
بقلم ملك عبد اللطيف
جاء الصباح في سوهاج، وفي غرفة مودة بالتحديد، استيقظت وهي تشعر بتعب شديد نتيجة نومها على الأرض في هذا الجو البارد، فنهضت ببطء، ونظرت إلى المرآة المكسورة الموضوعة في الغرفة، فرأت وجهًا ذابلًا، وعينيها حمراوين من كثرة البكاء.
عدّلت حجابها بعدما لاحظت أن بعض خصلات شعرها خرجت منه. فشعرت وهى تنظر لنفسها بالمرآة برغبة شديدة في الاستحمام، فهي منذ ما يقارب الأسبوع، منذ أن جاءت إلى هذا القصر وخطفها ذلك الشخص، لم تغيّر ملابسها أو تستحم. على الأقل، هي إنسانة… من حقها أن تأكل، وتشرب، وتستحم مثل باقي البشر.
قالت في نفسها بسخرية مُرة:
_آه يا مودة… إنتِ قبلتي بالظروف، لكن الظروف مش قابلة بيكي أعمل إيه دلوقتي؟ هستحمى فين؟ أنا شكلي هعفن هنا!
قاطع حديثها دخول دادة هنية تحمل صينية الفطور، وقالت بابتسامة:
– خدي يا بنتي، يلا علشان تفطري.
ترددت مودة، وكادت أن تقول شيئًا، لكنها صمتت. لاحظت هنية ترددها، فسألتها:
– في حاجة يا بنتي؟ عاوزة تقولي حاجة؟
قالت مودة بخجل:
– بصراحة يا دادة… أنا محروجة منك.
ابتسمت هنية برفق:
– قولي يا بنتي، اعتبريني زي أمك.
ابتسمت مودة هي الأخرى وقالت:
– بصراحة… عاوزة أستحمى. أنا بقالى كذا يوم هنا، وعفنت، ومش عارفة أعمل إيه.
ضحكت هنية:
– هههه، هو ده اللي محروجة منه؟! إنتِ محسساني إنك بتطلبي حاجة غريبة! ادخلي أوضتك يا بنتي واستحمى وغيري هدومك.
قالت مودة باستغراب:
– أوضتي؟! ما هي دي أوضتي يا دادة، ومفيش هنا حمام.
أجابت هنية:
– قصدي أوضة آدم بيه… ما هي تعتبر أوضتك
صرخت مودة بسرعة:
– لا لا، مستحييل أخش أوضته خلاص مش عاوزة حاجة
هنية بإستغراب :
_ليه يبنتى دى اوضة جوزك المفروض اصلا تبقى قاعدة فيها يمودة
مودة بإنزعاج :
_دادة والنبى مش كل شوية تقولى جوزك انا مش عاوزة منه حاجة انشالله مستحماش طول عمرى
فكرت هنية قليلًا ثم قالت:
– طيب، استني… هحاول أفكر لك في حل.
هزت مودة رأسها:
– لا لا، خلاص مش عاوزة حاجة.
ابتسمت هنية:
– خلاص، يا بنتي، تعالي في أوضتي، استحمى فيها. فيها حمام، وأنا هجبلك هدوم نظيفة من عندي. معلش، مفيش حد محجب هنا غيري أنا وميسرة بنت محمود بيه، ومش أظن إني هعرف أطلب منها.
قالت مودة بسعادة:
– مش مهم يا دادة، أنا بلبس أي حاجة، المهم تكون واسعة وطويلة، وياريت يبقى لون…
ثم تذكرت ما قالته لها تلك الساحرة، فعبست وقالت بحزن:
– خلاص يا دادة، متجيبيش حاجة، مش عاوزة هدوم… هلبس دول تاني، المهم بس أستحمى.
نظرت لها هنية باستغراب:
– إزاي يا بنتي هتلبسي هدوم مش نظيفة تاني؟
قالت مودة بحزن:
– أصله جدته قالتلى ما أقلعش اللون الأسود ده خالص… وأكيد إنتِ فاهمة السبب.
تنهدت هنية بأسى:
– طيب، هحاول أجيب لك حاجة من هدومي تكون غامقة أو سودا… المهم تعالي معايا
أومأت لها مودة، وتبعتها حتى وصلتا إلى غرفة هنية، التي تقع في الحديقة قرب المخزن. كانت الغرفة مطلة على الأشجار والورود، فنظرت مودة بانبهار وقالت:
– الله! يا دادة، أوضتك جميلة اوى
ضحكت هنية:
– والله إنتِ اللي جميلة يا بنتي… دي أوضة عادية. أومال لو شفتي الأوض اللي جوا هتقولي إيه؟
ابتسمت مودة:
– أنا مش ببص للمظاهر يا دادة… كفاية إنها بتطل على منظر جميل زي ده. أول مرة آخد بالي إن هنا فيه ورود.
قالت هنية وهي تجهز الحمام وتغلق بابه:
– آه، موجودين، بس محدش بيهتم بيهم… يدوبك أنا بفضى أرويهم.
