رواية أسد مشكى الفصل الثالث والاربعون 43 بقلم رحمة نبيل


رواية أسد مشكى الفصل الثالث والاربعون 43  بقلم رحمة نبيل



 | أصوات السعادة |

الفصل إهداء لـ ( Nancy Sabry , Mony afr ) 

صلوا على نبي الرحمة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

" كنت مجرد طفل في العاشرة ما يزال يستكشف ما حوله لا يدرك حتى كيف يحرك أقدامه لفترة طويلة دون أن يزّل في منتصف الطريق، لطالما احتجت لمن يقف في ظهري لدعمي ومساعدتي، شخص يتلقفني إن سقطت، ويدفعني إن توقفت، وبشكل ما ظننت أن أبي قد يكون ذلك الشخص، وقد كان بالفعل، لكن ليس لي، بل لأخي الأصغر....."

تلمس نزار أحرف الوليد يستشعر مقدار القهر في كلماته وقد توجع قلبه لما عاناه منذ طفولته، سقطت دمعة منه دون أن يشعر وهو يكمل الكلمات بلهفة يبحث فيها عن طيف أخيه.

" وربما اشفقت أمي على صغيرها الوحيد المنبوذ وقررت ذات ليلة أن تصارحني بحقيقة أن الرجل الذي ظننته أبي طوال عشر سنوات، لم يكن، لم يكن أبي، بل كان زوجها، وهذا يفسر الكثير لي، وفي الحقيقة رغم بشاعة الواقع آنذاك إلا أنني لأول مرة ابتسم باكيًا براحة، راحة أن أبي لم يكن يكرهني أو يخجل من وجودي كما ظننت بطفولية، هو كان ينبذني لأنني لست ولده، كان سببًا أفضل من الاعتقاد أنني مكروه من أبي، لكن ما تبع تلك الحقيقة من حقائق صدمني، أبي لم يكن رجلًا عاديًا غدر بوالدتي لأجل الفقر مثلًا، أو تخلى عنها لأجل الضعف، بل كان أبي أكثر رجال مملكة آبى قوة وثراءً، كان أبي...الملك آزار "

" كانت حقيقة مرعبة ومفرحة بعض الشيء، أنا ابن الملك إذن يمكنني الذهاب والعيش بعيدًا عن كل تلك المعاناة معه في القصر والتنعم بحياة طبيعية في احضان والدي صحيح ؟! وللأسف لم يكن صحيحًا، إذ أن أمي بعدما ألقت حقيقة أبي في وجهي ألقت الحقيقة الثانية والتي كانت أنها لا ترغب في علاقة تربطني به، ولا ترغب أن أظهر من ماضيه لأفسد حاضره، وانا ؟؟ ماذا عن حاضري ومستقبلي ؟؟ ماذا عني ؟! ولماذا سيفسد وجودي حاضر أبي؟! هل يكرهني ؟! ألهذا ابتعد عن أمي ؟! هل كان حتى يعلم بوجودي وتجاهله ؟! أسئلة كثيرة نطقت بها عيني وابصرتها أمي، وتجاهلتها مرغمة، ويا ليتها لم تفعل "

تنفس نزار بصوت مرتفع وهو يلتقط كوب ماء مجاور له، يرتشفه دون تمهل يحاول أن يهدأ من ضربات قلبه، فالوليد الذي عرفه طوال حياته كان ذا قشرة صلبة لا توحي بمقدار هشاشته الداخلية .

أراد الفرار من الكتاب والمغادرة، أراد الرحيل بعيدًا عن الحقائق التي يعلم أنها ستقتله، لكنه يتذكر فجأة كلمات توبة التي تركته ينعزل بنفسه للمرة الأخيرة في غرفته ليخرج لهم بكامل قوته وتماسكه .

" فقط افعلها ولو للمرة الأخيرة نزار، خذ الحقيقة رشفة واحدة، وتحمل مرارتها لمرة واحدة، كي تستطيع تذوق الحلو مرة أخرى، انتهي مما يؤلمك وتأقلم مع حقيقة أن أخوك رحل من العالم، لكنه مايزال هنا في قلبك، وانظر إليه كان يحبك لدرجة أنه ترك لك اثرًا تتذكره به "

نظر نزار مرة أخرى صوب الكتاب بتردد يمسكه ويقلب بين صفحاته يبحث عن الكلمة التي توقف عندها، ومن ثم شرع يقرأ بعيونه ما خطت أنامل أخيه بحروف منسقة.

" وكانت العاشرة لحظة انقلاب لحياتي، أصبحت منعزلًا عن الجميع، أرى أنني لا استحق حب أحد، ولا أحد مهتم ليمنحني احتواءً حتى، زوج والدتي ومنذ علم بمعرفتي حقيقة زواج أمي الأول، أخذ يعاملني ببرود تام، كان يحب أمي كثيرًا ويدللها، لكن يبدو أن حبه لها لم يكن كافيًا ليتقبل ولدها من غيره، وفي الواقع حينما كبرت ربما أكون قد عذرته مرات فمن ذا الذي يتقبل رؤية ابن لمعشوقته من رجل آخر ؟! لذلك لم احزن منه يومًا، على الأقل لم يكن يضربني أو يصرخ بي او يعاملني بشكل سييء، فقط برود، ونظرات يخبرني بها أنه لا يتقبلني، وصدقني إن أخبرتك أنني نفسي لم أكن اتقبل نفسي، أما عن أخي العزيز فقد كان لطيفًا وحنونًا، حتى بدأ يكبر ويجد الغل لقلبه سبيلًا، لم يتوقف عن ترديد كلمات والده أنني لست ولده، ولم يتوقف عن اختلاق القصص حول أن أبي لم يتحمل وجودي أنا وأمي ونبذنا، وللحق كان وجود ذلك الشيطان الصغير في حياتي عامل كبير لكرهي لأبي أكثر، كان يبخ بي سمومًا، ويثير بي جنونًا قادرًا على دفعي لقتل أبي، وربما هذا ما فكرت به حينما تركت تلك القرية وتحركت مع الجنود طواعية للذهاب إلى قلعة آبى بحثًا عن التدريب هناك، ذهبت لأرى كيف هو أبي وكيف هو أخي العزيز الصغير الذي فضله عليّ أبي، ذلك الحقير الذي نال ما بحثت عنه طوال طفولتي ."

سقطت دمعة نزار وهو يبتسم دون شعور يقرأ كلمات الوليد بأعين ضبابية من الدموع وقد بدأ قلبه يتضخم بحب اكبر للوليد .

" وبعد أيام من وصولي للقصر وبحثي عنه بين الجميع بأعين حاقدة كارهة، وجدته أخيرًا، ذلك الحقير الوسخ الذي يضرب أخي الصغير، ولا تخف لم أكن لأسب طفل بمثل لطافتك نزار، تلك اللحظة التي رأيت بها طفلًا صغيرًا يسقطك ارضًا بعنف، كانت لحظة فارقة في حياتي، ففي حين أنني تخيلت نفسي مكان هذا الطفل اوسعك ضربًا، لم أتحمل رؤيتك ساقطًا ارضًا بأعين دامعة، لأندفع كالثور الهائج أضرب ذلك الصغير بقدمي في خصره ضربة لا أعتقد أن أثرها زال حتى هذه اللحظة، ومن ثم اندفعت لك، ودون شعور وجدت نفسي اطمئن عليك واناديك بأخي، وفي هذه اللحظة أنهارت تلك الجبال الوهمية من الحقد التي غذيت بها نفسي، أنهار كل شيء وأنا أراك تبتسم لي بامتنان وتنهض لتعانقني رغم فرق الطول بيننا آنذاك "

ابتسم نزار من بين دموعه وقد كانت ذكرياته لتلك الفترة مشوشة بعض الشيء، لكن لقاء الوليد لم يكن، ارتجفت يده وهي تقلب الصفحات يقرأ كلماته .

" أتذكر حينها جذبك لي لأقابل والدك، وابي كذلك، حينها نظرت لعيونه حاولت أن أبحث بها عن أي شر يغذي كرهي له، لكنني لم أجد سوى نظرات حنونة ويد تربت علي وهو يناديني بني، ولولا رباطة جأشي حينها لرميت نفسي بين أحضانه وبكيت أنني ولده فعلًا، ومرات كثيرة تمنيت لو أنني فعلت، لكن رؤيتي لعائلته الصغيرة السعيدة مكتملة دون دخولي للصورة حال ما دون ذلك، وشيئًا فشيء خفتت رغبتي لأخباره الحقيقة وتحولت رغبتي لأن أكون ولد آزار، إلى رغبة ملحة لأكون أخ نزار ... فأخذت اتقرب منك واتلقى منك اهتمامًا واحتواءً لم اتلقاه طوال حياتي، كنت الوحيد نزار، كنت الوحيد الذي أهتم بي في هذه الحياة الوحيد الذي ابتسم لي وساعدني كلما أسقطت نفسي في المشاكل، لا ازال أتذكر توسلك مرات ومرات لوالدك كي يعفو عن ذلاتي، ركضك خلفي في لحظات غضبي، وبقائك جواري في لحظات مرضي، وتتعجب أنني التصق بك وافعل أي شيء لحمايتك؟! أنت إن وجدت شيئًا يتمثل به حياتك ستحميه بكل ما تمتلك، وأنت يا أخي لم تتمثل بك حياتي، بل كنت حياتي والخيط الأخير الذي يربطني بأنسانيتي، لقد ....كنت أول من علمني الصلاة نزار، أول من تبعته في الركوع، أول من اطعمني بيده في مرضي، وحينما أصابني ذلك الوباء اللعين في شبابي، حينما كان الجميع ينفر من المصابين كنت أنت الوحيد الذي رفض تركي وحدي لأنك تعلم أنني لا امتلك سواك، وحينما أصاب أمي الوباء ذاته، لم توفر جهدًا للسفر لها بالعلاج"

" كنتَ ملاكًا لي، وكنتُ شيطانًا لأعدائك، نحن متعادلان أخي " 

تلمس نزار الكلمات وهو يقبل الكتاب بحب شديد :

_ لم تكن يا أخي والله لم تكن شيطانًا، كنت ... ملاكًا يا الوليد، ملاكي الحارس يا أخي .

