رواية أرناط
الفصل الخامس والعشرون 25 والسادس والعشرون 26
بقلم حور طه
الرجل المقنع يمسك بورقة فيها الشفرة التي أعطتها ليلى. ينظر لأحد الرجال بجانبه، الذي يومئ برأسه بعد التحقق
الرجل ببرود:
ــ اتأكدنا... الشفرة صح
انتي دلوقتي حرة
روحي، الحقي صاحبتك وابنك قبل ما يمــ ــوتوا
يفك قيودها. ليلى تنهض بجنون
تركض للصندوق الزجاجي
تضــــ ــــربه بيديها، تصـ ـرخ وهي تشوف الميه وصلت لمنتصف وجه عالية. عالية بتحاول ترفع شادي فوق الميه أنفاسها متقطعة
ليلى تصـ ــرخ:
ــ مش عارفة اخرجكم!
مش عارفة!!
فجأة الباب يتفتح بقوة
وأرمان يدخل مذهول من المنظر
ليلى تصــ ـرخ:
ــ أرمان... أرمان!
أنقذهم!! عالية مش قادرة تتنفس!
أرمان يتحرك بسرعة، يلقط قضيب حديدي
يبدأ يضـ ــرب الصندوق بجنون
أرمان وهو يضـ ــرب:
ــ ابعدي يا ليلى!
ضــ ـربة... ضــ ـربة تانية...
الزجاج يتشقق، ثم ينفجـ ــر
الميه تندفع، وعالية تنهار على الأرض شايلة شادي. ليلى تجري ليهم، تاخد شادي وتهزه بخوف.
ليلى:
ــ شادي!
عالية فوقي!
أرمان يركع جنب عالية، يقلبها على بطنها
يضــ ـربها على ظهرها، وبعدين يضغط على صدرها
أرمان يلهث:
ــ فوقي... فوقي يا عالية...
لحظة صمت... ثم عالية تسعل بشدة
تتنفس، تفتح عينيها. تنهيدة ارتياح تعم المكان.
أرمان بابتسامة متعبة:
ــ هي كويسة... ما تخافيش.
ليلى تمسك إيد عالية ودموعها تنزل، بهمس مكسور:
ــ أنا آسفة... آسفة يا عالية.
عالية بصوت ضعيف:
ــ شادي... كويس؟
ليلى تبكي:
ــ آه... كويس. إنتي حميتيه...
أرمان يساعد عالية تقعد:
ــ إنتي كويسة؟
تحبي نروح مستشفى نطمن عليكي؟
عالية بصعوبة:
ــ لا... أنا بخير...
أرمان ينظر حوالينه بقلق:
ــ لازم نمشي... المكان ده مش آمن.
ليلى وعالية يبصوا لبعض بخوف واستغراب
أرمان يلاحظ:
ــ بتبصوا لي كده ليه؟ بقولكم المكان مش آمن!
ليلى وهي تحضن شادي:
ــ في هولندا... كنت بهرب منك
كنت عايز تقتـ ــلني.
ودلوقتي... ساعدتنا ليه؟
أرمان يهرب عينه منها، صوته منخفض:
ــ عارف إني أذيتك... وظلمتك.
وعارف إنك مش هتصدقيني.
ثم يمد لها مفتاح
ــ في عربية بره... خديها وامشوا
ليلى واقفة، تبصله، تاخد المفتاح...
ثم تمده له تاني:
ــ يلا نمشي...
كنت عارفة إن صديق عمري مستحيل يتحول لعدوي.
أرمان يبتسم، دمعة تنزل من عينه
يمشوا سوا يركبوا العربية
في الطريق
ليلى:
عرفت مكانا إزاي، يا أرمان؟
أرمان وعينه عالطريق:
ــ بقالي فترة براقب سحر...
ولما رجالتها خطفوكم من المول، فضلت وراهم
لحد ما جابوكم على المكان ده واستنيت لما مشيوا... ودخلت أخرجكم
عالية تنام من التعب، وتهدأ السيارة
ليلى بصوت منخفض:
ــ صدقت... إني كنت ضحية زيك
أرمان:
ـــ أنا صدقتك.
سحر حاولت تقتـ ــلني.