قالت مودة وهي تطل من الشباك على الورود:
– أنا موجودة يا دادة، ههتم بيهم مكانك… بجد أكتر حاجة حلوة في القصر ده هما الكام وردة دول.
ضحكت هنية على طيبة قلبها، وجهزت لها الحمام، ثم أخذت ملابسها من على السرير لتغسلها، وهي تفكر في ملابس مناسبة لها. لكن صوت خديجة وهي تنادي عليها قطع تفكيرها، فخرجت مسرعة، متناسية تمامًا أن مودة بالداخل، وليس معها أي ملابس.
أما عند آدم، فقد نهض وأخذ حمّامًا سريعًا، ثم ارتدى ملابسه وخرج من غرفته. لمح أن باب غرفة مودة مفتوح، فدخل ولم يجدها بالداخل. نزل إلى المطبخ لعلّه يجدها هناك، لكن دون جدوى، فظن أنها هربت مجددًا، وبدأ يبحث عنها وعن هنية، إلا أنه لم يعثر على أيٍّ منهما.
خرج إلى الحديقة، فرأى أضواء غرفة هنية مضاءة، فظن أنها بالداخل، فاتجه نحوها وطرق الباب، ولكن لم يُجِب أحد. طرق مرة تلو الأخرى، ثم دفع الباب ودخل، فلم يجد أحدًا، غير أن أنوار الغرفة والحمام ما زالت مضاءة. اعتقد أنها ربما نسيت إطفاءها، إذ لم يكن هناك أي صوت.
كان على وشك المغادرة، لكنه تجمد مكانه فجأة عندما رأى مودة تخرج من الحمام مرتدية برنصًا أبيض، يبرز نعومة بشرتها وجمالها. وقف مبهورًا أمام ملامحها التي بدت كالملاك، بشعرها الحريري المنسدل حتى ما بعد خصرها، ووجهها المبلل، وخدّيها المحمرّتين بفعل بخار الماء، بينما تحدّق فيه بصدمة. استفاق من شروده فجأة حين استوعب الموقف، لكن مودة أطلقت صرخة عالية ما إن وقع بصرها عليه، فاندفع نحوها بسرعة ووضع يده على فمها ليسكتها:
_هشششش اسكتييي انتى كل حاجه تصوتى كدااا انتى بتعملى اى هناا
كانت مودة عاجزة عن النطق بسبب يده، فابتعد عنها بسرعة وأدار وجهه للجهة الأخرى
فقالت مودة غاضبة:
_إزااااى تخششش الاوضة كدا من غير ماتخبط ؟
اجابها آدم وهو مازال يعطيها ظهره:
_اكيد خبطت يعنى بس انتى مردتيش وكان نور الاوضة مفتوح كنت بحسب هنية جواا انتى اللى بتعملى اى هناا
مودة فى نفسها بضيق
_اى الغباء ده هكون بعمل اى هقوله اى ده
أدرك آدم أخيرًا أنها كانت تستحم، وتساءل في نفسه عن سبب سؤاله الغريب. منذ متى أصبحتَ بهذا الغباء يا آدم؟!
ثم قال بإحراج:
_متأخذنيش مكنتش اعرف إنك هنا وبعدين اما انتى عاوزة......كدا يعنى مدخلتيش الاوضة ليه؟ الاوضة دى اى حد بيخشها كان ممكن اى حد غيرى يخش دلوقتي ويشوفك وانتى كداا!!!
مودة بتوتر :
_ا....انا...الاوضة اللى انا قاعدة فيها...........مفيهاش
آدم بمقاطعة:
_اتنيلى البسى هدومك وبعدين نتكلم............
قالها وغادر وأغلق الباب خلفه. كان على وشك أن يبتعد، لكنه تذكر أن أي شخص آخر قد يدخل كما فعل هو، فقرر البقاء حتى تخرج.
في الداخل، كانت مودة تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها، فهي لا تعرف كيف ستواجهه بعد ما حدث. أخذت تبحث عن ملابسها بسرعة، لكن لم تجد شيئًا، وحاولت أن تلتقط أي قطعة ترتديها، بلا فائدة، فالغرفة تخص هنية ولا يوجد فيها سوى مستلزمات نومها.
قالت مودة وهي على وشك البكاء:
_يخربيت ام الحظ فيين الهدوم هعمل اى دلوقتى
لتسمع طرق على باب غرفتها فقالت بخوف
_ايوا مين
آدم من الخارج:
_خلصتى ولا لسة
مودة فى نفسها بخجل:
_احييه ده لسة برة هعمل اى
آدم بإستغراب:
_انتى كويسة مش بتردى ليه ...اوعى تكونى هربتى ؟
صمتت مودة ولم تعرف ماذا تقول فسمعت صوت آدم من الخارج وهو يقول بغضب
_هكسرر الباب لو مردتييش
مودة بسرعة
_لا لا انا جواا بس.....ا.....
