
رواية أسد مشكى الفصل الواحد والاربعون 41 بقلم رحمة نبيل
مع بداية مغرب اليوم السادس عشر من محرم، كانت جيوش أصلان التي جمعها من شتات الارض تتجمع أمام الجحر والأخير يقف مراقبًا الجميع بأعين تلتمع بالخبث والفخر مما وصل له، ما كان ليقبل يومًا أن يوضع اسمه في كتب التاريخ في الهامش جوار اسمائهم، ويشار له بأحدهم..
هو أصلان الجعفري ما كان ليسمح أن يُهمش دوره بهذا الشكل، لذا إن لم يُذكر في التاريخ...سيحرقه .
جمع جيوشه وحدده وجهته التي سينطلق لها مع بداية فجر اليوم الجديد ....سفيد العزيزة .
فسقوط سفيد، المصدر الاول للأسلحة وثاني اقوى الجيوش مع جيش مشكى يسهل عمله في دخول باقي الممالك، حتى وإن لم يستطع دخول مملكة أخرى بعد سفيد فيكفيه أن يكون ملكًا لسفيد ....
كانت عيونه تسبح في بحار بعيدة واحلام اضحت قاب قوسين أو أدنى منه، حتى أن يده كانت ترتجف من شدة الحماس ...
نظر لحدود سبز التي تلوح في الأفق والتي كان يدرك أن الخروج منها اسهل من شربة ماء في هذه اللحظة تحديدًا بعدما دمر العاصمة وآثار الذعر بينهم فسحبوا كل جندي لتدارك ما يحدث داخل الممالك .
رفع يده في السماء وقد شعر في هذه اللحظة بقلبه ينتفض من الحماس وغروره يتغذى على ما فعله بالجميع، مد كفه وكأنه على وشك الإمساك بالشمس التي أوشكت على الغروب، لكن صبرًا غدًا لن يمسك فقط بالنجم بل سيسطع اسمه مثلها وينافسها إشراقة.
_ ها نحن ذا يا رجال، على بعد خطوات من التحكم بهذا العالم القذر وتحطيم قوانين الممالك المتعنتة أسفل أقدامنا، انتهت عصور الاسلاف وها نحن نخط عصور جديدة بأيدينا نحن ..
تهليلات انطلقت بقوة بعد كلماته وقد بدأ الجميع يصرخ ويهتف باسمه في حماس كبير وقد وصلوا لنقطة أبعد مما كانوا يتخيلون .
_ الآن خطوات قليلة فقط نخطوها وحرب أخيرة نخوضها ومن ثم ....يأتينا النصر زاحفًا على عقبيه .
التمعت أعين الجميع بحماس شديد وقد لاقت كلمات اصلان صداها المرجو داخل الصدور وحركت البحار الراكدة في صدورهم .
فهؤلاء المنبوذون والذين نجوا من حروب كثيرة قديمًا، وحملات أرسلان التطهيرية لعرقهم النجس، ظنوا أن عصرهم انتهى بموت بافل قديمًا، ليعود أنمار ويحيي بهم املًا خافتًا أشعل داخل صدورهم رغبة بالعيش والعودة لممالك سبق ونُبذوا منها ..
نصفهم منبوذين والنص الآخر مرتدين خائنين ملوا حياة الشرف واحبوا حياة الخسة والضعة ..
وبعدما خرجوا مجبرين من وطنهم بعدما نبذت نفوسهم الخير والالتزام فأنتُبذوا بالمقابل، ما كانوا ليضيعوا فرصة تحيي داخلهم شعلة التمرد والانتقام الذي برد منذ خرجوا صاغرين من بلادهم، واصلان كان فرصتهم .....
_ الآن...ودعوا حياتكـــــــم القذرة هذه ورحبوا بحياة أخرى أشد بهاءً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ أنتِ زوجة الملك كيف حدث هذا ؟!
توقفت سلمى في منتصف الغرفة بعدما كانت تلتفت حولها تستكشفها باهتمام مبتسمة للزهور التي كانت منتشرة بشكل مبهج، لكت فجأة اخترقت مسماعها كلمات الفتاة لتستدير صوب الفتاة ببطء..
تنظر لها بعدم فهم، للتحدث الاخيرة بصوت خرج بذبات لم ترتح لها سلمى البتة :
_ أتعلمين ما كان يقال عن الملك أرسلان هنا ؟!
هزت لها سلمى رأسها بهدوء وقد رأت أن تتجنب الحديث معها فهي أدركت من نبرتها وكلماتها ونظراتها ما تريد الوصول له، تحرك عيونها في المكان وهي تخلع معطف أرسلان تظهر فستانها الذي اختاره الأخير لها بنفسه .
تبتسم بسمة صغيرة وهي تبعد الغطاء عن وجهها والحجاب عن شعرها مظهرة خصلاتها التي تخطت كتفها بعض الشيء تهتف بصوت خافت :
_ لا أهتم بالثرثرات، وبالطبع لن أحصل على معلومات زوجي من الثرثرلات، لذا لا أريد أن أعلم اشكرك عزيزتي .
ختمت حديثها تستدير صوبها ببسمة صغيرة تشكرها بلباقة ورقي :
_ وصحيح اشكرك لمساعدتي في الوصول لغرفتنا أنا والملك....
كانت تضغط على حروفها بقوة وهي تنظر في عيون الفتاة التي اتسعت عيونها وهي تبصر سلمى والتي كان جمالها...مختلف عنهم.
لون بشرتها المميز والذي كان كمن لفحته الشمس فنال لونًا ذهبيًا مقارب لأشعتها، وعيونها الخضراء التي تحيطها رموش كثيفة وشعرها الأسود المسترسل خلفها رغم قصره و...لحظة اعتراف أن الفتاة أمامها جميلة نعم، لكن في الممالك هناك من هن أجمل منها، توبة جميلة للغاية وتصنف من اجمل نساء الممالك.
فلماذا هي بالتحديد من تزوج بها أرسلان ؟؟
_ من أي مملكة أنتِ ؟!
كانت فضولية وكان هذا أكثر ما تكرهه سلمى، لكنها قررت أن تكون لطيفة مع الفتاة لآخر لحظات صبرها :
_ من مشكى .
_ لا أتحدث عن مملكة زوجك، بل عنكِ من أي مملكة أنتِ ؟!
هزت لها سلمى كتفها تجيب ببسمة باردة لا توحي بأي شيء يدور داخلها :
_ مملكة أرسلان بيجان .
رمشت الفتاة بعدم فهم لما قالت سلمى في هذه اللحظة، بينما الأخيرة تحركت تخلع عنها فستانها وقد اكتفت بالثياب التي ترتديها أسفل ثوبها الطويل ..
_ أنا أنتمي حيث ينتمي زوجي، بالإضافة إلا أنني ابنة مشكى والدي من مشكى لذا نعم أنا من مشكى ...
شردت بها الفتاة وهي تفكر في شيء جعل سلمى ترفع لها حاجبها وكأنها تتعجب مكوثها كل ذلك الوقت ولم تكد تفتح فمها تتحدث بكلمة تتسائل بها عن سبب وقوفها بهذا الشكل، حتى قاطعتها الفتاة بشك كبير :
_ لكن لون بشرتك غريب لا يشبه لون بشرة الاشخاص بمشكى، يبدو كما لو أن شمسًا تركت أثرها عليك او أنكِ مكثتي سنين في أسفل اشعة الشمس لتنالي هذا اللون، النساء هنا ببشرة بيضاء ناصعة وقليلات هن من يمتلكن بشرة سمراء، لكن لون بشرتك مريب .
رفعت سلمى يدها تتحسس بشرتها بهدوء وقد ارتفعت السخرية داخل صدرها لا تدري أكانت كلمات الفتاة سخرية منها أم انبهارًا من لون بشرتها المميز الذي ورثته من والدتها ؟؟
_ آه هذه نتاج التعرض لفترة طويلة من نيران عشق زوجي، لفحتني شمس أرسلان فاكتسبت لوني هذا منها .
على الغباء وجه الفتاة لتقلب سلمى عيونها ولم تكد تتحدث بكلمة واحد حتى همست الفتاة بشرود وكأنها تفكر بصوت مرتفع :
_ كان الملك أرسلان من أكثر الرجال الذين تحوم النساء حوله ولم يلتفت يومًا لأحداهن، إحدى الأميرات من على استعداد لفعل أي شيء وتنال منه نظرة، ما السبب ليفعل ذلك بالذات معكِ؟؟ هذا محير كثيرًا .
اتسعت عيون سلمى بصدمة من كلمات الفتاة والتي تقابلها للمرة الاولى، لكن يبدو أن الاخيرة لم تدرك بعد أن افكارها الداخلية تمثلت في كلمات مسموعة لسلمى، التي شعرت بكم الوقاحة المتسربة من الفتاة ودون شعور ابصرت نظرات الفتاة التي تحركت عليها وكأنها تقيمها حتى توقفت عيونها فجأة على حرق صغير يظهر من طرف بنطالها .
ولثواني اهتزت حدقة سلمى التي لم تتأقلم بعد مع حروقها، ولم تكد تتحدث بكلمة تخرج بها تلك الفتاة من الغرفة حتى سمعت صوت طرقات خفيفة على باب الجناح يتبعها صوت رقيق .
_ جلالة الملكة .
ابتسمت سلمى وهي تتحرك صوب الباب وقد ادركت صاحبة الصوت تشعر بوصول حبل نجاتها من الفتاة التي تحدق بها بعداوة غريبة وهي لم تقابلها سوى منذ دقائق فقط .
فتحت الباب بسرعة تستقبل الواردة بترحيب حار :
_ توبة .
