
قصة الشخصية المحذوفة الجزء الثاني البارت الثالث 3 بقلم احمد عصام أبوقايد
العبور الأول
وقف أحمد في وسط القاعة، يشعر بأنفاسه تتسارع مع كل كلمة ينطق بها ذلك الرجل المجهول.
كانت جدران المعبد العتيق تهتز بخفة كأنها تتجاوب مع الحديث الدائر، أو ربما مع الطاقة الكامنة في هذا المكان.
عقد إلياس ذراعيه ناظرًا إلى الرجل بعينين ضضيقتي وقال : "مش لازم الألغاز دي كلها لو عندك معلومات تفيدنا، قولها على طول."
ابتسم الرجل بسخرية، ثم مشى ببطء حول المنصة الدائرية في منتصف القاعة ورد قائلا "
"كل شيء له وقته، وإنت أكتر واحد لازم تفهم النقطة دي يا إلياس."
شعر أحمد بوخزة من التوتر قبل أن يقول :
"إنت تعرفه؟"
التفت الرجل إلي أحمد بثبات وقال :
"أنا أعرف أكتر مما تتخيل ، وأعرف كمان إنك لسه مش مستوعب وضعك في كل ده."
نظر أحمد نحو إلياس مستفسرًا، لكنه لم يجد سوى الصمت في عينيه.
عاد بنظره إلى الرجل مرة آخرى وقال بصوت حازم: "إحنا مش هنضيع وقت في كلام بدون فايدة، قول الحقيقة، دلوقتي."
الرجل أومأ برأسه ببطء وقال: "تمام… الحقيقة اللي إنت بتدور عليها، موجودة هنا في المدينة دي، محفورة في جدرانها، وفي دماء اللي ماتوا عشان يحموها.
العالم الآخر ماكنش دايمًا بالشكل اللي شايفه دلوقتي، كان مملكة، وكان فيها ملوك وحراس وكان فيها لعنة، لعنة مش مجرد قوة خارقة ،بل عقاب، سلاح، كارثة صممت عشان تمحو كل شيء."
أحمد شعر بجسده يقشعر وقال بتوتر :
"مين اللي عملها؟ وليه؟"
الرجل رفع رأسه نحو سقف المعبد، حيث كانت النقوش القديمة تلمع بضوء أزرق باهت ورد قائلا :
"سؤال مهم… بس الإجابة عليه أصعب مما تتخيل.
اللعنة بدأت لما انقسمت المملكة، وبدأت الحرب بين الفصائل المختلفة، كل واحد كان عايز القوة المطلقة .. السيطرة...
وأي شيء كان هيقف في طريقهم كان لازم يختفي."
إلياس تمتم:
"وده اللي حصل فعلًا… المملكة انهارت، بس اللعنة فضلت موجودة."
الرجل أومأ برأسه وعاد ليقول:
"مش بس فضلت موجودة… دي بتتجدد...
بتكبر...
وبتحاول تلاقي طريقة تخرج بيها.
ثم وجه أنظاره نحو أحمد وأستطرد قائلا :
وأنت يا أحمد وجودك هنا مش مجرد صدفه، ولا مجرد لعنة أصابتك… إنت جزء من كل ده."
شعر أحمد كأن الأرض تهتز تحت قدميه وهو يتمتم في عدم فهم :
"أنا؟! إزاي؟!"
اقترب الرجل منه، وحدق في عينيه بعمق ثم قال :
"إنت مش بس ضحية… إنت المفتاح اللي ممكن يقفل البوابة أو يفتحها بالكامل.
الاختيار هيكون بإيدك ،بس قبل ما تقرر، لازم تعرف الثمن."
ساد الصمت للحظات..
فقط صوت أنفاسهم كان مسموعًا في القاعة.
ثم سأل أحمد بصوت بالكاد خرج من حلقه:
"وإيه هو الثمن؟"
ابتسم الرجل ابتسامة باردة ثم قال بهدوء:
"حياتك…!"
وقف أحمد في وسط القاعة، قلبه ينبض بسرعة وهو يستوعب كلمات الرجل المجهول.
لم يكن مجرد شخص عالق في هذا العالم، لكن فيما يبدو أنه محورًا لشيء أكبر بكثير مما تخيله.
إلياس أيضا لم يكن أقل توترًا. فنظر إلى الرجل بحدة وقال: "يعني إنت بتقول إن أحمد هو السبب في كل ده؟ إزاي؟!"
أطلق الرجل زفرة ثقيلة وقال: "أنا ماقولتش إنه السبب… لكنه القطعة الأخيرة في اللغز.. المفتاح اللي يقدر يحسم مصير العالم ده."
