قصة الشخصية المحذوفة الجزء الثاني البارت الخامس 5 بقلم احمد عصام أبوقايد

قصة الشخصية المحذوفة الجزء الثاني البارت الخامس 5 بقلم احمد عصام أبوقايد
أسرار المرآة :
____________
"هيا ..لا وقت لدينا " قالها ليث وهو يهرول ويشير إليهما لإتباعه..
كان أحمد يقف وكأنه فقد القدرة علي إدراك ما يحدث حوله ..
فسحبه إلياس من يده وهو يهرول ليلحقا ب ليث ..
وبعد عدة دقائق مرت في السير خلف ليث الذي كان يقودهما في ممر ضيق غريب ، وقف أحمد يتأمل ذلك المكان أثناء سيرهم في المكان .
كان عبارة عن ممر ضيق يتلوى كأفعى بين الصخور السوداء، والجدران تنبض بضوء خافت كأنها تتنفس.
الجو كان ثقيلاً، وكأن الهواء نفسه يضغط عليهم..
وأصوات هامسة خافتة كانت تصدر من العدم، بكلمات غير مفهومة !!
تنفس إلياس بصعوبة قبل أن يقول:
"المكان دا... مش طبيعي."
لم يلتفت ليث إليه، فقط واصل التقدم بثبات.
حينها شعر أحمد بأن هناك شيئًا يتحرك في الظلال، لكنه لم يستطع تحديد ماهيته.
وفجأة...
توقف ليث عند بوابة حجرية ضخمة، منحوتة برموز قديمة متوهجة بلون أزرق باهت.
مدّ يده نحوها ، وبمجرد أن لمس إحدى تلك الرموز، بدأت البوابة في التحرك ببطء، لتكشف عن قاعة هائلة تمتد في الظلام.
وبداخل تلك القاعة، كان هناك تمثال ضخم لحارس قديم، ملامحه مشوهة بفعل الزمن، لكنه كان يحمل نفس الملامح المهيبة المرعبة التي رآها أحمد في أعين الكيانات التي طاردتهم من قبل.
فهمس إليه إلياس بحذر قائلا :
"إيه المكان ده؟"
فأجابه ليث الذي سمع سؤاله بصوت هادئ يحمل نبرة تحذير:
"معبد الحراس... هنا تبدأ الإجابات، وهنا تبدأ الأخطار الحقيقية."
وقبل أن ينطق أحدهم بكلمة أخرى، انبعث صوت عميق من داخل القاعة، صوت لم يكن بشريًا أبدا ! :
"لقد تأخرتم."
شعر أحمد بقشعريرة تسري في جسده، وهو يبحث عن مصدر الصوت المهيب..
وأثناء بحثه عن مصدر الصوت حدق في الظلال التي بدأت تتحرك ببطء، لتكشف عن كائن لم يرَ مثله في حياته من قبل !!
حينها وفي نفس الوقت كانت تلك القاعة القديمة تلفظ أنفاسها الأخيرة، وكأنها تترقب حدثًا كارثيًا يوشك أن يقع.
السماء فوقهم كانت بلون رمادي داكن، كأنها تعكس مصير هذا العالم المتهالك.
فتحرك أحمد وإلياس وليث عبر الأزقة المهجورة، بينما أصوات الرياح كانت تهمس بأسرار لا يفهمونها.
كانت خطواتهم تتردد في الصمت المشؤوم الذي يلف المكان.
قال أحمد وهو ينظر إلى ليث: "المكان دا... كأنه مقبرة ضخمة ، كل شيء فيه بيقول إنه ميت !"
أومأ ليث برأسه، ثم قال بصوت منخفض وهو ينظر حوله :
"عندك حق ،بس المكان مش ميت زي ما انت متخيل... لسه فيه حاجة فيه عايشه وبتتحرك هنا."
فتوقف إلياس فجأة و نظر حوله مرة آخرى بحذر، ثم تمتم قائلا :
"في حد بيراقبنا."
