
قصة الشخصية المحذوفة الجزء الثاني البارت الرابع 4 بقلم احمد عصام أبوقايد
باب الأرواح الضائعة
وقف أحمد أمام النافورة السوداء، عيناه معلقتان بصورة يحيى وسارة المحبوسين في ذلك المكان المجهول.
كان عقله يصرخ بأسئلة كثيرة، لكن قلبه كان يعرف شيئًا واحدًا فقط…
لا يمكنه تركهما هناك.
حينها وضع إلياس يده على كتفه وقال بصوت جاد: "الموضوع مش بالبساطة اللي متخيلها دي، لو كانوا محتجزين فعلا في المكان اللي قال عليه الراجل دا ، يبقى الوصول ليهم شبه مستحيل."
الرجل الغامض، الذي لم يكشف عن اسمه بعد، تقدم خطوة نحو النافورة وقال بصوت بارد: "المكان الذي رأيته يُعرف باسم 'باب الأرواح الضائعة'، وهو نقطة اللاعودة في هذا العالم.
كل روح دخلت هناك… لم تعد."
ضغط أحمد على أسنانه وقال بعناد:
"لازم نروح."
ابتسم الرجل بسخرية وقال: "حتى وإن كان ذلك معناه إنك ستموت هناك؟"
لم يرد أحمد ، لكنه لم يزح نظره عن صورة أصدقائه في الماء.
زفر إلياس بضيق وقال: "طيب… لو هنروح، لازم نعرف طريقنا."
أشار الرجل إلى جدار في نهاية القاعة، حيث ظهرت فجأة بوابة عملاقة من حجر أسود متوهج، عليها نقوش تتحرك ببطء وكأنها تتنفس.
ثم قال :
"هذا هو الطريق الوحيد لباب الأرواح الضائعة."
خطا أحمد خطوة للأمام، لكن فجأة رفع الرجل يده ليوقفه وقال :
"هنالك مشكلة وحيدة …"
صمت للحظات ثم عاد ليكمل حديثه قائلا :
" البوابة لن تفتح إلا إذا قدمت لها قربانا."
عقد إلياس حاجبيه وسأل: "قربان؟ تقصد إيه؟"
أدار الرجل نظره بين أحمد وإلياس ، ثم قال بصوت هادئ:
"لابد أن يضحي أحد منكم بجزء من روحه حتي يعبر."
سكون ثقيل قد خيّم على المكان.
انفعل إلياس وقال بغضب : "وجزء من روحنا أزاي؟! ، وهنقدمه قربان لمين ؟! "
ابتسم الرجل ابتسامة غامضة وقال:
"لن يقدم لأحد بل ،سيبقي هنا… محبوس في المدينة للأبد."
لم يتردد أحمد ، وحدّق في الرجل وقال بحزم:
"أنا هقدم القربان."
استدار إلياس إليه وقال بحدة:
"إنت مجنون؟ متعرفش حتى إيه اللي هيحصل لك!"
لكن أحمد كان يعلم شئ واحد فقط ، وهو أن هذه الطريقة هي السبيل الوحيد لإنقاذ يحيى وسارة.
أومأ الرجل برأسه ثم قال: "اقترب."
تقدم أحمد نحو البوابة، ووضع يده على النقوش المتحركة…
فجأة، شعر بتيار بارد يجتاح جسده، وكأن شيئًا يُقتطع من داخله.
قلبه انقبض...
أنفاسه أصبحت ثقيلة...
وعيناه امتلأتا بالظلام للحظات…
ثم…
اهتزت البوابة ببطء، وانفتح شق ضيق في وسطها، كاشفًا عن طريق طويل يغرق في الظلام.
نظر الرجل إليه وقال بصوت هادئ:
"البوابة مفتوحة… لكن تذكر، ما ستفقده اليوم ، لن يعود لك مجددا ."
لم يرد أحمد ، فقط استدار إلى إلياس وقال:
"يلا… لازم نتحرك قبل ما تتقفل البوابة ."
ثم…
دخل الاثنان إلى الظلام، غير مدركين لما ينتظرهم على الجانب الآخر.
وعلي الجانب الآخر وقف أحمد وسط الظلام، يحدق في كيان ضخم أمامه.
لم يكن مجرد ظل، بل كيان ينبض بطاقة مخيفة، وكأن العالم نفسه يتنفس من خلاله.
كان الصوت الذي سمعه منذ لحظات لا يزال يتردد في رأسه، وكأن الكلمات لم تأتِ من فم الكيان بل من أعماق عقله.
إلياس كان متوترًا، عيناه تراقبان الكيان بحذر.
همس لأحمد قائلا :
"ما تردش عليه بسرعة ده مش مجرد كيان عادي، ده شيء أقدم من اللعنة نفسها."
لكن الكيان تحرك، وكأن صبره قد نفد.
ارتفع صوته العميق قائلاً: "البوابة فُتحت… والحقيقة لم تعد سرًا."