ثم مشى ببطء حول المنصة الدائرية، حيث كانت النقوش على الأرض تضيء بخفوت تحت قدميه.
حينها شعر أحمد بأنفاسه تضيق قبل أن ينطق بصعوبه قائلا :
"بس أنا… مجرد شخص عادي !
مفيش حاجة مميزه فيا تخلي الكلام ده منطقي."
نظر الرجل إليه مباشرة، ثم رفع يده..
وفي لحظة اشتعل ضوء أزرق باهت في الهواء، مكونًا صورة ضبابية لمدينة عظيمة، كانت تضج بالحياة…
ثم فجأة .. تحولت إلى أنقاض، وصراخ مختلط بأصوات الوحوش قد ملأ الأرجاء.
نظر إلياس إلى المشهد بذهول وقال :
"دي المدينة اللي إحنا فيها؟!"
أومأ الرجل برأسه ورد قائلا :
"زمان، قبل آلاف السنين، كانت دي أعظم مدينة في العالم الآخر.
كانت مقر الحكام، والعلماء، والحراس ، لكن اللعنة دمّرت كل شيء.
ومفتاح الخلاص…
كان دايمًا ضايع…
صمت الرجل للحظات قبل أن يعود ليكمل حديثه وهو يحدق في أحمد قائلا :
لحد دلوقتي بس"
ابتلع أحمد ريقه وقال بتوتر ملحوظ :
"يعني… أنا المفروض أعمل إيه؟"
الرجل أشار إلى النقوش المتوهجة على الأرض وهو يقول :
"تفهم الأول إنت مين ؟، وإيه اللي بيجري في دمك الأول !
ساد الصمت اللحظات بين الجميع ،ونظرات التوتر وعدم الفهم مرتسمة علي وجه أحمد ، فعاد الرجل الذي لاحظ ذلك ليقول :
وعلي فكرة الإجابة هتلاقيها جواك يا أحمد."
صمت ثقيل خيم على المكان مرة آخرى ، قبل أن يقطع الرجل السكون بقوله:
"الرحلة بدأت… ومفيش رجوع."
وقف أحمد في وسط القاعة الحجرية، عينيه تتحركان بين التماثيل الغامضة والنقوش التي تحاول أن تروي قصة لم يفهمها بعد.
كانت هناك طاقة غريبة تملأ المكان، وكأن الجدران نفسها تحمل ذكريات قديمة تحاول أن تهمس بها إليهم!
حينها كان إلياس يقف بجواره، ينظر إلى الرجل الغامض الذي ادعى أنه آخر الحراس الحقيقيين.
والذي كان وبرغم صوته الهادئ، كانت كلماته تحمل ثقلًا غريبًا.
ثقلا جعل أحمد يشعر بأنه يقترب من شيء مهم…
شيء قد يغير كل شيء...
"إنت قلت إن العالم ده بقايا حضارة قديمة ، تقصد حضارة إيه؟" سأل أحمد الحارس الأخير بطريقة حاول بها الحفاظ على ثبات صوته.
فابتسم الرجل ابتسامة غامضة وقال:
"قبل آلاف السنين، كان هذا المكان مملكة عظيمة، يحكمها ملوك يعرفون أسرار الوجود. لكن شيئًا ما استيقظ من الظلام…
شيء لا يجب أن يوجد من الأساس !."
نظر أحمد إلى إلياس، الذي بدا عليه التوتر، ثم عاد ببصره إلى الحارس وقال:
"إيه هو الشيء ده؟"
الابتسامة على وجه الحارس قد تلاشت، ثم قال بصوت خافت لكنه يحمل رهبة: "اللعنة..."
تردد صدى الكلمة في القاعة، وكأن الجدران نفسها ارتعشت عند سماعها !
ثم عاد الحارس الأخير ليكمل حديثه قائلا :
"اللعنة دي مش مجرد سحر أو قوة شريرة…
دي نتيجة تمرد على قوانين الوجود نفسه.
الملوك القدماء حاولوا استغلال شيء أكبر منهم، وكنتيجة لذلك، تحول العالم ده لسجن لكل من لمس اللعنة."
شعر أحمد بقشعريرة تسري في جسده قبل أن يقول في توتر ملحوظ :
"وإيه علاقة اللعنة دي بيا؟ وليه أنا هنا؟"
نظر إليه الحارس نظرة طويلة، ثم قال:
"لأنك المفتاح… أنت لم تدخل هذا العالم صدفة يا أحمد.
