
قصة الشخصية المحذوفة الجزء الثاني البارت الحادي عشر 11 بقلم احمد عصام أبوقايد
فخ اللعنة
__________
كانت الموجة السوداء أشبه بطوفان من العدم، اجتاحتهم جميعًا قبل أن يتمكن أي منهم من التحرك. شعر أحمد وكأن روحه تُنتزع من جسده !
وكأن هناك يدًا باردة تخترق صدره لتبحث عن شيء خفي داخله !
صرخة مكتومة خرجت من سارة، لكنها لم تكن وحدها التي تأثرت ، إلياس أيضًا سقط على ركبتيه، وجهه مشوه بالألم، بينما كانت الطاقة المظلمة تلتف حولهم جميعًا كالأفاعي، تحاول اختراقهم.
"قاوموا…مش هنستسلم للعنة بسهولة!"
صرخ بها أحمد، رغم أنه نفسه لم يكن واثقًا من مدى قدرته على المقاومة !
لكن ليث، أو بالأحرى الكيان الذي كان يتحكم به، كان يراقبهم بلا مبالاة.
وكأن المشهد أمامه ليس سوى تجربة ممتعة!
أو كأنهم ليسوا سوى قطع شطرنج على لوحته الملعونة!
ثم فجأة ...
سمعوا صوتًا آخر يقول :
"كفى."
حينها الظلام نفسه بدا وكأنه قد تجمد !
والهالة السوداء التي كانت تبتلعهم توقفت في مكانها، ثم بدأت في التلاشي شيئًا فشيئًا.
الأرض التي كادت تنشق وتبتلعهم استقرت، والهواء الثقيل أصبح أخف قليلًا، وكأن شخصًا ما ضغط على زر لإيقاف هذا الكابوس !
رفعوا أنظارهم في وقت واحد نحو مصدر الصوت…
وكانت مفاجأة جديدة في تلك اللعنة التي لا تنتهي ...
فقد كان هناك شخص جديد يقف عند أطراف الساحة المظلمة.
لم يكن مجرد شخص عادي…
كان يرتدي عباءة سوداء بخيوط ذهبية متشابكة، وعيناه كانتا تلمعان بلون فضي غريب.
بدا وكأنه جزء من هذا المكان، لكنه لم يكن مثل ليث. لم يكن مسيطرًا عليه هذه المرة ، بل كان متحكمًا.
"من أنت؟"
قالها أحمد بصوت مرتعش، وهو ينهض بصعوبة.
فابتسم الشخص الغامض ثم قال بهدوء:
"الشخص الذي كنتم تبحثون عنه منذ البداية… حتى ولو لم تدركوا ذلك بعد."
التوتر في الهواء لم يخفّ، بل زاد.
أحمد لم يفهم شئ مما قال وشعر بأن الأمور أصبحت أكثر تعقيدًا مما كان يعتقد.
من هذا الشخص؟
ولماذا تدخل في هذه اللحظة بالذات؟
لكن و قبل أن يتمكن من طرح أي سؤال آخر، استدار ذلك الشخص الغريب نحو ليث وقال بصوت بارد:
"لقد تجاوزت حدودك… حان وقت العودة."
ومع انتهاء آخر حروف كلماته اهتز كل شيء من حولهم، وكأن العالم نفسه يستعد للانقلاب.
شعر أحمد وكأنه عالق داخل دوامة من الضباب، لم يكن ضباب أبيض أو رماديًا، بل كان أسود قاتمًا، ينبض وكأنه حيّ !
الهواء كان مشبعًا بطاقة خفية، كأن المكان نفسه يراقبهم !
حاول إلياس الوقوف، ونظراته مثبتة على الشخص الغامض.
لم يلتفت له الشخص الغريب، بل استمر في التحديق بليث، الذي لم يتحرك خطوة واحدة، لكن وجهه كان يعبّر عن شيء مختلف هذه المرة…
شيء أقرب إلى الخوف !