ابتلع أحمد ريقه، ثم قال بصوت حاول أن يجعله ثابتًا : "إيه الحقيقة اللي بتتكلم عنها؟"
تقدّم الكيان خطوة، فاهتزت الأرض تحت أقدامهم، ثم قال بصوت أشبه بالهمس لكنه يحمل رعبا عظيما :
"أنتم تهربون من شيء لا يمكن الهروب منه."
زم إلياس شفتيه وقال: "واضح إنك كل اللي هنا بيحبوا الألغاز…قول اللي عندك بدون لف ودوران."
ضحك الكيان بصوت أشبه بالرياح العاتية ورد قائلا :
"اللعبة بدأت منذ زمن بعيد ، واللعنة اللي تظنون أنها كارثة، ليست سوى جزء صغير من الحرب الحقيقية."
شعر أحمد ببرودة تجتاح جسده ، فسأل الكيان بحذر قائلا : "حرب؟ حرب أيه ؟! وبين مين ومين؟"
الكيان انحنى قليلاً وكأنه يدرس أحمد عن قرب، ثم قال بصوت أكثر عمقًا :
"بين من يريدون البقاء… ومن يريدون العودة."
نظر إلياس لأحمد سريعًا، ثم قال:
"هو بيقصد…"
لكن قبل أن يكمل جملته، بدأت الأرض تهتز بعنف، وكأن شيئًا آخر قد استيقظ.
نظر أحمد حوله، فرأى جدران المدينة تبدأ في التصدع، وأضواء زرقاء خافتة تتوهج من الشقوق.
فرفع الكيان رأسه إلى الأعلى، ثم قال بنبرة هادئة تحمل وعيدًا :
"لقد بدأ العد التنازلي… الخيار الآن بين يديك يا مفتاح البوابة ."
فجأة…
اختفى الكيان !
وبقي أحمد وإلياس وحدهما، وسط مدينة بدأت تنهار من حولهما.
حينها وعلي أحد الجدران رأي أحمد بوابة ..
بوابة لا يذكر إنه قد رأها عند دخولهما المكان أول مرة ..
وكأنها ظهرت من العدم !!
فانطلقا إليها ...
وعلي الجانب الأخر من البوابة قاعة ضخمة ...
كان الظلام يسيطر عليها ، لكن تماثيل الحراس على الجدران بدأت تتوهج ببطء، كأنها تستيقظ من سبات طويل.
وضع أحمد يده على جبهته، يحاول استيعاب ما سمعه، بينما إلياس كان يراقب المدخل بحذر.
قال أحمد بصوت متوتر:
"مش فاهم… هو كان بيتكلم عن إيه؟ مين اللي عايز يرجع؟"
تنهد إلياس وقال:
"لو فهمنا كل حاجة مرة واحدة، هنتجنن… لكن اللي واضح إن اللعنة مش مجرد مصيبة وقعت علينا، دي جزء من حاجة أكبر."
قبل أن يتمكن أحمد من الرد، انفتح باب آخر في القاعة ببطء…
ودخلت شخصية جديدة.
في ظل ذلك الظلام الذي أحاط بالمكان، وكأن الليل نفسه يراقبهم من بعيد.
وقف أحمد وإلياس في قلب القاعة ، يتابعان بحذر الرجل الذي ظهر أمامهما…
لم يكن يشبه أي شخص قابلاه من قبل، كان طويل القامة، ذو ملامح حادة وعينين تتوهجان بضوء خافت، كأنهما تحملان أسرار العصور الغابرة.
ابتسم بهدوء، ثم قال بصوت منخفض يحمل هيبة غير مفهومة :
"العالم لا يسير وفق ما تعرفونه… ولا وفق ما تظنونه."
تبادل أحمد نظرة مع إلياس قبل أن يسأل بحذر: "إنت مين بالظبط؟ إيه دورك في كل ده؟"
ابتسم الرجل ابتسامة باهتة، ثم بدأ يسير ببطء حولهما كأنه يدرس كل حركة تصدر منهما.
ثم قال :
" أنا ليث ...
أنا الظل…
أنا صدى لأشياء ظننتم أنها اختفت.
لكن في الحقيقة…هي لم تختفي أبدًا."
إلياس ضاق عينيه وهو يراقبه وقال :
"كلامك مش واضح… لو عندك معلومة قلها بدل ما تضيع وقتنا."
توقف ليث فجأة، ثم نظر لأحمد مباشرة،وكأن عينيه تخترقان أعماق عقله وقال :
"أنت تبحث عن الحقيقة… لكن هل أنت مستعد لها؟ الحقيقة ليست كما تعتقد، والماضي أقرب مما تظن."
شعر أحمد بقشعريرة تسري في جسده، لكنه تماسك قبل أن يقول في ثبات :
"إنت بتتكلم عن اللعنة صح؟ .. إحنا محتاجين نعرف إزاي نوقفها."
أطلق ليث ضحكة قصيرة خالية من أي مرح وقال : "توقفها؟… يا أحمد اللعنة ليست شيئًا يبدأ أو ينتهي بكلمة... إنها أكبر من ذلك بكثير."
