً: مافيش حاجة اسمها على حسب، ماينفعش تبقى عشوائية.


تنهّد رشدي وقال وهو يتجرع الكاس مرة واحدة:

هتدخل الحمام واللي اسمها راوية دي واحد يشاغلها، ماسة تخرج وتفلسع.


قاطعته صافيناز بقلق: ماتنساش مكي بيبقى معاها واقف برة مع الحراس.


هز رشدي رأسه بثقة: ماهو علشان كده بقولكم سيبوها لوقتها، هعرف أتصرف.


صافيناز تسألت: إنت هتجهز لها مكان ولا هتعمل ايه؟!


رشدي موضحاً وهو يتناول مكسرات: آه، عندي واحد صاحبي عنده شاليه صغير في الساحل، هتقعد فيه لحد ماظبطلها ورق مضروب وأسفرها بره.


نظر عماد وصافيناز نظرة لها معنى ثم قال عماد: المهم إنت اليومين الجايين دول لازم تخلي ماسة دايما خايفة علشان ماتحكيش لسليم أي حاجة لأنها لو نطقت إحنا كلنا كده هيبقى الله يرحمنا بعيالنا كمان. 


استغلّت صافيناز انشغال رشدي في الحديث مع عماد، فانحنت قليلًا وكأنها تبحث عن شيء أسفل الطاولة كان في يدها كأس، وفي اليد الأخرى ورقة صغيرة أخرجتها بخفّة من جيبها، فردتها سريعًا وأسقطت ما فيها من مسحوق وسط قطع الثلج رفعت ظهرها وحرّكت الكأس برفق، كما لو كانت تذيب الثلج، وابتسامة خفيفة مرت على شفتيها دون أن تثير ريبة.


مدّت يدها نحو رشدي، وقالت بنبرة ناعمة: خذ كأسك يا رشدي،


أخذه رشدي بينما أضافت صافي: أعملك كاس يا حبيبي. 


هزّ عماد رأسه رافضًا: لا، كفاية.


غمزت له صافيناز بمكر، بينما كان رشدي يحتسي كأسه دون أن يدري بما خُلط له.


رشدي: أنا كل إللي محتاجه منك يا عماد تبقى موجود يومها وبس.


مسح وجهه وشعر بثقل فى راسه توقف: أنا هروح أنام بــاي


صافيناز: بدري كده!! دي الساعة لسه 6:00.


رشدي وهو يضع يده على جبينه: مش عارف دماغي تقيلة قوي. 


تحرك خارج الغرفة، تاركًا وراءه صافيناز تتابعه بنظرات مشتعلة بعد ثواني، مالت صافيناز نحو عماد وهمست: بقولك، الكمية إللي حطيناها ممكن تموته.


عماد بلا مبالاة: مايموت، هيفرق معاكي يعني.


هزّت صافيناز كتفيها وهى تضحك: لأ، مش هيفرق. إحنا فهمنا الخطة وهنمشي على أساسها، أول مرة رشدي يعمل حاجة صح.


أومأ عماد برأسه: بالظبط، خليه يعيش علشان لو حصل حاجة يبقى هو إللي يلبسها.


لمعت عينا صافيناز بمكر قبل أن تقول: بقولك إيه يا عماد، ماتحاول تكلم لنا حد يساعدنا نمشي ماسة من هنا.


سألها عماد وهو ينظر إليها متعجباً:حد زي مين؟!


اقتربت منه وهمست: إنت فاهم!


ضحك عماد بسخرية: دول مابيتدخلوش في الحاجات التافهة دي، خلينا بس ورا رشدي، وخدي بالك سليم النهاردة كان في الاجتماع مش مظبوط وده يثبت نظرية رشدي.


ضحكت صافيناز بخبث: ويا رب دايمًا مايبقاش مظبوط.


في غرفة رشدي


توقف رشدي أمام المرآة يتفحص ملامحه بانتباه، كأنما يراجع انعكاسه بدقة.


همس لنفسه وهو يبتسم بإنتصار: ٣ايام  بالظبط من النهاردة ونوصل للحلم الكبير...


تحرك نحو الكومودينة، فتح الدرج وأخرج كيسًا صغيرًا.

جلس على الأريكة، وضع قليلًا من محتوى الكيس على طبق صغير، ثم استنشق منه القليل.

أسند ظهره للأريكة، وأغمض عينيه بارتياح، كأنما يتذوق طعم انتصاره المنتظر.


💞_______________بقلمي_ليلةعادل⁦。⁠◕⁠‿⁠◕⁠。⁩


بعد ساعات تقريبا العاشرة مساءً.


وصلت ماسة إلى القصر بعزمٍ واضح: ستثير أزمة مع سليم وتستغلها، لتنفيذ خطة رشدي، لكنها في الحقيقة كانت تسعى للانتقام من كذب سليم وأكله الحرام طوال تلك السنوات اثناء تحركها تقابلت بسحر.


ماسة متسائلة: سليم وصل؟


سحر: آه يا هانم، سليم بيه وصل، وهو في أوضته.


أومأت لها ماسة وشكرتها بهدوء، ثم صعدت درجات السلم وتوجهت نحو جناح سليم.


غرفة سليم


طرقت الباب وفتحته فوجدته جالسًا على الأريكة، ممسكًا بالتابلت، عيناه منكسرتان، لا يرفعهما عن الشاشة.