وفجأة صدر صوت شق جدار الصمت يقول :
"أنا لا أتلقى أوامر."
قالها ليث موجها كلامه للشخص الغريب بصوت منخفض بارتجاف طفيف.
ابتسم الشخص الغريب ثم مدّ يده ببطء.
حينها لم يكن يمسك بأي سلاح...
لكن فجأة...
بدأ الهواء حوله يتشوه، وكأن قوة غير مرئية تلتف حوله.
"أنت لا تتلقى أوامر، لكنك أيضًا لست حرًا."
بمجرد أن نطق الشخص الغريب بهذه الكلمات، بدأ جسد ليث يرتجف بعنف ، وصرخة مكتومة خرجت منه، وبدأ شيء مظلم يتسرب من جسده، وكأن هناك شئ ما ينتزع منه شيئًا شيئا !
نظر أحمد إلى المشهد الذي يدور أمامه بذهول، شعر وكأنه يشاهد عملية جراحية تجري لإستخراج روح ليث من جسده... كان شيء خارج حدود الفهم !
"إيه اللي بيحصل؟"
همست بها سارة برعب ، وهي تتراجع خطوة إلى الخلف.
نظر إليها إلياس ثم قال بصوت منخفض:
"بيفصل ليث عن اللعنة اللي متحكمة في جسده…"
شعر أحمد بقشعريرة تسري في جسده…
وقال محدثا نفسه :
هل كان ذلك ممكنًا؟
هل يمكن حقًا التخلص من اللعنة؟
لكن قبل أن يستطيع التفكير أكثر، سمع صرخة ممدوية ... صرخة ليث !
الذي انحنى جسده للأمام، وكأن شيئًا كان يُسحب منه بقوة جبارة.
عيناه قد اتسعتا، والظلام الذي كان يحيط به بدأ يتلاشى ببطء...
حتى ظهر تحته…
ليث الحقيقي...
لكن المفاجأة لم تنتهِ بعد !
فعندما سقط ليث على الأرض لاهثًا، التفت الغريب إلى أحمد مباشرة، وحدق فيه بعينين متوهجتين، ثم قال:
"دورك جاي، يا أحمد."
وبدون سابق إنذار، رفع الشخص الغريب يده، موجها كمية من الطاقة الرهيبة نحو أحمد ، شعر معها بانفجار عظيم يجتاح جسده، وكأن روحه نفسها تحاول الهروب !
ثم…
سقط كل شيء في الظلام مرة آخرى ....
مرت لحظات ...
ثم شعر أحمد وكأنه يسقط في هوّة بلا نهاية.
لم يكن سقوطًا عاديًا، بل كان كأن جسده يُمزَّق إلى أجزاء صغيرة، ثم يُعاد تشكيله مرارًا وتكرارًا !
لم يكن هناك أرض أو سماء، فقط فراغ مطلق!
وعيون تراقبه من العدم !
مر وقت آخر لم يستطع أحمد معرفة كمه قبل أن يسمع صوت يقول :
"استيقظ…"
الصوت لم يكن بشريًا.
كان عميقًا، كأنه يخرج من قلب الظلام نفسه!
فتح أحمد عينيه، فوجد نفسه في مكان لم يكن يتوقعه!
لم يكن عالمه الحقيقي أو حتي ذلك العالم الآخر الملعون الذي كان فيه للتو ، بل شيء أقدم…
شيء أعمق...
كان يقف في وسط بحرٍ أسود !
لكن البحر لم يكن من ماءً!
كان مادة غريبة تتحرك ...
تنبض وكأنها حيّة...
وفي الأفق، رأى بوابة عملاقة، محفورعليها رموز تشبه تلك التي رآها من قبل في معبد الحراس، لكنها كانت أكثر تعقيدًا، وأكثر ظلمة.
"هذه هي الحقيقة التي هربتَ منها طويلًا، أحمد."
