
رواية انذار بالحب الفصل الثاني عشر 12 بقلم رباب حسين
"الحب".... ليس دائمًا كما ترويه القصص ولا كما تحكيه الأغاني.... أحيانًا يكون العذاب الذي لا يُشفى..... النار التي تشتعل في القلب ولا تنطفئ..... الوجع الذي يسكن الصدر ولا دواء له...... أما عذاب الحب...... هو أن تُجاهد قلبك كل ليلة.... أن تُقنع نفسك أن الرحيل أفضل..... لكنك لا ترحل لأن الحب مهما أوجع يبقى أقوى من القرار...... اهٍ من حب أعطاني الحياة.... وسلبني راحتي...... جعلني أبتسم باكتماله وأبكي من غيابه
عادت ندى إلى المنزل ووجدت غرام تجلس مع ورد ويتحدثان معًا فاقتربت منهما في سعادة وقالت : غرام!.... الحمد لله إنك جيتي يا حبيبتي
غرام : أنا قاعدة مستنية حضرتك عشان أعتذرلك على الطريقة اللي كلمتك بيها
ندى : مفيش داعي يا حبيبتي أنا مش زعلانة منك..... أنا كنت زعلانة على ورد بس..... الحمد لله إنكم إتصالحتو
غرام : أونكل يونس جيه وحكالي كل حاجة
نظرت ندى إلى ورد التي تبتسم في امتنان له ثم حضرن الطعام معًا وبعد أن أكلن ذهبت غرام إلى المنزل..... في الطريق تذكرت حديث عدي وقررت أن تتصل به لتشكره فلولاه ما كانت ستعطي فرصة ليونس بأن يخبرها الحقيقة ولكن عدي لم يتلقى المكالمة فهو رآها تصعد بالسيارة مع رجل لا يعرفه وهذا ما جعله غاضب منها أما ورد فاتصلت بيونس وكان في الطريق ذاهبًا لعشاء عمل مع نصيف وريما وزياد فتلقى المكالمة وقالت ورد : أنا مش عارفة أشكرك إزاي يا حبيبي..... إنت رجعتلي روحي لما شفتها قدامي
ابتسم يونس وقال : المهم تبقى مبسوطة يا حبيبتي
ورد : إنت فين؟..... عايزة أشوفك
يونس : أنا عندي عشا عمل زي ما قولتلك مع العملاء اللبنانين
ورد : مع ريما؟!
يونس : مش ريما لوحدها يعني
ورد : ماشي..... بس بقولك إيه تسلم باحترام ولا أقولك أنا جيالك..... إنت فين؟
ضحك يونس وقال : مش واثقة فيا؟
ورد : ملهاش علاقة بالثقة بس هي معندهاش حدود في التعامل
يونس : وإنتي لو موجودة هتقفي بيني وبينها مثلًا.... أنا لو عايز أمنع حد همنعه
ورد : طيب..... أما نشوف هتمنعها ولا لا
أنهت ورد المكالمة وذهب يونس وأمضى الأمسية معهم..... كانت ريما تشرب كثيرًا وأخذت تتمايل عليهم وحاول يونس أن يبعدها عنه ولكن وجدها لا تعرف ماذا تفعل فأخبر نصيف بأن يأخذها إلى الفندق وعاد يونس إلى المنزل وفي الطريق مر بمنزل ندى واتصل بورد وقال : إطلعي من الشباك.... أنا واقف تحت
نهضت ورد سريعًا وفتحته وجدته يقف أمامها ويبتسم إليها وهي تنظر إليه في سعادة فقال : وحشتيني...... مكنش ينفع أروح من غير ما أشوفك
ورد : وإنت كمان وحشتني
يونس : متتأخريش عليا بكرة
ثم أرسل لها قبلة بالهواء وصعد بسيارته وغادر..... أما مازن فكان عند لارا بمنزلها تجلس بجواره وتعبث بشعره وقالت : مش عارفة بس إنت شاغل دماغك بورد كده ليه؟.... ما أنت اللي كنت مش مرتاح معاها ولا عايزها
مازن : معنديش مشكلة ترتبط بأي حد في الدنيا غير يونس.... مش فارق معايا بس متسيبنيش وتروحله هو
لارا : لو أفهم بس إيه سر العداوة ديه
مازن : مش مهم..... أنا دلوقتي في إيدي حاجة تبعدهم عن بعض بس المشكلة إن أنا لو قولتها