وقفت أمامه، ملامحها متجهمة، غاضبة، تدّعي الشجار... لكن النيران التي كانت تأكل صدرها كانت من أمور أخرى لا تستطيع البوح بها.


ماسة بغضب بارد: ممكن أعرف إنت ليه رفضت إني أبات عند ماما النهاردة؟


سليم، دون أن يرفع عينيه، بصوت خافت قاتل:

إنتي عارفة السبب.


ماسة بعصبية وهي ترفع صوتها: عارفة السبب! وإنت كمان عارف السبب!


رفع سليم رأسه فجأة، نظر لها بحدة، وقال بنبرة آمرة: إنتي مش ملاحظة إن صوتك عالي،  وطي صوتك يا ماسة.. أنا مش هستحملك كتير.


ماسة بتحدي وعينها تلمع بالغضب: وأنا كمان مش هستحملك كتير! عايزة أعرف ليه رفضت!


ألقى سليم التابلت بجانبه ونهض واقفًا أمامها: هو أنا من إمتى بخليكي تباتي بره بيتك؟


صرخت ماسة بحرقة: لا! ده مش بيتي! ده قصر الراوي، قصر أبوك وأمك! حتى لو مكتوب باسمك... عمره ما كان بيتي! أنا عمري ماعرفت يعني إيه يكون ليَّا بيت! كان بيتي الوحيد الأوضة إللى اداهلنا منصور، وحتى ده ما كانش بيتنا...

إنت عارف بيتي كان فين؟ في الكفر، بسقف مخروم، يخنق أنفاسنا في الصيف ويكسر ضلوعنا في البرد في الشتا..


ضيق سليم عينيه متعجباً: وإنتي بتحكيلي مآسي حياتك دلوقتي ليه؟ وقلتلك وطي صوتك يا ماسة... مش هقول تاني.


ماسة بتحدي وهي تصرخ: مش هاوطي صوتي! وأعمل إللي إنت عايزه! وريني هتعمل إيه؟ نفذ تهديداتك! ما إنت اشتريتني بفلوسك!


اندفع سليم بغضب، أمسك الطفاية الزجاجية وقذفها على الأرض، فتهشمت إلى شظايا.


أمسكها من كتفها بقسوة قربها منه وهو يصرخ بعينين يكاد الشرر يتطاير منهما: إنتي عايزة إيه؟


ماسة وهي تجز على أسنانها من فعلته، نظرت داخل عينه: بسألك سؤال! ليه رفضت؟ بابا تعبان!


سليم بدهشة: يعني كل الجنان ده علشان أنا رفضت؟


ترك كتفها فجأة وقال بسخرية قاسية: خلاص يا روح قلبي، يلا أوديكي تباتي عند بابا وهابات معاكي! علشان نخلص من الجنان ده.


صاحت ماسة بعناد مجنون: لا! مش على مزاجك! هو إنت لما تحب تبعتني ولما تحب تمنعني


زم سليم شفتيه بغضب وانفجر صوته: هو الجنان ده أخرته إيه؟ محتاج أفهم إنتي عايزة مني إيه؟!  جاية تتخانقي وبس!


ماسة بتهكم يبدو أنها أصبحت لا تقوى على التمثيل: لا! أنا مش مجنونة! ولا عايزة اتخانق، أنا بس زهقت! أنا عايزة أطلق! مش عايزة أعيش معاك تاني! جبت آخري منك! طلقني! مش هاعيش تاني مع واحد زيك، فاهم.


أرتعش فك سليم، وخرج صوته بنبرة حزينة وخافتة ضرب على الحائط بقوة:

ماسة... بطلي بقى كلامك المستفز إللي بيكسر القلب ده... إنتي عايزة إيه؟ بتعملي كده ليه؟

مرة بعيدة، مرة قريبة... مرة هادية، مرة عنيدة... مرة قاسية، ومرة حنينة...أنا مابقيتش فاهمك! بتعملي كده ليه؟ بتدمري كل إللي بينا ليه؟ أنا عمال أبني وأحارب علشان أحافظ على العلاقة دي، وإنتِ مابتعمليش أي حاجة غير إنك بتهديها...ليه كل ده؟ فيكِ إيه؟ إنتِ مش ماسة حبيبتي إللي اتجوزتها 

إنتي واحدة تانية... عنيدة وبتجرح أوي كمان.


أدارت ماسة وجهها بعيدًا عنه وقالت بقسوة: مش لازم أبررلك! أنا عايزة أطلق وبس! وده قرار.


ظل سليم ينظر لها باستغراب ومرارة يحاول استيعاب ما حدث لها. زفر بإختناق: بقولك إيه يا ماسة.. بالله عليكِ، أمشي و روحي نامي في أوضتك... وأبعدي عني.


نظرت له ماسة بنظرة حادة حاسمة: لازم تفهم إن حياتنا من اللحظة دي خلصت.


زمجر سليم وهو يأمرها ويتك على كل كلمه: روحي على أوضتك... وأبعدي عني مش هقولك تاني.


رفعت ماسة حاجبيها بتحدي: ولو مابعدتش... هتعمل إيه؟


نظر إليها نظرة مليئة بالاستفزاز، وفجأة اندفع نحوها. حملها على كتفه رغم مقاومتها وضربها على أسفل ظهرها بيديه الغاضبتين، وسار بها حتى جناحهما.


دخل بها وألقاها وسط السرير بعنف.


