رواية رماد لا ينطفئ الفصل السابع 7 بقلم رميسة


 رواية رماد لا ينطفئ الفصل السابع 7 بقلم رميسة



“هربٌ على أطراف الخوف”

كانت الساعة قرّبت على منتصف الليل، والهدوء المريب غلّف الحارة، كأنها نايمة فوق سرّ خطير…

أسية، بإيدين بتترعش، كانت بتلم شوية هدوم  واوراقهم في شنطة صغيرة، قلبها بينط من صدرها، ودماغها مشوشة، بس جسمها بيتحرك بسرعة، وكأن الخوف هو اللي بيسوقها مش هي.

نرجس كانت قاعدة جنب مراد على الكنبة، عنيها باينة فيها الصدمة، دموعها سايبة، وبتهمس:

“ماما… إحنا رايحين فين؟”

أسية ردّت وهي بتحاول تثبّت صوتها:

“هنمشي… نخرج من هنا… مش هينفع نقعد أكتر من كده.”
خدت ولادها من إيديهم، نزلوا سلالم العمارة بسرعة، وبصّت وراها آخر بصّة للبيت اللي شهد بداية النهاية…

خرجت للشارع، وقفت على أول ناصية، ولعت الموبايل وبسرعة طلبت تاكسي.
ركبوا بالعافية، وقالت للسواق:

“ودينا لأي محطة سفر… بعيدة… بعيدة أوي.”

في الطريق، أسية كانت ماسكة ولادها، وكل ثانية تبص في المراية تشوف إذا في حد وراهم، قلبها دقاته مش ثابتة، ونفسها مقطوع، كأن كل شارع بيمشي فيه التاكسي ممكن يوديهم للجحيم أو للنجاة.

وصلوا لمحطة شبه مهجورة، الجو برد والليل تقيل…
أسية نزلت، دفعت للسواق، وقعدت على رصيف بعيد، حضنت مراد بإيد، ونرجس بالإيد التانية.

“هنعمل إيه دلوقتي؟”

نرجس سألتها وهي بتحاول تبان قوية.

أسية فكّرت، وبسرعة طلعت رقم كانت حافظاه:
رقم عمتها “خديجة” اللي ساكنة في محافظة بعيدة.

ردت خديجة:

آسية حبيبتي ازيك ايه الغيبة دي كلها متساليش على عمتك.

آسية بتوتر:

معلش ظروف بس  ممكن اجيلك اطمن عليك ؟!

خديجه:
اكيد حبيبتي دي عايزة سؤال تعالي  أنتي وحشتيني ووحشوني الاولاد، وبالمرة نلم اللبسً والحاجات مع بعض .

اسية باستغراب:

ليه يعني في ايه؟!

خديجة :

بنتي سمر هتتجوز في قطر  وحلفت عليا هيا وجوزها اني اسافر معاهم عشان ما افضلش لوحدي هنا .

أسية دموعها نزلت… مش عارفة حتى هي فين، ومش لاقية أرض ثابتة تقف عليها…

قالت:

“تمام يا عمتي… هشوف وأسافر لك.”

قفلت معاها، وسكتت… نرجس سكتة، بس عينيها فيها مية 
سؤال.

وفجأة…
عربية شرطة عدّت قدام المحطة ببطء.

نرجس شهقت وقالت بخوف:

“مامااا! هيشوفونا! هيخدونا!”

أسية قامت بسرعة، شدّتهم وراها وقالت:

“متخافيش، محدش هيلمسكً، إحنا هنستخبى.”

جرّتهم ناحيّة جنب المحطة، وداروا ورا حيط قديم.
كانت بتتلفت كل شوية، قلبها هيموت من التوتر.

وفجأة…

صدموا في رجل طالع من عربية  سودة ، لبسه بسيط، لابس جينز وجاكيت جلد.

قال بقلق:

“إنتو رايحين فين في الوقت ده؟ مع ولاد؟ الدنيا برد…”

أسية كانت هتقوله يبعد، بس نرجس كانت بتترعش،

قالهم الراجل:

“اركبوا… أوصلكم لبيتكم في طريقي المكان خطر عليكم هنا لوحدكم.

قالت اسية بخوف :

بس احنا ماعندنا مكان نروح عليه.

“اركبوا… أوصلكم أي مطعم، أي مكان تستريحوا فيه.”

بصت له أسية بخوف، بس اضطرّت توافق، الوضع لا يتحمّل الرفض.

ركبوا معاه، وراحوا لمطعم بسيط فاتح طول الليل…

قعدوا على ترابيزة في آخر الكافيه، والمية على النار.

