قصة الشخصية المحذوفة الجزء الثاني البارت الثامن 8 بقلم احمد عصام أبوقايد

         

قصة الشخصية المحذوفة الجزء الثاني البارت الثامن 8 بقلم احمد عصام أبوقايد


البحث عن مخرج

__________________


اهتزت الأرض تحت أقدامهم، والجدران راحت تنبعث منها أصوات أشبه بالصرخات، كأنها تعاني من ألم دفين. الضوء الأزرق الذي كان ينبعث من النقوش صار أكثر شدة، وتحولت ألسنة اللهب المتراقصة إلى أطياف هائمة تدور في القاعة، وكأنها أرواح ضائعة تبحث عن مأوى.


إلياس شد قبضته على سلاحه، عينيه لم تفارقا ليث، أو بمعني أدق الكيان الذي كان متمثلا في شكل ليث !

 تراجعت سارة خطوة للخلف، وهمست قائلة :

 "إحنا لازم نخرج من هنا فورًا!"


لكن ليث الذي يبدو أنه قد سمعها رفع يده، فأغلقت أبواب القاعة بحركة عنيفة، وكأنها تستجيب لأمره.

ثم نظر إليهم جميعًا وقال بصوت هادئ مشحون بالقوة: "لماذا تريدون الهرب؟ أنتم هنا منذ البداية… حتى قبل أن تدركوا ذلك."

ضغط أحمد على أسنانه، وعقله يحاول استيعاب ما يحدث. 

تقدم خطوة للأمام، مواجهاً ليث مباشرة وقال: "إنت أكيد مش ليث… إنت إيه بالضبط؟"


ابتسامة ليث اتسعت، وقال بنبرة مخيفة: 

"أنا الماضي… وأنا المستقبل. أنا من كان هنا حين سقطت اللعنة أول مرة، وسأكون هنا حين ينتهي كل الأشياء."

وفي تلك اللحظة بالذات، بدأت الرموز على الجدران تتغير، وكأنها تعيد سرد تاريخ مخفي عنهم. 

ظهرت مشاهد غريبة… كائنات بشرية محاطة بهالة سوداء...

وأبواب تفتح على عوالم لا يجب أن تكون موجودة...

فشهقت أحمد وهي تراقب الصور تتحرك أمامها ، وهمست :

 " ده اللي حصل قبل آلاف السنين!"

لكن وقبل أن يستطيعوا فهم المزيد، بدأت الأطياف التي كانت تدور في القاعة تتجمع حول ليث، وأصبحت أكثر كثافة، حتى تحولت إلى شكل غريب… 

كيان أشبه بظل عملاق، له عدد من الأعين لا تحصى، وكل عين فيها تلمع بلون مختلف!

فقال الكيان بصوت متداخل، وكأنه قادم من أبعاد مختلفة: "لقد عبرتم الحد المسموح به، والآن لا خيار لكم سوى أن تكونوا جزءًا من الحكاية."

وفجأة… 

اختفى الضوء، وسقط الجميع في ظلام دامس، بينما صدى ضحكة ليث كان آخر ما سمعوه قبل أن يبتلعهم الفراغ.

كان الظلام مختلفًا هذه المرة… 

ليس مجرد غياب للضوء، بل إحساس ساحق بانعدام الوجود ذاته! 

شعر أحمد وكأنه يطفو في فراغ بارد، جسده لم يعد محسوسًا، وكأن كيانه نفسه يتلاشى. 

أصوات غريبة تتردد حوله ! أصوات هامسة بلغات غير مفهومة، وكأنها ذكريات من عوالم أخرى تتصارع من أجل الوصول إليه!

ثم… 

شعر أحمد بدفعة قوية ضربته في صدره.

فتح عينيه فجأة ليجد نفسه مستلقيًا على أرض صلبة، أنفاسه تتلاحق وكأن رئتيه كانتا محرومتين من الهواء.

 رفع رأسه بسرعة، فرأى إلياس ملقى على بعد خطوات منه ، يحاول النهوض ببطء وهو يتفحص المكان بحذر.

 بينما كانت سارة تحاول استعادة وعيها.

لكن...