صرخت ماسة وهي تحاول النهوض: إيه إللي إنت بتعمله ده؟


سليم بجفاء وهو يشير بيده🤫🤫: هششش! اتكلمتي كتير كفاية! أقعدي هنا... وأسكتي خالص. فاهمة!


تابع بجفاء:

سايبة الدنيا كلها وجاية تتخانقي معايا.

طلبتي مني أسيبك شوية علشان تفكري، وأنا سبتك!

عايزة إيه... جاية الأوضة بتاعتي ليه، ده إنتي عيلة مستفزة بجد!


نهضت  ماسة من على الفراش توقفت أمامه وهي تصرخ: مادام شايفني مستفزة... طلقني!


اقترب منها خطوة وقال بجمود قاتل: مش هطلقك يا ماسة... رخامة بقى! يخرب بيت الاستفزاز. 


استدار لكي يتحرك لكن توقف حين أستمع لحديثها،  


ماسة بتحدي وتهديد: لو مخلتنيش أمشي... أنا إللي ها أمشي يا سليم!


زم شفتيه وتنهد ثم تحرك توجه للخارج ودخل غرفته دون أن يرد بكلمة، وهو يشعر بغضب يكاد يعميه.


توقف سليم في منتصف الغرفة، يتذكر كلماتها وطريقتها وكل ما يحدث لهما في تلك الفترة.


شعر وكأن الهواء يختنق في صدره، لم يعد يستطيع التنفس.


بيد مرتعشة، خلع التيشيرت وألقاه على الأرض، محاولًا التنفس بشهيق وزفير متقطع.


وفجأة، صرخ صرخة رجولية أنفجرت من أعماقه، من قهره، من طريقتها المستفزة التي لم يفهمها، والتي  تزداد سوءًا يومًا بعد يوم.


لكننا نعلم... أن ماسة هذه المرة لم تكن تتصرف بجنون.


بل كانت تريد الرحيل، لا لأنها ملت من تهديداته أو لأنها تريد أن تفكر في علاقتهما، بل لأنها علمت الحقيقة.


علمت أن الرجل الذي عشقته كان يكذب عليها طوال الوقت.


أن سليم ليس كما ظنت، بل غارق في عالم أسود قذ،ر. 

ذلك الرجل الذي رأته يوما ملاك ...صار في عينيها مجرما. 

وأيضاً لتنفذ أوامر رشدي اللعين لكي تنقذ حياة عائلتها.


في إتجاه آخر عند ماسة 


توقفت ماسة فى منتصف الغرفة تحدق حولها.


لا دموع هذه المرة... فقط أنفاس ثقيلة تختنق في صدرها، وغضب يكسر ملامح براءتها.


تحولت إلى إمرأة غاضبة، مكسورة، مقهورة محطمة كليا... مستفزة لأقصى حدود.


أمسكت بأقرب شيء إليها، ورمته نحو الباب بقوة فكسرته.

ثم صرخت، صرخة قوية... تخرج من قلب مجروح محترق.


انهارت على الأرض، تبكي بحرقة، بأنين يملأ الغرفة.


💞______________بقلمي_ليلةعادل ◉⁠‿⁠◉


في صباح اليوم التالي 


لم تستطع ماسة الخروج من جناحها. لم تكن قادرة على مواجهة أحد، فذهنها لم يهدأ بعد من التفكير، وقلبها لم يبرأ من الوجع منذ تلك الليلة المشؤومة التي عرفت فيها كل شيء.


تمنّت لو أنها لم تعلم، لو أنها بقيت مخدوعة، بلهاء...

تمنّت لو ظلت مشكلتها مع سليم مجرد خلافات:لا تتجاوز غيرته وغضبه وسيطرته، حتى تهديداته كانت أهون حتى وإن بقيت حبيسة هنا، بين جدران هذا القصر الكئيب. 


غريب هو الإنسان، يرفض أشياءً تثير جنونه وحزنه،

و آلامه ، ثم يدرك لاحقًا أن ما رفضه لم يكن سوى القليل من عذاب لا يُقارن بما يأتي بعده.


كانت كل ثانية تمرّ عليها كالعمر، تطعن قلبها بخناجر مسمومة.


كل خلية في جسدها تحترق... كل ركن من روحها يئن.


لكن ما لم تعرفه حقًا: هل هذا التمزّق في قلبها ناتج عن تهديدات رشدي لعائلتها؟


أم لأن الحقائق التي عرفتُها عن سليم قد كسرت قلبها؟

الرجل الذي لا يزال عشقُه يسكن قلبها حتى الممات.


جلست في منتصف الغرفة، علّها تجد بعض الراحة، ولو كذبة تُقنع بها عقلها المُنهك، دون توقف الصداع لم يتركها للحظة، يرافقها كظلٍّ ثقيل لا يرحم.


تذكّرت كيف أحبها سليم، كيف قدّم لها الأمان، كيف وعدها، وحنّ عليها، وأغرقها بعطفه، كل شيء كان رائعًا... رائعًا حدّ الدهشة.


تذكّرت أيضًا تلك الحوادث التي مرّت بها، والمشاهد التي بدأت تتضح الآن شيئًا فشيئًا.


تارةً تبتسم وهي تتذكر لياليها مع سليم، وتارةً أخرى تبكي كما لم تبكِ من قبل.، نعم، دموعها لم تتوقف لحظة، وكأنها باتت جزءًا منها لا ينفصل.


