قصة الشخصية المحذوفة البارت الثامن 8 بقلم احمد عصام أبوقايد

قصة الشخصية المحذوفة البارت الثامن 8 بقلم احمد عصام أبوقايد
المواجهة !
__________
جلس أمام المكتب بوجه جامد لا يظهر عليه أي إنفعالات !!
فتح الدفتر ببطء، وأمسك القلم..
حان الوقت لكتابة شيء جديد..
لكن قبل أن يبدأ، سمع صوتًا مكتومًا…
صوت ضربات، كأن أحدهم يطرق من داخل المرآة.
التفت ذلك الكيان ببطء فرأى أحمد في الداخل.!
يصرخ، يضرب الزجاج بجنون، لكن صوته لم يكن يصل..!
ابتسم ذلك الكيان بنفس إبتسامته المرعبة ،ثم كتب جملة واحدة على الورقة:
"الصوت لم يعد يُسمع… لأن أحمد لم يعد موجودًا."!
وفجأة… ساد الصمت.
وفي نفس الوقت أحمد في الداخل قد توقف عن الحركة، ونظر حوله بذهول، وكأن العالم كله أصبح فراغًا بلا صوت، وبلا حياة.!
حاول الصراخ، لكن لم يكن هناك صوت.
لقد أصبح شخصية صامتة في القصة .!
ضحك ذلك الكيان بصوت خافت، ثم أغلق الدفتر، وخرج من الغرفة...
لقد تغيرت المعادلة .. وتبدلت الأدوار !!
الآن…
صار الكيان هو الكاتب.
وبداخل المرآة، كان أحمد يركض بلا وجهة.!!
حبيسا في عالم بلا صوت، بلا تفاصيل…
مجرد فضاء رمادي يمتد إلي ما لا نهاية.!!
حاول لمس الجدران، لكنها لم تكن صلبة.
كانت مثل الضباب، لكنه وفي نفس الوقت لم يستطع اختراقها.!
ثم رأى شيئًا فجأة جعله يتوقف عما كان يفعله .
باب.
باب وضع في منتصف العدم، كأنه وُضع هناك خصيصًا له.!
اقترب منه أحمد ببطء، ومدّ يده المرتجفة، وفتحه، فوجد نفسه داخل القصة.!!
عاد إلي نفس الغرفة التي كان فيها قبل لحظات!!
لكنها ...
لم تكن كما يتذكرها.!
كان كل شيء فيها مموهًا، وكأن ذلك العالم لم يُكتب بعد بالكامل في القصة ..
وكأن الكاتب لم يكمل بعد تفاصيل المكان في القصة !!
فجأة سمع صوتًا…
صوتا سمعه كثيرا طوال هذه اللعنة الواقع في براثنها
ذلك الصوت الذي عندما يسمعه يحدث دوما ما لا يحمد عقباه !!
إنه صوت ذلك القلم الملعون وهو يكتب.!
فالتفت بسرعة، ورأى الكيان الذي يشبهه...
ذلك الكاتب الجديد، يجلس على المكتب، يكتب الجملة التالية:
"أحمد ركض نحو الباب، لكنه لم يتمكن من فتحه."!
وفجأة، الباب الذي كان مفتوحًا أمامه، أُغلق بقوة، وأصبح كتلة صلبة من الظلام.
صرخ أحمد وحاول دفعه، لكن بلا فائدة.
فلم يعد يتحكم في القصة بعد الآن.!
استدار أحمد ببطء...
فرأي الكاتب الجديد ينظر إليه ، وعيناه مملؤتان بالسخرية.
"معتقدتش إنك هتلاقي الباب بسرعة كده،" قالها الكيان بصوت أحمد…
"مين إنت؟" صرخ بها أحمد، ثم أستطرد قائلة بنفس الغضب "إنت مش أنا!"
فرد الكيان ولازالت ملامح السخرية علي وجهه قائلا :
"أنا النسخة اللي المفروض تكون مكانك،"
ثم وبعدها مباشرة رفع القلم وعيناه معلقتين بأحمد وعلي وجهه رسمت إبتسامة تشفي، وبدأ يكتب:
"أحمد بدأ يختفي، جسده يتلاشى إلى العدم."
وفجأة…
شعر أحمد بجسده يصبح خفيفًا...
خفيفا لدرجة إنه يشعر و كأن الهواء يسحبه.!
نظر إلى يديه، فوجدهما تتحولان إلى رماد.!
"لا!" صرخ بها أحمد واندفع نحو المكتب.
لكن الكاتب الجديد كان أسرع وكتب:
"أحمد لم يصل إلى المكتب."
وفجأة...
وجد أحمد نفسه واقفًا مكانه، غير قادر على الحركة.
لم يكن يستطيع حتى أن يتقدم خطوة واحدة.
"إنت مش هتمسحني ،" همس بها أحمد من بين أسنانه في صعوبة ، ثم أستطرد بشق الأنفس قائلا "مش هخليها نهايتي."!
فجأة..
ومضت في عقل أحمد فكرة ،و تذكر شيئًا مهمًا.
فلم يكن يحتاج إلى التحرك…
بل كان يحتاج فقط إلى الكتابة.!
تحمس أحمد بالفكرة ، وشعر بتيارات من القوة تسري في جسده ، وخصوصا عندما رأى الحل أمامه.
