قصة الشخصية المحذوفة الجزء الثاني البارت الثامن عشر 18 بقلم احمد عصام أبوقايد

قصة الشخصية المحذوفة الجزء الثاني البارت الثامن عشر 18 بقلم احمد عصام أبوقايد



بوابة الحقيقة

________________


حينها شعر أحمد بأن المكان أصبح خانقا والهواء أصبح أثقل عن ذي قبل … 

وكأنه محمل بأسرار قديمة ترفض أن تُكشف بسهولة.

نظر أحمد إلى يحيى، الذي بدا شاحبًا ، ثم إلى إلياس الذي تحدث منذ لحظات و قال :

"إلياس… إنت بتختفي فجأة وبترجع تظهر مرة تاني فجأة  إزاي؟" 

ابتسم إلياس ابتسامة خافتة، لم تكن مريحة أبدا وقال :

"إنت فاكر إنك الوحيد اللي قدر يعبر من هنا ؟"

تفاجأ أحمد من رد إلياس الغير متوقع...

ونظر حوله محاولًا الاستيعاب كل شيء. 

شعر بأنه تائه في عالم لامنطقي ملئ بالأسرار  يمتد إلى ما لا نهاية. 

وفي وسط كل هذا التيه ، لاحظ أحمد بناء غريب…

بناء أشبه بمعبد حجري قديم، .

 ممتلئ برموز منحوتة على جدرانه ...

رموز عرفها أحمد جيدًا، كانت نفس الرموز التي رآها في كوابيسه القديمة، والتي كانت غير مفهومة بالنسبة إليه حينها !!

نفس الرموز التي ظلت تطارده منذ البداية !

"إحنا فين بالضبط؟"

 قالها أحمد محاولًا تجاهل الإحساس المتزايد بالخطر.

لم يرد إلياس على الفور، لكنه أشار إلى المعبد ثم قال :

 "إحنا في المكان اللي بدأت منه كل حاجة … واللي كل حاجة لازم تنتهي فيه."

ضاق صدر أحمد من الغموض الذي يحيط بهذا العالم ،وشعر بالإحباط من الوصول لإجابة واحدة شافية لكم التساؤلات التي تكاد أن تفتك بعقله!

 فلم يكن متأكدًا مما يعنيه إلياس، لكنه وفي نفس الوقت كان متأكدا من شيء واحد كان واضحًا… الحقيقة التي كان يبحث عنها لم تكن مجرد إجابات ... بل كانت وبكل بساطة اختبار !

تقدم يحيى خطوة إلى الأمام وبصوت كان أكثر هدوءًا مما توقعه أحمد قال :

"أنا مش فاهم… إيه اللي بيحصل هنا؟"

استدار إلياس ببطء ونظر إلي يحيي، ثم قال بصوت ساخر : 

"إنتو الاتنين  مجرد بيادق في لعبة أكبر منكم… بس دلوقتي، اللعبة دي قربت توصل لنهايتها."

شعر أحمد بشيء ثقيل يجثم على صدره.

 فلم يكن حينها متأكدا إن كان يريد أن يسمع المزيد…

 لكن الأمر لم يعد بيده.

أشار إلياس إلى باب المعبد، حيث كانت هناك ظلال تتحرك في الداخل...

أشباح لما كان، أو لما سيكون لا أحد يعلم !

 ثم قال بهدوء:

 "الحقيقة جوه…هنا ، مستعد تعرفها؟"

تكررت تلك الكلمة ... ولكن بالأخير وبالنسبة لأحمد فلن يختلف قراره عن كل مرة !

لأنه وبكل بساطة لم يكن هناك طريق للعودة… ولم يكن هناك خيار آخر…

لم يكن لدى أحمد أي خيار سوى المضي قدمًا... 

وعلي بعد خطوات أمامه كان الباب الحجري ينتظره ...

مفتوحًا كأنه يرحب به، أو ربما يتحداه ليخطو داخله...

فنظر إلى يحيى، الذي بدا متوترا .

 ثم إلى إلياس، الذي لم يتحرك، فقط وقف يراقب، كأنه يعرف بالضبط ما سيحدث !

"ناوي علي أيه يا أحمد ؟" 

سأله يحيى بصوت منخفض ينتظر الإجابة في توتر و كأن الإجابة قد تغير مصيره.

تنهد أحمد وهو يشعر بثقل القرار قبل أن يقول : "مفيش مجال للتراجع دلوقتي يا يحيى… لازم نعرف الحقيقة."

تقدم الاثنان معًا نحو الباب، وعند العتبة شعر أحمد بتيار بارد ينسل داخل جلده، وكأنه يعبر من عالم إلى آخر !

 وما إن تخطى العتبة، حتى شعر بانجذاب مفاجئ… 

وكأن المكان يبتلعه !

وجد نفسه في ممر طويل، جدرانه ليست حجرية، بل تبدو وكأنها مصنوعة من ظلام حي ينبض ويتحرك. 