وفجأة، تذكّرت شيئًا... وكأنها تراه الآن أمامها لا تعرف كيف تذكرت ذلك الموقف برغم أنها كان بعد عودتهما من الخارج.


(فلاش باك: في بداية زواج سليم وماسة)


في مكتب سليم بقصر الراوي


كان يجلس على الأريكة، إلى جانبه مكي، وفي يده تمثال ذهبي أثري.


دخلت ماسة الغرفة، فشعر مكي بالتوتر، بينما سليم أرسل له نظرة سريعة وأمسك بيده.


لم تنتبه ماسة، أو ربما تجاهلت ما رأت. اقتربت منه بخفة وهمست: خلصت شغلك يا كراميل ولا لسة؟


سليم: خلاص.


أمسكت التمثال بفضول طفولي: الله! شكله جميل جدًا! زي إللي بيطلع في فيلم The Mummy…(المومياء) إللي اتفرجنا عليه امبارح؟


لكن سليم لم يرد، هو لا يكذب كما نعلم، لكنه يملك دهاءً نادرًا في إخفاء الحقيقة دون أن يلفظها.


ثم قال بهدوء: خلاص يا مكي، بلغهم إننا موافقين. خُد الحاجة ويلا.


سأل مكي بتحفّظ: والموضوع التاني؟ دول محتاجين ست حتت؟! 


سليم: أنا كلّمت إسماعيل، وقال لي كل حاجة.


(عودة للواقع)


عادت ماسة من ذاكرتها وهي تبكي بحرقة، كمن استيقظ من وهم طويل.


كأنها تتحدث في نفسها: أنا شفت بعينيا الآثار وماكانتش المرة الأولى والحتت إللي اتكلموا عليها دي ممكن تكون سلاح وممكن تكون بنات إزاي ماخدتش بالي إزاي..


كلمات محمود تعود لأذنيها، حديث الأشقاء عنه في أول زواجها حتى في تلك الفترة، كل شيء.


وفجأة، ومن دون إنذار، اخترق سمعها ذلك الصوت الذي لم يفارقها: صوت رشدي وهو يهددها.


ثم توالت صور أمام عينيها، ترى شقيقتها يعتدى عليها أحدهم  بطريقة مرعبةومؤلمة.


أغمضت عينيها، كأنها ترفض رؤية تلك الصور، لكن الصور اقتحمت ذاكرتها بعنف.


رأت حريقًا يندلع في المطعم، والدها يركض وهو يحترق ويصرخ، والدتها تتعرض للشنق أو الطعن، إخوانها يُخنقون أو يسجنون.


صرخت من أعماقها، هرولت تضرب رأسها بالحائط بقوة لعل ذلك يهديء صدعها، أمسكت وشاحها وربطته حول عينيها، محاولة أن تُغلق هذا الجحيم البصري.


لكن الأصوات لا ترحم... تلاحقها، تطاردها، تعتصرها.


ثم توقّفت فجأة، وخرجت منها صرخة من أعماق قلبها، كأنها تجرح قلبها قبل حنجرتها..


(اااااااااااااااااه)

هرولت إلى المرحاض، توضّأت، وأخذت تصلي وتصلّي، لا تدري كم ركعة أدّت، ولا كم مرة دعت فيها الله أن يريح قلبها، وأن يحفظ عائلتها من  اللعين والحقير رشدي. 


في غرفة سليم


كان يجلس سليم في شرفة غرفته، يحتسي قهوته ويدخن سيجارته.


دخلت سحر وهي تحمل كوب ماء.


سحر وهي تضع الكوب: حاجة تانية يا سليم بيه؟


مكي: لا يا سحر، روحي إنتي، بس قوليلي، الهانم كويسة؟ طلعتي لها الفطار؟!


سحر:  قالتلي مش عايزة تاكل دلوقتي.


هز سليم رأسه بإيجاب وهو ينظر أمامه: طب اتفضلي يا سحر.


سحر باهتمام: حضرتك مش هاتروح المجموعة النهاردة؟


سليم: لا، مش هروح، أنا قاعد.


خرجت سحر، تاركةً سليم في وحدته. لم يتوقف عن التفكير في ماسة لحظة واحدة. 


رغم ما حدث بينهما الليلة الماضية، رغم استفزازها له، إلا أنه يفكر فيها يحبها، ذلك العشق لا تخمده العواصف، بل يزيد اشتعاله في قلبه، كل يوم حبه لها يزداد شيئًا فشيئًا.


يشعر أنها ليست بخير منذ حادثة والدها، تغيرت. ردّات فعلها صارت غريبة، وكأنها تخفي أمرًا كبيرًا، باله غير مرتاح...قلبه موجوع... عقله يعصف من التفكير، وروحه تحترق عليها.


يعلم... أن ما يؤلمها، أكبر بكثير مما حدث بينهما.

تنهد، شرب آخر رشفة من قهوته، ثم نهض متجهًا نحوها..


ليطمئن عليها ويرتاح باله.  يعرف جيدًا، مهما فعلت، مهما صرخت، مهما استفزّته.. أنها تحتاج له. 


توقف أمام باب جناحها، طرق الباب ولم ينتظر ردّها، فتح ودخل.


وجدها جالسة على سجادة الصلاة، تبكي وتهمس بأدعية 

لا تُسمع.


اقترب بهدوء، جلس على طرف الفراش، ينتظرها في صمتٍ ثقيل. 


مرت الدقائق، حتى سلّمت وأنهت صلاتها، رفعت عينيها إليه بتعبٍ ظاهر في قسماتها.