نظرت لها توبة ببسمة صغيرة تستقبل بها ترحيب سلمى بسعادة شديدة وقد شعرت بالراحة من تعامل سلمى معها دون أي توتر بينهما :
- اعتذر لعدم وجودي في استقبالك و...نغمة ؟! هذه أنتِ هنا ؟؟
كانت كلمات متعجبة من وجود نغمة في جناح الملك أرسلان وزوجته وهي تقف بهذه الراحة، لكن تعجب توبة لم يكن شيئًا أمام صدمة نغمة التي أبصرت الاريحية في التعامل بين الاثنتين، كيف وهي تدرك أن توبة تهيم بزوج الفتاة، لقد كانت مهووسة به لدرجة أنها تزوجت لأجل فقط أن تعف نفسها عن التفكير به .
_ توبة هذه ...هذه تعرفينها ؟؟
تعجبت منها توبة وهي تحرك عيونها بين الفتاتين في اللحظة التي دخلت بها كهرمان ومن ثم تبارك اللواتي لحقن بتوبة لمعرفتهن بوجود سلمى في المكان .
_ هذه ؟؟
كانت كلمة مستنكرة خرجت من فم سلمى التي ضمت يديها لصدرها وقد وصلت واخيرًا لحافة صبرها مع هذه الفتاة الغريبة تتحدث بنبرة هادئة لا توحي بغضبها الكامن داخلها .
_ لا أحبذ استخدام مثل هذه الاشارات النكرة التي لا توفي من يقف أمامك حقه.
توترت نغمة وهي تبصر نظرات الجميع لها وقد شعرت فجأة برغبة في البكاء من الخجل، لكن سلمى لم تهتم وهي تتحدث معها بأكثر نبراتها سقيعًا :
_ اشكرك لمساعدتي في مغرفة غرفة زوجي، استطيع المواصلة من هنا وحدي .
وكان هذا آخر ما قالته على مسامع نغمة التي هبطت دموعها بقوة ورحلت خجلة بعدما اعتذرت من الجميع تحت أعين توبة المصدومة ونظرات كهرمان المتعجبة من تصرفات سلمى .
وكان أول من خرج من صمته هي توبة التي تحدثت بهدوء واحترام شديد :
- سلمى اقدر مكانتك صدقيني، لكن ما كان عليكِ التحدث معها بهذه الطريقة .
ابتسمت لها سلمى بهدوء وهي تتحرك في المكان ببساطة ولم تتحدث لثواني بشكل آثار تعجب الجميع منها، حتى جلست على أحد المقاعد وقد بدأت حروق قدمها تثير وجعًا مرعبًا بجسدها بعدما تلاشى تأثير الاعشاب المخدرة التي وضعتها لأجل الطريق .
_ معاملتي لأحدهم ما هو إلا انعكاس لمعاملته عزيزتي .
شعرت كهرمان بأن هناك ما فاتهم قبل المجئ هنا، لذا على عكس المتوقع منها تحركت صوب سلمى تتحدث بجدية ونبرة خطرة :
_ هل ازعجتك الفتاة سلمى ؟؟!
_ فقط لم ارتح لكلماتها وطريقتها في الحديث معي، بالطبع لن أكون سعيدة وهي تسخر من اختيار أخيكِ لي رغم أن الجميلات يحفونه من جميع الاتجاهات.
كان رد غاضب عبرت به سلمى بشكل متواري عما حدث، لذا تنهدت توبة بصوت منخفض وهي ترحب بسلمى للمرة الثانية ومن ثم استأذنت الرحيل لتنتهي من بعض الأمور العالقة .
وقد خرجت مباشرة صوب غرفة نغمة مصممة على معرفة ما حدث معها ومع سلمى قبل مجيئهم، فهي تدرك أن سلمى ليس من ذلك النوع العدائي الذي يجلد بلسانه من يقابله .
وبمجرد أن خرجت توبة تحدثث كهرمان بهدوء :
_ أدرك أن هناك سبب دفعك لـ .....يا ويلي سلمى ما هذه الحروق ؟؟؟؟؟؟
كادت سلمى تتحدث لها خاصة حينما أبصرت اندفاع تبارك لها بسرعة وهي تبادلها نظرات القلق، لكن قطع كل ذلك صوت طرق على باب الجناح وصوت أحد الجنود يخبرهم بوصول الطعام....
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت ساعات طويلة قضاها الجميع داخل غرفة نزار بعدما خرج سالار لدقائق قليلة، ومن ثم عاد وأُغلق الباب من بعدها ولم يخرج أحدهم إلا على مشارف الفجر، ساعات طويلة ولا يدرك أحدهم فيما قضوها في الداخل، لكنهم يدركون أن ما سيحدث حينما يخرجون لن يعجب أحدهم.
وقد كان ..
كان أول الخارجين من المكان هو أرسلان الذي تحرك بسرعة مرعبة في الممرات وعيونه تطلق شرارات ونظرات مخيفة غامضة تنطلق من عيونه .
ابتسم بسمة غريبة وهو يتحرك صوب رجاله يتحدث بجدية كبيرة وهو يشير لقائد الموكب الذي تبعه :
_ تجهز فسوف أرسل معكم الملكة صوب المملكة، ستذهبون أنتم ومعكم الملكة وتحمونها بأرواحكم إن اضطررتم لذلك، فهمتم ؟!
هز الجميع رؤوسهم بطاعة كبيرة ومن ثم تحرك هو من أمامهم صوب جناحه ليتحدث مع زوجته قبل رحيلها لمشكى، يبعدها عن كل ما سيحدث في الساعات القادمة، يبعد زوجته عن الحرب قدر استطاعته هو لن يتحمل أن يمسها سوءًا ..
كل ذلك كان يحدث على مرأى ومسمع من أنمار الذي كان يجلس جانبًا يتلاشى أي احتكاك مع أي جندي من رجال أرسلان كي لا يسرع من هلاكه .
لكن بمجرد أن سمع كلماته ابتسم بسمة غريبة ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ ماذا تقصدين أنتِ، لقد تزوجت الرجل الذي كنتِ تتمنينه كل ثانية و....
قاطعت توبة نغمة بحدة وغضب من كلماتها وكأنها تخشى حتى أن تخون نزار بذكر مشاعر هشة تجاه رجل آخر، مشاعر أخرى حمقاء طفولية ظنتها يومًا حبًا .
_ نغمة انتهينا، لقد انتهى كل هذا، صدقيني كانت حماقة لا أحب تذكرها، الملك أرسلان لا يعني لي أكثر من كونه الملك أرسلان الذي احترمه كأخ أكبر.
_ ماذا ؟! هل تهزين أنتِ ؟! منذ متى كل هذا !!
_ منذ اللحظة التي أدركت بها أنني لم أحبه يومًا نغمة، لم أحب أرسلان يومًا، وبكامل الأسف أنني اضعت أيام طوال أبكي انبهارًا برجل أبصرت منه ما لم أبصر في غيره، لكن الحمدلله أن عادت لي بصيرتي لأدرك أن...
" هناك من استطاع احتلال قلبي بالكامل كما لم يفعل غيره حتى أرسلان" جملة كتمتها توبة داخل صدرها لأول مرة تخفي مشاعرها عن رفيقتها .
تنهدت بتعب :
_ نغمة أنتِ اخطأتي في حق الملكة، وأقسم بالله أي امرأة أخرى لم تكن لتكتفي بصرفك بهذه الطريقة، لو كنت مكانها لأمرت بفصل رأسك عن جسدك.
اتسعت عيون نغمة :
_ ماذا ؟!
_ ماذا أنتِ تقللين من قيمتها وتسخرين من لون بشرتها وتتعجبين تزوج الملك بها، ولم تدركِ مع من تتحدثين أنتِ .
صمت تصرخ بضيق من رفيقتها :
_ نغمة هذه .. ملكة مشكى، استوعبي ما فعلتي وانصحك بالاعتذار لها .
ختمت حديثها وهي تتحرك خارج الغرفة، لكن ما كادت تخرج حتى توقفت مجددًا لتتكلم بصوت منخفض :
_ وكذلك انصحك بنسيان ما كنت اهزي به في غمرة سكري بمشاعر كاذبة قديمًا، ولا تذكري الأمر مجددًا وهذا رجاء مني نغمة، فأنا لا احب تذكر غبائي القديم .
خرجت من الغرفة بمجرد أن انتهت من كلماتها تاركة نغمة تقف في المكان تحدق بالباب المغلق بصدمة كبيرة ..
بينما توبة تحركت في الممرات صوب غرفتها تفكر في الحصول على بعض الوقت مع نفسها كي تتماسك قبل التحرك والذهاب للأطمئنان على نزار ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن بعد تلك الساعات تبعها ساعات أخرى طويلة مرت عجيبة مريبة على الجميع....
حركات غريبة وتصرفات غريبة كانت تصدر من الملوك في الساعات التي سبقت مساء اليوم .
مواكب الاميرات كلها بدأت تخرج من قصر آبى وقد شرع كلٌ يخرج زوجته ومن يخصه من النساء من سبز وقد كانت بؤرة الخطر الأكبر تتمثل بها باعتبارها مركز تجمعهم، وكذلك سفيد هدفهم الأول..
موكب تلو الآخر يخرج من قصر سبز والأعين تتابع ما يحدث وقد أعلن الملك بارق حالة استنفار في البلاد وانطلقت أبواق الحرب تعلو في سبز .
في الوقت ذاته كانت أبواق الحرب تدوي في بقاع الممالك أجمع وقد أدرك الجميع أنها النهاية .
فالحرب لم تنتهي بعد، والفوز لهم مصيرًا حتميًا ..
وفي الجحر .
