
رواية أمان مزيف الفصل الاول 1 بقلم شروق فتحي
_يا بنتى أنا بقيت مش فاهمكي...يا "أميره" أنتِ كبرتي وبقى عمرك أربعين سنه، وكل ما حد يتقدملك ترفضيه!
رفعت "أميرة" عينيها عن الكوب الذي بين يديها، ثم أخذت نفسًا عميقًا وهي تحاول ضبط نبرتها:
_ما هو بصراحه لحد دلوقتي أنا مش لاقيه حد مناسب، وغير ده أنا بعد ما بقيت مديره في بنك أروح أتجوز واحد يتشرط ويقولى تقعدي لا طبعاً.
صديقتها محاولة أنصاحها:
_أنتِ بتضحكي على نفسك صح؟...أنتِ أصلًا مش بتدي نفسك فرصه تشوفي حد...ووصلتى لي اللي أنتِ عايزه، وأنتِ كمان الله اكبر بقيتي أحسن ما انتى عايزه، وهو لو شخص محترم مش هيقول تقعدي أنتِ واخده فكره غلط!
زمت شفتيها بتفكير، وكأن كلام صديقتها حرّك شيئًا داخلها، لكنها رفضت الاعتراف به، فاكتفت بقولها:
_مش عارفه بقى أنا خايفه كل اللي وصلت لي يجى واحد ويقولى كده، وبعدين أنا لسه نصيبي مش جه ده كل الموضوع... وبعدين انا مش مستعجله يا ستى، وبعدين اللي أتجوزوا خدوا ايه يعنى؟(لتكمل بضحك) بيجروا في المحاكم دلوقتي على نفقه.
ضحكت صديقتها، وهزت رأسها بأسى، ثم قالت ممازحة:
_لا أنتِ بجد حاجه مش طبيعيه (وهي تبادلها ضحك) يا بنتي اللي بيجروا في محاكم دول بيختاروا غلط أو مش قد المسؤليه!
وهي محاولة التهرب من هذه المحادثة، وتكمل بنبرة ساخرة:
_بالظبط كده أنا من الناس اللي مش قد المسؤليه أبعدي عن دماغي بقى...يا ستي وعد عليا أول ما الاقي شخص مناسب أنتِ أول واحده هتعرفي، خلاص كده!
وهي تهز رأسها بقلة حيلة من صديقتها:
_وانا مالي يا ستي...أنا بقول علشان مصلحتك؛ علشان تحسي بنعمة الأطفال، وتستقرى بدل ما أنتِ عايشه لله تعالى كده!
وهي تنظر في أتجاه الأخر:
_عاجبني حالي يا ستي(ثم تكمل بمزاح) وعيال ايه بس هى ناقصه صداع دانا ماشيه بعلاج.
لتبتسم ابتسامة ساخرة، وكأنها تضحك على نفسها أكثر مما تضحك على الكلام، ثم ردّت:
_بحس ساعات أنتِ عندك سبعين سنه أو في أواخر الشيخوخه!
لتبتسم ابتسامة ساخره على حالتها:
_ونبى بشوف اللي عندهم شيخوخه عندهم صحه عني بيرقصوا، ويتحركوا أحسن من أى واحد عنده عشرين سنه، أحنا دلوقتي اللي عنده عشر سنين بقى في أواخر الشيخوخه(وهي تضرب بتلك كفيها بسخرية) جيل معجز!
وهي تبادلها نفس نبرة السخرية، بضحك:
_حصل أنا بنتي بتشتكي من ضرر جسمها أكتر من واحده عندها تسعين سنه...يا ماما اه ظهرى بيوجعنى، يا ماما اه رجلى بتوجعنى، يا ماما اه راسي بتوجعنى....
لتضحك وهي تهز رأسها بمرح:
_يا عينى يا بنتي، ايه الجيل ده؟! يا بنتى دول يخشوا دار مسنين احسن ليهم!
ومازالت الابتسامة ساخرة مرتسمة على وجهها:
_مش أستبعدها ده جيل مصيبه يا بنتى!
لتعتدل في جلستها، لتلتقط حقيبتها وتستعد للوقوف:
_هقوم أنا بقى علشان أروح وأصحى بدري؛ علشان شغلي بكره يلا سلام.....
.......
في اليوم التالي، كانت "أميرة" جالسة في مكتبها منهمكة في مراجعة بعض الملفات، حين سمعت صوت ضجة في الخارج. عقدت حاجبيها بتعجّب، وحدّقت نحو الباب:
_في ايه الدوشه دي...ايه اللي حصل؟!
نهضت بسرعة وخرجت من مكتبها، محاولة السيطرة على الأمور قبل أن تتفاقم.
ما إن وصلت إلى قاعة الانتظار حتى وقعت عيناها على شاب يبدو في منتصف الأربعين، بُنية جسدية رياضية، ملامحه مشدودة بالغضب، وصوته يعلو وهو يتشاجر مع أحد الموظفين:
_هما دول موظفين ينفعوا يشتغلوا فى بنك؟! ده ولا ذوق، ولا عقل، ولا احترام!
