قصة الشخصية المحذوفة البارت الخامس 5 بقلم احمد عصام أبوقايد


قصة الشخصية المحذوفة البارت الخامس 5 بقلم احمد عصام أبوقايد



الوجه الذي لا يجب أن تراه
_________________________

الزاوية كانت مظلمة.
 أعمق وأظلم من مجرد ظلام عادي ..
كأنها ثقب أسود يمتص الضوء والهواء والحياة نفسها
لكن..
كان هناك شيء بداخلها.
شيء يتحرك… ببطء.
 يحيى أمسك بذراع أحمد بقوة، وهمس بصوت مرتجف قائلا :
— "إحنا لازم نخرج من هنا… دلوقتي!"
و قبل أن يتحركوا، خرج الصوت مرة أخرى،لكن هذه المرة كان أقرب، وكأن صاحبه يقف خلفهم تمامًا:
"لسه مش فاكرني، يا أحمد؟"
شعر أحمد ببرودة تجتاح جسده، الكلمات لم تكن غريبة…لقد كانت مألوفة.
 تحرك الكيان الغريب في الظلام.
وخرج من الزاوية، ببطء، كأنه يُظهر نفسه متعمدًا، بشكل يجعلهم يرونه جيدًا.
إنه إلياس...!
قالتها نظرات الثلاثة برعب دون أن ينطق أحدهم بحرف واحد !!
 لم يكن كما رأوه من قبل تماما !!
فقد كان جسده  غير مكتمل، وكأنه صورة ممزقة أُعيد تجميعها بشكل خاطئ. 
ملامحه كانت مشوهة، عيونه…!!
مهلا...!
 لا، لم تكن عيونًا..!!
لقد كانت ثقوبًا سوداء فارغة، تنظر مباشرة إلى روح من يراه !
ثم ابتسم.
ابتسم تلك الابتسامة التي رأوها في المرآة منذ قليل . واسعة… مشوهة… مليئة بأسنان ليست بشرية.

"أنا معرفتش أختفي يا أحمد… فقررت أرجع."
الهواء أصبح أثقل، كأن الغرفة تضيق عليهم، تجبرهم على مواجهة ما لا يمكن مواجهته !!
لم يتحرك إلياس مجددا ، لكنه لم يكن بحاجة لذلك. فقد كانت نظراته وحدها  كافية لجعل الدم يتجمد في عروقهم.
شعر أحمد بضغط رهيب على رأسه...
 ذكريات مبهمة بدأت تتسلل إلى عقله...
 صور مشوشة، صرخات مكتومة…
 شيء كان يحاول تذكره، لكنه لم يستطع.
فجأة...
قال إلياس بصوت أشبه بصوتين يتحدثان معًا:
"فاكر لما كتبتني؟
 فاكر لما قررت تخليني بطل قصتك؟"
أحمد لم يستطع الرد.
فاقترب إلياس ببطء، خطواته لم تكن طبيعية، وكأن قدميه لا تلمسان الأرض. 
كلما اقترب، كانت الجدران حولهم  تتغير… 
النقوش القديمة بدأت تتحرك، تتراقص كأنها حية.
ثم، همس إلياس بكلمتين فقط:
"مش كفاية."
وفجأة، انطفأ الضوء تمامًا…
الظلام لم يكن مجرد غياب للضوء.
 كان كأنه حيًّا، نابضًا، يتحرك بينهم كأنه شيء له عقل ووعي..!!
لم يعد أحمد يرى شيئًا، لكن صوت إلياس كان في كل مكان، قريبًا منه لدرجة أنه شعر بأنفاسه الباردة تلامس جلده.
ثم جاء الصوت… 
صوت تكتكة القلم.

"أحمد… فاكر لما بدأت تكتبني؟" قالها الصوت بهمس  في أذن أحمد مباشرة.
ثم أستطرد قائلا : 
"كنت مجرد شخصية على الورق… مجرد فكرة… لكن ...
الأفكار لا تموت."

وفجأة، بدأ الظلام في الانقسام.
أحمد رأى نفسه…
نعم  رأى نفسه أمامه بعينيه وهو جالس أمام أوراق قديمة، يكتب بجنون، وكأن يده ليست ملكه، كأنها تتحرك وحدها !

لكن المشكلة لم تكن فيما كان يكتبه…
 بل كان فيما بدأ يُحذف من تلقاء نفسه !!
الجمل اختفت… 
الكلمات تآكلت كأنها لم تكن موجودة قط…
 والأخطر من ذلك، أن أسماءهم بدأت تختفي.

يحيى… لم يعد موجودًا.
 سارة… اختفت.
و كأنهما لم يولدا من الأساس!!