سليم بصوت منخفض، يحمل قلقًا حقيقيًا: عاملة إيه دلوقتي؟ لسة تعبانة؟


لم تعرف كيف تجيبه. كانت تنظر إليه، لا تدري كيف تمثّل القسوة على من تحبه.


هي لا تحتاج إلى الكذب، تحتاج إليه هو تحتاج حضنه، تحتاج أن تصرخ في وجهه وتقول: ألحقني من رشدي... أحميني، أنا خايفة.


لكن كيف؟ وهو أصل الحكاية؟ هو من رسم الكذبة، وهو من جعل رشدي يتجرأ عليها بهذا الشكل.


وضعت يدها على قلبها، ونطقت بصوت مكسور: هنا... واجعني واجعني قوي.


أقترب منها أكثر بلهفه، جلس مقابلًا لها، أمسك يديها بلطفٍ يشبه رجاء اليتيم:

موجوعة من إيه؟ قولي يا قلب سليم، أنا ممكن أقتل، أحرق، وماشوفكيش موجوعة لحظة واحدة.


نظرت إليه مطولًا، تعلم أنه يحبها، وتعلم أن كلماته تلك صادقة، وأنه برهنها بأفعالٍ جعلتها تعشقه حتى النخاع.

لكن الحقيقة التي عرفتُها عنه أقسى من كل ما قاله، وكل ما فعله .. حقائق لا تغتفر..


كان قلبها في تلك اللحظة يعتصر بين عقلٍ يصرخ أن لا تصدقي، إنه مجرّد شيطانٍ متنكّر في هيئته


وبين قلبٍ لا يرى فيه إلا الحبيب الذي جعل منها أميرة ولم تأخذ منه إلا الحنان والاحتواء


لكن أخيرا بالطبع فاز العقل لأنه المتملك في هذه الأوقات الصعبة... تنهدت بحرارة. 


سحبت يديها ببطء، وقالت بصوت مخنوق: إنت جاي ليه؟ لو سمحت... سيبني لوحدي.


سليم برفضٍ واضح، وضيقٍ مكسو بالحنان: يعني إيه جاي ليه؟ أكيد جاي علشانك. إنتِ مش طبيعية، فيكي حاجة، قوليلي طمنيني عليكي.


أدارت وجهها عنه، تحاول أن تتجنب عيونه: ما إنت عارف... إني بفكر.


مدّ يده، وضع كفّه على خدها، وأجبرها على النظر إليه.


نظر في عينيها المكسورتين، العاشقتين، المقهورَتين، وقال بنبرة حب ممتزجة بالعجز:

بتضحكي عليا ولا على نفسك؟ أنا عارفك أكتر ما إنتي عارفة نفسك، في حاجة مزعلاكي، قوليلي وطمني قلبي عليكي؟


وضعت يدها على قلبها مجددًا، كأنها تحاول تهدئة النار المشتعلة داخله وأوجاعها التي لا تهدأ. 


نظرت له مطولاً، بنوع من الضيق، لكن حاولت الحافظ على هدوئها، أشاحت بوجهها في إتجاه آخر. 


ماسة بصوت مبحوح: سليم... أنا مش عايزة أتكلم. عايزة أسكت وبس.


رفع يدها ووضعها بين كفيه، اقترب منها أكثر، وقال بنظرة عاشقة يملؤها القلق وحنان:

ماستي الحلوة، بصّيلي...


رفعت عينيها له ببطئ ونظرت له أضاف سليم بضعف بعين تخنقها الدموع:

أنا عارف إني وعدتك، بس أنا مش قادر... مش قادر أوفي....أنا ضعفت، وإللي مخليني أضعف أكتر إنك مش طبيعية من بعد حادثة والدك.

ردود أفعالك، سكوتك... كله مش طبيعي، مش إحنا أصحاب؟ دلوقتي اعتبريني صاحبك، أخوكي، أي حاجة... إلا سليم جوزك، قوليلي مالك، ووعد، مهما كان السبب، أقسم لك ماهتعصب، وهسمعك بكل حب وعقل.


نظرت إليه الثواني بعينين دامعتين بصمت هي تحتاج له اكثر من اي وقت مضى لكن لا تستطيع ، قالت بصوت خافت: إنت بالنسبالي... سليم. سليم وبس...مش هينفع تكون غير كده... سليم جوزي.


وأكملت داخلها بغل واشمئزاز:

سليم إللي بسببه أهلي متهددين بالموت، سليم الكداب إللي بيتاجر بالبشر، وخدعني وأكلني حرام.


صمت سليم قليلًا، ينظر أمامه، ثم قال بحزنٍ ممزوج وحيرة:

أنا مش عارف... هيّ المشكلة فعلاً تستاهل كل ده؟

أنا غلطت أوي كده؟ ولا إنتِ إللي كبرتيها؟

ولا أنا إللي مستصغرها؟


ثم ألتفت إليها من جديد، ونظر لها بعينين دامعتين بوجع خنق نبرة صوته بإنكسار:

أنا مش مبسوط يا ماسة... أنا موجوع موجوع أوي.

مشكلتي إنك بتبعدي عني في أكتر وقت أنا محتاجلك فيه.، نفسي أنام في حضنك... وأنسى كل حاجة.


