رواية وقعت في دائرة الشر الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم هبة نبيل


رواية وقعت في دائرة الشر الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم هبة نبيل


 "بالعين المجردة"
كل شيء في المكان كان يوحي بالاحتراف... وبالتمثيل في آنٍ واحد. الكاميرات تتوزع كالعين الثالثة التي ترى ما لا يجب أن يُقال، ورجال الإضاءة يتحركون كأنهم بيضبطوا نور الجنة أو نار الحقيقة. في الخلفية، يتصاعد بخار الماء من قدور ضخمة، تمتزج رائحته بنفحات توابل معلّقة في الجو كأنها جزء من سينوغرافيا محكمة.

فرح وقفت وسط كل ذلك كأنها غريبة عن جسدها... تبتسم للمخرج حين يمر، وتردّ بحماس على مساعد الإنتاج، لكنها من الداخل... كانت خالية

منذ أن دخلت المسابقة، وهي تحاول تقمّص دور الطاهية العادية، لكن الحقيقة أن ذاكرتها لا تزال فجوة. كأن عقلها يرصد كل شيء بكاميرا داخلية... تسجّل، لكنها لا تفسّر

صوت حسام ظهر من خلفها، دافئًا كعادته، به نبرة رجوليه مشوبة بحذر:

"النهاردة هنطبخ قدّام جمهور كامل... بس يمكن في كاميرات تانية بتصوّر من ورا الستاير."

استدارت له، بعينيها الواسعتين:

"كاميرات؟ تقصد مين؟"

اقترب أكثر، وبصوت خافت:

"ما عرفش ليه، بس حسيت إن في حد بيتابعك... مش من الجمهور، من طاقم القناة نفسه."

فرح أغمضت عينيها للحظة، كأنها تحاول استدعاء ذكرى ما، لكن لا شيء... فقط إحساس زاحف في جلدها، كما لو كانت محاطة بهواء غير نقي.

مرت دقائق، وبدأ العد التنازلي للبث المباشر. وقفت إيناس، المسؤولة عن الإنتاج، تُعطي التعليمات عبر الميكروفون:

"فِرَق الطهي تجهز! كل واحد واقف في مكانه... البث خلال خمس دقايق... وضحكوا يا جماعة، إحنا مش في جنازة!"

ضحكٌ مفتعل سرى بين المتسابقين، لكن فرح كانت تحدّق في شيف أربعيني في الفريق المقابل. نظراته كانت ثابتة عليها بشكل مقلق... بلا رمش، بلا تعبير.

همست لحسام:

"شايف الراجل اللي لابس جاكيت رمادي هناك ده؟ مش طبيعي."

حسام لمح الرجل بسرعة وقال بهدوء:

"ده اسمه شاكر، ودي أول مرة يشارك... لكن لفت نظري إنه سأل عن اسمك من غير ما حد يذكره قدامه."

ارتجفت يد فرح للحظة، ثم تماسكت. لا وقت للقلق. ولا مجال للهروب... 

بدأت المسابقة. المذيعة تظهر على الشاشة بابتسامتها المُعلبة، وتعلن التحدي الأول:
"طبق كلاسيكي من المطبخ المصري... الوقت ٦٠ دقيقة، والتقييم على الطعم، التقديم، والتقنية."

فرح بدأت في إعداد وصفة الكفتة بالأرز، بخطوات مدروسة رغم ارتباكها الداخلي.

لكن في منتصف التحدي، وبينما كانت تقطع البصل، لمحت من زاوية عينها... الكاميرا الثانية لا تصوّر الطبق. كانت موجّهة مباشرة على وجهها. بشكل مقصود.

نظرت بسرعة نحو حسام، فوجدته مشغولًا، لكن لم يفُته شيء. اقترب منها وهمس:

"الكاميرا دي مش تبع القناة. أنا متأكد."

فرح بخوف:

"يعني في حد بيسجّلنا لحسابه؟ ليه؟!"