وأخيرًا، رأى اسمه… أحمد.
ثم…
ومع تلامس سن القلم علي الورقة...

اختفى كل شيء.

شعر أحمد بوجوده يتلاشى.

 لم يكن مجرد إحساسًا عاديًا…
 كان كأنه يُسحب من داخله، وكأن شيئًا ما كان يمحو كيانه من الوجود.
حاول أن يتحرك… 
أن يصرخ…
 لكن صوته لم يكن موجودًا.
فجأة صدحت ضحكات إلياس في المكان ، ضحكة مشروخة، كأنها آتية من عالم آخر وقال :
"دلوقتي فهمت؟"

حاول أحمد  أن يقاوم، أن يتذكر نفسه، لكن كلما حاول، كلما ازدادت الضبابية حوله.
 كانت يديه تختفي أمام عينيه..!
 جسده أصبح شفافًا..!
اقترب منه إلياس أكثر، ثم همس في أأذن قائلا :

" مش أنا اللي اتحذفت… أنت اللي مكانك مش هنا."
فجأة، رأى أحمد الورقة أمامه.

ورقة فارغة..!
تمامًا كما كانت قبل أن يكتب القصة لأول مرة.
وفي لحظة… لم يعد موجودًا.

الصمت...
عم الصمت المكان...
لم يكن مجرد غياب للصوت، بل كان فراغًا مطلقًا.
أحمد لم يكن يعرف أين هو… أو ما إذا كان ما زال "هو" أصلًا !!
لكن وفي وسط الفراغ، وسط العدم، كان هناك شيء يتحرك...

ثم… عاد الصوت مرة آخرى فاشلة :
"لسه فاكرني؟"
لم يكن صوت إلياس هذه المرة.
بل كان صوتًا آخر، صوتًا مألوفًا، لكنه مشوه، كأنه يأتي من بُعد بعيد جدًا.!!
وفجأة...
الفراغ بدأ يتغير.
 تحول إلى كلمات. 
حروف تتشكل وتلتف حول بعضها، كأنها تعيد كتابة شيء…
 أو تعيد كتابة "شخص".
شعر أحمد أنه يعود… لكن ليس كما كان.
كان كأنه يعاد تشكيله من جديد، كأن هناك يدًا غير مرئية تعيد كتابته، تضيف إليه شيئًا…
 أو بالأحرى تحذف منه شيئًا .!

فتح عينيه ببطء.

فوجد نفسه جالسًا أمام مكتب ..
الأوراق مبعثرة..
والقلم في يده..
لكن المشكلة لم تكن في المكان.

المشكلة كانت في انعكاسه في المرآة التي أمامه.

لم يكن يشبهه تمامًا.
 كان… مختلفًا.
 عيونه أعمق، جلده أفتح بدرجة غير ملحوظة، وابتسامته…
تلك الإبتسامه لم تكن تخصه.!!

ثم أدرك الحقيقة المرعبة.
حقيقة إنه لم يعد "أحمد" الذي يعرفه.
هو الآن نسخة مُعدلة !!
 شيء آخر تمامًا.!

وفجأة ...
 سُمع صوت ضحكة مكتومة في الغرفة.
مهلا..
لم يكن وحده هنا !!
مستحيل !!
الضحكة لم تأتِ من الخارج… بل من داخله.
حرفيا من داخله !!
وكأن شيئًا آخر يشاركه الجسد.!!
تراجع أحمد عن المكتب، نظر إلى يديه، تفحص ملامحه في المرآة مرة أخرى، لكن كلما ركّز، كلما بدأ يرى… تشوهات صغيرة.!
كان هناك خط رفيع، بالكاد يُرى، يمتد على جانب وجهه، وكأنه فاصل بين جزءين مختلفين من شخصين تم دمجهما بالقوة.!
ثم تحرك شيء في الزاوية.
لم يكن شخصًا… بل ظل.!

كان يقف هناك ..
طويلًا، ثابتًا..
لكنه لم يكن مجرد انعكاس.
"جاهز تكمل القصة؟" خرج الصوت من الظل، لكنه لم يكن صوتًا بشريًا بالكامل.
 كان صوتا مشوهًا، وكأن عدة أصوات تتداخل معًا.
أحمد لم يرد.
وبالأحري لم يستطع أن يرد .
لم ينتظر الظل ، بل بدأ يتحرك نحوه، وبيده قلم.
مد الظل القلم نحو أحمد وعندما لمسه القلم، لم يكن مجرد شعور بتلك اللمسة البسيطة… 
بل شعور وكأنه سكين يُعيد تقطيعه و تشكيله من جديد.!!





تعليقات