رواية وقعت في دائرة الشر الفصل الواحد والعشرون 21 بقلم هبة نبيل


رواية وقعت في دائرة الشر الفصل الواحد والعشرون 21 بقلم هبة نبيل


العين الثالثة

ساد الصمت لحظة بعد سؤال نادر، كأنّ الكلمات استقرت في الهواء ثقيلة لا تُحتمل. كان سؤالًا بحجم زلزال:

"تعرف إيه عن ملف ٧١٧؟"

تجمّد شريف في مكانه، وعيناه تتفحصان وجوه الجالسين كمن يبحث عن مهرب. أخذ نفسًا عميقًا، ثم جلس ببطء، كأنّ ما سمعه أضعف ركبتيه.

قال أخيرًا، بصوتٍ خافت:

"الاسم ده... أنا ما سمعتوش بقاله كتير. مين اللي قالك عليه؟"

نادر لم يجب، فقط ثبّت نظره عليه، يطالبه بصمت بأن يكمل حديثه

استند شريف إلى المقعد وقال:

"ملف ٧١٧... مش ملف عادي. ده مشروع، كانوا بيسموه في الأوساط العليا (العين الثالثة). مشروع رقابي سري، بيجمع معلومات عن كيانات وهمية بتغسل اموال لصالح رجال أعمال كبار وبين موظفين في الشركة اللي كنت بشتغل فيها انا وفرح ومنهم الموظف اللي لقوه مقتول من فترة بسيطه ده

حسام مقاطعا: ده اللي اتهمو فرح بقتله؟ 

نادر بلهفه واندفاع اظهر مشاعرة اتجاه فرح: ايه لا مستحيل فرح استحاله تقتل فرح دي ملاك 

حسام بغيرة واضحه: اتمني نكمل موضعنا 

توسعت عينا فرح كانت في صراع داخلي بين الماضي والحاضر مختلطه بمشاعر اخري من الخوف والقلق من ماهو ات لكنها لم تنطق. شريف تابع حديثه بصوت مرتجف تحت وطأة الذكريات:

"اللي اشتغلوا على الملف كانوا قليلين... معدودين. أنا وفرح كنا منهم للأسف ولكن ده في الاول بس قبل مانعرف البلاوي اللي في الملف ده لما وقع في ادينا بالصدفه اللي قولته ده جزء بسيط لكن الحقيقه الملف ده مجموعة كوارث بصورة مفزعة

نادر:

"وليه الملف اختفى؟"

هزّ شريف رأسه وقال بنبرة غاضبة:

" ومين قال انه اختفي هو اختفي من وجهة نظرهم هما او ده اللي هما فهموه ويمكن دي تكون حاجه فرحتهم اصلا علشان كان هيفضحهم! لما بس التقارير اتجمعت وبدأت تتسرب إشارات معينه حصل تصفية. مش مجرد إغلاق مشروع... تصفية بشرية. ناس ماتت في حوادث شكلها طبيعي، ناس اختفوا، وناس لسه عايشين بس مكممين."

فرح بتوتر:

"وأنا... كنت جزء من ده صح كده؟ 

شريف نظر إليها طويلاً، ثم قال ببطء:

" مظبوط إنتي كمان اشتغلتي فترة في إدارة ملفات تابعة لمؤسسة خيرية... كانت بتستقبل تبرعات من واحدة من الكيانات اللي في الملف. وقتها، فيه ورق اتحوّل عن طريقك بالغلط لمكتب رقابي. الملف اللي فيه الفلاشة... ده كان بداية الخيط."

سكت لحظة، ثم أضاف:

"وأنا اللي وصلت الورق ده ساعتها... من غير ما أقولك. كنت فاكر إنه هيعدي، لكنه ما عادش

نادر بحذر:

"يعني إنت السبب في اللي حصل لها؟"

شريف:

"أنا السبب في إن الملف يظهر... لكن اللي حاولوا يقتلوها، دول عايزين يدفنوا الحقيقة."