فدمك يحمل إرثًا قديمًا، شيء يجعلك قادرًا على مواجهة تلك اللعنة… أو بالأحري تحريرها."
ظل أحمد واجما ينظر الي الرجل في صما بينما قاطع إلياس الحديث بحدة قائلا : "نحررها ؟! ،إحنا مش هنا عشان نحررها، إحنا هنا عشان نوقفها!"
أومأ الحارس برأسه ببطء وقال:
"ولكن لإيقافها ، يجب أن تفهموها أولًا.
وهذا لن يحدث إلا إذا واجهتم الحقيقة بأنفسكم."
ثم استدار وسار باتجاه أحد الجدران، حيث ظهرت دائرة متوهجة بلون أزرق خافت.
فمد يده ولمسها، فانفتحت فجوة في الجدار، كاشفة عن ممر طويل مظلم.
"هذه هي الخطوة الأولى… الطريق إلى المعرفة." قالها الحارس الأخير وهو ينظر إليهما.
تبادل أحمد النظر مع إلياس، ثم قال:
"مفيش طريق رجوع، صح؟"
فابتسم الحارس ورد قائلا : "الرجوع مش دايمًا خيار، لكن اللي قدامكم هو الحقيقة اللي بتدوروا عليها.
فهل أنتم مستعدون؟"
لم يكن هناك وقت للتردد.
أخذ أحمد نفسًا عميقًا، ثم خطا إلى الداخل، تاركًا خلفه كل ما كان يعتقد أنه يعرفه…
متجهًا نحو المجهول.
دخل أحمد لتلك الفجوة وتبعه إلياس وعلي الجانب الأخر كان أحمد يشعر بضغط هائل على صدره وهو يقف في الظلام الحالك.
المكان كان فارغًا، لكنه لم يكن مجرد فراغ…
كان يشعر وكأن هنالك شيء يراقبه.
شيء لم يتمكن من رؤيته لكنه شعر بوجوده يحيط به من كل جانب.
صوت إلياس جاء من بعيد، كأنه قادم من أعماق سحيقة وهو يقول :
"أحمد… متسيبش الظلام يسيطر عليك!"
حاول أحمد التحرك، لكن قدميه كانتا مغروزتين في الأرض كأنها تحاول ابتلاعه.
بدأ الظلام يلتف حوله كضباب كثيف، وأصوات غامضة بدأت تتردد في رأسه…
"المفتاح…
الدم…
البوابة…"
فجأة...
شعر أحمد بيد تُمسك بذراعه وتسحبه بقوة.
لقد كان إلياس...
بوجه متجهم وعينان مليئتان بالقلق...
"أحمد، فوق!
مفيش وقت!"
تنفس أحمد بصعوبة، ونظر حوله…
لكنه لم يكن في الظلام بعد الآن.
كان واقفًا وسط قاعة واسعة، جدرانها مزينة برموز متوهجة، وفي وسطها نافورة حجرية تنبعث منها مياه سوداء تتلألأ كأنها تعكس صورًا من أماكن بعيدة.
"إحنا فين…؟"
قالها إلياس وهو ينظر إلى الحارس الأخير، الذي كان يقف عند حافة النافورة، يراقب المياه بهدوء.
فرد عليه الحارس قائلا :
"أنتم في قلب المدينة، حيث تُخزَّن كل الذكريات القديمة."
اقترب أحمد من النافورة ونظر داخلها لكنه....
لكنه لم يرَ مجرد مياه سوداء. رأى صورًا تتحرك…
لقطات مشوشة لأشخاص يصرخون...
معابد تنهار...
ظلال ضخمة تبتلع مدنًا كاملة ! ثم… رأى وجهًا مألوفًا..
"يحيى؟!"
فأتسعت عيناه عندما رأى صديقه في المياه، محبوسًا داخل قفص حجري، وجهه شاحب وكأن روحه تسحب منه ببطء.
وبجانبه كانت سارة راكعة على الأرض، تمسك رأسها وكأنها تعاني من ألم شديد.
"لا… ده مستحيل…" ردد بها أحمد .
فرد الحارس بصوت هادئ محمل بالثقل قائلا :
"أصدقاؤك محتجزون في أحد أعماق هذا العالم ، ومصيرهم مرتبط بمصيرك."
شعر أحمد بقبضة من الخوف تضغط على قلبه.
فالتفت إلى إلياس وقال بصوت ثابت رغم اضطرابه:
"لازم نلاقيهم… بأي ثمن."
فابتسم الحارس ابتسامة صغيرة وقال:
"إذن، استعد… لأن رحلتك الحقيقية… تبدأ الآن...