قصة الشخصية المحذوفة البارت الرابع 4 بقلم احمد عصام أبوقايد


قصة الشخصية المحذوفة البارت الرابع 4 بقلم احمد عصام أبوقايد


الغرفة رقم ٧
_____________
ساد الصمت لثوانٍ ..
لكن الثواني بدت وكأنها دهور.
انعكاس سارة ظل واقفًا في المرآة، يحدق مباشرة في أحمد… ثم ابتسم.
لم تكن ابتسامة بشرية.
 وفجأة تحولت تلك الإبتسامة إلي إبتسامة مشوهة ... عريضة أكثر مما ينبغي، وكأن شفتيه تمزقتا ليكشفا عن أسنان حادة.
وتبدل انعكاسها إلي… 
 إلياس...!!
سارة شهقت وسحبت نفسًا مرتعشًا، بينما تجمد يحيى مكانه، وحدقت عيناه في المشهد غير القابل للتفسير. أحمد و على الرغم من الرعب الذي اجتاح جسده، شعر بانجذاب غريب…
و كأن شيئًا بداخله كان ينتظر هذه اللحظة منذ سنوات.
ثم، فجأة… تحرك الانعكاس.
ليس كما ينبغي.
وليس كما تتحرك الأجساد الطبيعية.
فذراعاه قد التفتا للخلف، رأسه مال إلى زاوية مستحيلة، والابتسامة ظلت ثابتة وهو يضغط بكفيه على سطح المرآة وكأنه يحاول الخروج منها.
— "كفاية!" ..صرخت سارة وهي تبتعد عن المرآة، واصطدمت بالمكتب وسقطت الأوراق على الأرض.
بينما أحمد شعر أن يديه بدأتا ترتعشان.
 لم يكن يعرف لماذا ؟!…
 لكن هناك شيء ما بدا مألوفًا.
 شيء ما كان عليه أن يتذكره، لكنه لم يستطع.
ثم، وبصوت بث في قلوبهم الرعب قال الانعكاس:
"كنتَ تعتقد أن الحذف كان كافيًا.. لكنه لم يكن كذلك."

أحمد شعر كأن صدره يُسحق، والهواء في الغرفة أصبح ثقيلًا.
 حاول يحيى جرّه للخلف، لكن قدميه كانتا مغروستين في الأرض.
 لم يستطع الابتعاد.

ثم…
ثم انفجرت المرآة !!
شظايا الزجاج تطايرت في أنحاء الغرفة، صرخت سارة بينما غطى يحيى وجهه.
 لكن أحمد لم يتحرك، عيناه كانتا مثبتتين على الزجاج المتناثر على الأرض.
وكل قطعة تعكس نفس الوجه.
وجه إلياس..!
ثم، دون سابق إنذار، رن هاتف أحمد بإشعار جديد.
بيد مرتعشة، أمسك به ونظر إلى الشاشة :
"الغرفة رقم ٧. أسرع، قبل أن يغلق الباب عليك للأبد."

الرسالة جعلت قلب أحمد يتوقف لثانية.

الغرفة رقم ٧… لماذا يبدو الاسم مألوفًا؟

— "إيه اللي مكتوب؟" سأل يحيى، لكن أحمد لم يرد.

 نظر إلى سارة، التي كانت تمسك رأسها وكأنها تحاول تذكر شيء مهم.
ثم و بصوت شبه هامس، قالت:

— "أنا… أنا سمعت عن الغرفة دي قبل كده."

التفت إليها أحمد بسرعة وقال :

— "فين؟"

سارة بلعت ريقها، ثم قالت ببطء:

— "الغرفة رقم ٧… كانت غرفة في مستشفى النور للأمراض النفسية.
 لكنها أُغلقت سنة ٢٠١٠ بعد حادثة غريبة."

أحمد شعر بقشعريرة تتسلل إلى عموده الفقري.

٢٠١٠… !!
نفس السنة التي حذف فيها إلياس من روايته. قالها أحمد لنفسه ..

