
قصة الشخصية المحذوفة الجزء الثاني البارت الثاني 2 بقلم احمد عصام أبوقايد
بين الأحلام والكوابيس
وقف أحمد في مكانه، يحدق بالمخلوق الذي يقترب منه بسرعة.
لم يكن يشبه أي شيء رآه من قبل !
جسده طويل ونحيل، مغطى بجلد رمادي متشقق كأنه ميت منذ قرون.
كانت عيناه تتوهجان بلون أزرق بارد، وأصابعه طويلة تنتهي بمخالب حادة كالسكاكين.
تراجع إلياس خطوة، ثم همس: "ما تتحركش !"
تجمد أحمد في مكانه، لكن المخلوق استمر في التقدم، رأسه مائل ينظر إليهما كأنه يدرسهما بعناية.
ثم وبصوت كاد يجمّد الدم في العروق قال:
"البوابة فتحت، المفتاح هنا."
شعر أحمد بقشعريرة تسري في جسده، لكنه تماسك وسأل بصوت مهزوز:
" إنت مين ؟"
المخلوق توقف للحظة، ثم رفع يده وأشار إلى أحمد وقال:
"إنت السبب ،العالم القديم عايز يرجع."
تحرك إلياس بسرعة، وسحب أحمد من ذراعه وقال: "اجري!"
انطلق الاثنان عبر الأرض المدمرة، بينما المخلوق أطلق صرخة حادة، وانطلق خلفهما بسرعة غير طبيعية.
كان أحمد يلهث، عقله لا يستطيع استيعاب ما يحدث. فصاح قائلا :
"هو إيه ده؟!"
إلياس رد وهو يركض: "حارس من حرّاس العالم الآخر، ومش هيسيبنا بسهولة!"
كانت الأرض من حولهما وعرة، والصخور كانت تتساقط تحت أقدامهما.
فجأة...
ظهر أمامهما شيء غريب… بوابة حجرية ضخمة، منحوت عليها رموز غريبة، وكأنها مدخل لمدينة قديمة.
"إلياس، إحنا فين؟!"
إلياس لم يتوقف، بل اندفع مباشرة نحو البوابة، ثم صاح: "اقفز جواها!"
لم يفكر أحمد ، فقط قفز خلفه، وفي اللحظة التي عبر فيها…
كل شيء قد اختفى !
********************
(وبداخل المدينة المنسية)
_______________________
سقط أحمد على الأرض، لكنه أدرك على الفور أن الجو تغير. لم يعد في السهول المدمرة، بل في مكان مختلف تمامًا.
رفع رأسه…
كان في مدينة مهجورة،المباني كانت قديمة، لكن ليس بشكل طبيعي، بل كأنها محبوسة في الزمن، جدرانها متآكلة لكن لا تنهار، والأضواء الخافتة كانت تصدر من أماكن غير مرئية.
وقف إلياس بجانبه يلهث، ثم قال:
"نجونا… مؤقتًا !"
نهض أحمد ثم نظر حوله وسأل:
"إحنا فين بالضبط؟"
تنفس إلياس بعمق ثم نظر إلى أحد المباني الحجرية الضخمة وقال:
"إحنا في مدينة الحراس ، والمكان ده هو المكان الوحيد اللي ممكن نعرف منه الحقيقة."
وقبل أن يتمكن أحمد من الرد ، صدر صوت من الظلام خلفهم.
"أنتم تأخرتم !"
استدار أحمد بسرعة ،فرأى رجلاً واقفًا أمامهم !
كان طويلاً، جسده نحيف لكنه قوي، وعيناه سوداوين بالكامل.
يرتدي عباءة داكنة، وفي يده كان يحمل عصا حجرية غريبة الشكل.
همس إلياس بصوت منخفض قائلا:
"خليك هادي… ده مش عدو، بس مش معانا برضو !"
أبتلع أحمد ريقه، ثم سأل: "إنت مين؟"
الرجل ابتسم ثم قال:
"أنا آخر من تبقى من الحراس الحقيقيين ، واللي هتقابلوه بعدي مش هيكونوا بنفس اللطف !"
ثم خطا خطوة للأمام، وحدق في أحمد مباشرة وقال :
"أنت المفتاح، يا أحمد ، بس السؤال الحقيقي هل تقدر تتحمل اللي جاي؟"
*********************
(بمعبد الحراس - مركز المعرفة المفقودة)
______________________________________
كان أحمد يشعر بثقل غريب في هذا المكان، كأن الهواء مشحون بطاقة غير مرئية. المباني كانت ضخمة، بُنيت من أحجار سوداء محفورة برموز قديمة تتوهج بلون أزرق باهت.
الشوارع كانت واسعة، لكن لا أثر لأي حياة…
وكأنها مدينة أشباح !
وقف إلياس بجانبه وقال بصوت منخفض:
"المدينة دي كانت مركز الحكم للعالم الآخر زمان، قبل ما كل حاجة تنهار."
حدّق أحمد في المباني وقال:
"انهارت إزاي؟ وإيه علاقتها باللعنة؟"
الرجل المجهول، الذي كشف عن نفسه كآخر الحراس ابتسم بسخرية، ثم قال:
"مش كل حاجة هتعرفها مرة واحدة."