في تلك اللحظة، ظهر ظل طويل عند نهاية الزقاق.
ظل كان يتحرك بهدوء مخيف، قبل أن يظهر منه رجل ذو ملامح شاحبة، عيناه مظلمتان كأنهما بوابتان إلى العدم.
كان يرتدي عباءة ثقيلة ترفرف مع الريح.
وقف أمامهم للحظات، ثم قال بصوت خافت عميق :
"أخيرًا وصلتوا."
تبادل الثلاثة النظرات، قبل أن يخطو أحمد للأمام بشجاعة يجسد عليها وقال:
" إنت مين ؟"
الظل لم يبتسم، فقط رفع رأسه قليلًا وقال: "أنا آخر من تبقى من حراس هذا المكان . والوقت ضيق جدًا ، فإذا كنتم تريدون معرفة الحقيقة، فلابد أن تتحركوا حالًا."
عقد إلياس ذراعيه وقال: "إحنا مش هنمشي ورا أي حد بدون ما نفهم.
قول لنا الأول إيه اللي بيحصل هنا؟"
تنهد الحارس ، ثم أشار لهم أن يتبعوه.
لم يكن لديهم خيار آخر، فالمكان نفسه بدا وكأنه يحاصرهم من كل جانب.
وبعد دقائق من السير داخل الأنفاق القديمة، وصلوا إلى قاعة ءخري أكثر ضخامة ، سقفها مزين بنقوش متحركة تحكي قصة حضارة ضائعة.
فوقف الرجل في المنتصف وقال:
"العالم اللي انتوا فيه مش مجرد سجن، العالم دا كان مسرح لحرب قديمة بين قوى أكبر بكتير مما تتخيلوا.
اللعنة اللي بتحاولوا تفكوها مش مجرد سحر، دي سلاح استخدم زمان لإبادة كل شيء."
حينها شعر أحمد بقبضة باردة على قلبه قبل أن يقول :
"يعني... مفيش أمل؟"
فنظر الحارس إليه بحدة، ثم قال:
"الأمل الوحيد، إنك تفهم دورك.
إنت مش مجرد ضحية للعنة زي ما أنت متخيل ، إنت البوابة نفسها ."
وقف أحمد في وسط الظلام واجما بعد كلمات الحارس وهو ينظر في عيونه.
تلك العيون التي لم يكن يعلم إن كانت تحدق به أم تستهزئ به.
كان يشعر بأنفاسه تتسارع، وقلبه ينبض كطبول حرب قديمة.
وإلياس يقف بجانبه متحفزًا، وعيناه تلمعان في العتمة.
"إحنا مش لوحدنا هنا، لسه فيه حد تاني حوالينا وبيراقبنا ، أنا مش مرتاح " تمتم بها إلياس بصوت خافت.
فظهر ليث من العدم، وكأنه جزء من الظلام نفسه، وقال بصوت هادئ محذر :
"مش لازم نضيع وقت ، لازم نتحرك من هنا بسرعة قبل ما يدركوا إننا هنا."
لكن وقبل أن يتمكن أحمد من الرد، دوّى صوت منخفض كأنه زئير مكتوم...
صوت تردد صداه في الأرجاء. كانت الجدران تتحرك، تنبض كأنها حية.
فهرول سريعا هو وإلياس خلف ليث الذي سبقهم بعدة خطوات نحو ركن مظلم بالقاعة...
وبعد قليل..
تمتم أحمد قائلا :
"إحنا فين بالضبط؟"
تقدم ليث قليلا ، وهو يشير نحو نفق ضيق ينفتح أمامهم: "ده ممر المعرفة، المكان الوحيد اللي نقدر نعرف منه أصل اللعنة "
تردد أحمد للحظة، لكنه قرر أن يستمر.
فلم يكن لديه خيار آخر.
وبداخل ممر المعرفة كانت الجدران مغطاة بنقوش تتحرك ببطء، تروي قصة غامضة لم يستطع إلياس ترجمتها رغم تحديقه بها .