الراجل جاب لهم شاي وقال وهو بيبص في وشها:

“أنا اسمي ماهر… كنت عايش في روسيا سبع سنين… ولسه راجع. 

شكلكم مش من هنا؟”

أسية هزّت راسها وقالت بصوت واطي:

صح احنا مش من  هنا احنا كنا ساكنين في حارة كده بس ماقدرت ادفع الايجار فصاحب البيت طردنا.

ما قالتش أكتر… وهو ما سألش أكتر.

بعد ما شربوا شاي سخن في المطعم، حسّوا بدفا خفيف بيرجع فيهم الروح، مراد نايم في حضن أمه، ونرجس ساكتة ومطاطة راسها

ماهر قعد على طرف الطاولة، بصّ لهم شوية وقال بهدوء:

 "ما ينفعش تفضلوا كده في الشارع، الجو بيبرّد، وعندك أطفال."

أسية بصّت له بخجل، وقالت:

“إحنا… مش متعودين نطلب حاجة من حد، بس فعلاً مش لاقيين حتى نروح فين.”

ماهر قال:

“أنا أعرف بيت ست كبيرة بتأجر غرف بسيطة، نضيف ومستور، وفيه أمان. ولو مش عايزة تروحي هناك، فيه أوتيل شعبي برضو نضيف وسعره بسيط.”

بصلها بنظرة مطمئنة:

“أنا هوصّلكم، مش هسيبكم تباتوا كده… لكن القرار قرارك.”

أسية ترددت لحظة، وبعدين بصّت لولادها، دموعها كانت بتنقط على خدها، ومسحتها بسرعة.

قالت بصوت متكسر:

“طيب… وديّنا المكان اللي فيه الست، البيت أحسن من أوتيل… مش عايزين حاجة تلفت النظر.”

ماهر هز راسه بتفهّم:

“حاضر، دلوقتي نتحرك.”

نرجس رفعت راسها وقالت بصوت خافت:

“ماما… نروح معاه؟"

آسية بتعب:

مفيش حل تاني يا حبيبتي.

في العربية، الجو كان ساكت تمامًا، إلا من صوت أنفاس مراد وهو نايم في حضن أمه،  و نرجس اللي كانت بتحاول تبان إنها بخير، رغم إن قلبها بيرجف، وضوء الشارع الخفيف بيعدّي كل شوية من الشباك ويختفي.

أسية كانت سكتة، بتحاول تتماسك، لكن لما شافت من بعيد أضواء بيضة ساطعة وعربية شرطة واقفة، قلبها وقع في رجلها.

شدّت نفسها بهدوء، بس وِشّها اتغير، عينيها توسعت، وشفايفها نشفت فجأة.

نرجس كانت مركزة في الطريق، ولما شافت اللوحة الزرقا دي اللي مكتوب عليها “نقطة تفتيش”، قالت بهمس:

“ماما… شرطة؟”

أسية بصّت ليها بسرعة، حاولت تخبي ارتباكها، لكنها فشلت… حطّت إيدها على إيد بنتها وقالت بصوت مرتعش:

“إهدي يا نرجس… متخافيش يا حبيبتي انا معك .

ماهر بص في المراية الداخلية وشفهم. لمح الرعب اللي بدأ يسيطر، وفهم على طول.

لف رقبته بهدوء وبص لآسية:

“بصيلي… متخافيش اعملو نفسكم نايمين وانا هتصرف ."

آسية بصت له وهي بتحاول تمسك دموعها وقالت بصوت واطي:

 “ماهر… لو شافونا…”

قاطعها بهدوء:

 “مش هيشوفوكم… بس اسمعيني… نايمين… متتحركوش… وأنا هتصرف…”

نرجس كانت بتعيط بصوت مكتوم، وآسية مسكت إيديهم وقالت لهم:

 “اسمعو عمّو… نايمين… ماحدش هيمسّكم طول ما أنا جنبكم…”

فعلاً، كلهم نزلوا برأسهم واتظاهروا بالنوم، ونرجس خبت وشها ، ومراد اتكوّر جنبها.

عربية الشرطة قرّبت، وماهر طلّع راسه من الشباك وهو بيحاول يبان طبيعي.

أحد الظباط بص له:

 “مساء الخير يا أستاذ، رايحين فين كده؟

“راجع من طريق سفر طويل، دي عيلتي وولادي نايمين من التعب، رايحين على بيت أهلي في المدينة."

 “تمام… معلش يا باشا، محتاج بطايقهم بس، روتين.”

الابتسامة على وش ماهر اتجمدت لحظة… قلبه دق بسرعة.




تعليقات
×

للمزيد من الروايات زوروا قناتنا على تليجرام من هنا

زيارة القناة