فرح بصوت يحمل الصدمه:

"ويعني انت عرضت حياتي للخطر عشان تنجي نفسك منهم ؟" انا كان ممكن اموت ليه يا شريف؟ 

شريف بأسف: انا اسف يا فرح سامحيني ارجوكي مكنش عندي حل تاني 

فرح بغضب: تقوم تبعني وتكشفني قدامهم وعايزيني اسامحك

نادر: اهدي يا فرح الراجل حس بغلطه وحابب يصلحه عشان كده هيساعدنا اننا نوصل للملف

فرح: مش محتاجه مساعدته...صمتت قليلا ثم وجهت كلامها ونظراتها الحاده ل نادر قائلا... وانت بقي عملت ايه؟ بعتني انت كمان؟ 

نادر: لا طبعا مابعتكيش بس كان لازم اعمل كده عشان احميكي كان لازم اختفي كان وجودي خطر عليكي 

فرح بعتاب: وانت مالك بالموضوع اصلا ليه توجع قلبي كده وانا كل ده فكراك... 

كان حسام جالسا وهو يرمقهم بنظره غاضبه ولكن وجه يحمل برود مميت وعندما لاحظ سامي هذه النظره حاول تغيير مجري الحديث قائلا... كمل ياشريف

ارتبك شريف للحظة، ثم قال:

" من ضمن الملف ده كود R3 الكود ده اللي كان بيظهر على تقارير جهة داخل الجهة. كان فيه مراقب بيراقب الكل... حتى جوا النظام نفسه. محدش شافه، محدش يعرف اسمه. بس الكل عارف إن اللي يغلط قدامه... ما بيرجعش."

ارتعش قلب فرح، وشعرت أن يدًاها باردة امتدت فوق صدرها

نادر قال بحسم:

"يعني كل اللي حصل... وكل الناس اللي ماتت... علشان ملف؟"

هز شريف رأسه وقال:

"مش علشان ملف... علشان الحقيقة. والحقيقة لما بتتكشف، ناس كتير بتدفع التمن."

ساد الصمت من جديد، لكن هذه المرة لم يكن خوفًا بل تفكيرًا مشحونًا بالحسابات. تحرك نادر فجأة، ونهض من مقعده بخطوات ثابتة:

"يعني احنا قدام شبكة كبيرة... وأكيد فيه باقي من الملف، أو نسخة مخفية."

شريف نطق بحذر:

"فيه... بس مش على الكمبيوترات. اللي حصل بعد تسريب أول نسخة خلّى الباقي يتحفظ في شكل مادي... أوراق، تسجيلات، حاجات مش رقمية. وكان فيه خُزنة خاصة... بس معرفش مكانها. أنا انسحبت قبل مايوصلو للمرحلة دي." بس فرح عندها الحل ومفتاح اللغز

فرح بيأس ممزوج بمرح خفيف:

"يعني كل حاجه معتمده على ذاكرتي أنا يبقي اهلا وسهلا عليه العوض

نظر إليها شريف طويلًا، ثم أخرج من جيبه سلسلة مفاتيح صغيرة، وخلع منها مفتاحًا قديم الشكل، ووضعه أمامها على الطاولة:

"ده المفتاح اللي فضلت محتفظ بيه بعد ما ادتهولي في اخر مقابله بينا قبل الحادثه ومتقلقيش محدش يعرف عنه حاجه... زمان اتقال لي إنه بيفتح درج سري في مكتب الأستاذ ممدوح... اللي كان بيدير المشروع. المكتب اتحرق، بس يمكن الدرج لسه موجود في مكتبه القديم في المعادي."

تبادل نادر وفرح نظرات سريعة.

فرح بنبرة حاسمة:

"إحنا لازم نروّح المعادي."

نادر:

"الوقت ده خطر، بس لو المفتاح ده يوصّلنا لجزء من الحقيقة... يبقى لازم نجرّب."

حسام بحنق: مش النهاردة وبلاش الحماس ده اهدو شويه دي مش لعبه دي مصيبه

فرح بضحكة مكتومه ولا مبالاه : في حاجه يا حسام شكلك مضايق

حسام وهو ينهض متجنبا النظر اليها وهو يقول: انا ماشي هخرج اشم هوا حاسس ان الاكسجين اتسحب... وبالفعل رحل وتركهم تحت نظرات فرح الفرحه

جهة اخري....في مكان ما

كان المكان عبارة عن مكتب داخل شركة عف عليها الزمن كان يجلس الرجل ذو المعطف البني الداكن الذي كان يراقب فرح من قبل وامامه شخص اخر وهو يقول له بنبره أمره... 