آدم بإستغراب:
_ماتنطقى فى اى
مودة ببكاء
_مش لايقة هدومى ومش عارفة اعمل اى ومفيش اى هدوم هناا
آدم بغضب
_الصبررر من عندكك يااارب بتتنيلى تعيطى ليه... إزااى مفيش هدوم يعنى دورى كويس
مودة بدموع
_مفيش دورت كتير الظاهر دادة هنية اخدتهم عشان تغسلهم ونستنى
آدم بتفكير
_طيب خليكى هناا اوعى تفتحى لحد لغايت اما آجى
ذهب آدم وبحث عن هنية فلم يجدها فى ارجاء القصر كله فقالت له ميسرة وهى تراه يبحث عنها ان جدتها ارسلتها حتى تشترى اشياء لها من السوق ضرورى فاضطرت ان تذهب بسرعة
ميسرة بإستغراب:
_انت عاوزها ليه يآدم شوية وهتيجى يعني
نظر لها آدم فلاحظ انها ترتدى حجاب مثل مودة فقال بسرعة :
_ممكن تدينى طقم من عندك يميسرة زى اللى انتى لابساهم دول
ميسرة باستغراب
_ليه عاوز هدوم من عندى مش فاهمة ....لمين؟
آدم بضيق
_اكيد مش ليا يعنى بطلى غباء والنبى
ميسرة بتذكر ان مودة محجبة
_ايواااا......لمودة مش واخدة بالى والله حاضر هجيبلك ثوانى
ذهبت ميسرة إلى غرفتها، بينما بقي آدم ينتظرها في الصالون. عادت بعد قليل وهي تحمل عدة أطقم من الفساتين بألوان مختلفة، وكل واحد منها مزوّد بحجاب مناسب له.
قال آدم بضيق وهو يأخذ الملابس:
_ معلش يا ميسرة، هي معندهاش هدوم هنا… وأنا نسيت الموضوع ده خالص.
ضحكت ميسرة وهي تعطيه الملابس:
_ ولا يهمك، خد دول تغيّر فيهم لغاية ما تجيب لها حاجة. وبعدين إزاي تنسى دي مراتك؟! وبعيدًا عن إنها مراتك… دي بني آدمة، أكيد هتعوز تغيّر هدومها!
أنهت كلامها وغادرت، تاركة آدم يتنهد من أثر كلماتها. كانت محقة… لقد أهمل أمرها لدرجة أنه لم يلحظ أنها ظلت أكثر من أسبوع بنفس الملابس. كيف غفل عن ذلك؟
تذكّر فجأة أن مودة ما زالت تنتظره، فأسرع نحو الغرفة وطرق الباب.
– مين؟
– ده أنا، افتحي.
– … جبت هدوم؟
– أيوه جبت زفت افتحي عشان تاخديهم.
فتحت مودة الباب ببطء، فرأته يقف ويدير ظهره لها حتى لا يحرجها أكثر. شعرت بالارتياح لأنه لا ينظر إليها، فأخذت الملابس بسرعة وأغلقت الباب.
بدأت تتأمل الفساتين بدهشة… كل واحد أجمل من الآخر، لكن ألوانها زاهية جدًا، وهي لا ينبغي أن ترتدي سوى الأسود.
– إنت لسة واقف؟ قالتها مودة من الداخل بإحراج.
– أيوه، عاوزة حاجة؟
– هو مفيش واحد من الفساتين دول يكون أسود؟
آدم بغضب ونفاذ صبر :
– هو إنتي بتتأمّري كمان في اللون؟! مش كفاية جبتلك هدوم لغاية عندك، ما تلبسي وانتي ساكتة!
شعرت مودة بالضيق من نفسها، فهي تتطلب منه الكثير بالفعل:
– أوووف… هتزفّت وأنا ساكتة! اللي تعمله تعمله بقى… البومة دي!
اختارت أهدأ لون بينهم، وكان فستانًا بيبي بلوه سادة، مزوّد بحزام خفيف من نفس القماش يضم الخصر برقة، ومعه حجاب أبيض. لفّت الحجاب بطريقتها المحتشمة حتى لا تخرج أية خصلة من شعرها، ثم نظرت في المرآة برضا، وفتحت الباب.
وجدت آدم واقفًا أمامها، وكأنه ينتظرها. تبادل معها نظرة طويلة، وقد أدهشه جمالها في ذلك الفستان. بدا له أنه لا يوجد ما ترتديه هذه الفتاة إلا ويزيدها بهاءً… لكن لحظة، منذ متى ينظر لأي امرأة بهذه الطريقة أو يفكر في جمالها؟ هل جنّ أم ماذا؟
قطعت مودة أفكاره وهي تناوله ما تبقى من الفساتين:
– شكرًا… أنا أكيد مش هلبس كل دول يعني.
– خليهم معاكي، غيّري فيهم لغاية ما أجيبلك هدوم.
