رواية رماد لا ينطفئ الفصل الثالث عشر 13 بقلم رميسة


 رواية رماد لا ينطفئ الفصل الثالث عشر 13 بقلم رميسة



البيت من برّه كان هادي… هدوء يطمن أي حد غريب يعدي قدامه. الشمس لسه طالعة، النسمات الباردة بتتحرك بين الشجر، وصوت العصافير مالي الجو. منظر عادي… شبه أي صباح تاني.

لكن جوا… الحكاية مختلفة. جوا القلوب في دوشة، أفكار متلخبطة، مشاعر متشابكة، وخطوط كتير اتقطعت واتلخبطت. كل واحد فيهم شايل جواه وجع ما بيبانش على ملامحه، وجدار الصمت بينهم أكبر من أي كلام.

هدوء الصبح ما قدرش يخبي العاصفة اللي جوه النفوس… واللي هتبدأ تهب من أول خطوة، وأول نظرة.

كانت خطوات هيام سريعة وهي تدفع الباب بخفة، لكنها تجمّدت في مكانها عند أول نظرة… قطع الزجاج المتناثرة كانت تلمع على أرضية الغرفة كأنها شظايا قلب مكسور.

وقفت لحظة مش فاهمة، وبعدين بصّت ناحية جمال. كان قاعد على الكرسي، مائل لقدّام، ووشه مدفون بين إيديه، كأنه بيحاول يخبّي حاجة جواه.

قربت منه بخطوات سريعة وقالت بقلق:

 "جمال! إيه اللي حصل؟ إنت كويس؟"

رفع راسه ببطء، عينيه حمر وملامحه مشدودة. حاول يرسم ابتسامة باهتة وقال:

" مفيش… شوية ضغط شغل كده، يوم طويل."

هيام شبكت دراعها قدام صدرها وبصّت له بنظرة شك:

" ضغط الشغل يكسر فازة بالشكل ده؟"

تنهد جمال، وراح مسند ضهره على الكرسي:

" خلاص يا هيام… ما تكبريش الموضوع، أنا بس محتاج أهدى شوية."

هيام حسّت إن فيه حاجة أكبر من الكلام اللي بيقوله، لكن فضّلت تسكت وتسيبه.

بعد ما خلص كلامه مع هيام، جمال وقف فجأة من على الكنبة، وكإنه بيهرب من الكلام أكتر ما هو بيخلصه. مشي بخطوات تقيلة لحد ما وصل للشرفة، فتح الباب الزجاجي وطلع، والهواء البارد لامس وشه.

وقف هناك، مسك السور بإيده، وأخد نفس عميق… يمكن يقدر يطرد الدوشة اللي جواه. بس بدل ما يهدى، الصور رجعت تضرب في دماغه:

صوت ضحكة أسية… نفس الضحكة اللي كان حافظها، وهي واقفة قريبة من ماهر، عينيها منوّرة بطريقة هو ما شافهاش بيها من زمان.

ايدها اللي بتسنده وهي بتتحرك، وقربهم… قربهم اللي خنقه أكتر من أي حاجة.

شد إيده على السور لدرجة إن مفاصله بيضت، وعينيه اتصلبت على الفراغ قدامه. كان عايز يوقف الصورة دي، يمسحها من دماغه… لكن كل ما حاول، ضحكتها كانت بترجع أوضح، وقربهم كان بيقرب أكتر في مخيلته.

في اللحظة دي، جمال حس إن النفس اللي أخده في الأول ما خرجش… وكأن الغيرة مسكت قلبه بإيد من حديد.

هيام دخلت عليه الشرفة بهدوء، والهواء البارد كان بيحرك شعرها، وقلبها متقلّب من أيام. وقفت جنبه وقالت بابتسامة صغيرة بتحاول تخفي قلقها:

 “مالك يا جمال؟ من يوم ما جينا وأنا حاساك بعيد… حتى لما تبصلي، عينك مش معايا.”

هو فضّل ساكت، عينه معلقة بالحديقة، كأنه مش سامع.

مدّت إيدها تلمس دراعه :

“جمال… أنا حاسة إنك بتبعد عني، وده بيوجعني. لو فيه حاجة، قولي… ما تخلينيش أعيش في حيرة."

جمال سكت لحظة، نفس طويل خرج منه وكأنه بيحاول يسيطر على كلامه قبل ما يطلع.

 “مفيش حاجة يا هيام… ضغط الشغل بس.”

 “لا، مش ضغط الشغل… أنا مراتك، وبعرفك كويس. فيه حاجة حصلت من يوم ما وصلنا، وأنا مش فاهمة إيه هي.”

هو التفت لها أخيرًا، لكن عينيه ما كانتش مستقرة في مكانها… كأنه خايف لو بص جواها هتكتشف كل اللي بيغلي جواه.

 “قلتلك مفيش… بلاش تضخّمي الموضوع.”

حست هيام إن الجدار بينهما بيعلى أكتر، بس ما عرفتشي لسه إن الجدار ده مش مبني من خلافات بسيطة، إنما من غيرة وأسرار مش قادرة تشوفها.