فالدفتر كان لا يزال مفتوحًا ..
والقلم كان في يد الكاتب الجديد…
لكنه...
ولحسن الحظ ...
لم يكن القلم الوحيد في الغرفة.
فعلى الرفّ بجانبه تماما، كان هناك قلم آخر.!
فقط كل ما عليه فعله هو الوصول إليه.
فحبس أحمد أنفاسه ، وأستعد للتحرك للوصول الي ذلك القلم...
لقد كان محاصرًا بكلمات الكاتب الجديد، لكنه لم يكن عاجزًا تمامًا.
لذا فإذا كان القلم قادرًا على تغيير الواقع…
فلماذا لا يستطيع هو فعل نفس الشيء؟
لما لا يجرب فبالأخير هو لن يحدث له أكثر مما يحدث له الأن ... هكذا حدثته نفسه وبثت في قلبه القوة والشجاعة للمقاومة من جديد ..
فأغلق عينيه، وتخيل الجملة التي يريدها…
"أحمد استطاع التحرر من تأثير الكلمات."
وفجأة…
شعر بقدميه تتحركان من جديد.
شعر أحمد بالشكل يتحدث بداخله ...
يبدو أن فكرته قد نجحت للتو ..
فاتسعت عينا الكاتب الجديد بصدمة، لكن قبل أن يتمكن من الكتابة مجددًا، اندفع أحمد نحو الرف، و أمسك بالقلم الثاني، وبسرعة بدأ يكتب:
"الكاتب الجديد لم يعد قادرًا على استخدام القلم."!
وفجأة..
سقط القلم من يد الكاتب الجديد، وكأن قوة خفية انتزعت السيطرة منه إنتزاعا !!
فنظر إلى يده بذهول، ثم إلى أحمد، الذي وقف بثبات أمامه، والقلم في يده وعلي وجهه أرتسمت علامات التحدي ...
"إنت فاكر إنك الوحيد اللي يقدر يكتب الواقع؟" قالها أحمد بابتسامة باردة وبنبرة متحدية!
ثم كتب الجملة الأخيرة وعيونه معلقة بالكاتب الجديد بنظرات مملؤة بالسخرية والتشفي :
"الكاتب الجديد… لم يعد موجودًا."!
حينها وفي نفس الوقت الكاتب الجديد الذي يشبهه تجمد في مكانه...
بدأ يهتز بعنف، ثم تحول إلى حبر أسود…
حرفيا حبر أسود وانسكب على الأرض، متلاشياً تمامًا.
فتنفس أحمد الصعداء ، ونظر إلى الدفتر، وبالتحديد في نفس الصفحة التي كان يكتبها الكاتب الجديد ، فوجد أنها بدأت تُمحى...
كانت الكلمات تذوب وكأنها لم تكن موجودة أبدًا.!
ثم كتب آخر جملة بنفسه:
"هذه القصة انتهت… ولن تُعاد كتابتها أبدًا."!
وفجأة…
تلاشي كل شيء ..
وعندما فتح أحمد عينيه، كان في غرفته.
لكن غرفته الحقيقية هذه المرة.
الدفتر كان هناك…
لكنه كان فارغًا تمامًا، كأنه لم يُكتب فيه شيء قط.!
لكن أحمد لم يحاول فتحه، لم يحاول لمسه حتى.
ولكنه بدلًا من ذلك، أخذه… وألقاه في النار.
شاهد الأوراق تحترق...
الحبر يتلاشى...
والدخان الأسود يتصاعد...
لم يكن هناك انعكاس يراقبه في المرآة هذه المرة.
لم يكن هناك أصوات همس مرعبة.
القصة… انتهت أخيرا ... قالها أحمد لنفسه
فجلس، وأخذ نفسًا عميقًا، وأغمض عينيه...
لكن في مكانٍ بعيد، في عالم لا يراه أحمد، كانت هناك صفحة جديدة…
تنتظر من يكتبها.
لعلها النهاية… أو ربما مجرد بداية أخرى.
ظن أحمد أن القصة قد انتهت…
وهو يراقب الرماد المتناثر من الدفتر المحترق.
لم يعد هناك شيء يُطارده، لا همسات، لا ظلال، لا صفحات تتحرك من تلقاء نفسها.
لكن بداخله، كان هناك شعور مزعج…
وكأن شيئًا لم يُحسم بعد.
فوجد نفسه ينظر إلى المرآة.
وكأن هنالك قوة خفية تجبره علي القيام بذلك !!
شعر أحمد بدقات قلبه تتسارع ، وكأنه ينبأه بأن هناك أمر سئ سيحدث الأن !
لكن كل شئ كان طبيعيا...
لم يكن هناك انعكاس غريب.
و....
مهلا...
ما هذا ؟!
لقد لمح أحمد شيئًا.
شيئًا صغيرًا…
لكنه كان كافٍ لزرع الرعب في قلبه من جديد.!
ففي زاوية المرآة، وبالتحديد في أدق حوافها، كان هناك دفتر.!
دفتر أسود… لم يكن موجودًا قبل لحظات.!
وأسفله، كانت هناك جملة واحدة مكتوبة باللون الأحمر:
"القصة لم تنتهِ بعد..
تعليقات
إرسال تعليق