أخذت "أميرة" نفسًا عميقًا، وهي تحاول التماسك كي لا تخرج الأمور عن سيطرتها، اقتربت منه بخطوات ثابتة، وقالت بنبرة رسمية:
_في ايه بس اللي حصل لي ده كله يا أستاذ(رغم نبرتها الهادئة، إلا أن الغضب بدأ يغلي في داخلها بسبب الطريقة التي تحدث بها عن موظفيها) وأحنا مواظفينا محترمين لو سمحت أتكلم بإحترام.
ليكمل بنبرة حادة، وهو عاقد حاجبيه:
_أنا عارف أنا بتكلم ازاى كويس، وأنتِ مش شوفتي بيكلمني إزاى؟!
باعتذار خافت وهي تضغط على أعصابها كي لا تنفلت منها الكلمات:
_بنعتذر على الأسلوب اللي كلم بي حضرتك بيه، ممكن تتفضل على مكتبي(ثم تعاود النظر إلى الموظف) وأنتَ يا "عاصم" حسابي معاك بعدين.
عاصم وهو يبتلع ريقهُ بتوتر، ثم تلعثم وهو يبرر موقفه:
_يا فندم والله أنا مش عملت حاجه هو اللي طلع فينا!
وهي تهز رأسها، وعلى وشك دخول مكتبها:
_خلاص يا "عاصم" بعدين أتفضل يا أستاذ... تشرب ايه؟!
وهو يأخذ نفس عميق، وكأنّه يحاول طرد ما تبقى من غضبه، ثم قال بهدوء:
_لا شكرًا لذوقك مش عايز حاجه.
بإصرار لطيف، وهي تمسك الهاتف:
_لأ ما يصحش بص أنا هشرب قهوه هطلبلك معايا واحده مظبوط؟ تمام...أسم الأستاذ ايه؟!
وهو يغمض أعينه وقد هدأ قليلًا:
_أسمي "كريم حسن" بس إزاى توظفوا موظفين يكون أسلوبهم وحش كده؟!
لترسم ابتسامة خفيفة على وجهها، تحاول أن تُخرج الجو من حدتهُ:
_خلاص يا أستاذ "كريم" شوف حضرتك عايز تعمل ايه؟! وإحنا هنساعدك في كل اللي تحتاجه.
🥰✨🖋بقلم شروق فتحي🖋✨🥰
وهو يحاول رسم ابتسامة خفيفه، رغم ما بقي من توتر في نبرته:
_أنا جاى علشان أعمل وديعه!
وما زالت الابتسامة مرتسمة على وجهها، وهي تدفع إليه كوب القهوه:
_تمام حضرتك...كل اللي حضرتك عايزه هنعمله ليك أتفضل قهوتك!
بادلها "كريم" نفس الابتسامة، وقد هدأ صوته تمامًا:
_شكرًا لحضرتك تعبت حضرتك معايا!
ردّت عليه وهي تشير بيدها في لُطف:
ولا تعب ولا حاجه، ده شغلنا وده أعتبرهُ أعتذار على أسلوب "عاصم" معاك.
ابتسم ابتسامة أوسع هذه المرة، وقال بنبرة أخفّ:
_خلاص كده انا بقيت صافى!
ومازالت الابتسامة على وجهها، وهي تعيد ترتيب بعض الأوراق أمامها:
_طيب الحمدلله أى أوامر تانيه يا أستاذ "كريم"؟!
ليخرج كارنية من جيبهُ، وهو يمد يديه إليها:
_لا شكرًا جزيلا لحضرتك أنا دكتور في طب بشرى لو عوزتي أى حاجه ده كرنيه بتاعي.
نظرت "أميرة" إلى البطاقة للحظة، ثم رفعت عينيها إليه... والابتسامة ما زالت معلقة على وجهها، لكن هذه المرة، كانت تحمل شيئًا خافتًا... لم تفهمه فورًا:
_تمام مفيش شكر على واجب.. تمام إذنك معاك....(فى نفسها: بس ايه راجل القمر ده دي عيونه ثبتتني في مكاني، يلهوي ايه اللي انا بقوله ده(وهى تضرب بخفه على جبهتها) أنا مش بتاعة الكلام ده لا أطلع من دماغى هى مش ناقصه(وهي تحاول سيطر على تفكيرها) لا ده كانت مجرد صدفه مش أكتر شيلى الحاجات وتفكير ده من دماغك أصلاً (لتكمل بتنبيه لنفسها) ممكن يكون متجوز وشكلهُ مش صغير يقول أتنين أو تلاته وأربعين سنه يعنى أكيد هيكون متجوز أووووف انا أفصل دماغي ليحصلي حاجه أحسن).....
ثم أغلقت الملف أمامها، وقد قررت دفن اللحظة في ركنٍ خفيّ من عقلها... مؤقتًا على الأقل.
نهاية الفصل الاول أتمنى أن يكون نال أعجباكم (هل كريم متزوج حقًا؟. وهل ستكون هذه الزيارة الأخيرة... )
لقراءة جميع فصول الرواية من هنا