ولما تاخد اللي عايزاه،منك ... هتخلص عليكي.
ليلى:
ــ هي فعلا خدت اللي عايزاه... البحث بقى معاها
أرمان:
ــ أنا متأكد؟
لو خدت كل حاجة، كانت خلصت عليكي من زمان
ليلى بقلق:
ــ أرمان... أرناط عايش.
أرمان يرمقها بنظرة صادمة، لكنها ما تشوفها:
ــ عارف يا ليلى...
أرناط هو السبب اللي سحر عايزة تخلص عليكي عشانه
ليلى بهمس:
انا سألتها عليه... قالت ما تعرفوش
أرمان بصوت متهكم:
ــ وإنتي صدقتيها؟
سحر... مجنونة بحب أرناط.
ممكن تدوس على العالم كله علشانه...
السيارة تكمل طريقها وسط الظلام، صوت الموتور منخفض والقلق في عيون ليلى ما بيهدأ...بهمس:
ــ يعني... كل اللي حصل... كل اللي عملته فيا...
كان علشان أرناط؟
أرمان بمرارة:
ــ أيوه.
أرناط ما مـ ــاتش، زي ما الكل افتكر.
هو اختفى... وسحر هي الوحيدة اللي كانت تعرف إنه لسه حي.
ليلى بصوت مهزوز، وعينيها بتلمع بالدموع:
ــ بس ليه؟ ليه أنا؟!
ليه كل ده بيحصللي؟!
أرمان بنبرة حاسمة وفيها قلق:
ــ علشان سحر مقتنعة إنك المفتاح لمشروع البحث...
بس طول ما هي سايباكي عايشة، يبقى لسه في حاجة تانية هي عايزاها منك.
بس إيه هي بالظبط... أنا مش قادر أعرف دلوقتي.
ليلى بصوت متعب:
ــ رجعني البيت، لو سمحت...
أنا خلاص، دماغي مش قادرة تستوعب حاجة تاني. عايزة أنام، أرتاح..
أرمان بعناد وبصوت قاطع:
ــ لا طبعا، مش هينفع.
سحر أكيد عارفة عنوان بيتك
وده أول مكان هتبعت رجالتها عليه
انتي لازم تفضلي في مكان محدش يوصلك فيه...
إنتي في خطـ ـر حقيقي يا ليلي
ليلى بصوت متوتر:
ــ بس أنا ما ينفعش ما أرجعش!
جدي ورائد أكيد دلوقتي قلقانين علينا
أنا حتى مش عارفة هبرر غيابي إزاي
طول اليوم!
أرمان بجدية، وعينيه ما بتفارق الطريق:
ــ ليلى...
محور كلامنا دلوقتي هو حياتك، مش تبرير!
ما تستهينيش باللي بيحصل.
اختاري أي حجة...
بس ما ترجعيش البيت دلوقتي
ليلى بصوت منخفض ومرتعش:
ــ أنا تعبت...
تعبت من الهروب، ومن المطاردة
ومن كل الألغاز اللي ماليه حياتي.
حاسة إني مش بعيش...
بس بتنقل من خوف لخوف
وكأني قطعة شطرنج
حد بيحركني زي ما هو عايز
وأنا ما ليش أي إرادة...
وانت...
بتطلب مني أصدقك؟ أرجع أثق فيك؟
وأنا حتى فقدت الثقة في نفسي!
أرمان بتنهيدة، ونظرة حزينة:
ــ أنا فاهمك،يا ليلى...
عارف كل لحظة خوف ووجع حسيتي بيها.
وعارف إن ثقتك فيا اتكســ ـرت...
بس برضو مصدق إنك أقوى من كل ده.
انتي لوحدك، مش هتقدري تواجهي سحر...
بس أنا وانتي، سوا، نقدر نرجع كل اللي اتاخد مننا...
ونرد على كل اللي ظلمونا.
لحظة صمت تقيلة، بس فيها شيء بيتغير...
نظرة ليلى له مختلفة. لسه موجوعة
لكن جواها في نبضة صغيرة من الأمل
ليلى تخرج هاتفها بتردد
تنظر إلى أرمان ثم تتنحى جانبا وتتصل بجدها
اكمل يرد بسرعة، وصوته مليان قلق:
ــ ليلى! كنت هتجنن عليكي! فينكم؟ ليه تليفونك مقفول؟!