المكان نفسه، لم يكن مألوفًا!

فقد كانوا في قاعة ضخمة، ولكنها كانت مختلفة عن أي شيء رأوه من قبل. 

الجدران بدت وكأنها مصنوعة من مادة حية، تتنفس ببطء، وأرضيتها كانت مرصوفة بأحجار سوداء تتوهج بين الحين والآخر وكأنها نابضة بالحياة. 

وفي السقف، كانت هناك فجوات سوداء، أشبه بعيون عملاقة تراقبهم بصمت!

نهض إلياس وهو يضع يده على رأسه و تمتم قائلا :

 "إحنا… فين؟"

مسحت سارة على عينيها بسرعة وقالت بصوت مرتجف: "أيه المكان الغريب دا ؟!."

وقبل أن يستطيعوا استيعاب المزيد، دوى صوت قوي في القاعة، وكأن المكان نفسه يتحدث إليهم.

"لقد تجاوزتم الحد المسموح به ، والآن ستقابلون من لا يمكن مقابلته."

تجمد أحمد في مكانه، والتفت ببطء نحو مصدر الصوت…

وهناك، وبالتحديد في وسط القاعة كان هناك عرش ضخم، عرش مصنوع من العظام المتشابكة والمعدن الأسود ! يجلس عليه كائن غامض، لا يشبه البشر لكنه ليس وحشًا بالكامل. 

كان طويلاً بشكل غير طبيعي، جسده مغلف بدرع داكن من مادة غير معروفة، وعيناه كانتا مجرد دوامات من الظلام تدور ببطء !

رفع الكائن رأسه ونظر إليهم ثم قال بصوت عميق كأنه آتٍ من نهاية الزمن نفسه قائلا :

"أنتم تبحثون عن الحقيقة… لكن الحقيقة هي ما ستجعلكم تهلكون."

ساد الصمت للحظات، قبل أن يتمكن أحمد من التقاط أنفاسه. كان يشعر بثقل نظرات الكائن الجالس على العرش، وكأنها تخترق كيانه. 

حاول الحديث، لكن الكلمات خانته، لم يكن يعلم ما يجب قوله أمام كائن يبدو وكأنه يتجاوز حدود الفهم البشري!

أما إلياس فعلي الرغم من ارتباكه، تقدم خطوة وقال بثبات : "إحنا مش جايين نطلب رحمتك، إحنا جايين نعرف الحقيقة."

ضحك الكائن ضحكة منخفضة، وكأنها صدى يتردد في العدم، ثم قال بصوت بارد: 

"الحقيقة؟ الحقيقة ليست امتيازًا، بل لعنة، فكل من يعرفها، لا يعود كما كان."

تقدمت سارة بحذر وهي تنظر إلى العرش، ثم قالت بصوت ثابت رغم الارتجاف الخفيف فيه : 

"إحنا مستعدين نتحمل أي حاجة بس لازم نفهم، إيه علاقتنا باللي بيحصل؟ وإزاي نقدر نوقف اللعنة دي؟"

نظر إليهم الكائن للحظات، ثم رفع يده ببطء.

فجأة...

بدأت الأرض تهتز، والجدران بدت وكأنها تذوب لتكشف عن مشاهد تتحرك أمامهم…

مشاهد من الماضي...

رأوا مدينة عظيمة تنهار تحت وطأة الظلام...

ومخلوقات غامضة تتصارع... وحراس يسقطون واحدًا تلو الآخر أمام قوة لا تُقاوَم... 

رأوا أشخاصًا يشبهونهم يقاتلون… 

يسقطون… 

يُمحون من الوجود...

ثم...

ظهرت صورة أحمد نفسه، يقف في وسط كل هذا، لكنه لم يكن هو ! 

كان مختلفًا، عيناه تتوهجان بطاقة غامضة، وفي يده كان يحمل شيئًا لم يتمكن من تمييزه.

شيء ينبض بالقوة، وكأن وجوده وحده يُغير مسار الأحداث !

شهق أحمد ، وتراجع للخلف وقال بصوت مرتعش : 

"إيه… ده؟"

الكائن أجابه بصوت بارد وقال:

 "ما تراه ليس ماضيًا فقط… بل هو مصير محتوم."