— "حادثة إيه؟" سأل يحيى بقلق وهو ينظر إلي سارة

سارة نظرت إليهم، ثم قالت بصوت خافت:

— "كان في دكتور نفسي اسمه ماهر الجندي، كان مسؤول عن مريض معين…
 مريض مكانش حد يعرف عنه حاجة.
 كانوا بيقولوا إنه كان بيكرر اسم واحد طول الوقت… 'إلياس'."
الصمت ساد الغرفة.
ثم عادت سارة لتكمل حديثها قائلة :
— "وفي ليلة من الليالي، الدكتور والمريض… اختفوا."

يحيى فتح عينيه على آخرهما وقال :

— "إزاي يعني؟"

سارة هزت رأسها وقالت ؛

— "محدش عارف.
 الحراس لقوا الغرفة مقفولة من جوه، مفيش أي أثر للدكتور أو المريض.
 كأن الأرض بلعتهم."

أحمد شعر بشيء يتحرك داخله، كأن ذاكرته بدأت تستعيد مشاهد ضائعة.

ثم، في اللحظة التي فتح فيها فمه ليقول شيئًا…

رن هاتفه بإشعار آخر.

هذه المرة، لم يكن مجرد نص.

كان فيديو..!!!

وبداخل الفيديو

يد مرتعشة أمسكت الهاتف، وسجلت المقطع في ممر طويل، مظلم.
 جدرانه مغطاة بخربشات غير مفهومة، وأبوابه مغلقة بأقفال صدئة.
ثم، ببطء… تحركت الكاميرا ناحية باب محدد.
الباب رقم ٧ !!
اليد التي تمسك الهاتف كانت تهتز بعنف، وصوت أنفاس مضطربة يُسمع في الخلفية.
ثم، فجأة، شيء آخر ظهر في الكادر.

رجل… يقف عند الباب.
ملامحه لم تكن واضحة، وجهه كان مشوشًا، كأنه ظل أكثر من كونه جسدًا حقيقيًا.
 لكنه كان هناك، ينظر مباشرة إلى الكاميرا.
ثم… ابتسم.
وفي لحظة، تحرك بشكل غير طبيعي، اندفع نحو الكاميرا بسرعة جنونية.
والفيديو انتهى..!!
أحمد أسقط الهاتف من يده، قلبه يدق كأنه سينفجر.
يحيى التقط الهاتف بسرعة، لكنه تجمد عندما رأى الشاشة.
فالفيديو لم يعد موجودًا..!
وكأن أحدًا… أو شيئًا ما… قد محاه..!
                 
 ظل الثلاثة مجمدين في مكانهم للحظات إثر الصدمة ، ثم تحرك أحمد وهم ليخرج في صمت ، وأتبعه يحيي وساره..
صراع قد أشتد فى عقل أحمد رغم صمته الظاهر ، وفوضي لن تهدأ أبدا إلا بالذهاب لتلك المستشفي !

خرج الثلاثة من المكتب في حالة صعبة وكأنهم أجساد بلا روح وأتجهوا إلي المستشفي ..
وبعد قليل ..
لاحت لهم المستشفي من بعيد ، وقلب أحمد ينبض نبضات سريعة كطبول الحرب!!
وصلوا إلى البوابة الخارجية، والتي يقف عليها حارس عجوز..
 نظر إليهم بعيون مرهقة مستفسرا منهم عن سبب تواجدهم .
 فطلبوا منه الدخول، هز رأسه بسرعة رافضا دخولهم

لكن أحمد لم يتراجع.

ومع بعض المال تغير رأي الحارس، وأشار لهم بالدخول بسرعة.

الممرات كانت طويلة، صامتة بشكل غير طبيعي، ورائحة العفن تملأ الهواء.
 الجدران كانت متسخة، محفور عليها كلمات غريبة، بعضها كأنها أسماء… أسماء محذوفة.
ومع كل خطوة كانت تجعل الجو أكثر برودة.

