رواية بين الحرب والحب الفصل الرابع عشر 14 بقلم شيماء ماهر


رواية بين الحرب والحب الفصل الرابع عشر 14
بقلم شيماء ماهر

 

 "حين تصبح الأكاذيب سيفًا موجهًا إلى قلبك… ولا تجد درعًا للثقة!"

---

في غرفة أسيل – مساء هادئ الساعة تقترب من منتصف الليل، الجو هادئ للغاية، والضوء الخافت يُسدل على الغرفة. جميلة جالسة على السرير، ترتدي ترينج رمادي، شعرها مربوط بتسريحة عشوائية، والعناء واضح على وجهها. الهاتف في يدها، ويبدو أنها تُحلل كل شيء بعناية، عيونها تسير على الشاشة في محاولات لتقليل تلاطم الأفكار داخل رأسها.

رنَّ الهاتف فجأة. "رسالة جديدة من رقم مجهول".

الرسالة كانت قصيرة، لكن تأثيرها كان كبيرًا:

"لسه فاكرة إنك مميزة عنده؟ اسمعي بنفسك، هتشوفي الحقيقة…"

تم إرفاق التسجيل الصوتي.

جميلة، وقد ارتجف قلبها، فتحت الرسالة وأخذت نفسًا عميقًا، ثم ضغطت على زر التشغيل.

صوت آسر في التسجيل: "أنا قربت منها خلاص، هتكلمها في اللي بينا قريب، بس خليك قريب يا مالك… لو وقعت، هتبقى ورقة في إيدنا. وأي حاجة منها نقدر نستغلها ضد يزن كمان."

كانت نبرة آسر باردة ومبهمة، وكأنما شيء غير واضح في سياق حديثه.

جميلة تمسك الهاتف بإحكام، عيونها متسعة في ذهول.

جميلة (صوتها يكاد يُسمع من بين أنفاسها المضطربة): "هو كان بيمثل؟! كان بيقرب علشان يستغلني؟!"

في تلك اللحظة، دخلت أسيل الغرفة، تفاجأت من الارتباك الذي كان ظاهرًا على جميلة.

أسيل: "مالك يا جميلة؟ وشك متغير تمامًا!"

جميلة، مُتجهمة، سحبت الهاتف وأعطت أسيل الرسالة والتسجيل، ودموعها تملأ عيونها: "اسمعي ده... اسمعي صوته! هو كان بيمثل عليا طول الوقت!"

أسيل كانت في حالة حيرة، ثم قالت بصوت مطمئن ولكن قلق: أسيل: "ممكن يزن وراها... إحنا مش متأكدين من الحقيقة كلها."

جميلة، بعينيها الممتلئة بالدموع، هتفت: جميلة: "أنا مش قادرة أستحمل أكتر! مش عايزة حد يقولي استني وفسّري... أنا مش لعبة في إيد حد!"

ثم وقفت بسرعة وبدأت في ارتداء ملابسها على عجل.

أسيل (بتوتر): "رايحة فين يا جميلة؟ الدنيا ليل…"

جميلة توقفت لحظة، نظرت لها ثم قالت بصوت حازم، وكأنها لم تعد تحتمل: جميلة: "أنا هبعد... عن الكل."

---

 مخزن مهجور.. 

المكان مظلم إلا من ضوء خافت من لمبة معلّقة تتمايل في السقف. رجالة لابسين أسود بيتحرّكوا بهدوء وبسرعة، بيحمّلوا كراتين على شاحنة ضخمة.

يزن واقف على جنب، لابس جاكيت غامق، في إيده تليفون، وصوته واطي وهو بيتكلم مع واحد من رجاله:

يزن:
"الدُفعة دي أهم من حياتك، فاهم؟ الطرد الأولاني متخزن فيه الشحنة الأصلية، الباقي تمويه…"

الراجل:
"بس الحدود متشددة جدًا اليومين دول، والشرطة بتلف حواليك…"

يزن (ببرود):
"مش محتاج دروس، نفّذ وبس… عاوز الدُفعة توصل، وآسر يفضل يلعب دور الحارس حوالين جميلة… عشان وقت الجد، هسحبها من تحت رجله."

بيضحك ضحكة باهتة، ويطفي السجارة ببطء على الحيطة.
----

فيلا آسر.. 

آسر واقف قدام الشاشات، ومالك داخل بسرعة عليه.

مالك (بقلق):
"وصلني خبر إن في شحنة جديدة هتتهرب الليلة، ويزن بنفسه موجود في الموقع!"

آسر (بيجزّ على سنانه):
"هنتصرف… بس الأول، لازم ألاقي جميلة. موبايلها لسه مقفول ومش رجعت عند أسيل."

مالك:
"أنا شاكك إن يزن ممكن يستخدمها للضغط عليك. أكيد عرف إنها خرجت لوحدها."

آسر بصوت منخفض مليان قلق:
"لو إيده وصلت لها، مش هرحمه…"

---

كانت جميلة تسير بسرعة في الشارع، مرتدية جاكيتًا أسود كبيرًا، وشعرها منسدل على كتفيها. كانت الدموع تغمر وجهها، ويدها ترتجف وهي ممسكة بهاتفها، غير مصدقة ما سمعته للتو، وقلبها يئن من الألم.

