رواية رماد لا ينطفئ الفصل الاول 1 بقلم رميسة


 رواية رماد لا ينطفئ الفصل الاول 1 بقلم رميسة


الحارة دي ليها ريحة… مش أي ريحة، ريحة عِرق ناسها، ريحة الحيطان اللي شايلة على ضهرها سنين فقر وتعب، بس برضه فيها ضحكة عيال، وفيها أمل صغير بيطلّ من شبابيكها كل يوم الصبح.


الشوارع ضيّقة، مترتّبة بالعافية، البيوت لازقة في بعض كأنها بتستند على بعضها، كل حجر هنا شايل حكاية، وكل شباك بيتخبّى وراه سر، والحارة كلها بتسمع أنين الناس حتى لو محدش اتكلم.


ريحة الطبيخ طالعة من الشبابيك، شوربة العدس، وطشة الملوخية، وكأن الدنيا رغم قسوتها بتقولك فيه دفّا لسه في البيوت دي.


في وسط الزحمة دي، بيت صغير في آخر الحارة، على ناصية شارع ضلمة شوية، ده بيت آسية وجمال… 


بيت بسيط، بس قلبه كبير، حيطانه متشققة، السقف عليه علامات الزمن، بس كل حاجة فيه بتقول إن الحب رغم التعب، لسه فيه مطرح.


شباكهم القديم معمول بإزاز مكسور من زاوية، ومغطّى بستارة باهتة، الستارة بتتهز مع الهوا، كأنها بتتنفّس مع أنفاس البيت.


آسية كانت قاعدة ع الكنبة في الصالة، بطنها كبيرة، حامل في الشهر التاسع، كل حركة بالنسبالها تحدي، بس لما تبص على نرجس بنتها، تنسى تعبها…


بنتها الصغيرة اللي عمرها  سبع سنين وشوية، نرجس كانت زي القمر، عيونها بريئة ودايمًا بتسأل أسئلة مالهاش آخر، بتلعب حوالين ماماها، تحسها طاقة حياة ماشية في البيت.


نرجس  بنتً شقية وبريئة، شعرها ملموم بكحكة صغيرة، ماسكة 

العرايس وبتلف حواليها:


ـ “مامااا… البيبي جاي امتى؟”


آسية بتبتسم، رغم الوجع اللي في ضهرها والبطن اللي تقيلة:


ـ “قريب يا روح ماما… بس انتي هتساعديني فيه ، صح؟”


نرجس فرحانة، بتزغرط بصوتها الصغير:


ـ “طبعًااا… أنا كبيرة، هخليه ينام جنبي!”


آسية حضنتها، دموع صغيرة نزلت من عينيها… مش من الحمل بس، من الهم، من الخوف، من تعب الدنيا اللي عمالة تكبر عليهم .


 في المساء، آسية كانت قاعدة على الكنبة في الصالة، وبطنها كبيرة، بتحس بثقل جامد وشوية تعب كل شوية تحط إيدها عليها وتتنفّس ببطء.


نرجس بنتها الصغيرة قاعدة على الأرض، بتلعب بالعرايس وبتضحك لوحدها، وآسية بتحاول تبتسم لها رغم التعب.


وفجأة، حسّت بشكة خفيفة في بطنها، زي نغزة بسيطة، مش قويّة، بس كفاية تخليها تقلق.


حطت إيدها على بطنها وقالت لنفسها:


ــ “آه… يمكن خلاص الولادة قرّبت… بس مش دلوقتي… لسه شوية…”


قامت على رجليها بالعافية، حست جسمها تقيل، رجليها مش ثابتة، مشيت شويه في الشقة، فتحت الشباك، خدِت نفس عميق، الهوا البارد دخل على وشها.


قعدت تاني، والنغزات رجعت، خفيفة بس مش مريحة، قلبها بدأ يدق بسرعة، جابت تليفونها، حاولت تكلم جمال، بس مش بيرد.


قعدت ساكتة، عينيها دمّعت من الخوف والتعب، وبنتها نرجس جريت عليها:


“ماما… إنتِ تعبانة؟”


آسية مسحت دموعها بسرعة وابتسمت:


 “لا يا حبيبتي… أنا  كويسة  شوية تعب كده من البيبي، متخافيش…."