سقطت دمعة على الكتاب ليمسحها بسرعة قبل أن تفسد حروف أخيه يكمل قراءة بلهفة .

" ومع بداية شبابي بدأت اذل واحيد عن الحق، تعرفت على اصدقاء السوء وتشعب الفساد لدمي، جاء أخي وانضم للجيش وجرني معه للوحل، وكان شيطاني اقوى مني نزار ....لكنك ...حاولت واشهد لك بذلك، لقد حاولت مساعدتي وأنا كنت مستعدًا للتخلي عن فسادي، لكن يبدو أن الفساد لم يكن مستعدًا لتركي، ظننت أنني أصبحت بخير، لكن ...تلك الأقاويل التي بدأ يتناقلها الجميع عن استحقاق القائد سالار للمُلك عن الطبيب نزار، ليجن جنوني واتعهد ألا يحدث ذلك ولو وصل الأمر لقتل الجميع، أنا لم أتخلى عن مكانتي طواعية لأجل أن يسلبها أحدهم من اخي، كنت مستعدًا لسلك كافة الطرق لتضمن حقي وحقك أخي، وللأسف اخترت الطريق الخطأ وكدت اغرسك به معي، لكن حمدًا لله أنك لم تفعل، ولو كنت امتلك عقلًا لعرفت أن سالار الذي تخلى عن مُلك بلاده وبلاد أبيه لانه لا يصلح للحكم، ما كان ليحكم بلاد ليست بلاده، أخطأت وكان خطأي قاتل، والحمدلله أنك لم تفعل ولم تغرس معي أكثر، ذلك اليوم في هجوم مشكى، لم أكن أعلم بالأمر أنا كذلك، اقسم بالله لم اعلم سوى قبلها بساعات قليلة، ولم استطع أخبارك، خشيت أن ازج بك في أمر ستخرج منه بلا روح، خشيت أن آذيك، فأذيت شعبًا كامل بصمتي "

تحسس نزار الورق تحت أنامله، يبصر آثار دموع جافة تسببت في انكماش اجزاء من صفحات الكتاب يقرأ باقي كلمات أخيه.

" لقد كان الملك أرسلان رفيقًا مقربًا لك، لذا إن كنت تقرأ هذه الكلمات وجسدي يواريه التراب فأطلب لي منه غفرانًا يخفف من ميزان ذنوبي أمام الله نزار، لقد ...نويت التوبة بعدما ينتهي كل هذا، حينما أخرجك مما اقحمتك به سوف ... أترك كل ذلك وانعزل بحياتي عن كل ذلك الوحل، سأفعل يا أخي، لكن في البداية سأكمل دوري حتى النهاية، واحميك حتى آخر انفاسي، وصدقني ما أرتضيت لنفسي ميتة أكرم من موتي وأنا ادافع عن الشخص الوحيد الذي جعل لحياتي معنى، فلو حدث وكانت نهاية قصتي موت، فليكن للأجلك أخي، وحينها سأكون سعيدًا، سعيد مرتاح لا ينقصني في قبري سوى دعواتك لي فلا تنساني أخي، وإن مت لا توقف حياتك لأجلي وتأكد أنني سأكون مرتاحًا من كل ذلك، فقط كن سعيدًا ولا تضع تضحيتي هباءً أخي، كن سعيدًا فهذا ما سعيت لأجله حياتي، واعتبر أن سعادتك هي وصيتي الأخيرة، وتذكر أنه في يومٍ من الأيام كان هناك رجل يُدعى الوليد يراك العالم يا أخي ...." 

اغلق نزار الكتاب قبل صفحاته الأخيرة يرفض أن ينتهي منه اليوم ويفتقد وجوده الأيام القادمة، رغم أنه لا يعتقد أنه سيمل من قراءته كل ثانية، يقبل صفحاته بحب مبتسمًا بسمة صغيرة لا معنى لها، ينظر للكتاب نظرة المنقذ، وقد وجده  رجال سبز في الجحر وقت الهجوم .

_ رحمك الله يا أخي، رحمك الله يا حبيب قلب أخيك، عسى الله يتغمدك برحمته يا أخي، أديت رسالتك ونفذت ما أردت، ووصيتك لن تسقط يا اخي، لن يحدث طالما بي أنفاس......

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ ارسلان عزيزي ما الذي تفعله ؟! هذا لن يـ

قاطعها أرسلان وهو يشير لها بالصمت يمسك بين أنامله أطراف الحجاب الخاص بها وهو يلف حول رأسها بشكل مرتب وهي تتابعه بأعين شغوفة، تبتسم على شدة تركيزه على الأمر كما لو أنه يقوم بعملية جراحية .

وبعد ثواني وحينما انتهى جذب طرف الحجاب بشكل معين ولفه للخلف يرفعه فوق رأسها ينزله على رأسها كي تستخدمه كغطاء كما يفعل الجميع هنا، يحرك لها حاجبه مبتسمًا بفخر يجعلها تستدير صوب المرآة :

_ أخبرتك أنني أستطيع فعل ذلك بسهولة، لا حاجة لتنادي أحدهم لمساعدتك وأنا هنا، أنا ماهر في هذا، لم افني سنوات مراهقتي وشبابي هباءً .

نظرت له سلمى ترفع الغطاء عن رأسها مبتسمة على ملامحه الفخورة :

_ يبدو أن فترة تقربك من كهرمان اكسبتك الكثير، وهذه مزايا أن تكون أخًا لفتاة .

ابتسم لها بحب وقد كان ذلك حقيقة، ففي الفترة التي مرض بها والده اضطر هو لتولي مسؤولية كهرمان بالكامل ليخفف أعباء والدته، فتعلم لأجلها طريقة ربط الحجاب وعقد خصلات الشعر، تعلم كل شيء لأجلها...ومن داخله كان يفعل لأجل زوجته، يتخيل نفسه يدلل زوجته كما كان يدلل شقيقته .

أبصرت سلمى نظراته الشريدة لتبتسم وهي تفرقع أصابعها أمام عيونه، لينتبه هو لها مبتسمًا :

_ هل كانت والدتكِ تشبهك سلمى ؟!

ضيقت سلمى ما بين حاجبها بعدم فهم للسؤال المطروح فجأة بدون مقدمات، لكنها هزت رأسها بنعم تتحدث وهي تتذكر ملامح والدتها فاتنة البرازيل كما اعتاد والدها والجميع مناداتها، فقد كانت والدته نسخة أشد جمالًا وانوثه ودلال منها، ورغم أن والدتها كانت تنحدر من عائلة بالسلك الدبلوماسي، نصفهم يعمل في وظائف كبيرة شديدة الخطورة إلا أنها كانت مثال يحتذى به في الدلال والأنوثة، وبجسد يشبه العارضات  .

_ نعم كانت، يقولون أنني نسخة صغيرة منها، عدا لون العيون فهذا ما فازت به جينات أبي، أمي كانت تمتلك عيون بلون العسل الصافي .

ابتسم لها أرسلان يهز رأسه وهو يتخيل الأمر يتحرك في المكان يخلع عنه سترته يتنهد بصوت مرتفع :

_ لا عجب إذن أن والدك هرب لأقاصي الأرض لأجلها، لا الومه في الحقيقة، تعجبت في الماضي أن يفعل والدك ذلك ويهرب من خدمته لبلاده، ويتخلى عن الجميع، لكن بالنظر لكِ، ولحالتي البائسة في حبي لكِ ....

ترك جملته معلقة وهو يقترب منها يميل بجسده أمامها وهي تراقبه بأعين منبهرة من التصاق ثوبه في عضلاته وملامحه الرجولية الخشنة التي ما تزال تحمل أثر معركته الأخيرة :

_ لو طُلب مني ترك حياتي خلفي لأجل الوصول لكِ، والله لدهستها أسفل أقدامي ولا التفت لها، وجئت لكِ ولو زحفًا على اعقابي .

شعرت سلمى بالاكسجين ينسحب فجأة من الغرفة وأن التنفس في هذه اللحظة أصبح صعبًا عليها، تبتلع ريقها بصعوبة، هذا الرجل والذي لا يمتلك نصف عبث رجال البرازيل كان يستطيع سلب أنفاسها بكلمة واحدة، الشيء الذي لم يستطع رجل فعله سابقّا وقد كان تغزلهم الرخيص يصيبها بالاشمئزاز .

رفعت عيونها تنظر لعيونه نظرة رقيقة جعلته يمد يده وهو يجذب رأسها له ينطاحها برأسه:

_ نعم ..هذه هي النظرة التي يمكنني احتلال عالمك بأكمله لأجلها .

ختم كلماته وهو يطبع قبلة سريعة على وجنتها هامسًا :

_ افسونگر زیبایی ها ( ساحرة الجمال ) 

تنفست بصعوبة وهي تهمس له بنفس الصوت والنبرة :

_ ملامح وجهك الآن لا تليق البتة مع كلماتك، سبحان من جعل قلبك بهذه الرقة والحنان أرسلان.

ابتعد أرسلان عنها قليلًا وقد انكمشت ملامحه برفض :

- أنا لست حنونًا أو رقيقًا سلمى، أنا هكذا فقط لأنني مع سليمى، ببساطة ....

ختم حديثه يتحرك من أمامها يخلع عنه سترته يتحرك صوب المرحاض وهي تتابعه بعيون منبهرة من مقدار الخشونة والرقة التي يمتلكها في نفس الوقت، الرجل كان الشيء ونقيضه، والله لو قضت حياتها تكتب مواصفات فتى أحلامها، ما أخرجته بهذه المثالية ..

وفي هذه اللحظة تذكرت كلمات نغمة التي كانت ترددها حول عدد النساء اللواتي تمنين منه نظرة، ورغم غضبها من تلك الفكرة إلا أنها في الحقيقة تعذرهن، فمن هذه التي تتمالك نفسها أمام أرسلان..