كان أصلان يتابع استعدادت رجاله يستقبل بداية اليوم الجديد ببسمة واكل كبير .
ومع أذان فجر يوم جديد ...
كانت الحرب الأخيرة تعلن عن نفسها بقوة بين ربوع الممالك الأربع .
تحرك أصلان بجيوش وأعداد غفيرة صوب سفيد وهم يدكون الأرض أسفلهم وكأنهم يعلمون القاصي والداني بقربهم ...
أصلان يتقدم الجيوش على حصانه وقد كانت بسمته تزداد اتساعًا كلما أبصر سفيد تلوح في الأفق، كلما اقترب خطوة واحدة من سفيد اقترب حلمه منه اشواطًا، يدرك يقينًا أن إيفان وسالار في هذه اللحظة ما يزالان بسبز، وكذلك أرسلان...
أما عن نسائهم فهن في أمانته لباقية اليوم حتى ينتهي كل هذا، أو حتى تنتهي حياتهن ..
اتسعت بسمته بقوة وهو يتذكر الأخبار التي وصلت له قبل ساعات قليلة حينما بشره أحد رجاله أن جميع الملوك ابعدوا نسائهم عن سبز وسلموهم للجنود ...جنوده الأحباء ورربما هن الآن يتلقين ضيافة مشرفة مع بعض رجاله في الجحر ....
وستكون هذه بطاقته الاخيرة التي يستخدمها أمامهم..
وهذا ما حدث، ففي اللحظة ذاتها التي كان أصلان يزحف بجيوشه صوب سفيد، كان رجاله يتحركون مع النساء بعدما تعدوا على المواكب الخاصة بالملكات في الطريق وقتلوا من قاومهم واخذوهم صوب الجحر ..
والآن على مشارف سفيد توقف هو ورجاله يحدقون بأسوارها في طمع وجشع، غامت عيون أصلان بمشاعر عدة قبل أن ترتسم بسمة واسعة غير مبررة على فمه وهو يهتف بصوت مسموع ..
_ وصفوكم بالذل ونبذوكم من ديار أنتم أحق منهم بها، والآن يا رجال حانت ساعتهم واتتكم لحظة انتقامكم على طبق من ذهب، أتضيعونها ؟؟
فجأة رجت الإرجاء صيحات وتهليلات قوية كادت تسقط اسوار سفيد لحدتها، الجميع يهلل ويهتف بالنصر وقد اشتعل الحماس في الصدور، لا يبصرون أبعد من نصرهم الوشيك .
أما عن أصلان فقد ابتسم بسمة أخيرة قبل أن تتلاشى ويهتف بجدية وصوت صاخب رن في الأجواء حوله بقوة :
_ إذن دكــــــــــــوا حصون سفيد....لا تزروا منهم فردًا، اغسلوا سفيد بدمائهم .
وبمجرد أن نطق تلك الكلمة اندفعت جيوش أصلان صوب الجدار الذي يحيط سفيد من الخارج يندفعون للبوابات يحطمونها تحت وطأة دفعهم في دقائق معدودة ...
ومن بعدها فُتح الجحيم على كل من بسفيد .
اندفع أصلان بجيوشه للبلاد يعيث الخراب بكل خطوة يخطوها داخل البلاد، يحطمون كل ما يقابلهم ويدمرون كل ما يقف في طريقهم .
اندفعت النشوة والحماس داخل الصدور وهم يبصرون تقدمهم السلس صوب القلعة الخاصة بسفيد، كانت الصدمة من يسر ما يحدث تعمي العيون عن غرابة وسهولة دخولهم البلاد .
وطوال طريقهم في العاصمة لم يبصروا مقاومة من شخص واحد حتى، لم يوقفهم أحد ولم يعترض طريقهم أحد، وهذا ما لم يدركوه في غمرة نصرهم التي تحيط بهم وتغشي عيونهم .
واصلان فقط الوحيد الذي كان متحفزًا بشكل غريب، يراقب المكان حوله يترقب مريب ينتظر حركة غريبة لينتفض برجاله، هو متيقن أن لا أحد يدرك خطته بالتوجه لسفيد بعدما أشاع أنه سيتوجه لسبز اولًا، إذن ما هذا السكون الغريب ؟؟
فجأة ومن بين أفكاره التي كانت تدور برأسه وحينما وصل لمنطقة قريبة من سفح الجبل الذي يقبع على قمته قصر سفيد توقف بجيوشه حينما سمع صوتًا مريبًا .
رفع كفه في الهواء يوقف تقدم رجاله وقد بدأت عيونه تدور في المكان على جميع الاتجاهات بحثًا عن مصدر الصوت .
وقبل أن يتحدث بكلمة واحدة اتسعت عيونه حينما أبصر سهمًا يخترق صدر الرجل الذي يقف تحديدًا جواره، تصلب جسد أصلان وهو يرفع عيونه ببطء صوب الطريق أمامه، لكن فجأة تراجع بقوة للخلف حينما أبصر سهمًا آخر يتوجه صوب الرجل من الجهة الأخرى جواره .
لتعم فجأة فوضى عارمة في المكان حينما أبصر الجميع راميين سهام سفيد يملئون الجبل أمامهم وخلفهم تعلو اعلام سفيد يتقدمهم دانيار الذي ابتسم بشكل مرعب وجواره يقف تميم الذي مد يده بشيء صغير، يلوح به في الأفق وفجأة القاه في الهواء بقوة لتتحرك عيون الجميع بترقب صوب ذلك الشيء الذي ألقاه تميم، وقبل محاولة فهم ما يحدث .
كان دانيار يحمل يضع خمس سهام في قوسه، ومن ثم أمسك شعلة يشعل بها السهام وفي ثواني اطلقهم صوب الكرة التي ألقاها تميم في الهواء، وما هي إلا غمضة عين وكانت سماء سفيد تسقط أمطار كالنيران على الجميع أسفل الجبل لتعلو صرخات الرجال برعب مما يحدث .
ابتسم دانيار بسمة واسعة :
_ كان الأمر يستحق تفجير قصر سفيد مئات المرات تميم .
راقب تميم نتيجة قنبلته العزيزة التي كلفته سنوات طويلة وتفجيرات أكثر ليصل لهذه النتيجة، يردد ببسمة جامدة:
_ جميلة ها؟؟
كان أصلان يراقب ما يحدث وهو يختبأ خلف درعه وقد بدأ جميع رجاله يحتمون بالدروع يتجنبون النيران التي بدأت تسقط عليهم من السماء، وحينما هدأ الأمر رفع أصلان عيونه لهم وقد بدأ صدره يرتفع بشكل مرعب يبتسم لهم بسمة صغيرة .
وقبل أن يتحدث بكلمة يأمر جنوده بالتراجع للخلف حتى ينفذ هجمته المخطط لها وقد كان يعلم ما سيلاقيه منهم واستعد لكل خطوة .
رفع يده في إشارة معروفة وهو يشير لهم بالتراجع لتنفيذ خطته بالمراوغة .
أبصر فجأة أعلام سوداء تلوح في الأفق وأعداد غفيرة تتقدم صوبهم يحملون أعلام مشكى، يتقدمهم المعتصم الذي كان يتشح بالسواد ولا يظهر منه سوى عيونه .
تراجع أصلان بجيشه للشرق وهو يمرر عيونه على جيوش مشكى التي تتقدم صوبهم بشكل مخيف وكأنهم اشباح جميعهم يتشحون بالاسود.
وفي ثواني كانت أعلام آبى تلوح في الأفق وجيوش ابى تسد مخرجهم الثالث من الشرق، لكن الصدمة الأكبر كانت أن من تقدم جيوش آبى هو سالار و ...نزار .
نزار الذي كان في هذه اللحظة قد تناسى سوء حالته الصحيه وكل جروحه، فنيرانه أشد من وجعه، ونيرانه لن تنطفأ إلا حينما يبصر جسد أصلان يتقطع أمامه..
يراقبه وعيونه لا تبصر في المكان سوى أصلان فقط، وجواره يقف الوليد وهو يبتسم له .
كان يراه، يرى جسد أخيه وهو يلوح له بيده مبتسمًا، اشتدت ملامح نزار بشكل مفزع وقد غامت عيونه بدموع مقهورة يضغط على سيفه بقوة، يتنفس بصوت مرتفع وقد أقسم بربه ألا ينتهي هذا اليوم إلا حينما يقتص لأخيه ..
وعلى عكس المتوقع اتسعت بسمة أصلان بقوة :
_ أوه ما زلت حيًا ؟؟ أنت عنيد حتى أكثر من أخيك .
صمت وهو يبصر عيون نزار التي كانت حمراء بشكل مرعب، وهو ينظر له بهدوء قاتل ..
أما عن أصلان فلم تسمح له نفسه أن ينحني حتى أو يظهر خوفًا على مرأى منهم، لذا إن كان محتمًا عليه أن يموت، فليحطمهم قبل أن يفعل .
_ كان الوليد عنيدًا حتى وقت موته، ظل يتشبث بالحياة بعناد غريب .
انتفض صدر نزار بقوة وقد اهتزت عيونه ليدرك أصلان أنه أصاب وترًا داخله :
_ نعم كان مايزال حيًا حينما رحلت، ظل يتنفس بعناد، كان ليعيش بعد تلك الطعنة فهي لم تكن بهذا السوء على أية حال كانت فقط مؤلمة، وأنا....لم يهن عليّ تركه يتعذب بهذا الوجع طويلًا نزار، فقدمت له خدمة لا اقدمها للكثيرين.....الموت الرحيم، فصلت رأسه عن جسده بالكامل لأتاكد أنه لن يتألم بعدها أبدًا .