مودة بإحراج :
– لا لا، شكرًا… متجيبش حاجة.
– إزاي ده؟ هتفضّلي بدول على طول؟… سكت قليلًا ثم أكمل بضيق:
– أنا نسيت موضوع زي ده… هخليهم ينقلوكي أوضة تانية يكون فيها حمام.
قال جملته وغادر، بينما وقفت مودة تنظر خلفه بدهشة من طريقته اللطيفة غير المعتادة… لم يغضب كما يفعل دائمًا. تُرى، ما الذي حدث له؟
سارت خلفه ودخلا القصر معًا، ليجدا الجميع قد استيقظ وجلسوا على الطاولة في انتظار آدم حتى يتناولوا الإفطار. صُدم الحاضرون حين رأوه يدخل من الخارج ومعه مودة، فضلًا عمّا ترتديه. تبادلت بسمة وكاريمان النظرات المليئة بالغيظ؛ فمودة بدت جميلة للغاية بهذه الملابس.
قالت كاريمان بسخرية:
_ عمالين نقول آدم فين، اتاريه مع مراته بيشتريلها هدوم! ولا وكمان بقينا نعامل بنت عدونا كأنها عروسة!
جلس آدم على الطاولة بانزعاج، بينما أسرعت مودة تمر من أمامهم في حرج واتجهت نحو المطبخ. وما إن رأتها هنية حتى بادرتها:
_ مودة! دورت عليكي يا بنتي، كنت بحسبك خرجتى من الأوضة!
ردّت مودة بغيظ:
_ خرجت إيه يا دادة! حرام عليكي، إنتِ ورطتيني معااه في حتة موقف
قالت هنية باستغراب:
_ موقف إيه؟ وبعدين... صح! جِبتي الهدوم الحلوة دي منين؟
قصّت مودة عليها ما حدث، فضحكت هنية قائلة:
_ وفيها إيه يا بنتي! ده جوزك ههههه، والله إنتِ هبلة.
مودة بضيق:
_ مش كل شوية تقوليلي جوزك يا دادة! أنا مش معتبره كده. مفيش بيني وبينه حاجة، إحنا متجوزين عشان التار، وأظن الكل فاهم ده.
سألتها هنية بدهشة:
_ إزاي يا بنتي؟ محصلش بينكم حاجة؟
مودة بسرعة:
_ هششش! اسكتي يا دادة، قولتلك لا، وياريت ما تطوليش في الموضوع ده.
هنية:
_ ماشي يا بنتي، إنتو حرين.
في تلك اللحظة، كانت بسمة تسمع ما دار بينهما، وارتسمت على وجهها ابتسامة رضا حين أدركت أن آدم لم يقترب من مودة، وأن الزواج بينهما كان مجرد اتفاق. عادت إلى الطاولة لتكمل إفطارها بارتياح، مما أثار استغراب والدتها كاريمان، التي سألتها همسًا:
_ مالك مبسوطة كده ليه؟ من شوية كنتِ هتموتي من الغيظ.
بسمة بصوت منخفض:
_ عرفت خبر يخليني مبسوطة، وأظن هيبسطك إنتِ كمان.
استمر الجميع في تناول الإفطار، بينما جلست مودة في المطبخ مع هنية تتناول طعامها. لكن دخول مازن ومعه وليد قطع الهدوء. وقف آدم بغضب متوجهًا نحو مازن:
_ إيه اللي جابك يا مازن؟ مش قولتلك متجيش دلوقتي؟
رد مازن بعصبية:
_ وإنت فاكرني هفضل مستخبّي وخايف؟ أنا ماعملتش حاجة غلط!
سألت خديجة باستغراب:
_ حاجة إيه اللي تستخبى عشانها يا ولدي؟
آدم بحدة:
_ ولا حاجة يا ستى… موضوع بيني وبين مازن. تعالى نتكلم بره.
لكن قبل أن يغادرا، وقعت عينا مازن على مودة التي خرجت من المطبخ، فصُدم برؤيتها ترتدي ملابس جديدة، وكأنها عروس في هذا المشهد المبهج. قال بغيظ:
_ لا، وكمان جبتلها هدوم جديدة! بقيت معتبرها مننا خلاص يا آدم، صح؟! بنت اللي قت$ل أبويا وأمي بقت ست القصر!
آدم بانفعال:
_ احترم نفسك يا مازن! وبعدين هو فيه إيه هى عشان غيرت هدومها بقيت أنا معتبرها مراتي وست القصر؟!
تدخلت خديجة بغضب، واقتربت من مودة وهي ترفع صوتها:
_ مش أنا جولتلك متقلعيش الاسود يا بنت الق$اتل؟! مفيش خجل ولا دم بيجري في عروقك! صحيح، زي أبوكي… هتطلعي لمين؟!
قالت مودة بخوف:
_ أنا… كنت هلبس الأسود والله، بس ملقتهوش. أنا آسفة.