هيبقي شكلي أنا كمان زفت وممكن أخسر أكتر منه.... مش عارف أعملها إزاي
لارا : بسيطة.... قول الجزء اللي يطلع شكله هو بس وحش قدامها وممكن تزود كمان ومتقولش أي حاجة عنك إنت
صمت مازن قليلًا يفكر ثم قال : هفكر وأحاول أجيبها بطريقة تانية.... أنا هروح دلوقتي
لارا : مش هتعرفني على الولاد بقى؟
مازن : اه طبعًا.... بكرة تيجي وتشوفي غرام.... تيم خلاص مش معترض يعني على الجوازة.... غرام متعقلة بورد أوي وكمان هي عاطفية جدًا فا مش متقبلة الموضوع بس إنتي وشطارتك بقى
لارا : متقلقش لما نعيش في بيت واحد هتبقى صاحبتي..... هانت خلاص يا حبيبي وهنبقى لبعض قدام الناس كلها
مازن : أيوة كلها كام يوم بس..... المهم هتروحي بكره تشوفي الفستان؟
لارا : اه..... البدلة بتاعتك أنا شفت كام حاجة كده عجبتني عايزين ننزل سوا نجيبها
مازن : ماشي.... همشي أنا بقى
قبلها وذهب وعندما عاد إلى المنزل دخل غرفة غرام التي تفكر لماذا عدي لم يعاود الإتصال بها ثم وجدت مازن يدخل الغرفة فوقفت أمامه وقال : كويس إنك صاحية
غرام : كنت بذاكر ولسة مخلصة
مازن : طيب يا حبيبتي كنت عايز أقولك إن لارا جاية بكرة تتغدى معانا عشان تتعرف عليكي
غرام : ماشي يا بابا
مازن : مش هوصيكي بقى تعامليها إزاي ماشي؟
غرام : متقلقش يا بابا
قبل مازن جبهتها وذهب إلى غرفته.... في الصباح ذهبت غرام إلى المدرسة وعندما رأت عدي وجدته يتهرب منها ولا ينظر إليها كعادته ويبدو عليه الضيق ولكن لم تتجرأ على التحدث معه فقررت أن تتصل به مرة أخرى اليوم ولكن لم يستقبل المكالمة أيضًا مما جعلها تتأكد أن هناك أمرًا ما قد حدث جعله يتغير هكذا معها...... أما يونس فكان يجلس بمكتبه وقد أرسل له حسن رسائل يقص له ما حدث وأخبره أن لا داعي للقلق من مازن بعد الآن وأنه يثق به وسوف يراسله كل فترة عندما يعلم أي شئ جديد عنه وأخبره أن منصور أصبح من رجاله وسوف يعلم أخبار عمله المشبوه منه ويبلغه بما يحدث.... جلس يونس يفكر هل يكمل انتقامه من مازن أم يتوقف عند هذا الحد حتى لا يتأذى تيم وغرام بسبب أفعاله؟..... فقرر أن يتحدث مع لولا بالأمر وبعث لها رسالة ليلتقي بها مساءً وأخبر ورد بالأمر..... أما ورد فعادت إلى منزلها وتناولت الغداء مع ندى ثم دخلت إلى غرفتها لترتاح قليلًا..... ذهب يونس لمقابلة لولا وقص لها ما حدث وما يفكر به فقالت لولا : يعني إنت خلاص قررت تفضل معاها؟
يونس : أنا حبيتها بجد ومتضايق من نفسي أوي.... بس دلوقتي فيه موضوع أكبر..... أنا لو وقعت مازن ولاد ورد هيتأذو وهي هتزعل عليهم ووضعهم هيبقى صعب قدام الناس وأنا مش هقدر أعمل فيهم كده
لولا : طالما حبيتها يا يونس إرمي كل حاجة ورا ضهرك واللي حصل زمان ده تنساه خالص وخليك جنب ورد.... ده أنا ما صدقت إنك تحب تاني وتعيش حياتك.... إوعى تفكر في اللي فات تاني
يونس : ماشي هنشوف هيحصل إيه عشان مازن ملوش أمان على الأقل يبقى فيه كارت تحت إيدي ضده
استيقظت ورد على صوت رسائل واردة بهاتفها فنهضت في نعاس وفتحتها وجدتها من رقم لا تعرفه وهناك صورة ليونس مع فتاة تشبهها كثيرًا ويبدو أنهم صغار بالسن ففتحت عينيها في صدمة ثم قرأت الرسائل : " يونس مش بيحبك زي ما أنتي فاهمة هو بس جنبك عشان إنتي شبه حبيبته القديمة اللي محبش غيرها من أيام الجامعة واللي سابته وحبت واحد غيره أنا مقدرتش أشوفك مضحوك عليكي أكتر من كده وهو معاكي بس عشان شكلك"