سقطت دمعة من عيون نزار دون شعور رغم ملامحه المنقبضة، اندفع القهر في صدره وملئ قلبه، ورغم كل ما يدور في داخله إلا أن لا شيء انعكس على ملامحه سوى غضب ...غضب مرعب كان ينبأ بعاصفة قادمة.
_ والآن اعزائي لا تعتقدوا أنكم انتصرتم، فحتى لو فزتم في معركة، فالحرب لم تنتهي، يكفي أنني إن غادرت سأترك لكم أثرًا مني، كل منزل احترق وكل جثة سقطت وكل حجر انهار من المنازل وكل عزيز فقدتم ....
قال الكلمة الأخيرة وهو ينظر صوب نزار ومن ثم أكمل:
_ كل هذه انتصارات لن تُمحى ولن يُمحى أثرها ولو عشتم اعوامًا فوق اعوامكم .
ختم حديثه وهو يبصر بطرف عيونه وصول الملوك جميعهم عدا ازار وقد تقدم كلٌ جيشه ..
والصمت حل على الجميع، وقد تحول سفح جبل سفيد لساحة حرب ستكون الأخيرة.
أخرج أرسلان سيفه بهدوء من غمده وهو يلوح به في الأفق في إشارة منه بالاستعداد، وبالفعل بمجرد أن أخرجه سمع الجميع اصوات استلال السيوف يعلو في المكان ..
أما عن سالار فقد ابتسم بسمة صغيرة وهو يخرج سيفيه يحركهم في الهواء وكأنه يجهز مطحنة ستقطع كل من يقترب منه .
يجواره إيفان الذي شدد قبضته على سيفه وهو يتابع المكان بأعين باردة كالصقيع مخيفة .
وبارق جوارهم يحمل بين يديه سهامه وفي غمده استكان سيفه براحة ..
بينما أصلان فقد أخرج سيفه وهو يحرك عيونه في أوجه الجميع يهتف بصوت غريب :
_ هذه الحرب إن انتهت بخسارتي، فلن تكون خسارة لي وحدي اقسم لكم بذلك، وفي هذه اللحظة التي تحيطونني بها، يحيط رجالي بنسائكم وممالككم ........
صدر صوت ساخر من حنجرة أرسلان الذي تحدث بصوت حاد وصل لمسامع الجميع :
_ في هذه اللحظة التي نحيطك بها يكون الملك ازار قد أحاط بالحجر وقطع أطراف رجالك الذين كانوا ينتوون التحرك للمالك، ونفسها هذه اللحظة التي نحيطك بها تتجهز النساء لأجل زفافي الذي سنستخدم به دمائك لكتابة دعواته .........
صمت أرسلان ثواني وهو يبصر نظرات الاستنكار التي هربت من عيون أصلان، ليهتف له بسخرية :
_ هل ظننت بكل حمق أننا سنسمح للنساء بالسفر مع الجنود؟! المواكب التي أخذها رجالك للاستمتاع بمن فيهن لم يكن بهم أي من نسائنا بل كان بها.....
صمت قبل أن يلقي كلمته ببسمة واسعة :
_ والدتك يا قلب والدتك.
اتسعت عيون أصلان وقد سحهب وجهه بعدم ينظر في وجه أرسلان الذي ازدادت بسمته اتساعا :
_ وهذه ليست سبة معتادة مني، بل كانت والدتك بكل ما للكلمة من معنى.......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبل ساعات طويلة من كل ذلك ...
تحرك سالار في المكان وهو يستمع لكلمات أرسلان الذي بدأ يرسم الخطة وهو فقط يستمع بهدوء شديد قبل أن تتسع بسمته بشكل غريب، وهو يتحدث بصوت خافت :
- يبدو هذا جيدًا لي، لكن دعني أضف بعض لمساتي السحرية .
ابتسم له أرسلان بمزاح :
_ أحب لمساتك حينما تعلو تلك النظرة المختلة عيونك، على الأقل هناك من يفكر بشكل صحيح في سفيد بعيدًا عن حياة الحكماء .
قلب إيفان عيونه بسخرية وملل، بينما سالار بدأ يعرض وجهة نظره ويضيف بعض النقاط على حديث أرسلان لتعلو نظرات الجميع الانبهار .
ويتحدث بارق بموافقة :
_ يبدو هذا ... أكثر من مناسب لي، إذن سأتحرك بجيوشي صوب الجحر و...
تحدث آزار والذي كان صامتًا بروح منطفأة وثأر مشتعل:
_ أنا من ...سيذهب للجحر، لا أحد سيذهب هناك سواي، سوف اذهب لأنتشل جثمان ولدي لأكرم مثواه .
نظر له بارق ثواني بحزن شديد عليه ولأول مرة يبصر انكسارًا في عيون آزار وقد بدا أنه فقد جزءًا من روحه لن يستعيده بسهولة .. أو ربما أبدًا .
تنهد سالار بوجع لأجل خاله وهو ما يزال لا يصدق ما سمعه منذ ثواني ونيران صدره مشتعلة بقوة :
_ إذن تقود جيوش سبز وتذهب أنت خالي، لا نريد أن نثير الشكوك لخروجك من هنا وإحضارك جيوش آبى، ونزار ...
صمت وهو ينظر صوب نزار :
_ أنت ستظل هنا و....
_ لن يحدث، أنا من سأقود جيوش آبى، لن انسحب من حرب تطفأ نيران صدري .
تعجب الجميع من كلماته ليتحدث أرسلان بصوت يحاول جعله هادئ قدر الإمكان:
_ نزار أنت ما تزال خائنًا في عيون الجميع، كيف تقود رجالًا لا يرونك سوى خائنًا ؟؟
نظر له نزار وهو يدرك أن أرسلان محقًا، فهو لم يبرأ ساحته أمام الجميع بعد، ما يزال حقيرًا في أعينهم، لكنه ورغم كل ذلك لن يتخلى عن حربه ولو اضطر ليذهب وحده ويقود جيشًا لا يتكون سوى منه .
أبصر سالار أفكار نزار التي كانت واضحة بشكل كبير على ملامحه ليشفق عليه، ورغم أنه لم يكن بهذا القرب من نزار إلا أنه يومًا لم يتوقف عن اعتباره شقيقًا له، لذا تحرك صوبه يضغط على كتفه بمؤازرة .
_ سأذهب معك .
رفع له نزار عيونه بصدمة ليبتسم له سالار وهو سربت على كتفه :
_ سأذهب معك لسحب جيوش أبى وأخبر الجميع أن لا قائد لهم سواك أخي.
هز إيفان رأسه بموافقة وقد كان هذا هو الحل الأسلم، فجنود ابى لو كانوا يثقون ويطيعون أحدهم غير الملك آزار وسابقًا نزار، فهو سالار ...
ابتسم له نزار بإمتنان، ليهز له سالار رأسه بدعم قبل أن يعلو صوت أرسلان الهادئ والقلق في باطنه :
_ الآن الجزء الأهم...ماذا عن النساء ؟!
نظر له الجميع بهدوء ليتحدث سالار باقتراح :
_ اقترح أخذهن لآبى فسبز الآن خطرة وكذلك سفيد، وربما مشكى أو آبى، لكن آبى سيكون أفضل لوجودي ووجود نزار معهن في الطريق وكذلك هي الأقرب لنا هنا .
_ خروج المواكب سيثير الشكوك وقد يخمنون معرفتنا نيتهم، وربما يتسبب هذا في تعرضهم للخطر.
كان هذا صوت إيفان الذي خرج عن صمته يوضح لهم الصورة، لكن صمته لم يطل إلا وخرج لهم بالحل الفوري وهو يبتسم بسمة خبيثة غريبة :
_ ربما يمكننا استخدام المواكب كتضليل جيد لخروج نزار وسالار مع النساء .
نظر له الجميع بعدم فهم ليبدأ هو بشرح فكرته بإرسال المواكب فارغة معهم، في الوقت الذاتي الذي يتحرك به سالار ونزار مع النساء من الطريق الخلفي للقلعة .
لكن أرسلان ما كان ليمرر خطة كهذه دون وضع لمسته :
_ إذن ألا هذا الوسخ أصلان عزيزًا .
نظر له الجميع بعدم فهم، لكن بارق تحدث بهدوء وهو يفكر :
_ بلى والدته تقطن في أحد الأحياء في سبز هنا هذا ما علمته مؤخرًا بعد بحث طويل خلفه، كان الحقير يخفيها عن الأعين.
اتسعت بسمة أرسلان بخبث شديد ليشعر الجميع بريبة من أفكاره المريبة والغريبة التي يخرج بها في كل ثانية .
وقد كان فلم يبخل عليهم أرسلان بخطته وهو يسمعهم ما فكر به، وبعد دراسة الأمر من جميع النواحي، وتأمين المرأة لضمان أن سوءًا لن يمسها وفقط ستكون بطاقة لتحطيم أصلان .
اتفق الجميع على ما سيحدث وخرج سالار لينفذ أول خطوة وهي أنه أرسل رسالته لسفيد مع بعض الجنود الذين يثق بهم، يعلم بها دانيار وتميم أن يفرغوا العاصمة ويأمنوا على شعبها ويزيلوا الجنود عن الحدود ويتجهزوا للحرب .
وكذلك ارسل بعض رجاله بالمثل للمعتصم في مشكى والقائد في أبى، كما أرسل البعض لإحضار والدة العزيز أصلان ووضعها في قصر سبز لحين ينتهي كل هذا، وحينما تأكد أن كل شيء تم كيفما يريد عاد لهم ليكمل الخطة التي وضعوها، لكن بمجرد دخوله سمع صوت بارق يهتف بجنون :
_ نزار لا تثر جنوني أي زواج هذا الآن ؟؟ هل ستتزوج ابنتي والحرب على الابواب .....