نظر آدم إليها، مستوعبًا أن هذا هو سبب طلبها للفستان الأسود. شعر بالضيق من فكرة أن يفرضوا عليها حتى لون ما ترتديه، ثم قال بغضب:
_ وتلبس أسود ليه مش فاهم؟
خديجة بغضب أشد:
_ مش فاهم يا آدم؟! مش فاهم إنها لازم تلبس أسود زي ما لبسناه كلنا على أمك وأبوك؟! عاوز بنت اللي قت$ل أمك بدمها تلبس ملون وتتشيك قدامنا؟!
تصلبت قبضتا آدم بغضب، وتذكر منظر أمه وهي غارقة في دمائها بين يديه. نظر إلى مودة بحدة من تصرفاته حقا ما به هو احضرها إلى هنا ليع$ذبها ليس لترتدى وتتزين تنهد آدم وقال بغضب:
_ اطلعي على أوضتك!
مودة بخوف:
_ بس أنا…
آدم بصوت أعلى:
_ بقوولك اطلعي!
ركضت مودة باكية نحو غرفتها وأغلقت الباب خلفها، ثم وقفت أمام المرآة، تتمتم بسخرية حزينة:
_ مش من حقك تلبسي ملون يا مودة… مش من حق واحدة أبوها قا$تل تتشيك قدام اللي يتمّهم.
انهارت جالسة على الأرض، تهمس بانكسار:
_ بس أنا ذنبي إيه يا ربي؟! بحاول أكفر عن ذنب أبويا، ليه كل حاجة بتتقلب ضدي؟!
لمحت ملابسها السوداء على الفراش، فأخذتها وهي تمسح دموعها:
_ أنا فعلاً مش هقلع الأسود ده… مش من حقي ألبس ألوان.
في الأسفل، خيّم الصمت على الجميع بعد أن غادرت مودة مسرعة، والدموع تلمع في عينيها. أخذ آدم مازن بعيدًا عنهم، واتجها معًا نحو الحديقة
قال مازن بغضب، وعروقه تكاد تنفجر من التوتر:
_انت ليه بتعمل كده يا آدم؟ حرام عليك، انت بتعذ$بني كل مرة بشوف فيها البت دي.
آدم، وصوته يحمل مزيجًا من الحزن والحدة:
_يعني انت فاكر إني مبسوط إنها في حياتي؟ فاكر إني مبسوط إني متجوز بنت عدوي؟ أنا بعمل كل ده عشانك يا مازن.
مازن، وعيناه تمتلئان بالدموع:
_قولتلك ميت مرة، أمو$ت أهون من إني أشوف بنت عدوي قدامي كل يوم! انت كده بتقت$لني كل يوم يا أخويا… بالله عليك خد لنا حقنا، والنبي أنا مش قادر يا آدم… كل ما أفتكر أمي اللي ما شوفتهاش ولا مرة في حياتي، قلبي يتقهر لما أشوف البنت دى
اقترب منه آدم، ووضع يديه على كتفيه بقوة:
_أنا حاسس بيك يا مازن… إحنا الاتنين اتحرمنا منهم بدري. بس القت$ل مش هو الحل… إحنا هنفرق إيه عنهم لو عملنا كده؟ هنكون قت$لة زيهم. وبعدين، ناري مش هتبرد لما يأذ$وك...... بالله عليك، لو بتحبني وبتحب أمك، اتقبل الوضع ده. أنت وصية أمي، وأنا بحافظ عليها… ترضى أمك تزعل وهي شايفاك بتمو$تها؟
مازن، بصوت مبحوح:
_…لا.
ربّت آدم على كتفه وهو يقول:
_يبقى تستهدى بالله وتبطل التفكير ده. أنا بعمل كل ده عشانك، وهي مجرد وسيلة عشان نوقف الانتقام.
مازن، وقد استسلم نصف استسلام:
_ماشي… هحاول أتقبل، بس ما تخلينيش أشوفها بالله عليك
أومأ آدم، ليعانقه مازن بدموع؛ فأخوه كان بالنسبة له أغلى من أي شيء، ولم يرد أن يزعجه أكثر، حتى وإن كان قلبه يغلي.
أما في الطابق العلوي، جلست مودة منهكة من كثرة البكاء. مضت أكثر من ساعتين ولم تسمع صوت أحد. همّت أن تفتح الباب وتنزل، لكن فجأة فُتح الباب، وإذا بآدم يقف أمامها. كان قد جاء ليخبرها أن ترتدي الأسود مرة أخرى على الأقل من أجل أخيه، لكنه فوجئ بها قد سبقته وفعلت ذلك، وعادت شاحبة كما كانت.
توقف للحظة، وهو يتأملها بصمت. بدا له أنها في كل مرة تثبت أن نيتها ليست سيئة تجاه أحد، فبمجرد أن اعترضوا على ملابسها، غيرتها فورًا.
نظرت إليه باستغراب من وقوفه هكذا، ثم ناولته الفستان قائلة:
_شكرًا على الهدوم… أنا هدومي نشفت خلاص. حصلت مشكلة بسببي تحت من غير لازمة… أنا آسفة.
