
قصة الشخصية المحذوفة الجزء الثاني البارت الثالث عشر 13 بقلم احمد عصام أبوقايد
نبوءة الدماء
____________
ومع آخر كلمات ذلك الإنعكاس المشوه إختفي فجأة كما ظهر فجأة !!
عالم غريب وليس مفهوما أبدا !!
فجأة بدأت الجدران تهتز من حوله ، وشعر أحمد بأن الهواء أصبح أكثر ثقلًا، وكأن شيئًا غير مرئي يحاول سحب روحه من جسده.
"إحنا لازم نتحرك دلوقتي!" صرخت بها سارة، وهي تنظر إلى يحيى، الذي بدا وكأنه في صراع داخلي.
فالتفت أحمد نحوهما وهو لا يصدق ما يحدث فقد كان وحده مع إنعكاسه المشوه للتو !!
سحقا لهذا العالم الذي يضاهي أكثر الكوابيس رعبا !!
عالم لا ثوابت فيه مطلقا ، كل شئ فيه يظهر ويختفي فجأة !!!
و قبل أن يتمكن أي أحد من اتخاذ خطوة، دوى صوت مخيف في أرجاء القاعة قائلا :
"لا فرار من النبوءة... الدماء ستعيد التوازن أو تدمره إلى الأبد."
وقف الجميع في صمت مميت، حتى ظهر من الظلام شخص طويل القامة، عيونه متوهجة بلون أحمر خافت، وملامحه لم تكن واضحة كليًا، لكنها كانت تحمل شبهًا غريبًا بأحدهم.
"من... من أنت؟"
تمتم بها أحمد، وهو يشعر بأن هذا الكيان مألوف بشكل مخيف.
الشخص المجهول تقدم بخطوة إلى الأمام وقال بصوت عميق:
"أنا من رأى النبوءة أول مرة، وأنا من حاول منعها... لكن الآن، كل شيء قد خرج عن السيطرة."
إلياس الذي كان يراقب بصمت همس قائلا :
"دي مجرد أوهام... لازم نركز على الخروج من هنا."
لكن الشخص المجهول نظر إليه مباشرة وقال:
"الوهم هو ما كنتم تعتقدونه حقيقة... كل ما عشتموه، كل من وثقتم بهم، مجرد قطع في رقعة الشطرنج القديمة."
نظر أحمد إلى يحيى وسارة، ثم إلى إلياس، ثم تمتم: "إحنا لازم نعرف الحقيقة... وإلا هنفضل ضايعين هنا إلى الأبد."
الشخص المجهول ابتسم للمرة الأولى وقال:
"إذن، استعدوا لرؤية الوجه الحقيقي لهذا العالم."
زحف الظلام ببطء، ملتهما المساحات حولهم كما لو كان كيانًا حيًا جائعًا.
نظر أحمد إلى يحيى وسارة، وكانا ما زالا متجمدين في مكانيهما، وكأنهما يحاولان استيعاب ما يحدث.
لم يستطع أحمد كبح ارتجاف صوته وهو يقول :
"إلياس… إنت عارف اللي بيحصل، مش كده؟"
إلياس لم يرد فورًا، فقط نظر إليه نظرة طويلة ثم قال:
"من اللحظة اللي دخلت فيها العالم ده، وأصبح جزء منك وانت بقيت جزء منه… ومهما حاولت تهرب، الحقيقة هتطاردك."
تحركت الجدران مرة أخرى، لكن هذه المرة، لم تكن مجرد حركة… بل بدأت تتشقق كاشفة عن شيء خلفها.
ضوء أزرق متوهج كان ينبعث من الشقوق، ومعه، صوت هامس…
همسات كثيرة متداخلة ، كأنها أرواح سجينة تحاول الحديث !
وفجأة...
انفتح أحد الشقوق بالكامل، وكشف عن باب حجري ضخم منقوش عليه رموز غريبة…
لكن الغريب هو أن أحمد قد عرفها، علي الرغم من أنه لم يرها من قبل !
"دي… نفس الرموز اللي شفتها في كوابيسي…" قالها بصوت بالكاد خرج من حلقه.
