قصة الشخصية المحذوفة الجزء الثاني البارت السابع7 بقلم احمد عصام أبوقايد

قصة الشخصية المحذوفة الجزء الثاني البارت السابع7  بقلم احمد عصام أبوقايد


مارد الظل

لحظات مرت سادها الصمت...

ونظرات المارد موجهة لأحمد ينتظر منه الرد...

أما إلياس فكان شاردا وكأنه منعزل عما يحدث حوله!!

شارد يفكر ، فطوال تلك الرحلة الملعونة كان يمتلك حدث ينبهه من كل خطر قد يقابلهم..

وهذه المرة أيضا يشعر بالخطر كثيرا...

وخصوصا فيما قاله المارد...

هنالك شئ ما خاطئ !!

لن تنتهي الأمور بهذه البساطة أبدا ، فإلياس كان يعلم جيدا أن كل كيانات وكائنات هذا العالم لن تقول لك الحقيقة بكل سهولة ويسر ، فمنهم من سيحاول الإيقاع بهم ، ومنهم من سيحاول اختبارهم ليري مدي إستحقاقهم المعرفة !!

كيانات بغيضة لن تسهل الأمر عليهم أبدا...هكذا كان يفكر إلياس.

ومن جانب آخر لن تسمح اللعنة أبدا بتراجعهم ، وفي تلك الحالة فلن يسمح المارد من الأساس بخروجهم ، وهذا عكس مقاله تماما...

وتكررت كلمات المارد في عقل إلياس لتدق ناقوس الخطر من جديد :

"حان الوقت لتختاروا ،إما أن تعرفوا الحقيقة كاملة،أو تغادروا قبل أن أدمركم جميعا ."

" طيب ... الموضوع فيه فخ أكيد"... هكذا قالها إلياس لنفسه وهو يبحث بعيناه عن أي مخرج في هذا المكان...

وأخيرا وجده!!

فبين الظلال التي خرج منها المارد للتو كانت هناك نبضات لضوء أحمر تظهر من بعيد...

وهذه الأضواء دوما كانت علامات البوابات أو مخارج في هذا العالم الملعون !!

"أكيد دا المخرج...مافيش حل تاني لازم نهرب"

قالها إلياس لنفسه بعد أن قرر أنه لا مفر آخر من هذا الفخ سوي بالهروب من تلك البوابة خلف المارد..

فأقترب إلياس بهدوء من أحمد وقال له بصوت منخفض :

"أياك تختار حاجه من اللي قالها المارد ...دا فخ"

فتجمد الدم في عروق أحمد قبل أن يقول " فخ ؟!.. طيب هنعمل أيه ؟"

فقال إلياس : 

"بص كدا ،شايف الضوء الأحمر اللي بينبض من بعيد ورا المارد؟..هنجري نحيته في وقت واحد كلنا ونخرج منه"

فأمتعض أحمد وهو يقول بصوت خافت :

"أنت مجنون؟!.. هنهرب أزاي من وراه؟!..أكيد هيمنعنا"

فرد إلياس بغضب حاول كبته:

"إسمع الكلام بقولك..مافيش حل تاني..في جميع الأحوال لو اخترنا أي خيار من اللي قالهم المارد هيدمرنا ومش هيسمح لينا نمشي من هنا ،وهروبنا حتي ولو محاولة نسبتها ضعيفة في النجاح فعلي الأقل هي الأمل الوحيد في الخروج من هنا"

لم يرد أحمد ، وكان واضحا عليه أنه أقتنع بما قاله إلياس وسلم بالأمر الواقع..

فأستطرد إلياس قائلا " أنا عندي فكرة كويسة... أنا هفاجئ المارد وأشغله، وأنت أول ما تسمع صوتي وتلاقي المارد انتبه لي تاخد سارة وتجري تحية الضوء الأحمر "

فنظر له أحمد وقد جحظت عيناه من هول ماسمع قبل أن يرد قائلا :

"طيب وأنت هتهرب أزاي؟!"

فرد إلياس بتوتر :

"أنا هتصرف ..المهم أنت نفذ اللي بقولهولك بالحرف ..فاهم؟!"

دقات قلب أحمد كانت تدق كدقات طبول الحرب رعبا مما سيحدث...

فما قاله إلياس للتو لهو درب من دروب الجنون!!

وبالتأكيد هم هالكون و...

فجأة...

وبصوت عال قال إلياس للمارد:

"أنت كداب...ومخادع"

فنظر له المارد الذي تفاجأ من رد فعل سلبي وزمجر غاضبا :

" كيف تجرؤ أيها الحقير ؟!"

فتحرك المارد نحو إلياس بسرعه ليفتك به ، فأشار إلياس لأحمد لتنفيذ ما أتفقوا عليه للتو..

وبالفعل أمسك أحمد بيد سارة وأنطلق سريعا نحو منطقة الظلال التي يصدر منها نبضات الضوء الأحمر...