شعرت ورد بالتخبط وتذكرت ما حدث بينهما منذ أن رأته أول مرة وكان بداخل صدرها الكثير من الأسئلة فاتصلت بيونس على الفور فقال : أيوة حبيبتي
ورد : إنت فين؟
يونس : مروح.... مالك صوتك متضايق ليه؟
ورد : عايزة أشوفك ضروري
يونس : أنا قربت على البيت تعالي
ورد : جيالك
أنهت المكالمة وبدلت ثيابها وخرجت من غرفتها وأخبرت ندى بأنها ذاهبة إلى يونس ولاحظت ندى تعبير وجهها الغاضبة..... بعد وقت كانت تقف أمام باب المنزل وطرقت الباب وفتح يونس لها فدخلت في هدوء ووقفت أمامه فلاحظ يونس تعبير وجهها المشحون فقال : مالك يا ورد؟
ورد : مفيش.... بس عندي كام سؤال ليك كده؟
يونس : إسئلي
ورد : فاكر لما شفتني أول مرة قولتلي إيه؟
يونس : اه فاكر؟
ورد : لما قعدت فكرت مع نفسي كده لقيت إن مفيش مبرر إنك تسأل واحدة أول مرة تشوفها "إيه اللي جابك هنا؟".... ده سؤال واحد بيكلم واحدة عارفها ومتضايق من وجودها
نظر يونس حوله في توتر ثم قال : مش عارف
ورد : طيب..... فاكر لما قولتلك متجوزتش ليه لحد دلوقتي قولتلي إيه؟!
يونس : قولتلك إني محدش خطف قلبي لسه
ورد : متأكد
يونس : من إيه؟
ورد : إنك محبتش قبل كده
شعر يونس بالتوتر أكثر فقال : أنا مقولتش كده
ورد : يعني حبيبت قبل كده؟
يونس : اه
ورد : هي فين؟
يونس : معرفش عنها حاجة
أمسكت ورد هاتفها وفتحت الصورة وقالت : هي ديه؟
نظر يونس إلى الصورة في صدمة ثم عاد النظر إليها ولم يتحدث فقالت ورد : هي صح؟
نظر لها يونس نظرة حزن وخوف..... يترقب ما ستقوله.... ترى ماذا عرفت؟..... هل علمت الحقيقة كاملة أم ماذا؟ فقالت ورد : طالما سكت كده تبقى هي.... بس فيه سؤال بقى مهم جدًا..... إنت حبتني عشان شبهها؟.... ولا محبتنيش أصلًا..... ولا أنا بس بفكرك بيها...... ما أنت مش قادر تنساها لحد دلوقتي وعايش على ذكرى حبها ومفكرتش تحب بعدها
يونس : لا أنا محبتكيش عشان شبهها
ورد في بكاء : بس ده ميمنعش إنك شايفها فيا صح؟
تنهد يونس بقوة وقال : مش هكدب عليكي..... في الأول شفتها فيكي اه لكن دلوقتي لا
ورد : دلوقتي اللي هو إمتى؟.... من يومين لما بقينا مع بعض
يونس : لا..... مش عارف بجد..... بس أنا دلوقتي مش شايفك هي
ابتسمت ورد بسخرية ودموعها تنساب على وجهها وقالت : لو ديه الحقيقة كنت صارحتني..... كنت حكيتلي عنها..... عارف أنا سألتك كام مرة إنت مخبي عني حاجة ولا لا؟ ومع ذلك مقولتش..... عشان عارف إن لو قولتلي عمري ما هكمل معاك..... بس ياريتك قولت بدل ما أعرف بالشكل ده..... أنا مش عايزة أشوفك تاني
كادت أن تذهب فأمسك يونس يدها في غضب وقال : لا طبعًا.... هو لعب عيال..... إديني فرصة حتى أدافع عن نفسي وأفهمك
دفعت ورد يده في غضب وقالت : ومين قالك إني هصدقك؟.... إنت كل ما هتبصلي هيبقى جوايا سؤال واحد بس...... يا ترى النظرة اللي في عينيه ديه ليا أنا ولا ليها؟
أمسكها يونس من ذراعيها وقربها إليه ونظر داخل عينيها وقال : والله العظيم ليكي إنتي