هيام أخدت نفس طويل، حست الجو تقيل، مش وقت مناقشة، فقالت بهدوء:

 “طيب… أنا هنده للخدامة تنظّف  الغرفة."

اتجهت ناحية الباب وهي بتهز راسها، جمال فضِل واقف عند الشباك، عينه تسرح بعيد…
صوت ضحكة آسية مع ماهر بيرن في ودانه، وقلبه يضيق أكثر.

من ناحية اخرى ….

أصوات الضحك والونس ماليه المكان ، الباب اتفتح… آسية داخلة مع ماهر  ساندته و أمه ماسكة إيده، وأخوه ماشي جنبه، ومراته وراه، خطواتهم هادية لكن ملامحهم أهدى من قبل.
وصلوا للصالة بهدوء.

آسية: “تعال هنا… اقعد بالراحة.”

سندته لحد ما قعد على الكنبة، وبإيدها التانية سحبت مخدة 

وحطتها ورا ضهره بلطف: “كده أحسن؟”

ماهر ابتسم ابتسامة صغيرة وقال: “أحسن… تسلمي.”

آسية هزت راسها بابتسامة هادية: “ولا يهمك.”

أمه عينيها غرقت دموع وهي بتقرب منه وتحضنه بقوة:
“نورت البيت يا حبيبي.”

ابتسم ماهر بحنية: “البيت منور بأهله يا أمي.”

على باب الصالة، نرجس ومراد كانوا واقفين مترددين، بيبصوا من بعيد.

أم ماهر التفتت ليهم وقالت بصوت دافي:
“تعالوا… سلموا على أبوكم،  انا عارفة قد ايه انتو واحشين بعض."

آسية وقفت على جنب، أومأت بخفة لنرجس كأنها بتشجعها، فقربوا منه وسلّموا وحضنو بعض.

مراد قال بابتسامة واسعة: “وحشتنا كتير يا بابا.”
ماهر رد وهو بيطبطب عليه: “وإنتوا كمان وحشتوني اوي ."

حسام بابتسامة:

"الحمد لله على سلامتك يا ماهر.”

ماهر رد بابتسامة دافية: “الله يسلمك.”

الجو كله كان دافي، مليان لمّة وأحضان، لكن في قلب كل واحد منهم، كان في حكايات لسه ما اتفتحتش.

كانت الليلة ساكنة، البيت كله هادي إلا من صوت عقارب الساعة.
جمال كان قاعد في ركن هادئ في القصر ، ضهره للحيط وعينيه شارده في الفراغ. صور النهار مابتفارقش دماغه… أسية، ضحكتها، وقربها من الراجل اللي مايعرفوش. قلبه بيتقبض أكتر كل ما المشهد ييجي في باله.

خطوات هادية قربت منه، هيام وقفت جنبه وبصت له:
"
مالك يا حبيبي مجيتش تتعشى معانا ليه ؟؟!

بصّ لها بابتسامة صغيرة:

“شبعان… مش جوعان دلوقتي."
  
هيام بابتسامة خفيفة:

“طيب يا حبيبي… زي ما تحب."

سابتْه ومشيت، وهو رجع يبص للفراغ، بس المرة دي ابتسامته اختفت خالص… واللي فضل هو نظرة غامقة مليانة غيرة وحيرة.

بعد ما هيام سابته، جمال حس إن صدره بيتخنق. حاول يقنع نفسه يهدى، لكن الصور جواه كانت بتزيد نار. فجأة قام من مكانه بسرعة وقال لنفسه:

“أنا مش قادر أتحمّل أكتر من كده…  انا هروح بنفسي و أعرف الحكاية دلوقتي… حتى لو الدنيا كلها ولعت.”

 اتحرك بسرعة ،خطواته فيها توتر، وعينه مش شايفة غير طريق الجناح اللي فيه اسية.

قرب من هناك، قلبه بيدق بسرعة، ولما وصل… عينه راحت تلقائي على الشباك تجمد مكانه.

وقف جمال قدّام الشباك، الستارة كانت مرفوعة نص رفعة.

أسية كانت واقفة قدام ماهر،وشها قدام وشه تقريبًا ملامحها فيها تركيز وقلق، وهي بتساعده يخلع التيشيرت بالراحة عشان كتفه المصاب.

 ماهر، بابتسامة خفيفة، قال لها جملة قصيرة ما سمعهاش جمال… لكن ردها كان ضحكة ناعمة كسرت هدوء الليل.
ضحكة، بسيطة، لكنها خلت قلب جمال ينقبض وحرارته تعلى.

ضحكتها طلعت هادية وخفيفة، وماهر بيرد بابتسامة دافية، عينيه ما بتفارقها، وكأنه نسي الدنيا.  

ابتسامة ماهر اتسعت وهو شايف اهتمامها، وكأن الألم خفّ فجأة….

المنظر كان كفيل يولّع نار في دم جمال، وشه سخن، ونفسه اتقطع، حس بإيده بتتقبض على نفسها كأنه بيمنع نفسه من اقتحام المكان.....




                       الفصل الرابع عشر من هنا 


تعليقات
×

للمزيد من الروايات زوروا قناتنا على تليجرام من هنا

زيارة القناة