رفع سالار حاجبه وهو يغلق الباب خلفه بهدوء يتابع ما يحدث ببسمة غريبة ونزار كان الاصرار يملئ عيونه وهو يردد كلماته :
_ لن اخطو خطوة واحدة خارج هذه الغرفة إلا حينما يسبق اسمي اسم ابنتك ملك بارق ..
اشتعلت عيون بارق بقوة وهو يحدق بآزار :
_ أيها الحقير ما بك صامتًا، تحدث لولدك آزار لقد جن و....
_ هو محق بارق زوجه لابنتك، هل ترى أن بني لا يليق بها أو ما الذي يدفعك للرفض .
حرك بارق عيونه بينهم بعجز وكأنه يحاول الحديث بواقعية بسبب رفضه لهذا الزواج لهذه الطريقة، يتنفس وهو يحاول اخراج كلماته :
_ هي ....ابنتي لم تتعافى بعد مما حدث لها ازار كيف ...ازوجها بهذه الطريقة وبهذا الشكل وقد أنهت عدتها بالكاد ...لا يمكنني أن أجبرها على هذا و....
_ عم بارق اسمعني، أنا.... أنا نلت ما يكفيني حتى الآن، ولن ...لن أرحل من هنا إلا حينما تكون توبة زوجتي أمام الله والجميع، وبعدما ينتهي هذا كله اقسم أقيم لها زفافًا تتحدث عنه الممالك وأحضر لها مهرًا لم يقدم لغيرها من قبل .
التوى ثغر أرسلان بسخرية وهو يضم يديه لصدره بضيق عيونه بهدوء عليهم :
_ نعم وافق أيها العجوز وسنقيم زفافه في مشكى قبلي حتى .
رفع إيفان حاجبه بعدم تصديق :
_ لهذه الدرجة ؟؟ تدعه يتزوج قبلك وأنت عقدت القرآن قبله لقد ظننت أنك لن تنتظر لتتزوج بها .
زفر أرسلان بضيق يشير صوب نزار بغضب :
_ ماذا افعل وهذا الحقير لم يتذكر أنه يريد التزوج سوى الان ؟! سأتركه ليتزوج قبلي حتى أرى ما سيقدمه لزوجته، لأتأكد أن لا أحد سيقدم افضل مني ..
ختم حديثه وهو يبعد عيونه بحنق عن الجميع وقد بدا في هذه اللحظة كشخص عنيد يبحث بين أعمال الآخرين ليقيمهم ويصنع الأفضل.
ضحك سالار بصوت مرتفع على ما يحدث وقد أدرك مقصد أرسلان، بينما نزار لم يهتم بكل ذلك :
_ إذن ما رأيك عم بارق ستزوجني ابنتك ؟!
_ هي الآن ليست ...
_ اسألها، ارجوك اسألها هي ....فقط خذ رأيها.
نظر لهم بارق ثواني بضيق قبل أن يندفع من الغرفة بسرعة تاركًا الجميع خلفه يحدق في ظهره بعدم فهم، نظر أرسلان صوب نزار بضيق :
_ انظر كيف أغضبت العجوز ونحن بحاجة لجنوده الآن ؟؟ هل انتهت الحياة أم وصلنا للقيامة أيها النذل لتصر بهذا الشكل على الزواج وكأن لا غد .
رماه نزار بغضب لينفخ أرسلان وهو يتحرك خارج الغرفة ينتوي الذهاب لإخبار رجاله بالتجهز لنقل الملكة .
أما عن آزار نظر لولده بحنان يتقدم منه يجذبه لأحضانه بحب وكأنه يبحث بين أحضانه عن مسكن لأوجاعه في هذه اللحظة .
وسالار يتابع ما يحدث مع إيفان الذي تنهد يستأذن منهم لإخبار زوجته بما سيحدث تاركًا الثلاثة خلفه وحدهم يحاولون أن يلملموا جروحهم ...
اقترب سالار من نزار يجلس جواره من الجهة الأخرى وهو ينظر ارضًا بصمت تاركًا نزار شاردًا في اللاشيء، قبل أن يقرر التحدث وأخيرًا بصوت مختنق:
_ ربما لم تأتني الفرصة لقول ذلك يومًا، لكنك ... أخي نزار منذ يوم كنتَ رضيعًا صغيرًا هشًا أبكي لحمله بين يدي حتى وأنا لا امتلك القدرة على ذلك مدعيًا بين الجميع أنك أخي وأنا من أحق بحمله فقط ....لم ...لم أفكر يومًا في هذه الحياة أن....اقترب من مكانتك لدى خالي، من الأساس أنا لا أستطيع ذلك حتى إن أردت، أنت...
صمت وهو يرفع رأسه بعد ثواني :
_ أنت أخي نزار، وربما كان الأمر منذ البداية خطأي أنني ومنذ نبذتَ صحبتي ترفعتُ عن الاقتراب منك بكبر احمق ونسيت أنك في النهاية أخي، اعماني الشيطان بكبرياء غبي عن رؤية ما يحدث معك ووحدتك طوال تلك الأيام و....
_ لم أكن وحيدًا كان أخي معي طوال الوقت .
كانت جملة اعتراضية خرجت من نزار دون شعور وهو يدافع عن وجود الوليد طوال الوقت معه، الوليد ومنذ طفولته كان الصديق الأول والاوفى له، كان على استعداد للتضحية بحياته لأجله وقد فعل بالفعل .
نظر سالار صوب أصابعه شاردًا بندم وقد التمعت عيونه بشكل غريب يهتف بصوت مختنق يدرك أن الطريق بينه وبين نزار ليس بهذا اليسر :
_ نعم كان .....كان معك الوليد رحمة الله عليه، عسى أن يتغمده الله برحمته ويتقبل توبته .
رفع له نزار عيونه دامعة وقد شعر لوهلة بأمل يتساءل بصوت مختنق بغصته :
_ هل ...يتقبل الله توبة لم تتم سالار ؟!
نظر سالار لعيونه ثواني يبصر معاناة وألم وقد كان أشبه بسكين يبحث له عن منفذ هواء صغير .
_ لقد قلت أنه انتوى توبته قبل الموت صحيح ؟!
هز نزار رأسه بلهفة وهو يهتف باكيًا :
_ نعم لقد ...انتوى اقسم بالله فعل لقد ....كان سيسلم نفسه لأبي ويُحاكم على كل ما فعل كان ينتوي التوبة، لقد صلى معي مرة بعد انقطاع طويل، كان ينتوي، لكنه ....أدركه الموت قبل كل ذلك .
ابتسم له سالار بحنان وهو يربت عليه بلطف :
_ الوليد لم يكن مشركًا بالله ولم يكن كافرًا، كان يعلم أن الله موجود ويقر بوجوده، هو ضل وذل وزين له الشيطان أعماله وحاد عن طريق الحق وارتكب في نفسه وغيره الكثير، لكنه في النهاية ندم وانتوى توبة لم يبلغها، لذا حكم الدين في الأمر أن أمره كله لله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، فقط أكثر له من الدعاء .
بمجرد انتهاء كلمات سالار رنت جملة الوليد في أذن نزار وهو يهتف له بوجع :
" لا تنساني يا اخي، ادعو لي الله أن يغفر لي، فقط تذكرني نزار "
سقطت دموع نزار عند هذه الذكرى وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة بسبب بكائه وقد أدرك سالار أنه يدعو لأخيه، اقترب منه أكثر وهو يفتح أحضانه له بتردد، يمد يده له للمرة الأولى، خطوة تأخرت كثيرًا، لكنه لن يتردد لحظة أخرى.
نظر نزار لذراعيه ثواني بأعين باكية قبل أن يلقي نفسه بها وهو ينفجر في بكاء حاد، وسالار يضمه له بحب يربت عليه ويقبل رأسه بحنان وقد أخذ يقرأ عليه بعض آيات القرآن عن الصبر يربت بها على قلبه ..
كل ذلك تحت أعين آزار الذي كان يجلس جوارهم يراقب ما يحدث بأعين غائمة بالحزن والقهر، ورغم كل ما يحدث ابتسم دون شعور حينما رأى وأخيرًا تقرب ولده من سالار .
لم يكونا الإثنان أعداء من قبل، لكن العلاقة بينهما كانت فاترة بشكل غريب، فعلاقة نزار بأرسلان كانت أعمق من علاقته بسالار وهو لا يبتأس لقرب ولده من أرسلان، بل على العكس يسعد لوجود من يعتبره ولده صديقًا مقربًا له، وكذلك علاقة سالار بإيفان كانت أقرب من علاقته بنزار، والآن وبعد كل تلك السنوات يبصر وأخيرًا بذرة أمل بدأت تطرح في أرض علاقتهما ...
تنفس بصوت منخفض وهو يتمتم بكلمات شبه مسموعة :
_ ليبعد الله عنكما كل سوء، وليغفر الله لك يا الوليد، عسى الله يغفر لك بني، ويسامح والدتك على ما فعلت بنا، لأنني لن اسامحها يومًا ........
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
تجلس في ظلام الغرفة وهي تتنفس بصوت مرتفع بعض الشيء وقد تركتها كهرمان منذ دقائق طويلة مع تبارك بعدما وضعوا لها الاعشاب على قدمها وتحركوا بطلب من أزواجهن ..
ثواني وسمعت صوت الباب يُفتح وخطوات تتحرك داخل الغرفة، خطوات هادئة لا توحي بصاحبها، فتحت سلمى عيونها تبحث بين الظلام عن زائرها، لتغشى عيونها غيمة نعاس وارهاق جعلتها لا تبصر صاحب الخيال الذي يتحرك لثواني .