أبعدته ورد عنها والدموع تنساب على وجهها وقالت : للأسف مش عارفة أصدقك..... كنت فاكرة إنك صريح معايا بس طلعت لا..... أنا مش هعرف أصدقك تاني
تركته وذهبت..... لم يملك خيار أخر فهي محقة..... كان يعلم أن الحقيقة ستنكشف يومًا ما وأن مازن لن يتركها له ولكن لم تسمح له الظروف بإخبارها..... ما أصعب عتاب النفس عند فقدان الحبيب..... أُعاتب ضعفي وجبني..... أُعاتب هذا القلب الأحمق الذي لم يملك الجرأة ليعترف..... ليقول الحقيقة..... ظن أن مازن لن يتحدث بهذا الشأن فهو مدان أكثر منه ولكن كالعادة قال نصف الحقيقة.... فقط ما يدينني وهو فقط يتلذذ بتدمير حياتها أمام عيني.... كلا فلن أدعك تدمرها أكثر وإن كنت أخطئت فالآن هي كل ما أملك ولن أتركها...... وما ألمه أكثر أنه يجب أن يقول الحقيقة التي ستجرحه هو أيضًا.... إحساسه بأنها ارتمت بين أحضان غيره وكم كان مخدوع وأحمق وصدق وعودها الكاذبة هو أبشع ما مر به في حياته وإن كان ما حدث جرح كبير لكرامته وأهانة لقلبه الذي فقط أحبها..... كانت لارا تتناول الطعام مع مازن والأولاد ولاحظت ابتسامة مازن التي لم تفارقه طوال اليوم وبعد أن تحدثت قليلًا مع تيم وغرام دخلت غرفة المكتب مع مازن ليتحدثا معًا وصعد تيم وغرام إلى غرفهما وقالت لارا : شكلك مبسوط أوي..... فيه حاجة حصلت معرفهاش ولا إيه؟
مازن : اه.... يونس وورد سابو بعض..... الواد اللي بيراقب يونس إتصل وقالي إن ورد خرجت من بيته وهي بتعيط..... أصل أنا فجرت بينهم قنبلة وزي ما بعدت عنها العيال بعدت عنها يونس..... عشان تعرف أنها خسرت كل حاجة مجرد ما خسرتني أنا..... أنا هعلمها الأدب بس بطريقتي
بالجهة الأخرى من باب الغرفة كانت تقف غرام التي سمعت ما قاله مازن وفتحت عينيها في صدمة.... أما ندى فكانت تتحدث بالهاتف مع وسام وتضحك معه حتى وجدت ورد تدخل المنزل وهي تبكي بشدة وسمع وسام صوتها فهرعت ندى إليها في فزع من هيئتها وقالت : أقفل دلوقتي يا وسام
وسام في قلق : فيه إيه يا ندى؟.... ده صوت ورد ده؟
ندى : أيوة.... أقفل بس عايزة أشوف مالها
أنهت المكالمة معه وأخذت ورد بين أحضانها وحاولت تهدئتها ولكن دون جدوى فقالت ندى : طيب فهميني حصل إيه..... يونس عمل حاجة؟
ورد في بكاء : طلعت بس شبهها يا ندى..... حبني عشان شبه حبيبته القديمة..... قالي محبش حد قبلي وطلع بيكدب عليا ولما سألته مأنكرش إنه كان بيشوفها فيا..... طلعت بس إطار البنت اللي بيحبها واللي مقدرش ينساها لحد دلوقتي.....فهمت خلاص ليه كان كل شوية بحال معايا..... عشان أكيد أنا شبهها بالشكل بس وده اللي كان ملغبطه..... فهمت ليه دايمًا كنت حاسة إن فيه حاجز بينا وحاجات مخبيها عني..... حتى نظراته ليا اللي كان كلها حب بقيت حاسة إنها مكنتش ليا..... كانت ليها هي.... دبحني يا ندى..... طلع بيخدعني وكدب عليا وأنا طلعت مغفلة
إنسابت دموع ندى حزنًا عليها وقالت : طيب إهدي يا ورد عشان خاطري
ورد : أهدى إزاي وأنا جوايا الأحساس البشع ده؟..... عارفة إيه أسهل طريقة تموتي بيها بني أدم.... أكسريه.... هتلاقيه مات قصادك بالبطئ وهو كسرني
ما من حديث يداوي جراحها.... فقط البكاء من يهدأ من روعها......