ليلى تحاول تخفي ارتباكها وتتكلم بهدوء:
ــ أنا آسفة يا جدو...
حصلت حاجة صغيرة
بس دلوقتي كله تمام....
اكمل صوته يرتفع:
إيه اللي حصل؟ انتي كويسة؟ عالية كويسة،وشادي؟!
ليلى تتنفس ببطء:
ــ شادي تعب فجأة واحنا في المول،سخن، واتشنج
واخذناه المستشفى
اكمل بتوتر:
ــ إزاي؟! طب أنا جاي حالا... ابعتيلنا العنوان
ليلى تقاطعه بلطف وحزم:
ــ لأ، مفيش داعي تيجي يا جدو... الدكتور قال إنه كويس بس احتياطا حب يحجزه الليلة يطمن عليه أكتر.
أنا معاه، وعالية كمان جنبي...
اكمل ما زال قلق:
ــ بس يا بنتي إزاي مافيش داعي؟انا بعتبر شادي حفيدي ،لازم أبقى جنبه!
ليلى بصوت مطمئن:
ــ عارفة، وعارفة قد إيه بتحبه، بس وجودنا إحنا حواليه كفاية دلوقتي.
هو نايم... ولو حصل أي حاجة، أول حد هكلمه هو انت ياجدو، أوعدك
اكمل بتنهيدة:
ــ طيب... طيب، بس خلي بالك من نفسك ومنه... ولو احتجتي أي حاجة، في أي وقت، كلمني فورا.
ليلى بصوت دافي:
ــ حاضر ...هعمل كده يا جدو...
اكمل بصوت مكسور فيه حنان:
ــ خلي بالك من نفسك
ليلى تغلق الخط، تتنفس بعمق ثم تعود ناحية أرمان وعلى وجهها نظرة مترددة، ما بين الراحة والقلق مما هو قادم؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في صباح اليوم التالي، داخل المصحة...
يدخل راهب بخطوات هادئة وابتسامة صغيرة على وجهه، يطرق الباب ويفتحه بهدوء:
ــ حضرتك الدكتور أكمل أصلان؟...
رائف قالي إنك طلبتني؟
يرفع أكمل عينه من الورق، ينهض
يمد يده يصافحه بابتسامة خفيفة:
ــ أيوه...
اتفضل اقعد، كنت عايز أسألك شوية أسئلة
يمكن يبانوا غريبين بالنسبالك...
بس جاوبني، وأنا هفهمك كل حاجة
يجلس راهب ببطء، حاجباه مقطبان باستغراب:
ــ قلقتني... في إيه؟
أكمل بهدوء مدروس:
ــ اسم والدتك إيه؟
يتأمل راهب وجهه للحظات
يحاول يفهم المغزى من السؤال، ثم يرد بتردد:
ــ ناهد عبدالكريم...
أكمل يهز رأسه بتأكيد، نبرته تزداد ثقة:
ــ هي،مختفية... صح؟
راهب ينظر له بعيون متسعة، نبرة صوته تهتز:
ــ صح... من سبع سنين بالضبط
أكمل يفتح درج مكتبه، يسحب ملف ويحطه قدام راهب، يفتح على صورة ويقربها منه:
ــ أنا كده اتأكدت من معلوماتي... دي صورتها، صح؟
راهب ينتفض واقف، عيونه بتترج بتوتر، ياخد الملف بإيد مرتعشة، يثبت عينه على الصورة:
ــ أمي... أمي فعلا..
فينها؟ هي هنا؟!
أكمل يربت على كتفه:
ــ أيوه، ناهد... هي الست اللي اتبرعت لها بالـ ـدم من فترة، من غير ما تعرف
راهب بحماس ودموعه مش بتقف:
ــ أرجوك... خدني ليها، أنا لازم أشوفها!
أكمل يقوم من مكانه، يلمح حزن عميق في عين راهب، لكنه بيخبي قلقه:
ــ تعال معايا...
