قصة الشخصية المحذوفة الجزء الثاني البارت السابع عشر 17 بقلم احمد عصام أبوقايد

قصة الشخصية المحذوفة الجزء الثاني البارت السابع عشر 17 بقلم احمد عصام أبوقايد


انعكاس الحقيقة

________________


ومع الإنفجار شعر أحمد وكأنه يُسحب داخل دوامة لا نهاية لها ...

 قوة غير مرئية انتزعته من الواقع الذي كان يعرفه وألقت به في فضاء مظلم...

لم يكن مجرد سقوطًا، لكنه كان وكأن كيانه كله يُعاد تشكيله !

ثم فجأة ...

 وجد نفسه واقفًا داخل عالم آخر!

عالم كانت فيه الأرض من زجاج أسود، تعكس صورًا مشوهة له ولسارة !

أنعكاسات لم تكن كأي انعكاسات… بل كانت تتحرك .. تهمس .. تتغير بأشكال لم يستطع تفسيرها !

"إيه ده…؟"

 همس بها أحمد وهو ينظر إلى الأرضية السوداء الممتدة تحت قدميه .

وسارة كانت واقفة أمامه، لكن لم تكن كما كانت قبل لحظات. 

فعيناها أصبحتا أكثر ظلمة، وكأنهما تمتصان الضوء بدلاً من عكسه !

 وجهها بلا تعبير، لكنه وفي نفس الوقت كان يحمل قوة غامضة !

"أحمد… مستعد تشوف كل حاجة؟"

نطقت بها سارة بلهجة آلية مرعوبة !

فرد أحمد بصوت خرج مهتزًا وقال :

 "كل حاجة إيه؟"

لم تجبه.

 فقط أشارت بيدها مرة أخرى، لكن هذه المرة أشارت إلى الأرضية الزجاجية السوداء التي بدأت تتصدع ببطء.

الصوت الذي صدر عنها لم يكن صوت تحطم زجاج عادي…

 بل كان وكأنه أرواحًا تصرخ من خلف الحاجز!

 كأن الحقيقة نفسها تقاوم أن تنكشف !

ثم انهار كل شيء.

فجأة وجد نفسه واقفًا في مكان آخر تمامًا. 

لم يكن في القاعة...

 لم يكن في العالم الذي كان يعرفه...

كان يقف هذه المرة وسط مدينة مهجورة، السماء فوقه مشققة وكأنها ستنهار، والمباني من حوله مائلة، تكاد أن تسقط في أي لحظة !

لكن الشيء الأكثر رعبًا كان الأصوات…

 أصوات أشخاص يهمسون، ينادون باسمه من كل الاتجاهات !

التفت إلى سارة، لكنه لم يجدها !

ووجد بدلًا منها رجل… رجل يشبهه تمامًا !

ظل يحدق به بعمق ...

ابتسمت النسخة الأخرى منه ابتسامة خالية من الحياة ثم قالت: 

"متستغربش … أنا هو أنت أو بمعني أدق أنا اللي كان ممكن تبقى أنت عليه."

عقد أحمد حاجبيه في عدم فهم وقال :

"وده معناه إيه؟"

رفعت النسخة الأخرى منه يدها، وأشارت إلى المدينة المدمرة حولهم ثم قال :

 "ده المستقبل… المستقبل اللي هتصنعه لو كملت في الطريق اللي انت ماشي فيه."

 شعرأحمد بدوار، وكأن الأرض نفسها لم تعد ثابتة فحاول تمالك نفسه ثم قال :

 "مستحيل طبعا … إنت بتكذب!"

لكن النسخة الأخرى منه لم ترد، فقط اقترب، وهمس في أذنه بكلمات جعلت الرعب يتسلل إلى أعماقه قائلة :

"مافيش مستحيل ، ببساطة مش كل حقيقة لازم تتعرف… بعض الحقائق لو ظهرت… بتدمر كل شيء."

وفجأة ...

 عاد الظلام ليبتلع كل شيء من جديد !

لحظات من الظلام الدامس قبل أن ينفجر الضوء من الأرضية السوداء !

ضوء كان وكأنه شمس أخرى ولدت من رحم الظلام !

فغطى أحمد وجهه من شدة الضوء ، و عندما أبعد يديه، وجد نفسه في مكان مختلف تمامًا !