تنهد آدم بضيق وهو يأخذ الملابس منها، ولم يجد ما يقوله للحظة، لكنه تذكّر كلمات أخيه:
_… ياريت ما تطلعيش من أوضتك كتير، ومتظهريش قدام مازن. ده أحسن ليكم انتو الاتنين.
مودة، بصوت مائل للحزن:
_أنا باعتبر مازن أخوك زي أختي رحمة بالظبط… هما في نفس السن. وأنا مش هعمل حاجة تأذيه، متقلقش. مش هخليه يشوفني خالص.
نظر إليها آدم باستغراب… حتى مع كل هذا الكره الذي يحمله لها مازن، تقول هذا الكلام! تركها وغادر وهو يفكر في نفسه:
"البنت دي… طيبة بجد؟ ولا بتحاول تخدعنا بطيبتها دي؟ أنا مش مصدق إن واحد زي محسن الشافعي يخلف واحدة زي دي
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
وعلى الجانب الآخر، كان أحمد يركن سيارته أمام قصر السيوفي. فمنذ أن رآها ليلة الأمس أمام هذا القصر، وهو في حالة صدمة. لقد خدعته حين قالت إنها ستغادر المكان مع أخيها، بل وستعطيه الطريقة لإصلاح الأرض، لكن حتى الآن لم تتصل به. لم يجد وسيلة سوى أن يظل مرابطًا أمام القصر، لعلها تخرج، فيتمكن من مواجهتها بشأن موضوع الأرض قبل أن ينفّذ آدم تهديده بقتله.
في ذلك الوقت، كانت تسنيم تخرج من القصر متجهة إلى أحد معارف عائلة منى، لتحضر بعض الملابس التي تركوها في الإسكندرية. فرحمة أصرت على البقاء هنا بجانب أختها، وأهلها وافقوا حتى لا تكون وحيدة، فقرروا المكوث في سوهاج.
خرجت تسنيم مسرعة، لكن أحمد اعترض طريقها، يقف أمامها وذراعاه متشابكتان على صدره، ينظر إليها بغيظ.
– كنت متأكد إنك مش هتنسيني وجايالي.
قالت تسنيم بسخرية:
– جايالك!؟ وهجيلك ليه إن شاء الله؟ وبعدين إنت بتعمل إيه هنا؟
أجابها بحدّة:
– أنا اللي المفروض أسألك السؤال ده. إيه اللي جابك قصر السيوفي؟
تلبّكت من السؤال، فهي لا تريد أن يعرف أنها من عائلة السيوفي، خصوصًا بعد أن سمعت من عمّها ليلة أمس أن العائلتين بينهما عداوة قديمة. فابتكرت كذبة لتدارى توترها:
– هعمل إيه يعني؟ زي ما انت شايف… هما لما لقونا مظلومين وما لناش حد هنا، استضافونا عندهم شوية.
رفع حاجبه ساخرًا وكأنه لا يصدق كلمة مما تقول، لكنها استدركت بغضب محاولة إنهاء الحوار:
– وبعدين إنت مالك بتستجوبني كده ليه؟ ابعد عني!
لكن أحمد وقف في طريقها مرة أخرى، وقال بسخرية:
– ماشي، أنا هعمل نفسي صدقت، مع إني مش مقتنع… وبالنسبة لوجودي هنا، المفروض حضرتك تبقي عارفة. وشكلك نسيتِ اتفاقنا.
ردّت بتوتر:
– ما نسيتش حاجة، كنت لسه هبعتلك الطريقة دلوقتي…
ابتسم ببرود وهو يقرأ ملامحها:
– لا والله؟! طيب وفّري على نفسك التعب، أنا جيت لحد عندك.
أمسكت هاتفها قائلة:
– ماشي، هبعتلك دلوقتي… استنى.
لكنّه خطف الهاتف من يدها بسرعة، فشهقت وهي تحاول استرداده:
– لا يا حلوة، أنا مش مغفل أستنى رسالة وبعدين تختفي. الله وأعلم كنتِ بتضحكي عليّا ولا لأ.
تسنيم بدهشة:
– وهضحك عليك ليه؟ أنا اللي عرضت أساعدك أصلاً، هستفيد إيه؟
قال بلهجة مشككة:
– برضه مش واثق فيكي. عشان كده، هتيجي معايا عند الراجل اللي بيعالج الأرض وتشرحيله كل حاجة، وهو يقولى إنتِ صادقة ولا كذابة.
صرخت بغضب:
– وأنا إيه اللي يجبرني أعمل اللي بتقول عليه؟ طظ فيك وفي أرضك
شدّها من يدها فجأة، وصوته يهددها بحدة جعلتها تبلع ريقها خوفًا:
– اللي يجبرك… أخوكي اللي حر$ق الأرض،ومش بعيد لو ما اتصلحتش، آدم يحر$قه هو والأرض سوا.