يخرجا سويا من المكتب، يسيرا في ممر طويل الجدران صامته لكن خطوات راهب مليانة نبض ولهفة. يقف أكمل أمام باب أبيض باهت اللون، يشير إليه بهدوء:
ــ والدتك جوا الأوضة دي.
يتنحى أكمل جانبا، يترك المساحة لراهب اللي بيقترب من الباب وكأن قلبه هيوقف. يمد إيده على المقبض، أنفاسه متقطعة. يفتحه... لكن الغرفة... فـــــاضية!
راهب بصدمة وخوف:
ــ هي فين؟!!
فين أمي؟!
أكمل يدخل بخطوتين، يتلفت بسرعة
نبرة صوته مرتبكة:
ــ مستحيل... هي عمرها ما خرجت من هنا!
فجأة... صوت إشعار على موبايل راهب. يطل عليه. يفتح الرسالة. يقرأ بصوت مرتجف:
ــ لسه وقت اللقاء... ما جاش!
يسود الصمت للحظات
فقط صوت أنفاس راهب المتلاحقة
أكمل مازال واقف مذهول
ينظر للغرفة الفارغة كأنها خدعته هو كمان
أكمل بصوت خافت:
ــ في حد سبقنا... وكانه عارف اني وصلت للحقيقه
راهب يرفع عينه نحوه، بنظرة يائسة:
ــ يعني إيه؟... كانت هنا واختفت؟
ليه؟! ليه الوقت دا بالذات؟!
اول مره احس اني قربت لها
أكمل يطالع الممر، كأن حد بيراقبهم من بعيد
ثم يعود بنظره لراهب:
ــ اللي بعتلك الرسالة دي... بيلعب معانا شطرنج
وأمك... هي الورقة اللي في نص الرقعة
ينظر راهب للملف اللي في إيده
دموعه بتنزل بصمت، ثم يهمس:
ــ أنا مش هسيبها تاني...
حتى لو اضطريت أواجه الشيطان بنفسه
راهب، عيونه مليانة
إصرار ولهيب ما بين الحنين والانتقام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في فيلا العراف - ليلا
يجلس عبدالحميد أمام بروازين
أحدهما لناهد زوجته، والآخر لشمس ابنته
عينيه مليانة ندم، دموعه تنزل في صمت ثقيل...
عبدالحميد بهمس مكســ ـور:
سامحوني...بس حتى لو انتو سامحتوني
ربنا مش هيسامحني...
اللي عملته فيكم... مايتغفرش...
ينزل صورة شمس من على الطاولة
يطالعها كأنه بيشوفها لأول مرة، صوته يرتجف:
ــ انتي اتأذيتي مني كتير...
ماكنتش ليكي أب... كنت وحش، خسيس، طمعت فيكي...
ولما معرفتش آخدك لنفسي... قتــ ـلتك... علشان
ماتفضــ ـــحينيش...
خلف الباب، تقف شهد. كانت جايه تمشي بإيديها على الحيط تدور على والدها، لكن وقفت لما سمعت كلامه. عقلها رافض يصدق، قلبها بينهار
عبدالحميد بصوت مكســ ـور:
ــ أنا حبيتك... بس مش كأب... كنت بشوفك ملكي... وده ذنب مايتغفرش...
شهد تتراجع بخطوتين، صدمة في كل حركة منها. بتخبط بإيدها في الباب، يعمل صوت
عبدالحميد يلتفت، يشوفها، يتجمد مكانه:
ــ شهد... انتي سمعتي،اي ؟!
شهد ترفع إيدها، تصـ ــرخ:
ماتلمسنيش! خليك بعيد عني!
ماتقربش مني!!
تصـــ ـرخ، تكرر الجملة وهي بترتجف
عبدالحميد يقترب منها!؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
#روايه_ارنــاط
#الكاتبه_حور_طه
صلي على الحبيب 💙
ــــــــــــــــــــــــ
«البارت 26من روايه ارنــاط»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شهد ترفع إيدها، تصـ ــرخ:
ماتلمسنيش! خليك بعيد عني!
ماتقربش مني!!
تصـــ ـرخ، تكرر الجملة وهي بترتجف
عبدالحميد يقترب منها مرتبكا:
ــ حبيبتي... اسمعيني... انتي فهمتي غلط...