نظر يحيى إليه بحدة ثم قال :
"كوابيس؟ تقصد… أنت كنت بتشوف ده قبل ما نيجي هنا؟"
لكن قبل أن يجيب، زاد توهج ذلك الضوء الأزرق من البوابة...
لم يكن ذلك الضوء مجرد إضاءة عابرة، بل كان نابضًا بالحياة...
كأنه كائن حي يراقبهم...
شعر أحمد بأن نبضاته تتسارع، بينما الهواء حولهم أصبح مشحونًا بطاقة غامضة، وكأنهم عبروا إلى بُعد آخر دون أن يشعروا.
وقف الجميع أمام الباب الحجري المفتوح، يحدقون فيما وراءه…
ممر طويل يمتد إلى ما لا نهاية، جدرانه مغطاة بنقوش قديمة تتراقص كأنها تحاول الهروب من الحجارة التي سُجنت داخلها.
خطا يحيى خطوة إلى الأمام، لكنه تردد ثم نظر إلى أحمد وقال بصوت متردد :
"إحنا… فعلاً لازم نكمل؟"
إلياس لم ينتظر، بل عبر البوابة دون أي تردد، وقال وهو يمشي ببطء داخل الممر:
"مافيش طريق للرجوع… الحقيقة قربت، ولو فضلنا واقفين هنا هنضيع للأبد."
تبعته سارة و نظراتها تعكس مزيجًا من الخوف والإصرار، ثم تبعها أحمد ويحيى، ليجدوا أنفسهم داخل ذلك الممر .
كل خطوة كانوا يخطونها داخل هذا الممر جعلت الواقع نفسه يبدو غير مستقر.
الجدران من حولهم بدأت تتغير، تتحرك، كأنها تتنفس. النقوش لم تعد مجرد رموز، بل صارت أشكالًا تخرج منها أصوات هامسة، كأنها تهمس لهم بأسرار لا يجب أن تُقال.
وفجأة…
توقف إلياس، ورفع يده ليشير إلى شيء أمامهم.
لقد كان هناك باب آخر، لكنه لم يكن مثل الباب السابق. كان مصنوعًا من مادة سوداء، تشبه العدم نفسه، وكأنه قطعة من الظلام الخالص !
وقبل أن يتمكن أي منهم من النطق، ظهر وجه داخل الباب، لم يكن مجرد وجه !
بل كان يتكون من وجوه عديدة تتبدل بسرعة مخيفة، حتى استقرت أخيرًا على وجه مألوف…
وجه أحمد!
"أحمد…"
كان الصوت خارجًا من الباب، لكنه لم يكن صوتًا بشريًا، بل كان مزيجًا من أصوات متعددة، تتحدث في آنٍ واحد !
شعر أحمد بشيء يجذبه للأمام، كأن الباب يناديه، أو كأن جزءًا منه كان هناك…
ينتظره منذ الأزل !
وقف أحمد يحدق في وجهه المنعكس على سطح الباب الأسود.
لم يكن مجرد انعكاس…
بل كان حيًا، يحدق فيه كما يحدق هو إليه، وكأنهما كائنان منفصلان يتبادلان النظرات عبر بُعد مجهول!
"إحنا أتأخرنا…"
قالها الصوت القادم من الباب، وكان يتردد في أرجاء الممر كصدى قديم قد عاد للتو إلى الحياة!
تراجع يحيى خطوة للخلف، وعيناه تتسعان بخوف مكتوم قبل أن يقول :
"ده مش طبيعي… مش طبيعي أبدًا."
إلياس الذي لم يُظهر أي انفعال، نظر إلى أحمد وقال:
"اسأله يا أحمد … أنت عارف إنك لازم تعمل كده."
ابتلع أحمد ريقه، ثم قال بصوت مرتجف:
" إنت مين ؟"
ضحك الوجه الذي بالباب، بضحكة غير بشرية، كأن عشرات الكيانات كانت تضحك في نفس الوقت ثم قال بصوت هادئ :
"أنا هو أنت… النسخة اللي كنت خايف تبقى عليها… أنا الحقيقة اللي هربت منها طول حياتك."