ضغط إلياس على يده بقوة، وقال بغضب مكبوت : 

"مصير مين؟ مصير أحمد؟"

الكائن أمال رأسه قليلًا، وكأنه يدرسهم، ثم قال: 

"مصير العالم… أنت البوابة يا أحمد، لكن البوابة لا تُفتح من تلقاء نفسها."

تجمدت الدماء في عروق أحمد، ثم سأل بصوت منخفض:

"طيب… مين اللي هيحاول يفتحها؟"

وفي تلك اللحظة...

اهتزت القاعة بعنف، وبدأ الظلام في التحرك، كما لو أن هناك شيئًا آخر… 

شيئًا أعظم يقترب...

فنهض الكائن من عرشه ببطء، ثم قال جملة جعلت الرعب يملأ قلوبهم:

"لقد تأخرتم… إنه قادم."

تردد صدى كلمات الكائن في أرجاء القاعة، وكأنها إعلان عن كارثة لا يمكن إيقافها!

 شعر أحمد ببرودة غريبة تزحف إلى عظامه، إحساس لم يكن مجرد خوف… بل كان شيئًا أعمق، وكأن جزءًا منه يعرف ما الذي سيأتي !

واستل الياس سلاحه .

بينما سارة وقفت بجانب أحمد وهي تهمس قائلة : 

"لازم نهرب من هنا، دلوقتي حالًا."

للكنوقبل أن يتمكنوا من اتخاذ أي خطوة، انفتح شق في الهواء أمامهم، وكأن العالم نفسه يتمزق! 

ومن داخله، خرج ظل هائل.. كيان غير مستقر، أشبه بدخان كثيف يتخذ أشكالًا مختلفة في كل لحظة ! 

لكن عيناه… كانتا أكثر شيء ثابت فيه، عينان بلا نهاية! مظلمتان كأنهما هاويتان تبتلعان الضوء!

الكائن الجالس على العرش لم يتحرك، لكنه تحدث بصوت هادئ للكيان الآخر قائلا : 

"حسنا … لقد قررت أن تأتي بنفسك هذه المرة."

الصوت القادم من الظل لم يكن صوتًا بشريًا، بل كان خليطًا من أصوات كثيرة، متداخلة، همسات وصراخ، كأن آلاف الأرواح تتحدث في آن واحد وهو يرد قائلا : 

"لم يعد هناك وقت للعب، البوابة ستُفتح… شئت أم أبيت."

شعر أحمد بذبذبات طاقة غير مرئية تضرب جسده !

شيء بداخله كان يستجيب لهذا الظل… وكأنه جزء منه!

فصرخ إلياس قائلا : 

"احنا لازم نخرج من هنا!"

لكن وقبل أن يتحرك أحد، انطلقت موجة طاقة هائلة من الظل، رمتهم جميعًا للخلف... وسُمعت ضحكة منخفضة تملأ القاعة قبل أن يصدر صوت يقول :

"لا أحد سيخرج… ليس قبل أن ننهي ما بدأناه منذ زمن بعيد."

أحمد ورغم ألمه، رفع رأسه وحدق في الكيان أمامه، ثم سأل بصوت مرتجف لكنه مليء بالإصرار:

"إنت مين…؟"

اقترب منه الظل ، وتموج جسده للحظة، قبل أن يتخذ شكلًا أكثر وضوحًا… 

وكان المفاجأة الكبرى...

لقد كان يشبه أحمد تمامًا !

لكن النسخة التي أمامه كانت مختلفة…

أكثر ظلامًا، أكثر قوة، وأكثر خطورة !

ثم همس الكيان بصوت كاد يُسكت قلب أحمد من هوله للأبد وقال :

"أنا… أنت !



              البارت التاسع من هنا 

    لقراءة جميع حلقات القصه من هنا 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رواية مسك الليل كامله جميع الحلقات من الأول حتى الاخير بقلم هايدى الصعيدى

رواية غفران العاصى كامله جميع الحلقات من الأول حتى الاخير بقلم لولا

رواية مسك الليل الفصل الثاني عشر 12بقلم هايدى الصعيدى