قصة الشخصية المحذوفة الجزء الثاني البارت التاسع عشر 19 بقلم احمد عصام أبوقايد

قصة الشخصية المحذوفة الجزء الثاني البارت التاسع عشر 19 بقلم احمد عصام أبوقايد


الذات الأخرى

_____________


لم يكن هذا مجرد انعكاس، ولم يكن مجرد هلوسة… 

فقد كان أحمد ينظر إلى نسخة منه، لكنها ليست بشرية بالكامل!

 كانت ملامحه مطابقة، لكنها تحمل شيئًا…

 شيئًا ميتًا !

النسخة الأخرى كانت تحدق فيه، وكأنها تحاول قياس ردود أفعاله. 

ثم ابتسمت…

وقالت :

"ما تستغربش أنا… هو أنت."

ظل أحمد يحدق في ذلك الكيان الذي يشبهه دون أي رد فعل علي الرغم من أن الكلمات لم تكن مجرد رد بسيط، بل كانت حقيقة تُفرض عليه.

وبعد لحظات كسر أحمد جدار الصمت قائلا :

"ده مش حقيقي!"

تحركت النسخة الأخرى نحوه ببطء،بخطوات بالكاد تُصدر صوتًا، وكأنها تنزلق على الأرض بدلاً من المشي !

"إنت فضلت عمرك كله تهرب من الحقيقة يا أحمد. بس هنا… مفيش هروب."

وقبل أن يتمكن أحمد من استيعاب ما قيل، تحركت يده الأخرى بسرعة خاطفة، وأمسكت بكتفه بقوة غير طبيعية. 

شعور بارد اخترق جسده، كأن الأصابع التي تلمسه ليست بشرية !

"سيبني!"

قالها أحمد وهو يحاول أن يتراجع، لكنه شعر بشيء يشل حركته.

"لازم تواجهني، دلوقتي… دلوقتي حالاً."

قالتها نسخته الشبيهه بغضب...

وفجأة، تغير كل شيء.

لم يعد في منزله…

 لم يعد هناك جدران أو سقف. 

أصبح محاطًا بالفراغ، بينما يقف أمام ذاته الأخرى، التي بدأت ملامحها تتغير…

 تتحلل… 

وكأنها تتعرض لشيء غير مرئي يمحوها ببطء !

"إنت فاكر نفسك مجرد ضحية؟ فاكر إنك كنت مجرد شخص عادي محبوس في اللعنة دي؟"

قالتها النسخة الأخري بصوت أصبح أكثر تشوهًا، وكأن أكثر من كائن يتحدث في نفس الوقت.

"أنت المفتاح يا أحمد… البوابة اللي كانت مستنيانا من زمان."

شعر أحمد بأن جسده أصبح أثقل ، وكأن الأرض تحاول ابتلاعه. 

ثم فجأة، ظهرت الأبواب من جديد، لكنها هذه المرة كانت كلها مفتوحة… 

وكلها تؤدي إلى نفس المكان !

مكان يعرفه جيدًا…

مكان بدأ فيه كل شيء !!

وجد نفسه واقفًا أمام ذلك المنزل قديم… 

 ذلك المنزل  الذي عاش فيه عندما كان طفلًا. 

كل شيء بدا كما كان يتذكره، لكن هناك فرقًا واحدًا… 

النوافذ كانت مظلمة تمامًا، وكأن ما بداخله  قد تم محوه من الوجود !

حينها النسخة الأخرى منه لم تعد أمامه، لكن صوتها ظل يتردد في عقله قائلا :

"أنت المفتاح… أنت البوابة…"

فجأة شعر أحمد بشعور غريب ...

 قدميه تتحركان من تلقاء نفسيهما نحو الباب، وكأن قوة خفية تدفعه !!

 تردد للحظة، لكنه كان يعلم أنه لا يوجد خيار آخر. رفع يده ببطء، ولمس المقبض…

ففتح الباب.

كانت الرائحة في الداخل مزيجًا بين العفن والذكريات القديمة.

 الأثاث كان كما هو، لكنه مغبر ومهمل، وكأن المنزل ظل مهجورًا لعقود.

 لكن ما لفت انتباهه أكثر كان الطفل الذي يجلس في منتصف الغرفة !!

طفل كان يشبهه تمامًا !