قالت وهي تحاول الدفاع عنه:
– قولتلك أخويا محر$قش أرض حد، كان مربوط لما أنا دخلت وهربته
ابتسم احمد بسخرية:
– كل الأدلة ضده… وصدقيني، لو الأرض ما اتصلحتش، مش هيحصلكوا خير، لا إنتي ولا هو.
رفعت حاجبيها متحدية:
– وأنا محدش يهددني! أعلى ما في خيلك اركبه!
لم يرد، بل فتح باب سيارته وأمسك بهاتفه كأنه يجري اتصالًا:
– ألو يا آدم… بقولك، محمد ده… آه، خطيب مودة… هو اللي حر$ق أرضنا. إيه؟ اقت$له زي ما قلت…
قبل أن يكمل، خطفت تسنيم الهاتف من يده بسرعة وذعر، لتكتشف أنه لم يكن يتحدث مع أحد أصلًا. نظرت إليه بصدمة وغضب:
– إنت كنت بتضحك عليا!
ضحك ببرود:
– مالك خوفتى كدا ليه مش كنتى عاملة نفسك إبراهيم الأبيض ومحدش يقدر يهددك
أخذ الهاتف منها وأكمل حديثه:
– أحسنلك تيجي معايا قبل ما اقول لآدم بجد وتندمي.
ركب سيارته وفتح الباب الآخر منتظرًا أن تركب.... ظلّت تسنيم واقفة، تفكر بتوتر؛ ربما محمد فعلها فعلًا، فهي لم تعد تثق بتصرفاته، وإن لم تساعد أحمد، قد تعرضه للخطر.
زفرت بضيق وركبت السيارة، تغلق الباب خلفها بعنف حتى فزع أحمد:
– براحة على العربية الله يخربيتك… إنتي متخلفة ولا إيه؟
نزل من السيارة ليتفقد الباب، ثم قال مطمئنًا نفسه:
– الحمد لله، ما أذيتكيش يا فوزية… كنت هبوظ وشها.
نظرت له تسنيم بذهول من حديثه مع السيارة هذا المجنون هل يعبد السيارة ام ماذا ، ثم سخرت:
– أنا كنت شاكّة إنك مجنون… دلوقتي اتأكدت.
رمقها بغيظ وقاد السيارة:
– اسكتى انتى إيه اللى فهمك علاقة مقدسة زي دي بين الراجل وعربيته؟ عقلك مش هيستوعب.
انفجرت ضاحكة:
– علاقة مقدسة؟ ههههه… طب يلا سرع شوية، ولا خايف على مشاعرها لما يخلص البنزين؟
تجاهلها متعمدًا القيادة أبطأ، مما زاد غيظها، وظلّا نصف ساعة في الطريق حتى وصلا لمنطقة قريبة من الأراضي الزراعية. ركن السيارة، ولما نزلت تسنيم، استوقفها فجأة وهو يتذكر شيئًا:
– استني… إنتِ ما ينفعش تدخلي كده.
نظرت له بريبة:
– ليه؟ ولا اقولك احسن برضو خلاص انا همشى
احمد بغضب :
– تمشى إيه أنا مش قصدى كدا ........ قصدي ما ينفعش تدخلي كبنت… لكن ينفع تدخلي كحنفي فتح الله.
تسمرت مكانها، تحدّق فيه بصدمة:
– نعممممممم يخوياااااا؟؟؟
_______________________________________
وعلى الجانب الآخر في قصر الأسيوطي، كانت مودة تجلس في المطبخ مع دادة هنية. فمنذ أن جاءت إلى هذا المكان، لم تجد لنفسها راحة إلا بصحبة هذه المرأة الطيبة وسط ما تسميه "منزل الشياطين". كانت مودة تغسل الأطباق بينما هنية تقطع بعض الخضار.
قالت مودة وهي تمسح بعض رغوة الصابون عن وجهها:
-صحيح يدادة انتى إيه اللى جابرك تعيشى هنا فى القصر ده ؟
أجابت هنية مبتسمة:
-لقمة العيش يبنتى هنعمل اى
مودة بإستغراب
-لقمة عيش إيه يدادة اللى تخليكى تعيشى مع الشياطين دول فيه مليون بيت تشتغلي فيه
دادة هنية بضحك
-ههههه اتعودت عليهم يبنتى من وانا أصغر منك وانا شغالة هنا من ايام البيه الكبير
مودة بصدمة وهى تقوم بتجفيف الأطباق امامها:
-يلهووووى يعنى بقالك اكتر من ٢٠ سنة هنا انتى هتكملى معاهم مؤبد يدادة!!!