ولا تعلم هل كان بهذا الجمال والرجولة التي تراها، أم فقط عشقها الشديد له جعلها تبصر أوسم رجال عالمها وعالمه، والجميع جواره خاسر .

_ سأنتهي من حمامي ونذهب لتناول الطعام لأجل ادويتك ها ؟!

هزت رأسها بنعم وكأنه يبصرها من خلف باب المرحاض، تتحرك صوب المرآة تراقب طريقة لفه للحجاب لتبتسم دون شعور :

_ أيوجد شيء لا يستطيع هذا الارسلان فعله ؟؟؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن ثم أيام تبعتها أيام حتى اكتمل الشهر وتبعه شهر ثاني وثالث، ليحل شهر جديد وينتصف، وجاء فجر اليوم الخامس عشر من ربيع آخر جالبًا معه حياة جديدة للبعض وسعادة جديدة للبعض الآخر..

وكان من هؤلاء البعض ..

قائد جيوش مشكى وزوجته الصغيرة التي تتحضر في هذه اللحظة مع الجميع لأجل زفافها بعد سنوات طويلة من الوحدة، وبعد معاناة ربما لم تنتهي بقدر ما تجاهلتها، أخيرًا منحها الله مكافأة صبرها .

كانت تنظر للمرآة أمامها لا تصدق تلك الفتاة صاحبة البشرة النظيفة والشعر المصفف بعناية، هذه لا تشبه بأي شكل من الأشكال فاطمة الأخرى التي كانت تحمل من الاوساخ ما يثقل وزنها .

ابتسمت بسمة مهتزة تستشعر خليط عجيب من المشاعر تحاول أن تستوعب ما يحدث حولها، لتشعر فجأة بيد سلمى تربت على كتفها، ومن ثم رددت بأعين ملتمعة من شدة سعادتها :

_ تبارك الله، ماشاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، ما هذا الجمال عزيزتي، من أين لكِ بهذا الحسن تبارك الله .

التمعت عيون فاطمة أكثر بدموع أشد كثافة وهي تسمع جملة سلمى، سلمى العزيزة التي لم تتركها الأيام السابقة بعدما عادت من سفرها مع الملك وابصرتها، لتبكي فاطمة في أحضانها وتقص عليها ما لاقته أثناء غيابها، وسلمى فقط تسمعها وتربت عليها بحنان، وقد أصدرت أن تقضي معها فاطمة جميع الأيام قبل زواجها بحجة أنها ستجهزها نفسيًا لحياة جديدة ...

والمعتصم، ذلك المسكين لم يجد سوى أن يقبل متلهفًا، لأجل صغيرته، تركها مع الملكة بنفسٍ راضية وهو مطمئن أنها ستكون بخير، وسلمى لم تقصر مع فاطمة أو إحدى النساء المنكوبات، إذ كانت تجمعهن يوميًا في إحدى حدائق القصر وتتحدث لهن ساعات طويلة محاولة تخفيف الأمر عنهن، وهذا جعلها تتقرب من الجميع خاصة زوجة زيان، نازين صاحبة القلب الطيب والضحكة المرحة رغم أنها لا تظهر الأمر ..

كانت أيام اقتربت بها سلمى من الجميع تساعد هذه وتلك، ورغم كل ذلك لم تكن تهمل وجود أرسلان البتة، وهو لم يكن يشتكي إن فعلت، يكفيه أنها تحيي معه بلاده وشعبه، وهو انشغل في أعمار البلاد مع الجنود وكان يختفي بالساعات الطويلة خلال اليوم .

وأخيرًا بعد أيام طوال من التحضيرات .

أتت لحظة زفاف الصغيرة فاطمة وقد أصر أرسلان أن يزوج المعتصم أولاً ويطمئن عليه ومن ثم يتفرغ لذاته، ولأنه حسب زعمه لم ينتهي بعد من أعمار بلاده ليطمئن بالشكل الكافي الذي يجعله يعتزل الجميع ويتزوج .

فجأة علت أصوات غريبة في المكان جعلت أعين سلمى تتسع ببسمة كبيرة وقد شعرت بتلك الأصوات مألوفة لها، اصوات من ماضي بعيد وطفولة بريئة كانت تقضيها مع والدها أمام التلفاز تتابع مع برامج عربية وأفلام عربية لتتعلم اللغة، أصوات معروفة بين العرب خاصة في الزفاف ....زغاريد، أو كما كانت تسميها " أصوات السعادة ".

وهكذا صوت لم يكن ليخرج من إحداهن غيرها، زوجة القائد، تبارك التي اقتحمت الغرفة مع باقي فتيات الممالك اجمعهن ..

كهرمان وزمرد وبرلنت وتبارك وأخيرًا توبة التي تحركت داخل المكان وهي تحمل بين يديها باقة زهور كبيرة قطفتها من حديقة والدها قبل الحضور حسب طلب سلمى .

تحدثت كهرمان بسعادة كبيرة :

_ يا ويلي، الله أكبر من كل عين حسود، تبارك الله فاطمة تبدين.....

_ مبهرة حبيبتي .

وكانت تلك زمرد التي وجدت وأخيرًا لقب يتماشى مع هيئة فاطمة في هذه اللحظة والتي كانت ترتدي ثوب مشكى التقليدي في الزفاف والذي كان يتميز بكثرة اللون الاخضر مع بعض المشغولات الذهبية به .

مسحت تبارك عيونها وأخذت تطلق اصوات زغاريد متتابعة نشرت بها بهجة في المكان بأكمله، تتحرك صوب فاطمة تضمها بأعين دامعة :

_ حبيبة قلبي مبارك يا عيوني، زي القمر تبارك الله .

ابتسمت فاطمة بخجل كبيرة وبرلنت تتحرك صوبها تمنحها هدية مغلفة صغيرة رغم أنها لا تعرفها بشكل مقرب إلا أن هيئة فاطمة البريئة كانت تجبر كل من يلتقيها بالتقرب منها وأن يحنو عليها .

_ هذه فقط هدية بسيطة أتمنى أن تعجبك، صنعتها مع زوجي خصيصًا لكما، مبارك .

نظرت فاطمة صوب العلبة بين أناملها بتعجب وهي تبصر جرى فخار جميلة بألوان مبهجة بها رسومات ورود رائعة ومخطوط عليها اسم فاطمة والمعتصم بشكل متداخل وبخطوط عربية بديعة جعلت فاطمة تشهق منبهرة، لتبتسم برلنت وهي ترى أن هديتها اعجبتها :

_ احضرتها لتضعي بها زهور الزفاف التي سيحضرها لكِ زوجك لتحتفظي أبد الدهر بإذن الله.

_ هذا ...هذا رائع... أنا....شكرًا لكِ .

ابتسمت لها برلنت بحنان وقد أقبلت كل فتاة تترك لها هدية خاصة بها وفاطمة تتابع ما يحدث حولها بأعين دامعة وكلمات سلمى لها في إحدى الليالي تتكرر في أذنها .

" فاطمة صغيرتي، الحياة لن تتوقف على احزانك، لا يمكنك أن تتجاهلي كل تلك الأبواب التي تُفتح أمامك فقط لأنكِ لم تبصرينها بسبب دموعك ووقوفك أمام بابك المغلق، انظري حولك عزيزتي، في هذه الحياة ما يستحق بسمتك وسعادتك، وإن لم تتمكني من تجاوز ماضيكِ، تجاهليه ..."

أفاقت من شرودها على صوت توبة وهي تتحرك صوب سلمى تضع أمامها الزهور :

_ لماذا طلبتي كل هذه الزهور سلمى ؟؟

ابتسمت سلمى وهي تتلقف منها الزهور وقد أخذت تحرك بين يديها تحمل بين يديها آلة حادة تقطع هذه وتقلم هذه، وهي تتحدث ببساطة :

_ نوع الزهور هذه تذكرني بفاطمة، وقد فكرت أن أميرة كفاطمة لا يجوز أن تُزف بلا تاج، لذا سأستغل خبرة سنوات طويلة في تشكيل الزهور لأجلها .

لم يفهم البعض ما تقصده سلمى وهن يتابعن مهاراتها في التعامل مع الزهور وتشكيلها وكأنها عجينة بين أناملها وبعد دقائق طويلة ابتسمت سلمى بسمة واسعة وهي ترفع أمام عيونهن تاج كبير مصمم بالكامل من الزهور يتوسطه زهرة " الفريسيا " نفسها الزهرة التي شبهت بها فاطمة سابقًا .

ترفع عيون ملتمعة صوب فاطمة التي كانت تتبابعها بصدمة واعين دامعة متسعة تبصر سلمى تقترب منها وتضع التاج أعلى رأسها بحب :

_ تبدين في غاية الجمال .

فجأة انفجرت فاطمة في بكاء حار وهي تلقي نفسها بين أحضان سلمى التي تلقتها بحب دامعة العيون وهي تربت على ظهرها بحنان وحب كبير :

_ حبيبتي عساها تكون بداية سعادتك الخاصة فاطمة، الله عوضك بالمعتصم فكوني عوض له حبيبتي .

مسحت كهرمان دموعها متأثرة وكذلك تبارك التي كانت تبكي مع الجميع وبرلنت وتوبة، جميعهن عدا زمرد التي ضمت ذراعيها لصدرها تبعد عيونها عنهم بعناد ترفض البكاء أمام أحدهم عدا زوجها :

_ لا تحاولن والله لن أبكي.

ضحكت كهرمان من بين دموعها، وهي تضرب زمرد على كتفها بحنق، بينما الجميع حلق حول فاطمة حينما سمعوا اصوات الصلاة تقام في الخارج، وهذا يعني قرب بدء مراسم الزواج بعد الصلاة .....

ــــــــــــــــــــــــــــــ

تحرك سريعًا خارج غرفته مهرولًا كي يلحق بالجميع لأجل زفاف المعتصم، يصفف خصلاته مستخدمًا اصابعه بعدما غافله الوقت وتأخر عن الجميع، لكن اثناء تحركه لمكان الزفاف حيث يجتمع الرجال توقفت أقدامه وهو يلمحها تتهادى بين الجميع وهي تبتسم بعيونها والتي لأول مرة تبتسم، ليتذكر ما حدث قبل أيام حينما جاءته لتخبره ما أرادت اخبار الملك به ....