لكن قبل أن يرد... دوّى صوت ارتطام عنيف في الكواليس.
توقفت المسابقة للحظات.
ركضت واحدة من العاملات مذعورة، وصرخت:

"في واحدة وقعت من فوق السلّم! وبتقول إنها كانت بتراقب فرح!"

تدخل الشرطة للتحقيق بهدوء.

تكتشف فرح شيئًا غريبًا في هاتف المرأة اللي وقعت 

ظهور اسم "جاسر البدري" مع تلميح جديد عن الصفقة الفاسدة.

ساد الارتباك في المكان. كانت فرح في حاله من الصدمه وبجانبها حسام وهم ينظرون للأسم المكتوب على هاتف المراة اللي سقطت 

حسام بصدمه: مش ممكن ازاي؟ جاسر يعني ايه؟ يعني اخويا هو اللي وراه كل اللي احنا فيه ده انا مش مصدق... كان يتحدث بصوت مختنق والدموع تتساقط من عينه 

فرح وهي تربت على كتفه وتقول بنبره دافئه: حسام اهدي مهما كانت الحقيقه قاسيه لازم نتخطاها وانا عمري مانظرتي هتتغير صدقني انتو كلكم غيره... صمتت قليلا ثم اكملت حديثها بنبره مريحه لتخفف عنه. وبعدين بقي مش دايما بيتقال يخلق من ضهر العالم فاسد اهو هو ده لازم في كل عيله يبقي في واحد زرع شيطاني كده هي الدنيا كده
حسام وهو ينظر لها بثبات رغم ما يحدث بداخله: شكرا يا فرح بجد شكرا انتي وفرتي عليا كتير انا مكنتش عارف ابص في وشك ازاي؟ 

فرح: متشكرنيش يا حسام كل واحد مننا اكيد في حياته جانب مظلم محدش يعرف عنه حاجه وبيبقي خايف ان حد يكشفه فا يخسر الناس اللي بيحبهم... قالت كلماتها الاخيرة ونهضت من جانبه وتركته خلفها في حيره شديدة.... 

المنتجة إيناس كانت تحاول تهدئة الأمور، لكن المذيعة فقدت السيطرة على البث لثوانٍ.
"اقطع! اقطع الهوا!"
صوت المخرج دوّى خلف الكواليس، لكن المشهد كان قد سُجّل بالفعل...
الفتاة التي سقطت من فوق السلّم كانت لا تزال تتنفس، ولكن بصعوبة. ووسط الهمسات والذعر، تسربت عبارة واحدة منها بصوت متقطع:

"ما كانش المفروض تشوفوني موت نفسي بدل مايجي اللي يموتني..."

فرح شعرت بشئ يقترب منها دون وعي، لكن يد قوية سحبتها للخلف 

حسام. بعينيه نظرة مختلفة، حاسمة.
"مش وقته يا فرح... دي فخ، مش حادثة عشوائية."

فرح: "بس كانت بتراقبني... وقالت اسمي!" شهقت، وهي تهمس كأنها تخشى أن تُسمَع.
"أنا أصلاً مش فاكرة مين العدو ومين الصديق، حسام... دي مش مسابقة طبخ، دي فخ كبير وأنا اللي فيه."

حسام: مكنش ينفع نيجي بس دلوقتي مينفعش برضو ننسحب 

اقترب أحد رجال الأمن ليمنع الجميع من الاقتراب.
فرح تراجعت، لكن في يدها شيء... كانت قد التقطته من الأرض دون أن تدري.
ورقة صغيرة، مثنية بحذر، ومبتلة ببعض الدم.
فتحها حسام حين خلت الزاوية من العيون.
العبارة الوحيدة التي كُتبت بخط غير منتظم:

"هي ما ماتتش في الحادث… فرح كانت هناك."

فرح جحظت عيناها، وشعرت أن أنفاسها تتباطأ.

"حسام... الكلام ده معناه إيه؟! أنا؟ كنت فين؟ مين اللي مات؟"

لكن حسام لم يجب. نظر إليها طويلًا، ثم طوى الورقة ووضعها في جيبه.
"لما نرجع، هوريكي حاجة."

