قصة الشخصية المحذوفة البارت الثالث 3 بقلم احمد عصام أبوقايد


قصة الشخصية المحذوفة البارت الثالث 3 بقلم احمد عصام أبوقايد


اللعبة الخطرة
_____________

جلس أحمد في الكافيه منتظرا يحيي ، يداه تحتضنان كوب القهوة دون أن يشرب.
 الجو بارد، لكنه لم يكن يشعر بالبرد بقدر ما كان يشعر بالخوف.
وصل يحيى بعد نصف ساعة، شعره مبعثر كعادته، وعيناه تحملان مزيجًا من النعاس والانزعاج.
— "إيه القصة اللي مصحيني بسببها  ع الفجر كدا؟" قالها يحيي بمزاح ممزوج بقلق وتوتر وهو ينظر الي حالة أحمد ..
فنظر إليه أحمد بوجه شاحب، ثم دفع المسودة القديمة عبر الطاولة.
ثم أستطرد قائلا :
— "أنا لقيت الفصل ده بين أوراقي… لكنه مش موجود في أي نسخة منشورة من رواياتي."

يحيى بضيق وهو ينظر إلي أحمد ...
أمسك بالمسودة ولم يكن مقتنعًا.
 تصفح الورق، ثم رفع حاجبه ساخرًا في ضيق واضح من نبرات صوته :

— "وإيه يعني؟ يمكن كتبته زمان ونسيت."

— "لا… مش ممكن. 
بص على التوقيع في آخر الصفحة." قالها أحمد بتوتر ملحوظ وهو ينظر حوله في رهبة .
كان يحيى ينظر إلي تصرفاته بتعجب ..
فأنعقد حاجباه ببطء.
 لقد كانت المرة الأولى التي يرى فيها أحمد بهذا الرعب .
نظر يحيي إلي المسودة  وقرأ التوقيع...
— "إلياس؟" .. قالها يحيي بتعجب
فرد أحمد قائلا :
— "أيوه… والشخصية دي أنا حذفتها قبل ما أنشر الرواية. 
مفيش أي حد يعرفها غيري!"

يحيى ألقى نظرة أخرى على المسودة، ثم تنهد وقال:

— "طيب… إنت متأكد إنك أنت اللي كتبت الكلام ده؟"

أحمد تراجع في مقعده.
 السؤال بسيط… لكنه حمل معنى أعمق بكثير مما بدا عليه.

— "أنا… أنا مش متأكد." قالها أحمد بتلعثم وهو يفكر بشرود.
فرد يحيي قائلا :
— "طيب، هل في حد تاني كان معاك وقت كتابة الرواية دي؟ 
محرر، صديق، حد كان بيقرأ معاك المسودة الأولية؟"

أحمد فكر قليلاً، ثم جاءه اسم واحد:
فرد مسرعا وقال :
— "سارة… محررتي في دار النشر وقتها. 
بس ده كان من سنين طويلة، معرفش لسه بتشتغل هناك ولا لأ."
يحيى ابتسم، نوع الابتسامة التي يعرفها أحمد جيدًا. ابتسامة الصحفي حين يشمّ رائحة قصة تستحق المتابعة.
ثم أستطرد قائلا :
— "يبقى نبدأ بيها."
ترك أحمد الكافيه مع يحيى وقد أشرقت الشمس وألقت بضوئها علي الظلام الذي كان يحيط كل شئ ...
والهواء البارد يلفح وجهه، لكن التوتر في داخله كان أكثر قسوة من أي نسمة هواء باردة..
 عيناه كانت تراقبان كل شيء حوله، يشعر أن هناك من يلاحقه، لكن في كل مرة يلتفت… لا يجد أحدًا.
وقفا أمام دار النشر القديمة التي كانت تعمل بها سارة. المبنى لم يتغير كثيرًا، لكنه بدا أكثر كآبة. 
فقال يحيي:
" تفتكر هنلاقي حد مجنون موجود من الصبح بدرى كدا في الدار ؟!"
فرد أحمد دون أن ينظر إليه قائلا :
"سارة متعودة تسهر وتطبق في الشغل .."
ثم أستطرد قائلا: " مش هنخسر حاجه يا يحيي نطلع ونشوف وبإذن الله هنلاقيها .."
صعدا إلى الطابق الثالث، حيث كان مكتبها قديمًا.
أحمد دق الباب، وانتظرا.
فتح الباب بعد لحظات، وظهرت سارة، فنظر يحيي إلي أحمد وهو يتنفس الصعداء لأن أحمد كان محقا في وجود سارة بهذا التوقيت بمكتبها ..
سارة امرأة في منتصف الثلاثينات، شعرها قصير ونظرتها تحمل إرهاقًا لا يليق بسِنّها. 
عند رؤية أحمد، تجمدت للحظة قبل أن تقول بصوت خافت:
— "إنت جيت متأخر جدًا."