صمت ثانية، ثم قال فجأة بإبتسامة شغف:

تعالي نمشي، مش كنتي عايزة تسافري؟ مش قلتي تعال نروح سويسرا؟ تعالي نسافر، نسيب كل حاجة، إيه رأيك؟


نظرت إليه ماسة بوجعٍ عميق، كأن كلامه جاء متأخرًا جدًا.

ابتسمت بحسرة، وقالت:

نسافر سويسرا؟ مش خايف؟ أحسن العصابة تخطفني؟


سليم وهو يحبس دموعه:  أكيد خايف... بس خايف على علاقتنا أكتر. ناخد أهلك ونسافر، نبعد، إنتي هتكوني مبسوطة هناك. أنا مش عايز غير راحتك، حتى لو على حسابي.خلينا نرجع زي زمان...أنا بحبك يا ماسة.وبجد أنا تعبت من البعد.. قلبي وجعني. خلاص بقى... ماكنتش غلطة.


كانت تستمع لكلماته بحزن شديد ووجع، وكأن كل جملة منه كانت سكينًا يغوص أعمق في قلبها.

فهو لو قال ما قاله في وقتٍ آخر، كانت ركضت لحضنه، تمسكت بقميصه وقالت:

خلينا نسافر، خلينا نمشي، خلينا نختفي مع بعض من الدنيا كلها...


 لكن للأسف الوقت فات.بكت بحرقة ونهنهة


سليم انتبه إلى حزنها، إلى الانكسار في نبرتها، وإلى الرجفة التي تمسّك أطرافها باستغراب، كأنه يراها تتألم هكذا للمرة الأولى.


اقترب منها سليم، أمسك يدها بإنضمام قال متعجباً بقلق: مالك؟ إيه إللي حصل؟ قوليلي.


لكنها لم تكن قادرة على النطق.


كل شيء بداخلها كان بيصرخ، لكنه يرفض الخروج سليم يتغير، يعود كما كان قبل الحادثة، في الوقت الذي انتهت هي فيه، انتهت في الوقت الذي عرفت فيه الحقيقة، في الوقت الذي رسمت العلاقة بينهم خط النهاية.


توقفت، أعطته ظهرها، فهي غير قادرة على النظر في عينيه أكثر تخشى من كثرة الضغط أن تفلت منها كلمة تدمر بها عائلتها. 


قالت بصعوبة وبحة ضعيفة: سليم، لو سمحت، سبني.


سليم بإندهاش بنبرة ضيق: يعني إيه أسيبك يا ماسة؟ هو إحنا مش اتصالحنا؟  ليه رجعتي تاني؟


ماسة بصوت مكسور: قولتك إللي حصل كان لحظة ضعف... أنا كنت ضعيفة قدامك، بعدين ما إحنا اتكلمنا وإنت قولتلي أنا هحترم قرارك وهستناكي.


توقف سليم ونظر إليها بحيرة تملأ ملامحه: أنا عايز أفهم، إيه إللي حصل يوم الحادثة؟ بصيلي قوليلي حصل إيه بالظبط؟


أكمل وجعلها تلتف أمامه قائلا بشدة:

ردة فعلك يوم حادثة والدك، كان في حاجة أكبر من مجرد خوف عليه...


ارتبكت، لكنها تشبثت بالتمثيل قالت بتوضيح:

بابا عمل حادثة، كان ممكن يموت...كنت عايزني أعمل إيه؟ أنا مش زيك، أنا وأهلي بنحب بعض، مهما عملوا فيا، هفضل أحبهم، وهما بيحبوني، علاقتنا مختلفة عن علاقتك بأهلك، علشان كده ردود أفعالي بالنسبالك مبالغ فيها... بس صدقني هي طبيعية.


سليم بهدوء وتفهم: أنا مش قصدي وقتها...أنا قصدي بعدها، لما اطمنتي. إنتِ ماطمنتيش... إنتِ لسة خايفة من حاجة


ماسة بسرعة: لا خالص، أنا كويسة، زي ما اتفقت معاك..بحاول أفكر، بحاول أبعد لإني بضعف قدامك.


تنهد سليم بنبرة متوترة غير مصدقا: والقرار ده بقى... هتاخديه إمتى؟إحنا قربنا نكمل أسبوع وبعدين إمبارح كنتي عصبية أوي، وطلبك للطلاق كان إيه؟!


ماسة تنهدت بتعب: متعصبة يا سليم لإنك رفضت أبات وبابا  عامل حادثة، أعصابي تعبانة. 


نظر لها مطولا بصمت غير مصدق ما تقوله ثم هز رأسه بإيجاب وقال بنبرة مكتومة: ماشي بس مش هقولك تاني يا ماسة،  بلاش كلمة طلقني علشان بجد بتجرحني أوي، إحنا اتفقنا مافيش الكلام ده إنتي محتاجة ترتاحي وبس.


ماسة بإقتضاب وهي تعطي ظهرها: ماشي يا سليم، ماشي.


نظر سليم لها بوجع وبنبرة محب هزمه عشقه أمامها:

عموماً يا ماسة، أنا موجود في أوضتي...وقت ماتحتاجيني، هاتلاقيني زي ما قولتلك، إنتي بس قولي... تعالى هجيلك جري، قلبي وحضني مستنينك بنفس القوة والعشق ماتهزوش.


اقترب منها، طبع قبلة طويلة على عينيها، ثم خرج،، ما إن أغلق الباب، حتى شعرت وكأن دوامة سحبتها.