فلمس أحمد أحد الرموز، وفجأة، اجتاحت رأسه صور متتابعة...
معارك قديمة...
كائنات مظلمة...
وانهيار حضارات...
فشدّه إلياس بعيدًا وهو يقول :
"ما تلمسش حاجة هنا ! ،إحنا ما نعرفش نتيجة أي خطوة ممكن نعملها بدون تفكير ، المكان ده مافيش فيه مجال للخطأ "
لكن...
أحمد كان قد رأى شيئًا… صورة لسارة ويحيى.
مرة آخرى !!
فرد وهو ينظر للأفق وكأنه مغيب :
"شفتهم! ..كانوا هنا!"
فنظر ليث إليه بحدة وقال وهو يحاول إفاقته من حالته تلك :
"إنت متأكد؟"
أومأ أحمد برأسه بعنف وقال :
"مش بس متأكد أنا كمان حسيت بيهم!"
وقبل أن يتمكن أي منهم من استيعاب ذلك، انفتح النفق إلى قاعة ضخمة أخري ، فأنطلقوا نحوها ، وما أن تخطوها حتي أغلقت خلفهم علي الفور مصدرة صوت إنفجار ضخم و...
وأظلم المكان كله دفعة واحدة..
وقف أحمد في وسط الظلام، أنفاسه تتسارع وهو يحدق في الفراغ أمامه.
كان كل شيء ساكنًا، لكن إحساسًا عميقًا بالرهبة كان يخنقه.
حاول النداء بنبرات مختنقه علي إلياس وليث...
لكن دون رد من أي منهما...
ظل يحاول عدة مرات حتي تملكه اليأس...
أين ذهب إلياس؟
وأين اختفى ليث؟
فجأة...
انبثقت أضواء زرقاء باهتة من قلب الظلام ، تتراقص كأنها أرواح هائمة.
بدأ المكان يتضح شيئًا فشيئًا…
فوجد نفسه يقف أمام بوابة ضخمة منحوتة من حجر أسود، عليها نقوش غريبة تتوهج كلما اقترب منها.
حينها سمع صوت مألوف اخترق السكون :
صوت كان يعرفه جيدا ...
ويبحث عن صاحبه من بداية تلك الرحلة الملعونة...
صوت كان يقول :
"أحمد… أنت هنا أخيرًا."
فالتفت بسرعة، فرأى يحيى يقف على بعد خطوات منه !
كانت ملامحه شاحبة،وعينيه تحملان مزيجًا من الخوف والألم...
"يحيى؟! إنت إزاي وصلت لهنا؟ ،وسارة... سارة فين؟"
قالها أحمد بلهفة...
فاقترب منه يحيى ببطء وقال بصوت كافح ليخرجه :
"إحنا عمرنا ما خرجنا من العالم ده يا أحمد، إحنا محبوسين فيه من البداية.
بس أنت الوحيد اللي تقدر تكسر السجن الملعون دا."
ارتجف جسد أحمد قبل أن يقول :
"تقصد أيه يا يحيي؟"
لكن وقبل أن يجيبه يحيي، دوى صوت انفجار قوي، وانفتحت البوابة التي كان يقف أمامها أحمد بقوة ساحقة، وكأنها كانت تنتظر وصوله.
ومن داخلها، انبعث ضوء أحمر قاتم، ومعه همسات مرعبة تمزق الأجواء حوله.
فجأة...
ظهر إلياس ، بوجه متجهم، وصرخ قائلا : "ماتدخلش ! دي … فخ!"
لكن...
الأوان كان قد فات.
فقد دخل أحمد البوابة...
وشعر داخلها بقوة لا تُقاوم تجذبه نحو الداخل، وقبل أن يختفي تمامًا، رأى لمحة من سارة…
كانت تقف في الظلام، عيناها مملوءتان بالخوف، وشفتيها تتحركان بكلمات لم يستطع سماعها أو فهمها...
ثم…
اختفى كل شيء !
تعليقات
إرسال تعليق