
قصة الشخصية المحذوفة الجزء الثاني البارت الخامس عشر 15 بقلم احمد عصام أبوقايد
مــا وراء الظلام
_______________
لحظات من الصمت القاتل أعقبت اختفاء الشق، وكأن العالم نفسه قد حبس أنفاسه.
أحمد كان واقفًا في منتصف الدائرة المتوهجة، عيناه متسعتان، ويداه ما زالتا مرفوعتين، لكن الطاقة التي كانت تتدفق منه بدأت في التلاشي ببطء، تاركة خلفها إحساسًا عميقًا بالفراغ.
"أحمد؟"
همست بها سارة، وهي مترددة في الاقتراب منه.
لم يرد أحمد.
لم يتحرك حتى.
كان كأن كيانه بالكامل قد انفصل عن جسده، كأن شيئًا آخر احتل مكانه للحظات…
والآن هو يحاول استيعاب ما حدث.
لكن إلياس لم يكن مستغربًا.
على العكس تماما ، فقد بدا وكأن ما رآه كان متوقعًا تمامًا.
"دلوقتي عرفت ليه اللعنة اختارتك…"
قالها إلياس بصوت هادئ مشوب بالرهبة.
أخيرًا حرّك أحمد رأسه ببطء، وحدّق في إلياس بعيون تائهة وقال :
"إنت عارف… مش كده؟"
إلياس لم ينكر هذه المرة ورد قائلا :
"عارف جزء من الحقيقة، لكن اللي شوفناه النهاردة بيأكد لي حاجة…"
سارة تقدمت خطوة،وقلبها يخفق بجنون قبل أن تقول :
"إلياس… أحمد عمل حاجة مستحيل أي بشري يعملها؟"
إلياس أومأ برأسه، ثم اقترب ببطء من أحمد وقال بصوت عميق :
"إنت مش مجرد شخص اتورط في اللعنة… إنت أصلها."
وقعت الكلمات كصاعقة.
يحيى الذي كان صامتًا طوال الوقت رفع رأسه فجأة، وكأنه لم يصدق ما سمعه وقال في تعجب مشوب بالرهبة:
"إيه؟"
وأحمد شعر ببرودة غريبة تزحف إلى عموده الفقري قبل أن يقول في تعجب :
"أنا… أصل اللعنة؟ إزاي؟"
إلياس تنهد، ثم أشار إلى الأرض تحتهم، حيث كانت الدائرة المتوهجة قد بدأت تخبو وقال: "المفتاح عمره ما كان مجرد أداة… كان رمزًا. رمز لشخص معين، شخص قادر على فتح الباب… أو إغلاقه."
صمتإلياس اللحظات ، ثم نظر إلى أحمد بحدة وقال:
"إنت مش مجرد ضحية يا أحمد… إنت السبب في كل ده."
كانت الصدمة هذه المرة أقوى من أن تُحتمل.
لكن لم يكن لديهم وقت لاستيعابها، لأن الظلام… لم يختفِ تمامًا ،بل تحوّل، تشكل، واكتسب هيئة جديدة!
وفي تلك اللحظة...
أدركوا أن إغلاق الشق… لم يكن نهاية اللعنة.
بل كان مجرد بداية لشيء… أسوأ !
لحظات وامتلأ الهواء برائحة حرق غريبة، وكأن شيئًا غير مرئي يُعاد تشكيله أمامهم.
الظلام لم يختفِ، بل تحوّل إلى دوامة من الأشكال الغريبة، وكأن الكيان الذي كانوا يحاربونه منذ قليل لم يُمحَ، بل تغيّر.
شعر أحمد بهزة عنيفة في داخله، وكأن روحه تنتفض ضد شيء لا يراه، لكن يشعر به!
وعيون إلياس كانت مثبتة عليه، كأنه ينتظر منه أن يدرك الحقيقة بنفسه.
"إنت ما قفلتش الباب، أحمد…"
همس بها إلياس ،ثم عاد ليقول :
"إنت فتحت حاجة تانية."
لم يكن لدى أحمد وقت ليستوعب كلامه، لأن الدوامة أمامهم بدأت تتشكل…
وتحولت إلى هيئة بشرية، لكنها لم تكن عادية...
كانت نسخة من أحمد نفسه !
نسخة مشوهة، وجهها يذوب ويعيد تشكيل نفسه كل لحظة، وكأنها كابوس يتجسد أمامهم !
"أحمد…"
تمتم بها يحيى، وهو يسحب سارة إلى الخلف.
لكن أحمد لم يتحرك.
لم يكن قادرًا على الحركة أصلاً !
الكيان أمامه كان يحدق فيه بعيون فارغة، لكنه ابتسم…
وابتسامته تلك كانت كانعكاس من عالم آخر، عالم لا يخضع لأي منطق.
ثم تكلم قائلا :
"أخيرًا… عرفتني."
لم يكن حينها الصوت مجرد صوت…
بل كان كآلاف الهمسات تتحدث في وقت واحد.
"إنت مين؟"
سأله أحمد، لكنه في قرارة نفسه كان يعرف الجواب مسبقًا !
ضحك الكيان ، وضحكته جعلت الجدران من حولهم تهتز ثم قال :
"إنت سألت السؤال الغلط… السؤال الحقيقي هو: إنت اللي مين يا أحمد ؟"
شعر أحمد بدمه يتجمد.