وحينما فركت عيونها وفتحتها ببطء مجددًا لم تبصر وجهًا، بل أبصرت زهورًا بهية ..نفسها الزهور التي اعجبتها في زيارتها الاولى لسبز وقطف لها أرسلان منها البعض .
رمشت دون استيعاب لما ترى، قبل أن ترفع عيونها ببطء صوب أرسلان الذي كان يبتسم لها بحب شديد، ولو اقسم لها أحدهم ذات يوم أن ارسلان الرجل الذي صرح في وجهها في أول لقاء لهما، بل وتركها تعود وحدها للقصر بكل تعجرف ولم يكن يفوت فرصة قبل أن يعبر عن سخطه وضيقه منها، سيصبح كهؤلاء الرجال الذين يقيظون زوجاتهم على الزهور لأنفجرت في الضحك ساخرة من الخيال الواسع للمتحدث ..
لكن يبدو أن حتى اعتى الرجال لم يصمدوا أمام تيار الحب ..
ولو أخبرها أحدهم أن ردة فعلها على تلك اللفتة سيكون دموعًا وليس بسمات تعبر بها عن امتنانها لظنته يمزح، فهي التي قضت حياتها بأكملها بين الزهور تتأثر الآن لرؤية القليل منهم فقط لأنه هو من قدمهم لها .
سقطت دموعها وهي تراه يبتسم لها بحنان يجلس على طرف الفراش وهو يتحدث بهدوء :
_ أحببتهم كثيرًا آخر زيارة لكِ هنا فاحضرت لكِ المزيد، أعتقد أن الملك بارق سيمنعني في المستقبل من دخول حدائق زهوره .
ضحكت سلمى من بين دموعها وهي تحاول الاعتدال في نومتها، ليساعدها هو بلطف ومن ثم قبل رأسها يضع الزهور على قدمها :
_ اخبرتني كهرمان أن الحروق اشتد وجعها عليكِ .
نظر لها بحب وهو يصفف خصلاتها بأنامله :
_ عساه العالم بمن فيه، عساه أنا ولا تتوجعي أنتِ لثانية سليمى .
امسكت سلمى كفه تقبلها بحب وامتنان على دعمه لها :
_ فقط قليلًا لا تقلق ارسلان .
تحدثت سريعًا وهي تغير دفة الحوار بعيدًا عن جروحها التي ترى كيف تؤثر عليه بالسلب وتتسبب له في حزن واضح .
_ إذن انتهيت من الاجتماع ؟؟
نفى برأسه وهو يتنهد بصوت مرتفع لا يعلم كيف يبعدها عنه، ولولا أن سالار ونزار سيكونان معها والله ما تركها تتحرك خطوة واحدة دونه .
_ بل بدأنا للتو، لكن قبل حدوث أي شيء علينا إبعادكم عن هنا .
_ ابعادنا ؟!
_ أنتِ وكهرمان وزوجة سالار وكذلك الأميرة توبة، علينا إبعادكم عن أي خطر قد يطالكم، لذا جئت اساعدك لتتجهزي للتحرك معهم صوب آبى .
نظرت له بعدم فهم ليبدأ هو يشرح لها بايجاز ما سيحدث، وهي فقط تستمع بعيون متسعة وقد بدأت ضربات قلبها تزداد رعبًا من القادم، الحروب لم تكن يومًا بمزحة، وهذا زوجها لن يشارك فقط، بل سيقودها .
_ حبيبتي لا تنظري لي بهذه النظرات، ولا تخافي والله سأكون بخير، ما كان الله ليخذلنا ونحن نعلي راية الحق، الله خير حافظ حلوتي .
اشتد قلق سلمى قبل أن تنفجر في بكاء حاد وهي ترتمي في أحضانه تجذبه لها برعب كبير :
_ أرسلان سأموت إن مسك سوء، لا تفعل ارجوك، اعتني بنفسك لأجلي..
_ ستكون المرة الأولى في حياتي التي أذهب بها لحرب واتوق للعودة، ستكون المرة الأولى التي امتلك بها شيئًا يدفعني للعودة مهرولًا، لذا اعتني بنفسك لأجلي سلمى وسأعود لأقيم لكِ زفاف يتحاكى به الجميع لأجلك حبيبتي .
ابتسمت له بحب وهي تهمس :
_ احببت هذه النسخة منك، أتساءل كيف تكون في الحروب، رأيتك سابقًا تقاتل كنت مرعبًا .
_ صدقيني ذلك أرسلان لا أحبك أن تبصريه، فأنتِ لكِ مني نسختي اللطيفة .
نظرت في عيونه وهي تهتف بلهجتها البرتغالية التي تسحره رغم أنه لا يفهمها لكنها تثير به مشاعر غريبة، حتى أنه فكر في مرة أن يجلسها أمامه لتتغزل به بتلك اللغة، ليس لأنه أحب اللغة فهو لطالما فضل العربية حتى على لغته الأم الفارسية، لكنه أحبها لأنها منها، وتليق على شخصيتها الشرسة الاخرى .
ابتسم وهو يسمعها تردد بلغتها وعيونها تلتمع بشكل غريب :
_ آه لو تدرك كم أن تلك النسخة منك مثيرة للغاية .
_ تتغزلين بي ؟؟
_ شايد ...
أطلق أرسلان ضحكة مرتفعة وهو يميل عليها يجذب رأسها من الخلف وهو يقربها منه بنفس الوضعية التي يتخذها كل مرة وكأنه يناطحها يهتف بنبرة لطيفة لا تلائم الوضعية التي يتخذها معها الآن .
_ اشکالی نداره، هرجور که دلت میخواد با من لاس بزن، من مال توام ( لا بأس تغزلي بي كيفما شئتي فأنا كلي ملك لكِ )
ابتسمت له وهي تهتف بعيون عاشقة :
_ دوستت دارم.
تنهد أرسلان بصوت مرتفع وهو ينظر لعيونها بحب وبسمة ساحرة ارتسمت على فمه وهو يضم وجهها بين قبضته ينظر لها نظرة وداع مؤقتة وكأنه يخزن أكبر قدر من محياها داخل ذاكرته لتكون معينًا ومحفزًا له للعودة :
_ من هم تو را دوست دارم.....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت في طريقها للخروج من الجناح الخاص بها قبل أن يوقفها طرق الباب، ثواني أذنت للطارق فابصرت والدها يتحرك الداخل ببسمة صغيرة وهو يهتف بحنان يفتح لها ذراعيه :
_ حبيبتي .
تحركت توبة صوب احضان والدها وهي تلقي نفسها بينها ترتشف من حنانه ما يعينها على الثبات في ظل ما يحدث من حولها .
ظلت دقائق طويلة داخل أحضانه دون التحدث بكلمة واحدة، وهو فقط يضمها بحب شديد، يربت على ظهرها بلطف وحنان قبل أن يقرر قطع تلك اللحظات الصامتة ويهتف بصوت خافت :
_ ذلك اليوم الذي جاءني به أنمار طالبًا ايدك ابنتي لم أشعر للحظة واحدة بالراحة، لكنني ارتأيت أن آخذ رأيك وحينما أبصرت منك موافقة لم أجد بدًا من القبول ..
غشى عيون توبة ندم قاتل وهي تحاول تجاوز ذلك الجزء من حياتها ليكمل بارق والذي انتبه بنظراتها :
_ شعرت أن ذلك الرجل ليس الزوج الذي تخيلت نفسي ازفك إليه، ليس مبهرًا كفاية ليفوز بجوهرتي الغالية، لطالما حلمت أن اسلمك لرجل تحسدك النساء عليه ويعاملك معاملة تليق بأميرتي ..
ابتسم بحنان وهي تبكي دون صوت ولم تبصر أمام عيونها في هذه اللحظة سوى نزار وهو يبتسم لها ويستفزها، يحميها ويحيطها بوجوده طوال الوقت ...
صوته وهو ينطق " سمو الأميرة " كما لو أنه يدللها لا ينطق لقبها، أغمضت عيونها بقوة وهي تحاول الخروج من حالتها والتركيز مع والدها الذي أبصر شرودها ليبتسم وهو يبعدها عنه بلطف يمسك ذقنها بحب :
_ سبق وسألتك إن جاءك رجل مناسب فما رأيك وأخبرتني أنكِ يومًا لن تقبلي بتكرار التجربة مجددًا، ماذا إن كان ذلك الرجل هو نفسه الرجل الذي تمنيته لكِ، رجل دمث الاخلاق سيعتتي بكِ كما يعتني بجوهرة هشة، الرجل جاءني يجدد عرضه ويرغب بكِ زوجة له اليوم والآن فما رأيكِ .
شعرت توبة بالوجع وهي ترى سعادة والدها بذلك الرجل، لكن ماذا عن قلقها هي، هل تلقي بنفسها مرة ثانية بين أحضان رجل آخر غير ذلك الذي أحبته ؟!
_ أبي أنا فقط لا يمكنني أن....
_ حسنًا الأمر بيدك يا ابنتي لكن أنتِ لا تريدين احزان آزار صحيح ؟!
نظرت له توبة بعدم فهم :
_ العم آزار وما علاقة العمل ازار بـ
صمتت وشعرت وكأن قلبها هوى ارضًا والمكان يدور بها وقد صعب عليها أخذ أنفاسها بشكل طبيعي :
_ كيف لا علاقة له ؟! أوليس نزار ولده ؟! بالطبع سيحزن إن رفضتي ولده للمرة الثانية .
شعرت توبة في هذه اللحظة أن قدمها لم تعد تحملها وكادت تهوى ارضًا لولا يده والدها الذي امسكها بفزع يضمها له بخوف :
_ بسم الله، ما بكِ يا ابنتي، جسدك يرتجف ......