" إذن ؟!"

رفعت عيونها له وقد على التوتر وجهها، قبل أن تبتلع ريقها وهي تخرج ورقة له تمد بها يدها له :

" هذه ...احضرتها للملك ربما يكون مهتمًا بمعرفة أن هناك من ينتوي له سوءًا " 

نظر لها تيم بعدم فهم يختطف الورقة من يدها، ومن ثم فتحها بصعوبة وقد كانت شبه مهترئة يراقب ما خط بها بأحرف غير منتظمة وبعض كلماتها بالدماء ..

كانت تبدو كما لو أنها قائمة تحمل العديد من الأسماء بعضهم محذوف والبعض الآخر مازال في قائمة الإنتظار، والمحذوف كان ...الراحلين بالفعل .

رفع عيونه لها بعدم فهم لتشرع تقص عليه الأمر:

" هذه الورقة وجدتها أثناء تنظيف غرفة الضيف الذي كان يسكن منزلنا، بعد اختفائه بشكل مريب، كان رجلًا أحضره أبي بعدما وجده مصابًا في طريقه لسفيد، و...لم يكن يبدو شخصًا طبيعيًا على أية حال والورقة هذه تثبت الأمر، رأيت بها اسم الملك و....الملكة لذا جئت لأخبره كي يحذر "

" رجل ؟! هل تعرفين ما اسم هذا الرجل آنستي ؟؟"

رفعت عيونها له وقد ابتسمت عيونها دون شعور لملكية لقبها وإن كانت عادية في نظره فهي تعني الكثير لفتاة بائسة قضت أيام طويلة تحلم بفارسها المتمثل به .

" نعم لقد أخبرنا أن اسمه هو ... أنمار "

اتسعت عيون تيم بسرعة وبفزع كبير من ذكر اسم أنمار، وقد بدا الأمر واضحًا على وجهه، لتتعجب هي وتتحدث بصوت خافت :

" هل تعرفه ؟؟"

هز رأسه ولم يجيب سؤالها، بل ردها لها بسؤال آخر:

" هل سبق وتعرض لكِ أو لأحد أفراد أسرتك بالسوء ؟؟"

نفت برأسها وقد لمسها اهتمامه:

" لا لم يفعل، هو بالأساس لم ...لم يكن يجلس معنا كثيرًا، بل كان يشرد طوال الوقت "

هز رأسه يضغط على الورقة مقررًا اعطائها للملك بمجرد عودته، ومن ثم رفع عيونه لها يبتسم لها بامتنان :

" اشكرك للطفك آنستي، الملك لن ينسى لكِ هذا المعروف ".

نفت برأسها بخفة وهي تبتعد خطوات للخلف :

" لا بأس فعلت ما املاه عليّ ضميري، والآن اسمح لي بالذهاب "

وبالفعل تحركت من أمام تيم الذي أخذ يراقبها دون شعور، حتى قرر اللحاق بها، ونفذ دون تفكير، تحرك بسرعة خلفها كي يتأكد من عودتها سالمة بعد كل هذا الوقت لمنزلها، ولأجل رغبة في نفسه لمعرفة أين تسكن تلك الفتاة البهية صاحبة الاخلاق، ربما يفكر في المستقبل بكسر عزلته ....

أفاق من شروده على يد تجذب مرفقه وصوت خالد يتردد بلهفة :

_ما بك تيم الحقنا سيبدأ الزفاف 

فزع منه تيم وركض معه وهو يراقب ما يرتدي خالد بعدم فهم، فقد كان يرتدي بنطال اسود قماشي وقميص أبيض مع سترة سوداء تشابه البنطال وحذاء اسود لامع مع ساعة يد سوداء، رفع عيونه لخالد يحاول معرفة ما هذه الثياب التي يرتديها .

أما عن خالد فشكر نفسه، بل وقبلها في المرآة على إحضاره لبذلته الثمينة معه تحسبًا لحاجته إليها وها قد كان، مع أنه كان يوفرها لزفافه بالجميلة حور، لكن لا بأس يتزوجها فقط ولو كان مرتديًا شوال .

وصل وأخيرًا صوب ساحة القصر حيث أقام الملك زفاف قائد جيوشه ودعى له جميع ملوك وكبار الممالك، وقد كان ذلك بعدما أذن له الملك آزار احترامًا لمصابه، يخبره أن يكمل زفاف المعتصم فتأخيره لن يعيد له ولده، وحياتهم لن تتوقف معتبرًا الوليد حي بينهم بالفعل .

ونزار يراقب ما يحدث مبتسم الفاه بهدوء شديد، رغم عيونه الذابلة، يتابع الجميع سعيدًا لسعادتهم، ومرتاح بحياته الجديدة بعدما أعاد له والده سمعته بين الممالك واكتسب احترام الجميع بعدما كانوا يحتقرونه، ومن ثم لم يفوت يومًا إلا وأخرج صدقات لأجل أخيه يشعر بالراحة كل يوم وهو يضع رأسه على وسادته وقد أدى صدقة أخيه لليوم وذكره في كل دعاء .

وهناك في منتصف الساحة كان المعتصم يرتدي ثوب اسود وهو يرقص مع إيفان الذي كان في قمة سعادته بزواج ابن خالته، يحرك يديه في الهواء وهو يراقب سعادة المعتصم الذي تبقى فقط أن يخرج له جناحين ويحلق في سماء مشكى .

وارسلان يحمل له الدف ويضربه بقوة، وهو يطلق كلمات أغنية تراثية قديمة تعلو في المكان، قبل أن يلقي بالدف صوب نزار الذي تلقفه بفزع ينظر لأرسلان بعدم فهم بينما الأخير غمز له وهو يحرك يديه في الهواء راقصًا ليضحك عليه نزار يهز رأسه بيأس من أرسلان الذي لم ييأس طوال الشهور السابقة في إفساد عزلته هو وسالار وتوبة العزيزة والتي كانت لا تفوت فرصة لتحضره من آبى خصيصًا لسبز لأجل اسباب تافهة كرؤية لون فستانها الجديد مثلًا .

خرج من شروده على أرسلان ينتزع منه الدف بعنف :

_ اعطني هذا أنت فاشل في قرع الدفوف، خذ أيها العجوز آزار اضرب أنت الدف لنا .

ومن ثم جذب نزار من كفه لمنتصف الساحة ليتلف حوله الجميع يشجعونه، حتى سالار الذي كان يرفض في البداية الرقص أو الغناء حتى، هبط للساحة يشاركهم الرقص وأصوات الرجال تعلو بصخب...

وآزار يراقب ما يحدث مع بارق ببسمة واسعة سعيدة، يدعو الله أن يعود له ولده بكامل روحه .

أما عند النساء فقط فقد كانت جميع الاعين متسعة مما يبصرونه ...

فسلمى التي تميزت بثوب تقليدي باللون الوردي مع بعض النقوش البيضاء، كانت ترقص رقصات غريبة، لكنها رائعة، تحرك خصرها بشكل غريب مثير للحق، وتحرك يديها في الهواء وتميل بخصرها تارة وتحرك نصفها العلوي تارة أخرى جاعلة الجميع يرمقها بصدمة .

وتبارك فقط تتابع بفم مفتوح ما يحدث لم يصدر منها سوى كلمة واحدة منبهرة :

_ شاكيرا ؟؟

نظرت لها برلنت بعدم فهم :

_ ماذا قلتي ؟!

استغفرت تبارك ربها وهي تجيب مبتسمة بصدمة وهي ما تزال تراقب جسد سلمى التي كانت تجذب أنظار الجميع لها بفضول :

_ لا ...لا شيء فقط تذكرت أحدهم.

_ صديقة قديمة ؟!

_ ها ؟؟ آه فعلا صديقة قديمة كانت معايا في مدرسة صفط اللبن الثانوية بنات .

أما عن سلمى فبعد فشل دروس الرقص وعدم اكتمالها مع كهرمان، قررت أن تستخدم دروس الرقص التي تلقتها في مدرسة مجاورة لمنزلها تقضي بها لحظات الفراغ إن امتلكت وقد كانت تتخلف عن نصف الدروس حتى تم طردها لعدم التزامها .

وبعد لحظات طويلة توقف وهي تلتقط أنفاسها تردد بصوت منخفض :

_ هذا وأنا لم أكمل دروسي، ماذا إن حضرت كامل الدروس؟!

تمتمت كهرمان بصوت خبيث وهي تبصر سلمى تقترب منها:

_ عوض الله أخي عن صبر ثلاثة عقود، سوف أخبره أن يرقيكِ بعد انتهاء كل هذا فأعين النساء تكاد تأكلك .

نظرت لها سلمى ثواني قبل أن تسمع صوت امرأة تهتف لهم أن الملك يستدعيهم للساحة لأجل إكمال مراسم الزواج .

وفي ثواني بدأت النساء يغطين وجوههن بالحجاب، ويتحركن صوب الخارج تتوسطهن فاطمة التي كانت تخفض رأسها وهي تشعر بكامل جسدها يرتجف تتمسك بيد سلمى والتي كانت تشعر بها وهي لا تتخيل نفسها تسير بنفس الطريق صوب أرسلان والجميع حولها، تقسم أنها كانت لتنهار أرضًا، ليس من هول الموقف، بل من بهاء زوجها الذي يقف جوار المعتصم في هذه اللحظة يرتدي ثوب ابيض مع بنطال اسود ..

ابتسمت على أفكارها الغبية وهي تحمد الله أن لا أحد يسمع أفكارها .

لكن فجأة ضحكت بصوت شبه مسموع كبتته بسرعة وهي تبصر ذلك المشهد العبثي أمامها، جميع الرجال يرتدون ثياب تقليدية وفي المنتصف يقف خالد يرتدي بذلة عصرية ليحطم بها الصورة المثالية للجميع .