في طريق العودة بعد انتهاء المواجهه الاولي... لم تكن فرح تنطق. كانت تحدق في النافذة، ترى وجهها المنعكس كأنها تحاول تذكّر اسمها من جديد.

أما حسام، فكان يقود بصمت، لكنه بدا وكأنه يفكر في شيء آخر تمامًا.

حين وصلوا إلى الشقة، دخلت فرح أولاً، لكنها توقفت فجأة.

الباب لم يكن مغلقًا جيدًا.

همست:

"أنا قفلته قبل ما نخرج، أنا متأكدة."

حسام لم يرد. فتح الباب ببطء، ومشى أمامها بخطوات محسوبة.
كل شيء في الداخل كان كما هو... عدا شيء واحد.

الحقيبه الجلد السوداء.
التي كانت مع فرح 
كانت مفتوحة، ومحتواها مبعثر على الأرض.

ملف أوراق.
فلاشه كل هذا اختفي وجده فقط 
صورة... صورة قديمة، لفتاة تشبه فرح كثيرًا، لكن بشعر أطول... ووجه مغطى بجروح قديمة.

حسام التقط الصورة بهدوء، ونظر إليها، ثم إلى فرح:

"دي إنتي؟"

فرح أومأت، رغم أنها لم تكن تعرف السبب. شيء بداخلها قال نعم، رغم أن عقلها ما زال مشوشًا.

فجأة، سألها:

"فرح... أنتي قلتيلي إنك نسيتِ كل حاجة بعد الحادثه، صح؟"

فرح: "آه... لحد دلوقتي، بس بيجيلي شظايا، حاجات مش مفهومة."

حسام بنبره حاده مفاجئه لها: واشمعنا افتكرتي شريف ونادر

فرح بصدمه اربكتها وهي تلتفت له: قولتلك وقتها افتكرتهم لما شوفتهم 

اقترب منها اكثر وعيونه مثبته عليها بشك وصوته خافت لكنه مُصمم:

"لسه بتحبيه؟"

فرح رمشت، كأن الكلمة صفعتها ثم قالت: تقصد مين؟ 

حسام بصوت مختنق: نادر؟ 

فرح بنبره استفزاز: اي اللي انت بتقوله ده وبعدين افرض انت اي اللي يضايقك في كده؟ 

حسام ببرود: عندك حق فعلا ميخصنيش عن اذنك... هم ان يرحل ولكنه وقف فجاة والتفت اليها وهو يقول: واه متقلقيش الورق اللي خدوه عندي نسخه تانيه منه والفلاشه مش هي اللي هما عايزينها.... قالها ثم رحل تركا خلفه فرح وهي في حالة ندم على الاسلوب الذي تحدثت به معه ثم دخلت إلي غرفة يارا التي عندما رأتها هرولت إليها مسرعا وجلست جانبها على السرير قائلا بفضول وحماس: ها احكيلي اي اللي حصل؟ وليه البث اتقطع ورجع تاني بس رجعه بفاصل؟ 

فرح بصوت متعب وحزن: بكرا يا يارا بكرا هقولك كل حاجه بس سبيني انام دلوقتي اليوم كان طويل ومتعب 

يارا بتفهم: ماشي ياحبيبتي اللي يريحك نامي وارتاحي....

 ولكن عندما كانت فرح تستعد للنوم سمعت طرقات خفيفه على باب المنزل همت يارا ان تفتح ولكن اوقفتها فرح وهي تشير لها بالرجوع وذهبت هي لتفتح ولكن لم تجد احد فقط ورقه صغيره مطويه امام الباب التقطتها وعيناها تتجول كل زاويه امام الباب بعنايه ثم اغلقت الباب وفتحت الورقه لتجد خط مكتوب بالايد يقول.... قابليني ضروري في العنوان ده 