رفعت عيونها لوالدها وهي تحاول التنفس بشكل طبيعي تهمس اسمه بصوت خافت مرتجف وكأن قلبها هو من ينطقه وليس لسانها :
_ نزار ....نزار تقدم لـ للزواج مني ؟؟
_ مرتين، الرجل جن يا ابنتي واقسم بالله ألا يتحرك خطوة ولن يذهب للحرب إلا حينما تصبحين زوجته، فماذا تريدين أنتِ ؟! أتشفقين على المسكين وتقبلي، أم نرفضه للمرة الثانية ؟!
نظرت له توبة ثواني بأعين متسعة ووجه شاحب وقد بدأ جسدها يرتجف، وفجأة انفجرت في بكاء حار لا تصدق ما تسمع، وقد منحت توبة والدها للتو اغرب رد لعروس حين أخذ رأيها في زواج، انفجرت في بكاء وهي تهتف من بين دموعها:
_ هل ....هل أنت صادق يا ابي، بالله عليك أخبرني أنني لا أحلم ؟!
ارتجف صدر بارق وهو يجذب ابنته بين أحضانه، وإن كان يعارض عقد القرآن في هذا الوقت ولو بنسبة صغيرة فهو الآن يقسم أن الحقير نزار لن يخطو خارج غرفته إلا حينما يزوجه ابنته حتى لو كان يرفض الأمر من الأساس، الحقير سرق قلب صغيرته لتهيم به لدرجة البكاء بعدم تصديق حينما علمت أنه تقدم للزواج منها .
_ نعم يا قلب ابيكِ، الرجل يكاد يهيم على وجهه بين الممالك لأجل أن توافقي عليه، وقد طلب عقد القرآن الآن .
حاولت توبة التنفس بشكل طبيعي من بين شهقاتها وهي تبتسم بسمة غير مصدقة :
_ أنا.... أنا... موافقة أبي .
ضحك بارق بحنان وحب :
_ نعم يا قلب ابيكِ هذا واضح حبيبتي، ماذا فعل بكِ ابن آزار هذا ؟؟ الآن يأتي ليسلبك مني ؟! أين كان كل تلك السنوات ؟!
نظرت توبة ارضًا بخجل وهي تعض شفتيها ليبتسم لها بارق بحنان وقد تنفس واخيرًا براحة، فهو ليس بالاعمى ليغفل عن عشق ابنته لنزار، لقد كادت تفقد وعيها من شدة البكاء حينما أبصرت حالته، توسلته وكانت على استعداد لتوسل العالم بأكمله ليسامحه .
تنفس بصوت مرتفع وهو يبتعد عنها يمسح دموعها بحنان ومن ثم انزل غطاء الوجه يمد يده لها بحنان:
_ جاهزة لنعطف على ابن آزار ونمنحه هدية العمر، توبتي الحبيبة ؟!
نظرت توبة ليد والدها ومدت له يدها المرتعشة وهي تمسك بكفه تخفض وجهها بخجل قبل أن تومأ بنعم .
ولم تشعر بما حدث سوى أنها ظلت مخفضة لرأسها طوال طريقها صوب الغرفة التي يقبع بها نزار تدخلها بصفة وستخرج منها بصفة أخرى، لم تكن تمتلك الجرأة لترفع عيونها لأحد حتى لو من وراء حجاب، فقط تسمع صوت الشيخ وهو يعقد القرآن ونزار يردد خلفه الكلمات بصوت جعل صدرها يرتجف ويقيم احتفالات في الداخل .
وطوال فترة تواجدها في الغرفة لم تنطق بكلمة واحدة سوى كلمة غردت بها لتصيب منتصف صدر نزار وهي تقول بصوت خافت :
_ أقبل ...
ومن بعدها اعلنهما الشيخ رسميًا زوج وزوجة ليسمع الجميع زفرة راحة خرجت من صدر نزار الذي هوى على المقعد وقد كان متحفزًا طوال الوقت، ظل ينظر لها دون أن يتمكن من رفع عيونه عنها حتى..
يبتسم دون تصديق ولشدة شروده بها لم ينتبه حتى لخروج الجميع من المكان ليتجهزوا للقادم تاركين له لحظات خاصة مع زوجته .
انتفض جسد توبة على صوت غلق الباب، رفعت عيونها بتعجب وهي تبحث عن الجميع لتبصر الغرفة فارغة إلا منها ونزار ..
فتحت فمها ولم تكد تنطق بكلمة حتى تلاشت جميع كلماتها واندثرت بمجرد أن شعرت بيده تمتد لجذبها صوب صدره بقوة يدفن رأسه في رقبتها وهو يطلق آهٍ طويلة وكأنه يتنفس واخيرًا بعد سنوات من الغرق .
_ قلبي ...سيتوقف، هل يمكن أن يموت المرء فرحًا توبة ...
رفعت توبة يدها تزيح الغطاء عن وجهها، ومن ثم رفعتها بسرعة تجذب رأسه لها أكثر بحب وهي تهتف بلوعة :
_ لا أراني الله بك سوء نزار، دامك الله لي ..
سقطت دموع نزار وكأنه لا يصدق أن الحياة من بين كل أحزانه اشفقت عليه ومنحته فرحة اخيرًا :
_ يا ويلي توبة، يا ويلي سيتوقف قلبي، اقسم بالله أشعر... أنه سيتوقف، لا أصدق... لا أصدق لقد ...كدت أموت شوقًا لضمة صغيرة منكِ .
سقطت دموع توبة على كلمته وهي تلف يد حول ظهره والثانية تضم بها رأسه، وقد ظنت أنها ستذوب من الخجل أمامه ولن تنطق بكلمة، لكن الآن بين أحضانه ذابت جميع الحدود التي وضعت لهما .
_ نزار ....
همهم نزار بصوت خافت، لتبتسم له بحب وهي تميل مقبلة رأسه تشعر بدموعه ووجه وقد جاءتها الفرصة اخيرًا لتواسيه:
_ انتهى كل شيء عزيزي، انتهى كل شيء .
_ لم يعد يعنيني من الحياة شيئًا، سوى أحضانك توبة .
صمتت وصمت وكأن كل منهما يرتشف اكسير حياته من الآخر، نزار واخيرًا يتنفس بعد أيام من التخبط، وهي واخيرًا تشعر بأنها وجدت شاطئها ومرساها بعد سنوات من محاربة الامواج .
" وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}.
ظنت توبة حينما اختطفها أنمار وابعدها عن بلادها أنها ستكون نهايتها، ونهاية حياة اعتادت عليها، ولم تدرك أن العسر يتبعه يسر، وأن بلائها كان يخفي بين طياته عوضها ..
نزار الذي ظهر لها من العدم في الجحر ينتشلها من بين أياديهم يدافع عنها بضراوة، يخفيها عن اعينهم جميعًا، يحبسها داخل كوخ صغير وجلس عليه حارسًا، يمرر كلماتها اللاذعة ويتجاهل مزاجها العكر، ويتغاضى عن حديثها اللاذع ببسمة صغيرة .
نزار الذي كان ظلها في ذلك الجحر، الرجل الذي كان رفيق الطفولة، وتلاشى بعدها من حياتها ببساطة ليصبح ضبابًا كما لو كان حلمًا طفوليًا جميلًا، لتضل في مراهقتها وشبابها بعده، الرجل الذي كانت تبصره في زياراته مع والده ولا يصدر منها سوى هزة رأس باردة وانحناءة احترام صغيرة وبسمة مرحبة وكلمات مقتضبة كـ " مرحبًا بك سمو الأمير" .
ذلك الرجل القريب الغريب يسكن الآن أحضانها يتنفس وكأنه إن ابتعد سيفقد حياته، ذلك الرجل الذي كانت تحييه بالأمس ببرود، الآن تضمه بحراره بعدما اضحى زوجها.
_ كم كنت احمقًا حينما لم أبصرك قديمًا، والله ما كنت تركتك يومًا أسفل سقف قصر سبز، لكنت اختطفتك من والدك واسكنتك قلبي ولو حاربت العالم أجمع.
ابتسمت توبة على كلماته وهي تردد بصوت خافت :
_ الله يؤخر كل شيء لوقته المناسب، فمن يدري ربما تزوجتك زواجًا مدبرًا باردًا، وما كان استمر أو تأقلمنا على بعضنا البعض .
_ لا أعتقد أنني سأكون من الغباء الذي يجعلني اتخلى عن أحضانك بعدما سكنتها .
_ كل شيء يأتي بوقته، ما ممرنا به سويًا هو ما جمعنا نزار .
ابتسم لها نزار بسمة صغيرة يتنفس براحة:
_ اشعر بالحقارة لقول ذلك، لكن لكم أنا ممتن لذلك الوسخ الذي ألقى بكِ في ذلك الجحر لأبصرك هناك !!!
تنهدت براحة وهي تحاول التنفس واخيرًا ومازلت لاتفهم كيف ومتى ولماذا، لكنها لم تكن لتضيع لحظاتها المحدودة معه في التساؤل لذا قررت الإستماع، ومن ثم يأتي الوقت لمعرفة كل هذا ..
_ حينما ينتهي كل هذا...سأقيم لكِ زفافًا يليق بكِ سمو الأميرة، سيكون بمثابة فرحتي الأولى في هذه الحياة .
نظرت له بتعجب ولم تكد تتساءل عن زواجه الأول ليقاطعها وهو يقبل باطن كفها :
_ لا يُحتسب، كل ما مر قبلك لا يحتسب .