حينها إلياس لم يكن متفاجئًا أبدا ، وكأنه يعلم كل حادث ويحدث في ذلك العالم الملعون !
تحرك إلياس واقترب من أحمد ثم قال بصوت منخفض:
"ده… مش مجرد انعكاس لصورتك، ولا مجرد شبيه ليك ... ده الحقيقة اللي انت كنت هربان منها طول حياتك."
"حقيقتي؟"
قالها أحمد بانفعال وعدم فهم...
أو ربما عقله لم يقبل أن يفهم.
فجأة ...
رفع الكيان يده، وحينها انفجرت آلاف الصور في عقل أحمد.
ذكريات، كوابيس، مشاهد من عوالم أخرى… وأخيرًا ...
رأى نفسه، لكن ليس كما يعرفه !
رأى نفسه في مكان آخر، في زمن آخر، يضع الأساس للّعنة...
يكتب رموزها، ويفتح بوابتها لأول مرة…
سقط أحمد على ركبتيه، غير قادر على تحمل الحقيقة التي اكتشفها.
فلم يكن مجرد ضحية…
أو حتي مجرد مفتاح...
لقد كان هو الباب ذاته...!
كان عقله يغلي، وكأن ذاكرته تحاول إعادة ترتيب نفسها من جديد.
الصور التي تدفقت داخله لم تكن مجرد أوهام… كانت حقيقية، وكانت تخبره بشيء لا يريد تصديقه !
لقد كان هو الباب… لكنه لم يكن يدرك ذلك.
"مش ممكن…"
تمتم بها أحمد، وهو يحدق في الكيان الواقف أمامه، والذي لا يزال يحمل ملامحه !
لكنه كان يبدو أكثر استقرارًا، كأنه استعاد قوته بالكامل.
وضع إلياس يده على كتف أحمد، وبصوت هادئ يحمل ثقل قرون من المعرفة قال :
"دلوقتي فهمت ليه إنت الوحيد اللي قدرت تعيش بعد ما دخلت هنا؟ ... عرفت ليه العالم ده بيتعامل معاك بشكل مختلف؟"
يحيى وسارة كانا يحدقان في أحمد، لكنهما لم يتكلما.
ربما لأنهما كانا مثله، يعجزان عن استيعاب الأمر.
تكلم الكيان الذي يشبهه قائلا :
"دلوقتي ممكن تكون قادر تشوف… قادر تفهم… لكن لسه مش مستعد."
"مستعد لإيه؟"
سأله أحمد، رغم أنه في نفس الوقت كان يخشى الإجابة !
فرد شبيهه والابتسامه المرعبة علي وجهه قائلا:
"اللحظة اللي فيها هتقرر تكمل، ولا تقفل الباب للأبد."
شعر أحمد أن الهواء من حوله أصبح أثقل.
فكما توقع كان هذا هو الحاجز الأخير...
القرار الذي سيحدد مصيره…
ومصير كل شيء آخر.
لكن و قبل أن يقرر، بدأ الظلام يتغير من جديد، وكأن شيئًا آخر كان يراقبهم…
ينتظر اللحظة المناسبة للظهور.
"مفيش وقت."
قالها إلياس بصوت حاد...
ثم عاد ليقول بعصبية أكثر :
"لو اتأخرت، مش هتبقى ليك فرصة تانية."
تنفس أحمد ببطء،وعينيه ملعقتان بذلك الكيان الذي يشبهه.
"لازم تختار يا أحمد…"
"دلوقتي."
قالها إلياس ... وقبل أن يرد أحمد إهتز المكان بقوة ..
كان كل شيء حوله يتداعى، الجدران تذوب كأنها وهم، والهواء يشتعل بطاقة لم يشعر بها من قبل.
أحمد كان في قلب العاصفة، لكنه لم يعد يشعر بالخوف…
"لو أنا البوابة… يبقى أقدر أتحكم فيها."
كلماته هذه المرة خرجت بثقة لم يكن يدرك أنه يملكها، وعيناه كانتا مثبتتين على الكيان الذي يشبهه.
لم يعد يرى فيه مجرد كيان آخر… بل كان يرى نفسه، النسخة التي لم يفهمها من قبل.
إلياس كان يراقبه بصمت، بينما يحيى وسارة تبادلا نظرات سريعة، كأنهما يحاولان استيعاب ما سيحدث.
"لو قفلت البوابة، إيه اللي هيحصل للعالم ده؟" قالها أحمد بصوت حاد، يبحث عن إجابة نهائية.
الكيان هذه المرة لم يبتسم، فقط قال:
"هينتهي… وهينتهي معاه كل اللي جوّاه."
تجمدت الدماء في عروق أحمد.
فقد كان بين نارين حرفيا ...
فلو أغلق البوابة، فهذا يعني أن كل الأرواح العالقة هنا، وكل شيء داخل هذا العالم، سيفنى تمامًا.
لكن لو تركها مفتوحة؟
فاللعنة ستظل تلاحقه وتلاحق عالمه… وسيظل عالقا بين العالمين للأبد.
الاختيار لم يكن سهلًا.
فأمامه طريقان، كلاهما يؤدي إلى خسائر، لكن كان عليه أن يختار.
أغمض عينيه للحظة، واسترجع كل شيء…
اللحظة التي دخل فيها هذا العالم ...
اللقاءات، الألم، الخوف، وحتى الحقيقة التي اكتشفها عن نفسه...
ثم، فتح عينيه من جديد.
وقال بثبات :
"أنا اخترت...