يوسف من خلفها: ايه ده؟ 

فرح بفزع: حرام عليك يا يوسف خضتني 

يوسف بمرح : هيييييه اخيرا عرفت اخض حد في البيت ده كلهم محسسني انهم عندهم عنين تالته في قفاهم اول مابقرب بيكبسوني لحد ما يأست 

فرح ببتسامه خفيفه رغم قلقها: وانا حققتلك امنيتك ممكن بقي قدامها اطلب منك طلب صغنون قد كده؟ 

يوسف بحركه مسرحيه: شبيك لبيك يوسف صوباع كفته بين اديكي 

فرح بضحك: ضحكتني يا يوسف والله وانا مليش نفس بص يا سيدي تعرف تعمل قهوة

يوسف بستخفاف: هو ده الطلب بذمتك وانا تاعب نفسي وشبيك لبيك وخليت نفسي صوباع كفته كل ده على صبي قهوة في الاخر؟ 

فرح بضحك: استني بس التقيل جاي ورا عايزاك في موضوع اهم بس نظبط دماغنا الاول

يوسف: لا اذا كان كده ماشي هوا

يارا وهي تقترب من فرح: افهم بقي الفضول هيقتلني مينفعش كده في حاجات مريبه بتحصل في ايه؟ 

فرح: كويس انك جيتي شكلها مفيهاش نوم الليله دي 

يارا بقلق: ليه فيه ايه خير؟ 

فرح تشير بالورقه ل يارا وهي تقول: انا جاتلي الورقه دي لقتها على الباب بعد ما قولتلك متفتحيش فتحت انا الباب وملقتش حد بس لقيت دي

التقطت يارا الورقه وفتحتها وقرأت محتواها ثم قالت بعدم فهم: ايه ده؟ تفتكري مين ده؟ 

فرح تزفر بضيق: معرفش 

يارا: هتروحي؟ 

همت فرح ان ترد ولكن قاطعهم صوت يوسف العالي الأتي اليهم وهو يقول: ايوه جااااااااي خيااااانه بدأتو من غيري انا سمعت صوت البت يارا قولت اخليهم تلت فناجين 

يارا بعتراض: البت يارا؟ 

يوسف: اه بت عندك مانع مضايقه ولا حاجه؟ 

يارا بعصبيه: اه طبعا عندي مانع اي بت دي

فرح: يعني وقته ده وقته... قالتها بنبره حاده اوقفتهم... 

يوسف بعدم فهم: هو في ايه؟ 

فرح: اعقلو كده بقي عشان انا عايزاكو تساعدوني بجد ممكن؟ 

يوسف: تمام اي اللي حصل؟ 

فرح: دلوقتي انا خايفه ان الورقه دي تكون حد عملي فخ ومش عارفه اروح ولا لا غير كده انا اتكلمت مع حسام باسلوب بايخ وهو اكيد زعل مني فا مش عارفه اروح له بأي وش اتكلم معاه فا عايزاكو تساعدوني ممكن 

يوسف بعدم فهم: هو ممكن طبعا بس انا برضو مش فاهم ورقه اي دي؟ 

يارا: دي ورقه لقتها فرح على الباب واحد كاتب لها قابليني في العنوان ده بس مقلش ميعاد حتي..! 

يوسف: طب ما عادي يا جماعه انتو مصعبنها ليه انا او يارا تاخد الورقه ونديها لحسام سهله وبسيطه ومحلوله اهي وهو لما بعرف اللي فيها هيتصرف حتي مدي زعله منك هيركنه على جمب وهيساعدك انا عارف حسام كويس 

فرح بيأس وحزن: هو المشكله اكبر من كده حسام مش زعلان مني انا لوحدي في كارثه اكبر بس انا روحت مكمله عليه وكلمته بأسلوب سخيف جدا وهو مش مستحمل كفايه اللي عرفه

تبادلو الشقيقان النظرات ثم قالو سويا: هو اي اللي حسام عارفه؟ 

تفاجئو الثلاث بالصوت الذي ات من خلفهم وهو يقول.... اخوكم الكبير المحترم طلع زعيم عصابه




تعليقات