_ سامحك الله خالد أفسدت المشهد بالكامل بغبائك .

وصلت فاطمة للمعتصم الذي تحرك صوبها بلهفة كبيرة يلتقط كفها بين يديه، وهو يجذبها صوبه وتراجعت النساء بعيدًا عن منطقة الرجال مجددًا وقد بدأ الجميع من النساء يتقدمن لتقديم الهدايا اولًا للعروس، لتراقب سلمى ما يحدث بعدم فهم، كانت المرة الأولى التي تراقب بها الضيوف يقدمون مجوهرات وأموال للعروس .

لماذا لم يخبرها أحدهم ؟! 

وتبارك في هذه اللحظة التي أبصرت حركات سلمى المتوترة، أدركت أن المسكينة وقعت بنفس ما وقعت هي به سابقًا، نظرت صوب كهرمان تتحدث بصوت منخفض :

_ كهرمان ألم يخبر أحدكم سلمى بالعادات هنا ؟!

نظرت لها كهرمان بعدم فهم لثواني قبل أن تتحرك برأسها صوب سلمى، لتهتف بصدمة :

_ ماذا، لم يخبرها أخي ؟؟ لقد ... أنتِ رأيتي أننا وصلنا اليوم مباشرة على الزفاف لم يكن هناك وقت ولم يخطر ببالي أنها لا تعرف الأمر.

اخرجت كهرمان بسرعة قطعة من الحلي التي تحملها وقد تمثلت في اسورة جميلة الشكل وهي تلفها في قماشة حريرية تتحرك بسرعة صوب سلمى كي تمنحها لها لتقدمها إلى فاطمة .

لكن ما كادت تقترب منها حتى، حتى وجدت أخيها يميل على سلمى وهو يدس بيدها شيئًا ..

ابتسمت براحة وهي تعود بعيونها صوب تبارك تهز رأسها باطمئنان .

_ الحمدلله كان أخي على الأقل واعيًا للأمر ..

أما عند سلمى فقد شعرت فجأة بالخجل وهي ترى الجميع يقدم الحلى لفاطمة وهي ...لم تكن حتى تدرك الأمر، مدت يدها بسرعة تنزع إحدى أساور يدها، لكن فجأة شعرت بكف تمسك يدها، ومن ثم صوت هامس جوار أذنها:

_ تبدين بغاية البهاء حلوتي، محظوظ أنا.

رفعت سلمى عيونها لأرسلان الذي ابتسم لها غامزًا، يفتح يدها واضعًا بها سُرة حريرية ومن ثم اغلق كفها، يتحرك بعيدًا وهو يهمس لها كلمات أخيرة ممازحة رغم نبرته الجادة :

_ احرصي على ألا يبصر أحدهم طرفك دون غطاء سلمى ولو كانت امرأة، فلم ارقيكِ اليوم وقد انشغلت بالزفاف .

ختم حديثه بضحكة صغيرة وهو يتحرك صوب الرجال تاركًا سلمى تتابعه ببسمة غير ظاهرة بسبب غطاء وجهها، وهو يتحرك للرجال بهيبة تليق به، عادت تنظر ليدها ثواني قبل أن تضحك ضحكة خافتة وتسارع صوب فاطمة تقدم لها هديتها .

وقد اندمج الجميع في الأمر حتى تقدم كل من أرسلان وايفان وسالار ونزار يحملون بين أياديهم صندوقين صغير يحمل أرسلان واحدًا، وايفان آخر، تقدم إيفان يضعه على الطاولة أمام الجميع وهو يردد ببسمة صغيرة :

_ هذه الهدية من إخوة العريس .

ومن ثم وضع أرسلان ما بيده :

_ وهذه من عائلة العروس...

رفع لهم المعتصم عيونه بصدمة ليغمز له إيفان وهو يربت على ظهره بحنان، بينما فاطمة سقطت دموعها دون شعور وهي تراقب الجميع حولها سعداء لأجلها..

وقبل سقوط الجميع في حالة من الشجن والبكاء تأثرًا بما يحدث، انقذ أرسلان الموقف وهو يدفع صندوق إيفان جانبًا يعطي لصندوقه مساحة اوسع، يستقيم في وقفته :

_ دعك من هراء إيفان وسالار والعجوز آزار، هؤلاء لا ذوق لهم، بضعة حمقى لا تنتظر منهم شيئًا مميزًا، انظر لهديتي أنا ونزار والعجوز بارق بالله فن تبارك الله، لدي ذوق عالٍ كما تعلم يا المعتصم بالطبع .

كبت نزار ضحكته وهو يتذكر كلمات أرسلان حينما ذهبوا لإحضار الهدية بعدما قسموا بينهم هدايا عائلة العروسين.

" اسمع أيها العجوز وأنت الآخر نزار، لا يهمني ما تشترون فقط أحضروا شيئًا ملونًا لامعًا تحبه النساء ولنرحل من هنا " 

تحدث نزار بصعوبة من بين ضحكاته وهو يهز رأسه:

_ آه صحيح، هذه حقيقة ..

ضحك بارق بصوت مرتفع وهو يسعل بقوة من بين ضحكاته، لينظر له أرسلان بتحذير :

_ علام يضحك هذا العجوز ؟؟

_ على ذوقك العالي ..

وكانت تلك كلمات إيفان قبل أن ينفجر في الضحك، لتنكمش ملامح أرسلان بغضب يتجاهلهم :

_ لن اتناقش معكم حقًا .

_ منذ متى هذا التعقل ؟!

_ منذ اليوم الذي أدركت فيه أن النقاش مع بعض الاوغاد مثلكم لن يعود عليّ سوى بتلويث لساني الطاهر .

أطلق سالار ضحكة صاخبة على ما يحدث، بينما المعتصم هز رأسه بيأس ينهض ليشكرهم جميعًا، على لطفهم معه ومع فاطمة .

وحينما انتهى الجميع أتى وقت تقديم مهر العريس الذي تحدث بصوت هادئ عاشق وهو يمسك يد فاطمة :

_ مهر زوجتي لا اقدمه هنا فهو شيء لم استطع حمله، لذا اعذروني جميعًا سأصطحب زوجتي لترى مهرها بنفسها، استمتعوا بالزفاف .

ختم حديثه وهو يأخذ من أرسلان شيء خفي، ومن ثم غمز له يمسك يده فاطمة ويتحرك بها بعيدًا عن الجميع تاركًا أرسلان يراقبه بحنان وبسمة قبل أن يستدير للجميع يردد بسعادة كبيرة :

_ وحتى يعود العروسان، تفضلوا جميعًا امنحوني شرف اكرامكم وتوجهوا مع الجنود صوب الصالات الجنوبية لتناول الطعام، ولن اتقبل من أحدكم اعتراضات ..

ختم حديثه يشير للجنود الذين تحركوا صوب الرجال ببسمات واسعة يقودوهم للصالات، والنساء تحركن مع العاملات ..

وارسلان نظر صوب اصدقائه ولم يكد يتحدث حتى وجد بارق يقترب من آزار يمسك يده وهو يجره معه :

_ ها هي فقرتنا المفضلة أيها العجوز لنتحرك صوب القاعة .

ضحك آزار وهو يهتف بمزاح افتقده منه بارق طوال الشهور السابقة:

_ لقد قمت بتجويع نفسي اليومين السابقين .

اتسعت أعين نزار وهو يراقب والده يهرول مع بارق صوب قاعة الطعام، وتحركت عيونه صوب الجميع بخجل ليضحك أرسلان وهو يربت على كتفه بهدوء أن هذا معتاد منهم ..

وبطرف عيونه أبصرها نزار تتحرك أمامه مع النساء ليشير لها بيده ورأسه صوب جهة معينة، لتتوقف توبة في سيرها وهي تبتسم بخبث من أسفل غطاء وجهها تستأذن من الفتيات وتتحرك بسرعة صوب الجهة التي أشار لها نزار ..

والجميع يراقبه بعدم فهم. 

_ إذن ما الذي تنتظرونه أنتم ؟! هيا توجهوا لتناول الطعام  .

نظرت له إيفان بحنق وسالار فقط هز رأسه بكسل وهو يتحرك بعيدًا عنهم:

_ اشكرك لست جائعــ

لكن لم يكمل كلمته بسبب يد أرسلان التي قبضت على مرفقه هو وايفان يسحبهم بالاجبار صوب قاعة الطعام :

_ قلت هيا للطعام، هل تريدون أن يقال في حقي أنني لا أكرم ضيوفي لأجل وغدين مثلكما ؟! خسئتم أنتم واشباهكم الاربعون، ستتناولون الطعام ولو كان بالاجبار.

كان يدفعهم وايفان يضحك بصخب :

_ وما ذنبي أنا ؟؟ كنت سأذهب على أية حال فأنا أحب الطعام هنا .

دفعهم أرسلان للقاعة التي يجلس بها باقي الملوك :

- هيا قبل أن ينتهي العجائز من الطعام، سأرسل لكم المزيد ..

ابصره سالار يرحل :

_ إلى أين أنت الطعام كثير والحمدلله، تعال لتأكل معنا أين إكرام الضيف يا هذا، تترك ضيوفك وترحل .

نظر له أرسلان بسخرية :

_ أي ضيوف هؤلاء يا عزيزي ؟؟ لم ارك يومًا تتصرف كضيف، بل أراك طوال الوقت تتصرف كما لو أنها بلاد والدك التي اورثها لك، على كلٍ دقائق قليلة اطمئن على شيء واعود لن اتأخر .

ختم حديثه وهو يغلق الباب خلفه يتحدث بصوت مرتفع وصل لهم في الداخل وهو يشير صوب الباب للجندي :

_ لا تسمح لأحدهم بالخروج حتى آتي أنا حسنًا ؟!

ومن ثم رحل تاركًا سالار يراقب الباب بصدمة كبيرة وهو يهمس بعدم تصديق :

_ هل سجننا الآن هنا ؟؟

ضحك إيفان بصوت مرتفع وهو يتحرك صوب طاولة الطعام :

_ حسنًا هذا سجن أحب قضاء الباقي من حياتي به ......

