
قصة الشخصية المحذوفة البارت السابع 7 بقلم احمد عصام أبوقايد
القبر المفتوح
شهق أحمد وتراجع بسرعة..
لدرجة أنه كاد أن يقع أرضًا من الرعب.!
وفي الحقيقة له كل الحق في هذا الرعب في هذه اللحظة بالذات لم يكن إلياس مجرد صورة في الصفحة…
لقد كان يخرج منها... حرفيا !!
وجهه المشوه كان يتلوى ..
وكأن الظلام يلتهمه ويعيد تشكيله بلا توقف.!
"ماتكتبش اسمك يا أحمد!
اسمعني قبل ما يفوت الأوان!"
قالها إلياس بصوت يحمل آنات عذاب عظيم بث به في قلب أحمد الرعب بشدة !
لكن وفي نفس الوقت لم تتوقف الهمسات.
كانت أقوى،و أكثر إلحاحًا هذه المرة !
كانت عدة أصوات مرعبة وكأنها تأتي من أعماق الجحيم تقول في صوت واحد :
"اكتب… وستخرج."
فنظر أحمد إلى القلم، الذي كان يقف هناك على حافة الورقة السوداء...
يشعر أحمد بنبضه و كأنه مخلوق حي ينتظر أن يُمسَك.!
وفجأه...
سمع أحمد صوتًا آخر…
صوتًا لم يكن مستعدًا لسماعه.!!
وقال:
"أحمد… لو سمحت، خرجني معاك."
شهق أحمد بعد سماعه لذلك الصوت والتفت بسرعة.
ياللهول...
لقد كانت سارة.!
كانت تقف في زاوية الغرفة !!
لكن…
لكن.. لم تكن كما يتذكرها.!
فوجهها كان شاحبًا..
عيناها غارقتان في السواد..
وابتسامتها لم تكن طبيعية..
وقولت :
"أنا هنا من زمان يا أحمد… استنيناك كتير.
متسبنيش هنا وحدي."
لم يفق أحمد من الصدمة بعد حتي ظهر فجأة شخص آخر بجانبها..!!
فجحظت عينا أحمد وهو يتمتم قائلا :
مستحيل ... يحيى ؟!
و...
صدمة جديدة علي وشك الحدوث ، وكأن القدر يرفض ألا يفاجئ أحمد بما يقبض قلبه !!
إنه شخص ثالث يظهر الأن بجانب يحيي وسارة!!
رجل بلا ملامح…
لكنه يرتدي نفس ملابس أحمد.!!
نسخة أخرى منه.!!
يا إللهي ما هذا ؟! نطقت بها كل خليه في كيان أحمد المصدوم حرفيا !!
لم يعد أحمد يعرف الحقيقة من الوهم.
هل هؤلاء أصدقاؤه حقا ؟
أم مجرد شخصيات أخرى حُبست داخل القصة؟
وإن كانوا أصدقاؤه فمن هذا الغريب الذي يماثله ويقف بجوارهم الأن؟!
لكن فجأة ...
و قبل أن يقرر، بدأت الصفحة السوداء تتمدد.!!
والأرض من تحته أصبحت رخوة، كأنها تتحول إلى حبر سائل !!
وبدأ في سحب قدميه ببطء.
ليبتلعه !!
لم يعد لديه وقت.
فإما أن يكتب اسمه كما تأمره تلك الأصوات المرعبة…
أو أن يسقط داخل القبر المفتوح.
حينها كان الحبر الأسود يزحف حول قدميه..
يتحرك وكأنه كائن حي ..
يتسلق ساقيه ببطء..
موقف مرعب يمر به أحمد الأن !!
لقد كان عالقًا..
ومن بعيد يسمع أحمد صوتا يصرخ ...
صوت إلياس وهو يقول : "ماتكتبش اسمك! هتموت!"
وفي نفس اللحظة كانت سارة تهمس: "اكتب وخدني معاك يا أحمد…"
ويحيى يمد يده وهو يقول : "ساعدنا… أو مت معانا."
و...
ذلك الظل الغريب الذي يشبهه تمامًا… كان يبتسم.
الصفحة السوداء كانت تتوسع، والهمسات صارت صرخات ...
وكأن القصة تغضب… وتجوع.!!
كم ضغط رهيب علي عقل أحمد ،شعر معه وكأن كل خلية ونسيج في عقله ينفجر إثر ما يراه وما يحدث معه !!
فلم يعد يعرف من يصدّق،من هول ما يراه !!
لكنه كان يعرف شيئًا واحدًا: القصة تريد كاتبًا جديدًا.
فإذا كتب اسمه… ربما يتحرر.
أو ربما يصبح جزءًا منها إلى الأبد.
لكن...
ماذا لو كتب شيئًا آخر؟!!
هل يكون هو السبيل للخلاص من تلك اللعنة التي لا تنتهي؟!
يداه كانت ترتجف ...
لكنه رفع القلم، ونظر إلى الورقة السوداء...
ثم…
كتب...
وما كتبه لم يكن اسمه…وأيضا لم يكن أي اسم.