ثم أشار لهم بأن يتبعوه.
دخلوا إلى مبنى ضخم يشبه معبدًا، سقفه مدبب ونقوشه كانت تتحرك ببطء كأنها تحاول رواية قصة منسية.
كان هناك تماثيل لحراس غامضين، بعضهم يحمل أسلحة، وبعضهم يرفع أيديهم إلى السماء كأنهم يؤدون طقوسًا قديمة !
لحظات ثم أوقفهم الرجل عند قاعة ضخمة تتوسطها منصة دائرية.
وبصوت هادئ ذو نبرة حازمة قال :
"العالم اللي إنتوا فيه ده بقايا حضارة انتهت بسبب اللعنة اللي بتحاولوا تهربوا منها."
شعر أحمد بقبضة باردة تضغط على صدره قبل أن يرد قائلا : "يعني اللعنة دي موجودة من زمان؟"
الرجل أومأ برأسه وأستطرد قائلا :
"قبل آلاف السنين، وقبل حتي ما البشر نفسهم يعرفوا عن العالم ده"
صمت للحظات قبل أن يكمل حديثه وهو ينظر في عيون أحمد قائلا :
"ووجودك هنا، مش مجرد صدفة !"
عقد إلياس ذراعيه في غضب حاول أن يتحكم فيه وقال: "إحنا محتاجين نعرف إزاي نوقفها، مش نسمع تاريخها !"
نظر إليه الرجل الغريب بحدة، ثم قال:
"توقفها؟! ، دي مش حاجة بتتحكم فيها بكلمة..
لازم تفهم الأول إنت جزء من إيه، وإلا نهايتك هتكون زي اللي جم قبلك."
ثم التفت إلى أحمد وحدق في عينيه مباشرة وقال :
"السؤال الحقيقي… هل إنت مستعد تواجه الحقيقة؟
لأن أول ما تبدأ الرحلة الحقيقية مفيش رجوع."
لم يكن أحمد مستعدًا لما سيحدث بعد ذلك.
وقف الرجل ذو العباءة الداكنة في منتصف القاعة، عينيه السوداوين تنعكس فيهما أضواء المشاعل الخافتة، بينما الجو حولهم كان مشحونًا بطاقة غريبة.
كان الصمت يخيّم على المكان حتى شعر أحمد بأنفاسه تصير ثقيلة.
تقدم إلياس خطوة، وبنبرة صوت متوترة قال:
"إحنا محتاجين إجابات…
وإنت الوحيد اللي عندك الإجابات دي."
لم يرد الرجل فورًا، بل استدار ببطء ورفع يده نحو أحد الجدران.
النقوش المتحركة عليه بدأت تتغير، وكأنها تستجيب لأمره.
ببطء، بدأت صور تتشكل… معركة عظيمة...
مخلوقات غريبة ...
ومدينة كانت يومًا نابضة بالحياة ثم التهمها الظلام !
حدّق أحمد في المشاهد المسجّلة داخل الحجارة وسأل بصوت منخفض:
"إيه اللي حصل هنا؟"
الرجل تنهد ثم قال:
"منذ آلاف السنين، هذه المدينة كانت مقر الحراس… أولئك الذين أوكلت إليهم مهمة الحفاظ على التوازن بين العوالم. لكن الطموح… والجهل… تسببوا في دمار كل شيء."
إلياس عقد ذراعيه وقال:
"وده إيه علاقته باللعنة؟"
الرجل أدار وجهه نحوه، ثم نحو أحمد مباشرة وقال: "اللعنة… لم تبدأ هنا.
بل جاءت من عالمكم."
شعر أحمد برجفة باردة في عموده الفقري قبل ان يقول : "من عالمنا؟ إزاي؟"
اقترب منه الرجل خطوة ونظر إليه بتركيز، ثم قال:
"البشر…
لم يكونوا وحدهم أبدًا.
فمنذ زمن بعيد، حدث خطأ كُسر توازن قديم، وتسرّب شيء إلى عالمكم.
شيء لا يمكن إيقافه بسهولة."
تراجع إلياس قليلاً، وعيناه تضيقان بشك ثم قال :
"إنت تقصد إن اللعنة دى عمرها أكبر مما نتصور؟!"
الرجل أومأ برأسه وقال : "أحمد… وجودك هنا مش صدفة.
إنت مش مجرد ضحية…
إنت مفتاح قديم، شيء نُسي عبر العصور…
والآن ..عاد."
شعر أحمد بضغط رهيب على صدره، كأن كلمات الرجل تحفر داخله.
حاول أن يستوعب، أن يجد تفسيرًا لكل ما يحدث، لكن الأمور كانت أعقد من أن تُفهم بلحظة.
وقبل أن يستطيع السؤال مجددًا، دوى صوت صرخة بعيدة في أرجاء المعبد.
تجمد الجميع في أماكنهم.
فأستدار الرجل بسرعة، وفي عينيه لمعة قال محذرا :
"إنهم هنا…
لم يعد لدينا وقت."
شعر أحمد بتلك الرجفة مجددًا، لكنه لم يعد متأكدًا إن كانت من الخوف…
أم من الحقيقة التي بدأت تتكشف أمامه!!