
اليوم التالي – مساءً – منزل عائلة مالك – منطقة سموحة
فتحت مليكة باب الشقة وهي تضحك بصوتٍ عالٍ، وخلفها لارين بخجلٍ واضح.
البيت كان هادئًا، بديكور بسيط يغلب عليه الذوق الكلاسيكي، ولمحات من اللمسة الأنثوية واضحة في كل ركن.
"ادخلي يا لارين، اعتبري البيت بيتك."
ابتسمت لارين بخجل وهي تخلع حذاءها عند الباب:
"ربنا يخليكي، أول مرة أدخل بيت صاحبة ليا كده… حاسة إني داخلة عالم جديد."
ضحكت مليكة وقالت وهي تسحبها من يدها:
"ده بيت أهلي، يعني رسميًا… بقيتي من العيلة!"
لم تكن تعلم أن القدر يستمع لهذه الكلمات جيدًا.
---
في نفس التوقيت – أمام العمارة – مالك يركن عربيته السوداء بعد ما رجع من مأمورية مفاجئة.
كان مرهقًا، لكن هناك شيء ما في صدره يضيق كلما اقترب من هذا الحي.
وربما… قلبه بدأ يشعر أن بداخله حدث ينتظره.
فتح الباب ودخل، وقبل أن يخلع حذاءه، سمع صوت ضحك أنثوي ناعم، يخرج من الصالة.
توقف لحظة، لم يكن معتادًا على وجود ضيوف في البيت، خاصة من هذا النوع.
دخل بهدوء، ليجد مليكة جالسة على الأرض وسط كتب الكلية، وبجوارها فتاة لم يرها من قبل.
أول ما التقت عيناهما…
توقّف الزمن.
شعر بشيءٍ غريب يلامس صدره… لم يعرفه من قبل.
شعر أن ملامحها مألوفة… حزينة، لكنها قوية.
جميلة، لكن ليس جمالاً صاخبًا… بل جمال نقي، يشبه رائحة المطر بعد عطش طويل.
وقفت مليكة بسرعة:
"أووووه، ده مالك! رجعت إمتى؟"
ردّ وهو ينظر للارين دون أن يشعر:
"دلوقتي حالًا…"
سحبت مليكة يد لارين:
"دي لارين، صاحبتي من الكلية… قلبي وعقلي وكل حاجة."
ابتسم مالك بخفة، وقال بصوتٍ أجش:
"أهلاً وسهلاً… شرفتينا."
أخفضت لارين نظرها وقالت بهدوء:
"الشرف ليا، أنا آسفة لو ضايقت حضرتك."
هزّ رأسه نافيًا، لكنه لم يعلّق… كان لا يزال مأخوذًا بنظرة واحدة فقط.
---
بعد دقائق، وقف مالك في المطبخ، يصب لنفسه كوب شاي، ومراد على الهاتف معه.
مالك: "ألو؟"
مراد: "مالك، أنت فين؟!"
مالك: "في البيت، تعبان شوية."
مراد: "ها؟ سمعت إنك رجعت بدري… طمني، في جديد عن بدران؟"
مالك: "لسه، بس… قابلت حد النهاردة."
مراد: "قابلت؟ مين يعني؟"
مالك: "مش عارف أوصف… بس هي أول مرة أحس إني شفت عيون حزينة للدرجة دي."
ضحك مراد من الجهة الأخرى وقال:
"واضح إن المهمة الجاية ليك مش بس ضد المجرمين… دي ضد قلبك كمان."
---
في الغرفة، كانت لارين تضحك مع مليكة، لكن قلبها لم يكن في مكانه.
لأول مرة منذ زمن، تشعر أن هناك عيونًا رأتها حقًا…
رأتها كما هي، دون أقنعة… دون ألم.
ولم تكن تعلم أن هذا اللقاء العابر…
كان بداية قصة، لا تشبه أي قصة أخرى.