الرجل: انا اهم حاجه عندي في كل ده ان فرح متتأذيش لان لو حد فكر مجرد تفكير انه يأذيها مش هيبقي موجود على وجه الأرض انا اه بجريهم بس فرح اللي تهمني بجريهم عشان اضمن انها متتأذيش لازم ابان ضدها بس ده عشانها 

الرجل الأخر: امرك تؤمرني بأيه

الرجل: تؤمر رجالتك عينهم متغبش لحظه عن اللي اسمه جاسر ولو فكر يعمل حاجه تصفوه فاهم

الرجل الاخر: فاهم يا باشا تؤمرني بأي حاجه تانيه؟ 

لم يتحدث لكن اشار له بالرحيل 

جهه اخري... في المعادي

ليلاً، تحت ضوء مصباح الشارع الخافت، توقفت سيارة نادر أمام عمارة قديمة متآكلة الأطراف. تسلل ثلاثتهم – نادر، سامي، وشريف – إلى المدخل الخلفي للمبنى. كان كل شيء يصرخ بالزمن: الأبواب الخشبية المتآكلة، رائحة العفن، وهدوء يشبه المقابر 

فتح شريف الباب بمفتاح احتياطي قديم، واندفعوا للداخل.

سامي بصوت مرتجف:

"لو حد بيراقب المكان... يبقي إحنا كده في خطر."

نادر:

"إحنا أصلاً في خطر من أول ما بدأنا نسأل."

وصلوا للمكتب المحترق، معظم الأثاث متفحم، لكن في ركن خفي وراء مكتبة مهشّمة، لمح شريف قطعة خشب بارزة.

انحنى، وأدخل المفتاح. دارت الآلة الحديدية ببطء، ثم سُمع صوت "طَق" واضح.

سحبوا درجًا معدنيًا، وفيه مظروف جلدي أسود اللون، عليه ختم قديم متهرّئ.

نادر مد يداه بخوف، فتحه وجد بداخله:

خريطة موقع فيها إشارات مرقمة

شريط كاسيت

صورة قديمة لرجل مبتسم، يقف بجوار فاكس قديم

ورقة مكتوب عليها بخط اليد: "النسخة الكاملة مع (رائد)... في الحجرة الثالثة – مصحة الجيزة."

شريف ارتبك:

"رائد؟ ده كان مريض نفسي اتقال إنه هلوس... بس يمكن كان شاهد حقيقي!"

نادر بحذر:

"يبقى المحطة الجاية... مصحة الجيزة.

ساد الصمت لحظة، قبل أن يقطعه شريف بنظرةٍ ثابتة، كأنّ الكلمات تستثقل عليه الخروج:

قال بنبرة واهية:
– "الملف ٧١٧... مش سهل. وناس كتير حاولت تفتحه قبلك، بس محدّش خرج سالم." انتو بجد جاهزين يا جماعه

نادر اقترب منه، وكأنّه يريد يهجم على شريف و أن ينتزع الحقيقة انتزاعًا: "يعني كنت عارف وساكت؟"

سامي: مش وقته احنا في ايه ولا في ايه؟ ايوه ياشريف جاهزين خلاص يا نادر مش وقت خناق ده

شريف "أنا كنت جزء صغير من المنظومة. شوفت حاجات، سمعت حاجات، بس عمري ما تخيلت إن الموضوع ممكن يوصل لدم."

رمقه نادر بنظرة شبه مصدومة، فردّ شريف بصوت خافت:
– "فرح لقت مستندات، أظن إنّها كانت ناوية توصل بيها للنائب العام. بس كان في كاميرات متربصالها وفيه ناس بتابع كل همسة." وعشان كده اتعرضت للحادثه دي... دي كانت حادثه موت 

هزّ نادر رأسه في صمت، لكن العاصفة في صدره كانت تعصف بكل يقين تبقّى داخله.

في مكان آخر من المدينة، كانت " سارة تدق باب غرفة عزه  وهي تمسك بكوبين من العصير، لكنها ما إن دخلت حتى فوجئت بها تقلب أوراقًا قديمة، بعضها ممزق، وبعضها الآخر محشو بملاحظات بخطٍ مضطرب.

سارة بمرح: "بتعملي ايه يا زوزو بقيتي المفتش كرومبو من ورايا...