هنية بضحك
_يمكن اكتر من ٢٠ سنة كمان يبنتى
مودة بحزن:
_كتر خيرك إنك مستحملاهم بجد انا بقالى اسبوع هنا وحاسة ان بيجيلى اضطراب معوى لما اشوف حد منهم
دادة هنية بضحك:
-ههههه يبنتى هما والله كويسين وقلبهم ابيض كلهم كفايا وجود آدم بيه لوحده فى القصر هو اللى مصبرنى .....لأن ساعات خديجة هانم بتبقا وحشة برضو
كانت هذه الجملة الأخيرة قد وصلت لمسامع شخص لم يكن بعيدًا. فقد جاء آدم كعادته ليطلب قهوته، إلا أن خطواته توقفت عند باب المطبخ حين سمع مودة تصفهم بالشياطين. تجمد مكانه، عينيه تتابعان وجهها المتوتر، قبل أن يسمعها ترد على هنية:
-إييييه الروبوت ده بيهم كلهم !!..انتى هتهزرى يدادة دى اللى اسمها بسمة الصفرا احسن منه
نظر آدم بصدمة من كلمتها ....روبوت !!!!!هل تظنه هكذا حقا؟،.. هو لا ينكر انه قاسى وبالأخص معها ولكن هل تراه كإنسان آلى!!!...لا وتقارنه ببسمة أنها افضل منه هل جنت هذه !!.....
كاد ان يدخل بغيظ للمطبخ ولكن اوقفه هنية وهى تقول
-يعنى إيه روبوت ده يبنتى اللى شبهتى آدم بيه
مودة وهى تجلس على إحدى الكراسى فى المطبخ مما جعل وجهها يظهر لآدم اكثر :
_انسان آلى يعنى يدادة عرفاهم دول اللى هيخترعوهم قريب بالAIهوا بقا النموذج الاساسى اللى هنجيبه لأمريكا تدرب الروبوتات عليه بالذات بمشيته دى
انفجرت هنية بالضحك، بينما عضّ آدم على أسنانه. خطا فجأة إلى الداخل، فسقط الطبق من يد مودة، واتسعت عيناها بصدمة، وكأن الشيطان ظهر عند ذكره.
قال بصوت حاد، وعينيه لا تفارقانها:
-ممكن تعمليلى يدادة قهوة .....أمريكية من اللى هناك دييي .....
ليقول جملته وهو يأكد على كلمة أمريكية هذه فى حديثه... تجمدت مودة في مكانها، وسقط ما كانت تقطعه من يدها مرة أخرى، قبل أن تتراجع خطوة خلف هنية، التي أخفت ابتسامة ساخرة وهي ترد:
-حاضر يبنى هجبهالك على مكتبك
أومأ آدم، وألقى على مودة نظرة طويلة قبل أن يغادر.
مودة وهى تشهق بصدمة:
-احيييييه يدادة هوا سمعنى !؟؟
هنية بضحك:
-هههههه آه يبنتى احب اصدمك احنا معندناش قهوة أمريكية هنا
جلست مودة بخوف وهى على وشك البكاء كلما تذكرت نظراته:
-ياخيبتى التقيلة يانى يحظك الهباب اللى بيجري وراكى يمودة كان لازم اتسحب من لسانى يعنيي .....احييه يدادة هيعمل فيا اى !
هنية وهى تنفجر ضاحكة
-هههه هيعمل اى يعنى يمودة ههههه زمانه مصدوم يحبت عينى من الوصف بتاعك
مودة بغضب
-اضحككككى اضحكككى يدادة ما انتى اصلك مش فى الموقف الزفت بتاعى ده ...انا مالى من ساعت ما صحيت النهاردة وانا عمالة اتحط فى مواقف زى الزفت معاه كدا
لتقول جملتها وهى تجلس بتذمر على هنية التى مازالت تضحك.......
أما عند آدم، فقد دخل إلى مكتبه غاضبًا وأغلق الباب خلفه بعنف، زافرًا بضيق وهو يسترجع كلماتها في ذهنه.
هل تراه حقًا بلا مشاعر إلى هذه الدرجة؟! ولماذا اختارت هذا الوصف بالذات؟!
اقترب من المرآة يتأمل نفسه باستغراب ،ثم أمعن النظر أكثر، كأنما يبحث عن عيب خفي هل معقول قالت هذه الجملة لأنه طويل وعريض؟
ظل يحدق في صورته بوجه متجهم، مستغربًا من نفسه؛ فمنذ متى وهو يقف أمام المرآة كل هذا الوقت؟! وفجأة تذكر عبارتها عن مشيته، فتحرك بضع خطوات أمام المرآة، يراقب انعكاسه. لكن ما إن فعل حتى انتبه من تصرفاته منذ متى وهو يفعل هكذا ماذا يحدث معه؟
تجمد للحظة، ثم انفجر ضاحكًا من قلبه. هذه الفتاة مجنونة بحق! منذ أن رآها أول مرة وهي تطلق عليه ألقابًا غريبة: مرة "أبو لهب"، والآن "روبوت"! وها هو، كالأبله، يتأثر بكلامها ويقف يتفحص نفسه!
ابتسم ابتسامة ماكرة وقال بصوت خافت:
ــ قال روبوت قال... والله لأوريكى ( يتبع)