بل كانت جملة واحدة..
"القصة انتهت." هكذا كتبها أحمد بشق الأنفس!!
لحظة صمت مرت ..
ثم… انفجر كل شيء.!
الغرفة تمزقت كأنها كانت من ورق..
الصرخات تحولت إلى ضوضاء حادة..
والأرضية انفتحت إلى فراغ بلا نهاية.!
شعر أحمد بجسده يُسحب، يُمزق، لكنه تمسك بالكلمات التي كتبها ..
وصرخ بأعلى صوته قائلة :
"القصة انتهت! مش هتكتبني تاني!"
وفي لحظة…
عاد كل شيء إلى الظلام..
الصمت يحيط بكل شئ ..
ولم يكن هناك شيء سوى السواد…
ثم، ببطء، بدأت الأشياء تعود.!
حينها كان أحمد مستلقيًا على أرض خشبية، صدره يعلو ويهبط كأنه غارق في كابوس.!
رفع رأسه ببطء.
فوجد نفسه في غرفته.!
لا صفحة سوداء، لا أصوات، لا ظلال.
كل شيء كان… طبيعيًا.!
هل هل انتهى الأمر حقًا؟ هكذا حدثته نفسه حينها !!
تحامل أحمد علي نفسه وجلس بصعوبة، ثم نظر إلى المكتب.
الدفتر كان هناك.. مغلقًا.
لم يكن ينبض، لم يكن يتحرك... مجرد دفتر عادي.
فزحف أحمد نحوه، ولمسه بحذر، ثم فتحه.
كانت آخر جملة مكتوبة فيه: "القصة انتهت."
آخر جملة كتبها في الهول الذي كان يعيشه منذ قليل ..
أطلق زفرة طويلة، ثم ابتسم لأول مرة منذ زمن.
ولكن عندما استدار ليغادر الغرفة، سمع صوت الورق ينقلب وحده.
أبتلع ريقه في رعب والتفت ببطء.
فوجد ما كان يخشاه وتأكده له نفسه ..
بأن الأمر لم يكن لينتهي بهذه السهولة !!
لقد كان الدفتر مفتوحًا على صفحة جديدة، نظيفة تمامًا…
ما عدا جملة واحدة في منتصفها:
"ظنّ أحمد أن القصة انتهت، لكنه لم يكن يعلم أن هناك دائمًا إعادة كتابة." !!
ثم سمع صوتًا خلفه.
صوت قلم يتحرك على الورق.!!
و...
ضحكة مكتومة… من جديد !!
الضحكة كانت قريبة… قريبة جدًا.
أحمد لم يجرؤ على الالتفات، لكن قلبه كان يخبره بالحقيقة: لم يكن وحده في الغرفة.!
نظر إلى الدفتر أمامه، كانت الصفحة البيضاء تنبض، وكلمات جديدة بدأت تظهر وحدها، سطرًا بعد سطر:
"وقف أحمد أمام الدفتر، يشعر بالخوف يتسلل إلى عروقه، غير مدرك أن من يكتب هذه الكلمات… لم يعد هو."!
حينها اتسعت عيناه ..
إذًا… من كان يكتب؟ سؤال سأل به نفسه في توتر
قبل أن يقطع شروده تكرار تلك الضحكة ...
ولكن هذه المرة أعلى، وكأنها تتغذى على ذعره.
ببطء، تحرك أحمد، ثم نظر إلى المرآة بجانبه ،ورأى نفسه ممسكًا بالقلم، يكتب على الدفتر.
لكن المشكلة ... أن يديه كانتا فارغتين.!!
هو لم يكن يكتب ككل مرت منذ بداية تلك اللعنة !
لكن انعكاسه في المرآة… كان يفعل.!
تجمد الدم في عروقه.
حينها قام انعكاسه بعمل أكثر شئ مرعب قد يتخيله .. لقد رفع رأسه ببطء، ثم ابتسم…
ابتسامة لم تكن تخصه.!
ثم كتب الجملة الأخيرة على الصفحة:
"حان الوقت لشخصية جديدة… والمؤلف القديم يجب أن يُحذف."!!
وقبل أن يفهم أحمد معنى الكلمات، شعر بشيء يسحبه إلى داخل المرآة.!
صرخ..حاول المقاومة ...
ولكني بلا أي فائدة..
فنظر إليه الانعكاس بسخرية ، وابتسامته تتسع أكثر، قبل أن يمد يده ويغلق الدفتر…
ويبدأ قصة جديدة.
أغلق الانعكاس الدفتر، ثم استدار لينظر إلى الغرفة.
كل شيء كان في مكانه… لكن شيئًا ما كان مختلفًا.
ابتسم إبتسامة مرعوبة وتحسس جسده كأنه يجربه لأول مرة، ثم تحرك ببطء إلى المرآة.!
لم يكن هناك انعكاس هذه المره.
فقد كان هو الإنعكاس !!
وأحمد ...
لم يعد هنا.!
مهلا ...
لقد تبدلت الأدوار!!
وأصبح أحمد داخل القصة…
بينما الإنعكاس صار هو الكاتب الآن.!