شهد ترجع وتهبش في الهوا، تخبط في الكراسي والطاولة. دموعها تنزل، صوتها بيكسـ ــر القلب وعنيها اللي ما بتشوفش شايله رعــ ـب الدنيا كلها!
في اللحظة دي، يدخل راهب بسرعة
على صوت الصـ ـراخ:
ــ شهد! في إيه؟! اهدي يا شهد!!
شهد تمد إيديها ناحية صوته
زي اللي غرقانة وبتدور على خشبة نجاة
راهب يقرب منها، تاخده في حضن لأول مرة من وقت ما اللي حصل بينهم
راهب بحنان:
ــ أنا جنبك... أنا معاكي اهدي...
عبدالحميد واقف، مصدوم...
ملامحه منهارة. عارف إن الورق كله وقع
شهد بين شهقاتها:
ــ هو... هو اللي قــ ـتل شمس...
راهب ينظر لها :
ــ مين؟! تقصدي مين يا شهد؟
شهد بصــ ـرخة تكسـ ـــر الصمت:
ــ بابا... بابا هو اللي قـ ــتل شمس!
كان بيعتدي عليها... ولما خاف تتكلم... قتــ ـلها!
راهب يبص لعبدالحميد، عينه مش مصدقة
يسيب شهد ويقترب بخطوات تقيلة،بصوت مشروخ:
ــ الكلام ده... صح؟!
عبدالحميد ما بيردش. عينه في الأرض
أنفاسه متقطعة. راهب يضــ ـربه بقوة
مرة واتنين. يوقعه على الأرض
راهب بصــ ـراخ:
ــ ليه؟!! ليه بنتك،يا جاحد؟!!
أنا كنت عارف إنك واطي...
بس مش لدرجه بنتك!
ليه؟؟!
عبدالحميد يهمس بصعوبة:
ــ أنا... ندمت...
راهب يخــ ـنقه، وجهه مليان دموع وغضب:
ــ الندم مايعملش حاجه... لازم تمـــ ـوت!!
شهد تصــ ـرخ:
ــ راهب! لأ! ماتقتـ ــلش تاني... أرجوك!!
راهب يتجمد... ياخد نفس عميق، ويفوق من الغضب. يسيب عبدالحميد يقع على الأرض، غرقان في
دمـ ــه، بيتنفس بصعوبة
راهب بصوت حاد:
ــ فين أمي؟
انت اللي أخدتها من المصحة؟!
لو مش عايز أمــ ـوتك... قولي دلوقتي هي فين!
عبدالحميد بصوت مخنوق:
ــ سحر... سحر هي اللي أخدتها... مش أنا...
راهب:
ــ فين سحر؟!
عبدالحميد:
ــ مشيت... معرفش مكانها...
راهب بصوت زي السيف:
اطلع بره ...
ولو شوفتك تاني... همــ ــوتك بنفسي.
راهب وهو شايل شهد، عنيها مغمضة ودموعها لسه بتنزف، وعبدالحميد على الأرض ينهج، مهزوم، ذليل... الظلام يبتلع الفيلا بهدوء مرعب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في مكان مهجور، بعيد عن عيون الناس...
كانت سحر مربوطة في كرسي حديد، وقطعة قماش سميكة على فمها، ملامحها بين الألم والتحدي.
دخلت ليلي يتبعها أرمان، خطواتهم تقطع صمت المكان زي سكـــــ ــاكين.
ليلي بشـ ـراسة وهي بتشيل الشريطة من على بقها:
ــ كده أحسن؟ قولي بقى... قبل ما أخلي صـ ـرختك توصل للسماء.
سحر بصوت مخنوق غاضب:
ــ هتندمي... والله هتندمي يا ليلي ،فكيني وأنا ممكن أسامحك على الغلطة الساذجة دي
ليلي بابتسامة باردة وهي تبص لأرمان:
ــ سمعت؟ هي اللي هتسامحنا، يلا فكها...
خلينا نشوف كرم أخلاقها
أرمان بضحكة خفيفة:
ــ اللي زيك نهايته ما بتكونش كريمة يا سحر
سحر تهمس بغيظ:
ــ خاين... كلب... طول عمرك كده.