التفت أحمد بسرعة نحو مصدر الصوت ليجد الشخص الغريب الذي أطلق عليه حزمة الطاقة للتو واقفًا أمامه، لكن هذه المرة…
لم يكن مجرد شخص غامض !
فقد كان وجهه يتحول باستمرار، مرة يبدو كرجل عجوز، ثم كشاب، ثم كظلٍ بلا ملامح !
" إنت مين ؟!"
صرخ بها أحمد، بينما كان يحاول التحرك، لكن قدميه كانتا مغروستين في الظلام.
ابتسم الشخص الغريب ابتسامة جعلت القشعريرة تجتاح جسد أحمد بالكامل .
"أنا الحقيقة التي كنت تخشاها…
أنا الوجه الآخر للبوابة..."
ثم مدّ يده، وبلمسة واحدة، اجتاح الألم جسد أحمد، وكأن كيانه كله يتمزق من الداخل !
فجأة...
ووسط كل ذلك… رأى صورة.
يحيى و سارة… كلاهما كانا هناك !
لكن ليس كما تركهما !
كانا مختلفين !
وفي نفس الوقت ... كانا ينظران إليه !
حينها كان الألم لا يُحتمل، لكنه لم يكن مجرد ألم جسدي…
كان حقا وكأن عقله يُمزَّق إلى أجزاء، وذكرياته تُبعثر وتُعاد ترتيبها بشكل غريب !
وفي وسط كل ذلك، كانت عيون يحيى وسارة تحدقان فيه !
لم يكونا مجرد صور… كانا حقيقيين!!!
"أحمد؟"
سمعها أحمد بصوت يحيى، لكنه...
لم يكن كما يتذكره !!
كان صوته مشوبًا بشيء غريب، وكأن روحه مرّت بعصور من الألم والمعاناة !
أما سارة، فكانت ملامحها نصف محجوبة بالظل، لكن عينيها كانتا تعكسان مزيجًا من الخوف والدهشة.
"إزاي… أجتمعتوا ببعض إزاي وانت لسه كنتي معايا من شوية ياسارة ؟! ، و إزاي وصلتوا هنا؟"
لم يردّا على الفور.
فقد كان يحيى يراقبه بحذر، بينما كانت سارة تنظر إلى الشخص الغريب الذي تتحول ملامحه بإستمرار دون أن تلتفت أوترد علي أحمد وكأنها لم تسمعه من الأساس !
عاد أحمد بنظره نحو الشخص الغريب الذي ما زالت ملامحه تتغير باستمرار، لكنه هذه المرة توقف عند وجه مألوف…
وجه أحمد نفسه!
"إنت…معقول ؟!"
قالها أحمد قبل أن يشعر بأن الهواء يُسحب من رئتيه.
"أنا أنت، وأنت أنا… لكن في هذا المكان، نحن مجرد انعكاسات."
كانت كلمات الشخص الغريب تتردد في المكان وكأنها طعنات بطيئة في عقل أحمد.
لم يكن يستطيع استيعاب ما يحدث…
هل هذا كيان آخر؟ !
أم هو مستقبله؟ !
أم مجرد وهم آخر لهذا العالم الملعون؟ !
لكن ... وقبل أن يتمكن من الفهم، تحرك يحيى نحو أحمد بخطوات بطيئة، ثم همس:
"أحمد… إحنا كنا مستنينك."
تجمدت الدماء في عروقه قبل أن يرد عليه قائلا :
"إيه… اللي بتقوله ده؟"
لم يبتسم يحيى ، ولم تبدُ عليه أي علامة من الدفء الذي كان يعرفه في صديقه القديم ورد قائلا :
"إحنا هنا من زمان… وإنت آخر قطعة في اللغز."
ثم فجأة ...
ومن العدم، بدأت الجدران تتغير…
العالم نفسه بدأ ينهار من حولهم، وكأن الحقيقة التي كانوا يهربون منها طوال هذا الوقت قد حانت لحظة مواجهتها !
لقراءة جميع حلقات القصه من هنا