إنهارت أرضًا وبكت.انفجرت بصمت، بعنف، بوجعٍ لم يعد له مخرج وظلت طول الليل تبكي دون توقف.

فهي مازالت تعشقه تحزن عليه بشدة  وعلى حالته لكن الحقيقة التى عرفتها أكبر من ذلك الحب الذي في قلبها وقلبه.


أما سليم فدخل غرفته، جلس في الظلام حزينا يشعر بإختناق


لا يعرف إلى متى ستبقى حياته هكذا كان عيناه تنزف بدموع صامتة موجوعة.


كل منهما لم يترك غرفته للحظة حتى اليوم التالي ولم يتناول أي طعام.


في أحد الشوارع المجهولة الخامسة مساءً 


كانت سلوى تسير في الشارع الذي وصفه لها مكي، خطواتها مترددة، وعيناها تتفحصان المكان بحذر. الصمت كان غريبًا، لا أثر لأي حركة سوى صوت خطواتها الخافتة. شعور غير مريح بدأ يزحف إلى قلبها، فقبضت على هاتفها بسرعة واتصلت به.


سلوى بتوتر: مكي، إنت فين؟ الشارع ده غريب أوي. 


جاءها صوت مكي هادئًا: أمشي بس في الطريق إللي قلت لك عليه، هتلاقيني.


سلوى تنهدت: أما نشوف آخرتها معاك إيه؟!


استمرت في السير، لكن قلبها كان يخبرها أن شيئًا ليس على ما يرام. وفجأة، توقفت سيارة سوداء بجوارها، انفتح الباب بسرعة، وخرج منه بضعة رجال، ملامحهم كانت مريبة. قبل أن تستوعب مايحدث، شعرت بأيد قوية تسحبها إلى الداخل.


سلوى وهي تصرخ وتحاول المقاومة: إيه ده! إبعدوا عني يا حيوانات! عايزين مني إيه؟؟ أبعدو عني؟!


حاولت أن تضربهم بحقيبتها، لكنهم كانوا أقوى، وسرعان ماوجدت نفسها داخل السيارة التي أنطلقت بها بسرعة. قلبها كان ينبض بجنون، عقلها يحاول تحليل ما يحدث، لكن الخوف كان يخنقها كانت تصرخ لا تعرف ماذا تفعل. 


بعد رحلة لم تستطع تحديد مدتها، توقفت السيارة أمام مبنى قديم، أشبه بمخزن مهجور. تم دفعها أحدهم إلى الداخل، حيث كان الظلام يسيطر على المكان، ولم يكن هناك سوى الصناديق المتراكمة في كل زاوية. كانت أنفاسها متلاحقة، تحاول استجماع شجاعتها، لكن الرعب كان أقوى.


سلوى وهي تبكي: طب إنتم عايزين مني إيه؟!


وفجأة، التقطت أذناها صوت شيء يتحرك خلفها. تجمدت في مكانها، أنفاسها علقت في صدرها. التفتت ببطء، وعيناها اتسعتا عندما رأت صندوقًا خشبيًا في أحد الأركان يهتز. شعرت أن الدماء تجمدت في عروقها، عقلها يصرخ أن تهرب، لكن قدميها لم تستجيب.


وقبل أن تصرخ، انفتح الصندوق فجأة، وخرج منه...

مكي.


كان واقفًا أمامها، ممسكًا بحفنة من البالونات، وابتسامة واسعة تملأ وجهه.


مكي بحماس: مفاجأة!


حدقت فيه للحظات، محاولة استيعاب ما تراه، قبل أن يتحول وجهها إلى كتلة من الغضب.


سلوى بإنفعال وهي تصرخ: إنت ...إنت إللي  عملت كل ده،  إنت مجنون؟!!! إنت بتهزر؟!!! أنا كنت هموت من الرعب!


ظل يضحك وهو يقترب منها، مستمتعًا بردة فعلها.


مكي وهو يحاول تهدئتها: كنت عارف إنك هاتخافي، بس ماكنتش متوقع الضربة إللي هاخدها في وشي دلوقتي!


وكما توقع، إنهالت عليه بضربة قوية على ذراعه.


سلوى بحدة: تستاهل! إنت مش طبيعي! هو ده إللي هخليكي تقضي عيد ميلاد يا سوسكا ماحلمتيش بيه، إيه عيد الميلاد ده إللي يبدأ بخطف يا مكي؟


لم يتوقف عن الضحك، ثم مد يده إليها، يقدم لها علبة صغيرة.


مكي بإبتسامة: ولسة، المفاجأة ماخلصتش.


نظرت إلى العلبة بحذر، ثم فتحتها لتجد مفتاحًا داخلها. رفعت عينيها إليه في حيرة.


سلوى بإستغراب: ده إيه؟


ازدادت ابتسامته وهو يجيبها: ده مفتاح مكان هتقضي فيه أحلى يوم في حياتك.


سلوى وهى تقلب وجهها بقلق: أحلى يوم في حياتي يا خوفي


خرجت سلوى من المخزن  خلف مكي وهي لا تزال غاضبة، لكن فجأة لمحَت مكي متوقفًا بجانب دراجة نارية من نوع ريس، ممسكًا بالخوذة، نظر إليها بضحكة مملوءة بالمكر.


مكي بمكر: يلا أركبي ورايا.


توقفت أمامه مترددة، ثم نظرت إلى الدراجة بعدم تصديق.