ليلي تلطشها بالقلم على وشها:
ــ إنتي اللي بتتكلمي عن الخيانة؟!
أنتي؟! أكبر خاينة شفتها في حياتي
سحر تتألم وتصـ ـرخ:
ــ سيبي شعري... آااه...
ليلي وهي تسحب إيديها من شعر سحر بقوة:
ــ أنا مش جاية أسمع عياطك... جاية أعرف حاجة واحدة… فين أرناط؟ والبحث سلمتيه لمين؟
سحر بتضحك بسخرية رغم الوجع:
ــ اللعبه دي أكبر منك بكتير...
مش أي حد يقدر يدوس في اللعبة دي يا ليلي.
أرمان يقرب منها، يشدها من شعرها بقسوة:
ــ اتكلمي... ولا تحبي أبدأ أنا؟"
وبهدوء مرعب، بياخد حقنة من على الطاولة ويسحب السائل قدام عنيها
سحر ترتجف وهي تصـ ـرخ:
ــ إبعد عني... إيه دي؟
ليلي بقسوة:
ــ دي مش هتقتـ ــلك... بس هتخلي كل خلية فيكي تتوسل للمـ ــوت. أولها سخونة، بعدين شد في العصب... وبعدين... عذاب مالوش نهايه
أرمان يحقنها وهي تصـ ـرخ:
ــ اهدي... دي الجرعة الخفيفة لسه
ليلي تقرب منها، تضغط على كتفها بقوة
وسحر تصـ ــرخ من شدة الألم:
ــ فين أرناط؟! والبحث سلمتيه لمين؟!
سحر تتنفس بصعوبة، عينيها بتلمع من الألم:
ــ البحث... خلاص راح... راح للمنظمة، وعمرك ما هترجعيه تاني.
ليلي بصوت غاضب، ووشها قريب جدا من سحر:
ــ الاقي أرناط فين؟!! وسلـمتي البحث لمين؟!! اتكلمي يا سحر!
سحر تتنفس بصعوبة، ووشها متورم من الضـ ـرب
بس نظرتها فيها تحدي، ولسانها لسه ما انكســ ـرش:
ــ أرناط خلاص ما بقاش بتاعك يا ليلي...
حتى لو شوفتيه، مش هتحسي بيه...!
كلامها بينزل على قلب ليلي زي الســ ــكين
لكن قبل ما ترد، أرمان يشد انتباهه صوت حركة خفيفة برا
يرفع راسه بسرعة، عينه راحت على الباب.
أرمان بقلق:
ــ في صوت بره...؟
يمشي ناحية الباب بحذر، إيده على ســ ـلاحه
ليلي، غضبها فاض، بتقوم تضـ ــرب سحر على وشها بكل قوتها:
ــ اتكلمي بقى يا كلـ ــبة!! أرناط فين؟!!
سحر تتنفس بصعوبة، دمعه نازلة من عينها
لكنها بتضحك ضحكة صغيرة، فيها غموض وسخرية:
ــ طول ما أنا عايشة... مستحيــل توصلي له
ليلي بجنون:
ــ هتتكلمي انتي فاهمة؟!
تمد إيديها وتخنقها، صوت أنفاس سحر بيضيع رجليها بتتهز
وشها بيحمر، وصوتها بيختفي تدريجيا
أرمان يرجع بسرعة، يشوف اللي بيحصل، بيزعق:
ــ ليلي! سيبيها! هتمـــ ـوت في ايدك قبل ما تنطق!
يخلص سحر من بين إيدين ليلي
سحر تطيح على الكرسي، تتنفس بصعوبة.
أرمان بعينين بتدور في كل اتجاه:
ــ في حركة برا...
حسيت بظل بيتحرك... أنا مش مطمن
ليلي بعصبية:
ــ مش همشي! مش هسيبها غير لما أعرف كل حاجة!
