
كان الوقت قرب المغرب، ضوء الشمس بيختفي ورا نوافذ مكتب العمليات، والهدوء بيغلف المكان… بس جوا المكتب، كانت العقول شغالة بأقصى طاقتها.
مراد كان واقف قدام السبورة اللي متعلقة على الحيط، وعليها صور وأسماء ومخططات متشابكة…
بينما مالك كان قاعد، بيقلب في ملف صغير بين إيديه.
مراد :
"يعني هي عرفت فعلاً؟"
مالك هزّ راسه:
"أيوه… امبارح كانت جاية عند مليكة، وأنا بالصدفة كنت معدي، وسمعت الكلام بينهم… دخلت وواجهتها."
مراد بتركيز:
"وقالت إيه؟"
مالك:
"كانت مصدومة… بس مش منهارة، بالعكس.
بدأت تربط حاجات كتير… واتفاجئت لما قلتلها إني كنت عارف من الأول إنها بنت بدران."
مراد :
"ما أنت دمّك تقيل أهو… كان لازم تقول من الأول."
مالك ابتسم بخفة:
"كنت عايز أشوف هي تعرف ولا لأ… وهي طلعت مش عارفة فعلًا.
ولما جبت سيرة خالد القصاص، وشفت رد فعلها… تأكدت إنها شافت وسمعت حاجات، حتى لو مش مخدتش بالها."
مراد رفع حاجبه:
"هي تعرفه؟"
مالك:
"سمعته في مكالمة قبل كده، وكان دايمًا بيجيله راجل أصلع، عليه لوجو محل قطع غيار… في المنشية.
دي أول خيط حقيقي نمسكه."
مراد ابتسم:
"يبقى هنبدأ من هناك.
هننزل النهاردة، نتابع المحل والمكان حواليه، ونشوف الراجل ده بيظهر إمتى وبيروح فين."
مالك بحسم:
"بس خلي بالك… لو بدران شك إنها بتتحرك ضده، هيتصرف.
ولارين حاليًا ما تقدرش تتحمل صدمة تانية."
مراد بهدوء:
"ما تقلقش… طول ما إحنا بنسبق بخطوة، مش هنوصل للنقطة دي.
ولارين مش لوحدها دلوقتي."
لحظة صمت عدّت بينهم، قبل ما مراد يضيف وهو بيراجع الأوراق:
مراد:
"النهاردة نراقب خالد… ولو قدرنا نوصله، نفتح الدفتر كله."
مالك وقف:
"وأنا معاك."
خرجوا من المكتب بخطى ثابتة…
وكل واحد فيهم عارف إن اللعبة بقت أخطر، وإن أول خيط حقيقي في شبكة بدران… خلاص في إيديهم.
---
ليل إسكندرية كان بارد، والهواء بيحمل ريحة البحر ممزوجة بريحة الزيت والدخان اللي طالع من ورش العربيات في المنشية.
واقف على ناصية شارع جانبي، كان مراد بيراقب من عربية صغيرة، والنور مطفي… جنبه مالك، مركز بنظرات صقر ومعهم قوات من الشرطة.
مراد بصوت واطي في اللاسلكي:
"الهدف خرج من المحل… جاكت جلد، أصلع، على دراعه لوجو المحل.
خالد القصاص. اتجه نحية الجراج اللي ورا الورشة."
مالك بسرعة:
"نتحرك… بس بهدوء. مش عايزين نخوفه."
نزلوا من العربية، وبدأوا يتحركوا في صمت واحتراف.
في آخر الزقاق، كان خالد واقف بيكلم واحد، وصوته واضح:
خالد بصوت غليظ:
"قول لبدران إن اللي بيعمله ده خطر… دي تالت شحنة تتأخر، وأنا مش هسكت!"
مالك فجأة وهو بيخرج من الضلمة:
"ولا إحنا هنسكت يا خالد."
خالد اتفاجئ واتلفت بسرعة:
"مين؟!… أنت؟!"
مراد خرج وراه:
" الشرطة. ودي نهاية اللّف والدوران."
خالد بغل:
"أنا معملتش حاجة… ده محل قطع غيار مرخّص!"
مالك ابتسم بسخرية:
"ورايح لجراج في نص الليل عشان تركب بنزين في العربية؟"
خالد بدأ يتوتر:
"اسمعوني… أنا معرفش حاجة عن شغل بدران!
أنا كنت مجرد وسيط… وقطعت علاقتي بيه من شهور!"
مراد:
"بس لسه بتوصل له كلام… ولسه بتستلم شحنات، ولسه بتقبض."
خالد بعد لحظة صمت:
"بدران اختفى… بقاله أسبوع مابيردش على حد.
حتى رجالتُه مش عارفين مكانه… وكل حاجة متوقفة."
مالك عيونه ضاقت:
"ليه؟ خايف؟
ولا فيه حاجة كبيرة جاية وهو بيحضّر لها؟"
خالد :
"اللي أعرفه إنه ناوي يعمل ضربة كبيرة…
بس المرة دي، مش في تهريب سلاح… في تصفية حسابات.
قال: "اللي خانني هيدفع التمن… حتى لو كانت بنته.""
اتبادل مراد ومالك نظرات سريعة…
المعلومة نزلت زي الصاعقة.
مالك بصوت حاد:
"إحنا هنا مش بس عشان نقبض عليه…
إحنا هنا عشان نوقفه قبل ما يأذي أي حد تاني."
خالد بتوتر:
"أنا قولت كل اللي عندي… سيبوني أعيش."
مراد:
"هنشوف الكلام ده بعدين يلا معانا ."
يتبع