أحمد ويحيى تبادلا نظرات القلق.

— "متأخر؟ متأخر عن إيه؟" قالها أحمد بتوتر ملحوظ

سارة لم تجب. 
فتحت الباب أكثر وأشارت لهما بالدخول.
وبداخل المكتب جلس الثلاثة في صمت لثوانٍ قبل أن تتكلم سارة، بصوت مهتز قليلًا:
— "من يومين… كنت براجع أرشيف الروايات اللي اشتغلت عليها. لقيت ملفك القديم، الرواية اللي نشرناها سنة ٢٠١٠. 
بس كان في حاجة غريبة…"

يحيى مال للأمام، فضوله الصحفي يشتعل:

— "إيه الحاجة الغريبة؟" قالها أحمد بصوت متلعثم

سارة نظرت لأحمد مباشرة وقالت ببطء:

— "الرواية اللي أتنشرت… مش هي نفس الرواية اللي راجعتها لك وقتها."

أحمد شعر بقشعريرة تسري في عموده الفقري وقال :

— "إزاي يعني؟"

سارة فتحت درج مكتبها، وأخرجت نسخة قديمة من الرواية، وضعتها أمام أحمد.
 كانت نسخة تحمل تعديلاته النهائية قبل الطباعة.
 قلب الصفحات بسرعة، حتى وصل إلى حيث كان الفصل الذي حُذف. 
لكنه لم يكن هناك.

بدلًا منه… كانت هناك صفحة فارغة، وعلى الهامش، مكتوبة بخط صغير:
"لا تحاول استرجاعي… فأنا لم أرحل أبدًا."
أحمد شعر بدمه يتجمد. 
هذا لم يكن خطه.!
ثم قال بعيون جاحظة وصوت متوتر 
— "سارة… مين اللي كتب ده؟"
سارة لم تجب فورًا، بل نهضت من كرسيها، واقتربت من المرآة الكبيرة في الزاوية، ونظرت إلى انعكاسها بتوتر.
ثم أستطردت قائلة بصوت مرتعش :
— "أنت شفت إلياس، مش كده؟"
أحمد لم يرد، لكنه شعر بأنفاسه تتباطأ.
يحيى تدخل بحدة:
— "مين إلياس ده؟! أنتم الاثنين بتتكلموا عنه كأنه شخص حقيقي!"
سارة استدارت، عيناها مليئتان بالخوف.

— "لأنه  حقيقي فعلا يا أستاذ ."!!
الصمت خيّم على الغرفة، قبل أن يتردد صوت خفيف…
 صوت كأنه همس يخرج من العدم.
أحمد ويحيى تبادلا نظرات القلق، ثم التفتا ناحية المرآة.
كان هناك شيء مختلف.
انعكاس سارة لم يكن مطابقًا لحركتها تمامًا!!
ففي اللحظة التي استدارت فيها عن المرآة… ظل الانعكاس واقفًا، يحدق مباشرة في أحمد.
ثم… ابتسم ذلك الإنعكاس !




تعليقات