وفجأة، توقفت سيارة سوداء أمامها بسرعة مفاجئة.

تراجعت جميلة للخلف بخوف، وعيناها تتفحصان الموقف:

جميلة:
"إنت مين؟!"

فُتح باب السيارة، وخرج منها آسر. كانت ملامحه مشدودة وصوته يحمل حسمًا قاطعًا.

آسر:
"اركبي يا جميلة، مش هشرحلك في الشارع."

جميلة:
"مش هركب معاك! أنا خلاص فهمتك!"

تقدم آسر منها بخطوة، وتحولت نبرته إلى نبرة آمرة جادّة:

آسر:
"فيه خطر حقيقي حواليك، يزن بيحضّر لحاجة، وإنتي مش هتفضلي هنا لحظة واحدة كمان!"

حاولت جميلة التراجع، لكن آسر أمسكها من ذراعها بلطف حازم، وفتح باب السيارة بجانبها.

آسر (بغضب مكبوت):
"اسمعي… حتى لو بتكرهيني دلوقتي، هتكرهيني وإنتي عايشة… مش ميتة! فادخلي العربية يا جميلة."

توقفت جميلة، ونظرت له بعيون تائهة، قلبها مشوش، عقلها مرتبك، لكنها في النهاية صعدت إلى السيارة.

---
منزل أسيل – 

أسيل تجلس في غرفتها، ملامحها متوترة، وعيناها لا تفارقان شاشة هاتفها. كانت تنتظر أي خبر، أي رسالة تطمئن قلبها القلق.

 فجأة، يرن الموبايل  باسم "مالك".

أسيل (ترد بسرعة):"مالك؟! طمني… جميلة بخير؟"

مالك (بصوت هادئ، لكن يبدو عليه القلق):
"أيوه، بخير… آسر معاها في الفيلا، أخدها بعيد عن كل اللي بيحصل. متقلقيش، هو حريص عليها أكتر من نفسه."

أسيل (تنفست بارتياح):"الحمد لله… قلبي كان هيقف من كتر القلق."

مالك (بصوت طيب):"عارف… عشان كده كلمتك أول ما اتطمنت."

أسيل (بعد لحظة من الصمت):"مالك… ينفع أقولك حاجة؟"

مالك:"طبعًا، قولي يا سولي."

أسيل (صوتها بدأ يهدأ، لكن بدا عليها الألم):
"مامتك… جاتلي من بدري البيت."

مالك (منزعج):
"إزاي؟! وقالتلك إيه؟!"

أسيل (بصوت هادئ جدًا):
"دخلت من غير ما تسأل أو تستأذن، وقعدت قدامي بكل برود… كأنها بتختبرني. قالتلي إنني مش من وسطكم، وإنك تستحق بنت من طبقتكم، وإنك في يوم من الأيام هتصحى وتفوق وتسيبني."

مالك (صوته تغير وأصبح فيه غضب مكتوم):
"أنا آسف… والله آسف على اللي حصل."

أسيل (بصوت حزين):
"مش مستنية منها اعتذار… بس كلامها أثر فيَّ. خلياني أحس إني دخيلة في حياتكم."

مالك (بصوت حنون):
"اسمعيني كويس، مفيش دخيلة ولا حاجة. إنتِ اختياري، وعمري ما هشوفك أقل من أي حد، بالعكس."

أسيل (بصوت مخنوق):
"أنا مش عايزة أبقى سبب في مشاكل بينك وبين أهلك."

مالك (بحزم):
"وإنتِ مش سبب في أي حاجة. اللي بيحصل ده امتحان. أنا عارف إني مش هسيبك، ومش هخليك تتفاجئي في منتصف الطريق."

أسيل (بهمس):
"أنا محتاجاك جنبي يا مالك… أكتر من أي وقت مضى."

مالك (بصوت ثابت، مليء بالطمأنينة):
"وأنا موجود، وهفضل موجود… مهما حصل."

---
فيلا آسر – جناح خاص في الطابق العلوي

دخلت جميلة الغرفة وهي تتلفت حولها بقلق، والشك لا يزال يملأ قلبها. آسر أغلق الباب خلفه بهدوء، ووقف ينظر إليها بثبات.

جميلة (بصوت مرتفع):
"هو ده أسلوب الحماية؟!"

آسر (بهدوء وصرامة):
"كنت هسيبك تمشي ليزن؟ انتي فاكرة إن ده سوء تفاهم؟ ده كمين كان بيتنصبلك!"

جميلة:"والتسجيل؟ صوتك؟"

ردّ آسر، وصوته يخفي غضبًا وجرحًا:

آسر:
"مزور، مركّب من كلام قديم. بس طبعًا ما استنيتيش تواجهي، صدقتي على طول…"

جميلة حاولت الرد، لكن آسر رفع يده وقاطعها:

آسر:
"هقولك حاجة… في اللحظة اللي صدقتي فيها إن ممكن أستغلك، أنا خسرتك فعلًا."

ثم أدار ظهره وخرج من الغرفة، تاركًا جميلة واقفة، تتنفس بصعوبة، لا تدري ما تفعل، والدموع تملأ عينيها.
------

يتبع...


تعليقات