حسّت نغزة خفيفة، زي شدّة في ضهرها، خدت نفس عميق، دماغها سرحت بعيد… الدنيا مش ماشية زي ما كانت بتحلم، هي وجمال كانوا بيقولوا هنبدأ من جديد، نكبر بيتنا، نفرح ببنتنا ونستقبل المولود الجديد… بس الحقيقة مش وردية زي الحكايات.


قامت تمشي شويه، تحاول تهدّي نفسها، بس كل ما تفكر، قلبها يعلى… خايفة من بكرة، من الظروف، من الغُلا، من الفقر، من الوحدة… خايفة تربي ولادها لوحدها… خايفة جمال يكون بعيد ومش قادر يشيل المسئولية.


سمعت خبطة على الباب، كانت حنان، صاحبتها:


“آسية… إنتِ جوه؟”


آسية فتحت الباب، وشها باين عليه التعب والقلق، دمعة محبوسة في عنيها.


حنان دخلت بسرعة، مسكت إيديها:


“مالك كده؟ وشك مصفّر…”


آسية ردّت بصوت مكسور:


ــ “حسيت شوية نغزات… بس مش ده اللي خوّفني… أنا قلبي مش مرتاح… الدنيا صعبة، وجمال مش بيرد… وأنا مش عارفة أعمل إيه…”


حنان قربت منها، طبطبت عليها:


“أنا معاكي يا حبيبتي … متخافيش… إحنا حنعديها مع بعض، بس متشليش الهم لوحدك… إحنا اتخلقنا نتعب، بس ربنا كبير…”


آسية نزلت دموعها، مش بس من التعب… من الخوف اللي واكل قلبها، من الوحدة، من المستقبل اللي مش باين له ملامح… بس بتحاول تفضل قوية عشان نرجس، وعشان بيتها وجوزها وابنهم اللي جاي.


وفي نفس اللحظة، بعيد عن الحارة، جمال قاعد في قهوة على ناصية شارع بعيد، الدنيا برد، والمطر بيخبط في الأرض، دماغه مشغولة، نفسه يصرخ…


ظروفه صعبة، الشغل مش مكفي، القسط عليه، الديون بتزيد، كل يوم بيحس إنه بيبعد عن الحلم اللي كان عايز يعيشو مع آسية


      الظروف خنقاه، الحياة ضاغطة عليه، شغلينتين مش مكفيين، الدين فوق دماغه، كل يوم يحس إنه أقل من الراجل اللي آسية مستنياه، نفسه يوفّر لمراته وبنته وبيبيهم اللي جاي حياة كريمة، بس مش قادر، الدنيا دي خانقاه …


قاعد ماسك تليفونه، بيبص في صور بنتهم نرجس، دموعه نزلت، قرار صعب،  قاعد يفكّر، القرار وجع قلبه،


قلبه موجوع، بس هو شايف مفيش طريق غير كده.


 في الشقة، كانت آسية بتحضر العشا، رغم التعب، بتجهز السفرة الصغيرة، نرجس قاعدة جنبها، بتعدّ الدقايق:


“بابا هيرجع إمتى؟”


آسية بصت عالساعة:


“قريب يا حبيبتي… هستناه نتعشى سوا…”


الدقايق بقت ساعات، الوقت بيمشي ببطء، وجمال اتأخر، الساعة عدّت ١٠، بعدين ١١، ووجع بطنها بدأ يزيد، التعب بقى أوضح، بس بتحاول تستحمل، ماسكة بطنها، بتتصل بجمال، مفيش رد، قلبها بيرفرف، دموعها بدأت تنزل من غير ما تحس…


لحد الساعة ١٢، الموبايل رنّ، اسم جمال ظهر قدامها، ردّت بسرعة، صوتها مخنوق:


“جمال… إنت فين؟ أنا تعبانة، الوجع زاد…”


صوته كان متقطع، بيتنهد تنهيدة طويلة، حس بيها:


ـ “آسية… سامحيني…”


سكت لحظة، قلبها وقع، دموعها زادت، وبعدين قالها الكلمة اللي قصرت ضهرها:


ـ “أنا سافرت…”


الخط اتقفل، والدنيا اتقلبت ضلمة أكتر من الأول.....




                     الفصل الثاني من هنا 


            لقراءة جميع فصول الرواية من هنا 



تعليقات
×

للمزيد من الروايات زوروا قناتنا على تليجرام من هنا

زيارة القناة