أرمان يشدها من دراعها:
ــ واضح ان سحر كانت واخده احتياطاتها للخطوه دي ؟ أكيد مرتبة حاجة... يمكن اللي بره دول يكون رجالتها
سحر بصوت ضعيف، وهي تبتسم رغم الألم:
ــ لما اللعبة تبدأ... ماحدش بيقدر يوقفها
نظرة خوف تمر في عيون ليلي
وصوت خارجي عالي
أرمان يمسكها من دراعها بقوة:
ــ اسمعي كلامي، المكان مش آمن. سحر أكيد محضرة حاجة. لازم نمشي...ليلي، مفيش وقت!
ليلي بغضب وهي تبص لسحر:
ــ أنا ما خلصتش معاها... دي لسه ما نطقتش.
أرمان بصرامة:
ــ بس لو فضلنا هنا دقيقة زيادة، ممكن رجالتها يدخلوا… ووقتها مش هنلحق حتى نهرب!
ليلي تبص لسحر نظرة كلها كره ووعد بالانتقام وتقرب منها وتهمس:
ــ أنا مش هسيبك وهعرف مكان أرناط...
وخليكي فاكره هتمـ ــوتي يا سحر بسبب عنادك
تبتسم بسخرية وتكمل:
ــ انا بوعدك يا ليلى اللعبه اللي انت بداتيها انا هنهيها... وهتبوسي إيدي عشان تمــ ـوتي.
أرمان يشد ليلي من دراعها:
ــ يلا يا ليلي مافيش وقت!
سحر تضحك بصوت واطي متقطع رغم وجعها:
ــ خايفين... عارفين إن اللعبة كبرت...
وانتوا بقيتوا أصغر منها
ليلي تبص لسحر للمرة الأخيرة
ثم تخرج مع أرمان بسرعة، الباب يغلق وراهم بقوة
المكان يسكت... وسحر تفضل مربوطة، تتنفس بصعوبة، وبصوت واطي تقول لنفسها:
وعد مني هكون اخر وش هتشوفوه قبل ما ادخلكم القبــ ــر صاحيين !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في حديقة بيت أكمل...
جلس أكمل على المقعد الخشبي تحت ظل شجرة الليمون وصوته كان مليان قلق وهو بيكلم رائد
اللي قاعد قدامه بيحرك صباعه على فنجان القهوة
أكمل بلهجة هادية لكن فيها ضغط:
ــ إيه اللي يخلي عالية تسيب البيت كده؟
تاخد ابنها وتروح من غير ولا كلمة؟
رائد:
ــ مش عارف، يمكن حست إنها مش مرتاحة...
أو يمكن عايزة تبعد عن الجو البيت شويه
أكمل ينظر له بتركيز:
ــ قوللي بصراحة...
حصل منك أي تصرف ضايقها؟
كلمة؟ نظرة؟ أي حاجة؟
رائد بيرفع راسه فجأة وبيقول بثقة:
ــ إنت بتقول إيه يا جدو؟ عالية زي أختي...
عمري ما بصيتلها غير بنظرة احترام
زيها زي ليلي بالظبط
أكمل بصوت:
ــ عارف إنك محترم... بس في حاجه مش داخلة دماغي. ليلي كمان مش راضية تسيبها... ليه؟
رائد ينظر في ساعته:
ــ خليهم على راحتهم يا جدو، يمكن تكون محتاجة وقت... أنا،عندي مشوار مهم، وممكن أتأخر.
أكمل يتأمله وهو بيقوم، ثم يقول بصوت مبحوح وهو بيبص في الأرض:
ــ ربنا يستر... أنا قلبي مش مطمن يا رائد.
رائد بيبتسم له ابتسامة صغيره:
ما تقلقش يا حبيبي ان شاء الله خير
أكمل، اللي بيبص للسماء وعينيه فيها حزن
يتمتم وهو بيضم إيده:
ــ اللهم نجينا من اللي إحنا مش شايفينه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
داخل غرفة هادئة يغلفها الحزن...
تجلس شهد على السرير، عيناها محمرة من البكاء ودموعها تسيل على خدها، بينما راهب يجلس بجوارها، يحاول يطبطب على كتفها المرتجف
شهد بصوت مكســ ــور:
ــ ارجوك يا راهب... رجعلي ماما...
وانا هسامحك... والله هسامحك...
راهب ينظر لعينيها:
ــ أنا مش ساكت يا شهد...