شعر أحمد بدمائه تتجمد.
لم يستطع أن يرد !!
فقط وقف عاجزًا عن الفهم...
عن التصديق...
لكنه شعر بشيء داخله يتحرك،وكأن هذا الكيان لم يكن يكذب…
كأنه يعرفه أكثر مما يعرف نفسه !
اقتربت سارة بحذر ثم قالت موجهة حديثها لذلك الوجه بصوت مرتجف :
"لو كنت حقيقته… يبقى قل لنا إيه اللي مستنينا ورا الباب ده؟"
ابتسم الوجه بابتسامة باردة خالية من أي مشاعر وقال :
"وراء هذا الباب… الجواب على كل الأسئلة… بس هل أنتم مستعدين تدفعوا الثمن؟"
ساد الصمت...
الجميع شعر بأنهم على وشك اتخاذ خطوة لا رجعة فيها...
لكن أحمد… كان يعلم أنه لا خيار لديه.
فمد يده، ووضعها على الباب الأسود.
وفجأة…
العالم كله انهار من حولهم.
لم يكن هذه المرة انهيارًا عاديًا…
بل كان كما لو أن الواقع نفسه يتفكك، يذوب مثل ورقة تحترق ببطء، تاركًا خلفه فراغًا ممتدًا بلا نهاية.
وجد أحمد نفسه يطفو وسط الظلام...
لم يكن هناك أرض تحته، ولا سماء فوقه…
فقط فضاء لا حدود له، تملؤه همسات خافتة بالكاد تُسمع، لكنها كانت تتسلل إلى عقله مباشرة.
"أحمد!"
صوت يحيى جاء من العدم، لكنه بدا بعيدًا رغم قربه.
استدار بسرعة، فرأى يحيى وسارة وإلياس يطفون مثله، وجوههم شاحبة وعيونهم متسعة برعب مكتوم.
"إحنا فين؟!"
صرخت بها سارة وهي تحاول التحرك، لكن بلا جدوى، لم يكن هناك أي سطح لتدوس عليه.
أما إلياس فقد بدا أكثر هدوءًا من الجميع لم يتأثر بما يحدث !
وفي تلك اللحظة، بدأ الظلام يتغير…
تشكّل من داخله كيان هائل...
كيان كأنه جزء من الفضاء نفسه، ملامحه غير واضحة، لكنه كان ينظر إليهم.
"أنتم… جئتم تطلبون الحقيقة."
جاء الصوت كأنه يُبث من داخل عقولهم مباشرة !
شعر أحمد بجسده يرتجف، لكنه تشجع وسأل بصوت مبحوح:
"إحنا هنا ليه؟ إيه اللي مستنينا؟"
ساد الصمت للحظة، ثم جاء الرد…
ليس بالكلمات، لكن هذه المرة بالصور !!
رأى أحمد مشاهد تتوالى أمامه بسرعة خاطفة !
مدينة غارقة وسط العدم، أبراجها منحوتة بأشكال غريبة لا تنتمي لهذا العالم !
كائنات بعيون جوفاء تزحف وسط الظلال، تبحث عن شيء لا يُرى !
كيان ضخم جالس على عرش من عظام، عيونه تحترق بضوء أزرق مخيف !
ورأى نفسه واقفًا أمام هذا الكيان، لكن ليس كما هو الآن !
بل نسخة أخرى منه... لكنها أقوى وأشد ظلمة !
وعندما انتهت الرؤى، شعر أحمد بصداع حاد كأن رأسه سينفجر.
"ده… ده مش حقيقي…"
تمتم بها أحمد بصوت بالكاد خرج منه.
لكن الكيان قال ببرود:
"بل هذه الحقيقة التي كنت ترفض رؤيتها…
وأنت… أنت هو المفتاح لكل شيء."
بدأ الفضاء يهتز، كأن الواقع نفسه يتمزق !
وأحمد أدرك أنهم ليسوا هنا لمجرد البحث عن إجابات…
بل كانوا قطعًا في لعبة أكبر منهم بكثير !
لقراءة جميع حلقات القصه من هنا