عزه بقله حيله: يارب عوض عليا يارب كان واحد تقوم تجبلي التانيه حكمتك يارب 

سارة بقمص مصتنع : اخس عليكي يا زوزو يعني مكنتيش عايزاني ارجع مكنتيش عايزه تشوفني لا انا زعلانه

عزه: يابنتي حلي عني انا عندي الضغط طبيعي بشوفك انتي او اخوكي بلاقي ارتفع 

سارة بمزاح: في ايه بس يا عزه جايه اشرب معاكي العصير وبصراحه احلي من عصيرك دوقي كده 

عزه: سارة قومي امشي من وشي انا مبصدق اريح دماغي لما الاهبل التاني بتاع الدباديب يسيب البيت متجيليش انتي بقي

سارة بضحك هستيري: هو لسه بيحب الدباديب هموت 

عزه: اوضته مليانه عماله اقوله يابني وجودهم في البيت مش حلو يبلفني بكلمتين واللي في دماغه في دماغه برضو لدرجه اني ببقي عايزه ارميهم وهو مش موجود 

سارة: اااااه عشان تحطي نفسك مأذق ده ممكن يسيب لك البيت فيها دي 

عزه: اهو يريح 

سارة: اخس عليكي يا زوزو الا سمسومي مقدرش اعيش من غيره ده شقي ده 

عزه: شقك ده منظر ولهجة واحدة عايشه في انجلترا 

سارة: لا مانا باجي هنا اعمل ابديت مصري علطول

عزه: يااااارب ارحمني 

أرادت أن ترد، لكنها غيّرت مجرى الحديث فجأة:
– "على فكرة، حسام بيجهّز لمسابقة الطهي القديمة تاني عارفاها طبعا صح؟ ماتدخولي يا زوزو هتكسري الدنيا بأكلاتك الرهيبه سامحني يارب على الكدب ده... قال نهوّن بيها الجو ونعيد لمّتنا."

عزه: تصدقي فكرة

 سارة: "طب ما تبلغوا الطوارئ قبل ماتتهوري، لأن الطبخ بتاعك مصنّف خطر بيولوجي."

غوري من وشي... قالتها عزه وهي تقذف سارة بالخداديه

جهه اخري... في شقة نادر
كان الجو قد بدأ يكتسب شيئًا من حرارة الذكريات. ضحكات متقطعة، نظرات متبادلة، وأحاديث تلمّح دون أن تفضح كانت صورو هو وفرح معلقه في كل اركان المنزل كان يتأملها وهو مبتسم وكانت سعادته اقوي عندما رأها امامه تجددت مشاعرة نحوها واحس منها بنفس الشئ ولكن سرعان ما تحولت نظرته الي الحزن مره اخري عندما تذكر وجود حسام العائق الجديد في طريقه ثم قال... معقول يا فرح تكوني حبتيه ونستيني نسيتي نادر جوزك وحب عمرك فوق ال10 سنين واللي انتهي بجوازنا كانه أحلي 10 سنين في حياتي يا احلي فرح بس انتي لسه مراتي يا فرح وانا عايش مموتش ومطلقتكيش يبقي انتي لسه من حقي وهتبقي معايا انا عارف... وقريب اوي ياحبيبتي بحبك يا فرحتي

عوده إلي منزل حسام... 

بعد ان انصرف سامي وضيوفه وحسام ايضا جلست يارا واخبرت فرح عن استمرار اقامة مسابقه الطهي

 جلست يارا على طاولة المطبخ بصمت وهي تراقب "فرح" وهي تمزج بين المكونات بعشوائية، فقالت ساخرة:

– "هو إنتي ناوية تطبّخي... ولا تعملي قنابل يدوية؟"

ضحكت فرح وقالت بفخر:
"ده سر الصنعة يا أستاذة، كل حاجة بالعشوائيه بتمشي... زي الدنيا."

دخل حسام حاملًا صينية بها أطباق مرتبة، وهو يبتسم بمكر رغم غضبه المخفي بداخله من فرح:

– "أنا بقى داخل التحدّي ده بمستوى عالمي... واللي يغلبني، له جايزة."

سألته فرح بفضول:
"جايزة إيه؟ "جايزة بسيطة... جواب!"

ضحكوا جميعًا، قالت فرح ضاحكًا:

– "جواب حب ولا اعتراف 

ابتسم حسام وهو ينظر إلى فرح طويلًا:
"ممكن يكون الاتنين."

رغم اللحظة المرحة، ظلّ كلٌّ منهم يحمل في داخله شكًّا صغيرًا... أو خوفًا كبيرًا. لكنهم، ولو للحظة، تذوقوا طعم الحياة كما كانت، قبل أن يُخضّها الملف ٧١٧.





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رواية مسك الليل كامله جميع الحلقات من الأول حتى الاخير بقلم هايدى الصعيدى

رواية غفران العاصى كامله جميع الحلقات من الأول حتى الاخير بقلم لولا

رواية مسك الليل الفصل الثاني عشر 12بقلم هايدى الصعيدى