فقال إلياس بغضب وهو يضغط على أسنانه:
"إنت عارف اللي حصل؟ ..تعرف إيه مصير العالم ده؟ بدل ماتكلمنا بألغاز كدا جاوبنا "
لم يجب ليث مباشرة، بل التفت لينظر إلى السماء المظلمة، حيث كانت هناك شقوق ضوئية غامضة تتوهج في الفراغ، كأنها ندوب قديمة.
فأشار إليها وهو يقول :
"ما ترونه أمامكم… هو نتيجة أخطاء لم يكن يجب أن تحدث.
الحراس.. البشر.. الكيانات التي حكمت هذا المكان جميعهم دفعوا ثمن طموحاتهم.
والآن… الدور عليكم."
شعر أحمد بانقباضة في صدره قبل أن يقول :
"دورنا؟ ..تقصد إيه؟"
تقدم ليث نحوه، وتوقف على بُعد خطوة واحدة منه فقط..
ثم قال بصوت خافت محمّل بثقل العصور :
"أنتم الآن وسط دوامة لا يمكن الهروب منها… والسؤال الحقيقي، هل ستسبحون ضد التيار؟ أم ستغرقون مع من سبقكم؟"
وقبل أن يتمكن أحمد من الرد، ارتفع صوت غريب من أعماق المدينة، صوت أشبه بصدى خطوات ضخمة… شيء كان يقترب.
لم يتحرك، فقط همس بكلمة واحدة:
"اختاروا بحكمة."
ثم…
أختفى وسط الظلال، تاركًا أحمد وإلياس وحدهما، أمام شيء كان قادمًا نحوهما بسرعة…
فجأة...
عاد ليث بخطوات ثابتة، وكأن اختفاءه لم يكن سوى للحظة خاطفة.
فنظر إلى أحمد وإلياس بعينين لا تحملان أي تعبير، ثم قال بصوت هادئ :
"لا تتعجبوا ، فلم يكن من المفترض أن أعود، لكن الأمور تغيرت."
شعر أحمد باضطراب غريب، وكأن هناك شيئًا غير طبيعي في عودة ليث بهذه السهولة.
فقال في تعجب واضح :
"كنت فين؟ وإيه اللي حصل؟"
ليث لم يجب فورًا، بل تقدم ببطء حتى وقف بجانبهم. والهواء حوله كان مشحونًا بطاقة غامضة، كما لو أن حضوره نفسه يؤثر على المكان.
ثم قال:
"اكتشفت أن هناك من يراقبنا.."
ضيق إلياس عينيه وقال : "يراقبنا؟.. مين اللي بيراقبنا؟"
فنظر ليث إلى المباني المحطمة من حولهم، ثم أشار بيده إلى مكان مظلم بين الأعمدة الحجرية العملاقة وقال :
"هناك... منذ أن وصلنا، لم نكن وحدنا."
وفي تلك اللحظة بالضبط، تحرك شيء في الظلام.
صوت خافت، كأنه أنفاس ثقيلة تتردد في الفراغ.
شد أحمد قبضتيه، محاولًا التحكم في قلقه، بينما همس إلياس وهو ينظر حوله في توتر :
"إحنا مش لوحدنا فعلًا."
فجأة...
ظهر كيان طويل القامة من الظلام، مغطى بعباءة سوداء ممزقة، ووجهه مخفي في الظلال.
وعندما تكلم ذلك الكيان كان صوته عميقًا وكأنه يأتي من بُعد آخر..
"أنتم تقتربون من الحقيقة… لكن هل أنتم مستعدون لدفع الثمن؟"
شعر أحمد بقشعريرة تجتاح جسده فقال في رعب حاول أن يخفيه :
"إنت مين؟ وعاوز مننا إيه؟"
لم يرد الكيان مباشرة، بل رفع يده ببطء، وظهر على كفه رمز متوهج بلون أحمر داكن مشابه للرموز التي رأوها في معبد الحراس ثم قال :
"المفتاح لا يفتح بابًا واحدًا فقط… بل كل الأبواب ."
صمت الكيان للحظات ثم عاد ليكمل حديثه بكلمات اكثر غموضا وقال :
"ولكن أعلموا فبعض الأبواب لا يجب أن تُفتح."
تراجع إلياس خطوة،بينما تمتم ليث بصوت بالكاد يُسمع
وقال :
"إحنا بالفعل تأخرنا."
في تلك اللحظة، اهتزت الأرض تحتهم، وبدأ الهواء يزداد ثقلاً. شيء ما كان يقترب…
شيء لا يريدهم أن يكتشفوا المزيد...
حينها أدرك أحمد أن هذه الرحلة لم تكن مجرد محاولة للنجاة…
بل معركة ضد شيء أقدم مما كانوا يتخيلون.
ولابد أن يخوضها وينتصر فيها فلم يعد هناك مجال للرجوع.