ثم وصلوا إليها.

الغرفة رقم ٧.
الباب كان مغلقًا بسلسلة صدئة، ولوحة  فوقها مكتوب عليها: "ممنوع الدخول بأمر الإدارة."

لكن أحمد لم يكن ينظر إلى الباب.
كان ينظر إلى شيء آخر.

فعلى الجدار المجاور، محفورة بأظافر دامية…

"أنا لم أُحذف… أنت من سيتم محوه."

أحمد شعر بأنفاس باردة على عنقه.

ثم، بصوت خافت، كأن أحدًا يهمس في أذنه مباشرة، قال الصوت:
"أهلاً بك مجددًا… يا أحمد."      
إلتفت أحمد خلفه سريعا في رعب لم يجد أحدا ، فنظر إلي رفيقيه وجدهما يقفان أمام الباب ولم يشعرا بما حدث له للتو !!
إقترب أحمد منهما وكان الباب رقم ٧ أمامهم.
كان يمكنهم الشعور به…
 ليس مجرد خشب أو معدن صدئ، بل شيء ينبض بالحياة، وكأنه يتنفس معهم، يستشعر وجودهم !!
أحمد لم يستطع التراجع.
وقال بصوت منخفض لا مجال للتراجع الآن.
 ليس بعد كل هذا.
 مدّ يده المرتعشة إلى السلسلة الصدئة التي تغلق الباب، ولمسها بأطراف أصابعه.
 كانت باردة… باردة بشكل غير طبيعي، كأنها مجمدة رغم حرارة المكان الخانقة.
وفجأة… تحركت وحدها !!
"مستحيل!"..  تمتم بها يحيى وهو يتراجع خطوة.

حينها السلسلة انزلقت من مكانها وسقطت على الأرض، والباب… فتح ببطء.
لم يكن هناك ضوء في الداخل. فقط ظلام دامس، كثيف، كأنه حفرة لا نهاية لها.
 رائحة عفن ممزوجة برائحة شيء آخر…
 شيء أقرب إلى اللحم المحترق إنبعثت من الغرفة، جعلت سارة تغطي فمها بقوة.
— "مفيش رجوع دلوقتي." قالها أحمد بصوت خافت، ثم عبر العتبة.
وبداخل الغرفة رقم ٧..
شعر أحمد بشعور غريب...
شعور إجتاح كل كيانه بمجرد أن خطا إلى الداخل… الغرفة لم تكن مجرد غرفة.
لقد كانت أقرب ما تكون إلي فخ ..!
الهواء كان مختلفًا، أثقل من الخارج، وكأن شيئًا غير مرئي يراقبهم من كل زاوية. 
الحوائط كانت مغطاة برسومات غير مفهومة، خطوط عشوائية، وأشكال غريبة تشبه العيون.
ثم، وعلى الجدار المقابل…

كان هناك اسم واحد محفور بعناية، مرارًا وتكرارًا، بأحرف كبيرة مشوهة:
"إلياس"

 شعر أحمد بأن قلبه سيتوقف. 
فلم يكن هذا الخط خطًا غريبا… لقد كان خط يده.

— "إيه ده…؟" ..تمتمت بها سارة وهي تقترب من الجدار ببطء.
لكن فجأة وقبل أن يقتربوا أكثر…
 الباب خلفهم أُقد غلق بعنف.

الغرفة اهتزت..
كأنها ارتجفت بالكامل للحظة واحدة، ثم ساد صمت قاتل.

وفجأة…

طرق..!

طرق بطيء… ثقيل… على الباب المغلق خلفهم.

ثم… صوت هامس يقول :

"أحمد… كنت مستنيك."

الصوت لم يأتِ من خلف الباب.

جاء من الداخل هذه المرة !
من الزاوية المظلمة للغرفة بالتحديد ...
وسمعه الجميع هذه المرة !





تعليقات