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ إذن ما الذي ذكرك بي بعد كل هذه الغيبة سمو الأمير ؟؟ أراك عدت مشتاقًا ؟؟

كانت تلك كلمات توبة التي استقبلت بها نزار في إحدى شرف مشكى تضم يديها لصدرها بحنق، اقترب منها نزار بعدم فهم وهو يرفع غطاء وجهها كي يبصر تعابير وجهها ويعلم إن كانت جادة في كلماتها أو ماذا  ؟!

لكن للأسف بالنظر لملامحها فنعم كانت جادة للغاية .

_ ماذا ؟! هل تمزحين معي يا امرأة؟! أي غيبة هذه ؟! لقد كنت معكِ في سبز ليوم كامل قبل يومين.

_ قبل يومين، وتقولها ببساطة وكأنك تمن عليّ بزيارة كل اسبوع.

اتسعت عيون نزار من كلماتها يقترب منها مبتسمًا بسمة صغيرة وهو يمسك وجنتيها بين يديه :

_ لينعم الله عليكِ بنعمة العقل حبيبتي ....

ضربت توبة يده تبعدها عن وجهها مبتسمة بسخرية :

_ والله أنت تسلمتني بكامل عقلي، وما تراه الآن هو سوء استخدام وتخزين سمو الأمير.

_ آه هكذا إذن ؟! إذا لا بد لي من تغيير بيئة التخزين، فالجو الربيعي في سبز يفسد الأعشاب سمو الأميرة ..

اتسعت عيون توبة من كلماته وهي تراه يتحرك يجلس على النافذة مشيرًا لها جواره وهو يبتسم لها بحنان، بينما هي ما تزال تحدق فيه بأعين متسعة :

_ أعشاب ؟؟ أعشاب نزار ؟! هل تعاملني معاملة اعشابك ؟؟ هذا بدلًا أن تصفني بالورد ؟!

_ بالله اسألك صدقًا أن تخبريني إن كنتِ ترين نفسك وردة ؟! حبيبتي أنتِ عشبة سامة وهذا والله ليس ذمًا بقدر ما هو مدحًا، فما اجمل من عشبة نادرة تكون سامة حين تريد وتكون علاجًا حينما تبتغي، أنتِ عشبة نادرة لا يجيد التعامل معها سوى خبير، وأنا حبيبتي خير من يعلم كيف يتعامل مع الاعشاب السامة مثلك تمامًا .

كانت ملامح توبة تتغير كل ثانية مع كلماته، احيانًا ابتسم وأحيان تلوي فمها باعتراض وأحيان أخرى ترفع حاجبها بشر، وحينما انتهى نزار من كلماته هزت رأسها له :

_ انتهيت ؟! إذن سأدعك سيدي الطبيب مع اعشابك، فغزلك هذا لم يؤثر بس مقدار شعرة حتى، والآن سأرحل ولا تأتيني لأسبوعين .

ومن بعد كلماتها أوشكت على التحرك بعيدًا عنها، لولا يد نزار التي أسرعت وامسكت بخاصتها، وفي ثواني جذبها لأحضانه وهو يستند على الشرفة :

_ ترحلين لأين سمو الأميرة!؟ والمسكين الذي يموت شوقًا لهمسة منك ؟! 

_ دعه يتناول عشبة تسكن آلامه عزيزي .

ضحك وهو يزيد من ضمها وهي تحاول الإفلات منه، لكنه لم يسمح لها :

_ والله لا عشبة في هذه الحياة توازي تأثيرك عليّ توبة، يا امرأة حالتي أضحت خطيرة، أنا صرت اسير هائمًا على وجهي أبحث عنك بين الجميع.

رمشت وهي تحاول أن تفلت من بين يديه وقد كانت ضربات قلبها تعلو بقوة :

_ نزار هذا لا ...لا يمكنك أن تحتضني بهذه الطريقة هكذا و...

قاطع كلماتها وهو يتركها بهدوء :

_ نعم عندك حق لا يجوز احتضانك بهذه الطريقة هنا .

نظر حوله يتأكد أن المكان فارغء ثم مال فجأة على وجنتها يلتقط قبلة سريعة مبتسمًا بكل براءة :

- تقبلي اعتذاراتي وقبلاتي سموك .

اتسعت أعين توبة وقد مال نزار عليها يهمس لها بحب :

_ إذن عشبتي الجميلة ما رأيك لو رحمتي هذا المسكين وقبلتي ترك والدك العجوز وحده وجو سبز الربيعي، وأتيتي لزوجك الحبيب حيث جو آبى الشتوي الذي يناسب الأعشاب النادرة مثلك، وصدقيني سأعتني بكِ داخل قلبي .

رفعت توبة عيونها له وقد أحمر وجهها بقوة من كلماته :

_ ماذا ...ماذا تقصد ؟؟

_ لقد اخرنا الأمر طويلًا سمو الأميرة، وقد ذابت أقدام حصاني من السفر بين آبى وسبز، كما ذاب قلبي شوقًا، فما رأيك لو اتممنا الزواج بعد أيام ؟!

رفعت له توبة عيونها مصدومة من كلماته :

_ أيام ؟! هل تمزح ؟!

_ أيام هذه كرم مني، والله لولا أنني لا ارتضي لكِ إلا زفافًا يليق بكِ لأخبرتك أن كل شيء في الخارج والجميع حاضر وسنتزوج الآن ونرحل لمنزلي .

شعرت توبة بالصدمة من كلمات نزار وهي تتنفس بصعوبة ولم تكد تتحدث بكلمة واحدة حتى وجدته يضمها له مجددًا يستند برأسه على كتفها متنهدًا بصوت مرتفع :

_ توبة أرجوكِ ...

كانت كلمتين أخرج بهما كل تعبه وإرهاق روحه طوال الشهور المنصرمة، عانى الكثير حتى يتقبل حقيقة موت أخيه ويتأقلم أنه ليس جواره، ورغم أنه لم يعتد بعد الأمر، إلا أنه سلّم بالأمر ولم يتوقف لسانه عن الدعاء طوال الوقت السابق للوليد، ولا ينكر أن توبة كانت أحد الأسباب الذي تجاوز لأجلهم محنته، كانت تأتيه أيام طويلة تدعمه وتطعمه بالاجبار وتبتسم له بسمة كافية لتسقط الكثير من همومه عن كتفه.

ومن ثم حينما أصبح بخير بعض الشيء بدأ هو يذهب لها كل اسبوع لينال منها ما يكفيه لمواصلة أيام دونها، والآن فاض به الكيل وأصبح لا يطيق بعدًا.

ابتسمت توبة بحنان وهي تضم رأسه بلطف وحنان، ثم مالت تقبلها وهي تهمس :

_ تحدث مع أبي نزار، طالب أبي بحقك فيّ عزيزي .....

ــــــــــــــــــــــــــــ

_ يا امرأة لا تثيري جنوني عليكِ، اقسم بالله سلمى أنكِ إن كررتي ما فعلتي اليوم لأ....

صمت ثم نظر لها وهو يراها تحمل بين ذراعها موزي تفرك فروته بهدوء تبتعد عنه أكبر قدر ممكن، ليتحرك صوبها بسرعة يصرخ بها وهو ينتزع موزي من بين أناملها يضعه على الفراش :

_ توقفي بالله عليكِ عن تدليل ذلك القرد بهذا الشكل .

اتسعت عيون سلمى بصدمة من كلماته تنظر صوب موزي، ثم عادت تنظر له ببسمة غير مصدقة :

- هل جننت أرسلان ؟! 

تنفس أرسلان بصوت مرتفع وهو يعيد خصلاته للخلف، ومن ثم تحرك لينتهي مما جاء لأجله ينتزع صندوق الاعشاب عن الطاولة يتحرك لها مجددًا دون كلمة واحدة وقد بدا على ملامحه الغضب، يجلس ارضًا جوارها وهو يرفع أقدامها يبعد أطراف الفستان عنه، ومن ثم أخذ يضع لها الاعشاب كما جرت عادته طوال الشهور السابقة ولم ينس يومًا موعده أو يتجاهله مهما بلغت حجم التزاماته، كان يعود من العاصمة ركضًا يضع لها الاعشاب ويتأكد من تناولها الأدوية والطعام ومن ثم يهرول لينتهي مما يفعل، حتى أصبحت هي تعلم المواعيد وتأتي غرفتها تنتظره كل مرة .

راقبت غضبه وحزنه وهي تمد يدها تداعب خصلاته الكثيفة بحب :

_ ما بك أرسلان، كل ذلك لأنني رقصت ؟؟ كن نساء عزيزي  .

تحدث أرسلان بصوت هادئ وهو ما يزال يبعد عيونه عنها :

_ النساء يمتلكن رجالًا سلمى، ولا ندري ربما تحدثت امرأة منهن بغير وعي أمام محارمها عن الزفاف وأشارت في حديثها بالصدفة عن الملكة التي كانت ترقص و....

صمت بغضب كبير من الفكرة يرفع لها عيونه معترضًا على أمر لم يحدث :

- سلمى أنا لست من ذلك النوع الغبي الذي قد تعميه غيرته، أنا اغار عليكِ من الجميع، أريدك بالكامل لي، لكنني رغم ذلك لا ادع غيرتي تتحكم بتعقلي، فوالله لو تركت لها القيادة لمنعتك خالد وقردك والنساء والاطفال الذين تساعدينهم، لكن هذا جنون وسجن وتخلف لا ارتضيه لأمرأتي.

تنفس بصوت مرتفع وهو يشرح لها الأمر :

_ اغار عليك بحدود، ولا اتناسى حدود الله في خضم غيرتي، فلن احرمك التحدث لأخيك بحرية وقد حلل الله لكِ ذلك، ومساعدتك لنساء مملكتي وأطفالها دين في رقبتي ليوم الدين، وسأكون حقيرًا إن أخبرتك ألا تساعديهم، لكن الرقص بين نساء الله اعلم بما في داخل كل واحدة منهن، شيء لا اقبله، لا أصيب إحداهن بجهالة معاذ الله، لكن نتقي الشبهات عزيزتي .

