
قصة الشخصية المحذوفة الجزء الثاني البارت الثاني عشر 12 بقلم احمد عصام أبوقايد
اللغز المفقود
_____________
كان العالم ينهار من حولهم، لكن أحمد لم يكن يشعر بالخوف فقط…
كان هناك شيء آخر...
شعور دفين بأنه على وشك كشف الحقيقة !
وقف يحيى أمامه، وعيناه تعكسان ظلالًا من ماضٍ لا يتذكره بالكامل.
وبجواره سارة بدت وكأنها تحاول استيعاب ما يحدث، لكن قلبه يحدثه بأنها ليست نفس سارة التي رافقته منذ البداية !
"إحنا هنا من زمان… وإنت آخر قطعة في اللغز." قالها يحيى بنبرة غامضة !
لم يتحمل أحمد هذه المرة و شعر أن عقله يصرخ.
"كفايه ألغاز إيه اللي تقصده بالضبط ؟ إنتو كنتوا معايا طول الوقت ولا دول… نسخ تانية منكم؟"
لم يرد يحيى ، لكنه أشار نحو الجدران المتشققة التي بدأت تكشف خلفها ظلامًا أعمق…
ظلامًا ينبض بالحياة !
"المكان ده… هو الحقيقة اللي كنا بندور عليها.
إحنا جزء من اللعنة يا أحمد، ومهما حاولت تهرب… مصيرك مربوط بينا إحنا ."
تقدمت سارة خطوة، وهي تنظر نحو أحمد بنظرة تحمل شيئًا غريبًا ثم قالت :
"المفتاح… إنت المفتاح مش كده؟ عشان كده إنت هنا؟"
زاد الضغط والألم علي عقل أحمد قبل أن يرد قائلا : "مفتاح لإيه؟"
وقبل أن ترد سارة انفتح الشرخ في الجدران أكثر، وظهر خلفه كيان غامض!
كيان وجهه ليس واضح تماما ، لكنه كان مألوفًا !
"أحمد… هل أنت مستعد لمواجهة الحقيقة؟"
ومع آخر الحروف التي نطق بها ذلك الكيان بدأت الجدران تهتز وكأنها تتنفس !
شعر أحمد أن الأرض نفسها تخونه،وتفقد ثباتها تحت قدميه.
أما يحيى وسارة فلم يتحركا، وكأنهما جزء من هذا المكان، أو كأنهما قد اندمجا مع لعنة العالم الغريب!
"إحنا هنا من زمان… وإنت آخر قطعة في اللغز." كانت تلك كلمات يحيى التي لازالت تتردد في عقل أحمد، تتشربها روحه وكأنها حقيقة لم يدركها إلا الآن.
"أنتم… أنتم مش حقيقيين؟"
خرجت هذه الكلمات من فم أحمد بصعوبة، وهو يراقب انعكاساتهما في الجدران المتغيرة !
اقتربت منه سارة ، لكنها لم تبدُ كسارة التي عرفها ! فقد كانت عيناها أكثر قتامة، وكأنهما نوافذ على بعد آخر قبل أن تقول :
"إحنا كنا هنا حتى من قبل ما تيجي… بس وجودك هو اللي صحّانا من السبات ."
تراجع أحمد خطوة للوراء ، ثم نظر إلى الغريب المتحول بجانبه.
ملامحه كانت تعكس وجوهًا مختلفة الآن، وجوه أشخاص لم يعرفهم، لكنهم جميعًا حملوا نفس النظرة…
نظرة العارفين بسر لم يُكشف بعد!
"مفيش وقت للأسئلة… لازم تكمّل الطريق ."
قالها الكيان الغريب بصوت مزدوج، وكأن أكثر من كيان يتحدث في آنٍ واحد !
وقبل أن يتمكن أحمد من الرد، تهاوت الجدران فجأة، وانكشفت خلفها بوابة مظلمة ...
دوامة سوداء تعج بأصوات الهمس والصرخات البعيدة...
فجأة أصبح الهواء ثقيلاً، مشحونًا بطاقة لم يشعر بها من قبل !
"الطريق ده… هيكشف لك كل حاجة… "
قالها الكيان الغريب وهو يشير إلي البوابة ...
نظر أحمد إلى يحيى وسارة، ثم إلى الكيان الغريب، ثم إلى البوابة.
كان يعلم أنه لا رجوع بعد هذه الخطوة.
ثم…
تقدم.
ومع تقدمه نحو البوابة بدأ العالم ينهار من حولهم...
الأرض تهتز، والجدران تتشقق وكأنها لم تكن أكثر من وهم هش !
وكانت أعين يحيى وسارة تلمع بغموض غريب، بينما أحمد كان يحاول استيعاب ما يحدث.
"كفاية ألغاز… قولولي الحقيقة!"
صرخ بها أحمد، لكن صوته ضاع وسط الضجيج المتزايد !
اقترب منه يحيى بخطوات ثابتة، وكأن الفوضى من حولهم لا تمسه وقال :
"الحقيقة مش بسيطة يا أحمد… ولو عرفتها، مش هتقدر ترجع تاني."
نظر أحمد إلى سارة، علّه يجد إجابة مختلفة يستطيع فهمها ، لكنها فقط هزت رأسها وقالت بصوت بالكاد يُسمع:
"إحنا بقينا جزء من اللعنة… وأنت كمان يا أحمد ."
قبل أن يتمكن أحمد من الرد، اختفت الأرض تحت قدميه !!