الأصوات عادت لتتردد في الفراغ من جديد، أصوات هامسة، مألوفة… 

لكنها بعيدة، كأنها تأتي من أعماق كيانه المحطم!

"أحمد…"

سمعها أحمد فتوقف في مكانه. 

فهذا الصوت… لم يكن غريبًا !

 كان صوتًا يعرفه جيدًا، لكنه لم يسمعه منذ سنوات !!

التفت بسرعة، وعيناه اتسعتا من شدة الصدمة.

فهناك في نهاية الممر… 

وقفت امرأة...

 وجهها كان نصفه غارقًا في الظل، لكن النصف الآخر كان واضحًا بما يكفي ليجعل قلبه يتوقف !

"أمي…؟"

نطق بها أحمد في ذهول ، ودموعه تنهمر من عينيه تسبق أي كلمات قد ينطقها لسانه !

فقد كان هذا مستحيلًا.

لقد كانت مجرد ذكرى… 

مجرد صورة من ماضيه، ولكنها تقف أمامه الآن، تنظر إليه بعينين مليئتين بالأسرار...

"أيه اللي جابك هنا يا أحمد؟" 

سألته أمه بصوت هادئ يحمل تحذيرًا خفيًا.


شعر أحمد بتدفق مشاعر عدة تسري في جسده.

مشاعر لم يستطع تحديد ماهيتها ولم يستطع التحكم فيها ...

وبعد لحظات فقد فيها القدرة علي النطق،تكلم أخيرا بعد معاناة وقال في العين :

 "أنا… أنا بدور على الحقيقة."

أومأت أمه برأسها ببطء ثم قالت:

 "الحقيقة مش دايمًا بتريح يا ابني… في حاجات، لو عرفتها، مش هتعرف ترجع تاني زي ما كنت"

كان هناك شيء في نبرتها جعله يشعر بأنها لا تحاول ترهيبه… 

أو لعلها تحاول إنقاذه...

 لكن الوقت لم يكن في صالحه ليفكر في تحليل كلمات والدته ...

فقد بدأ الممر في الإنهيار …

ولم يعد هناك طريق للعودة...

تسارعت نبضات قلب أحمد وهو يراقب الممر خلفه ينهار، الجدران المظلمة تتآكل كأنها لم تكن موجودة من الأساس.

 لم يعد هناك مفر…

 وعليه أن يستمر في التقدم...

التفت إلى أمه مرة آخرى وكأنه يملي عينيه من رؤياها...

عيناها تلمعان بشيء غريب… 

شيء يشبه الحزن، ومن خلفه كان هناك شيء آخر… 

تحذير !

"أنا لازم أكمل ... مفيش اختيار تاني."

 قالها أحمد بصوت ثابت رغم اضطراب كيانه من الداخل.

نظرت إليه أمه للحظات، ثم مدت يدها وأشارت إلى شيء خلفها…

أمامهما الآن لم يعد هناك ممر، بل كانت هناك سلسلة من الأبواب، متراصة بجانب بعضها البعض كأنها تنتظر من يفتحها. 

كل باب يختلف عن الآخر… 

بعضها قديم متهالك، وبعضها حديث كأنها لم تُفتح من قبل...

"اختيارك هنا هو اللي هيحدد مصيرك يا أحمد."

قالتها أمه بلهجة هادئة...

فتقدم ببطء، وعيناه تجولان بين الأبواب ...

شعر بأن كل واحد منها يحمل شيئًا ما…

 ذكرى .. سر.. أو ربما كارثة !

وبعد مدة ليست بطويلة وقف آخيرا أمام أحد الأبواب...

باب كان يبدو مألوفًا !

خشبيًا، مشقق الأطراف، يشبه باب غرفته القديمة عندما كان طفلًا !

فمد يده المرتجفة ووضعها على المقبض…

وفجأة...

و قبل أن يتمكن حتى من تحريك المقبض ، انفتح الباب من تلقاء نفسه، واندفعت منه قوة مظلمة، وسحبته إلى الداخل كأنها تبتلعه بالكامل!

للحظات شعر بأنه يسقط… 

يسقط في فراغ لا نهاية له، والظلام من حوله ، وهمسات بأصوات متداخلة…

ثم...

 اصطدم بالأرض.

فتح عينيه ببطء، ووجد نفسه في مكان يعرفه جيدًا…

لقد كان محقا ...

كان في منزله القديم بالفعل !

 لكن كل شيء كان مختلفًا… 

مشوهًا...

"مش ده بيتنا اللي أنا فاكره وفاكر كل لحظة عشتها فيه … فيه حاجه غلط " تمتم بها  لنفسه، لكن صوتًا آخر رد عليه من الظلام قائلا :

"كل حاجة هنا حقيقية… بس مش زي ما أنت فاكرها."

تجمد أحمد في مكانه، فالصوت لم يكن غريبًا. التفت بسرعة…

ورأى نفسه يقف أمامه !!


            البارت التاسع عشر من هنا 

    لقراءة جميع حلقات القصه من هنا 

تعليقات