ابتسمت له بسمة هادئة وهي تهز رأسها بحسنًا :

_ لك ذلك جلالتك .

ارتفع حاجب أرسلان وهو ما يزال يدهن بها الاعشاب على أقدامها بتعجب من هذه الوداعة :

_ حقًا بهذه البساطة ؟!

_ نعم بهذه البساطة، فحينما تتحدث أنت بهذا الهدوء تجد ردي بهذه البساطة حبيبي .

ابتسم أرسلان دون شعور وهو يتنهد بصوت مرتفع، يجفف يده في قطعة قماشية جواره، ثم نهض يقترب منها وهو يميل بجسده :

_ إن كان الهدوء يؤتي ثماره معكِ، إذن لا ضير من أتباع تلك الطريقة في كل ما أريده منكِ .

ابتسمت له تهز رأسها مشجعة على الأمر، وقد تخطت بأرسلان الكثير والكثير حتى وصلت معه لهذه النقطة التي تدفعه فيها لنقاشها بهدوء ولطف .

وارسلان حبيبها كان في غاية البراءة ليتعامل معها كيفما تحب هي .

_ هيا قبليني.

أو ربما لا ....

رفعت له عينها بصدمة ليبتسم ببراءة كبيرة ويتحدث بهدوء أكثر وكأنه يمتلك الوقت بأكمله:

_ ها أنا طلبتها بهدوء، ألم تعديني بمنحي كل ما أطلبه بهدوء ؟!

رمشت وهي لا تستوعب كيف استخدم كلماتها ضدها، ابتعدت للخلف بريبة منه :

_ أرسلان أنت لست هذا النوع المتلاعب من الرجال ؟!

تشنجت ملامح أرسلان وهو يجذب يدها له :

_ نوع متلاعب ؟؟ أنتِ زوجتي، هل تمازحينني ؟؟

_ لا ... أنت فقط ...تحرّف كلماتي ...لقد هو ...

كانت تتحدث بتوتر ليبتسم لها أرسلان بلطف وهو يقترب منها يقبل وجنتيها بحنان تباعًا، ثم ابتعد، وبدأ يرتب لها ثوبها :

_ هيا انهضي لتناول الطعام مع الجميع، وابتعدي عن الأطعمة الحارة رجاءً .

هزت رأسها له بتخدر وهو ابتسم لها بحب كبير، ثم ساعدها لتنهض يعدل من وضعية حجابها، ومن ثم انزل الغطاء على وجهها يميل لها هامسًا بصوت منخفض وكأنه يخشى أن يستمع لهما موزي ويفسد ما يخطط هو له :

_ اليوم في شرفتنا حلوتي، انتظرك لتخطيط حفل زفافك ملكتي العزيزة .

ومن بعد هذه الكلمات مال قليلًا يضع يده على جهة صدره وهو يمد لها يده الأخرى برقي، جعلها تبتسم له وهي تمسك طرف فستانها تميل له بالمقابل ومن ثم وضعت كفها بين كفه وتحركت معه للخارج تستشعر قوة قبضه على يدها وكأنه يخشى أن تتلاشى من بين يديه .

وفي هذه اللحظة كانت سلمى تشعر أنها تمتلك العالم بأكمله.....

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

وعلى غرار سلمى، كان هو يبحث عن امتلاك العالم كذلك، لكن كيف وهو خسر جميع معاركه حتى هذه اللحظة وخسر كل شيء في الحياة، جنوده، مملكته وقوته، كل شيء سعى له في هذه الحياة خسره، خسارة لن يدعها تمر خاصة بعد كل ما ضحى به لأجل النصر ولم يصل له في النهاية .

ضحى بكل شيء في سبيل الملك والتسيد، كل شيء واولهم العائلة التي احتضنته ....

كان فتى صغير ضائع بين الغابات، ضعيف البنية، مبعثر الهيئة، عثرت عليه عائلة تتكون من رجل وامرأة وطفلة صغيرة على حدود سبز يبحث له عن مستقر، ملئ بالجراح ملقى جوار الطريق كالخرقة البالية ليسارع الرجل ويلتقطه من غياهب الجب ويأخذه معه صوب منزله ويعالجه ويهتم به كما لو كان ولدًا له .

استيقظ لينظر حوله وهو يحاول أن يفهم مكانه، لكن كل ما ابصره كانت وجوه قلقة وامرأة تتحسس جبينه بحنان :

" يا صغيري هل أنت بخير ؟؟"

نظر لها دون أن يتحدث بكلمة واحدة يتعجب تصرفات  تلك المرأة والتي كانت تتصرف كـ.....والدة زمرد، كانت تبدو كأم، أم لم يمتلك يومًا مثلها .

حاول الجميع وقتها دفعه للحديث، لكنه لم يكن ينطق بكلمة واحدة، ولم يكن يتجاوب معهم بشيء، وحينما يسألونه عن عائلته لا يجيب، حتى قرر الرجل وبعد شهور طويلة من البحث عمن يفتقد ولدًا في المملكة أن يتكفل بتربيته وسط منزله ويعتبره ربيبه، فاختار له غرفة ملحقة بالمنزل لأجل الفصل بينه وبين ابنته، وقد كان أخذ يعتاد الحياة الهادئة مع هذه العائلة، وقد اندمج معهم جميعًا ...عداها هي ..

الصغيرة الحقيرة والتي كانت تذكره باسوء أعدائه، زمرد اخته، كانت تشبهها رغم لطافة هذه الفتاة، لكن ذنبها أنها كانت تشبه زمرد وتثير داخله غضب وكره كبير يجعله يتمنى لو نهض وخنقها بقبضتيه ..

ومع مرور الأشهر والسنون أخذ الرجل الصالح يصطحب معه أنمار لمجالسه مع كبار رجال المملكة ليكتشف أنمار أنه وضع يده على كنز كبير وأن هذا الرجل الغبي كان سلم الصعود للمُلك، وقد قدم له فرصة التقرب من الملك على طبق من ذهب وقد عرفه على الجميع أنه ولده .

وسنوات تتبعها سنوات كان أنمار يألف كل اخبار البلاد ويتقرب من كبار الرجال، ويقدم مقترحات ترفع رأسه ورأس والده بينهم، حتى وجاء ذلك اليوم الذي جن جنون أنمار به ...

يوم عاد من عمله بالقصر ووجد المنزل فارغ، تحرك به وهو يتنهد بصوت مرتفع، يتحرك صوب الباب المؤدي لغرفته الملحقة بالمنزل، ليستحم وينتظر الجميع، لكن فجأة وبمجرد أن فتح الباب ابصرها أمامه بملامح شاحبة واعين متسعة من الصدمة .

رفع حاجبه بعدم فهم :

" ما الذي تفعلينه في غرفتي ؟؟ " 

توترت الفتاة وهي تحاول أن تخفي شيئًا خلفها وقد جذبت يدها المرتجفة وفمها المتوتر انتباه أنمار وهو يسمعها تردد كلماتها بصعوبة :

" لا ...لا شيء أمي طلبت مني أن....لقد أخبرتني أن انظف غرفتك و..."

قاطعها وهو يتحرك صوبها بغضب كبير وقد كان يكتب شياطينه عنها بصعوبة :

" وماذا ؟؟ ما الذي تخفينه خلف ظهرك أنتِ ؟؟"

حاول أن يلتقط يدها لتدفعه بقوة وهي تطلق صرخة مرتفعة تهرول بين طرقات المنزل باكية :

" لا تلمسني أيها الوسخ، سأخبر أبي بحقيقتك يا حقير، سأخبره لما تخطط فعله "

فجأة أصبحت ملامح أنمار هادئة بشكل مريب وهو يدرك الآن ما يحدث خاصة حينما لمح غلاف مذكراته الاسود، حسنًا كانت كتابة مذكراته فكرة سيئة لن تتكرر :

" أوه هكذا إذن ؟؟ ومن أين لكِ بلسان لتخبريهم بما علمتي ؟!"

نظرت له بعدم فهم وقبل الاستفسار عما يقصد، كان هو يخرج خنجره ويهرول لها بسرعة مرعبة يكمم فمهاء ومن ثم قتلها في ثانية ولم يرف له جفن حتى وهي هوى الدفتر من بين أناملها وشعرت بروحها تُسحب من جسدها وقد أدمعت عيونها وهي تنظر له بصدمة كبيرة .

كانت مراهقة لم ترد سوى إبعاده عن حياتهم، وهو أبعدها عن الحياة بأكملها، وكانت هذه أول مرة يقتل بها أنمار، لكنها لم تكن الأخيرة ...

استفاق من شروده على أصوات بعض النساء المتحركات صوب قاعة النساء إذ كان يقف في الطريق ينتظر مرورها ...

أخته العزيزة واحدى ضحايا قائمته السوداء .

ابتسم وهو يراها تتهادى مع النساء بخطوات قوية يبصرها وأخيرًا، شابة جميلة قوية كما والدتها، أخته والتي صدم بوجودها من بعض الأحاديث المتناقلة بين الجنود حول زوجة قائد رماة سفيد وأنها كانت ابنة زعيم المنبوذين.

زمرد العزيزة ها نحن نلتقي مجددًا .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كان يضمها على حصانه والسعادة تكاد تقفز خارج حدقتيه، لا يسمع ولا يبصر في هذا العالم وتحديدًا في هذه اللحظة سواها، لا يدرك سوى أن فاطمة العزيزة أضحت وأخيرًا زوجته ..

كانت فاطمة تتمسك بيده التي تضم خصرها وهي تستند على صدره تستمع بالهواء الذي يحرك حجابها بحرية، قلبها يتراقص فرحًا بما يحدث ...

_ هل احلم يا المعتصم ؟؟ هل ... أنا بحلم جميل سأستيقظ منه لأجد نفسي ممدة على أرضية منزلي الباردة وحدي أناجي وهمًا ؟؟

قبل المعتصم رأسها بحب شديد وهو يهمس لها بكامل اللطف داخله :

_ حتى وإن كان حلمًا عزيزتي، سأجعله حقيقة لأجل عينيك فاطمة .