بدور عليها في كل مكان...
شهد تبكي بحرقة:
ــ ماما كانت بتعمل إيه في المصحة؟ ليه دخلوها هناك؟ هم عملوا فيها إيه؟ أنا... أنا خايفة...
خايفة ما أشوفش ماما تاني...
راهب يحاول يكتم غضبه:
ــ لا يا شهد، متخافيش... أنا بوعدك... هرجعها وهحاسب كل واحد كان ليه يد في اللي حصلها... حتى حق شمس هجيبه
شهد تضغط على ايده برجاء:
ــ ليه يا راهب؟ ليه بابا عمل كده؟
إزاي قدر يعمل كده في شمس؟
راهب يغلي داخله، صوته محمّل بالغضب:
ــ علشان كلـ ـب طمع في بنتها... بس ورب العرش... لخليه يتمنى المــ ـوت كل لحظة.
وفجأة...
صـــ ــرخة مدوية تأتي من الطابق السفلي.
شهد تنتفض.
راهب ينهض بسرعة ويدفع الباب بعنف
وينزل الدرج بخطوات متسارعة.
في الصالة...
الخادمة تصـــ ـرخ ووجهها شاحب
تشير برجفة نحو مكتب عبدالحميد
راهب بصوت حاد:
ــ في إيه؟!
يدخل راهب المكتب، يتجمد للحظة وهو يشوف عبدالحميد ممدد على الأرض، غارق في دمـــ ــه بجانبه ورقة مطوية مبللة بطرفها من الـــ ـدم
راهب ينحني، يفتح الورقة ويقرأ:
ــ أنا عاقبت نفسي قبل ما تعاقبوني...
ــ زي ما مسكت إيدين شمس وقطــ ـعت شرايينها
ــ وسبتها تنــ ـزف قدامي...
ــ وتمــ ـوت وأنا واقف مستني آخر نفس فيها...
ــ كنت فاكر إن كده هخفي جــ ـريمتي...
ــ بس الحقيقة، الجــ ــرح عمره ما اتــ ــدفن...
ــ ما كنتش هعرف أعيش تاني ولا أبص في عينيكم...
ــ سامحوني!
راهب يطوي الورقة بهدوء، يتركها تسقط بجانبه يتنهد بجمود، كأن قلبه أصبح صخر ببرود وقسوة:
ــ اللي زيك... ما تجوزش عليه الرحمة
ثم يلتفت للخادمة اللي واقفة مذهولة:
ــ اتصلي بالشرطة
شهد تتحسس الدرابزين بأنامل مرتعشة، تنزل السلالم بخوف وكل خطوة تقربها من الحقيقة اللي قلبها بيرفض يصدقها.
شهد بصوت خافت مرتجف:
ــ راهب... في إيه؟
راهب يطلع يقابلها في منتصف السلم
وجهه شاحب وصوته هادي لكن تقيل بالحزن
يمد إيده وياخد إيدها:
ــ عاقب نفسه... باللي يستحقه!
شهد عيناها تلمع بالدموع:
ــ بابا... عمل إيه؟
راهب ينظر في عينيها:
ــ قتـ ــل نفسه!
شهقت شهد، اتسعت عيناها
ورجليها خانتها. لحظة وكانت هتقع
لكن راهب حضنها بسرعة
ساندها بقوة، وصوته نازل من قلبه
راهب بحنان ممزوج بالغضب:
ــ مايستاهلش دمعة من عينك...
ده كلــ ـب... مـ ــات بالطريقه اللي يستاهلها…
شهد وهي في حضنه، صوتها مكسور:
ــ ليه؟ ليه كل ده بيحصل؟ أنا...
خلاص تعبت... مش قادرة أتحمل أكتر من كده...
راهب يشدها أقرب، يمسح على شعرها
وعينيه مليانة وجع حامي،بنبرة وعد:
ــ كل ده هيعدي... أنا مش هسمح لأي حاجة تؤذيك... طول ما أنا موجود، مش هتقعي تاني يا شهد
يبص ناحية الباب المفتوح الشرطة بتدخل يلف ذراعته عليها كأنه بيحاول يحميها من الدنيا كلها.
صلي على الحبيب 💙.