حينها وفي نفس الوقت كاد المارد أن يصل لرقبة إلياس ، الذي تفادي انقضاضة المارد بالإنزلاق بين قدميه ، وهم واقفا ليهرول خلف أحمد وسارة..

فزمجر المارد غاضبا وهو يقول :

" لن تفلت مني أبدا أيضا المخادع"

فألقي المارد برمح كان يمسكه بيده نحو إلياس...

ألقاه بقوة رهيبة ،حتي إلياس نفسه كان يظن من قوته أنه هالك لا محالة...

فزاد من سرعته محاولا الهروب و.....

سقط الرمح..

سقط علي بعد سنتيمترات من إلياس الذي ظن في هذه اللحظة بالذات أنه قد أنتهي ...

وإلي الأبد...

لكن القدر كان له خطط آخرى ، وأستطاع إلياس وأحمد وسارة الرسول من هذا المأزق بأعجوبة ودخلوا مابين الظلال...

لقد كانت بالفعل بوابة...

ولكنها كانت كالبئر...

فما أن وصلوا إليها سقطوا بداخلها واحد تلو الأخر علي حين غرة !!

سقطوا في هاوية لا نهاية لها..

طال وقت السقوط دون أن يصلوا للنهاية !

وفجأة وجدوا أنفسهم يقفون في مكان غريب  يشبه المعبد !

كيف حدث ذلك ؟! ، لم يعلم أحدهم ماذا حدث ، فكيف وهما يسقطون فجأة وجدوا أنفسهم يقفون في هذا المكان ؟!!

لم يقفوا كثيرا أمام هذا الأمر ، فقد رأوا بالفعل ما هو أغرب منذ بدء تلك الرحلة الملعونة...

فوقف أحمد يحدق في الظلال المتراقصة على جدران المعبد القديم. 

كان الهواء مشحونًا بطاقة غامضة، وكأن الجدران تهمس بأسرار مدفونة منذ قرون.

فأشار إلياس بإصبعه إلى النقوش المتحركة على الجدران بعد أن أقترب منها وقال:

 "دي مش مجرد رسومات… دي ذكريات محفورة من زمن بعيد."

أما سارة التي بدت أكثر إدراكًا لما يحدث، لمعت عيناها وهي تحدق في إحدى الزوايا المظلمة، ثم قالت بصوت منخفض: 

"أنا حاسه إني شُفت المكان ده قبل كده… بس مش عارفة فين بالضبط."

فنظر إليها أحمد بريبة ثم سأل: "إزاي؟ إحنا لسه داخلين هنا حالا."

وقبل أن تجيب سارة ، انطلقت همسات خافتة في الهواء..

وكأن المكان نفسه يستجيب لهم. 

فجأة..

ظهر وميض أزرق خافت عند أحد الأعمدة، وتكوّن شكل شبه شفاف لرجل يرتدي عباءة قديمة ويمسك بصولجان طويل.

نظر إليهم بعينين خاويتين وقال:

 "أنتم لستم هنا بالصدفة… المفاتيح بدأت تعود إلى أماكنها."

تقدم أحمد خطوة، محاولًا استيعاب ما يراه، لكنه شعر بقبضة باردة تلتف حول قلبه عندما أكمل الكيان الغامض حديثه وقال :

"المفتاح الأول تم تفعيله… والباقي سيتبعه.

 ولكن السؤال الحقيقي… هل أنتم مستعدون لما هو قادم؟"

في تلك اللحظة...

اهتزت الجدران من حولهم، وكأن شيئًا ما بدأ في الاستيقاظ تحت أقدامهم. 

شهقت سارة ، بينما إلياس أخرج خنجره بسرعة، وأحمد أدرك أنهم اقتربوا خطوة أخرى نحو كشف الحقيقة… 

أو لعله الهلاك هذه المرة.

فجأة وبدون سابق إنذار إهتز المكان كله بقوة ...

وبدأت أعمال المعبد في السقوط واحدا تلو الأخر...

وكان أحمد يلهث وهو يركض بين الأنقاض المتناثرة، عيناه تتنقلان في كل اتجاه بحثًا عن مخرج. 

فالمعبد التي بدا هادئا قبل لحظات أصبح الآن مصيدة  تستعد لابتلاع من فيها.

فصاح إلياس وهو يركض بجواره:

 "لازم نتحرك أسرع! الحراس مش هيسيبونا نخرج بسهولة!"

ومن خلفهم، تصاعدت أصوات غريبة، خليط من صرخات حادة وهمسات خافتة تتردد في الأرجاء كأنها صدى لأرواح معذبة. 

التفت أحمد سريعًا فرأى ظلالًا سوداء تتحرك بسرعة غير طبيعية، وكأنها تلتهم الضوء نفسه.

وسارة التي كانت أمامهم، تنظر للخلف برعب، ثم صاحت قائلة : 

"فيه طريق على اليمين! بسرعة!"

اندفعوا جميعًا نحو ذلك الممر الحجري الضيق..

كان مغطى بنقوش قديمة بدأت تتوهج بمجرد أن داسوا عليه. وفجأة...