تزايدت دقات قلبه وهو يقترب منه ببطء، ونظر إلى الطفل الذي كان يلعب بلعبة خشبية مألوفة.

 اللعبة نفسها التي كان يحبها وهو صغير. 

شعر بشيء يجذبه إلى الداخل أكثر، وكأنه يسير داخل حلم قديم !!

ثم، بدون سابق إنذار، رفع الطفل رأسه ونظر إليه مباشرة.

" اتأخرت ليه ؟"

قالها الطفل فتجمد أحمد في مكانه،قبل أن يقول :

"إيه؟"

فرد الطفل قائلا ببرائة :

"ليه سبتني لوحدي كل الوقت ده؟"

وقبل أن يرد أحمد بدأ العالم من حوله يهتز، الجدران تتشقق، والظلام بدأ يتسرب من كل زاوية.

وقف الطفل ببطء، الاحد أحمد أن عيونه لم تكن عادية… 

لقد كانت سوداء بالكامل، تعكس الفراغ الذي يبتلع المكان...

ليقترب خطوة من أحمد ثم قال :

"إنت كنت هنا من البداية… دايمًا كنت هنا يا أحمد."

وفجأة، انهار كل شيء…

كان أحمد يسقط…

 لكن السقوط لم يكن جسديًا. 

كان عقله هو الذي يغرق، يُسحب إلى أعماق ذكرياته، أو ربما إلى مكان آخر تمامًا !!

 رأى لمحات… 

أجزاء من حياته، لكنها لم تكن كما يتذكرها...

رأى نفسه طفلًا يجلس في زاوية مظلمة، يبكي بلا صوت... 

رأى والدته تنظر إليه، لكنها لم تبتسم كما اعتاد… 

فقد كانت عيناها فارغتين، وكأنها لا تراه حقًا. رأى إلياس… 

لكن إلياس لم يكن كما كان يعرفه، بل كان ظلًا يتحرك بين العوالم، يراقبه منذ البداية !

ثم رأى نفسه… 

لكن ليس كما هو الآن ، فقد كان شخصًا آخر، أو بالأحرى، كيانًا آخر !!

"أحمد!"

هذه المرة جاء الصوت من مكان بعيد، لكنه اخترق عقله مثل صاعقة. 

لم يكن يعلم من يناديه، لكن الصوت حمل معه إحساسًا بالواقع، بشيء يمكن التمسك به وسط الفوضى التي يمر بها !

و فجأة، توقف السقوط...

فتح أحمد عينيه فوجد نفسه في مكان مألوف…

 كان يقف أمام المرآة السوداء مجددًا. 

لقد عاد إلي نقطة البداية مرة آخرى !!

لكن ... مهلا!

أحمد لم يكن وحده.

 فانعكاسه في المرآة لم يكن مجرد انعكاس، بل كان كيانًا منفصلًا، ينظر إليه بعينين تحترقان بنور أزرق خافت !!

"دلوقتي… جه وقت القرار."

قالها انعكاس فجأة ...

لم يستطع أحمد الكلام، لكن عقله كان يعمل بجنون. 

كان يعلم أنه قد وصل إلى بالفعل إلي لحظة الحسم… 

اللحظة التي سيتحدد فيها مصيره.

 رفع انعكاسه يده ببطء، ومدها نحو سطح المرآة.  فشعر أحمد بجسده يرتجف، لكنه لم يتراجع.

 فرفع يده هو الآخر، واقترب…

وعندما لمست يداهما في نفس الوقت سطح المرآة…

 انفجر ضوء عظيم !!

لم يكن هناك ألم هذه المرة، فقط إحساس قوي…

 إحساس قوي بالاندماج ... بالفهم. 

كل شيء بدأ يتضح ...

 كل لغز، كل ذكرى مشوشة، كل شعور غامض كان يطارده. 

وأخيرًا… 

رأى الحقيقة كاملة !



               البارت العشرون من هنا 

    لقراءة جميع حلقات القصه من هنا 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رواية مسك الليل كامله جميع الحلقات من الأول حتى الاخير بقلم هايدى الصعيدى

رواية غفران العاصى كامله جميع الحلقات من الأول حتى الاخير بقلم لولا

رواية مسك الليل الفصل الثاني عشر 12بقلم هايدى الصعيدى