لم يكن في المدينة المهجورة. 

بل كان يقف وسط فراغ لا نهائي، حيث الأرض من تحت قدميه سوداء كالفحم، والسماء فوقه تسبح في ظلال رمادية متحركة، كأنها دخان يرقص في الفراغ !

نظر حوله فوجد سارة تقف من بعيد ! 

لكن شيئًا ما كان مختلفًا. 

جسدها لم يكن واضحًا، وكأنها لم تعد شخصًا بل مجرد انعكاس مشوه !

"سارة؟"

ناداها أحمد ...

لكنها لم ترد.

تقدم خطوة نحوها، لكنه شعر وكأن الأرض تحت قدميه تحاول جذبه إلى الأسفل !

"لا تتحرك أكثر"

 جاءه الصوت هذه المرة ليس من ناحية سارة، بل من خلفه !

فاستدار بحدة، وإذ به يواجه إلياس !

لكن أيضا لم يكن إلياس الذي يعرفه. 

كان يبدو أغرب و أكبر!

مرهقًا، وعيناه تعكسان شيئًا لا يستطيع تفسيره!

"أنت…" 

قالها أحمد وهو يتلعثم ، محاولا استيعاب ما يراه.

"لقد وصلت إلى أبعد نقطة يُسمح لك بها،"

باعته بها إلياس بصوت عميق.

ثم عاد ليقول في ثبات :

 "هنا، لا يوجد طريق للعودة، إلا إذا كنت مستعدًا للعبور حقًا."

فرد أحمد في إحباط قائلا :

"العبور؟ العبور إلى ماذا؟"

أشار إلياس إلى الظلام من حولهم ثم قال :

"إلى الحقيقة التي كنت تهرب منها طوال الوقت."

وقبل أن يتمكن أحمد من الاستفسار أكثر، بدأ الظلام يتحرك…

 مهلا...

لم يكن يتحرك، بل كان يتجمع في شكل جديد !

وكان ذلك الشكل… يشبهه !

جسدٌ مطابق له، لكن بدون ملامح واضحة، مجرد ظل يتحرك كأنه دخان متجسد !

"أحمد…" 

جاء صوت سارة أخيرًا...

حينها وفي نفس الوقت رفع ذلك الظل  يده مشيرًا إلى أحمد، ثم قال بصوت كان مزيجًا من أصوات كثيرة متداخلة ومشوشة :

"آن الأوان… لتعرف من أنت حقًا."

تجمد أحمد في مكانه، وقلبه ينبض بجنون.

كان يعلم… أن هذه هي اللحظة التي ستغير كل شيء !

فجأة شعر أحمد بألم يجتاح كيانه...

ألم لم يكن هذه المرة مجرد شعور… 

كان وكأنه كيانًا ملموسًا، ينسل داخل عقله...

يعيد تشكيل وعيه وكأن شيئًا ما يحاول إعادة برمجته !

كان كل شيء حوله ينهار ويتشكل من جديد في نفس اللحظة !

فأغمض أحمد عينيه من شدة الألم...

وعندما فتح عينيه وجد نفسه في مكان لم يكن يشبه أي مكان قد رآه من قبل. 

حيث لا جدران، ولا سقف، فقط فضاء شاسع ممتلئ بالضباب الأسود الذي يتحرك كأنه كائن حي !!

وفي منتصف الفراغ، تقف سارة ، بملامح مشوهة، وكأنها انعكاس غير مستقر لشيء آخر يحاول أخذ شكلها !

"إيه اللي بيحصل؟" 

قالها أحمد بصوت مرتجف.

ابتسمت سارة، بابتسامة مرعبة وقالت :

"دلوقتي بس هتشوف الحقيقة."

ثم وبدون سابق إنذار، بدأ الفضاء من حوله يتغير. 

مشاهد تتشكل أمام عينيه… 

ذكريات… 

لكنه لم يكن متأكدًا إن كانت ذكرياته حقًا !

رأى نفسه طفلاً، جالسًا في غرفة قديمة، يلعب بلعبة خشبية، لكن هناك شيء في الخلفية لم يكن طبيعيًا. 

ظل أسود يقف خلفه، ينظر إليه بلا ملامح، بلا صوت، فقط حضور خانق !