اهتزت الجدران وظهر ضوء أزرق باهت أمامهم...

ضوء يشكل دائرة غامضة.

فقال إلياس وهو يلهث:

 "دي أكيد بوابة… يلا بسرعة مافيش وقت ."

لم يتردد أحمد ، نظر خلفه ورأى الظلال تقترب بسرعة مخيفة، ثم دفع الجميع للأمام 

وقفزوا داخل البوابة، وابتلعتهم الدوامة المضيئة.

لحظات مرت قبل أن يسقطوا على أرض صلبة، والتراب يتطاير من حولهم. 

رفع أحمد رأسه وهو يحاول استيعاب المكان الجديد. الجدران كانت شاهقة، محفورة برموز أقدم من تلك التي رأوها في المدينة، والهواء كان مشحونًا بطاقة غريبة تجعل الأنفاس ثقيلة.

نظرت سارة حولها بذهول وقالت: 

"إحنا فين؟"

قبل أن يجيبها أحد، دوى صوت عميق من الظلام يقول : "في المكان اللي كان لازم توصلوا له من زمان… الحصن الأخير للحراس الحقيقيين."

حينها ظهر أمامهم كيان مظلم، كان أطول من أي إنسان قد رأوه من قبل، وعيناه كانتا تشعان بلون فضي غريب.

وقف أمامهم بثبات، وكأنه لم يتحرك منذ قرون.

حاول أحمد أن يسيطر على أنفاسه وهو يسأل: 

" إنت مين ؟"

الكيان المجهول لم يبدُ عليه أي تعبير، فقط قال بصوت ثابت: "أنا آخر حارس… والشخص الوحيد اللي يقدر يجاوب على كل أسئلتك. 

بس أفتكر كويس أن كل حاجه ولها ثمن"

قالها الكيان ثم أختفي دون حتي أن ينتظر الإجابة !!

تعجب الجميع مما حدث ، وتملكهم الرعب أكثر ، فبالتأكيد إختفاء ذلك الكائن هو الهدوء الذي يسبق العاصفة !

ولن يمر الأمر مرور الكرام!!

كان الهواء داخل ذلك المكان  أثقل مما توقعوا، وكأن الجدران نفسها تحمل ذكريات مرعبة من عصور سابقة. 

وذلك الضوء الأزرق الباهت المنبعث من النقوش على الجدران يضفي على المكان هالة من الغموض، وكأن ذلك المكان ليس مجرد بناء، بل كيان حي يراقبهم بصمت.

كانت سارة تمشي بحذر، عيناها تتفحصان النقوش التي تتحرك ببطء كأنها تروي قصة منسية. 

فهمست قائلة: 

"المكان ده أكيد مش مجرد أطلال… ده سجل حي لكل اللي حصل هنا."

 تقدم الياس ببطء، يلمس الجدران بيده وقال وهو يحدق في النقوش باهتمام : 

"دي ذكريات محفورة "

لم يكن أحمد قادرًا على نفض شعوره بعدم الارتياح، لكنه استمر في التقدم.

 فجأة...

ترددت همسة خافتة في المكان...

همسة لم تكن قادمة من أي جهة محددة، بل وكأنها انبثقت من الفراغ نفسه.

"لقد عدتم…"

تجمد الجميع في أماكنهم، وعيونهم تتسع مع تصاعد الرهبة. 

فالصوت كان مألوفًا جدا هذه المرة… 

لكنه مستحيل !

استدار أحمد بسرعة، وقلبه يكاد ينفجر من الصدمة. وأمامهم.. بالضبط في وسط القاعة المظلمة، وقف ليث ! لكن ملامحه لم تكن كما كانت… 

عينيه كانتا تلمعان بلون غريب، وابتسامته لم تحمل أي أثر للإنسانية التي اعتادوا عليها !

فهمس إلياس وهو يرفع سلاحه بحذر: 

"ليث… إنت كنت فين طول الوقت؟"

ابتسم ليث أكثر، بإبتسامة مرعبة وخطى خطوة للأمام نحورهم ، وبصوت خرج كأنه صدى لعدة أصوات متداخلة قال: 

"أنا؟ كنت حيث كان يجب أن أكون… وحيث أنتم جميعًا ستنتهون."

شعر أحمد ببرودة تسري في عروقه، لكنه أجبر نفسه على مواجهته فرد قائلا : 

"إنت مش ليث اللي نعرفه؟"

ضحك ليث، ضحكة لم تكن بشرية بالمرة، ثم قال بهدوء قاتل : 

"كنت ليث… والآن أنا أكثر من ذلك بكثير."

وفي تلك اللحظة، بدأت الجدران تهتز أكثر وأكثر، والنقوش المتوهجة تحولت إلى لهب أزرق، وكأن المكان نفسه قد أستيقظ… أو ربما يستعد لابتلاعهم جميعًا !!


               البارت الثامن من هنا 

    لقراءة جميع حلقات القصه من هنا 



تعليقات