استدارت له فاطمة نصف استدارة وهي تهمس بصوت مرتجف :

_ كان كابوسي الأكبر طوال الفترة السابقة أن يكون كل ذلك ما هو إلا وهم من عقلي، والله يا المعتصم لم أكن سأبتأس، لن اقنط إن كان كل ما يحدث لي وهمًا، اقبل أن يكون كل من حولي وهمًا، إلاك يا المعتصم ..

ابتسم لها بحنان كبيرة وهو يميل مقبلًا جبينها بحنان يمسح دموعها برقة شديدة :

_ وإن كان العالم بأكمله وهمًا، فسأكون أنا الحقيقة الوحيدة عزيزتي ...

تنفست وأخيرًا براحة وهي تستند على صدره لا تنتبه أين يتحرك هو أو إلى المستقر، كل ما تعي به أنها باحضانه ومعه .

فجأة وجدته يمد لها شريطة ملونة يضعها على عيونها هامسًا حينما شعر بانتفاضتها:

_ فقط استكيني عزيزتي .

وقد كان، استكانت وتركت نفسها له يحركها كيفما يشاء، تشعر بحركة الحصان تبطئ شيئًا فشيء، وأخيرًا حتى توقف، هبط بهدوء وساعدها لتفعل المثل، ومن ثم أمسك كفها يساعدها للسير، حتى توقفت بها في مكان تجهل هويته، ومن ثم أمسك كفها يضع به شيء معدني شعرت بملمسه .

رفعت عيونها له بعدم فهم ولم تكد تتحدث حتى شعرت بأنفاس دافئة جوار أذنها وهو يهمس :

_ والآن أم بوبي حان وقت تسلم مهرك صغيرتي ..

ختم حديثه وهو يبتعد عنها يساعدها لنزع عصابة العين وهي ابتسمت تضحك بخفوت تتذكر لقبها الاول الذي حصلت عليه :

_ مازلت تتذكر ذ.....

فجأة ماتت الكلمات على طرف لسانها وهي تبصر أمامها منزل جميل هادئ وبسيط، منزل ....منزلها القديم لقد ....كان يبدو كما لو أن يدًا لم تدنسه يومًا، كان منزلها كما كان في طفولتها، لقد أعاده كما كان سابقًا .

بدأت الدموع تتجمع في عيون فاطمة وهي تراقب المنزل بأعين متسعة تقترب منه تحاول التنفس بشكل منتظم، وهو يراقبها مبتسمًا بحنان شديد، وهي فقط تنظر له، ومن ثم للمنزل بعجز وكأنها فقدت قدرتها على التحرك أو التفكير .

_ هيا عزيزتي افتحي منزلك .

ارتجفت يد فاطمة وكادت تهوى ارضًا لولا يده التي أمسكت بها وهو يدفعها بلطف صوب المنزل يحرك يدها لتفتح الباب، وقد كانت يدها ترتجف بين كفه، وحينما فتح المنزل استقبلها منزل طفولتها، مرتب بنفس الوان الحائط، ونفس المفارش التي كانت والدتها تفضلها، نفس النظام الذي اعتمدته والدته طوال سنوات حياتها، كانت تبصر طفولتها وحلمها وشبابها يُعاد للحياة بعدما تحول لرماد .

شهقت وهي تضع يدها على فمها ليبتسم لها المعتصم بحنان شديد :

_ هذا ...لقد عملت عليه الشهور السابقة وقد ساعدتني العمة الطاف في انتقاء أثاث مشابه وستائر وكل شيء، عساني اعيد لكِ بعض الدفء القديم، و...سيكون هذا منزلك حينما ترغبين بالعودة له تعودين، لكن معي فاطمة ...

نظرت فاطمة حولها وهي تتلمس الجدران والارائك، وهو يسير خلفها يراقبها تحدق بكل شيء بأعين ملتمعة وجسد مرتجف، وفجأة وقبل حتى أن يتوقع ما يحدث وجدها تهرول تلقي نفسها بين أحضانه تنفجر في بكاء قوي وهي تتحدث كلمات غير مفهومة .

_ يا المعتصم ....يا المعتصم أنا.... أمي... وأبي وأحمد...لقد ....أشعر بأنهم عادوا للحياة مع المنزل....أشعر بهم .... لأول مرة أشعر بهم حولي سعداء ....يا المعتصم أنا...

قطع كلماتها انفجارها في بكاء قوي، ليضمها المعتصم بقوة يقبل رأسها بحنان وهو يهدهدها بلطف شديد :

_ حبيبتي، لا تبكي عزيزتي، أنا هنا، وكل شيء سيكون أفضل مما سبق، هذا منزلك وقد لكِ، وعائلتك عند رب العباد في الجنة بإذن الله حبيبتي، انتهى كل ذلك فاطمة...انتهى كل الحزن حبيبتي .

رفعت فاطمة عيون باكية له وهي تهتف من بين دموعها بصوت مرتجف : 

_ ذلك اليوم في السوق ...تتذكر ...يوم رأيتك أول مرة و... أخذت منك بعض الفاكهة ؟!

- تقصدين سرقتيها مني ها ؟؟

ضحكت فاطمة من بين دموعها وهي تهتف بصوت مرتجف يظهر به بقايا ضحكة تمسح دموعها بكم فستان زفافها :

_ ذلك اليوم ...كان ... أبصرت لأول مرة في حياتي رجل وسيم و... أردت اخذك معي المنزل طوال الوقت .

اتسعت عيون المعتصم من كلماتها وهي ضحكت على ملامحه تهز رأسها بنعم :

_ كنت ....رائعًا وكريمًا و... أنا أحب الاحتفاظ بكل شيء احبه، وأنا احببتك يا المعتصم .

تأوه المعتصم وهو يعتصرها بين ذراعيه يهتف بحب شديد :

_ يا قلب المعتصم، المعتصم كله لكِ وبيديكِ فاطم. 

مالت فاطمة وأخيرًا تلقي أحزانها خلف ظهرها تستكين في أحضان سعادتها تتنهد وأخيرًا براحة ولأول مرة منذ سنوات طويلة .

_ عساك تكون طوال العمر يالمعتصم، عساك تكون .....
ــــــــــــــــــــــــ

_ حقًا ؟؟ هل تمزحين معي ؟!

أطلقت سلمى ضحكات صاخبة وهي تراقب زمرد ترتدي ثوب لها بعدما فسد ثوبها الاول بسبب سقوط بعض الطعام بالخطأ عليه من إحدى العاملات ..

_ لم أكن أعلم أنني افوقك طولًا بهذا القدر.

_ أي طول هذا يا امرأة ؟؟ أنتِ تماثليتي طول، لماذا ثوبك طويل بهذا الشكل المبالغ به ؟؟ ثم ما هذه الزهور التي تملئ الثوب، ما هذا التفاؤل الذي تعيشين به ؟!

_ ماذا تريدين أنتِ ؟! ثوب نسائي، ما الذي تريدين أن يكون به ؟؟ سيوف وخناجر ؟!

حركت زمرد الثوب بحنق شديد بين أناملها:

_نعم هذا افضل من هذا الحمق .

زفرت سلمى بضيق :

_ يا امرأة ما بكِ أنتِ، ارتدي الثوب ولنعد للباقيين لنكمل الزفاف .

التوى ثغر زمرد وهي تقلب بين فساتين سلمى تبحث عن شيء يلائم ذوقها :

_ أي زفاف هذا يا ابنتي، العروس نفسها هربت مع زوجها وأنتم هنا تحتفلون بخيبتكم .

ختمت حديثها وهي تنتزع فستان تحركه بين أناملها، ثم تحركت صوب المرحاض :

_ على الأقل لا زهور بهذا الثوب، سأغير الفستان واعود لاترحلي دوني .

_ لا لن أفعل هيا فقط انتهي .

ختمت حديثها تجلس على الفراش وهي تراقب باب المرحاض بهدوء تنتظر خروجها في الوقت الذي تجلس به سلمى على الفراش وهي تفكر في زفافها كما تحدث معها أرسلان، وقد اتخذت قرارا تعلمه به في المساء .

دقائق مرت وخرجت زمرد تتحرك صوب المرآة تعدل من وضعية الحجاب وتنتهي من وضع اللمسات الأخيرة على نفسها ومن ثم أشارت إلى سلمى ليتحركا خارج الغرفة .

تحركت سلمى ومعها زمرد صوب الجزء الخلفي للقصر حيث قاعة الاحتفال الخاصة بالنساء :

_ انصحك بالبحث عن منفذ آخر لشراء اثوابك عزيزتي فهي بشعة للغاية.

_ لم أتوسلك لترتدينها حبيبتي.

نظرت لها زمرد ولم تكد تتحدث بكلمة واحدة حتى وجدت فجأة أحد الجنود يتحرك صوبها بشكل غريب فتحركت للجانب كي تتفاداه، لكن الأخير كان يبدو مصممًا على الاصطدام بها، نظرت سلمى لما يحدث بتعجب :

_ ما الذي تفعله أنت ؟! هل أنت ثمل أم ماذا ؟!

لكن الجندي كان يتحرك صوب زمرد بشكل غريب وهو يخفي كامل وجهه أسفل لثام أسود، وعيون سوداء مرعبة هي فقط ما يظهر منه،  يقترب منها باندفاع وبمجرد أن اقترب منهما أشهر خنجرًا وهو يندفع به صوب زمرد التي تجمدت ارضًا بصدمة وهي تبحث عن خنجرها بسرعة كبيرة، لتتذكر فجأة أنها تركته بثوبها الملوث في غرفة سلمى.

وقبل حتى أن ترفع عيونها أو تتحرك من المكان أو تتخذ أي ردة فعل وجدت خنجر الرجل يندفع لمعدتها في اللحظة التي أطلقت بها سلمى صرخة رنّ صداها في القصر بأكملــــــــه...........





تعليقات
×

للمزيد من الروايات زوروا قناتنا على تليجرام من هنا

زيارة القناة