ثم قفز المشهد إلى لحظة أخرى… 

كان شابًا هذه المرة، يقف أمام مرآة، لكنه لم يكن يرى انعكاسه… 

كان يرى شخصًا آخر… 

وجهًا مألوفًا لكنه ليس وجهه !

"إيه ده؟ دي مش ذكرياتي"

قالها أحمد في إستنكار ودهشة..

ضحكت سارة، بضحكى تحمل صدى مخيف وقالت:

"لأ... دي اللي كانت هتبقي ذكرياتك … الحقيقة اللي عمرك ما كنت مستعد ليها."

ثم أشارت بيدها إلى مكان في الفراغ، وبدأ شيء آخر يتشكل…

باب… !

نفس الباب الحجري الذي رأوه مسبقًا، لكنه هذه المرة كان نصف مفتوح !

ومن داخله كانت هناك عيون...

شعر أحمد بالرهبة مما يراه ...

فهمست سارة وقالت :

"دلوقتي… لازم تختار يا أحمد…

إما تفضل هنا… أو تواجه اللي مستنيك ورا الباب؟"

لم يكن هناك وقت للتفكير، لأن الباب بدأ ينفتح أكثر… 

والشيء الذي كان خلفه، بدأ يخرج !!

وكان هذا… مجرد البداية.

فجأة بدأت أصوات تتعالي، كأنها قادمة من أعماق الوجود نفسه. 

كانت همسات، لكنها لم تكن مجرد كلمات… 

كانت دعوات، أو ربما تحذيرات...

شعر أحمد بأن الهواء من حوله أصبح أكثى ثقلاً، وكأن الزمن نفسه بدأ يتباطأ. 

الباب كان ينفتح أكثر، والعيون التي تراقبه من الداخل لم تكن مجرد عيون… 

كانت كيانات ...

 كانت ذكريات ...

 كانت حقائق مشوهة تحاول أن تجد طريقها إليه...

التفت إلى سارة، أو ما تبقى منها. 

كانت لا تزال تبتسم، لكنها لم تعد تتحرك.

 وكأنها لم تعد تتحكم في جسدها. 

لم يكن لديه وقت للتفكير، كان عليه أن يتخذ قرارًا.

"أنا… مش ههرب."

قالها أحمد بصوت ثابت، رغم أن قلبه كان ينبض رعبا بعنف مما هو قادم .

 تقدم خطوة نحو البوابة الجديدة، وكلما اقترب، شعر بأن جسده يتلاشى شيئًا فشيئًا، كأنه لم يكن ينتمي لهذا المكان من البداية !

وفجأة، وجد نفسه يعبر…

الظلام كان كثيفًا، كان مليئًا بالأصوات، بالكيانات التي تتحرك حوله. 

كل شيء كان يتغير من حوله، وكأن قوانين العالم الذي يعرفه لم تعد تعمل هنا !

 ثم وبدون سابق إنذار، وجد نفسه واقفًا على أرض صلبة… 

 في العالم آخر غير الذي جاء منه.

رفع رأسه ببطء، ونظر حوله، فرأي المكان  أشبه بأنقاض مدينة قديمة...

 مدينة المستحيل أن من سكنها البشر !

 فأعمدتها الضخمة كانت منحوتة بأشكال لم يرَ مثلها من قبل، والسماء فوقه لم تكن سوداء تمامًا، بل كانت تتغير باستمرار، كأنها بحر من الظلال والضوء.

ثم، سمع صوتًا مألوفًا.

 صوت ما كان يجب أن يكون هنا.

"أحمد؟"

تجمد في مكانه، التفت ببطء، وعيناه قد اتسعتا.

كان يحيى...

 وبجانبه إلياس...

لكن وجه إلياس كان مختلفًا… 

كان يحمل بين طيات ملامحه شيئًا لم يره أحمد من قبل. 

شيء أعمق… و أكثر ظلامًا !

وقبل أن يتمكن أحمد من الكلام، ابتسم إلياس أخيرًا وقال:

 "أهلاً بيك… في الحقيقة اللي طول عمرك  بتهرب منها ."

وكان هذا… مجرد البداية.



           البارت الثامن عشر من هنا 

    لقراءة جميع حلقات القصه من هنا 

تعليقات