شعر بسقوط مفاجئ، لكنه لم يسقط وحده…
فقد كان يحيى وسارة يسقطان معه، وذلك الكيان الغريب كان يراقبهم من الأعلى بابتسامة هادئة، وكأنه كان يتوقع كل هذا منذ البداية !
ثم…
توقف السقوط !
وجد أحمد نفسه واقفًا في مكان مختلف تمامًا.
كانت غرفة ضخمة، جدرانها مغطاة بنقوش غريبة تتحرك ببطء.
وفي وسط الغرفة، كان هناك تمثال ضخم لشيء لم يكن بشريًا بالكامل…
شيء له وجه نصفه ظل، ونصفه نور !
"المفتاح… أخيرًا وصل."
قالها صوت كان يأتي من كل الاتجاهات.
ولم يكن بإمكان أحمد تحديد مصدره.
التفت أحمد ليجد يحيى وسارة بجواره، لكنهما بديا مختلفين…
وكأنهما قد تغيرا في لحظة !
وجهيهما كانا يحملان مزيجًا من الألم والمعرفة، كأنهما استعادا شيئًا كان ضائعًا عنهما للتو !
"أحمد…"
قالها يحيى بصوت عميق، وكأنه يتحدث لأول مرة بصوته الحقيقي.
ثم يستطرد قائلا بنفس ذلك الصوت العميق :
"الليلة… كل شيء هيتحدد."
فقالت سارة :
"اللعنة مش مجرد لعنة"
ثم عادت و أضافت وهي تقترب من التمثال العملاق :
"دي حرب… وأنت مش مجرد ضحية."
نظر أحمد إليهما ثم إلى التمثال، ثم إلى النقوش التي بدأت تتغير بسرعة…
وبدأت الحقيقة تظهر أمامه !
شعر أحمد وكأن الأرض تحت قدميه لم تعد ثابتة..
كأن العالم بأسره بدأ يتشوه أمام عينيه...
وكان يحيى وسارة يقفان أمامه، لكن أعينهما لم تكن تحمل نفس الحياة التي تذكرها.
فجأة حدث شئ غريب...
شيء لا يمكن تفسيره بسهولة !
لقد ظهر إلياس من العدم وعلي وجهه آثار معاناة وإرهاق وكأنه قد خرج من صراع للتو !
"دي مش سارة… ولا يحيى اللي نعرفهم يا أحمد. "
نظر أحمد إليه في تعجب وهو لا يصدق أنه قد عاد مرة آخرى!
تقدمت سارة نحو إلياس بخطوات بطيئة، بينما كانت عيناها تتغيران، تتوهجان بلون أسود عميق، وكأنها أصبحت انعكاسًا لهذا العالم الملعون.
"إلياس… إنت مش المفروض تكون هنا."
كانت كلماتها تحمل نبرة مشحونة خليطًا بين التحذير والتهديد.
شعر أحمد بأنه يهوي في بئر عميق بلا نهاية بسبب ما يحدث أمامه ، عالقا مابين الوهم والواقع !
والأصعب فقدانه القدرة في التفريق بينهما !!
"إنتو مين؟ وإيه اللي حصل ليحيى وسارة الحقيقيين؟"
قالها أحمد بصعوبة وكأن لسانه مثقلا بأوزان خفية !
ضحكت سارة، أو الكيان الذي يشبهها، بصوت خافت وقالت :
"الحقيقيين؟"
ثم أمالت رأسها قليلًا و تابعت قائلة :
"وهل أنت متأكد أنك أنت أيضا حقيقي؟"
مقالته أطاح بأخر ما تبقي من عقل أحمد...
أطاح بكيانه ووعيه وثقته حتي في نفسه !!
وترددت كلماتها الأخيرة بين جدران عقله المدمر
"وهل أنت متأكد أنك أنت أيضا حقيقي؟"
وقبل أن يتمكن أحمد من الوصول الإجابة أو حتي أن يفيق من تلك الصدمة، بدأت الجدران من حولهم تتغير..
تذوب وتتمدد، وكأنهم جميعًا داخل كابوس لا نهاية له...
الأصوات بدأت تتردد في الأرجاء، همسات غير مفهومة، صرخات بعيدة كأنها قادمة من العدم !!
وليث..!
نعم ليث الذي ظهر من العدم أيضا كان يقف بعيدًا !
فصرخ فجأة وهو يقول :
"دي متاهة!
بيحاولوا يحبسوك جواها!"
وقبل أن يتمكن أحد من فعل أي شيء، انفصل الجميع عن بعضهم البعض…
وانقسمت الأرض تحت أقدامهم، وأصبحت كل مجموعة في ممر مختلف، وسط ظلام لا نهاية له.
فوجد أحمد نفسه في ممر ضيق، جدرانه تتحرك وكأنها تتنفس !
همسات غريبة كانت تحيط به، وصور مشوشة من ماضيه بدأت تظهر على تلك الجدران !
رأى نفسه كطفل يركض في أزقة القاهرة...
ثم رأى نفسه في الجامعة يضحك مع يحيى…
ثم رأى لحظة سقوطه في هذا العالم...
ثم...
ومن العدم ظهر أمامه انعكاسه..!
لكنه لم يكن انعكاسًا عاديًا !
"إنت مش مستعد تعرف الحقيقة يا أحمد."
لم يكن هذه المرة مجرد صوت كباقي الأصوات التي كان يسمعها...
بل كان صوته هو... لكن كيف؟
نظر أحمد إلى هذا الانعكاس المشوه ثم سأل:
"إيه الحقيقة اللي بتتكلم عنها؟"
ابتسم انعكاسه بسخرية ثم قال:
"إنك مش مجرد ضحية....