صمت وهو ينظر لها بأعين ظهرت لمعة حب رغم نزرات الوجع التي تسكن عيونه، مدت كفها تربت على وجنته بهدوء وكأنها تواسيه بصمت، ليغمض عيونه بوجع :
_ دعيني فقط اطفأ نيران قلبي كي يصبح مسكنًا مناسبًا لكِ أميرتي...
ختم حديثه يتنفس بصوت منخفض ومن ثم همس لها بحب شديد :
_ تجهزي توبة سوف آخذك لزيارة مملكتك عزيزتي .
وقبل أن تتساءل عن مقصده سمع الإثنان طرق على الباب يتبعه صوت بارق الذي هتف بهدوء :
_ هيا نزار الجميع ينتظركما في الخارج للتحرك صوب آبى ......
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الوقت الحالي في سبز وتحديدًا على حدود الجحر :
كان يقود جيوش سبز صوب الجحر واصوات خطواتهم تقذف الرعب في القلوب، واعلام سبز ترفرف في المكان .
هذه المرة لم يكن بارق هو من يقودهم أو حتى قائد الجيوش، بل كان الرجل الذي عُرف قديمًا بين أقدم الملوك بشراسته ودمويته في التعامل مع أعداءه، لم تكن تأخذه رأفة في عدوه حتى لو اظهر استسلامًا أمامه .
توقف آزار أمام الجحر يحدق فيه بأعين مرعبة وهو يبصر الجنود يحتشدون أمامه على وشك التحرك في رحلة صوب الممالك الأخرى..
ابتسم آزار وهو يحرك سيفه:
_ ذاهبون لمكان ما ؟!
توقف قائد الكتيبة وهو ينظر خلفه للرجال بريبة من وجود جيوش سبز في هذا المكان وهذا الوقت تحديدًا ومن المفترض أن يكون الجميع مشغول بلملمة ما حدث بعد الانفجارات .
وقبل أن يصدر من قائدهم أي حركة أبصر الجميع سهمًا يستقر في صدره مسقطًا إياه ارضًا .
اتسعت الاعين بصدمة، وازار فقط هبط عن حصانه يخرج سهامه يلقي بها صوبهم دون تفكير ودون أن يبصر أين يصيب ومن يصيب، وحينما انتهى من مخزون السهام الخاصة به سحب سيفه وهو يتحرك صوبهم يقتلهم دون أن يرف له جفن، وقد كان هجومه عليهم بمثابة إشارة لرجال سبز للهجوم فالتحم الجيشين بشكل شرس وكانت الغلبة لهم إذ كانت اعداد جيوش سبز تفوق من تبقى من رجال أصلان عددًا وقوة .
آزار كان في هذه اللحظة لا يبصر أمامه سوى ولده الذي حُرم منه قبل أن يعلم حتى بوجوده، يمسك أحد الرجال من رقبته يهمس له بأنفاس حارة :
_ أين هو ... أين ولدي ؟؟ أين الوليد !!
ارتجف الرجل وهو يحاول النجاة من بين يدي آزار، لكن الأخير كان قد جن جنونه وهو يدفع سيفه في معدة الرجل بجنون :
_ تحــــدث أين هو ولدي ؟؟ أين هو تحدث ؟!
هتف الرجل ببكاء ورعب :
_ لقد ...لقد قُتل و...
_ أعلم أنه قتل أيها الوسخ، أين هو جثمان ولدي، أين هو جثمـــــــان ولــــــدي ؟!
ارتجف الرجل وهو يحاول التحدث بكلمة يشير بإصبع مرتجف صوب إحدى الجهات :
_ خلف ...في الغابة خلف المنازل بالقرب من مجرى المياه لقد الـــ....
لكن لم يُقدر لكلماته أن تكتمل فقد اغتالها آزار وهو يثقب معدته بسيفه ملقيًا إياه ارضًا دون اهتمام ثم هرول في طريقة صوب الجهة التي أشار لها الرجل، وهو يقتل كل من يعترض طريقه .
حتى وصل لمجرى المياه الذي تحدث عنه ذلك الرجل، يبحث بعيونه عن جثمان ولده، يدور بعيونه في المكان يرتجف قلبه من هول الموقف، ما تخيل يومًا في احلك أحلامه أن يفتش بلهفة فقط عن جثمان ولده .
فجأة تجمدت عيونه كما تجمد جسده وكل خلية به وهو يبصر جسد ملقة جانبًا كما لو كان خرقة بالية، سقط سيف آزار وقد امتلئت عيونه دموعًا وهو يجر قدمه بصعوبة صوب الجثة التي كانت ملقاة بشكل اوجع قلبه .
يهتف بحرقة وصوت مذبوح باكٍ :
_ بني .
خرّ آزار ارضًا جوار جثمان الوليد وهو يمرر عيونه عليه بأعين ممتلئة بالدموع قبل أن تتساقط وهو يميل عليه يجذبه بين أحضانه يصرخ باكيًا باسمه:
_ لمـــــــاذا ؟؟ لمــــــاذا يا الوليد لماذا ؟؟؟؟؟؟؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت صدمة أصلان كبيرة وهو يسمع كلمات أرسلان لترتجف يده يحاول أن يدرك ما يحدث حوله، لكن كلمات أرسلان حول والدته شلت تفكيره وقبل أن يخرج من دوامة صدمته ..
كانت جيوش الممالك بالكامل تطبق على جيوشه لينتفض منتزعًا سيفه من الغمد يلوح به في الهواء يجز عنق كل من يقترب منه .
هنا وبدأت الحرب الأخيرة ......
كان الأمر أشبه بالجحيم الدماء تتناثر والاشلاء تتطاير والاجساد تتساقط ارضًا واحدًا تلو الآخر .
كلٌ يحارب بكل ذرة غضب وقهر داخله، الكل جاء يحمل غصته في صدره، الكل يمتلك ثأرًا لم يبرد بعد.
حرب لأجل الشرف، حرب لأجل كل شهيد سقط، ولأجل كل حجر تدمر ...
سالار الذي هبط عن حصانه يتحرك بين الأجساد يحمل سيفيه وهو يسقط يمينًا ويسارًا كل ثانية جسدين، يضرب هذا يقدمه ويفصل رأس هذا، كان اشبه بآلة جز العشب، كل من يقترب منه يفقد رأسه.
بينما إيفان يحرك سيفه بحركات مدروسة يسقط هذا ويستدير ليسقط ذلك وقد كان البعض يستغل عدم انتباهه لاغتياله من الخلف، لكن إيفان كان يستدير في اللحظة الأخيرة لتكون الضربة من نصيبه .
أما عن أرسلان فقد كان في هذه اللحظة يقاتل كما لو أنها المرة الأخيرة التي ستتاح له فرصة حمل سيف، يتحرك بأعين ملتمعة بالغضب صوب أصلان الذي كان يسقط اعداد غفيرة من جيوشهم ..
ونزار الذي كان يقاتل بجنون لم يبصره احدهم عليه من قبل وقد كان طوال الوقت الحكيم الهادئ، لكنه فقط كان يقاتل وهدفه واحد معروف.... أصلان.
واخيرًا وصل له ليرفع سيفه وهو ينتوي الهبوط عليه بضربة قاسمة، لكن قبل أن يفعل شعر بضربة قوية تصيب ظهره ليطلق نزار صرخة مرتفعة ساقطًا ارضًا يحاول التحامل على نفسه.
في اللحظة التي استدار بها أصلان يبصره ساقطًا ارضًا ليبتسم بسمة واسعة :
_ ضعيف وضيع شأنك شأن أخيك، أتساءل إن كانت تلك سمة مشتركة بين أبناء الملك آزار ؟؟
رفع له نزار عيونه وقد كان جسده ضعيفًا عن المعتاد وهذا ما أثر على قوته، ينهض بصعوبة وهو يمسك السيف بين قبضته يحرك مبتسمًا بسمة ميتة :
_ الوضاعة ؟؟ سيد الوضاعة يتحدث عن الوضاعة، عجبًا، لكن ردًا على سؤالك .....
ختم كلماته وقد اخترق سيفه معدة أصلان بشكل غير متوقع جعل أعين أصلان تتسع بقوة، تمامًا كما حدث مع الوليد، نفس النظرة ونفس الصدمة ونفس الوجع الذي على نظرات أخيه، نفس النظرات التي بردت نيرانه وهو يميل عليه هامسًا بصوت خافت في اللحظة التي يسحب بها سيفه بتمهل وكأنه يمنح أصلان فرصته للشعور بنصل السيف يمر بكل جزء في جسده :
_ الضعف والوضاعة صفة لا تناسب سوى سلالتك، وأبناء الملك آزار هم اسيادك واسياد آباءك أيها الوسخ .
ختم كلماته يسحب السيف تاركًا جسد أصلان يهوى ارضًا يراقبه يصطدم بعنف في الأرض دون حركة واحدة وقد فقد أنفاسه في ثواني ..
ونزار تنفس واخيرًا براحة وقد اقتص لأخيه .
رماه بنظرات قصيرة قبل أن يشعر بمن يقترب منه من الخلف ليستدير يدافع عن نفسه بسرعة يندمج في قتال كانت شديدًا عليه خاصة في حالته السيئة هذه .
تاركًا جثة أصلان خلفه شاخصة الأبصار شاحب الوجه متجمد الجسد، وقد لفظ لتوه أنفاسه الأخيرة، أو ربما لا .........
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الحرب لم تنتهي بعد والفوز مصير حتمي .
وأيضا زرونا على صفحة الفيس بوك
وايضا زورو صفحتنا سما للروايات
من هنا علي التلجرام لتشارك معنا لك
كل جديد من لينك التلجرام الظاهر امامك
وايضا زورو صفحتنا سما للروايات
من هنا علي التلجرام لتشارك معنا لك
كل جديد من لينك التلجرام الظاهر امامك