سلوى بإندهاش: إيه ده؟ هو إحنا هنسرق الموتوسيكل ولا إيه؟ ناوي نكمل عيد الميلاد في القسم؟


مكي بضحكة: نسرقه إيه بس يا بنتي، ده بتاعي!


وضعت يدها على خصرها وهي تحدق به بمزاح:

أممم طيب، وبعدين يعني؟ هتودّيني فين بالمصيبة دي؟


مكي بغموض: هتعرفي لما نوصل.


نظرت له بشك، لكنها في النهاية صعدت خلفه على مضض. أنطلق مكي بالدراجة بسرعة جنونية، فصرخت وهي تتمسك به بقوة.


سلوى بخوف: إيه ده!! إنت سايق إزاي كده! إهدى يا مكي!


مكي وهو يضحك: ده أنا حتى سايق بالراحة! ماسكاني كده ليه؟ هو أنا حرامي؟


سلوى بضجر: أنا مش ماسكاك أنا بحاول ما موتش! بالراحة وحياة أمك! فكرني أرمي الدبلة في وشك لما ننزل. 


مكي بمزاح: نشوف الكلام ده بعدين.


ظلت متمسكة به طوال الطريق وهي لا تعلم إلى أين يأخذها، حتى وصلا إلى مكان كبير يبدو غريبًا. نزلت بسرعة وهي تحاول التقاط أنفاسها.


سلوى وهي تتلفت حولها: إيه المكان ده؟


ابتسم مكي وأشار إلى لافتة كبيرة كُتب عليها: مركز تدريب الرماية.


مكي بمكر: مفاجأة!


اتسعت عيناها وهي تنظر إليه بعدم تصديق.


سلوى بسخرية: يا سلام! يعني بعد ماخطفتني، وخدتني في رحلة مرعبة على الموتوسيكل، النهاية تبقى هنا؟ مركز تدريب على ضرب النار؟


مكي وهو يضحك: طبعًا! هو فيه مغامرة من غير شوية أكشن؟


وضعت يدها على جبينها بيأس، لكنه كان مستمتعًا بتعبيرات وجهها. تحركا إلى الداخل، وبدءا في تبديل ملابسهما. أعطاها مكي مسدسًا، ثم وقف بجانبها.


مكي بجدية مصطنعة: يلا يا عبده، ورينا مهاراتك.. أوعي بس تضربيني أنا، خدي بالك فيه رصاص بجد.


حدّقت به بضيق قبل أن تأخذ المسدس على مضض. جربت التصويب، لكنها كانت سيئة للغاية، فيما حاول مكي كتم ضحكته بصعوبة.


مكي بمزاح: متهيألي كده مش هينفع تعتمدي على نفسك في الحماية!


سلوى بسخرية: أعتمد على نفسي وإنت موجود؟ ده ينفع يا أبو الماكاميك؟


نظر لها متعجبًا : الماكاميك؟ الدلع ده جبتيه منين؟ بس والله حبيته! أبو الماكاميك، حلو! أكيد! ده أحلى عيد ميلاد في حياتك، مش كده؟


سلوى بمزاح: إنت إزاي تسأل سؤال زي ده،  أول عيد ميلاد وإحنا سوا، وماكنتش متوقعة حاجة أقل من كارثة.


مكي متعجباً: يعني مش عاجبك؟


سلوى: عجبني، بس ماتفكرش في عيال بعد إللي عملته فيا النهاردة.. لا فيه محمد ولا فيه ماسة ولا فيه حد خالص..


أخذ مكي يضحك أكملت متعجبة بمزاح:

تاخدني تدريب على ضرب النار؟ إنت مجنون؟ فاضل تقول لي الدبابة بتتساق إزاي.


نظر لها مكي للحظة، ثم ابتسم بخبث: أوعدك، لما أنا أتعلمها هعلمهالك.


سلوى بمكر: تصدق؟ ده يطلع منك! وهيطلع منك إيه غير كده، مكي أبو ورد في الشنطة!


أنفجر مكي ضاحكًا وهز رأسه بمزاح: لا لا، أنا بجيب ورد في الشنطة بس لو حد قال لي بحبك، مش بقول شكراً وتسلم!


سلوى ضيقت عينيها: إنت بتسخر مني، ماشي يا سيدي.. بس برده يا مكي، يعني أول عيد ميلاد لينا سوا  تعملي مفاجأة خطف، وموتوسيكل، وضرب نار؟ فين الرومانسية؟ والورد الأحمر فين الشمع؟


مكي وهو يضحك: أمال كنتِ عايزاني أعملك شموع وورد بذمتك يليق عليا؟


سلوى بضحكة خفيفة: صح، بس حقيقي حسيت إنه هيبقى أحلى، والله العظيم اترعبت! سيبك من كل حاجة، أنا مشكلتي في الخطف! والله العظيم متُّ من الرعب!


مكي: ماينفعش مراتي تخاف كده.. أجمدي، مرات مكي لازم تبقى قد التحدي غمز لها مازحًا


سلوى: طب يعني بعد كده هنعمل إيه؟


تبسم مكي وهو يضع يديه أسفل ذقنه بتفكير خبيث: هنعمل إيه؟!  هنعمل إيه؟! ( تبسم) هخدك مكان حلو.


سلوى بقلق: يا خوفي.. كفاية بقى، سيبني أروح لسعدية سليمة الله يكرمك.


            الفصل السبعون ج2 من هنا 

      لقراءة جميع فصول الرواية من هنا


تعليقات